الأخبار

تعارض الأدلة (14)

بسم الله الرحمن الرحيم

و به نستعين

و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و اله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في المقام الأوّل من البحث, قلنا لأنه يوجد بحثان:

البحث الأوّل: هل أن التقيّة كانت سبباً لاختلاف الأحاديث أم لا؟

المقام الثاني: هل أن التقيّة هي من المرجحات عند التعارض أم لا؟

وبتعبير جملة من النصوص: >موافقة الكتاب ومخالفة الكتاب, وموافقة العامة ومخالفة العامة<.

من الواضح بأنه المقام الأوّل شيء والمقام الثاني شيءٌ آخر وإن كان هناك بينهما ترابط أيضاً. ولذا كلّ من قال أن التقية سبب لاختلاف الأحاديث جعل مخالفة العامة من المرجحات, ولذا نحن إذا صار وقت إن شاء الله نشير إلى بعض النكات أننا لماذا نميز بين المقامين بين المقام الأوّل والمقام الثاني.

أما المقام الأوّل: لا إشكال ولا شبهة أن هناك أسباب متعددة أدّت إلى بروز التقية في رواياتهم, وما لم نميز ذلك نتصور وقوع الاختلاف, وأشرنا إلى بعض الموارد بالأمس, كنّا في السبب الأوّل.

في السبب الأوّل قلنا: الخوف على السائل.

فيما يتعلق بالخوف على السائل قلنا هناك مجموعة من الأمثلة والموارد, أشرنا إلى المورد الأوّل.

أما المورد الثاني, المورد الثاني: وهو الخوف الشخصي على السائل, السائل يأتي ويسأل سؤال والإمام يعرف ظروف السائل, إما هو بيّن وإما الإمام بأي طريقٍ كان واقفٌ على ظروفه, فيجيبه لا بحسب الحكم الذي هو الحكم الأولي وإنما يجيبه بنحوٍ حتّى لا يقع السائل في مهلكة, لا يقع في حرج لا يقع في ضيق لا يقع في محاسبة, فلو سألت الإمام والسائل ليست هذه ظروفه لأجاب شيء آخر, ولكن لأن هذه ظروف السائل فأجابه الإمام بذلك.

منها هذه الرواية, الواردة في (أصول الكافي) طبعاً لا يتصور أنها رواية واحدة موجودة, روايات متعددة, ولكن أنا اكتفي بمورد رواية واحدة. الرواية واردة في (أصول الكافي أو في الكافي, الفروع, ج3, طبعة مؤسسة دار الحديث, ص544, رقم الحديث 13374) بعبارةٍ أخرى (كتاب المواريث, باب ميراث الولد, الرواية السابعة) الرواية: >عن عبد الله بن محرز بيّاع القلانس, قال: أوصى إليّ رجلٌ وترك خمسمائة درهم أو ستمائة درهم وترك ابنةً وقال لي: وقال< من؟ ذاك الذي ترك المال والابنه >وقال: لي عصبة بالشام, فسألت أبا عبد الله الصادق عن ذلك, فقال: أعطي الابن النصف والعصبة النصف الآخر<.

التفتوا, الآن قد توجد رواية من هذا القبيل, ولا يوجد فيها هذا الذيل, ولكن هذا الذيل يوضّح لنا إذن جملة من أحكامهم صدرت بهذا اللحاظ, >فلما قدمت الكوفة أخبرت أصحابنا بقوله< بقول الصادق >فقال: اتقاك, فأعطيت الابن النصف الآخر< قال اتقاك أنا عندما قالوا اتقاك بالحكم إذن ماذا فعلت النصف الأوّل قد أعطيت فأعطيت النصف الثاني أرجعته كما هو الحكم الشرعي في هذا, >ثمَّ حججت فلقيت أبا عبد الله الصادق فأخبرته بما قال أصحابنا وأخبرته أني دفعت النصف الآخر إلى الابنه فقال أحسنت, إنَّما أفتيتك مخافة العصبة عليك< أنا كنت أعلم إذا أقول كلها أعطها للبنت فقد تقع في مشقة من العُصبة أو من العَصبَه, إذن الإمام (عليه السلام) هنا لم يعطي الحكم عبروا عنه الأولي, لأنّه قد يقول لي سيدنا هذا الواقعي هذا ليس الواقعي, الآن هذه التعابير تعابيرنا ولا توجد في الروايات واقعاً واقعي وغير واقعي.

الإمام قد يجد المصلحة أن يفتي في هذا مرة, وقد يجد المصلحة في ماذا؟ هذا الشخص مصلحته الواقعية أن يعطي النصف لهذا والنصف لذاك, الآن عبروا عنه عنوان ثاني لا مشكلة.

هنا لا توجد لا قضية سياسية ولا قضية مرتبطة بالشيعة ولا قضية مرتبطة بالإمام.. أبداً قضية مرتبطة بالشخص.

أعزائي, لابدَّ أن يلتفت أن الإمام عندما يعطي حكم في كثير من الموارد ينظر إلى ظروف الراوي أو لا ينظر؟ ولكن نحن ماذا فعلنا بحسب المنهج المتعارف؟ أي شيء صدر من الإمام جردناه من كلّ ما يحيط به من ظروفه, وهذا هو المنهج الذي نحن لا نوافق عليه مراراً وتكراراً قلنا, هذا المورد الثاني.

المورد الثالث: وهو ما ورد في (الوسائل, ج11, ص257, كتاب الحج, الباب الخامس, استحباب العدول عن إحرام الحج إلى عمرة التمتع, الباب الخامس من أبواب أقسام الحج, بحسب مؤسسة آل البيت 14735) الرواية >عن يونس بن عبد الرحمن, عن عبد الله بن زرارة وعن محمد بن قولويه والحسين بن الحسن جميعاً, عن حسن بن عبد الله, عن ..< إلى آخره >عن محمد بن عبد الله بن زرارة وابنيه الحسن والحسين, عن عبد الله بن زرارة, قال أبو عبد الله الصادق: اقرأ مني على والدك السلام وقل إنَّما أعيبك دفاعاً مني عنك, فإنَّ الناس والعدو يسارعون إلى كلّ من قربناه وحمدنا مكانه بإدخال الأذى في من نحبه ونقربه<.

إذن لا ينبغي أن ننظر إلى الذم دائماً على أنّه ذمٌ يراد به الذم, لا, وبعض الذم يراد به المدح. نعم التفتوا, وهذا أصلٌ مهم في علم الرجال, إذا نحن بنينا في كلّ مورد على أن الذم يراد به الذم وأن المدح يراد به المدح فيقع في تعارضات, نقول أن الإمام في مكان مدحه في مكان ذمه, فيقع تعارض كيف نحل التعارض, مع أنه إذا بنينا على هذا الأصل لا, قد يقول الذم ويريد المدح وقد يقول المدح ويريد الذم, إذن لا تعارض مع الروايات المقابلة لها, لأنه نحن كلّ حديثنا أين؟ حديثنا تضييق دائرة اختلاف الحديث وهذه من موارد تضييق دائرة اختلاف الحديث يعني عندما نأتي إلى زرارة الروايات كما تعلمون مختلفة فيه, لا فقط زرارة, عشرات من الأصحاب, اختلفت الروايات في ذمهم ومدحهم وردت في ذمهم شيء وفي مدحهم شيء, ماذا نفعل؟ الجواب: لا تعارض, لأنه ما ورد في ذمهم يراد به المدح وما ورد في مدحهم قد يراد به الذم وهذا أيضاً لابدَّ أن يلتفت إليه, هذا هو السبب الأوّل.

ولذا السيّد الشهيد& عندما جاء في (تقريرات بحثه, ج7, ص38) هذه عبارته, وهي عبارة جامعة أنا بودي أن الأعزة يلتفتوا إليها, يقول تحت عنوان [ملاحظة ظروف الراوي: وقد ينشأ التعارض بين الحديثين نتيجة أن الإمام حينما قال أحدهما كان يلاحظ حاله في السائل يتغيّر على أساسها الحكم الشرعي ويتأثر به] فأنت تجرد هذه الرواية عن الظروف, السؤال والسائل والراوي وغير ذلك فتجعلها معارضة لرواية أخرى, مع أنه لا تعارض, لأن هذا الحكم الذي صدر, صدر لهذه الظروف ولهذا السائل ولهذا الراوي, وتلك الرواية صدرت لظروف أخرى ولسائل آخر, بإمكان الإخوة أن يرجعوا إلى ذلك. هذا السبب الأوّل لوجود التقية في رواياتهم.

السبب الثاني: التفتوا جيداً هذا السبب الثاني جداً مهم وتجدون له عشرات الموارد في النصوص الموجودة بأيدينا.

السبب الثاني: هو أن الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) باعتباره لم يكن, التفتوا إلى هذه العبارات التي أنا أقولها, والله يعلم أتكلم في القضايا الفكرية والعقدية وأدوار ومسؤوليات الأئمة, لم يكونوا فقهاء بالمعنى التقليدي الذي عندنا الآن, وهو أنه جالسٌ في البيت ولا علاقة له بما يجري على وضع الشيعة في العالم في كلّ مناطق العالم, لا لا أبداً, الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) في كلّ أمور الشيعة كانوا يراعون وضع الشيعة فيوجهونهم حتّى في أدق التفاصيل المرتبطة بحياتهم.

وخير شاهد على ما أقول أنا بودي أن الأعزة يرجعوا إلى (الروضة من الكافي) في أول هذه الرسالة المعروفة في كتاب الروضة وهي رواية: >محمد بن يعقوب الكليني, قال: حدثني علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضّال عن حفص المؤذن عن أبي عبد الله الصادق وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله الصادق< التفتوا جيداً >قال: أنّه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها, قال: وحدثني< يعني ماذا؟ هذه أحكام شرعية عامة أم توصيات عملية مرتبطة بحياتهم الاجتماعية والدينية أيٌ منهما؟ أمرهم أن ينظروا فيها, يعني ماذا؟ يعني أنت في منطقتك هكذا, الآن ضمن هذه الوصايا العامّة أنظروا ماذا يقول الإمام (عليه السلام) >يقول: دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلاَّ مرة واحدة للتكبير< لا في الركوع الله أكبر, السجود الله أكبر, أبداً لا ترفعوا أيديكم مرة واحدة لتكبيرة الإحرام. قنوت لا يوجد, تعلمون أنه قنوت الآن موجود عندهم ولكنّه رفع اليد للتكبيرات, قال: >دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلاَّ مرة واحدة حين تفتتح الصلاة< يا ابن رسول الله لماذا؟ >قال: فإنَّ الناس قد شهروكم بذلك والله المستعان ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله<.

واقعاً الآن هذه, مستحبات هذه, مستحبات أم واجبات؟ وإن كان قول قديم ضعيف يوجد بالوجوب ولكن العموم من المستحبات, الإمام يتدخل أين تفعل المستحب وأين لا تفعل المستحب, يعني ماذا؟ يعني بعبارة أخرى: في كلّ منطقة, وخصوصاً نحن الآن نعيش في بلدٍ الشيعة في بعض المناطق أقوياء, في بعض المناطق ضعفاء, في بعض المناطق أقليّة, في بعض المناطق أكثرية في بعض المناطق جالية, في بعض المناطق أصلاً لا يوجد إلاَّ خمسة, في منطقة في حي كامل لا يوجد إلاَّ خمسة, ما هي التوصيات لهم, من هو المسؤول من تقديم التوصيات, المؤسسة الدينية مسؤولة, كما أن الإمام هنا مسؤول عن ماذا؟ عن ذلك.

ولذا أعزائي, هذا العنوان السبب الثاني هو ماذا؟ هو ضمن الخوف على الشيعة, حفظ الأتباع حفظ أتباع مدرسة أهل البيت ضمن هذه, كثير من التوصيات وردت من الأئمة, الآن التفتوا, جنابك تأتي إلى هذه الروايات, تجردها على الظروف التي صدرت فيها تقول يوجد تعارض بين الرواية الواردة في الروضة وبين الرواية الواردة في الوسائل, مع أنه يوجد تعارض أو لا يوجد تعارض, لا, ذاك له عنوانٌ وهذا له عنوان آخر, لابدَّ أن تقرأ ظروف لا أنه تأخذ مقطع من رواية وتجردها عن كلّ ظروفها الاجتماعية والسياسية والفكرية والعقائدية.

في مكان هذا تابع للمؤسسة الدينية أن تقول, طيب فلان مكان نحن نريد أن نصلي نقول الشهادة الثالثة أو لا نقول؟ نعم, أنت إذا في قم, لا والله ما تقول الشهادة الثالثة وراءها اثنا عشر جملة قل .. ما عندنا مشكلة معك أنا, أما أنت تعيش في بلدٍ هو حي على خير العمل ما يفهمها منك, أنت جالب الشهادة بالولاية والأئمة والزهراء وبينكم وبين الله هؤلاء على ديننا أم خارجين من ديننا؟ واللطيف أنت ما عندك أي دليل عليها, وإذا تقول تقول والله شعار هذا, طيب هذا الشعار ماذا؟ من أصول الدين من فروع الدين, هذا من يعينه افعل ولا تفعل؟ الشخص هو لا يستطيع أن يشخص هذا, المسؤول لا الفقيه هو المسؤول يكون في علمك, المسؤول المرجع, وإلا يريد أن يجلس في بيته ويكتب فقه ما عندنا ليس مسؤول هذا ليس مسؤول عن إدارة وضع الشيعة, المسؤول عن إدارة وضع الشيعة المؤسسة الدينية المرجعية بالمعنى العام لها, أن تعطي التوصيات.

هذا فعله الأئمة (عليهم السلام) في تراثهم ادخلوا إليهم من الأوّل إلى آخر تجدون مئات الموارد بهذا الاتجاه, فأنت تجردها من ظروفها أين تصل, تعارض تعارض… وفي الواقع يوجد تعارض أو لا يوجد تعارض؟ لا يوجد تعارض, ولذا نحن جعلنا هذا السبب من أسباب تضييق دائرة التعارض بين الروايات.

السبب الثالث: السبب الثالث, هذا السبب مرتبط بمسألة أخرى وهي: الخوف على أنفسهم من السلطات الحاكمة, يعني: الإمام يقول شيء وهو خائف على نفسه, له مورد. نعم له موارد كثيرة, لأنهم كانوا يشخصون بأنه الآن هو مستعدٌ للشهادة كما كلهم كانوا >وكرامتنا من الله الشهادة< ما في شك, ولكنه من قال بأنه كلُ وقتٍ فيه حكمةُ الشهادة, هذه أمامكم حركة الإمام الحسين المباركة هذه النهضة التي حركت التأريخ وستحركها إلى قيام الساعة, قام بها في أي وقتٍ, قام بها في زمان معاوية أو في زمن يزيد؟ إذن من قال لكم أن الشهادة. نعم, كأصل كان تامة الكل كلّ الأئمة (عليهم السلام) مستعدون لذلك ما في مشكلة, ولكن كلّ وقتٍ ولأجل كلّ شيء؟ لا لا, أبداً, له حسابات دقيقة خاصة, الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) عندما كانوا يجدون أن تلك الحسابات بعد لم تتوفر شرائطها ما يدخلون على خط الشهادة, وعلمائنا الكبار أيضاً كذلك, السيّد الشهيد الصدر+ كان مستعد ولكنه وشخص ذاك الزمن بالخصوص أن يدخل على خط الشهادة.

إذن لا يقول لي قائل: سيدنا هؤلاء لماذا كانوا يخافون على أنفسهم؟ هؤلاء كانوا يخافون على دين الله, هؤلاء كانوا يخافون على حفظ كانوا يخافون أن ينقطع خط حفظ الرسالة المحمدية’ ولذا تجدون الإمام أمير المؤمنين كلّ تلك التصرفات التي في بعض الأحيان واقعاً نحن لا نستطيع أن نفهم الحكمة فيها, بعد ما وقع من ذهاب رسول الله’ جملة من تصرفاته جملة من مواقفه لا نستطيع أن نفهمها, لماذا وقف, أليس هذا علي بن أبي طالب, قالوا نعم, هذا علي بن أبي طالب, ولكن الحكمة كانت تقتضي أن يستشهد أم الحكمة كانت تقتضي أن يبقى؟ أن يبقى, ولهذا الإمام (عليه السلام) قدّم كلّ تلك المواقف.

إذن أعزائي, وهذه هم يشخصونها وصرحوا لنا بها, أذكر مورداً واحداً وهو ما ورد في (أصول الكافي) عفواً عندما أقول الكافي ليس مقصودي بالضرورة الأصول يعني الفروع, (ج12, ص98, كتاب الصيد, باب صيد البزاة والصقور وغير ذلك) الرواية: >عن الحلبي, قال أبو عبد الله الصادق< الروايات جملة منها صحيحة السند ولكن الآن ليس بحثنا هذا, >قال: أبو عبد الله الصادق كان أبي< يعني الإمام الباقر >يفتي وكان< تلتفتون أنتم هذه ظاهرة أن الكلام أن الأئمة عادةً يعبرون يفتي نعم, >قال أبو عبد الله الصادق: كان أبي يفتي وكان يتقي< يعني في بعض فتاواه ماذا؟ يستعمل التقية >وكان يفتي ونحن نخاف في صيد البزاة والصقور< هذه العبارة ما تصير هكذا, بلي. >كان أبي يفتي وكان يتقي< عفواً وكان يتقي >ونحن نخاف في صيد البزاة والصقور< يعني كنّا نخاف مثلاً >وأما الآن فلا نخاف ولا نحلُ صيدها إلاَّ أن تُدرك ذكاته, فإنَّه في كتاب علي< هذه الرواية.

الرواية الثانية لعلها أوضح أقرأها لكم, (ص102) >سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام)< أبان بن تغلب >كان أبي يفتي في زمن بني أميّة أن من قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتقيهم وأنا لا أتقيهم وهو حرامٌ ما قتل<.

واضح, إذن في زمن بني أميّة أن الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) كانت لهم بعض المواقف, عندما انتقل الأمر إلى بني العباس والأيام الأولى من حكومة بني العباس الظروف تحسنت مقدار, لا أقل قل الضغط عليهم, الأئمة ماذا فعلوا؟ بينوا مواقفهم, الآن أنت تعال وجرد الرواية عن ظروفها عن زمن الباقر, وعن ظروفها في زمن الصادق, ماذا يحصل عندنا؟ تعارض في الروايات.

الإمام مرة يقول كذا, الآن هنا الإمام قيد, لعله في مكانات أخرى ماذا؟ لم يذكر القيد لسببٍ من الأسباب أو لأن الناقل لم ينقل لنا القيد, إذن من قال لنا أن الأعزة هؤلاء كلامهم بمنزلة متكلم واحد, لا عزيزي, هذا أصلٌ لم يقم عليه أي دليل, من قال هذا الكلام, فإنَّ كلام الإمام الصادق في زمان, كلام الإمام الباقر في زمان, كلام الإمام السجاد في زمان, كلام الإمام الهادي في زمان, كلام الإمام العسكري في زمان, بينك وبين الله ظروف المتوكل كظروف المأمون؟ الظروف التي عاشها الأئمة في زمن المتوكل كالظروف التي عاشها الإمام الرضا في زمان المأمون؟ أبداً, ظرفان مختلفان ولكل ظرفٍ مجموعة من المواقف, مجموعة من الفتاوى, مجموعة من الكلمات تنسجم مع ذلك الظرف.

وما لم نلتفت إلى ذلك أيضاً نوقع التعارض فيما لا تعارض فيه, لماذا؟ لأنه نجرد الرواية عن الظروف التي صدرت فيها, الآن سواء كان فقهياً كان عقدياً كان اجتماعياً كان سلوكياً كان سياسياً أياً كان لا يفرق, هذا هو السبب الثالث.

السبب الرابع: هذا السبب الرابع أنا فقط أعنونه وإن شاء الله تعالى الأعزة يراجعون هذه الليلة إن شاء الله غداً نقف عنده تفصيلاً, التفتوا.

في السبب الرابع لا كان هناك خوفٌ على السائل, ولا كان هناك خوفٌ على الشيعة, ولا كان هناك خوفٌ على أنفسهم, إذن لماذا لا يبينون الحقائق؟

الجواب: أن الأفق الفكري, والثقافي, والديني, والسياسي, انحرف إلى درجةٍ أن الإمام لو كان يريد أن يقف أو يقول الحق لكان في قباله جبهة كلّ المسلمين, مباشرةً يكون في زاوية وفي درجة حادّة وفي منطقةٍ شاذّة يكون يسمع له أحد أو لا يسمع له أحد؟

حتّى أقرب المطلب للأعزة, أنا الآن يقين عندي أن كلّ الأعزة الجالسين هنا وغير هؤلاء, عنده كثير من هذه الإشكالات الموجودة إما في المؤسسة الدينية أو في غير المؤسسة الدينية, صحيح أم لا, ولكن الجو الموجود من الشيعة الذين يقلدون الوضع الديني والمراجع, يرون أن كلّ ما موجود هنا ما هو؟ مقدّس, فإذا ذهب في الوسط الاجتماعي وأراد أن ينقد فيسمح له أحد أو لا يسمح؟ لا يسمح, ماذا يفعل ماذا تقتضي الحكمة, أن يتكلم أم يسكت؟ الآن يسكت لأنه قبل هذا, لا لا, وإنما أولاً يريد أن يهيأ الأرضية لقبوله في الوسط الاجتماعي فإذا قبلوه ووثقوا به وأنه عند ذلك يبدأ معهم بالتدريج في بيان الحقائق.

نفس هذا السلوك قام به الأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) لماذا؟ لماذا أبتلى أئمة أهل البيت, واقعاً المصيبة كانت على أئمة أهل البيت كبيرة جداً, أعزائي لأنه هو رسول الله’ في أخريات حياته ورسالته المباركة يخشى أن يقول للناس أن علي هو الولي من بعدي, يخشى من ماذا؟ هذا الذي {يَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ} لا, خشيته أن المنافقين أن أعداء الرسالة يستفيدوا من هذا الموقف لضرب أصل الرسالة.

ولذا تجدون في ذيل قوله, وهذا ما وقفنا عنده تفصيلاً أن رسول الله’ لماذا جاء إليه هذا الخطاب, {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ} أصلاً هذا النص فيه تهديد {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ} أنت خائف من الناس, طيب أنا المسؤول أنت أدي مسؤوليتك والباقي عليّ, أليك كذلك, ثمَّ بعده انحرفت المسيرة وانحرفت كم؟ انحرفت إلى أن وصلت أن علي بن أبي طالب في سنة 35 من الهجرة, يعني لم يتجاوز إلاَّ ربع قرن على ذهاب رسول الله, يعني الجيل الذي كان معاصراً لرسول الله’ بعده كان موجود, ولكن علي بن أبي طالب استطاع أن يرفع صلاة التراويح هذه البدعة أو لم يستطع؟ لماذا؟ أين كانت الإشكالية, علي بكل قوته وعظمته وقوله في الحق ولكنّه وجد أنه سوف يصطدم مع هذا الأفق الفكري والديني, لا يستطيع. وبدأت الحرب, لا فقط هذا, انظروا ماذا كانت تقول عائشة عن بعضهم, أقرءوا أنه لم يجف ماذا؟ وبدلتم سنة الرسول.. أليس كذلك, هذه نصوص, عند ذلك الآن هذا استمروا بهذه الحالة, استمروا ويأتي معاوية رأس البيت الأموي الذي كان بانٍ على قطع جذور مدرسة أهل البيت, بل مدرسة الإسلام, رسالة الإسلام, العمل الجبار لا يوم ولا يومين أعزائي, لا يوم ولا يومين من سنة 20 من الهجرة, إلى سنة 132, يعني حدود قرن وعشر سنوات مائة وعشر سنوات, لأن معاوية كان حاكماً على الشام قبله بعشرين عام وبعده بعشرين عام, الأمويون ماذا فعلوا بالإسلام أبقوا له شيء؟ والأئمة كانوا يستطيعون أن يتكلموا؟ أمامكم الإمام الحسن أمامكم الإمام الحسين ويكفيكم ظاهرة الإمام الحسين, إلى أن جاء الإمام السجاد عند ذلك قليلاً تهيأت الظروف للإمام الباقر (عليه أفضل الصلاة والسلام) الذي بدأ حركته الفكرية والثقافية والبنائية, عند ذلك يستطيع مباشرةً يدخل على الخط مباشرة كلّ هذه المتبنيات التي صارت جزءً لا يتجزأ من كيان الدين, يستطيع أن يدخل عليها مباشرةً لمحوها يستطيع أو لا يستطيع؟ لا يستطيع, فمضطر تدريجياً يتعامل معها, يعني يعطي لها مقداراً من الشرعية حتّى يستطيع من خلالها أن يدخل إلى واقع المجتمع.

ومن هنا صدرت منهم, يعني من الإمامين الباقر والصادق وغيرهما من الأئمة, كثير من الكلمات, كثير من المواقف, كثير من الروايات, لا لأنها هي الحق, بل لأنها تنسجم مع الواقع الفكري الذي كان قائماً. هذا تفصيل إن شاء الله يأتي في غد.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات