نصوص ومقالات مختارة

  • موقف ابن تيمية ممن آذى وسب علياً عليه السلام، القسم الثاني

  • 06/05/2010
    المُقدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وصفوة الله من الخلائق أجمعين المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين، السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة استهل بها لقاء آخر في هذا البرنامج العقائدي مع سماحة السيد كمال الحيدري وهو يتحدث في هذه الحلقة عن القسم الثاني من موضوع: (موقف ابن تيمية ممن آذى وسب علياً عليه السلام). تبركاً افتتح هذه الحلقة بما نقل عن أحد العلماء الأعلام رضوان الله عليه، أنه سُئل لماذا الله تبارك وتعالى أمر نبيه أن يطلب الأجر الوحيد، الأجر الوحيد الذي يطلبه من أمته على كل ما تحمله من آذى ولم يؤذى نبي قط كما أُذي صلى الله عليه وسلم، مودة أهل البيت عليهم السلام كأجر على هذا الأذى وتبليغ الرسالة، أجاب هذا العالم رضوان الله عليه، قال: لأن المودة هي رأس كل خير، إذا كانت المودة جلبت معها الطاعة، جلبت معها الاتباع، وبالتالي فمن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن أحب رسول الله فقد أحب الله ومن أحب الله أحبه الله تبارك وتعالى، رزقنا الله وإياكم أيها الأخوة والأخوات محبة محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين. أرحب بكم سماحة السيد كمال الحيدري.
    سماحة السيد كمال الحيدري:  أهلاً ومرحباً بكم.
    المُقدِّم: سماحة السيد في الحلقة السابقة كنت في خدمتكم وخدمة الأخوة والأخوات المشاهدين وأنتم تتحدثون عن موقف ابن تيمية ممن آذى وسب علي عليه السلام، هذا هو القسم الثاني، فحبذا أن تكون بدايته خلاصة للقسم الأول تكون أرضية لإدامة البحث.
    سماحة السيد كمال الحيدري: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
    ذكرنا في الحلقات السابقة أن هناك مجموعة من الفضائل والمناقب اجتمعت لعلي عليه السلام بنحو لم تجتمع لأحد من الصحابة، صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يقول لنا قائل بأنه قد ذُكرت في كتب الآخرين فضائل لصحابة آخرين لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا إنشاء الله تعالى سأقف عند هذه المقولة التي بدأ يرددها البعض على بعض المواقع أو الفضائيات، نحن قلنا في أول هذه الحلقات أن المنهج العلمي الصحيح الذي نتبعه هو أننا نستدل ونحتج بالسنة النبوية المجمع عليها بين علماء المسلمين، وعندما أقول أنه اجتمع لعلي من الفضائل والمناقب ما لم يجتمع لأحد من الصحابة حتى أبي بكر وعمر فضلاً عن غيرهما، مرادي السنة النبوية المجمع عليها بين علماء المسلمين. بمختلف اتجاهاتهم وفرقهم. تقدم في الأبحاث السابقة بأنه ثبت لعلي عليه أفضل الصلاة والسلام بنحو صحيح ومتفق عليه بين علماء المسلمين أن من أحب علياً فقد أحب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من أحب علياً فقد أحبني، ومن أحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد أحب الله، والنتيجة أن من أحب علياً فقد أحب الله سبحانه وتعالى، هذه هي الفضيلة الأولى التي تقدم الكلام عنها.
    الفضيلة الثانية التي أيضاً اتفقت عليها كلمة علماء المسلمين أن من أبغض علياً فقد أبغض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن أبغض رسول الله فقد أبغض الله، والنتيجة أن من أبغض علياً فقد أبغض الحلق سبحانه وتعالى.
    المنقبة الثالثة التي وقفنا عندها في الحلقة السابقة وهو أنه (من سب علياً فقد سب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن آذى علياً) وأنا أتصور أن القضية واضحة أن من سب رسول فقد سب الله، إذن فمن سب علياً فقد سب الحق سبحانه وتعالى، بل قرأنا للمشاهد الكريم (من آذى علياً فقد آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله سبحانه وتعالى) هذه هي مجموعة المناقب والفضائل التي أشرنا إليها في الأبحاث السابقة، طبعاً وهناك عشرات الفضائل والمناقب التي سنشير إليها وهي مختصة بعلي عليه أفضل الصلاة والسلام، لم ترد في حق أحدٍ من الصحابة، لا يقول لنا قائل: أنه ورد في حق فلان أو فلان ما يشابه ذلك، إنما ورد ذلك بشكل مذهبي إن صح التعبير، يعني ورد على هذا الكتاب دون هذا الكتاب، ورد في حق فلان من الصحابة شيء نقله البخاري أو نقله مسلم ولكن لم يتفق عليها عليه جميع علماء المسلمين، أؤكد للمرة الثانية أو الثالثة وهو أننا نريد في مقام الاحتجاج الاستدلال بتلك النصوص والروايات