الأخبار

المحاضرة (44)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

قبل أن أدخل إلى بحث اليوم، بودي أن أشير إلى أمرين:

الأمر الأول: بأنه أساساً بعد أن بينتم المناهج المتبعة في ترتيب المسائل الأصولية، لم تبينوا المنهج الذي تعتقدون به في ترتيب المسائل الأصولية.

الجواب عن ذلك: كنت اعتقد أنه قد اتضح للأعزاء وهو أنه أساساً نحن بينا أن هذه المسائل لا يجمعها علم واحد حتى نعرف ما هو الترتيب فيها، نحن إنما نسأل عن ترتيب المسائل وتسلسل المسائل وترابط المسائل بعضها مع بعضها حتى نجعل هذا الباب الأول وذاك الباب الثاني، أو هذا الفصل الأول وهذا الباب الثاني، وتلك مقدمات تمهيدية وذاك بحث في الخاتمة هذه إنما يصار إليها إذا قبلنا أن هذه المجموعة من المسائل لها رابط حقيقي أو رابط بنحو من أنحاء الارتباط عند ذلك نسأل عن التسلسل. أما إذا قلنا أن مجموعة من المسائل المأخوذة من علوم متعددة بعضها مأخوذة من العلوم اللغوية وبعضها من علم المنطق وبعضها من الفلسفة وبعضها من العرف والعقلاء وبعضها من النقل وغير ذلك، إذن لا معنى لأن نسأل عن ترتيبها المنطقي في هذا المجال.

نعم، لو سلمنا بالترتيب المنطقي هذه قضية نسبية، أو قضية مبنائية، لو سلمنا بوجود الترتيب المنطقي قلنا أن أفضل هذه التقسيمات وأحسن هذه التقسيمات هو التقسيم الذي ذكره السيد الشهيد+ في ترتيب الحلقات أو ما أشار إليه في مقدمة أبحاثه كما تقدم، هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية: الآن نحن بناء على هذا النحو الذي آمنا به وهو أن المسائل الاصولية لا يوجد فيما بينها رابط حقيقي، فما هو التصور، كيف نقسمها؟ في تصوري كان الأفضل، لكن هذا يقلب كل علم الأصول هذا التصور، ولذا أنا لا اقترب منه كثيراً، في تصوري أن تقسم هذه المسائل التي يصطلح عليها بالمسائل الأصولية أن تقسم على أساس المنهج، وهو أنه نأتي إلى هذه المئة مسألة أو مئتي مسألة أو خمسمئة مسألة التي دليلها أو منهجها عقلي تبحث تحت عنوان واحد، منهجها نقلي تبحث تحت عنوان واحد، منهجها لغوي كما الآن سيتضح بعد ذلك أبحاث الوضع ونحو ذلك هذا المنهج المتبع فيها سيتضح أنه اعتبار من الاعتبارات كما سيتضح بعد ذلك، هذا ما فائدته؟ فائدته بعد ذلك لا تتداخل المناهج في تحقيق المسألة الواحدة، إذا المسألة كانت مسألة لغوية بعد لا نستند إلى قاعدة تقدم الشيء على نفسه ممتنع عقلاً، إذا كانت المسألة نقلية لا نستند إلى قاعدة الدور ممتنع والتسلسل ممتنع وأن الكل يسقط بسقوط جزء منه ونحو ذلك، واقعاً يخلصنا من آفة تداخل المناهج، وهذا الذي إن شاء الله من خلال تحقيق المسائل الأصولية سوف نشير إليه، يعني نحاول في كل مسألة نبين أن هذه المسألة من سنخ أي المسائل، هل هي مسألة عقلية هل هي مسألة نقلية هل هي مسألة اعتبارية هل هي مسألة لغوية هل هي مسألة عقلائية عند ذلك لابد ان نعرف شيئاً عن ذلك المنهج، ولذا أنتم وجدتم نحن في مقدمة هذه الابحاث حاولنا أن نقف عند مسألة الاعتبار، لماذا وقفت عند مسألة الاعتبار؟ لأنه في جملة من المسائل اللاحقة سوف ندخل ونقول هذه من المسائل الاعتبارية، حتى لا يذهب ذهن الأعزاء يميناً ويساراً لأن الاعتبار له معاني متعددة ليس من قبيل اعتبار أنياب الأغوال أو التوهمات والخيلات، وإنما اعتبارات لها واقعية ولها نفس أمرية، عند ذلك وقفنا عند هذه المسألة حتى تتضح لنا جيداً.

أما لماذا لم ننتخب منهج السيد الشهيد&؟

الجواب: واقعاً أن منهج السيد الشهيد بالقياس إلى تلك المناهج كان أحسن، وإلا مشكلة تداخل المناهج موجودة، لأن السيد الشهيد يعتقد أن علم الأصول علم حقيقي وأن هذا الترابط القائم بينها ترابط واقعي وهذا ما لا نعتقده نحن في هذا التسلسل، ولذا إن شاء الله أيضاً في المسائل التي يعرض لها سنشير أن هذا فيه تداخل منهج. يعني هذا المنهج لا يتبع في مثل هذه المسائل، ذاك لمسائل وهذا لمسائل أخرى، هذا مضافاً إلى نكات أخرى من قبيل أنه لو كنا ندخل في بحث ترتيب الحلقات لكان يلزم التكرار في جملة من الأحيان، لأنكم تعلمون أن بحث القطع وبحث الظن وغير ذلك، الآن عندما ندخل إلى ترتيب الحلقات لابد أولاً أن نبحث أولاً القطع والظن وقد بحثنا هذا فيما سبق, ولذا كان يحصل شيء من التكرار، هذا أولاً.

وثانياً: كما قلت للأخوة أن مراجعات الأعزاء للمصادر الأصلية سيكون صعباً جداً خصوصاً لتلك العناوين الجديدة التي استحدثها السيد الشهيد &. ولذا بالقدر الذين يمكن إن شاء الله تعالى سوف واقعاً لا أقول نغض الطرف عن المنهج الذي اتبعه السيد الشهيد إن شاء الله بالقدر الممكن أيضاً نأخذه بعين الاعتبار.

نرجع إلى بحثنا في مسألة الاعتبار، الأخوة يتذكرون فيما سبق حتى ترتبط الأبحاث بعضها ببعض، نحن قلنا في الدرس السابق يعني قبل التعطيلات قلنا أن هناك مجموعة من القواعد والأصول التي يمر بها الإنسان إلى أن يصل إلى تشكل المجتمع:

الأصل الأول: هي طلبه للكمال، وأن الإنسان طالب لكماله، هذه قضية فطرية لا يختلف عليها اثنان.

الأصل الثاني: لكي يصل لتحقيق كماله يحاول أن يستخدم كل شيء لتحقيق ذلك الكمال، ومن ضمن الأمور التي يستخدمها بني نوعه، يعني الإنسان للوصول إلى كماله.

ومن هنا يصل إلى الأصل الثالث وهو إلى الاجتماع والى تحقيق الاجتماع وتحقيق المجتمع وقلنا أن أصل تحقق الاجتماع لأجل الاستخدام، عندما يصل إلى هذا الأمر يضطر إلى اعتبار مجموعة من الاعتبارات لتنظيم هذه الحياة الاجتماعية. من أهم تلك الاعتبارات التي يضطر إليها الإنسان هي اعتبار اللغة، والجعل والواضع. ولذا تجدون الإنسان إذا لم يتحقق له المجتمع لا يعرف اللغة شيئاً، لو عاش منفرداً أساساً لا ينشأ لغة. وهذا إنشاء الله تعالى بعد ذلك سنقف عليه أن اللغة وأن الوضع هي ظاهرة، هذا معنى قولهم أن اللغة هي ظاهرة اجتماعية، يعني ما لم يتحقق الاجتماع والمجتمع توجد عندنا هذه الظاهرة أو لا توجد؟ لا توجد، إذن ليست هي ظاهرة فردية يعني أن الإنسان إذا عاش بمفرده لا يحتاج إلى اللغة ولا يحتاج إلى وضع مجموعة من الألفاظ لمجموعة من المعاني أو مجموعة من الأصوات لمجموعة من المعاني. نحن باعتبار أنه هذا العنوان أعم يضع مجموعة من الأصوات لمجموعة من المعاني، ولهذا إذا فسرنا اللغة اصلاً في بعض الأحيان أعم من الألفاظ والأصوات والحركات، الأخرس أيضاً عنده ارتباط مع الآخر ولكن ارتباط من خلال الألفاظ؟ لا، من خلال الأصوات؟ لا. بل من خلال الحركة، متى يحتاج إليه، عندما يريد أن يقيم العلاقة مع الآخر أي آخر كان سواء كان من أبناء نوعه أو لا.

