نصوص ومقالات مختارة

  • نظرية الإنسان الكامل (74)

  • بسم الله الرحمن الرحيم

    وبه نستعين

    والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

     (وأما كونه كلمة فاصلة فلتمييزه بين المراتب الموجبة للتكثر والتعدد في الحقائق بل هو المفصل لما تحويه ذاته بظهوره بحسب غلبة كل صفة)

          في البحث السابق قلنا بأنه بعد أن ذكر الكون الجامع سمي إنساناً صار بصدد بيان خصائص الإنسان الكامل، الخصوصيات التي أشرنا  إليها، إلى الآن هي الحادث الأزلي والنشأ الدائم الأبدي، ثم قال : (والكلمة الفاصلة )

          أما ما يتعلق ببحث الكلمة كما أشرنا  في بحث الأمس فقد تقدم الحديث عن ذلك في صفحة (177) من الكتاب، وأما أقسام الكلمات، فالكلمة أما أن تكون بمعنى الفعل وأما تكون بمعنى الانفعال وأما تكون بمعنى جامع للفعل والانفعال، إذا  نظرت أنت إلى الفاعل يعني إلى واسطة الفيض، نظرت إلى الصادر الاول، فالكلمة بمعنى الفعل، وإذا  نظرت إلى ما يأخذ الفيض من الصادر الأول، فالكلمة بمعني القبول والانفعال، وإذا  نظرت إلى نفس الصادر الاول، فهو يأخذ بيدٍ ويعطي بيدٍ أخرى، فهو الجامع للفعل والانفعال، فهو المفيض والمستفيض، هذه أقسام الكلمة، وذكرها الأعلام في كلماتهم إن شاء الله الإخوة يراجعون، يعني الجندي صفحة (159) من شرح الفصوص، هناك أشار إلى هذا المعنى : أما كونه كلمة فقد تقدم الكلام .

    وأما كونه فاصلة، لماذا تسمى هذه الكلمة فاصلة ؟ ذكرت هناك وجوه متعددة لكون الكون الجامع يسمى كلمة فاصلة :

    الوجه الأول: لأنه هو الذي يفصل بين الوجوب والإمكان، بين الحضرة الوجوبية والحضرة الإمكانية، ولذا هو برزخ بين الوجوب والإمكان، وهذا بيناه فيما سبق .

    الوجه الثاني: باعتبار أنه كما أن ملك الموت ماذا يفعل؟ ما هي وظيفة ملك الموت ؟ الفصل بين الأرواح وصورها وأجسادها، ولكن يفعل ذلك تحت إذن الإنسان الكامل باعتبار أن ملك الموت أيضاً مظهر وشأن من شؤون الإنسان الكامل، قوة من قواه وهذا ما تقدم، قلنا أن الملائكة بمنزلة القوى للإنسان الكامل، فايضاً هو كلمة فاصلة، يعني تفصل الأرواح عن الأجساد، أو لا أقل بإذنه التكويني.

    الوجه الثالث: هو أنه به يظهر هذا المجمل ليكون مفصلا، >أول ما خلق نور نبيكم ثم خلق منه كل خير<، سواء على مستوى العلم أو على مستوى العين، إذا  تتذكرون هذا المعنى بشكل واضح وصريح أشار إليه في صفحة (240) في وسط الصفحة قال : (أوجد الحقيقة المحمدية التي هي حقيقة هذا النوع الإنساني في الحضرة العلمية، فوجدت حقائق العالم كلها بوجود الحقيقة المحمدية وجوداً إجمالياً) وهذا الإجمال بعد هذا يتفصل فسمي كلمةً فاصلة، يعني به يحصل تفصيل ذلك الإجمال .

    تعالوا نقرأ شيئا من العبارة، ( وأما كونه كلمة فاصلة) هذا الوجه الثالث الذي أشرنا  إليه لا وجه الأول ولا الثاني (فلتمييزه بين المراتب الموجبة للتكثر والتعدد في الحقائق) يعني الحقائق الإمكانية ( بل هو ) من ؟ الكون الجامع الإنسان الكامل (بل هو المفصل ) مفصل لأي شيء (لما تحويه ذاته) إجمالاً به يكون ذلك الإجمال تفصيلاً علماً وعيناً، كيف (بظهوره) يعني ظهور الإنسان الكامل في كل نشأة بحسب تلك النشأة، في كل مقام بحسب ذلك المقام، لأن كل هذا النشئآت بمنزلة القوى للإنسان الكامل (بظهوره بحسب غلبة كل صفة عليه ) على الإنسان الكامل ( في صورة تناسبها) تناسب تلك الصفة الغالبة عليه ( علماً وعيناً) هذا الذي أشرنا  إليه في صفحة (240 ) قلنا بأنه الإجمال في الحضرة العلمية بتوسطه يكون تفصيلاً وفي الحضرة العينية أيضاً كذلك، ارجعوا مرة أخرى إلى صفحة (240) قال: (وأما العين فبحسب وجوداته فلأنه جعل الوجود الخارجي مطابقاً للوجود العلمي، بإيجاد العقل الأول أولاً، ثم بتوسطه في إيجاد غيره ثانياً) العقل الأول قلنا يعني إجمال العالم، هذا الذي بيناه قلنا على اصطلاح العرفاء العقل الأول بأي معنى ؟ بمعنى كل العالم، ولكن كل العالم بوجوده الإجمالي ؟ لا، بوجوده التفصيلي، نعم بوجوده التفصيلي يصير عالم العقول وعالم المثال وعالم المادة قوس النزول وقوس الصعود إلى آخره، وإليه الإشارة بكونه × قاسماً بين الجنة والنار، فهو المفصل، إذا  كان هو المفصل، واحدة من مصاديق التفصيل أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، والروايات في هذا المضمون كثيرة في يوم من الأيام الرواية منقولة عن طرق الفريقين وهو : >أن النبي ’ رفع يده اليمنى بين أصحابه وضمها قال أتعلمون ما في يدي ؟ قالوا الله ورسوله اعلم، قال أهل الجنة هم وأسماؤهم في هذه اليد، ثم رفع يده اليسرى<، أما روايات أنه قاسم بين الجنة والنار فهي كثيرة في هذا المضمون، الإخوة جزاهم الله خير استخرجوا لنا بعض الروايات منها : هذه الرواية القيمة عن الحسن بن عبد الله عن آبائه عن الحسن بن أبي طالب ^ قال : >جاء نفر من اليهود إلى رسول الله ’ فسأله أعلمهم فيما سأله فقال : لأي شيء سميت محمد وأحمد وأبا القاسم وبشيراً ونذيراً وداعياً ؟ فقال النبي ’ : … وأما أبو القاسم فان الله عز وجل يقسم يوم القيامة قسمة النار فمن كفر من الأولين والآخرين ففي النار، ويقسم قسمة الجنة فمن آمن بي وأقر بنبوتي ففي الجنة ..< إلى آخر الرواية . مصدر الرواية : بحار الأنوار ج18 ص312 الباب 3 إثبات المعراج ومعناه 

    والرواية الأخرى التي هي من الروايات القيمة في هذا الباب، >سألت أبا الحسن وقلت له لما كني النبي ’ بأبي القاسم قال لأنه كان له ابن يقال له قاسم فكني به، قال : فقلت له : يابن رسول الله فهل تراني أهلا للزيادة ؟ فقال : نعم، أما علمت أن رسول الله ’ قال : أنا وعلي أبوا هذه الأمة؟ قلت : بلا، قال : أما علمت أن رسول الله ’ أب لجميع أمته وعلي× فيهم؟ قلت بلا، قال : أما علمت أن علياً قاسم الجنة والنار ؟ قلت : بلا، قال : قيل له أبو القاسم لأنه أبو قسيم الجنة والنار < الآن أنت قد تتصور أن هذا استعمال اللفظ في أكثر من معناه أنت حر، ولسنا في صدد ذلك، ولكن الإمام × قال : إذن يراد من أبي القاسم، أي أبو من يقسم بين الجنة والنار، قسيم الجنة والنار، إذن هذا الوصف كما هو موجود لرسول الله ’ موجود لعلي × .