والأحاديث والآثار التي وردت عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بشرطين، الشرط الأول أن تكون تلك الأحاديث مجمع عليها بين جميع علماء المسلمين. الشرط الثاني أن تكون مقبولة وصحيحة عند علماء المسلمين، لا أن تكون روايات ضعيفة، يعني ولذا تجدون نحن لا نستدل برواية ضعيفة موجودة في كلمات الآخرين، يعني عندما نأتي إلى مسند الإمام أحمد لا ننقل أي رواية من هذا المسند، وإنما ننقل الروايات الصحيحة لا الروايات الضعيفة ولذا نحن عندما نشير إلى رواية نقول أنها صحيحة أو ضعيفة، وإلا لو كانت ضعيفة يقيناً أن الطرف الآخر يقول هذه الرواية لا يمكنكم أن تحتجوا بها علينا، وكذلك كنا نتوقع، واقعاً أنا عندما ألاحظ بعض الفضائيات وبعض الذين يدعون المنهج العلمي ويدعون أنهم من الأكاديميين وأصحاب الشهادات وأنهم من أهل العلم ونحو ذلك ولكن أجدهم أنهم يحاولون أن يستدلوا ببعض الروايات الواردة في أصول الكافي أو البحار أو غيرها وهذه الروايات غير مقبولة عندنا، هذه الروايات ضعيفة عندنا، هذه الروايات مرفوضة عندنا، أنا بودي أن المشاهد الكريم يلتفت إلى هذه النقطة، وأنا قلت هذه القضية لمرات عديدة، وأنا واقعاً أربأ بنفسي أن أقول هل نحن نعلمكم أيضاً هذا البعد، يعني كم مرة نحن ذكرنا في أبحاثنا إذا أردتم أن تحتجوا علينا بشيء لابد أن يكون أولاً صحيحاً، يعني متفق عليه، وثانياً أن يكون صحيحاً، لماذا؟ لأن أمتي لا تجتمع على ضلالة، لأن أمتي لا تجتمع على خطأ، نعم إذا وجدت الروايات عندنا فقط وهي غير موجودة عندكم عند ذلك ندخل في بال الإلزام وهو أنه ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.
    المُقدِّم: إذا كانت موجودة في كتبنا ونحن نقول بضعفها وعدم صحتها.
    سماحة السيد كمال الحيدري:  هذه النقطة بودي أن المشاهد الكريم يلتفت إليها، منهجنا الذي بنينا عليه في الأبحاث السابقة وهذا البحث وكل الأبحاث الآتية أننا نستدل بتلك الروايات المجمع عليها بين جميع علماء المسلمين، يعني السنة النبوية المجمع عليها، لأن أمتي لا تجتمع على خطأ، لأن أمتي لا تجتمع على ضلالة، وثانياً أن تكون هذه الروايات لا فقط موجودة في كتب العلماء جميعاً ومجمع عليها بل أن تكون صحيحة عندهم جميعاً.
    المُقدِّم: صحيحة عندهم جميعاً أو عند من تحتج به.
    سماحة السيد كمال الحيدري:  صحيحة عند جميع علماء المسلمين، إلا من يريد أن يعتني، يدعي كذباً وزوراً أنها غير صحيحة فلا قيمة له، وإلا فهي صحيحة عندهم، هذه قضية. القضية الأخرى التي انتهينا إليها في الأبحاث السابقة وهو أنه ثبت عندنا بما لا يقبل الشك والريب أن معاوية كان يبغض علياً عليه أفضل الصلاة والسلام وكان يسب علياً عليه أفضل الصلاة والسلام، وكان يشتم علياً عليه أفضل الصلاة والسلام، والروايات التي قرأناها من صحيح مسلم وابن كثير في البداية والنهاية وعشرات المصادر الأخرى أثبتت هذه الحقيقة بما لا مجال للريب فيها لمن ينظر إلى التأريخ بعين الإنصاف والمنهج العلمي يرى بأن معاوية كان أول من أسس هذا بنحو منهجي، لا أنه لم يكن قبل ذلك، لعله كان، ولكن بنحو منهجي وأدى إلى أن يربي جيلاً من الناس يؤمن ببغض علي ويؤمن بالنصب لعلي وأهل بيته عليه أفضل الصلاة والسلام.
    وهنا لابد أن أشير أيضاً إلى قضية أخرى ولو إجمالاً وهو أننا عندما قلنا في الروايات المتقدمة (يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) مرادنا من النفاق هو النفاق الإيمان لا النفاق العلمي، لأن هناك روايات بينت علامات النفاق، ولكن تلك علامات النفاق المرتبطة بالبعد العملي وليست بالبعد الإيماني، ولذا نجد بأن العلامة الآلوسي في (روح المعاني، ج14، ذيل الآيات من سورة محمد (صلى الله عليه وآله) وهي الآيات 27- 31) يقول بعد أن يثبت أن يزيد كان منافقاً، يقول: وقد جاء في الآثار المتواترة معنى وحينئذ لا مجال لك من القول بأن اللعين كان منافقاً، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة علامات النفاق غير ما ذكر، يعني لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، إذن القضية لا تنحصر بعلي عليه أفضل الصلاة، يعني ليس علي فقط هو ميزان الإيمان والنفاق. وهذا ما يؤكد عليه ابن تيمية في كل كتبه، أن هذه القضية ليست من مختصات علي. العلامة الآلوسي يجيب على ذلك، يقول: لكن قال العلماء هي علامات النفاق العملي لا الإيماني، وحديث لا يبغضك إلا منافق إشارة إلى النفاق الإيماني والعقدي، فقط هذه إشارة كان بودي أن أشير لها.
