هذا الموضوع يعود أمر تسويقه في أروقة الفكر إلى محاولات الماركسية التدليل على مفهومها المادي لجميع ظواهر العالم من خلال الاستناد إلى (العامل الاقتصادي). فانطلاقاً من إيمانها بأن العامل الاقتصادي هو صاحب الدور الحقيقي في تطور الظروف الاجتماعية والمادية للإنسان، وأن هذه الأخيرة (الظروف الاجتماعية والمادية) هي من يصنع مشاعر أو أفكار الإنسان، حاولت الماركسية أن تدلل على ذلك من خلال تقديم فكرتها عن علاقة أفكار الإنسان وإدراكه بالعوامل والأحوال المادية الخارجية مستعينة بأبحاث وتجارب العالم الشهير بافلوف ونظريته المعروفة باسم (الفعل المنعكس الشرطي)؛ فتبنت مادية الفكر والإدراك البشريين ـ وهو ما فعلته أيضاً المدرسة النفسية السلوكية ـ بأن فسرت الحياة العقلية على أنها أفعال منعكسة للظروف المادية، وفرعت على ذلك نتيجتين في منتهى الخطورة:
ـ النتيجة الأولى: أن الفكر يتطور طبقاً للظروف الخارجية.
ـ النتيجة الثانية: أن ولادة اللغة هي الحدث الأساسي الذي نقل البشر إلى مرحلة الفكر.
هذا ملخص سريع جداً للسياقات العلمية التي ولد فيها هذا التصور الماركسي. وتعليقنا على كل ذلك هو أننا نختلف مع الماركسية في تصورها للعامل الأساسي المحرك للتاريخ البشري، كما نختلف معها أيضاً حول مادية
عملية الإدراك البشري، كما نختلف معها ـ ثالثاً ـ في تفسير طبيعة علاقة اللغة بالفكر.
لا يسعنا هنا الدخول في أبحاث تخصصية معمقة تشرح أدلة وأبعاد هذا الخلاف، ولكن يمكنكم الرجوع على دراسات السيد الأستاذ الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) في كتابيه الشهيرين (اقتصادنا) و( فلسفتنا) فقد ناقش بتفصيل مسهب كل هذه القضايا. ولاحظ بنحو خاص الأبحاث التالية:
ـ (ما هو نوع الدليل على المادية التاريخية ؟) و(الفكر والماركسية) في كتاب (اقتصادنا).
ـ (الإدراك) من كتاب فلسفتنا.