    ورواية ثالثة أيضاً >قلت يا روح الله إنما كنيت بابي القاسم لأنك تقسم الرحمة مني بين عبادي يوم القيامة، ورحمتي وسعت كل شيء < هذا أيضاً من باب ذكر المصداق، وإلاّ ليس فقط في الآخرة قسيم الجنة والنار وإنما هو منشأ هذا التقسيم الموجود .

    قال : (وإليه الإشارة بكونه قاسماً ’ بين الجنة والنار، إذ هذه القسمة واقعة أزلاً) أين ؟ في قوس النزول والآخر مطابق للأول، يعني وواقع أبداً، وأبداً مطابق لأزلاً، بالبيان الذي تقدم، (أما كونه كلمة) هذه الكلمة فاصلة جامعة، والإخوة يتذكرون في كونه كلمة جامعة وقفنا عندها بشكل تفصيلي في صفحة (232) قال: ( أشارة إلى أن هذه الجمعية حاصلة لها من أمور ثلاثة، راجعة إلى الجناب الإلهي راجعة الحضرة الإمكانية راجعة إلى الطبيعة الكلية) والجمعية بيناها هناك، (وأما كونه) أي الإنسان الكامل (كلمة جامعة فلإحاطة حقيقته بالحقائق الإلهية والكونية ) يعني الوجوبية والإمكانية كلها علماً وعيناً بالتفصيل الذي تقدم .

    ثم هنا يبن معنى آخر للفصل وللجمع، وهذا هو الوجه الأول أو الثاني الذي بيناه، قال (وأيضاً هو الذي يفصل بين الأرواح وصورها في الحقيقة ) فتقول أين ملك الموت {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم } يقول : ( وإن كان الفاصل ملكا معينا لأنه بحكمه يفصل) إذن عندما يريد أن يأخذ روح أحد لابُدّ أن يستأذن من الإنسان الكامل، في كل صباح ملك الموت يأتي بالقائمة التي عنده ويقول سيدي يا بن رسول الله هذا اليوم عندنا سبع ملايين نفر مثلا، ولا نعلم كيف يطالع ذلك الإمام، فلابد أن يوقع، وإذا  ما وقّع لا يستطيع ملك الموت أن يفصل، وعدم قدرته ليست تشريعية بل هي تكوينية، لأنه بمنزلة القوة للإنسان الكامل، وإذا  لم تعطي أمر لقواك لا تتحرك لا تستطيع العين أن ترى إذا  لم تأمرها بالنظر، اليد كذلك أن لم يصدر لها أمر من النفس لا ترتفع، فالمقام كذلك، ومن هنا أنت واقعاً في أول الصباح التوسل به × في دعاء العهد هناك رتبّ وضعك، وإلاّ الأمر ليس بيد غيره، وكل شيء راجع له، ولكنه >إنكم تطرقون باب من لا تعرفون< أنت تذهب يميناً ويساراً، إذا  أردت رزقك من هناك تأخذه، وإذا  أردت علما من هناك تأخذه، على الأقل تذكره × في كل صباح ولو مرة واحدة، ولأمرنا التشريعي والتكويني، واسطة الفيض ×  .

    قال:  (وإن كان الفاصل ملكاً معيناً ) لأن هذا الملك المعين بحكم من يفصل بين الأرواح والصور؟ قال : ( أنه بحكمه يفصل، وكذلك هو الجامع بينهما ) هذا معنى آخر للجمعية، كلمة جامعة يقول أيضاً هو الذي يفيض الأرواح على الصور، كما أنه بإذنه وبحكمه تفصل الأرواح عن الصور، أيضاً بحكمه وبإذنه التكويني تعرض الأرواح على من؟ يعني إذا  فرضنا هناك ملك معين مسؤول عن إفاضة الأرواح كما أنا نعتقد أن الروح واحدة من أهم وظائفها هذه الوظيفة، {يوم يقوم الروح والملك صفا صفا} هذا الروح في الروايات موجود أعظم من الملائكة، هذا الموجود الملكوتي الذي أعظم من الملائكة، بعضهم ينسب إفاضة الروح إلى اسرافيل، وهو جيد باعتباره مسؤول عن الرزق، فهم يقولون أن الرزق أعم من أن يكون مادي أو معنوي، وبعض يقول لا، وأنا باعتقادي لا، أن هذا الروح هو المسؤول عن إفاضة الأرواح أيضاً هو الجامع بين الصور والأرواح بحكم الإنسان الكامل.

    قال: ( وكذلك هو الجامع بينهما) لماذا كله بيد الإنسان الكامل ؟ لأنه الخليفة الجامعة، هو الخليفة، هو الذي، هو خليفة الله في هذه العوالم فإذا  كان هو المستخلف الحقيقي فهو الواجد لجميع الأسماء والصفات الإلهية (لأنه الخليفة الجامعة للأسماء الإلهية ) ولماذا (ولمظاهر الأسماء الإلهية ) هم هو جامع للمحيي والمميت، وجامع لمظاهر المحيي والمميت، (لأنه الخليفة الجامعة للأسماء ومظاهرها ) الإخوة يتذكرون أشرنا  إلى معنى آخر وقلنا الفاصلة : قد يكون فاصل بين الحضرة الوجوبية والحضرة الإمكانية، والجامعة باعتباره جامع برزخ بين الوجوب والإمكان .

    هذا تمام الكلام في هذا المقام (فتم العالم بوجوده ) هذه المسألة وهي أنه متقدم وجودا أو متأخر وجودا ؟ أتصور من الأبحاث السابقة قد طرحت هذه الحقيقة، أنه بحسب نشأته في الحضرة العلمية، وبحسب نشأته في عالم العقول والروحانية، وبحسب نشأته في عالم المثال، فهو متقدم، لأنه أول ما خلق نوري، وهذا مرتبط بعالم الروحانيات، هذا المعنى الذي أشار إليه بقوله ( وبالوجود العيني الروحاني فلأنه غير زماني متعالٍ عن الزمان وعن أحكامه وإليه أشار >نحن الآخرون السابقون< ) سابقون بأي لحاظ ؟ سابقون بالحضرة العلمية وسابقون في الحضرة العينية الروحانية المجردة عقلا ومثالا، أما الآخرون فبحسب نشأتهم العنصرية وهذا واضح أمر وجداني، يعني الإنسان الكامل مظهر وليس فقط في زماننا، تعالوا إلى آدم أول مخلوق من البشر في عالمنا في نسلنا آدم أبو البشر، هو أول أم متأخر؟ لا كانت سماوات وارض وجبال وبحار ومياه، كل ذلك كان موجودا ثم الله سبحانه وتعالى أوجد آدم، أما بالنسبة إلى باقي الأنبياء فالأمر واضح، أما بالنسبة إلى الخاتم فواضح أن وجوده العنصري غير متقدم إلى وجود عالم الشهادة والعالم العنصري، إذن عندما تنظر إلى وجوده العنصري ومظهره المادي الجسداني في عالم الشهادة، يعني في عالم المادة عالم الدنيا هو ليس بأول، إذن >نحن الآخرون ونحن السابقون< نحن الأولون بحسب تلك النشئآت، ونحن الآخرون بحسب هذه النشئآت، فيه مشكلة أم لا ؟ بينا هذه القاعدة وأسسناها، قلنا ما فيه الشرف الوجودي فهو متقدم، وهي تلك العوالم، وما هو متأخر فيه لا يوجد فيه الشرف الوجودي، بأي دليل ؟ بدليل أن آدم أفضل لو خاتم الأنبياء ’ أفضل ؟ وأيهما متقدم زمانا؟ آدم أفضل متقدم زمانا ؟ لا ليس الأمر كذلك، إذا  أنت ذهبت إلى الحرم الساعة العاشرة إلى الحرم وشخص آخر ذهب الساعة الثانية عشرة، فهل أنت أفضل منه ؟ لا، نعم في الصلاة هناك حساب آخر لأول الوقت .

     إذن لا يقول لنا القائل كيف يكون هو الصادر الأول وهو المتأخر بالنشأة العنصرية؟

    الجواب: ما فيه الشرف الوجودي فهو المتقدم، وما تأخر فيه هل فيه الشرف الوجودي أم لا ؟ لا المتقدم فيه الشرف ولا المتأخر فيه النقص، نعم هذا الإنسان الكامل ما لم يكن له وجود عنصري ونشأة عنصرية لا يكون كاملاً، لكي يكون كاملاً لابُدّ أن يكون له وجود في عالم العناصر، في عالم المادة في عالم الأرض في عالم التراب، وإلاّ لما كان الكون الجامع، لصار أما عقلا كالملائكة، وأما مثالا كالموجودات الكذائية، فلا يكون كوناً جامعاً .

    يبقى هنا سؤال : كما أن الله سبحانه وتعالى بمقتضى النظام الأحسن كان بحسب الحضرة العلمية والعينية الروحانية كان أول لماذا لم يجعله بحسب العلم المادي وعالم الشهادة أكمل أيضاً أول، لماذا جعله ثاني لم يجعله أولا ؟ يعني بعبارة أخرى : لم يجعله أول ليس بمعنى الآن جعله ثالثا، لا ليس الأمر كذلك، لم كن أول وإنما كان ليس بأول، ما هي النكتة في ذلك ؟

    هنا تقريبا البحث كله منصب على هذه النقطة ولذا قال : ( وإنما تأخر بنشأته العنصرية ) لا إشكال نشأته العلمية فهي متقدمة لا إشكال أن نشأته العينية في حضرة الإمكان الروحانية المجردة عقلا ومثالا، فهي متقدمة وإنما الكلام كل الكلام في النشأة العنصرية، تعالوا معنا إلى صفحة (220) ثلاثة أسطر قبل آخر الصفحة : ( ولا ينبغي أن يتوهم أن هذه الأعيان) أعيان حضرة الإمكان ( كانت موجودة زمانا من الأزمنة والإنسان معدوم في ذلك الزمان مطلقا) أصلاً هذا محال، يعني معدوم مطلقا في جميع المراتب، يقول هذا محال، لأنه هو واسطة الفيض، لو كان معدوما في زمان مّا للزم أن لا يكون هو الواسطة، وقد ثبت أنه هو واسطة الفيض هو البرزخ بين عالم الوجوب والإمكان، (والإنسان معدوم فيه مطلقا وإلاّ يلزم وجود الأعيان ) يعني أعيان عالم الإمكان (مع عدم روحها ) وهذا غير ممكن كما قلنا، فما ذكره شيخنا الأستاذ في صفحة (221) : [إلا أن يقال : كان بلا روح في زمان قليل وهذا الزمان القليل كذا]، كلام غير تام .

    إذن لا يعقل أن يخلو عالم الإمكان زمانا مّا من الإنسان الكامل، يعني يخلو منه بجميع مراتبه (وأيضاً الإنسان أبدي بحسب النشأة الأخروية، وكل ما هو أبدي فهو أزلي كعكسه ) هناك نحن بينا وقلنا : أن شاء الله البحث سيأتي في صفحة ( 241) ذكرناه نحن عندنا حاشية قائلين بها وسيأتي بحثه في  صفحة ( 240) من الكتاب إلى آخره، والحمد لله تعالى وصلنا إلى صفحة ( 240) وشرحنا ما هو المراد من هذه القاعدة .

    (بل لابُدّ أن يعلم ) خلاصة البحث تقدم عندنا في درس (220) من أراد أن يراجع فليراجع درس (220) نقرأ المتن بسرعة (بل لابُدّ أن يعلم أنه من حيث النشأة العنصرية بعد كل موجود بعدية زمانية … إلى آخره) ( وأنه من حيث النشأة العلمية قبل جميع الأعيان، وأنه من حيث النشأة الروحانية الكلية أيضاً قبل جميع الأرواح، كما قال >أول ما خلق الله نوري<، وأنه من حيث النشأة الروحانية الجزئية التي في العالم المثالي قبل جميع المبدعات، إلى آخره ) إذن الكلام في هذا الموضوع أين ينحصر بين قوسين؟  حديثنا في نشأته العنصرية أولاً، وثانياً: لماذا تأخرت نشأته العنصرية .

    إذن قوله : (فتم العالم بوجوده ) أي بوجوده العنصري، لا بأصل وجوده الروحاني أو العلمي أو العيني الروحاني، لا، ليس أنه العالم كان موجوداً وعندما جاء وجوده العلمي أو وجوده العيني الروحاني تم العالم، كان ناقصا فتم، لا، أساساً لا يمكن أن يوجد العالم بلا وجوده العلمي ووجوده العيني الروحاني الملكوتي، إذن (فتم العالم بوجوده) لماذا أقول هذا الكلام ؟ باعتبار أنه في شرح القيصري هذه القضية غير واضحة هنا، وان كانت واضحة في العبارة التي قرأتها في صفحة (220)، وهناك واضحة جداً بأنا كنا نتكلم على المبنى، ولكنه لماذا تكلم هنا بهذه الطريقة لا أعلم، أنا إنما وقفت باعتبار عبارته هنا لا تؤدي هذا المطلب الذي نريد، وإنما المطلب الذي نريده تكلم عنه في صفحة (220) بشكل تفصيلي ونحن وقفنا عنده مع الشواهد الروائية والنقلية .

    قال : ( أي لما وجد هذا الكون الجامع ) لا ليس عندما وجد هذا الكون الجامع، لما وجود الوجود العنصري، ولذلك أنتم انظروا إلى حاشية الاشتياني ماذا يقول ؟ كل المعلقين قالوا: أنه المراد من وجوده هو وجوده الأرضي العنصري، يعني بتعبير آخر : {إني جاعل في الأرض} هذا الوجود مظهره العنصري إذا  وجد تم العالم، يعني أنه لو لم يكن وجوده العنصري موجودا، لم يتم هذا العالم، ومعنى أنه ليس بتام : أي لو لم يوجد هذا الوجود العنصري نحن في قوس الصعود هل يستطيع احد أن يصل إلى قاب قوسين أو أدنى؟ لا يستطيع، لأنه من يصل إلى قاب قوسين أو أدنى لابُدّ أن يكون الصادر الأول والمفروض أن الصادر الاول، والمفروض أنه ليس له مظهر في عالمنا، فلا يصل أحد إلى ذلك المقام، فيكون العالم ناقصا، بعبارة أخرى : العلة الغائية للعالم توجد مع عدم وجود النشأة العنصرية للإنسان الكامل أو لا يتحقق العلة الغائية ؟ لا تتحقق العلة الغائية، العلة الفاعلية تحققت بواسطة الفيض بوجوده العلمي والعيني الروحاني، أما العلة الغائية كيف تتحقق لأنه لابُدّ أن يبدأ من هنا، أني كادح {يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} لابُدّ من هنا يبدأ، فلابُدّ من وجود عنصري، إذن (فتم العالم بوجوده ) يعني بوجوده العنصري .

     ومن هنا يأتي هذا التساؤل : لماذا تأخر وجوده العنصري، مع أنه في تلك العوالم جميعا كان متقدما ؟ فلماذا تأخر هنا ؟

    جملة واضحة أقول : وهناك بينها وفصلها ولكنه هنا بينها بنحو آخر، ارجعوا معنا مرة أخرى إلى صفحة (221) السطر الثالث قال : (بل لابُدّ أن يعلم أنه من حيث النشأة العنصرية بعد كل موجود بعدية زمانية ) لماذا تأخر ؟ وصار بعدية زمانية ؟ قال : (لتوقفها ) أي النشأة العنصرية، لا الإنسان الكامل العنصرية له (لتوقفها على حصول الاستعداد المزاجي الحاصل من الأركان العنصرية بالفعل والانفعال وإليه الإشارة بقوله تعالى : >خمّرت طينة آدم بيدي أربعين صباحا<) فإذا  كان القرار أن يخلق آدم من التراب، فلابُدّ أن يكون هناك تراب أم لا؟ نعم، ومن يكون تراب يعني توجد ارض، فيحتاج إلى ماء وهواء وعناصر ومعادن حتى يوجد بدنه هذه قضية طبيعية واضحة، وهذا هو الذي أشار إليه بشكل واضح في (246) السطر الثالث قال : ( لما كان عينه في الخارج ) أي الخارج العنصري، لا الخارج في قبال الحضرة العلمية (مركبا من العناصر والعناصر متأخرة عن الأفلاك وأرواح الأفلاك وعقول الأفلاك، فوجب أن توجد هذه العناصر قبل  وجوده العيني المادي، لتقدم الجزء على الكل بالطبع) هذا هو منشأ والدليل الظاهر لتأخر نشأته العنصرية .

    ولكن مع ذلك يكون دليلاً آخر، وهو دليل أنا اعبر عنه دليل ذوقي ولا باس به، سنبينه، نقرأ المقطع الاول، قال: (أي لما وجد هذا الكون الجامع ) وبيّنا المراد من الكون الجامع يعني النشأة العنصرية للكون الجامع (تم العالم بوجوده الخارجي ) لا أنه كان معدوما ثم وجد، تم أو وجد وجوده العنصري في هذه النشأة تم العالم الخارجي، لماذا عند ذلك تكون عندنا علة غائية كما عندنا علة فاعلية، (لأنه) هذا الكون الجامع، انظروا هذا ليس محل كلامنا، لأنه روح العالم المدبر له (لأنه روح العالم المدبر له) لا هذه لو قلنا ها بيان أنه وجد العالم لوجد الروح قبله قبل أن يكون قبلا، هذه البيانات مرتبطة بالنشأة العينية الروحانية، وغير مرتبطة بالنشأة الروحانية الغير عنصرية .

    قال : ( لأنه روح العالم المدبر للعالم والمتصرف في العالم، ولا شك أن الجسد لا يتم كماله إلاّ بروحه) نحن أيضاً نعرف هذا، الآن ليس أن الجسد لا تيم إلاّ بالروح، أن الإنسان الكامل الذي هو روح لا يكمل إلاّ بوجود الجسد، يقول (لا شك أن الجسد لا يتم كماله إلا) المراد من الجسد هو جسد العالم ومراده من الروح الكون الجامع هذا ليس هو حديثنا، بل حديثنا أن هذا الروح، هذا الإنسان الكامل الذي له حضرة علمية وله حضرة عينية روحانية، هذا إذا  لم يكن له جسد كان ناقصا، هذا البحث، إذن لا يتم الإنسان الكامل بالروح فقط وإنما يتم بان يكون له مظهر عنصري (لا شك أن الجسد لا يتم كماله إلاّ بروحه) هذا الروح التي تدبر، تدبر الجسد وتحفظ الجسد من الآفات، (وإنما) محل الشاهد هذه الجملة (وإنما تأخرت نشأته العنصرية ) يقول هذا التأخر في النشأة العنصرية تارة نبحثه في قوس النزول، وأخرى نبحثه في ….

    التفتوا جيدا هذا التفصيل لم أجد من المعلقين من  التفت إليه أبدا، إلاّ أن يكون موجود في أذهانهم الشريفة ولكن لم يلفتوا النظر إليه، نحن عندما وضعنا يدنا على العقل الأول الصادر الأول فهو واجد لكل الكمالات، ولكن واجد لها بنحو الإجمال، إذن لكي يرى تلك الكمالات بعين التفصيل، لابُدّ أن يوجد في قوس النزول عالم العقل وعالم المثال وعالم المادة، قبل أن يوجد بدنه ومظاهره العنصرية، يوجد تفصيل كمالاته في هذه العوالم حتى يكون مقدمة في إيجاد وجوده العنصري، هذا في قوس النزول، لأنه هو يريد أن يخلق السماوات في عالم العناصر، والسماوات في عالم العناصر مسبوقة بالسماوات في عالم المثال، مسبوقة بالسماوات في عالم العقول، باعتبار أنه لكل نوع رب نوع في ذلك العالم على سبيل المثال، إذن هو عندما يريد أن يخلق بدنه، وبدنه متأخر عن السماوات والأرض والعناصر ، إذن لكي يوجد هذا البدن لابُدّ أن يوجد كل عالم الإمكان، يعني الحقائق  الإمكانية في قوس النزول، حتى يصل إلى نشأته العنصرية، لماذا يفعل ذلك ؟ يقول : باعتبار عندما يصل إلى هنا لابُدّ أن يكون قد وجد، لا علم، وجد كل هذه المراتب، ليس فقط في مرتبتها الإجمالية، بل وجدها أيضاً في مرتبة التفصيل، ومرتبة التفصيل يعني حقائق عالم الإمكان، إذن هذه نكتة تأخره عن عالم العناصر في قوس النزول، نقرا العبارة ( وإنما تأخرت نشأته العنصرية في الوجود العيني ) أي في عالم الشهادة (لأنه لما جعلت حقيقته) أي حقيقة الإنسان الكامل وهي الصادر الأول ( متصفة بجميع الكمالات جامعة لحقائقها متصفة اتصافا إجماليا بسيطا، وجب أن توجد الحقائق كلها في الخارج ) في قوس النزول، لماذا ؟ حتى هذا الإنسان كامل يمر عليها بعد أن علمها إجمالا يعلمها تفصيلا إلاّ أن ينتهي إلى نشأته العنصرية إلى أسفل السافلين، {خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} ثم هذا الإنسان يرجع، الآن تقول كيف تفسرون بهذا التفسير قلت هذا تفسيرنا بعد، خلقنا الإنسان أي إنسان هذا ؟ الذي هو أحسن تقويم ؟ الشمر وفرعون ؟ هذا الكون الجامع خلقناه في أحسن تقويم، ولا أحسن منه، خلقناه في أحسن تقويم ثم قلنا له : انزل إلى أسفل اذهب في قوس النزول، أين تصل ؟ إلى المادة الأولى، ثم قلنا له : إلي إلي، أصعد الآن، ما الفرق ؟ يقول فرق كبير، لأنه هذه كانت تكليف ويترتب ثوب وعقاب وجنة ونار، كل هذا غير موجود في قوس النزول، وإنما يبدأ ذلك من هنا، إذن {ثم رددناه أسفل سافلين}، أشار له السيد الإمام في حاشيته، إذن هؤلاء يعتقدون أن الإنسان الكامل قيل له اذهب (ثم وجب أن توجد الحقائق كلها في الخارج قبل وجوده) أي وجوده العنصري، وليس قبل وجوده المطلق ( حتى يمرّ) أي الإنسان الكامل ( عند تنزلاته عليها فيتصف بمعانيها ) يعني يكون واجدا لها بعد أن كان واجدا إجمالا يكون واجدا تفصيلاً (فيتصف بمعانيها طورا بعد طور ) {خلقناكم أطوارا} يفسر الاطوار بهذا المعنى ( من أطوار الروحانيات والسماويات ….

    • تاريخ النشر : 2016/05/15
    • مرات التنزيل : 1421

  • جديد المرئيات