    فتحصل إلى هنا أنه أساساً أولاً أن هذه المناقب والفضائل ثابتة لعلي وحده بإجماع المسلمين وليس لأحد غيره على الإطلاق، وثانياً أنه ثبت كمصداق من مصاديق من أبغضوا وسبوا وشتموا علياً هو معاوية. هذا ما تقدم بحثه في الأبحاث السابقة.
    المُقدِّم: سماحة السيد كمال الحيدري تركزون بصورة واضحة على معاوية وبغضه وسبه لأمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وكتب التاريخ تنقل الكثير من نماذج من هذا البغض الصريح ولعله فيه أيضاً كلمات واضحة ولعله أيضاً سابق لما ظهر من معاوية، حتى قبل كانوا من الذين أسلموا قبل معاوية، فلماذا هذا التركيز على معاوية؟
    سماحة السيد كمال الحيدري:  في الواقع بأن هذا التساؤل يُطرح كثيراً، وهو أنه قضية بغض علي أو سب علي لم يكن مختصاً بالصحابي معاوية، وإنما كان في غيره من الصحابة أيضاً فلماذا التركيز على معاوية، هذه القضية أشرنا إليها في أبحاث سابقة والآن نزيده توضيحاً، وهو أننا عندما نقف على معاوية ليس همنا شخص معاوية، ليس همنا هذا الشخص، وإنما وكما ذكرنا في أول هذه الأبحاث أنه هناك نهج أموي بُني على معالم ومن أهم معالم النهج الأموي الذي أسسه معاوية هو بغض علي عليه أفضل الصلاة والسلام، لا فقط بغض علي عليه أفضل الصلاة والسلام، بل بغض أهله عليهم أفضل الصلاة والسلام، وما يزيد الأمر خطورة أننا نجد أن هذا النهج انتشر بشكل كبير بين جملة من أعلام المسلمين والآن يوجد هناك أعلام من المعاصرين، كتّاب كبار يدافعون عن النهج الأموي، وعن نهج معاوية فيما أسس له، وهذا ما سيتضح إنشاء الله تعالى من خلال الأبحاث اللاحقة.
    أنا أحاول أن أقف من الناحية التاريخية عند مجموعة من هؤلاء الأعلام الذين مع أنه ثبت أن معاوية كان مبغضاً وساباً وشاتماً لعلي، وأن من أبغضه فهو منافق، نجد أنهم يحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يدافعوا عن نهج معاوية، ونحن عندما تجدون أن مدرسة أهل البيت وأتباع مدرسة أهل البيت وعلماء مدرسة أهل البيت يوجد عندهم موقف من شخص أو من صحابي لا لأنه صحابي، بل لأنه منافق، بل لأنه يبني على بغض علي وآل علي وأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) والكتب التي كتبت في هذا المجال، والدفاع الذي دُفع به عن معاوية لا يصدق، وأنا أتصور سيتضح للمشاهد الكريم من خلال الاستعراض الذي سنستعرضه جملة من هذه الحقائق. سوف أحاول إنشاء الله تعالى أن أقف في الدفاع المستميت الذي وقفه جملة من علماء المسلمين.
    على سبيل المثال ما ذكره النووي، على سبيل المثال ما فعله صحيح مسلم، على سبيل المثال ما ذكره في البداية والنهاية ابن كثير، على سبيل المثال ما فعله ابن تيمية، على سبيل المثال ما ذكره ابن باز، على سبيل المثال ما ذكره محمد بن عبد الوهاب، وجملة من هؤلاء الذين نجد أنهم يدافعون عن معاوية دفاعاً لم يدافعوا به عن أحد آخر من الصحابة. قد يقول لنا قائل: لماذا تقول هكذا، فهؤلاء دافعوا عن فلان. أقول: نعم، ولكن نجد أن هناك تركيز على الدفاع عن معاوية، والأدهى من ذلك أنهم يحاولون أن يؤولوا كل ما صدر عن النبي (صلى الله عليه وآله) في معاوية وبني أمية، إما أن يرمونها بالضعف، إما أن يرمونها بالكذب، إما أن يرمونها بالوضع، إما أن يؤولوا مضمونها وهذا ما سنقف عليه.
    من الكتب التي وقعت بيدي في الآونة الأخير هو كتاب (أعلام المسلمين، رقم 21 – هذا الكتاب سحبته من المواقع- معاوية بن أبي سفيان صحابي كبير وملك مجاهد) منير محمد الغضبان، دار القلم، دمشق بيروت. في هذا الكتاب يوجد على ظهر الكتاب يقول: لقد سارع الكثيرون فاتهموا الرجل – معاوية- أنه تمرد على أمير المؤمنين الشرعي علي بن أبي طالب، يعتبر هذا اتهام ليس له واقع، لم يتمرد على علي بن أبي طالب الذي هو الخليفة الرابع لا أقل بحسب اعتقاد مدرسة الصحابة، ونازعه الخلافة وعرض الأمة لسفك دمائها، أنه أعادها كسروية هرقلية استبدادية إلى أن يقول: أما علماء الكبار أئمة الإسلام محدثوه وفقائه ومفسروه ومؤرخوه فقد برءوا الرجل وقالوا عنه مجتهد أخطأ، وله الأجر والثواب إنشاء الله تعالى. هذا ما قاله. أنا بودي أن المشاهد الكريم يلتفت إلى أسماء الذين أشار إليهم ممن دافعوا عن معاوية حتى يتضح الخط العام لهؤلاء.
    يقول هذا ما قاله البخاري ومسلم والغزالي والنووي وابن تيمية والذهبي وابن كثير وابن حجر وغيرهم. غيرهم إنما هم تلامذة هذه المدرسة. هؤلاء الذين نحن مراراً وتكراراً من غير الغزالي فقط مراراً وتكراراً قلنا هؤلاء هم الذين أسسوا النهج الأموي العام، النهج الأموي العام على مستوى الحديث أُسس في كتابي البخاري ومسلم وستتضح القرائن على ذلك، وعلى مستوى التنظير نجد ذلك بشكل واضح عند ابن تيمية والذهبي وابن كثير وابن حجر ومن جاء بعدهم وقلدهم في هذا المجال أمثال محمد بن عبد الوهاب وابن باز من هذه الطبقة. وأنا لا أذكر هؤلاء باعتبار أنهم واقعاً ليسوا علماء بالمعنى الحقيقي، يعني ليسوا من المجتهدين، هؤلاء مجموعة من المقلدة قلدوا ابن تيمية ومن جاء بعده، ومع ذلك سنقف قليلاً عند بعض كلمات محمد بن عبد الوهاب وابن باز الذي يحاول البعض وبعض الأصوات النشاز التي تحاول تكريم محمد بن عبد الوهاب وغيره مع أنه ليس إلا مقلد صغير حتى في كلماته فهو ينقل كلمات ابن تيمية وهذا ما سأشير إليه بعد ذلك إنشاء الله تعالى.
    طبعاً، هذا الكتاب فيه مقدمته يوجد هذا البحث، ينقل عن الإمام ابن كثير في المقدمة، يقول – ابن كثير صاحب البداية والنهاية والتفسير-: انعقدت الكلمة على معاوية وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة 41، ثم يقول: فلم يزل بالأمر مستقلاً إلى سنة وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض والمسلمون معه في راحة وعدل، وكأن أصحاب علي الذين كان يقتلهم تحت كل حجر ومدر ليسوا من المسلمين، والأبناء أبناء أولئك الآباء الذين الآن يقتلون أتباع وشيعة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام. والمسلمين معه في راحة وعدل وصفح وعفو، ثم ينقل كلام الإمام الذهبي يقول: معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين- هذا المنافق، هذا الإنسان الذي يبغض ويسب ويشتم علياً بهذا استحق افتخاراً أن يكون أمير المؤمنين، وواقعاً هو أمير مؤمنيهم- ملك الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي الأموي المكي. ثم هذا الرجل في مقدمة كتابه يبين لماذا كتب هذا الكتاب، يقول: ما اعتقد أن شخصية في تأريخنا الإسلامي ومن الرعيل الأول من الصحابة – لا أعلم متى صار الطلقاء وابن الطلقاء من الرعيل الأول من الصحابة، التفتوا إلى المغالطات والكذب الصريح على المسلمين- الذين تربوا على يدي رسول الله وعاشوا وحي السماء قد نال من التشويه والدس والافتراء ما نال معاوية بن أبي سفيان – المشاهد الكريم لابد أن يلتفت لم يكن يكفينا معاوية- رضي الله عنهما – يعني أبو سفيان ومعاوية- لقد أصبح كثير من المعلومات ثابتة في أذهان الناس لا تقبل الشك ولا تقبل الجدل ولا تتناسب أبداً والمستوى اللائق بصحابة رسول الله.
    الآن أنا بعد هذه الأسماء التي أشار إليها أريد أن أقف عند بعضها ولو بمقدار ما يسعه الوقت.
    أريد أن أقف قليلاً عند صحيح مسلم، تعلمون أنه في صحيح مسلم لا توجد إلا مجموعة من النصوص الواردة التي يعدونه من أصح الكتب بعد كتاب الله، وسيتضح لماذا صار صحيح البخاري وصحيح مسلم من أصح الكتب بعد كتاب الله. إذا تتذكرون في الأسبوع الماضي سألنا أحد الأخوة عن سبب الاهتمام بهذين الكتابين، سيتضح قليلاً ما هو وجه الاهتمام بهذين الكتابين.
    في (صحيح مسلم، ج4، ص387 ) حققه وخرج أحاديث وعلق عليه الشيخ مسلم بن محمود عثمان السلفي الأثري، فلا شك أن هذا الكتاب بتحقيق منهم. ينقل رواية عن ابن عباس، قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله فتواريت خلف باب، قال: فجاء فحطأني حطأة وقال: اذهب وادعوا لي معاوية. قال: فجئت فقلت هو يأكل، قال: ثم قال اذهب وادعوا لي معاوية. قال: جئت فقلت هو يأكل. … إلى أنه فقال: لا أشبع الله بطنه. هذه الرواية التي تنقل وهي من المسلمات عند القوم، ولذا من حيث السند هؤلاء لم يستطيعوا أن يتلاعبوا بسند هذه الرواية، ولكن المهم عندي أن تعلموا أن هذه الرواية أين نقلها؟في أي باب؟ التفتوا جيداً في أي باب نقلها وبعد أي حديث نقلها؟ البحث في هذا اليوم فيه مقدار من الدقة.
    هذا الحديث نقله في باب سواء كان من مسلم أو من غير مسلم مضمون الأحاديث، لأن البعض يقول أن هذه العناوين ليست من وضع مسلم وإنما ممن طبع هذه الكتب، هذا لا يهمني لأن موضوع الروايات هو هذا المعنى.
    في باب (من لعنه النبي أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك) تبين أن رسول الله أيضاً كان يسب، تبين أن رسول الله غير عادل، فنسقط عدالته، نقسط الإنسان الذي قال عنه تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى). وسأقرأ لكم من الروايات لنرى مسلم ماذا يفعل برسول الله لأجل معاوية. قال: وليس هو أهلاً لذلك، كان له زكاة وأجراً ورحمة، يعني أنه رسول الله عندما دعا على معاوية هذا بالنسبة إليه رحمة وزكاة. هذا في (باب 25 من كتاب البر والصلة، رقم الرواية 2604) قبلها توجد رواية أخرى ينقلها بهذا المضمون، وهي، حدثني أنس بن مالك قال: كانت عند أم سليم يتيمة أو مصغرة (يُتيمة) وهي أم أنس، فرأى رسول الله اليتيمة، فقال: أنت هي لقد كبرت لا كبر سنك، فدعا على هذه اليتيمة. الرواية طويلة … فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي فقالت أم سليم ما لك يا بنية، قالت الجارية: دعا علي نبي الله أن لا يكبر سني، فالآن لا يكبر سني حتى لقيت رسول الله … الرواية تقول: خرجت أم سليم مستعجلة ثم دخلت على رسول الله فقالت لها رسول الله: ما لك يا أم سليم، فقالت: يا نبي الله أدعوت على يتيمتي، قال: وما ذاك يا أم سليم، قالت: … فضحك رسول الله ثم قال: يا أم سليم أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت إنما بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأي ما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهوراً وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة.
    إذن تبين هذا النص التفت جيداً مسلم، أن هذا النص دعاء لمعاوية أو دعاء لمعاوية، هو ملتفت أنه دعاء على معاوية، ولكنه ذكره في هذا الباب وبعد هذه الرواية للإشارة إلى أنه لم يكن أهلاً لذلك فيستحق به الزكاة والرحمة والمغفرة والقربى من الله سبحانه وتعالى.
    قد يقول قائل: سيدنا لماذا تحمل النص أكثر مما يستحق.
    انظروا إلى الإمام النووي الذي ذكره أيضاً صاحب كتاب (معاوية) قال ممن دافع عن معاوية هو الإمام النووي، الإمام النووي في (المنهج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج15، ص371) دار المعرفة، بيروت، في ذيل شرح هذا الحديث يقول – النووي-: لماذا أن مسلم جاء ووضع هذا الحديث بعد ذاك الحديث وفي هذا الباب، هذه عبارته، يقول: وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه، ولذا وضعه في هذا الباب وبعد حديث أم سليم. فلهذا أدخله في هذا الباب وجعله، هذه نقطة انتهى، مسلم فعل ذلك. يقول: وجعله غيره من مناقب معاوية، يعني دعاء النبي الذي كان دعاء على معاوية صار دعاءً لمعاوية، وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير مستحقاً للدعاء عليه، وفي الحديث … إلى غير ذلك. هذا ما يقوله النووي.
    ثم نأتي إلى (البداية والنهاية، ج11، ص401) لابن كثير وقد تكلم بشكل أوضح عن القضية، العبارة واقعاً الإنسان يقشعر بدنه منها. بعد أن ينقل رواية (لا أشبع الله بطن) قال: فما شبع بعدها. باعتبار أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا عليه. يقول ابن كثير، التفتوا جيداً أيها المشاهد الكريم أنا عندما جعلت ابن كثير وابن حجر وابن تيمية من أصحاب الاتجاه الأموي والإسلام الأموي البعض قال بأي دليل، هذه من الأدلة. يقول: وقد انتفع معاوية بهذه الدعوى في دنياه وأخراه، أما في الدنيا فأنه لما صار في الشام أميراً كان يأكل في اليوم سبع مرات، يجاء بقصة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها ويأكل في اليوم سبعة أكلات بلحم، ومن الحلوى والفاكهة شيئاً كثيراً، ويقول والله ما أشبع وإنما أعيى وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك، أن يأكلوا كثيراً ولا يشبعوا. وأما في الآخرة فقد أتبع مسلم – التفتوا جيداً، إذن ابن كثير التفت إلى النكتة التي يريد أن يشير لها مسلم في صحيحة- وأما في الآخرة فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذي رواه هو والبخاري وغيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: اللهم إنما أنا بشر فأي ما عبد سببته، تبين أن رسول الله سباباً في غير محله، فأي ما عبد سببته، هذا هو رسول الله عند النهج الأموي، هذا هو مقام رسول الله عندهم فما بالك بمقام علي وفاطمة وأهل البيت عند أصحاب النهج الأموي والمدرسة الأموية، فأي ما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهلاً، والله هذا لا يصدر عن أصاغر الناس، عن أصاغر الذين لهم مروءة، لا أقول أنهم من أهل الإيمان والعلم لا أقول أنهم من العلماء ومن الأئمة والحفاظ لا أقول أنهم من الخلفاء الكبار، لا، أواسط الناس وأصاغرهم هذا الكلام لا يصدر منهم. وليس لذلك أهلاً فأجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة. التفتوا إلى محل الشاهد من كلام ابن كثير، ماذا فهم من الإمام مسلم في صحيحة. يقول: فرّكب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية. يعني لمن يدقق تبين أنه ليس مسلم بصدد أن يعيب على معاوية أن يذم معاوية، أن يقول دعاءً صدر من النبي على معاوية، ولهذا نحن صنفنا صحيح مسلم في النهج الأموي. فرّكب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية ولم يورد له غير ذلك، يعني لم يذكر في كل صحيح مسلم غير هذا النص. وهناك نصوص أخرى قد نتعرض لها.
    إذن إلى هنا اتضح للمشاهد الكريم أن هؤلاء لأجل الدفاع عن معاوية مستعدون لانتقاص رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن يتهموه بمثل هذه الاتهامات.
    الآن أقرأ لكم عبارة لعلها أوضح من هذه جميعاً، وممن يستندون إليه في تصحيح أحاديثهم، حيث يعد عندهم العلامة الأكبر في الجرح والتعديل وهو العلامة الألباني في (سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج1، القسم 1، الحديث 82، ص165) يقول: لا أشبع الله بطنه، يعني معاوية، يقول: إن رسول الله بعث …. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. ثم يقول: وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعناً في معاوية – إذن تبين أن هذا ليس مطعناً في معاوية بل هو دعاء ومكرمة لمعاوية وليس دعاءً على معاوية- وليس فيه ما يساعدهم على ذلك، كيف وفيه أنه كان كاتب النبي- ولذلك قال الحافظ ابن عساكر، أنه أصح ما ورد في فضل معاوية، هذا أفضل ما ذكر في معاوية- فالظاهر أن هذا الدعاء منه (صلى الله عليه وآله) غير مقصود – أصلاً هي عبارة لغو صدرت من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لا أعلم هؤلاء ألم يقرءوا القرآن ألم يتدبروا قوله تعالى (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) يقول: كأي إنسان عادي ساهٍ غافل لم يكن مقصوداً- بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية، كقوله في بعض نسائه فلان، وقوله وقوله، ويمكن أن يكون ذلك – هذا هو موقع ومقام سيد الكونين محمد، سيد الأنبياء والمرسلين عند النهج الأموي، أيها المسلمون عندما نقول النهج الأموي هذا، المشكلة ليست في النهج الأموي فقط في سب علي وبغضه، لا، النهج الأموي كان قائماً على أساس طمس الإسلام، وليس النهج الأموي معاوية ويزيد وبني أمية بل كل امتدادات النهج الأموي إلى يومنا هذا- ويمكن أن يكون ذلك منه (صلى الله عليه وآله) بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه السلام في أحاديث كثيرة متواترة. التفتوا باعث البشرية ما هو، وكأن باعث البشرية لا يكون إلا بالتنقيص، يعني عندما القرآن يقول (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) يعني إذا قال (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) يعني كل النقائص البشرية أيضاً لابد أن توجد في رسول الله، التفتوا ماذا يقول- منها حديث عائشة، قالت: دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو – تكلموا مع رسول الله، هذا الذي عبر عنه القرآن الكريم (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) و(وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) انظروا ماذا يقولون؟ يقولون بأحاديث متواترة وردت عن رسول الله – فكلماه بشيء لا أدري فأغضباه- إلى هنا نتحمله- فلعنهما وسبهما – هذا رسول الله عند النهج الأموي- فلما خرجا قلت: يا رسول الله، من أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان. قال: وما ذاك. قالت: قلت لعنتهما وسببتهما – تبين رسول الله عندما سبها ولعنهما ولم يكن ملتفتاً إلى ذلك، بل أن عائشة هي التي نبهته إلى ذلك، أنت تعلم ماذا فعلت بهؤلاء، أنت لعنتهما وسببتهما- قال: أوما علمتي ما شارطت عليه ربي، قلت اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فأجعله له زكاة وأجراً، رواه مسلم مع الحديث الذي قبله في باب واحد، باب من لعنه النبي أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلاً لذلك، كان له زكاة وأجراً ورحمة.
    إذن تبين أيضاً من المدافعين عن معاوية أيضاً العلامة الألباني، أنه لا يوجد عنده استعداد أن يقبل، وأنا لا أعلم ألستم تقولون أن الصحابة غير معصومين، قولوا أنه أخطأ، وعلى خطأه استحق ذلك، يقول: لا، عندما تصل القضية إلى معاوية فهو خط أحمر نخطّأ رسول الله ونقول أنه قاله بلا نية ونقول أنه يصدر منه ما يصدر من البشر من النقائص ومن السب واللعن حتى نحفظ مقام معاوية.
    وهنا توجد نكتتان قبل أن أشير إلى تتمة البحث، بودي أن المشاهد الكريم يلتفت لهما:
    النكتة الأولى: العجيب أن مسلم نجده عندما يأتي إلى آكلي مال الحرام ينقل رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من أكل الحرام حاله حال من يأكل ولا يشبع. كأنه ينسى، الله سبحانه وتعالى أخذ منهم فقه الحديث، لأنهم بصدد تنقيص رسول الله (صلى الله عليه وآله)، انظروا إلى ذلك، في (صحيح مسلم، ج2، ص190، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، باب41، من كتاب الزكاة، الحديث 1052) يقول: فمن يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع. سبحان الله أعمى الله بصيرة هؤلاء، إذا كان من يأكل ولا يشبع مدحاً وفضيلة ومنقبة لماذا أن رسول الله يمثّل به ويشبّه به من يأكل مال الحرام؟! أنا أضع هذا بيد المشاهد الكريم بين المحققين والمنصفين، إذا كان الأكل بلا شبع (يأكل ولا يشبع) كانت صفة مدح، قد يقول قائل: هل يوجد من قال أن هذه الصفة للمدح؟ الجواب: نعم، بودي أن المشاهد الكريم يلتفت إلى هذه العبارة في (سير أعلام النبلاء، ج3، ص123 ) للإمام الذهبي، بعد أن ينقل (لا أشبع الله بطنه) يقول: فسره بعض المحبين – محبي معاوية- قال (لا أشبع الله بطنه) حتى لا يكون ممن يجوع يوم القيامة. لأن الخبر عنه أنه قال (أطول الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة) فمعاوية رسول الله دعا له أن لا يشبع حتى لا يجوع يوم القيامة. ولذا الذهبي الذي يعبر عنه بأنه أمير المؤمنين يقول وهذا التكلف لا نستطيع أن نقبله. قلت: هذا ما صح والتأويل ركيك وأشبه منه – يعني في الركة- قوله عليه السلام اللهم من سببته أو شتمته من الأمة فأجعلها لها رحمة، أو كما قال وقد كان معاوية معدوداً من … الخ. يقول هذه تأويلات ركيكة ولكن المدافعين عن معاوية يحاولوا أن يجعلوا … لأنهم لا يستطيعوا أن يناقشوا في سند الروايات فيضطرون أن يتلاعبوا وينتقصوا رسول الله حتى يحموا حمى ومقام معاوية. هذه نكتة.
    المُقدِّم: سماحة السيد الرواية اشتهرت بحيث اضطروا لذلك.
    سماحة السيد كمال الحيدري:  ولهذا قال استقرت في أذهان المسلمين. النكتة الثانية أن الشيء الغريب، وأنا أتصور أن ابن كثير لم يكن ملتفتاً عندما ذكر هذا المعنى، واقعاً لو كان يعلم بأنه غداً سيأتي من يربط هذا النص بنصوص أخرى لما ذكر هذا المعنى. قال في (البداية والنهاية، ص400) قال: كان يأكل في اليوم سبع مرات ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، وكأن هؤلاء نسوا ما ورد في صحيح البخاري، عجيب واقعاً أنا لا أعلم من أين جاء بهذا الخبر ولكنه ينطبق عليه ما ورد في (الجامع الصحيح للبخاري ج3، ص434، باب طعام الواحد يكفي لاثنين، الحديث رقم 5393) المكتبة السلفية، ينقل رواية متعددة، الرواية الأولى عن محمد بن نافع، يقول: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه، فأدخلته رجلاً يأكل معه، فأكل كثيراً، فقال: يا نافع لا تدخل هذا عليّ، سمعت النبي يقول: المؤمن يأكل في معٍ واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء. والرواية الأخرى رقم (5394) يقول: عن ابن عمر، إن رسول الله قال: إن المؤمن يأكل في معٍ واحد وإن الكافر أو المنافق – لا الكافر فقط بل قد يكون ظاهراً مسلماً كمعاوية- فلا أدي أيهما قال عبيد الله، يأكل في سبعة أمعاء. إذن هذه الرواية واردة في (صحيح مسلم ج3، ص588).
    إذن إلى الآن اتضح لنا:
    أولاً: ما هو موقف مسلم في صحيحه من معاوية الذي كان يسب ويلعن علياً ويشتم علياً على المنابر، ما هو موقف النووي من معاوية والدفاع عنه، ما هو موقف ابن كثير في الدفاع عن معاوية، ما هو موقف العلامة الألباني المعاصر في الدفاع عن معاوية.
    المُقدِّم: كثرة الذين دافعوا عن معاوية مع الإساءة إلى رسول الله، هل هناك نماذج أخرى من ذلك.
    سماحة السيد كمال الحيدري:  في الواقع في معرض الجواب عن سؤالكم أنه هل يوجد آخرون دافعوا عن معاوية؟ قلت: واقعاً الذين دافعوا عن معاوية حتى ولو كان على حساب انتقاص مقام رسول الله(صلى الله عليه وآله) ليسوا قليلين من النهج الأموي لا من علماء المسلمين، وإلا عموم علماء المسلمين هم من مدرسة الصحابة وهؤلاء لهم موقفهم الواضح من معاوية ومن بني أمية وسأشير إلى جملة من أسماء كبار علماء المسلمين الذين لهم موقف من معاوية ومن بني أمية.
    انظروا إلى هذا الحديث الذي قرأناه في الحلقات السابقة، الرواية عن سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم، قال: أمر معاوية ابن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب، قال: أما ما ذكرت ثلاث …. وقد قرأنا الرواية.
    انظروا إلى (النووي، ج15، في ذيل هذا النص) يقول: قوله أن معاوية قال لسعد ابن أبي وقاص ما منعك أن تسب أبا تراب، قال العلماء الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها. هذه قاعدة، حتى لو لزم أن تنقصوا من حق رسول الله، لابد أن لا ينتقص، ويكون في علم المشاهد الكريم والله لا يقولون كل ذلك لجميع الصحابة، وإنما يقولون لصحابة معينين، مخصوصين، ومن أولئك معاوية، يعني لو ورد في الأحاديث ما ينقص علياً لا توجد عندهم مشكلة، لو وردت هناك روايات ما ينقص عمار، بل حتى من يقتل عمار لا توجد مشكلة، وإنما المشكلة أن هناك صحابة معينين ومنهم معاوية، ينبغي إذا وردت رواية أن تأول تلك الرواية، انظروا إلى التأويل الذي ذكره الإمام النووي لهذه الرواية، فقوله معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، لم يقل له سب علياً وإنما سأله لماذا لا تسب، مع أن نص الرواية هو أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، انظروا التكلف البارد والتعسف في التأويل وفي بيان النصوص يقول: وإنما سأله عن السبب المانع له من السب كأنه يقول هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك، فإن كان تورعاً، يعني من الورع لم تسب علياً وإجلالاً له عن السب فأنت مصيب محسن، معاوية يقول له أحسنت أنك لم تسب علياً، انظروا في جواب هذا، أنا لا اريد أن أجيب من عندي، أريد أن أجيب بما ذكره علم من الأعلام المعاصرين من مدرسة الصحابة، هذا من مدرسة النهج الأموي ولكنه في كتاب (فتح المنعم شرح صحيح مسلم، ج9، ص332) الأستاذ الدكتور موسى شاهين لاشين، دار الشروق، وهو من أعلام المصريين وأعلام الأزهر نجد هناك، ينقل عبارة يقول: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، المأمور به محذوف لصيانة اللسان عنه، والتقدير أمره بسب علي وكان سعد قد اعتزل الفتنة، يعني الحرب بين علي ومعاوية، فقال ما منعك أن تسب أبا تراب معطوف على محذوف، والتقدير أمر معاوية سعداً أن يسب علياً فامتنع فقال له ما منعك، ويحاول النووي تبرئة معاوية من هذا السوء، وبعد أن يذكر ما قاله النووي يقول: وهذا تأويل واضح التعسف والبعد والثابت، هذا عالم من علماء مدرسة الصحابة ومن علماء الازهر، والثابت أن معاوية كان يأمر بسب علي وهو غير معصوم، يعني معاوية، فهو يخطأ، ولكننا يجب أن نمسك عن انتقاص أي من أصحاب رسول الله، إذن هو يعتقد أنه ولذا قلت أنه من مدرسة الصحابة، ولكنه يثبت أن معاوية كان ساباً، وهذا أيضاً من أولئك الذين أشرنا إليهم في مدرسة الصحابة.
    المُقدِّم: معنا الأخ حمد من السعودية، تفضلوا.
    الأخ حمد: السلام عليكم.
    المُقدِّم/ سماحة السيد كمال الحيدري:  عليكم السلام ورحمة والله وبركاته.
    الأخ حمد: اليوم تحدثت أنت عن مسألة أن البخاري وغيرهم هم المؤسسين لنهج مدرسة بني أمية ويتضح ذلك من خلال بعض الأحاديث التي يضعونها أو بعض القواعد التي يحاولون أن يؤولونها، عندي إشكالين: الأول: لماذا يضطرون لاختراع أحاديث فرقية كما هو واضح من حلقة اليوم في تحويل الرذيلة إلى فضيلة، وهم على الحق والمنع أقدر، لماذا لم يمتنع مسلم عن رواية الحديث لا أشبع الله بطنك وكفى، ألا يدل هذا على وجود احتمال على قول معاني أخرى للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). الإشكال الثاني: استشكلت عليهم إيراد صفة لعن لرسول الله، أن الرسول لعان أو كذا وأنت فيما سبق أشرت بأن هذا من سلوك القرآن ومن أساليب القرآن وهو اللعن (أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) فأين الإشكال في ذلك.
    سماحة السيد كمال الحيدري:  السؤال الأول لماذا نقلوا الجواب لأنه لو لم ينقلوا تلك النصوص وهي نصوص متواترة ومعروفة لسقط اعتبار كتبهم اضطروا إلى نقل هذه الأحاديث ولذا لم ينقلوا أحاديث غيرها، أما الجواب عن الثاني نعم اللعن حق لا ريب فيه ولكن لمن يستحق ذلك لا لمن يستحق، أخي العزيز هؤلاء نسبوا إلى رسول الله أمراً أنت لا تقوم له، فكيف ينسب إلى سيد الخلق أجمعين، ينسب إلى سيد الأنبياء والمرسلين، ينسب إلى من (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ينسب إلى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
    المُقدِّم: شكراً جزيلاً لسماحة السيد كمال الحيدري على ما تفضل به، وشكراً لكم مشاهدينا الكرام على طيب المتابعة لهذه الحلقة من برنامج مطارحات في العقيدة.

    • تاريخ النشر : 2011/10/22
    • مرات التنزيل : 2172

  • جديد المرئيات