نصوص ومقالات مختارة

  • ورثة الإمام

  • قد عرفت أنّ مقام الإمامة الإلهيّة هو أرفع المقامات المعرفية، ولا ينال هذا المقام إلّا بعد قطع أشواط كثيرة في السير المعرفي التكاملي، فالنبيّ إبراهيم × لم يتبوّأ هذا المقام الأعظم إلّا بعد أن مرّ بأدوار معرفية تحقّقية أُشير إليها بالعبودية والنبوّة والرسالة والخُلّة.

    وفي ضوء هذا الترتّب الطولي في الخلافة الإلهيّة([1]) تتّضح لنا الضرورة المعرفية في تعيين المرتبة المعرفية للآخذ عنهم والوارث لهم. فإنّ التفاضل المقامي أو المعارفي بين نفس الأئمّة ـ كما أوضحناه آنفاً ـ يحتّم معرفيّاً بأنّ اللاحق منهم مرتبة هو المعنيّ بالأخذ أوّلاً وبالذات عن السابق عليه رتبة ـ لا زماناً ـ إذ ليس للزمان مدخلية في التفاضل المعرفي، وهذا واضح.

    وبذلك يتّضح أيضاً لماذا كان الرسول الأكرم ’ بحقيقته الوجودية المجرّدة هو الصادر الأوّل والمفردة الأولى في صحيفة عالم التكوين الإمكاني، فقد اشتملت حقيقته المعرفية معارف التكوين الإمكاني إجمالاً وتفصيلاً، فلا يُتصوّر بعدها وجود مرتبة معرفية إمكانية خارجة عن حيّزه المعارفيّ. فهو بحقيقته ’ مثّل مركز دائرة المعارف الكونية الإمكانية، وهذا هو معنى كونه ’ قطب الرحى أو قطب عالم الإمكان، فلم يحتج إلى من سواه البتّة واحتاج إليه الكلّ في طيّ السجلّ الإمكاني([2]).

    إذا اتّضح ذلك فإنّه يُعلم من هم الآخذون عن الأئمّة (صلوات الله عليهم أجمعين). لا ريب أنّهم الأقرب فالأقرب إليهم معرفيّاً، ويمكن عنونة الآخذين عن الإمام أوّلاً بالمعصومين، فكلّ معصوم لم يبلغ رتبة الإمامة ـ وهم كثيرون، معلومون وغير معلومين ـ يكون مقصوداً ومعنيّاً بمعرفة الإمام والأخذ عنه من معارفه التحقّقية وراثةً. وقد عرفت أنّ معنى الوراثة في المقام هي الاشتمال على الاستعداد لإيداع الخزائن المعرفية فيه، فبمجرّد توافر ذلك في الآخذ فإنّه يجد نفسه واقفاً على ما يناسب استعداده بعد حصول الإذن من العاطي، فللعاطي أن يمنح وأن يمنع، {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (ص: 39).

    هذا بخصوص الأقرب للإمام وهو المعصوم، وأمّا الأقرب فهو الأقرب إلى المعصوم نفسه، وهو المتمثّل بالعرفاء الواقفين بحسبهم على المعارف التحقّقية فهذه الطبقة الثانية هي الأخرى معنيّة بالأخذ عن الإمام ووراثة العلوم الحقّة عنه، ثّم تأتي مرتبة عباد الله الصالحين بدائرتها الأوسع والأشمل حيث يدخل فيها طلاب المعارف الإلهيّة الحقّة الذين زكت نفوسهم وطهرت قلوبهم وعملوا بما علموا، فمن أدرك منهم إمام زمانه عياناً شملتْه العناية مباشرة ومن لم يدرك إمام زمانه عياناً ـ كما هو الحال في زمان الغيبة ـ فإنّه تشمله العناية أيضاً ولكن بالواسطة عادة، ولعلّ ذلك يحصل بوسائط عديدة وفقاً لمقتضيات الغيبة ومستلزماتها.

    وينبغي أن يعلم أنّ من جملة مراسم المعارف التحقّقية بالنسبة للآخذين الأمانة وحفظ السرّ، والمراد من حفظ السرّ ليس كتمه وإنّما إيصاله إلى أهله، وأمّا البوح به جهاراً فذلك يعدّ من رعونة السالك في الطريق، وهذه الرعونة في إذاعة السرّ تارةً تقع سهواً فيلزم منها الحجب المؤقّت، وتارةً تقع عمداً فيلزم منها الحجب الدائم، إلّا من شُفع له ولكن بعد حين.

    وهذه الإذاعة العلنية عمداً تقع عادة في المعارف الحقّة من قبل السلّاك القاصرين، وأمّا الكاملين فيقع ذلك منهم سهواً، وأمّا المعصوم مطلقاً فلا يقع منه ذلك البتّة.

    ——————————————

    ([1]) فالخليفة الإلهي يصدق على النبيّ والرسول والإمام مع فارق المرتبة المعرفية التي عليها كلّ خليفة.

    ([2]) وهذه الحقيقة المعرفية الأعظم إطلاقاً في دائرة التكوين الإمكاني صادقة علي النبيّ ’ وعلى نفسه المقدّسة التي مثّلها أمير المؤمنين علي × بنصّ القرآن الكريم {…وأنفسنا وأنفسكم…} (آل عمران: 61)، وبنصّ الرسول الأكرم ’، حيث قال: «أنا وعليّ من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى» كنز العمال للمتّقي الهندي، تحقيق: الشيخ بكري حياني والشيخ صفوت السقّا، مؤسّسة الرسالة، بيروت: ج11 ص608 ح32943.

    • تاريخ النشر : 2015/05/26
    • مرات التنزيل : 3731

  • جديد المرئيات