إذن الوضع ظاهرة اجتماعية، اللغة ظاهرة اجتماعية. ما هي نتيجة هذه؟ وسنقف عندها إن شاء الله بالقدر الممكن. وهي أنه تكون تابعة لكل القوانين التي تحكم الظواهر الاجتماعية، فإذا وجدنا أنه من القوانين الحاكمة في الظواهر الاجتماعية التغير والتكامل إذن اللغة أيضاً تكون محكومة بهذا القانون ولا تكون ثابتة، وهذه من أعقد المشاكل في مسألة الوضع، لا أريد أن أدخل الآن لأنه بعد هذا البحث الذي سأشير إليه في هذا اليوم سندخل إلى بحث اللغة وظاهرة اللغة أساساً تعاملنا مع النص الديني إنما هو من خلال اللغة، فلابد من التعرف على حقيقة اللغة وظاهرة اللغة والقوانين التي تحكم اللغة، وإلا ما لم نتعرف عليها ندخل إلى النص الديني ونحن لا نعرف تلك القواعد التي تحكم هذه الظاهرة التي هي فهم المراد أو المعنى من خلال الألفاظ ونحو ذلك. ولكن أعزائي قبل الدخول إلى بحث الوضع هذه مسألة لا أدري متى نوفق للإشارة إليها تفصيلاً، وهي مسألة الحسن والقبح، أن العدل حسن وأن الظلم قبيح، ما هي حقيقة هاتين القضيتين؟ توجد اتجاهات متعددة، في هذا اليوم أريد أن أشرح واحدة من هذه الاتجاهات القائمة على نظرية الاعتبار، الآن لست بصدد إعطاء الرأي النهائي في المسألة فقط أريد أن يعرف الأعزاء بأنه أساسا ًهذا الاتجاه ما هو، هذا الاتجاه الذي عادة يرمون به الحكماء والفلاسفة وبعض الأصوليين، أنهم يقولون أنها من المشهورات وأنها متغيرات وأنها من الانشاءيات وهذا الكلام، هذا المعنى ما هو الذي يريد أن يقوله هؤلاء، ولها تأثير كبير في الأبحاث الأصولية، بل في الأبحاث الكلامية أيضاً.

واحدة من أهم الاعتبارات ما بعد الاجتماع، تتذكرون قلنا أن الاعتبارات تنقسم إلى اعتبارات ما قبل الاجتماع والى اعتبارات ما بعد الاجتماع، يعني اعتبارات يحتاجها الإنسان ولو كان يعيش بمفرده، واعتبارات يحتاج إليها الإنسان إذا عاش مع غيره. من أهم هذه الاعتبارات حسن العدل وقبح الظلم. ولكن في المقدمة أعزائي لابد أن تميزوا بين العدل أو الحسن والقبح الفردي وبين الحسن والقبح الاجتماعي، وهذا ما يقع فيه الخلط كثيراً، ما هو الحسن والقبح الفردي، وما هو الحسن والقبح الاجتماعي؟

في الحسن والقبح الفردي يعني ما قبل الاجتماع، أما في الحسن والقبح الاجتماعي يعني ما بعد الاجتماع، لا أريد أن أقف طويلاً عند بيان الفروق بين هذين النوعين من الحسن والقبح، ولكنه الفارق الأول اتضح وهو أنه في الحسن والقبح الفردي لا يتوقف على وجود الاجتماع والمجتمع بخلاف الحسن والقبح الاجتماعي فأنه يتوقف على تحقق الاجتماع، هذا أولاً. وثانياً الفرق الثاني أنه في الحسن والقبح الفردي هو أمر نسبي بخلافه في الحسن والقبح الاجتماعي فأنه أمر مطلق. إذا أردت أن تعبر بعبارة أخرى قل أن الأول متغير بخلاف الثاني فإنه ثابت. وبعد ذلك سأبين ما هو المراد من الثبات هنا.

