الأخبار

حديث الثقلين سنده ودلالته ق (11)

 
 18/07/2010
المُقدَّم: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.تحية طيبة لكم مشاهدينا الكرام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذا موعدكم مع حلقة جديدة من برنامج الأطروحة المهدوية، عنوان حلقة اليوم (حديث الثقلين سنده ودلالته، القسم الحادي عشر) نرحب باسمكم بضيفنا الكريم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، أهلاً ومرحباً بكم سماحة السيد.
سماحة السيد كمال الحيدري: أهلاً ومرحباً بكم دكتور.
المُقدَّم: سماحة السيد بعد أن اتضح أن حديث الثقلين بصيغة (كتاب الله وسنتي) ليس له سند صحيح، فهل هناك مجال لتصحيح هذه الصيغة ولو بطريقة أخرى غير التي تفضلتم بذكرها.
سماحة السيد كمال الحيدري: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في الواقع اتضح لنا بحمد الله تعالى في الحلقات السابقة بأن هذه الصيغة التي يحاول البعض أن يسوقها لحديث الثقلين وهي صيغة كتاب الله وسنتي اتضح بأنه لا يوجد هناك سند صحيح يمكن أن يحتج به وعلى هذا الأساس فليس من الطبيعي وليس من المنطقي بل وليس من الشرعي أن ينسب هذا الحديث إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنه اتضح أن الرواة لهذا الحديث أو لا أقل يوجد في كل طريق من الطرق الخمسة التي أشرنا إليها إما يوجد هناك كذاب أو متهم بالكذب أو وضاع أو ضعيف ونحو ذلك، ومن الواضح أنه لا يحق لأحد ما لم يتثبت من الناحية الرجالية والسندية أن يقول قال رسول الله تركتم فيكم كتاب الله وسنتي، لأن هذه القضية ثابتة أو ليست ثابتة، ليست ثابتة، فلا يصح أن ننسبها على نحو الجزم واليقين إلى رسول الله، ونجعلها بدلاً من الثابتة، وهذا بخلافه في صيغة (تركت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي) فأنه قد ثبت بطريق جزمي يقيني قطعي متواتر من كبار الصحابة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
ولكن كما هو الواضح أنه حاول البعض أن يجد طريقاً آخر لتصحيح سند حديث الثقلين بصيغة (كتاب الله وسنتي) الآن أنا لا أريد أن أدخل في التفاصيل لعله يأخذ وقتاً طويلاً ويخرج عن طبيعة هذه الأبحاث التي تعرض لعموم الناس وإن كان في هؤلاء من المثقفين والنخب الفكرية والعلماء ولكنه باعتبار أن يكون البحث فيه الجانب العمومي غالب وموجود ولذا لا أحاول أن أدخل في الجوانب التخصصية بشكل دقيق، هناك عدة محاولات لتصحيح حديث الثقلين بصيغة (كتاب الله وسنتي).
ومن هذه المحاولات هذه المحاولة التي تبتني على قاعدة رجالية، أسسها جملة من علماء الرجال قالوا بأنه إذا جئنا إلى حديث، بودي أن المشاهد الكريم يلتفت، إذا جئنا إلى حديث وكان لذلك الحديث طرق متعددة وكانت تلك الطرق كلها ضعيفة فهنا لو نظرنا إلى كل طريق طريق فهو ضعيف لا يمكن الاحتجاج به ولكن لو جمعنا بين هذه الطرق فإن ضعف بعضها ينجبر بالبعض الآخر فيكون الحديث حسناً ولكن حسناً لغيره لا حسن بذاته، ومن هنا قالوا بأن الحديث الذين يمكن الاستناد إليه بحسب مبانيهم إما أن يكون صحيحاً لذاته وإما أن يكون حسناً لذاته وإما أن يكون صحيحاً لغيره وإما أن يكون حسناً لغيره. ما هو الحسن لغيره؟ وهو ما لو كان لحديث ولنص طرق متعددة وكانت كلها ضعيفة فهنا ينجبر ضعف بعضها بالبعض الآخر وعند ذلك نحصل على حديث يكون حسن ولكن حسن لغيره. وهذا ما صرح به جملة من الأعلام منهم في كتاب (مصطلح الحديث) لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، سلسلة مؤلفات فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، يقول: والحسن لغيره الضعيف إذا تعددت طرقه على وجه يجبر بعضها بعضاً. عند ذلك يكون الحديث حسناً لغيره، يقول: وإنما سمي حسناً لغيره لأنه لو نظر إلى كل طريق بانفراده لم يبلغ رتبة الحسن، فلما نُظر إلى مجموع طرقه قوي حتى بلغها، يعني حتى صار حسناً، ووصل درجة الحسن لغيره، هذا المعنى بشكل واضح وصريح يشير إليه هنا، وكذلك يشير إليه في سلسلة مؤلفات فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين رقم 81، كتاب (شرح الأصول من علم الأصول، ص511) المتن والشرح لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، طبع بإشراف مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى سنة 1431هـ، هناك يقول: والضعيف ما خلا من شرط الصحيح والحسن، ويصل إلى درجة الحسن إذا تعددت طرقه على وجه يجبر بعضها بعضاً ويسمى حسناً لغيره، هنا يحاول البعض، هنا أطبق القاعدة الرجالية، هنا يحاول البعض أن يقول أن حديث الحديث الثقلين بصيغة (كتاب الله وسنتي) وإن كان لو نظرنا إلى كل طريق طريق فهو ضعيف، لا يحتج به، ولكن إذا انضمت هذه الطرق بعضها إلى بعض فسوف يكون حسناً لغيره، وإذا صار حسناً عند ذلك يصح الاحتجاج به. البحث علمي محض وهو أن هؤلاء قد يقولون هذا الكلام، يعني ما نسبناه إليهم من أنهم يحتجون بالأحاديث الضعيفة وغير الصحيحة قد يجيبونا بهذا الجواب يقولون، نعم أن الطريق الأول ضعيف والطريق الثاني ضعيف والطريق الثالث ضعيف والطريق الرابع ضعيف والطريق الخامس ضعيف، ولكن هذه الطرق الضعيفة إذا انفردت فهي ضعيفة أما إذا انضم بعضها إلى بعض فسوف تكون حسنة.
أنا لا اريد أن أتكلم في المبنى الرجالي لهذه القاعدة، يعني كما يقال من الناحية الفنية لا اريد أن أتكلم في المبنى أن هذه القاعدة الرجالية صحيحة في علم الرجال أو غير صحيحة في علم الرجال، وإنما أريد أن أتكلم كما يقال في الاصطلاح الفني في البناء، أريد أن أتكلم في تطبيق القاعدة في المقام وأن المقام على فرض صحة هذه القاعدة الرجالية هل أن حديث الثقلين بصيغة وسنتي هل هو من مصاديق هذه القاعدة ويمكن تطبيق هذه القاعدة عليها أو لا يمكن. هنا بودي أيضاً المشاهد الكريم أن يدقق لأن البحث دقيق من الناحية العلمية.
الجواب: حتى لو قبلنا صحة هذه القاعدة الرجالية وسلمنا مبناها فإنها لا تنطبق على المقام، لماذا؟ لأمر واضح وهو أن أولئك الذين قالوا بهذه القاعدة وهي أن الطرق الضعيفة إذا تعددت ينجبر ضعف بعضها ببعض يقولون في الموارد التي لا يكون في سند الرواية كذاب، لا يكون في سند الرواية متهم بالكذب، لا يكون في سند الرواية متهم بالوضع، لا يكون في سند الرواية معلوم الوضع، يعني كان معروفاً بأنه يضع الحديث، نعم تنطبق هذه القاعدة في موارد أن الشخص في سند الرواية كان مجهول الحال، لا يعرف أنه موثوق أو غير موثوق، بعبارة أخرى كان مجهول حاله من الوثاقة وغير الوثاقة، وباصطلاح هؤلاء إذا كانت الرواية مستورة فتنطبق القاعدة أما إذا لم يكن الحديث مستوراً فلا تنطبق القاعدة، هنا يأتي هذا السؤال، ما هو المراد من المستور، لأبين للمشاهد الكريم حتى يستفيد من هذه الاصطلاحات بعد ذلك، ورد في كتاب (تقريب التهذيب، ص81) للحافظ ابن حجر العسقلاني، تقديم بكر بن عبد الله ابو زيد، دار العاصمة للنشر والتوزيع، يبين بأن الأحاديث على درجات، يقول من الأحاديث ما هو مقبول، يقول: ومنه من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق، يعني افترضوا فلان روى عن زيد من الناس وفلان آخر روى أيضاً عن زيد ولكن زيد حاله مجهول لا يوثقه أحد، فإذا تعدد الرواة عن شخص معين وذلك الشخص المعين لم يكن موثقاً يقول وإليه الإشارة بلفظ مستور، إذن ما هو الحديث المستور؟ الحديث المستور هو أنه إذا كان هناك شخص وهذا الشخص تعددت الرواة عنه ولكنه لم يوثق ولم يتهم بالوضع والكذب ونحو ذلك، إما إذا اتهم بالوضع والكذب وسوء الحال ونحو ذلك فلا تنطبق عليه هذه القاعدة وهو ليس مستوراً، يعني ليس مجهول الحال بل معلوم الحال، يعني أنه كذاب، معلوم أنه وضاع للحديث، بعبارة أخرى إذا رجعنا إلى أمثال صالح بن موسى الطلحي الذي كان في الطريق الأول وكثير بن عبد الله بن عمر بن عوف الذي كان في الطريق الثاني وإسماعيل وابن أبي أويس الذي كان في الطريق الثالث وسيف بن عمر الذي كان في الطريق الرابع وعبد الله بن أبي نجيح الذي كان في الطريق الخامس هؤلاء لو كانوا من المستورين يعني مجهولي الحال كان يمكن تطبيق القاعدة في المقام، نقول هذا الضعف ينجبر بعضه ببعض، ولكن يتذكر المشاهد الكريم ماذا قلنا في هؤلاء، في صالح بن موسى الطلحي قلنا أنه شديد الضعف متروك بالاتفاق، ماذا قلنا في كثير بن عبد الله، قلنا متهم بالوضع بل ركن من أركان الكذب، ماذا قلنا في إسماعيل بن أبي أويس؟ كان يضع الحديث، ماذا قلنا عن سيف بن عمر؟ متهم بالزندقة والوضع. ماذا قلنا عن عبد الله بن أبي نجيح؟ قلنا مدلس. ولذا تجدون أن العلامة محمد بن صالح العثيمين هكذا يقول: فمثال ما يجبر بعضها بعضاً حديث المستور، إذا كان الحديث مستوراً ينجبر، والمستور لم تعلم عدالته ولا فسقه، يعني مجهول الحال، وهذا لا يصل حديثه إلى درجة الصحة ولا إلى درجة الحسن لأنه مستور، فإذا جاءنا الحديث من طرق متعددة فيها رواة مستورون، يعني مجهول الحال، لم يعلم الوثاقة والفسق، فإنا لو نظرنا إلى كل طريق على انفراد لقلنا ضعيف، ولكن إذا جمعنا هذه الطرق صار قوياً بمجموع فتعدد طرق الحديث وكثرتها يجعل الحديث حسناً لغيره لأن اجتماع هؤلاء على حديث وإن كانوا ضعفاء يدل على أن لهذا الحديث أصلاً، أما إذا كانت هذه الطرق لا يجبر بعضها بعضاً كما لو كان في الطريق من يتهم بوضع الحديث فهذا لا يجبر بعضه بعضاً. وفي المقام هؤلاء الذين أشرنا إليهم إما متهمون بالزندقة وإما بوضع الحديث وإما بغيرها من الأمور.
إذن هذا الطريق الذي يحاول أن يستند إليه البعض ورأيت في بعض الكتابات هذا المعنى، أن يستند إليه البعض لتصحيح سند هذه الصيغة وهي (كتاب الله وسنتي) أيضاً هذا الطريق لا ينطبق على المقام، يعني من طبقه جاهل بقواعد الحديث، جاهل بهذه القواعد الرجالية التي يقول بها القوم بغض النظر عن صحتها وعدم صحتها، إذن هذه المحاولة أيضاً لا تصلح لتصحيح سند حديث الثقلين الذين ورد بصيغة (كتاب الله وسنتي).
المُقدَّم: صار واضحاً جداً هذا الأمر سماحة السيد، ولكن لو قطعنا النظر عن ضعف سند هذه الصيغة (كتاب الله وسنتي) لو أردنا أن لا ننظر إلى ضعف السند أو الجبر، هل يوجد عندنا حديث بصيغة (كتاب الله وسنتي) أصلا.
سماحة السيد كمال الحيدري: بودي أن يلتفت المشاهد الكريم إلى هذه القضية بشكل واضح وصريح، نحن قرأنا في الحلقات السابقة أن القوم حاولوا أن يقولوا أنه يوجد عندنا حديث بصيغة كتاب الله وسنة نبيه، كتاب الله وسنتي، ونحو ذلك. ولكن الغريب والعجيب واقعاً هذه القضية تحتاج إلى تدقيق أكثر وتحتاج إلى تتبع أكثر ومراجعة أوسع، ولكنه بالمقدار الذي سعه هذا المقام، نحن عندما راجعنا رواية وهي الرواية المعروفة وهي مسندة عن أبي هريرة الذي قال أن رسول الله قال: كتاب الله وسنتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، هذا أولاً. إذن الذين ينقل الرواية هو أبو هريرة، والذي في سند الرواية هو صالح بن موسى الطلحي كما قرأنا، نحن عندما راجعنا ذلك وجدنا من المصادر القديمة التي أشارت إلى هذا النص قالت بأنه أساساً هذا الحديث الوارد عن صالح بن صالح الطلحي عن أبي هريرة أساس ليس هو كتاب الله وسنتي، وإنما عبارة أخرى وهذا عجيب واقعاً، نحن عندما نراجع الكتب نجدهم يقولون عن أبي هريرة عن رسول الله يقال: كتاب الله وسنتي، ولكنه في كتاب (البحر الزخار المعروف بمسند البزار، ج5، الرواية رقم 8992) تأليف الحافظ الإمام ابن عبد الخالق البزار، المتوفى سنة 292هـ، تحقيق عادل بن سعد، راجعه وقرأه وقدم له فضيلة الشيخ بدر بن عبد الله البدر، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، وكذلك دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى سنة 1430هـ، راجعنا هذه الرواية نجد أن في هذا ا لنص عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح، قال: حدثنا داود بن عمر قال حدثنا صالح بن موسى بن عبد الله بن طلحة، قال حدثنا عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني قد خلفت فيكم اثنين لن تضلوا بعدهما أبداً كتاب الله، أنا بودي أن المشاهد الكريم يلتفت، يجعل (وسنتي) بين قوسين، وعندما نرجع إلى الحاشية المحقق يقول أنه في الأصل ليست وسنتي، وإنما هي ونسبي. باعتبار أن المحقق عرف أن الاصل هو ونسبي وليس وسنتي فوضعه بين قوسين، ولذا في الحاشية قال: نسخة منها وسنة أما الأصل هو ونسبي. الإنسان عندما ينظر إلى هذا الحديث يجد أنه هو المراد من حديث (كتاب الله وعترتي) لأن النسب هو العترة، وبهذا يتضح أيضاً أن نساء النبي يدخلون في أهل البيت أو لا؟ المهم أنه في مسند البزار بنفس السند يعني صالح بن موسى الطلحي عن أبي هريرة يقول: كتاب الله ونسبي. ولقائل أن يقول: لعل هذه الرواية وردت بهذه الصيغة ووردت بهذه الصيغة، يعني وردت بصيغة ونسبي ووردت بصيغة وسنتي. الجواب: كلا، لأن كل الذين جاءوا بعد الحافظ البزار قالوا أن البزار قال ونسبي ولم يقل وسنتي. أساساً هذا النص الذي هو عن صالح بن موسى الطلحي لا يوجد له طريق آخر إلا هذا الطريق عن أبي هريرة وهو يقول ونسبي، والشاهد على ما أقول انظروا إلى (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج9) للهيثمي المتوفى 807هـ، قال: وعن أبي هريرة قال رسول الله: إني خلفت فيكم اثنين لن تضلوا بعدهما أبداً كتاب الله ونسبي. ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. رواه البزار، كانت مسلمة، يقول: رواه البزار، يعني من المسلمات أن النص الوارد عن أبي هريرة وفيه صالح بن موسى الطلحي وهو ضعيف. نفس الكلام الذي تقدم فيما سبق.
إذن يظهر أن صالح بن موسى الطلحي يوجد عنده نص بعنوان وسنتي أو لا يوجد؟ لا يوجد، بل يوجد عنده ونسبي، ولذا نرى أن الهيثمي في مجمع الزوائد يجعل ذلك باب في فضل أهل البيت رضي الله عنهم، يجعل الرواية في هذا الباب لأنهم نسب رسول الله، هذا هو الشاهد الأول.
الشاهد الثاني على ذلك ما ورد في (جواهر العقدين في فضل الشرفين، ص239) للإمام السمهودي المتوفى سنة 911هـ قال: عن أبي هريرة قال رسول الله: إني تارك كتاب ونسبي. أخرجه البزار في مسنده. الكل يرى أنه القضية (ونسبي) لا أنه وسنتي.
ومن المعاصرين أيضاً الذين التفتوا إلى هذه الحقيقة هو العلامة الأرنؤوط قال أن ما ورد في البزار (ونسبي) ولم ترد (وسنتي) (مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج17، ص174) تحقيق شعيب الأرنؤوط، قال: من حديث أبي هريرة عند البزار، الذي قرأناه لكم، قال: بلفظ إني خلفت فيكم كتاب الله ونسبي، الآن سؤالي للمشاهدين، أولئك الذين نسبوا إلى أبي هريرة وقالوا عن أبي هريرة قال رسول الله: كتاب الله وسنتي. بيني وبين الله هؤلاء إما أنهم لم يدققوا فيما قالوا وإما أنهم ليسوا أهل أمانة علمية وإلا كان ينبغي أن يقولوا في كتاباتهم وفي مواعظ الجمعة وعلى فضائياتهم أن هذه الرواية الواردة عن أبي هريرة بسند فيه صالح بن موسى الطلحي هذه وردت بصيغتين، بصيغة ونسبي وبصيغة وسنتي لا أنه يفترضوها أنها وسنتي وينتهي الأمر. هذه هي الامانة العلمية ولذا أنا أقول من هنا دعوتي لكل المحققين ولكل أهل التحقيق ولكل الأكاديميين، ولكل من يبحث عن الحقيقة أن لا يعتمدوا على أن فلان قال، الأرنؤوط قال كذا، الألباني قال كذا، نعم الألباني محقق في علم الرجال، الأرنؤوط محقق، ولكن هذا ليس بالضرورة أنه ما فاته شيء، هذا حمل على الصحة أقول ما فاته، وإلا لماذا هؤلاء يخفون هذه الحقائق، لماذا لا يقولون للناس أن الرواية الواردة عن أبي هريرة بطريق فيه صالح بن موسى الطلحي هذه مرة واردة بصيغة وسنتي ومرة واردة بصيغة ونسبي، وإذا كانت بصيغة ونسبي تكون منسجمة مع صيغة (كتاب الله وعترتي).
إذن بهذا يتبين لنا أن هذه القضية كانت واضحة، وأنا أتصور أن هذه المسألة يعني أنه لا يوجد هناك نص صحيح بصيغة وسنتي، بودي أن هذه القاعدة يلتفت إليها المشاهد الكريم بشكل دقيق وواضح، عندي شاهد قوي أن صيغة وسنتي أساساً لم تكن متعارفة إذ صارت معروفة في الأزمنة المتأخرة حيث حاولوا أن يسوقوا أن هذه هي الصيغة الأصلية لحديث الثقلين، هذا الكلام أوجهه إلى أولئك الذين يقبلون إمامة الإمام أحمد بن حنبل، وأنتم تعلمون أن كثير من المسلمين يقولون أن أحمد بن حنبل إذا قال فهو الحجة والإمام والمرجع في هذا المجال، انظروا ماذا يقول الإمام أحمد بن حنبل في هذا المجال، أحمد بن حنبل عنده قاعدة أسسها يقول إذا اختلفتم في الحديث عن رسول الله أن هذا الحديث وارد عنه أو ليس بوارد عنه فارجعوا إلى المسند فإن كان موجوداً في المسند فهو صادر عن رسول الله وإن لم يكن موجوداً في المسند فليس بحجة، هذا القاعدة التي يؤسسها أحمد بن حنبل. سؤال: نحن اختلفنا أن صيغة وسنتي واردة أو غير واردة، نريد أن نحتكم إلى من يقبلون الإمام أحمد بن حنبل، وأنتم تعلمون أنه إمام عند كثير من علماء المسلمين، ماذا يقول، أولاً أين ذكر هذه القاعدة، هذه القاعدة ذكرها الإمام أحمد في كراس صغير اسمه (الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد، ص12) تأليف محمد ناصر الدين الألباني بطلب من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، نشر دار الصديق، توزيع مؤسسة الريان للطباعة والنشر، قال حنبل بن إسحاق: جمعنا عمي لي ولصالح وعبد الله وقرأ علينا المسند، وما سمعه منه غيرنا وقال لنا: إن هذا الكتاب، كتاب المسند، إن هذا الكتاب، في هذا الكتاب فوائد متعددة لسنا بصدد الوقوف عندها، إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمئة وخمسين ألفاً، 750 ألف حديث استخرج منها 27 ألف حديث والباقي. انظروا إلى ظاهرة الوضع كيف كانت في العالم الإسلامي. ثم يقول: فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) فارجعوا إليه، يعني إلى المسند، فإن كان فيه وإلا فليس بحجة. التفتوا جيداً يقول العلامة الألباني: اسنده الحافظ المديني في الخصائص وابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد من طريقين عن حنبل فهو ثابت صحيح. يعني أن هذا الكلام صادر من الإمام أحمد بن حنبل.
سؤال أيها الأعزاء وأيها الأكارم أولئك الذين تبحثون عن الحقيقة، هل ورد صيغة (كتاب الله وسنتي) في مسند الإمام أحمد أو لم يرد.
هذه القاعدة نريد أن نطبقها على حديث الثقلين بصيغة كتاب الله وسنتي، في الواقع من هنا الآن أقول لكل المحققين ولكل المتتبعين أن يراجعوا مسند الإمام أحمد بكلا التحقيقين، يعني ما ورد بتحقيق العلامة شعيب الأرنؤوط وما ورد بتحقيق أحمد الزين، نجد أنه وردت صيغة كتاب الله وعترتي في (ج17، ص169، الحديث 11104، والحديث 11131، والحديث 11211، والحديث 11561، والحديث 21578، والحديث 21654) وكلها بصيغة (كتاب الله وعترتي) وكذلك في تحقيق أحمد الزين ورد في (الحديث 11046، و11073، و11154، و11499، و21470، و21547) وكلها أيضاً وردت بصيغة (وعترتي) ولن نجد في كل مسند أحمد ولا مورد واحد ورد حديث الثقلين بصيغة (وسنتي) وإنما كله ورد بـ (وعترتي). سؤال: بناءاً على القاعدة التي أسسها الإمام أحمد فإن كان فيه وإلا فليس بحجة. إذن من يعتقد بإمامة الإمام أحمد بن حنبل ويقول هو الحجة في مثل هذه المسائل واقعاً أمن الإنصاف والأمانة العلمية أن يصعد هؤلاء المنابر والمواقع الدينية ويعظوا الناس ويوجهوا الناس إلى حديث لم تثبت حجيته عند الإمام أحمد بن حنبل. إذن واقعاً مقتضى الأمانة العلمية لا أقل أنتم الذين تدعون أنكم اتباع الإمام أحمد بن حنبل، واقعاً ينبغي أن تحترموا هذا الرأي وهو أن صيغة كتاب الله وسنتي، ليست حجة عند الإمام أحمد بن حنبل، ولا أقل قولوا للناس هذا المعنى، قد يقول قائل لسنا مقلدين لأحمد بن حنبل، اصعدوا على المنابر والمواقع العلمية عندما تعظون الناس وقولوا أن الإمام أحمد بن حنبل يرى أن صيغة (كتاب الله وسنتي) ليس بحجة. إذن خلاف الأمانة العلمية أن تصعدوا على المنابر وتقولون قال رسول الله كتاب الله وسنتي.
المُقدَّم: ما هو موقف بعض الأعلام والكتّاب المعاصرين من حديث الثقلين بصيغة (كتاب الله وسنتي).
سماحة السيد كمال الحيدري: واقعاً هذه القضية أنا بودي هذه الليلة وإن كان الوقت ضيق ولكن إنشاء الله تعالى بالمقدار الذين يسع، بالرغم من كل ما تقدم من أن حديث الثقلين بصيغة كتاب الله وسنتي له أصل يمكن الاحتجاج به أو ليس له أصل، ليس له أصل يمكن الاحتجاج به، إلا أننا نجد أن هناك إصرار على أن الحديث الصحيح الوارد لحديث الثقلين إنما هو بصيغة (كتاب الله وسنتي) لا فقط أنه إصرار على أن هذا هو الصحيح بل إن هناك محاولات لإيهام القارئ ولإيهام السامع وللتدليس عليه أن الذي ورد في الصحاح إنما هو كتاب الله وسنتي، ولم يرد بصيغة كتاب الله وعترتي، طبعاً هم لا يصرحون، ولكن عندما يقول الوارد والصحيح كذا، يعني كأنه يريد أن يقول أن ذاك غير صحيح، وإن كان هذا لا مفهوم له، لا أريد أن أدعي أنهم يريدون أن يقولوا، ولكن هذا فيه إيهام، يعني عندما تصر على أن هذا هو الصحيح وتترك الآخر، هذا معناه. أما بعض الشواهد لهذه الحقيقة.
الشاهد الأول ما ورد في كتاب (رسائل جامعية، رقم الرسالة 61، أثر العلم في الدعوة إلى الله تعالى، ص52) تأليف الدكتور مرزوق بن سليم اليوبي، عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، دار ابن الجوزي، في هذا الكتاب يقول: وضمن صلى الله عليه وآله للمتمسك بالوحي الكتاب والسنة الهداية والنجاة وعدم الإضلال المؤدي للهلاك في الدنيا والآخرة، فقال: تركت، من المسلمات، يعني إذا قلت قال رسول الله يعني جزم وقطع، فقال: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه، ثم يعلق صاحب الكتاب يقول: رواه مسلم برقم 1218 فينسب السند إلى صحيح مسلم، ومالك في الموطأ وأنتم تعلمون أن الرواية في الموطأ كانت مرسلة ولا قيمة لها. المهم عندي قوله (رواه مسلم برقم 1218) تعالوا معنا إلى صحيح مسلم لنرجع لنرى الأمانة العلمية هؤلاء عندما يقولون هل يوجد ما يقولونه، هذا كتاب (صحيح مسلم، ج2، ص386) للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، حقق الشيخ مسلم بن محمود عثمان السلفي الأثري، دار الخير، في الحديث 1218 وهو نفس الحديث الذي أشار إليه، باب حجة النبي، يقول هناك: فخطب الناس وقال: إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا … إلى أن يقول: وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون، قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. لا يوجد لا سنتي ولا عترتي. وهو يقول كتاب الله وسنتي موجود في هذا الحديث.
هذه هي الأمانة العلمية في الرسائل الجامعية، هذه هي الأمانة العلمية. وقد تركتم فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله. ولا يوجد شيء آخر، ولكن انظروا إلى كتاب هذا الاستاذ الجامعي حيث يقول: تركت فيكم أمرين كتاب الله وسنة نبيه، رواه مسلم برقم 1218. الآن نحن بين أمرين أما إنسان أمي جاهل لا يعرف نقلها من شخص آخر وإما أنه يدلس ويعطي رقم الحديث بهذه الجرأة، هذا هو المورد الأول من المعاصرين الذين يتلاعبون بدين الناس بهذه الطريقة. أنا الذين قلت مراراً وتكراراً أن هؤلاء أو لا أقل كثير من هؤلاء لا يملكون الأمانة العلمية لهذا السبب، وهنا أريد أن يتضح للمشاهد الكريم أن هؤلاء هل توجد عندهم أمانة علمية أو لا توجد، والعجيب أنها رسائل جامعية أكاديمية المفروض فيها التحقيق هذا من الموارد.
ومن الموارد الأخرى ما ورد في (تحذير المسلمين عن الابتداع والبدع في الدين، ص102) تأليف الشيخ العلامة أحمد بن حجر آل بو طامي البن علي، قاضي المحكمة الشرعية الأولى بدولة قطر، تحقيق خليل من محمد العربي، دار الإمام البخاري، يقول: وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، أخرجه مالك مرسلاً والحاكم مسنداً وصححه. وأنتم تعلمون هذا أمامكم أيها المسلمون أيها المحققون هذا هو (المستدرك على الصحيحين، ج1، ص93) للحاكم النيسابوري، الرواية عن صالح الطلحي عن أبي هريرة قال رسول الله: كتاب الله وسنتي. ولم يعلق شيئاً لا هو ولا الذهبي، ولكن يقول: رواه الحاكم وصححه. ولذا تجدون أن المحقق يقول في الحاشية تعليقاً على قول صاحب الكتاب والحاكم صححه، يقول: قلت: وهذا إسناد واهن جداً. المعلق منصف. ففيه صالح بن موسى وهو متروك … إلى أن يقول: وأما رواية مالك فقد رواه في الموطأ بإسناد معضل، والإسناد المعضل هو الذي سقط من سنده اثنان أو أكثر يعني مرسل، نعم، الحديث قد صح ولكن بغير هذا اللفظ وهو قوله (كتاب الله وأهل بيتي) هذا هو الذي صح وهذا هو الحق الذي مع الأسف الشديد نحن لا نجد هذه الأمانة العلمية عند كثير من هؤلاء الذين بدءوا يكتبون أخيراً.
المُقدَّم: معنا الأخ نبيل من العراق، تفضلوا.
الأخ نبيل: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ نبيل: نرجو عدم الإطالة على المشاركين، نرجو من الشيخ عدم الإيعاز بقطع الاتصالات.
سماحة السيد كمال الحيدري: هذه أمانتك العلمية أخي العزيز أن تتهمني بشكل مباشر بأن الشيخ يقول اقطعوا الاتصالات، أقول إذا لا توجد هناك اتصالات أكمل حديثي، وإلا بودي أن استمع إلى كل المداخلات التي ترد.
المُقدَّم: معنا الأخ محمد مهدي، تفضلوا.
الأخ محمد مهدي: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ محمد مهدي: الطلب الاول حبذا لو تتطرق سيدنا لتاريخية وضع حديث (كتاب الله وسنتي) في العهد الأموي أو العباسي هذا أولاً، وثانياً حبذا لو أعطانا نبذة مهمة كيف اخترق حديث الثقلين حجوزات الدولة الأموية والعباسية ووصلنا إلينا بشكل متواتر مع رعاية السلطة لظاهرة وضع الحديث ضد أهل البيت، ثالثاً وهو الأهم أنه هل يستقيم مثل حديث (وسنتي) في التطبيق العملي في باب الاختلاف، يعني أقصد أنها سنة صامتة، فهل تنطق لو وضعنا الأحاديث الصحيحة كلها … هي لا تنطق هي صامتة، حبذا لو تطرق السيد إلى هذا المجال.
المُقدَّم: فقط الأخ محمد مهدي أشار إلى ثلاثة نقاط، النقطة الأولى حول تأريخية وضع حديث الثقلين بصيغة (كتاب الله وسنتي).
سماحة السيد كمال الحيدري: في الواقع أقدم المصادر التي ورد فيها هذا الحديث هو موطأ الإمام مالك ولم نجد لهذا النص قبل ذلك من ذكر في كتب المتقدمين. وكان مرسلاً لا سند له بتعبير العلامة الألباني أنه حديث معضل أي سقط من سنده اثنان أو ثلاثة.
المُقدَّم: معنا الأخ محمد من السعودية، تفضلوا.
الأخ محمد: السلام عليكم.
المُقدَّم/ سماحة السيد كمال الحيدري: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ محمد: السلام عليكم يا شيخ، أسأل الله العلي القدير أن يوفقكم لخدمة الإسلام والمسلمين، فضيلة الشيخ لماذا لا يكون هناك هيئة عليا لعلماء المسلمين وتكون أنت عضو فيها لتنقية العقيدة من الشوائب، شكراً لكم.
سماحة السيد كمال الحيدري: أخي العزيز هذا اقتراح وجيه ولكنه ليست بيدي آليات تطبيق وتنفيذ هذه القضية، نعم هو مقترح جيد وتشكر عليه واقعاً إذا تحققت مثل هذه، لا أن كل إنسان يأتي ويشتري فضائية ويستأجر فضائية ويقول فيها ما يريد، أنتم الآن أمامكم الفضائيات ماذا يقول بعضهم على بعض. لا يحق لأحد أن يتكلم على الآخر بما يشاء من غير دليل ومن غير منهج علمي ومن غير أمانة علمية، وهنا أضم صوتي إلى صوت الأخ العزيز وهو أنه ينبغي أن تنقى الفضائيات من هذه الأصوات النشاز والبائسة التي تتكلم بلا برهان.
السؤال الثالث للأخ مهدي مرتبط بدلالة الحديث وفقهه وسيأتي بحثه، أما السؤال الثاني فهو كيف اخترق حديث (وعترتي) حجوزات الدولة الأموي، وذلك لأن الكثير من علماء المسلمين كانوا محبين لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام.
المُقدَّم: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)شكراً لكم سماحة آية الله السيد كمال الحيدري، كما أشكر الأخوة والأخوات إلى الملتقى والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

  • جديد المرئيات