موقف ابن تيمية من حديث رسول الله : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق (4)
15/04/2010
المُقدَّم: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين. تحية لكم مشاهدينا الكرام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا موعدكم مع حلقة جديدة من مطارحات في العقيدة، عنوان حلقة الليلة: (موقف ابن تيمية من قول رسول (صلى الله عليه وآله) لعلي عليه السلام: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. القسم الرابع) أرحب باسمكم بضيفنا الكريم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، مرحباً بكم سماحة السيد.
سماحة السيد كمال الحيدري: أهلاً ومرحباً بكم.
المقدم: في البدء لا بأس أن تقدموا خلاصة لما تقدم حتى يتواصل معنا الأخوة الكرام.
سماحة السيد كمال الحيدري: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في الواقع في هذا التمهيد أريد أن أذكر المشاهد الكريم بالمنهج الذي يتبعه الشيخ ابن تيمية عندما تصل النوبة إلى فضائل ومناقب علي وأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام. نجد أنه يتبع الخطوات الثلاثة التالية، بودي أن يلتفت المشاهد الكريم إلى هذه الخطوات ونحن سنطبقها في موارد متعددة.
الخطوة الأولى التي يتبعها الشيخ ابن تيمية عندما يأتي حديث أو نص يتعلق بفضائل ومناقب علي عليه أفضل الصلاة والسلام، أنه يحاول أن يكذب الحديث، أن يقول أنه كذب، أنه موضوع، أنه مشكوك إلى غير ذلك. وهذا ما وجدناه واضحاً عندما وصلنا إلى حديث (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) وجدنا أنه حاول أن يشكك في سند هذا الحديث، وعندما وصلت النوبة إلى حديث (من أحب علياً فقد أحبني ومن أبغض علياً فقد أبغضني) فقد كذبه بشكل واضح وصريح، وعندما وصل إلى قول بعض الصحابة (ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا ببغض علي) ايضاً كذب هذا الحديث. وهذا ما يستعمله لا فقط في هذا الحديث، إنشاء الله تعالى سيتضح هذا في أحاديث أخرى، يعني (من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) أيضاً نجد أنه حاول أيضاً أن يشكك في سند الحديث ثم الخطوات اللاحقة. فالخطوة الأولى التي يحاول فيها ابن تيمية أن يتعامل مع فضائل علي هو أنه يحاول أن يشكك في السند وأن يسقط السند إن أمكنه بأن يقول بأنه موضوع أو كذب.
الخطوة اللاحقة والمرحلة الثانية التي يستعملها إن لم يمكنه أن يشكك في السند أو أن يقول أن السند موضوع والخبر موضوع نجده أنه يحاول أن يفسر ذلك النص بتفسير يخرجه ويفرغه عن محتواه، يعني لا يبقى هناك منقبة لعلي عليه أفضل الصلاة والسلام، يقول لا دلالة فيه على ذلك مثلاً، وهذا سيأتي إنشاء الله في نفس هذا الحديث الذي أشرنا إليه وهو (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) بعد ذلك هو وجملة من أتباع النهج الأموي سوف يفسرون هذا الحديث تفسيراً ليعطوه بعداً دنيوياً لا بعداً مرتبطاً بالإيمان والنفاق، هذه المرحلة الثانية. طبعاً لا فقط في هذا الحديث بل في كل الأحاديث التي فيها فضائل علي وأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام.
المرحلة الثالثة إن لم يمكنه أن يضعف سند الحديث ولم يمكنه أن يفرغ مضمون الحديث من محتواه الدال على فضيلة لعلي يقول أن هذه الفضيلة لو تمت فهي ليست مختصة بعلي بل يشاركه فيها جملة من الصحابة، رسول الله في فلان قال كذا، وفي فلان قال كذا. وهذا ما سيأتي بعد ذلك أنه علامة الإيمان حب علي وعلامة النفاق بغض علي يقول هذا ليس فقط مختص بعلي وإنما للأنصار أيضاً ورد كذلك، روايات وردت أن حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق ونحو ذلك من هذه الأحاديث، ولذا نحن في هذه المرحلة الأولى انتهينا بحمد الله تعالى في البحث السابق اتضح بأن جملة مما شكك به أو ادعى أنه موضوع أتضح أنه صحيح على مباني القوم على مباني الجرح والتعديل.
تبقى عندنا نقطة واحدة بودي أن أشير إليها وهي أنه يتذكر المشاهد الكريم في الحلقة السابقة أنه جملة من أعلام النهج الأموي ومنهم الذهبي والعسقلاني وغيرهم، خصوصاً الذهبي قال أن ابن تيمية رد الأحاديث الجياد الواردة في علي عليه أفضل الصلاة والسلام، وأدى به في جملة من الأحيان أن ينتقص من علي عليه أفضل الصلاة والسلام، صحيح هو بصدد مناقشة العلامة الحلي ولكنه في مناقشته للعلامة ينتقص الإمام علي الذي لا أقل هو الخليفة الرابع بحسب اعتقاد مدرسة الصحابة.
وشواهد كثيرة المشاهد الكريم لابد أن يعلم هناك شواهد كثيرة في كلمات الشيخ ابن تيمية واقعاً لا يصرح بها بالتنقيص ولكنه تلميحاً يريد أن يبين أن علي لم يكن بهذه المنزلة التي يقال هو فيها. وقرأنا عبارة وكثير من الأخوة طلبوا منا أن نعيد هذه العبارة التي قرأناها في الحلقة السابقة، وهو ما ورد في (منهاج السنة، ج4، ص155) الطبعة الحديثة التي أشرنا إليها، مؤسسة الريان، هناك يشير إلى مجموعة من الأمور يرسلها إرسال المسلمات من غير أن يقيم أي دليل على ذلك. (فعلم أنه لا يلزم من بغض الشخص من علامات النفاق أن يكون أفضل من غيره – يعني يريد أن يفرغ الحديث من محتواه وهو ما سنقف عنده في الحلقة القادمة بإذن الله، ولكن العبارة التي قرأناها في الحلقة السابقة) قال: ولهذا كان الذي قتل عمر – الخليفة الثاني- كافراً يبغض دين الإسلام، إذن هو كافر ومنافق باعتبار أن المبغض منافق. ويبغض الرسول وأمته فقتله – أي قتل عمر- بغضاً للرسول ودينه وأمته. إذن قاتل الخليفة الثاني يعد كافراً في نظر ابن تيمية. أما عندما تصل النوبة إلى قاتل علي وهو الخليفة الرابع من خلفاء المسلمين، وهو واحد من العشرة المبشرة بالجنة، وأيضاً من أهل البيت الذين طهرهم الله تطهيراً، وهو الذي ثبت فيه بطريق صحيح (من أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، ومن آذاه فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) ونحو ذلك من النصوص الصحيحة والتي لم ترد في أي صحابي آخر سواء كان الخليفة الأول أو الثاني أو الثالث أو غير هؤلاء، هذه النصوص الصحيحة المتفق عليها بين علماء المسلمين بمختلف اتجاهاتهم مختصة بعلي عليه أفضل الصلاة والسلام.
انظروا كيف يتعامل مع قاتل علي عليه السلام، يقول: (والذي قتل علياً كان يصلي ويصوم ويقرأ القرآن – وبعبارة أخرى كان إنساناً مسلماً مؤمناً مطيعاً لله سبحانه وتعالى، بل أكثر من ذلك- وقتله معتقداً أن الله ورسوله يحب قتل علياً). أنا لا أعلم من أين علم الشيخ ابن تيمية أن قاتل علي كان بهذا الاعتقاد، يعني قتله لأجل أن يتقرب إلى الله، بعبارة أخرى أن الشيخ ابن تيمية بصدد توجيه عمل هذا الخارجي ابن ملجم قاتل الإمام علي عليه أفضل الصلاة والسلام، ولعله نحن لا نجد ذلك حتى في توجيه الخوارج، نحن عندما نرجع إلى كلمات الخوارج لا نجد هذا المعنى يوجهون لقاتل علي، ولكن ابن تيمية نجده يحاول بما أؤتي من قوة أن يدافع عن قاتل علي، ولا أعلم الفرق بين قاتل عمر وقاتل علي، إذا كان قتل الخليفة يؤدي إلى أن يكون القاتل كافراً، بعبارة أخرى (حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد) لا يمكن أن نفرق بين قاتل علي وقاتل عمر. يقول: (وقتله معتقداً أن الله ورسوله يحب قتل علي، وفعل ذلك محبة لله ورسوله).
وأنا لا أعلم من أين جاءت رواية حتى نقول لا أقل اشتبه قاتل علي أن يفعل هذا الفعل. (وفعل ذلك محبة لله ورسوله في زعمه وإن كان في ذلك ضالاً مبتدعاً) وأنتم تعلمون إذا أثبت له الضلالة يعني كان مشتبهاً يعني اجتهد فأخطأ.
هذه هي نظرية ابن تيمية فيما يتعلق بفضائل علي بن أبي طالب كما قلنا المنهج الذي أشرنا إليه وهذا هو التنقيص الذي أشار الذهبي إليه في (تهذيب التهذيب) إنه في بعض الأحيان رده للروايات يؤدي إلى تنقيص علي. هذا خلاصة لما تقدم ذكره في الحلقة السابقة.
المُقدَّم: ثبوت وصحة قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي عليه السلام: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) هذا ثبت، ولكن السؤال ما هي أهم النتائج المترتبة على أن حب علي عليه السلام إيمان وبغضه نفاق.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذه القضية بودي أن نقف عندها وإن كنا هذه الليلة سنخرج قليلاً في أطار النهج الذي رسمناه، نحن إلى هنا اتضح بأن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) جعل حب علي وبغض علي هو ميزان الإيمان والنفاق، يعني إذا أردنا أن نتعرف على ميزان، على معيار، على فاروق يفرّق بين الإيمان والنفاق هذا الميزان هو حب علي وبغض علي، هذا هو نص الحديث الوارد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، خصوصاً إذا ضممنا إلى ذلك هذا الأمر وهو أن الصحابة كأبي سعيد الخدري وغيره كانوا يقولون (ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا ببغض علي) يعني كان هو الميزان الذي يميز الصحابة من هم على إيمان ومن هم على نفاق.
إذن من هنا نصل إلى قاعدة أساسية في تقييم الصحابة، التفتوا جيداً إلى هذه القاعدة، نحن نعلم أن من أهم الموارد التي وقع فيها الخلاف بين مدرسة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام وبين الاتجاهات الأخرى في الصحابة هو أنه على أي ميزان نقيم الصحابة، هل أن الصحابة جميعاً رضوان الله تعالى عليهم، صلوات الله تعالى عليهم مطلقاً، أو أنه لابد أن نميز بين بعض الصحابة وبعض. كتبت هناك كتب متعددة ميزت بين الصحابة، قالت أن بعض الصحابة عدول وبعضهم غير عدول، وذهب اتجاه آخر يعتقد أن جميع الصحابة عدول وأنا اعتقد من الناحية المنهجية أنه يوجد هناك بحث آخر لم يعرض له جملة من الاعلام الذين كتبوا في هذا المجال وتحدثوا وهو أنه قبل أن نصل إلى معرفة أن هذا الصحابي هل هو عادل أو هو فاسق لابد أن نتعرف عليه أنه مؤمن أو منافق، قبل الوصول إلى معرفة عدالته وفسقه، لأن العدالة والفسق فرع الإيمان، يعني المؤمن قد يكون عادلاً إذا التزم وقد يكون فاسقاً إذا عصى، فالعدالة والفسق إن صح التعبير مقسمهما إيمان الصحابي، إذا ثبت أن الصحابي مؤمن نسأل هل أنه مؤمن عادل أو مؤمن غير عادل، يعني فاسق، وعنده معاصي، يشرب الخمر مثلاً. ولكن قبل أن يثبت إيمان الشخص لا معنى أن نسأل عن عدالته وعن فسقه، وهو كذلك، يعني أنت لا تسأل عن الإنسان غير المؤمن بالإسلام وغير المسلم لا تسأل أنه مؤمن أو فاسق، لا معنى له؛ لأنه لابد أن يثبت أنه مسلم، مؤمن، دخل الإيمان في قلبه (وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) إذا دخل الإيمان في القلب عند ذلك نسأل أن هذا ملتزم بالضوابط الشرعية فيكون عادلاً، إن لم يكن ملتزماً بالضوابط الشرعية يكون فاسقاً. إذن نحن نعتقد وأنا اعتقد بأن المسألة الأولى، الضابطة الأولى، القاعدة الأولى لتمييز الصحابة نستطيع أن نستفيده من هذا الحديث وهو أننا أولاً لابد أن نعرض الصحابة جميعاً نعرضهم على الميزان الذي قاله رسول الله (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) فإن كان محباً لعلي والحب ليس قضية قلبية، نعم هو في القلب ولكن له آثار عملية وسلوكية في الخارج. فإذا كان مؤمناً عند ذلك نبحث عن عدالته وفسقه، إما إذا كان ليس مؤمناً فلا معنى للسؤال عن عدالته وفسقه, ومن هنا القاعدة الأولى هو أن نتعرف على الصحابة ونميز الصحابي المؤمن عن الصحابي المنافق، ببركة هذه القاعدة التي ذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، هنا يأتي السؤال وهو أنه ماذا تفعلون أنتم في الآيات التي تكلمت عن المهاجرين والأنصار أو تكلمت (والذين معه) يعني كل من كان مع رسول الله، ولم تميز بين مؤمن ومنافق، هذا البيان الذي تشيرون إليه، وهذه القاعدة التي تشيرون إليها مخالف لنص القرآن الكريم.
في الواقع في هذه الليلة أريد أن أقف، لأنه كثرت الأسئلة في المواقع وفي الاتصالات المباشرة أنه سيدنا لماذا لا تتكلمون عن مسألة الصحابة وعدالة الصحابة، أخواني الأعزاء قبل بحثي في عدالة الصحابة لابد أن نبحث عن إيمان الصحابة ونفاقهم، ما هو ضابط الإيمان والنفاق اتضح. السؤال المطروح هنا وهو أن الآيات القرآنية التي تكلمت عن المهاجرين والأنصار وتكلمت عن الذين الله تاب عليهم، رضي الله عنهم، وتكلم عن أولئك الذين بايعوه تحت الشجرة وغير ذلك، هل ينطبق عليها هذا الضابط الذي أشرنا إليه أو لا ينطبق عليها هذا الضابط، هنا أحاول أن أعرض لمجموعة من الآيات في هذا المجال.
الآية الأولى: ما ورد في (سورة الفتح الآية 18) – طبعاً المشاهد الكريم لابد أن يلتفت أن مجموعة من الفضائيات عادة يقرءون هذه الآيات ويحاولون أن يوهموا المشاهد الكريم أن الصحابة جميعاً تنطبق عليهم هذه الآيات المباركة- قال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) إذن الآية المباركة لم تقل لقد رضيت عن الصحابة، عن المهاجرين والأنصار مطلقاً، رضيت عن المؤمنين، إذاً لابد أن نعرف إيمان هذا الشخص أولاً حتى تنفعه البيعة ثانياً، أما إذا كان منافقاً وبايع تحت الشجرة، فهو هو داخل في الآية المباركة (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) الجواب: كلا، لأن هذه الآية رضا الله عن المؤمنين لا رضا الله عن كل الصحابة مؤمناً كان أو منافقاً. عادلاً كان أو فاسقاً، لا ليس الأمر كذلك، فالآية المباركة تقول لنا أن الصحابي المؤمن إذا بايع رسول الله تحت الشجرة فله، أما فلان الذي بايع تحت الشجرة هل هو مؤمن أو لا؟ لا يمكن أن نستفيده من الآية المباركة ولابد أن نعرضه على الميزان الذي وضعه رسول الله، قال (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) هذه هي الآية الأولى.
الآية الثاني: في (سورة الفتح، الآية 29) وهي من الآيات التي كثيراً ما يناورون عليها في الفضائيات وهي قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) يقولون والذين معه، وهي مطلقة أعم من أن يكون منافقاً أو غيره (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) و(من) تفيد التبعيض لا للبيان، إذن من كان من الذين معه كانوا من المؤمنين ولهم أعمال صالحة عند ذلك الله سبحانه وتعالى وعدهم مغفرة وأجراً عظيماً، إذن هذه الآية لا يقول لنا قائل أنها تقول أن كل صحابة رسول الله، لا أبداً، هذه الآية مختصة بالصحابة المؤمنين حقاً، تقول لي: فلان صحابي أو ليس صحابي، معاوية صحابي أو ليس بصحابي، نعم صحابي منافق بالميزان المذكور، لأنه من يسن سب علي على المنابر هذا مبغض لعلي، وأنا لا أتصور، الآن انظروا إلى فضائياتهم يقولون أن الروافض خرجوا من الدين لأنهم يسبون الخليفة الأول والخليفة الثاني، إذا كان الأمر كذلك فمعاوية كان يسب علياً فلماذا لا يخرج عن الدين، والله شيء غريب، أنا رأيت أحد من هؤلاء على الفضائيات يقول إنما سمي الشيعة بالروافض لأنهم رفضوا الدين، لا لأنهم رفضوا خلافة أبي بكر وعمر، لا بل لأنهم رفضوا الدين، إذن إذا كان سب أحداً يؤدي إلى خروجه من الدين، وأول مصداق لذلك هو معاوية. إذن على هذا الأساس بودي أن المشاهد الكريم يلتفت أن الآية المباركة تقول (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) طبعاً أنا اعتذر للدكتور لأني أريد أن أكمل الحديث، وإلا أنا أعلم ماذا يريد أن يقول، يريد أن يقول أنه في علي ورد وفي أولئك لا يرد. يريد أن يقول أنه لم يرد في الخليفة الأول والثاني من سب أبا بكر فقد سبني ومن سب عمر فقد سبني، ولكن ورد في علي بنص صريح لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق. هذه هي الآية الثانية التي يناورون عليها. وهي إنما مختصة بالمؤمنين حقاً وليست شاملة لكل صحابة رسول الله.
الآية الثالثة: التي وردت في هذا المقال وهي من الآيات التي هي كثيرة الدوران أيضاً على ألسنة القوم، وهي (الآية 100 من سورة التوبة) قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) قد يقول قائل: أن هذه الآية قالت من المهاجرين والأنصار، وهذه الآية فيها بحثين أشير إليها على نحو الإجمال وسأقف عندها يوماً ما بنحو مفصل إنشاء الله. هذه (من) في الآية المباركة وقع الكلام بين المفسرين هل هي من بيانية أو تبعيضية، نفترض أنها (من) بيانية وليست تبعيضية يعني كل المهاجرين السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، ولكن الآية الثانية هؤلاء كأنهم نسوا الآية اللاحقة قالت: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق) شيء غريب، إذن الآية اللاحقة تميز، وتقول أن هذه الأحكام التي (الله رضي عنهم) لا تشمل المنافقين لأن الآية تقول (مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) أيعقل أن يكون منافقاً والله يقول (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ) هذا معناه أن الإيمان شرط في الدخول إلى الجنة أو ليس شرطاً في الدخول؟ ليس شرطاً في الدخول. إذا قلنا أن الإيمان ليس بشرط ولذا نحن بقرينة هذه الآية الثانية نقول أن (من) ليست بيانية وإنما هي تبعيضية، يعني عندما يقول علماء مدرسة أهل البيت أن (من) في الآية ليست للبيان وإنما للتبعيض بقرينة الآية اللاحقة التي (للذين رضي الله) يرضى لكم الإيمان ويكره لكم الكفر والفسوق كما في مضمون بعض الآيات الأخرى، (حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) فكيف يمكن أن يرضى الله عن المنافقين، إذا كان الكفر والفسوق مكروه عند الله سبحانه وتعالى وهم في الدرك الأسفل من النار، كيف يمكن أن نقول (رضي الله عنهم ورضوا عنه) تكون شاملة للمنافقين من المهاجرين والأنصار.
هناك قاعدة أنا أشرت إليها مسبقاً وهي أن القرآن لا يمكن أن نأخذ آية منه ونترك الآيات الأخرى وإلا (جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) هذا معناه التبعيض يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، القرآن لكي نفهمه القرآن يفسر بعضه بعضاً. فالآية عندما قالت ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ) نحن نجد أنه في (الآية 195 من سورة آل عمران) نجد أنه بينت شرائط المهاجرين الذين يستحقون هذا الوصف، انظروا إلى هذه الآية، قالت: (فالذين هاجروا) إذن ليس كل من خرج من مكة وجاء إلى المدينة القرآن يقبله أنه مهاجر، انظروا إلى شروط الهجرة حتى ينطبق عليهم رضي الله عنهم ورضوا عنه (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) هذه هي قيود الهجرة، ليس مطلق من يترك مكان إلى مكان آخر، ولو كان لدنيا يصيبها ينطبق عليه قانون المهاجرين، وهذا هو الذي يجعلنا أن نقول أن (من) للتبعيض وليست للبيان، أخرجوا من ديارهم، أوذوا في سبيلي، ونحن نعلم أن جملة من هؤلاء الذين يعبرون عنهم أنهم كبار الصحابة هؤلاء لم يعرف أنهم قاتلوا في قتال واحد، بل هؤلاء كانوا يثبطون الناس عن الجهاد والقتال في سبيل الله. (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) إذن هؤلاء بهذه الشرائط.
ومن الآيات الأخرى التي يحاولون أن يقفوا عندها كثيراً ما ورد في (سورة التوبة، الآية 117) قال تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) هذه الآية، يقولون أن الآية المباركة قالت لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار، فهذه مطلقة ولا يوجد فيها أي … أنا بودي أن المشاهد الكريم يرجع إلى نفس السورة المباركة وهي (سورة التوبة، الآية 25 و 26) ليرى بأن الله سبحانه وتعالى أولئك الذين وعدهم من المهاجرين والأنصار وعدهم التوبة وتاب عليهم ما هي شرائطهم، قال: (لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) يعني ساعة العسرة وهي غزوة تبوك (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) من المهاجرين والأنصار، على المؤمنين أنزل سكينته وتاب عليهم، لا مطلق من شارك، (ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ).
المُقدَّم: والآية التي بعدها (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ).
سماحة السيد كمال الحيدري: هنا أيضاً قيدها، (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) إذن الآية صريحة (ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، إذن أولاً لابد أن نعرض هؤلاء المهاجرين والأنصار كما قال الحديث، كما ورد النص والأثر أنه (ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي) فإذا ثبت أنه من المؤمنين عند ذلك يكون مشمولاً للتوبة ولإنزال السكينة والرضا عنه.
ومن الآيات الأخرى، طبعاً هذه مجمل الآيات التي يستدلون بها، وأنا أمر عليها مروراً سريعاً وإنشاء تفصيله إلى حلقة أخرى.
من الآيات التي يستدلون بها وهي (الآية 72 من سورة الأنفال) قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا) إذن هاجروا بقيد الإيمان، لا مطلق الهجرة، ولذا قالت (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا – أي الأنصار- أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) أما (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ) إذن انظروا المقسم هو الذين أمنوا هاجروا، والذين أمنوا ولم يهاجروا، إذن لابد أن يثبت للمهاجر أولاً الإيمان عند ذلك تترتب هذه الأحكام، وإلا ما لم يثبت الإيمان فلا قيمة للهجرة ولا للنصرة ولا للعمل كما هذه قاعدة متفق عليها بين جميع المسلمين، انه إذا لم يكن هناك إيمان (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) يقيناً أن التقوى لا تتحقق إلا بالإيمان والعمل.
المُقدَّم: قالوا (لا ينفع أبا طالب دفاع رسول الله لأنه بزعمهم ليس مؤمناً).
سماحة السيد كمال الحيدري: قالوا أنه في جهنم لأنه لم يكن مؤمناً، إذن الميزان في قبول الأعمال هو الإيمان.
المُقدَّم: يطبقونه على أبي طالب.
سماحة السيد كمال الحيدري: ولكنه عندما تصل النوبة إلى من يريدون من المنافقين كأمثال معاوية نجد أنهم ينسون هذه القاعدة ويستثنون ويقولون اجتهد فأخطأ، قتل علياً اجتهد فأخطأ، كان مؤمناً، كان يعتقد أن الله ورسوله يحب قتل علي.
الآية الأخرى التي وردت في هذا المقام ويستدلون بها كثيراً ما ورد في (سورة الحشر، الآيات 8 – 10) قال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) إذن الأنصاري لكي تكون له قيمة لابد أن يكون (تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ) في النصرة والهجرة، في الهجرة اتضح، الآن في النصرة (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) المهم عندي في الآية المباركة أولاً (الدَّارَ وَالإِيمَانَ) و (أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ) الله يعرف هؤلاء المهاجرين الصادقون، وإذا أردنا أن نعرف من هم الصادقون في القرآن الكريم كما قلت القرآن يفسر بعضه بعضاً، انظروا إلى الآية من سورة الحجرات، قالت: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ). إذن أولاً لابد أن يكونوا من الذين أمنوا بالله ورسوله. ثانياً من الذين لم يرتابوا ولم يشكوا ولم ينكثوا ولم ينقلبوا بعد رسول الله، وثالثاً جاهدوا بأموالهم، أولئك هم الصادقون. إذن هذه هي المواصفات المطلوبة.
وعلى هذا الأساس أنا أعتقد أن القرآن الكريم بشكل واضح وصريح أشار إلى هذه القضية وهو أنه أساساً نحن عندما نأتي إلى صحابة رسول الله في المقدمة القاعدة الأولى لابد أن نميز بين المؤمنين وبين المنافقين، فإذا ثبت إيمان الصحابة ننتقل إلى المراحل اللاحقة، ولعل من أوضح الآيات التي تكلمت عن هذه الحقيقة وقسمت الصحابة عموماً إلى هذا التقسيم هي (سورة الحجرات، الآية 14) قال: (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) إذن على هذا الأساس نحن نميز الصحابة إلى قسمين أساسيين، القسم الأول مسلم، ولكن لما يدخل الإيمان في قلبه، يعني المنافق. والقسم الثاني المسلم الذي دخل الإيمان في قلبه وهو المؤمن. كيف نميز هؤلاء على عهد رسول الله وبعد رسول الله؟ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطانا الميزان، أعطانا المعيار، قال: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق).
المُقدَّم: ولم يرد في أحد (كنا نعرف المنافقين ببغضهم لفلان) مثلاً فلان، إلا في علي، ما يدل على أنها خاصة به لا يشاركه فيها غيره.
سماحة السيد كمال الحيدري: يعني هو الميزان بين الإيمان والنفاق في صحابة رسول الله، بل بعد ذلك أيضاً لأنه بعد ذلك لا يفرق حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، يعني بعد رحلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً نستطيع أن نميرة أصحابة من بقي على الإيمان ومن انتقل من الإيمان إلى النفاق.
المُقدَّم: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ). هل هناك قاعدة أخرى أو قواعد أخرى سماحة السيد يمكن بها تمييز صحابة رسول الله غير القاعدة التي أشرتم إليها.
سماحة السيد كمال الحيدري: في الواقع بأنه عندما نرجع إلى القرآن الكريم نجد أن القرآن الكريم أشار إلى هذه الحقيقة ببيان آخر، يعني بعد أن ثبت أن الصحابي مؤمن، ثبت لنا إيمانه بطريق من الطرق، لا أقل من أوضح مصاديق ذلك أنه يحب علياً، وقرأنا في الحلقة السابقة أن كبار الصحابة كانوا يحبون علياً أكثر مما يحبون غيرهم من الصحابة.
القرآن الكريم يعطي لنا قاعدة أخرى يقول لا يكفي أن هؤلاء بايعوا، كانوا مؤمنين وبايعوا تحت الشجرة، لأن هؤلاء الأخوة مع الأسف الشديد أنا اجد على بعض الفضائيات وأحملهم على الجهل لأنهم لو كانوا من أهل العلم لما صدرت مثل هذه الكلمات التي لا تنم عن علم منهم، نجد أنهم يقولون أن هذا ممن بايع تحت الشجرة، إذا بايع تحت الشجرة ماذا هو الحكم، نجد بأنه في (سورة الفتح، الآية 18) قال: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) قالوا إذا رضي عنهم فهم من أهل الجنة. يعني بعبارة أخرى البيعة عن إيمان تحت الشجرة حدوثاً كافٍ لأن يدخلهم إلى الجنة، ولكن كأنهم نسوا (الآية 10، سورة الفتح) قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ – تحت الشجرة وغيرها- إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) إذن هم على قسمين، ليس كل من بايع تحت الشجرة فالله سبحانه وتعالى رضي عنه واعطاه وأثابهم فتحاً قريباً، ليس الأمر كذلك، الذين بايعوا رسول الله على قسمين وعلى نحوين.
المُقدَّم: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ).
سماحة السيد كمال الحيدري: تلك في القاعدة الأولى، في القاعدة الأولى نحن نميز بين الإيمان وبين النفاق، الآن في القاعدة الثانية ثبت الإيمان يعني مؤمن بايع رسول الله يكفي أو لابد أن يستمر على البيعة ولا ينكث البيعة؟ الجواب: القرآن الكريم صريح يقول بأنهم انقسموا إلى قسمين، بعضهم بقي وبعضهم نكث، ونحن إنما نعطي الأجر لمن (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) لا مطلقاً، الذي بقي على الوفاء بالبيعة الله سبحانه وتعالى يؤتيه أجراً عظيماً لا مطلقاً، هذه الآية الأولى.
الآية الثانية: ما ورد في (سورة آل عمران، الآية 144) انظروا إلى هذه الآية المباركة قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) إذن الآية المباركة تقول أنه إنما لكم القيمة إذا لم تنقلبوا، أما إذا انقلبتم أيضاً الله يعطي أو لا يعطي؟ الآن لا أريد أن أقول أن الآية قالت يوجد من انقلب، لا أبداً، الآية الأولى من سورة الفتح قالت بأن البيعة إنما تعطي ثمارها لمن وفى بالبيعة إلى الآخر. وهنا أيضاً إذا انقلب الصحابي المؤمن أيضاً يكون مشمولاً لهذه الآيات أو لا يكون مشمولاً؟ لا يكون. الآن يأتي هذا السؤال الأساسي وهو أنه هل يوجد بعد رسول الله من انقلب أو لا يوجد بعد رسول من انقلب؟
واقعاً الآن لا أريد أن أطيل الكلام كثيراً في هذه الحقيقة ولكنه أشير إلى بعض الروايات الواردة في هذا المجال.
الرواية الأولى: ما ورد في (صحيح مسلم، ج4، ص119) النسخة الجديدة، للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المتوفى 261هـ، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه الشيخ مسلم بن محمود عثمان السلفي الأثري، قدم له وقرضه الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزحيلي، دار الخير، طبعة محققة مقابلة مضبوطة مفصلة الأحاديث مخرجة من الكتب الستة ومسند أحمد وصحيح ابن حبان وغيرها إن لزم مع فهرس تفصيلي، من النسخ الأساسية. هناك مجموعة من الروايات والأحاديث.
الحديث الأول في (كتاب الفضائل، رقم الحديث 2194) الرواية الرواية هذه، يقول الرواية، أنه سمع عائشة تقول سمعت رسول الله يقول: وهو بين ظهراني أصحابه: إني على الحوض انتظر من يرد عليّ منكم – من أصحابه- فوالله ليقتطعن دوني رجال – من الصحابة- فلأقولن: أي رب، مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم (أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) يعني رجعتم على الجاهلية، من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. هذه رواية.
الرواية الثانية عن أم سلمة، إني مع الناس فقال رسول الله: إني لكم فرط على الحوض فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال فأقول: فيمَ هذا، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقاً. إذن يوجد قوم من الصحابة أحدثوا بعد رسول الله، وبعبارة أخرى بقوا على سنة رسول الله أو أحدثوا وانقلبوا وارتدوا على رسول الله ونكثوا البيعة كما قالت الآية المباركة، هذا نص آخر.
نص ثالث وهو الحديث 2297 الرواية قال رسول الله: أنا فرطكم على الحوض ولأنازعن أقواماً ثم لأغلبن عليهم فأقول: يا رب أصحابي، أصحابي – ليسو بقليلين لأن هذا جمع- فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
انظروا الى صحيح البخاري (الجامع الصحيح للبخاري، ج4، ص206) المكتبة السلفية وقد أشرنا إليه فيما سبق هناك مجموعة من الروايات في هذا المجال أشير الى بعضها، الرواية الأولى عن أبي سعيد الخدري، فأقول أنهم مني، فيقال: أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً، سحقاً لمن غيّر بعدي. والروايات تقول: إن أول من يغير سنتي رجل من بني أمية، وسيأتي بحثه إنشاء الله تعالى.
الرواية الثاني عن أبي هريرة كان يحدث أن رسول الله قال: يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض، فأقول: يا ربي، أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، أنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. والغريب أنهم ينسبون الى الشيعة أنهم يقولون بارتداد الصحابة. أو بارتداد بعض الصحابة، وهذا نص صريح من البخاري يقول: أن بعض الصحابة ارتدوا على أدبارهم القهقرى، وبتعبير القرآن الكريم (انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ).
الرواية الأخرى وهي من أهم الروايات في هذا المجال، الرواية أيضاً عن أبي هريرة عن النبي يقول: بين أنا نائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم – على الحوض- فقال: هلم، فقلت: أين، قال: الى النار والله، قلت: وما شأنهم – لماذا تأخذهم، هؤلاء أصحابي، لماذا تأخذهم الى النار- قال: أنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. إذن ليس أنه يغفر لهم وإنما يؤخذون الى النار. يخرجون بالشفاعة أو لا يخرجون ذاك بحث آخر. يقولون أنهم هؤلاء الصحابة كلهم مغفور لهم، لا أبداً، وإنما قوم منهم يؤخذون الى النار، هذه الزمرة الأولى، ثم تأتي زمرة ثانية. ثم إذا زمرة – زمرة أخرى- حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم – الغريب أن الحافظ يقول: المراد بالرجل الملك الموكل بذلك، وأنا لا أعلم أنه لماذا تعبر الرواية عن الملك بالرجل، يظهر أنه ليس ملك وإلا لو كان ملكاً لقال، هذا هو قسيم الجنة والنار، وسيأتي بحث هذه النقطة، وهو أنه يخرج رجل من هو؟ الذي هو كان معيار الإيمان والنفاق في هذه الدنيا، سيكون هو قسيم الجنة والنار في الآخرة، لأن الدنيا مزرعة الآخرة، فإذا كان في الدنيا هو الفاروق الأكبر بين الإيمان والنفاق وهو الميزان في الدنيا فكيف لا يكون في الآخرة هو القسيم بين الجنة والنار، (يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ)– الرواية تقول: خرج رجل، وأنا لا أعلم الرواية التي قرأها البخاري عبر أيضاً رجل، ولذا يضطر الحافظ بن حجر أن يقول: المراد بالرجل الملك الموكل بذلك، والملائكة ليسوا رجالاً، انظروا الى هذا التلاعب سنبحثه في محله- قال: ثم إذا زمرة إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، قلت: أين، قال: الى النار والله – أقسم أن هؤلاء مصيرهم النار- قلت: ما شأنهم، قال: أنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه – يعني زمرة تأتي بعد زمرة، يعني ليسوا زمرة واحدة أو اثنين، لأنكم تعلمون أن لا أحد يمكن أن يدخل الجنة إلا أن يرد … إذن فلابد لمن يريد أن يدخل الجنة لابد أن يمر أولاً على الحوض ويشرب …، قال: فلا أُراه يخلص منهم – من الصحابة الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه- فلا أُراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم، الآن أنا لا أريد أن أفسر الهمل أريد أن أذهب الى ابن حجر العسقلاني ليفسر لي ما هو المراد من همل الذين يدخلون الجنة.
المُقدَّم: القلة أم الكثرة.
سماحة السيد كمال الحيدري: لأنهم يحاولون أن يقولوا قلة منهم يمنعون، لا، قلة منهم يدخلون الجنة ويردون الحوض فيدخلوا الجنة، وإلا أكثرهم يذادون عن الحوض، في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج11، ص578) قال: يعني – في ذيل فلا أُراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم- من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه، والهمل بفتحتين الأبل بلا راعٍ وقال الخطابي: الهمل ما لا يرعى ولا يُستعمل، والمعنى أنه لا يرده منهم إلا القليل.
المُقدَّم: لأن من لا راعي له من الأبل قليل.
سماحة السيد كمال الحيدري: والمعنى أنه لا يرده منهم إلا القليل لأن الهمل في الأبل قليل بالنسبة لغيره. إذن لا يبقى من هؤلاء الصحابة الذين أحدثوا إلا همل النعم. إذن بهذا اتضح لنا بأن هؤلاء الصحابة الذين أحدثوا وبدلوا وانقلبوا ونكثوا البيعة قليلين أو ليسوا قليلين، لا أريد أن أقول أكثرهم، ولكن ليسوا بقليلين.
المُقدَّم: لهذا يعبر يقول: لتغدرن بك الأمة، كأن الأكثر.
سماحة السيد كمال الحيدري: المهم لا أريد أن أدخل في العدد، ولكنه بنحو الإجمال أنهم ليسوا قليلين.
المُقدَّم: معنا الأخ نادر من العراق، تفضلوا.
الأخ نادر: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ نادر: أود أن أشير إلى هذا الحديث الذي ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، فقد التزم به أحمد بن حنبل الذي يأخذ ابن تيمية عنه أحكامه وعقائده، فقد ورد في (طبقات الحنابلة، ج1، ص320) عن محمد بن معصور أنه قال: كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن علي قال (أنا قسيم النار) فقال أحمد بن حنبل: وما تنكرون من هذا، أليس روينا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، قلنا: بلا، قال: فأين المؤمن، قلنا: في الجنة. قال: وأين المنافق، قلنا: في النار. قال: فعلي قسيم النار.
سماحة السيد كمال الحيدري: جزاكم الله خيراً على هذه المداخلة، وسأبحث هذا الحديث فيما بعد.
المُقدَّم: معنا الأخ أبو مصطفى من العراق، تفضلوا.
الأخ أبو مصطفى: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ أبو مصطفى: هناك أحاديث تذكر أن المبغض لعلي بن أبي طالب هو ابن زنا، ما صحة هذا الحديث.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذه الأحاديث نحن لم نقف عليها وليس بحثنا مرتبط بهذا، وإنما نريد أن نتكلم في قضية الإيمان والنفاق. ينبغي التثبت من أي حديث من سنده ومن دلالته وعرضه على الروايات الأخرى وعرضه على الآيات القرآنية لنقول أنه صحيح أو ليس بصحيح.
إنشاء الله تعالى في الحلقة القادمة سوف نقف بإذن الله تعالى عند المرحلة الثانية والمرحلة الثالثة، يعني موقف ابن تيمية من حديث (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) لنرى أنه هل يوافق على مضمون الحديث أو يناقش في مضمون الحديث؟ وسوف يتضح أنه يحاول أن يناقش في مضمون الحديث وأنه لا تعد هذه منقبة وفضيلة لعلي، وبعد ذلك وإن لم يستطع يحاول أن يُشَرِّك فيها أحد غيره، وهذا الذي أشرنا إليه في مقدمة هذه الأبحاث.
المُقدَّم: شكراً لكم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، أيضاً أشكر الأخوة والأخوات، وإلى اللقاء والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.