ولذا السيد الطباطبائي في (أصول الفلسفة، ج1، ص575، في الحسن والقبح) يقول: (لا نشك أننا نحب كثيراً من الحوادث الطبيعية فحيث نعدها حسنة نتعلق بها ونحبها) لماذا نحبها لأنها بالنسبة لنا حسنة، ما معنى حسنة؟ لأنه ملائمة لنا وملائمة لكمالاتنا (ونعادي ونبغض حوادث أخرى وحيث نراها قبيحة نعاديها ونبغضها) لماذا نبغضها ونعاديها؟ لأنها قبيحة. (فنعد كثيراً من الأشكال والأطعمة والروائح التي يتوفر عليها الإدراك الحسي حسنة أو قبيحة، ونعد كثيراً آخر كصوت الحمار وطعم المر وريح الميتة قبيح) ولكن بعد التأمل قليلاً يتضح أن ما هو حسن عندنا قد يكون قبيح عندهم، وما هو قبيح عندنا قد يكون ماذا … بينكم وبين الله الحمار عندما يسمع صوته هل يعتبره قبيح أو يعتبر حسن؟ ولذا تجدوه بأنه يهلهل لأنه حسن عنده، إذن القضية نسبية. ولذا يقول: (لأننا نشاهد كائنات حية أخرى تختلف معنا في الذوق فالحمار يحسب صوته رقيقاً حنيناً فيلتذ به وهناك حيوانات تهرأ إلى رائحة الميتة من بعيد أو تتنصل من طعم الحلاوة، إذن يجب أن نقول أن صفتي الحسن والقبح التي من الخواص الطبيعية لدينا أمور نسبية).

وهذه قابلة للتبدل من زمان إلى آخر ومن تربية إلى أخرى.

الآن لا نتكلم عن الحسن والقبح والفردي وإنما نتكلم عن الحسن والقبح الاجتماعي. وأنتم تعلمون أن من أوضح مصاديق الحسن والقبح الاجتماعي العدل حسن والظلم قبيح، من أوضح مصاديق الحسن والقبح الاجتماعي أن العدل حسن وأن الظلم قبيح، أعزائي الآن لا أريد أن أدخل فيما هو المراد من العدل وما هو المراد من الظلم.

لنخرج قليلاً عن البحث، فقط أعنون لك البحث وأرجع.

من الأخطاء الشائعة في بحث العدل أنهم يتصورون أن العدل الذي بين الموجودات الممكنة هو العدل الذي لله سبحانه وتعالى، أو بالعكس. لأنه نحن نعلم بأن واحدة من أصول اعتقاداتنا بأن الله عادل، تعالوا عرفوا لنا العدل ما هو العدل وما هو الظلم؟ المشهور عندما يعرفون العدل والظلم يقولون إعطاء كل ذي حق حقه، هذا ما هو؟ هذا هو العدل. وفي مقابله الظلم ماذا يكون؟ سلب كل ذي حق حقه، هذا هو الظلم. ما معنى عدل الله؟ أيضاً تجدهم يعرفون ويقولون إعطاء كل ذي حق حقه، هذا عدل، وسلب كل ذي حق حقه هذا ظلم. هذا التعريف يصح في الله سبحانه وتعالى أو لا يصح؟ نظرية تقول نعم يصح، يعني قاعدة اللطف هذا معناه، التفتوا لي جيداً، قلتم لكم أني لا أريد أن أدخل في البحث ولكن للإشارة، قاعدة اللطف هذا معناها، كيف أن لله حقاً على عباده بوجوب الطاعة تأدباً علماء الكلام حق العبد على الله سبحانه وتعالى عبروا عنه باللطف، يعني قالوا على الله أن يبعث إليه رسولاً، وإذا لم يبعث له رسولاً فقد سلبه حقه، فلهذا قاعدة اللطف مؤداها بالمعنى الدقيق الحقوق التي تجب للعبد على الله، في قبال تلك الحقوق التي يدركها العقل لله على عبده، هذه القضية أعزائي في عدل الله وظلمه متوقف على أصل موضوعي في الرتبة السابقة وهو أنه هل يوجد لأحد حق على الله سبحانه وتعالى أو لا يوجد؟ إن قلنا يوجد نعم، فإذا الله أعطاه حقه يصير عادلاً وإن لم يعطه حقه … أما إذا أنكرنا أن يكون للمملوك الطلق وهو العبد مملوك طلق لله (لله ملك السموات والأرض) أنكرنا أن يكون له حق على الله، فهل يتصور أساساً هذا المعنى من العدل والظلم في حق الله أو لا يتصور؟ وما معنى أن الله عادل؟ هذه قضية مربوطة بالعدل الإلهي وقد بحثت هذا البحث مفصلاً قبل سنوات عديدة، وارجو الله أن يخرج الكتاب في العدل الإلهي ليتضح بأن العدل الإلهي معنى أو مصداق وعدل الإنسان ماذا … الآن نحن نتكلم فيما بيننا إذن نتكلم في هذا المعنى المتعارف بيننا، لا في المعنى المتعارف أو الذي يطلق على الله سبحانه وتعالى، ولذا الإمام أمير المؤمنين عنده جملة في نهج البلاغة يقول: أن الحق ما جرى لأحد إلا جرى عليه إلا هو فإنه يجري له ولا يجري عليه. فإن الحق ما جرى لأحد إلا جرى عليه إلا هو سبحانه وتعالى فإنه يجري له ولا يجري عليه.

لا تقل: ما معنى هذه الأدعية التي تقول اللهم نسألك بحق محمد وآله محمد عليك، إذا لم يكن لهم حق فما معنى هذا؟

هذه إن شاء الله أبحاث كلامية في محلها لابد أن تفهم هناك.

ما معنى قاعدة اللطف، ما معنى بأنه أساساً العقل يدرك أن الله يجب عليه أن يفعل كذا ولا يجوز له أن يفعل كذا، ما معنى هذه الجمل التي نقرأها في علم الكلام، هذا بحث في العدل الإلهي.

ارجع إلى بحثي، وهو أنه من أهم الاعتبارات التي توضع بعد الاجتماع اعتبار أن العدل حسن، يعني إعطاء كل ذي حق حقه، وأن الظلم قبيح، يعني سلب كل ذي حق حقه، ما معنى حسن، ما معنى قبيح؟ يعني ينبغي ولا ينبغي، إعطاء كل ذي حق حقه ينبغي، وسلب كل ذي حق حقه لا ينبغي ولا يجوز.

السؤال المطروح هنا: ما هي وجه الحاجة، ما الذي اضطر الإنسان أن يجعل هذا الاعتبار وأن يُنشأ هذا الاعتبار بأن يقول العدل حسن وأن الظلم قبيح. لماذا اضطر إلى هذا. في بحث اللغة إن شاء الله تعالى سيأتي بعد ذلك، إنما اضطر لإقامة العلاقة مع الآخر، أما هنا لماذا اضطر أن يقول العدل حسن وأن الظلم قبيح. بيان وجه الاضطرار يحتاج إلى بيان مقدمة:

المقدمة الأولى: أن الله سبحانه وتعالى بحسب ما علمه من النظام الأحسن الإلهي في خلق عالم الإمكان أن يكون قائماً على اساس اختلاف الاستعدادات والإمكانات والقدرات، ولو شاء لخلقهم جميعاً على نحو واحد، الله لو شاء أن يخلق الجميع درجة عقلهم 50 كان بالإمكان هذا، أو يخلق الجميع كلهم أكثر أهل الجنة من البله، أو يجعل الجميع أنبياء، أيضاً كان بإمكانه، كل ممكن، ولكننا نجد بأن الله سبحانه وتعالى فعل ذلك أو لم يفعل ذلك؟ الجواب: لا، بنص القرآن الكريم حيث قال: (أنزل من السماء ماء) هذه الرحمة الإلهية (ورحمتي وسعت كل شيء). (أنزل من السماء فسالت أودية بقدرها) ضمير قدرها يعود على الماء أو على الأودية؟ على الأودية. إذن الأودية مختلفة وليست متساوية. لماذا فعل ذلك؟ الجواب: الله كما كان يعلم هذا النحو من النظام وهذا النحو من النظام وهذا النحو من النظام فيما بينها أوجد هذا العالم على النظام الأحسن، وهذا هو النظام الأحسن، وقد برهنا على هذا في مباحث الإلهيات، أنه هذا هو النظام الأحسن، لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى كما كان يعلم هذا النظام كان يعلم بكل الأنظمة، لأنه عالم بكل شيء، كل الممكنات كان يعلمها، والممتنعات أيضاً يعلمها، ولكن الممتنعات ليست داخلة في القدرة بل الممكنات داخلة في القدرة، كل الممكنات كان يعلمها ويقدر عليها، لماذا أوجد هذا النحو من النظام وليس ذاك النحو من النظام؟ طبعاً هذه هي القاعدة العامة وليست القاعدة الخاصة. والقاعدة الخاصة على هذا الأمر ما ورد في سورة الزخرف الآية 32 قال تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم * أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) فجعلنا بعضهم غنياً وبعضهم فقيراً وبعضهم عالماً وبعضهم جاهلاً وبعضهم نبي وبعضهم عادل وبعضهم إمام وبعضهم ظالم … سيدنا لماذا لا تقول أن هذا جبر؟ الجواب: كلا، جعل كل ذلك بنحو القضية الحقيقية والاختيار في القضية الخارجية، هذه القاعدة أحفظوها، ولا أريد الدخول في تفاصيلها، الله أراد لهذا العالم أن يكون هناك نبي وأمة، أما أنت تكون نبي، لا، هذا باختيارك علم منك أنك تريد ذلك فهيأ لك (نيسره لليسرى) الله أراد في نظام الأحسن حسين وقاتل الحسين، هذا هو النظام الأحسن التكويني، ولكنه أراد من هذا الشخص الخارجي الشمر أو ابن زياد أن يكون هو قاتل الحسين، علم منه أنه يريد أن يكون قاتل الحسين (فسنيسره للعسرى)، لأن القرآن يقول (كلا نمده هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً) نعم، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (إنا هديناه السبيل) أنت تريد هذا او تريد هذا.

النظام الأحسن هو هذا، ما هو؟ (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) كان بإمكان الله سبحانه وتعالى أن يوجد نظاماً الجميع يكون غنياً، ممكن، الجميع يكون لا يعصون الله، بدليل الملائكة فهم لا يعصون الله، أيضاً يجعل البشر هكذا. كان قادراً أن يجعل جميع من تزوج يهبه ذكوراً أو يهبهم جميعاً اناثاً أو يهب بعضهم أناثاً وبعضهم ذكوراً ويجعل من يشاء عقيماً، لماذا؟ يقول هذا هو النظام الأحسن، وإلا كان بإمكان أن يجعل الجميع يبحث عن الذكر … الجميع يجعلهم ذكوراً، الجمع اناث، ممكن، وجعل نظاماً على هذا الأساس، لماذا جعل هذا ولم يجعل ذاك؟ مع أنه كان يعلم بالنظامين أو لا يعلم، الجواب: يعلم بهما، كان قادر عليهما، (على كل شيء قدير) كان بخيلاً او جواد؟ جواد كريم، لماذا أوجد غير الأحسن؟ الجواب: لا، لو أوجد غير الأحسن للزم ترجيح المرجوح على الراجح، إذن هذا هو النظام الأحسن ولذا الفلسفة أسسوا هذا القاعدة قالوا: ليس بالإمكان أبدع ما كان. هذا دليل هذه.

ولذا تجد هذه الرواية وهي عجيبة يقول (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) هذا النظام الأحسن، لم يجعل فلان فوق فلان، ابداً، إذن أنت مجبر أو مختار؟ هو مختار، يقول أنا وضعت بنحو القضية الحقيقية في نظامي يوجد فوق ويوجد تحت، يوجد غني ويوجد فقير، يوجد عالم ويوجد جاهل، أما من يملأ هذه القضية الحقيقية؟ هذا بالاختيار، وحيث أنه عالم بالأشياء قبل كونها إذن يعلم عندما فلان يريد كذا فنيسره، ما زلت أنتقل من اصلاب الطاهرين إلى الأرحام المطهرة، لماذا؟ إلهي لماذا هذه الخصوصية؟ يقول: لأني أعلم ماذا يريد هذا الرجل. وهذا ما تقرأه في أول دعاء الندبة، أنه شرطت عليهم وعلمت منهم الوفاء فلو علم مني ومنك الوفاء لأعطى، ولكنه رحمة بي لا يعطي، لماذا؟ لأنه يعلم أنه يعطيك ولا تفي، فماذا يفعل بك يوم القيامة فالأفضل أن لا يعطيك، تقول له: إلهي ترى وضعي إن فعلت بي كذا سترى ماذا أفعل، هو يعلم أيضاً (لو علم فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) صريح القرآن الكريم، بعض الأحيان أنا رحمة بك أنا لأصير مرجع وانظر ماذا أفعل، يقول: أنا أعلم أنت عندما تصير مرجع ماذا تفعل بالأمة، فالأفضل أن لا أعطيك. ولكنك ليل نهار تريد أن تأخذ، خذ وانظر ماذا سنفعل بك يوم القيامة. اعطني كذا مال وانظر ماذا سأبني من مساجد ومؤسسات، الآن تذهب له تقول له يقول الوضع كذا. إذن هذه القاعدة العامة (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) هذا تكوين وليس تشريع فهو قال أن هذه الطبقات حاول أن تقللوها، هذا التشريع أما التكوين … لماذا فعلت إلهي كل هذا؟ قال: (ليتخذ بعضهم بعضاً سخرية) أساساً أنا وضعته لكي يسخر بعضهم بعضا، الامتحان الإلهي والابتلاء الإلهي لا يتحقق إلا بهذا.

هذه الرواية كثيراً من الروايات المهمة في بيان نظام التكوين، طبعاً روايات كثيرة في هذا المجال، وهي وردت في البحار، الرواية عن الإمام الصادق× قال: قلت لابي عبد الله الصادق، الرجل أتيه أكلمه ببعض كلامي فيعرف كله، قبل أن أكمل كلامي يقول لي فهمت ما تريد، ومنهم من أتيه فأكلمه بالكلام فيستوفي كلامي كله ثم يرده عليه كما كلمته، إذا لم أكمل الكلام لا يفهم ما أقول. ومنهم من أتيه فأكلمه فيقول أعد علي. هؤلاء الناس لماذا هكذا، فقال: (يا إسحاق أوما تدري لما هذا) لماذا هذه الناس على أقسام استعداداتهم العقلية (قلت: لا. قال: الذي تكلمه ببعض كلامه فيعرف كله فذاك من عجنت نطفته بعقله) هذا زود بالعقل حين انعقاد النطفة (وأما الذي تكلمه فيستوفي كلامك ثم يجيبك على كلامك فذاك الذي ركب عقله في بطن أمه، وأما الذي تكلمه بالكلام فيقول أعد علي فذاك الذي ركب عقله فيه بعدما كبر فيقول أعد علي).

إلهي على ماذا جعلت هذه المراتب الثلاثة؟ يقول أن النظام الأحسن هو هذا، وإلا لو كانوا كلهم من القسم الأول فلا يبقى عندنا عالم ومتعلم، أنا لا استطيع أن أدرس هنا، إذا كانوا جميعاً اغنياء فلا تجد من يخدمك، إذا كانوا أنبياء يصير فما فائدة الدنيا لأن العالم يكون عالم ملائكة آخر، إذن النظام الأحسن الأصل الأول أن هذا النظام قائم على الاختلاف التكويني الفطري في الإمكانات والاستعدادات والقابليات وهذا الاختلاف هو الاختلاف الممدوح الذي جاء في القرآن الكريم، إذا وجدتم في كلمات بعض المفسرين يقول الاختلاف اختلافان اختلاف ممدوح واختلاف مذموم، المراد من الاختلاف الممدوح هذا الاختلاف. والآية هذه الآية (بسم الله الرحمن الرحيم) وهي قوله تعالى وما يزالون مختلفين، الآية تقول (ولذلك خلقهم) بحث مفصل هناك بين المفسرين هذا أي اختلاف في الآية، هل الاختلاف الممدوح ولذلك خلقهم، وعندنا الاختلاف المذموم، والعجيب أن القرآن يقول: كل اختلاف مذموم في القرآن منشأه العلماء، مراده أهل العلم، انظروا إلى هذه الآية المباركة في سورة البقرة، هذه الآية عجيبة، وهي الآية 213، قال تعالى: (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم) دائماً الذين اوتوا العلم هذا الاختلاف المذموم منشأه أوتوا العلم، وليس عن جهل، (من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم).

وإلا هؤلاء المساكين الناس ليس عندهم مشكلة في الاختلاف الثاني، بل منشأه اوتوا العلم.

إذن أعزائي الأصل الأول أن الاختلاف في الاستعدادات والإمكانات والقابليات أمر فطري ضروري ضمن النظام الأحسن الإلهي، وكان الحق تعالى بإمكانه أن يجعل الناس أمة واحدة.

الأصل الثاني وهو أنه يريد الوصول إلى كماله، هذا كل واحد، لأن النظام نظام أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون ثم جعل لكم، حتى تتكاملوا فيحتاج أن يحقق ذلك يستطيع أن يحققه بنفسه أن يحتاج إلى استخدام الآخر، يحتاج إلى استخدام الآخر، فإذا كانت قابلياته العقلية واستعداداته وإمكاناته أشد ماذا يفعل؟ يسخر الآخر، يسخره بعدل أو يسخره بظلم؟ من هنا وجد كل فرد يعيش في الاجتماع يقول تعالوا نؤصل أصلاً العدل يكون حاكم، وإلا في النتيجة اليوم هو ظالم وغداً قد يكون مظلوماً، إذن اتفقت كلمة العقلاء بعد الاجتماع أنه لابد أن يعطى لكل ذي حق حقه، وأن لا يسلب أي صاحب حق حقه فاعتبر العدل حسن والظلم قبيح.

الجميع محتاج إلى هذا، قد في هذا اليوم أنت لا تحتاج إليه، ولكن غداً أنت تحتاج إليه، إذن من هنا قالوا في هذا القسم الثاني من العدل والظلم أو الحسن والقبح الاجتماعي قالوا مما تطابقت عليها آراء العقلاء لا يختلف فيها اثنان، لأنه صحيح في هذا اليوم إذا ظلم في مصلحته ولكن غداً إذا صار مظلوماً هل في مصلحته أو بخلاف مصلحته؟ إذن لابد أن يؤصل لهذا الأصل، ومن هنا الأعزاء إذا أرادوا مراجعة هذا البحث يجدوه في (ج2، الميزان، ص118) يقول: (ومن هنا يعلم أن قريحة الاستخدام في الإنسان) هذا الأصل الثاني الذي أشرنا له، (بانضمامها إلى الاختلاف الضروري بين الأفراد) وهو الأصل الأول (من حيث الخلقة والعادات والأخلاق وإنتاج ذلك) هذا الاختلاف بين الأفراد (الاختلاف الضروري من حيث القوة والضعف يؤدي إلى الاختلاف والانحراف عما يقتضيه الاجتماع). هذا جاء إلى الاجتماع حتى يحقق كماله ومصالحه وذاك جاء إلى الاجتماع ليحقق ماذا … إذن كل يريد أن يعطي ويأخذ، يريد أن يفيد ويستفيد، ولكنه حيث أن الاختلاف والاستعدادات متعددة فيستفيد القوي من الضعيف أكثر مما يفيد، وينتفع الغالب من المغلوب من غير أن ينفعه، ويقابله الضعيف المغلوب ما دام ضعيفاً مغلوباً بالحيلة والمكيدة والخدعة فإذا قوي وغلب قابل ظالمه بأشد الانتقام وهذه سنة الحياة. إذن مقتضى القاعدة أن الجميع يوافق على أصل أنه لابد أن يعطى كل ذي حق حقه، وأن لا يمنع صاحب حق حقه. وهذا هو معنى العدل الاجتماعي، حسن العدل وقبح الظلم.

إلى هنا اتضح لنا بأن هذه الحقيقة هي التي أدت إلى هذا الاعتبار، أنا قلت لكم كان في ذهني في سورة هود الآية 118 أو 119 قال: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) هناك بحث (ولا يزالون مختلفين) بحث قيم تفسيري، أن هذا المختلفين هذا الاختلاف الممدوح أو الاختلاف المذموم، أي منهما (إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) لأي شيء خلقهم؟ لهذا الاختلاف الممدوح أو المذموم، واقعاً الأخوة إذا كان لديهم وقت فليطالعوا هذه الآية المباركة.

المهم إلى هنا انتهينا إلى فلسفة اعتبار أن العدل الاجتماعي حسن وأن الظلم الاجتماعي قبيح، العدل حسن والظلم قبيح. تتمة أبحاث توجد في هذا إن شاء حتى ندخل في مسألة اللغة.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات