وجهاً لوجه (2)
المُقدَّم: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم مشاهدينا الكرام ورحمة الله وبركاته، أحييكم في الجزء الثاني من اللقاء الذي يجمعنا وجهاً لوجه بسماحة آية الله المحقَق العلامة السيد كمال الحيدري في مكتبه في مدينة قم المقدسة. أهلاً ومرحباً بسماحة السيد.
تحدثنا في الجزء الأول من هذا اللقاء حول الدراسة، وحول الشخصيات التي أثرت في تكوين سماحتكم واتجاهكم العلمي والسياسي ربما، في عام 1980م اشتدت الهجمة من قبل نظام صدام حسين على الحوزة العلمية وعلى الحركة الإسلامية في العراق وعلى مرجعية السيد الشهيد الصدر، كان طلابه أول الذين طالتهم يد القمع والغدر الصدامي، هربتم إلى الكويت، كيف هربتم؟
سماحة السيد كمال الحيدري: في الواقع نحن عندما صار بناءنا أن نخرج من العراق وجدنا أن إصدار الجواز من مسقط الرأس يعني كربلاء هذا غير ممكن باعتبار أن المنع كان هناك فلا يمكن إخراج جواز للسفر، عندي أخي السيد صاحب رحمة الله عليه توفي في إيران، كان عنده بعض العلاقات مع بعض الموجودين في دائرة الجوازات هناك بحمد الله استطاع أن يخرج لنا جواز سفر، ولكنه أيضاً أبلغنا أن اسم فلان موجود في المنع، ولذا سفره ليس بشكل طبيعي، على أي الأحوال، بدأنا السفر من بغداد في سيارة قديمة من نوع (فولفو volvo)أخي السيد صاحب اصطحب زوجته حيث جلست في المقعد الأمامي وأنا جلست في الخلف بلا هذا اللباس وفي الليل، فالسيطرات عندما كانوا يرون أن معنا عائلة كانوا يتجاوزون الأمر، إلى أن وصلنا إلى حدود صفوان، عندما وصلنا كان هناك أخ عزيز وهو موجود الآن في العراق ليس بودي أن أذكر اسمه كان يعمل هناك في الكمارك في حدود صفوان، ذهب له أخي السيد صاحب فقال له أن فلان عليه منع ونحن نريده أن يحصل على الخروجية ويخرج، بلغنا وقال بأنه بهذه الطريقة لا يمكن فبمجرد أن نرسل الجواز يخرجون قائمة المنع ويمنع، انتظروا إلى أن تأتي سيارة أو سيارتين وعدد من الناس يريدون السفر حتى يصبح ازدحام في إجراءات الخروج، وبعد أن جاء عدد من المسافرين فصار هناك ازدحام على موظف الجوازات، فهذا الأخ الذي كان يعمل في الكمارك من بعيد صاح أن هذا أحد أصدقائنا سهلوا له أمره، والحمد لله رب العالمين ببركة أهل البيت تمت الإجراءات الرسمية لخروجي وجاء معي هذا الأخ إلى أن وصلنا إلى الحدود الكويتية، يعني ركب معي السيارة إلى أن وصلت إلى الحدود، باعتبار أنه إذا تتذكرون كان هناك قانون في العراق من يحصل على إقامة في الكويت يعفى من الخدمة العسكرية، فنحن ذهبنا وحصلنا على إقامة في الكويت فلم نكن نحتاج إلى الفيزا ونحو ذلك، مباشرة دخلنا إلى الكويت وبقينا هناك عدد من الأيام إلى أن تهيأت الظروف حيث انتقلنا بعدها إلى إيران.
المُقدَّم: لم يكن الهدف البقاء في الكويت.
سماحة السيد كمال الحيدري: لا أبداً، وإنما كان الهدف هو الخروج من العراق، وكما تفضلتم أخذوا يتابعون كل تلامذة السيد الشهيد رحمة الله عليه ويعتقلونهم، واعتقل الكثير منهم بل استشهد الكثير منهم.
المُقدَّم: قصة الخروج إلى إيران.
سماحة السيد كمال الحيدري: وصلنا الكويت بجواز عراقي، وتعرفون التوتر القائم بين البلدين وإعطاء فيزا ليس بالأمر السهل والحدود كانت جداً خطيرة، نحن لم نستطع أن نحصل على فيزا بهذه البساطة.
المُقدَّم: النظام العراقي كان يتهم المعارضة بالعمالة.
سماحة السيد كمال الحيدري: أولئك الذين كانوا أن يعرفونا في السفارة الإيرانية لم يكونوا موجودين فلم نستطع الحصول على الفيزا، المهم بعد اللتيا والتي استطعنا أن نحصل على الفيزا وهي ورقة خارج الجواز، ولكنه ما استطعنا أن نحصل على طائرة للسفر من الكويت إلى إيران فاضطررنا أن نركب اللنج وهي السفن اليدوية والقريبة من اليدوية فبقينا يومين على متنها إلى أن وصلنا إلى الطرف الآخر. مع كل المخاطر الموجودة بين الحدود العراقية والإيرانية لأن التوتر قائم. يعني مررنا على البصرة إلى أن وصلنا إلى أحد موانئ إيران ودخلنا إلى إيران تقريباً قبل الحرب بشهر أو شهرين.
كان الاستقرار الأول لي في طهران، ودخلنا في عمل المعارضة وتشكلت في ذلك الوقت لجنة علمائية من مجموعة من العلماء أنا كنت والسيد محمد باقر الحكيم والسيد عبد العزيز رحمة الله عليه، ومجموعة من العلماء تشكلت لجنة علمائية وفي وقتها بدأ العمل السياسي، ولكن أنا انتظرت سنة أو سنتين ولعله سنة وثمانية أشهر بقيت في طهران لأجل العمل السياسي، ولكنه لم أنسجم معه كما أريد فانتقلت مباشرة إلى قم.
المُقدَّم: ما الذي تريده من العمل السياسي.
سماحة السيد كمال الحيدري: أنا كنت أريد من العمل السياسي لا إشكال ليس هذا الذي الآن نجده في العراق مع الأسف الشديد، يعني هذا الذي حدث لم يكن من أمنياتنا ولست أيضاً معتقد بهذا الذي يجري في العراق بهذه الطريقة التي لا استطيع أن أعبر عنها لأنها تحتاج إلى بحث آخر، أبين ما هي الآثار السلبية التي خلفتها هذه التجربة التي فيها من السلبيات ما تفوق فيها كثير من الإيجابيات التي حصلنا عليها.
المُقدَّم: البعض يربط بين توجهاتكم العلمية وبين هذه التجربة واصفاً إياها بالتشيع الصفوي.
سماحة السيد كمال الحيدري: أبداً لا علاقة لها، أساساً الآن في العراق لا يوجد هناك أي علاقة بينه وبين الحركة الدينية والحركة الإسلامية، سواء كانت شيعية أو غير شيعية، وإنما هي عمل سياسي محض كأي عمل سياسي آخر تابع للإيجابيات والسلبيات التي تترتب عليها، في الواقع البعض الآن أنا أتصور عندما يسمون أنفسهم إسلاميين أعبر عنها علاقة مجازية يعني بعلاقة ما كان، وإلا الآن لا علاقة لهم بالحركة الإسلامية وبالموازين الإسلامية وبالمبادئ الإسلامية أبداً، الآن الذي يوجد في العراق، وأنا لا أخصص فيه أتباع مدرسة أهل البيت، ليست القضية مرتبطة بالشيعة، بل هي تشمل الطرف الآخر يعني أتباع مدرسة الصحابة والسنة تجدهم أيضاً نفس الحالة، أولئك الذين كانوا إسلاميين الدوافع والأطر التي تحركهم ليست إسلامية وإنما هي دوافع السلطة والعمل السياسي، وكيف يبقون في السلطة أو يذهبون من السلطة أو يستأثرون بالسلطة، وأنا أتصور بأن التجربة واضحة أمام المشاهد الكريم يستطيع أن يراها بعينيه ولا نحتاج إلى استدلالات كثيرة حتى نقول أن العمل القائم في العراق عمل مشوب بسلبيات أكثر من الإيجابيات الموجودة له.
طبعاً لعله جملة من العلماء والأعلام الذين دعموا وأيدوا كانت له رؤى أخرى ولكن الذي حدث على الأرض نتائج أخرى تختلف عن تلك الدوافع التي بدأت بها، وإلا أنت كيف تفسر نحن والحمد لله تعلمون أن انتفاضة الكهرباء موجودة الآن في العراق والذين خرجوا هم نفسهم الذين خرجوا قبل أشهر وانتخبوا الموجودين في السلطة، هذا يكشف لك أن التجربة لم تكن كما ينبغي وأن هناك سلبيات كثيرة شابت هذه التجربة وتحتاج إلى تصحيح والى تغيير في مسارها، وإلا هذا المسار الذي عليه العمل السياسي أو ما يسمونه بالعملية السياسية في العراق أنا أتصور أنها لا تنتج إلا هذه النتائج التي انتهت إليها، يعني هذه النتائج التي نحن الآن نراها في العملية السياسية في العراق هذه النتائج لا يتبادر إلى الذهن أنها وليدة هذا اليوم، هذه وليدة هذه التجربة التي مضى عليها سبع سنوات أو ثمان سنوات، هذه التجربة أنتجت هذه النتائج التي نراها أمامنا، إذن إذا اردنا أردنا أن نغير هذه النتائج لا طريق لنا إلا أن نغير العملية ونغير المسيرة ونغير المنطلقات، أن نغير الأطر التي بدأت بها.
المُقدَّم: لربما تتغير كما يقولون بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق.
سماحة السيد كمال الحيدري: لعله والله العالم، أنا أتكلم عما هو واقع على هذا الواقع الموجود، أما بعد ذلك ماذا سيكون لعله كذلك، وأنا لست متفائلاً بما تفضلتم به، باعتبار أن الأطر السياسية والمنطلقات السياسية لا يمكن تغييرها بيوم وليلة، هذا الذي نجده الآن وهذه العقد التي تمر بها العملية السياسية في العراق، وهذه الإشكاليات التي تمر بها العملية السياسية في العراق، هذا الفساد المالي الذي لعله لا تاريخ له في أي دولة من الدول في الدول المعاصرة، هذا الفساد الإداري الذي نجده، وهذه المشاكل التي يمر بها العراق سواء كانت الداخلية أو الخارجية، هذا التصارع على السلطة الذي نجده هذه ضمن الأطر الدستورية الموجودة التي انطلقت منها العلمية السياسية. إذن هذه النتائج هي وليدة تلك المقدمات وتلك الاطر، أنا لا استطيع أن أفصل هذا الذي نراه الآن في العراق من العقد، أنتم انظروا إلى العقد السياسية التي كانت في عام 2005م تجدون أنها كانت أقل بكثير من العقد السياسية التي نعيشها الآن في 2010م، مع أنه كان ينبغي إذا كان الأمر كذلك الآن كان ينبغي أنها تقل مع أننا نجد أنها في ازدياد، مع أنه بحسب الظاهر أن تدخل القوى الأجنبية والقوى المحتلة أقل بكثير مما كان فيما سبق، أولئك كانوا في الواجهة أما الآن فهم خلف الواجهة، هم موجودون ولكنه خلف الكواليس يتحركون، الآن هم يخرجون إلى الفضائيات ويقولون نحن نعيش حالة من الاستقلالية، إما أنتم صادقون أو غير صادق، إذا كنتم صادقين وتعيشون حالة الاستقرار فلماذا هذه العقد التي يمر بها الشارع العراقي والشعب العراقي وهذه المشاكل التي أن منها عموم الشعب العراقي وخصوصاً أبناء الجنوب، أنتم تجدون الآن في أقليم كردستان الآن لا توجد مشاكل، الآن في غرب العراق وبعض المناطق الأخرى كالرمادي ونينوى لا تجدون هذه المشاكل، المشاكل كلها منصبة على من كانوا في النظام البائد مظلومين ومقهورين ومسلوبي الحقوق، الآن تجدهم يعيشون نفس الظلامة ونفس سلب الحقوق ونفس التهميش كلها أيضاً يعيشها، وإلا أنتم الآن انظروا إلى المنطقة الكردية والى المنطقة الغربية وإلى الرمادي ونينوى وغيرها، أنا لا أقول لا توجد مشاكل، ولكن المشاكل الأساسية موجودة الآن في المحافظات التي كانت عليها الظلامة الأصلية.
سؤال: هؤلاء لماذا يفعلون كذلك.
أنا أتصور أن بعض هؤلاء مخربين ومغرضين يريدوا أن يفشلوا هذا الذي حدث، وبعضها ناتجة من تلك الأطر التي انطلقنا منها ومن تلك الأسس التي انطلقنا منها ومن ذلك الدستور الملغم بألف لغم الذي انطلقنا منه، إذن ما لم تتغير هذه الأطر وهذه القواعد وهذه الأسس، واقعاً أنا لست متفائلاً بل أعتقد أن الأمور ستزداد سوءً يوماً بعد آخر.
المُقدَّم: يعني هناك إشكالية دائماً تطرح في مواجهة الشيخ أنهم لم يواجهوا المحتل وإن كان هذا الكلام غير دقيق لأن الكثير من قوى المواجهة مع المحتل شيعية. هل أنت كنت مع مواجهة المحتلين كما فعل علماء الحوزة العلمية في النجف وكربلاء في ثورة العشرين وفي ثورة النجف وقبل ذلك عندما دخل المحتل عام 1915 في الشعيبة والكوت وغيرها.
سماحة السيد كمال الحيدري: طبعاً أنا لا استطيع أن استنسخ تلك التجربة بكاملها لأن الظروف مختلفة كاملة، وأقول كنا لابد أن ننفذ تلك الأطروحة التي حدثت في ثورة العشرين ولا استطيع أن أؤيد ما حدث في هذه التجربة في عام 2003م، يعني أنا لا أتصور أن بينهما تناقض يعني إما أن نختار هذه أو أن نختار هذه، لا أبداً، بل أن هناك تصور ثالث من حيث المبدأ أنا مع نظرية ثورة العشرين، يعني من حيث المبدأ أنا معتقد أن أطروحة مدرسة أهل البيت قائمة على ما فعله العلماء في ثورة العشرين ولكن ضمن ظروفها الخاصة بها.
أما في هذه التجربة التي حدثت هذه لها كانت شروطها وظروفها ووضعها الاقليمي والدولي الخاص، لعلي كنت أوافق في بعض أبعادها ولكنه بعد سقوط النظام وكيفية تعامل الحوزة مع هذه العملية السياسية هذه عندي فيها تصور آخر ونظرية أخرى.
المُقدَّم: تركت النشاط السياسي وانتقلت من طهران إلى قم، في الجزء الأول كانت هناك خاطرة أردت أن تقصها علينا، هل لك أن تذكرها لنا.
سماحة السيد كمال الحيدري: أنا خرجت من النجف وأنا مجاز بالاجتهاد، يعني أول إجازة اجتهاد حصلت عليه في النجف بتأريخ سنة 1401هـ، يعني نحن الآن في سنة 1431هـ يعني قبل ثلاثين عاماً، أنا أجزت بالاجتهاد، ولذا عندما جئت إلى قم ليست لي حاجة في البحث الفقهي والأصولي كثير حاجة، نعم كنت بودي أن اطلع أنه هل يوجد شيء بعد الدروس الفقهية والأصولية التي استفدتها من السيد الصدر رحمة الله عليه هل توجد هنا بعض الأمور الإضافية التي يمكن أن استفيد منها أو لا. فحضرت مجموعة من الأساتذة وسأشير لهم في مناسبات أخرى. ولكنه واقعاً كنت حائراً في أنه أكمل الدرس الفلسفي والعرفاني الذي بدأته في النجف على يد السيد مسلم الحلي وعلى يد الشيخ عباس القوجاني أو لا.
المُقدَّم: سبب الحيرة.
سماحة السيد كمال الحيدري: الحيرة كانت باعتبار أنه يعد هذا الدرس خصوصاً في الأجواء المرتبطة بحوزة النجف يعد درساً غريباً، وليس له ذلك القبول الذي يوجد للفقه وللأصول، هذا مضافاً إلى أنه ينظر إلى من يتعمق في الأبحاث الفلسفية والعرفانية أنه ليس قوياً في الأبحاث الفقهية أو الأصولية أو ليس فقهياً، بعبارة أخرى هذا الذي إلى الآن في الأذهان العامة يعبرون عن درس الفلسفة والتفسير والعرفان والكلام والدروس الأخرى يعبرون عنها بالدروس الثانوية والدروس الهامشية، بالدروس التكميلية وكأن الفقه والأصول هو الأصل وأن هذه الدروس ثانوية، وهذه بطبيعة الحال تؤثر على الإنسان وأنا أريد أن أعيش في هذه الحوزة وخصوصاً في الحوزة العربية في ضمن هذا الإطار الفكري والنفسي لمثل هذه الأبحاث.
ولذا كنت حائراً استمر في ذاك أو لا، وخصوصاً كان هناك جملة من الأصدقاء الفضلاء والعلماء والأساتذة كانوا ينصحونا بأنه لا حاجة إلى أبحاث الفلسفة والتفسير وإنما أنت أبقى اعمل في البحث الأصولي وأنت بحمد الله كنت حاضراً عند السيد محمد باقر الصدر، ويكون في علمكم أني قد حضرت عند السيد الخوئي لسنتين أو ثلاث في البحث الفقهي لا الأصولي.
وعند ذهابي إلى لزيادة الإمام الرضا عليه السلام لأول مرة، وفي اثناء زيارتي للإمام عليه السلام وجدت أن المسؤولين والخدم الموجودين بدأوا يخرجون الناس من الحرم الشريف فسألت عن هذا، فقالوا لي بأن هذا هو وقت غسل الحرم الشريف، فبحثت عن مسئولهم وقلت له أنا قادم من العراق ومن كربلاء والنجف وإذا أمكن أن أبقى مع الخدام أغسل مع الذين يغسلون وينظفون الحرم الشريف. فقال لي: لا مانع عندي، ولكن حاول أن تخفي نفسك إلى أن تبقى معنا، وبحمد الله بقينا في تلك الأجواء الروحانية الخاصة عند خلو الحرم من الناس وحال غسل الحرم كاملاً وينظف، يعطى وقت 20-30 دقيقة لأولئك الذين يعملون بالغسل والتنظيف للزيارة وكل ينفرد بنفسه هذا الذي يصلي وهذا الذي يدعو وهذا الذي يتوسل، وبعدما انتهينا من العمل وصلت إلى خدمة الإمام، وقفت عند الضريح وقلت يا بن رسول الله اليوم أنا هنا قدمت عملاً الإنسان يقدم عملاً ويريد أجراً من الذي قدم له العمل، والأجر أيضاً أنا لا أريد أن أعينه وأقول وفقني في الباب الكذائي أو الباب الكذائي أبداً، بل أنت اختره لي، ولكنه هذا القدر، سيدي يا بن رسول الله أنا حائر في أبحاثي العلمية إلى أي اتجاه أذهب، في الاتجاه الفقهي بحمد الله تعالى لا حاجة عندي إليه، اتجه أكثر في الاتجاه الفلسفي العرفاني، العقائدي، التفسيري، الروائي، هذا البعد الغائب الذي عبرت عنه حضرتكم بأنه خلاف النسق الموجود في حوزة النجف. هذا قلته وخرجت من الحرم الشريف، وبعد ذلك بيني وبين الله وجدت انجذاباً وميلاً شديداً إلى هذه الأبحاث بالنحو الذي كنت أحس أنه لا استطيع أن أفارقها، ولذا الدرس الفلسفي والعرفاني والتفسيري وخصوصاً الدرس الفلسفي والعرفاني الذي كان يحتاج في الحوزات العلمية لا أقل إلى عشرين أو خمس وعشرين عاماً لإكماله أنا أنهيته في سبع سنوات. باعتبار أني ضاعفت الجهد وهناك علاقة وحب وعشق لهذه المطالب، ولذا أجزت في المباحث الفلسفية وأجزت بتدريس أهم كتاب وهو كتاب الأسفار، وفي عقدتي من يستطيع أن يدرس كتاب الأسفار بشكل علمي ودقيق هو مجتهد في الفلسفة، أجزت ولعله الوحيد من بين تلامذة الحوزة النجفية من الشيخ جوادي الآملي، وعندي إجازة في هذا ولكني لم أخرجها إلى الآن لأحد. هذه لأول مرة أنا أقولها في هذا الكتاب الذي كتب في حياتي هذه الإجازة لم أشر لها، أنا أجزت في الأبحاث الفلسفية وأني قادر على تدريس أي بحث فلسفي من سماحة آية الله الشيخ جوادي الآملي في سنة 1414هـ، قبل سبعة عشر عاماً، والإجازة الآن موجودة وأنا محتفظ بها، ولكنه كما أنا متعود أرى أن الصحيح أن الإنسان بآثاره وبدرسه وكتابه يخرج على الناس لا بقصاصة من الورق يخرج على الناس، وإلا أنا كان بالإمكان إجازة الاجتهاد التي أحملها في الفقه والأصول أو الاجازة التي أحملها في الفلسفة من الشيخ جوادي الآملي أو من غيرهما هذه اخرجها وأطبعها هنا وهناك، ولكنه واقعا قلت إما أني قادر على أن أخرج وأعطي شيئاً من حيث الدرس ومن حيث الكتاب ومن حيث الآثار، وبحمد الله تعالى إلى الآن درست في سبعة مواد علمية يعني فقهاً وأصولاً على أعلى المستويات من أدنى المستويات إلى أعلى المستويات فقهاً وأصولاً وفلسفة وعرفاناً وتفسيراً ومنطقاً وأخلاقاً، هذه سبعة مواد كلها أنا درستها في ستة آلاف درس، وإلى الآن بحمد الله تعالى خرج من هذا التراث الضخم 65 كتاباً، وهذا الموجود لو لم أدرس أنا في السنوات القادمة بحسب ما يشاء الله لي هذا الموجود يعادل ما يقرب من 200-250 مجلد، يعني هذا الموجود إذا أردت أن أطبعه ويخرج يتجاوز 200-250 مجلد، أنا بيني وبين الله أحس كل هذا واقعاً بوجداني أنه من ذاك، نقطة الحركة ونقطة الانطلاق جاءت من هناك إن الإمام سلام الله عليه، وكل هذه العنايات وكل هذا التوجه الذي صار لهذه البرامج وكل هذه الأبحاث التي أعرضها في الفضائيات، أنتم تعرفون أن كثير من الناس طرحوا علم الخلافيات في الفضائيات يعني أنا لست أول من جاء إلى الفضائيات وعرضت لأبحاث الخلاف، أو لست أول من يريد أن يكتب في علم الخلاف بيننا وبين الاتجاهات الإسلامية الأخرى، ولكن تجدون أن هذه الأبحاث أخذت بعداً لعله لا تجد نظيرها في الاتجاهات الأخرى التي تعرضت لهذه الأبحاث.
المُقدَّم: أفتح نافذة صغيرة لسماحة السيد، تطرقت إلى علم الخلاف، قد يفهم البعض أنك متشدد ومتطرف ومتزمت في مواجهة الآخرين، كيف تنظر إلى الآخرين المسلمين من غير مدرسة أهل البيت.
سماحة السيد كمال الحيدري: عندي أبحاث في هذا المجال، في هذا المجال عندي أبحاث مفصلة طرحتها في أبحاث الخارج في الفقه، وقلت بأنه أساساً يمكن لأي عالم ولأي محقق ولأي دارس وباحث أن يقدم قراءة وهذه القراءة تكون محترمة بشرط أن تكون قائمة على أسس منهجية ومستدل عليها، يعني لا يمكن لكل أحد أن يأتي من أي مكان ويقول هذه قراءتي، لا لا، نسأله أنت عندما تقدم هذه القراءة سواء كانت قراءة فلسفية أو عرفانية أو ثقافية أو فكرية، ما هي الأسس التي تستند إليها، يعني المنهج الذي تتبعه لتقديم هذه القراءات، ولذا أنا من أولئك الذين أعتقد بتعدد القراءات، وأعتقد أنه لا يحق لأي شخص أن يقول يقيناً القراءة التي أنا أقدمها هي المطابقة للواقع 100% وغيري هو المخالف للواقع 100%، هذا لا يحق لأحد إلا للمعصوم، المعصوم عندما يقدم قراءة، إذن لا يحق لأي شخص إلا المعصوم أن يقول ما أقوله هو الواقع أبداً لا يحق له، أنا عندي نظريات أي فقيه واي أصولي وأي فيلسوف وأي عارف واي مفسر يستطيع أن يقول هذا ما توصلت إليه ولعله مطابق للواقع ولعله غير مطابق للواقع، نعم، هناك ضروريات لا يختلف عليها اثنان، يعني على سبيل المثال اثنين زائد اثنين يساوي أربعة هذه القضية واقعية، أنا لا اقبل أن هذه القضية نسبية، اجتماع النقيضين ممتنع، هناك مجموعة من المسلمات والضروريات التي لا يختلف فيها اثنان، أما ما زاد عن ذاك فيمكن أن يقدم قراءة، ولذا أنا لا أوسع الدائرة فقط لغير أتباع مدرسة أهل البيت أن يقدموا القراءة، ولكنه لابد أن يقدموا القراءة على أسس منطقية مستدلة وعلى أساس منهج صحيح، أما منهج عقلي وأما منهج نقلي. ومن هنا أنا أعتقد أن الجميع لا فقط المسلمين، أن الجميع إذا قدم قراءة وكانت قائمة على أسس مستدل عليها وإن لم تصب الواقع فهو يوم القيامة ناجٍ.
المُقدَّم: هذا لا يحل المشكلة، تصور لوفق المباني التي تعتمدها أنت أن قراءة الآخرين خاطئة، هذا واقع. كيف تنظر إلى صاحب هذه القراءة الخاطئة.
سماحة السيد كمال الحيدري: أقول هو يقدم قراءة وأنا أحترمها، يعني ينبغي أن لا أقصيه وأرجو منه أن لا يقصيني، ينبغي علي أن لا أحتكر الحقيقة وأرجو منه أن لا يحتكر الحقيقة، يعني عندما وصل هو إلى قراءة لا يقول إذن الآخرين هم أهل البدعة وأهل الكفر والخارجين عن الدين والخارجين عن الإسلام هذا لا يحق كما لا يحق لي هذا المعنى، لا يحق لي أن أقول له، نعم هذه قراءة لا أوافق عليه أقول أنا لا أوافق عليها، هذه القراءة مرفوضة عندي، هذه القراءة نتائج أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً. الآن واحد يسأل هذا السؤال: يوم القيامة من حيث الجزاء في النتيجة إما هذه القراءة صحيحة وإما تلك القراءة صحيحة.
الجواب: نعم من حيث الواقع إحدى القراءتين صحيحة، ولكن من حيث النجاة قد يكون كلاهما ناجي، كلاهما مأجور عند الله سبحانه وتعالى، ولذا نحن نقبل نظرية اجتهد فأخطأ، نحن نقبل هذه النظرية، ولكن نقبلها بشرطها وشروطها لا أي بقال وأي إنسان يأتي بمجرد أنه رأى رسول الله لدقيقتين صار مجتهداً فأخطأ. نحن لا نستطيع أن نقبل هذا، نعم، إذا ثبت أن الشخص كان من مجتهدي الصحابة ومن فقهاء الصحابة ومن علماء الصحابة هذا أولاً، وثانياً لم يخالف النص الصريح لا أنه يجتهد في قبال النص، لا اجتهاد في قبال النص، يعني لا يحق لأحد أن يقول اجتهدت فتبين لي أن صلاة الصبح ثلاث ركعات ونقول اجتهد فأخطأ، هذا لا يقبل منه لأنه كون صلاة الصبح ركعتين من الضروريات ومن المسلمات.
أنا أتصور أن موقع أهل البيت وإن لم يكن محل بحثنا موقع أهل البيت في منظومة الفكر الديني موقع واضح من الضروريات فلذا من ينكرها ينكر ضروري من الضروريات فلا اجتهاد في قبال هذه، أما الأمور الأخرى التي هي ليست من الضروريات حتى في داخل المدرسة الواحدة، الآن في مدرسة أهل البيت أنا أتصور أن أهل البيت لهم العصمة هذه من ضروريات مدرسة أهل البيت أما أن هذه العصمة تبدأ للإمام عندما يولد أو من بطن أمه أو قبل البلوغ أو بعد البلوغ هذه مورد خلاف يمكن الاختلاف فيها، فإذا اختلفنا لا يحق لكل واحد منا أن يتهم الآخر، هذا رأي، علماء كبار الآن وأنا منهم أقول أن أهل البيت سلام الله عليهم يعلمون الكثير من الحقائق التي الله أعلمهم بها لا أنهم يعلمون الغيب على حد علم الله بالغيب لأن علم الله بالغيب لذاته، أما هؤلاء الله أعلمهم ولكن بعد أن أعلمهم صاروا عالمين بالغيب، قد يأتي شخص ويقول أن أهل البيت ليسوا كذلك، لا أنا استطيع أن أخرجه عن المذهب ولا هو من حقه أن يقول أنت مغالي. إذن هو يقدم قراءة، طبعاً عندما يقدم قراءة لابد أن يكون من أهل الاختصاص، حينما يقدم قراءة دينية لابد أن يكون من أهل الاختصاص في الدين، عندما يقدم قراءة سياسية لابد أن يكون من أهل الاختصاص في القضايا السياسية، عندما يقدم قراءة ورؤيا في العلاقات الدولية لابد أن يكون من أهل الاختصاص، لا يكفي أنه بمجرد أنه قرأ كتاب الطهارة والصلاة والصوم في الحوزة يقول إذن أنا صاحب الاختصاص في العلاقات الدولية وفي السياسة وفي الاقتصاد وفي الإدارة وفي الإعلام وفي كل شيء سلوني قبل أن تفقدوني، هذا لا مجال له.
إذن لابد أن تحفظ هذه القضية بشكل دقيق أن صاحب الاختصاص إذا تكلم على الموازين وعلى الأسس العلمية وعلى المناهج الصحيحة هذه القراءة لابد أن تحترم سواء اتفقنا معها أو اختلفنا معها.
المُقدَّم: جئتم إلى قم ودرستم في قم، لم تكونوا الوحيدين من الحوزة النجفية أو العراقيين، هل شكلتم كياناً منفصلاً في قم.
سماحة السيد كمال الحيدري: إذا كنتم تسألون عن كيان منفصل كمؤسسة لا أبداً، لا توجد عندي لا مؤسسة ولا كيان مستقل باسمي ولا عنوان أبداً، ولكن إذا تسألون كمدرسة علمية ومنهج أراد أن يبني، نعم، أتصور بأنه تشكلت مدرسة كاملة على هذه الأسس التي أنا أتكلم عنها، يعني في القضايا الفلسفية والفكرية والعرفانية والفقهية وفي المسائل الأصولية هناك المئات ولا أريد أن أقول الآلاف، هناك المئات من خيرة الطلبة والفضلاء في الحوزات العلمية الآن يوجد عندي لا أقل ممن يقررون أبحاثي من سبع أو ثمان دول، يعني عندي خيرة الفضلاء والتلامذة من لبنان، خيرة الفضلاء والتلامذة من سوريا، خيرة الفضلاء والتلامذة من العراق، خيرة الفضلاء والتلامذة من المملكة العربية السعودية، من دول الخليج من افغانستان، من مختلف هذه البلاد بحمد الله تعالى هناك مجموعة جيدة من الذين حملوا هذا الفكر وهذا المنهج وهذه المدرسة والآن أتصور أن هذه السيديات.
وهنا أريد أن أذكر وهي أنه أساساً ما تعبرون عنه بظاهرة الحيدري، هذه لم تأتي بيوم وليلة، يعني البعض يتصور أنه الآن الظاهرة ظهرت لا أبداً، هذا سياق خمس وثلاثين سنة أو سبع وثلاثين سنة بل تسع وثلاثين سنة في الحوزة العلمية، أربعة عقود كاملة في الحوزات العلمية، هذه نتيجة تلك السياقات، طبعاً هنا أتكلم في البعد المادي، أما في البعد الغيبي والعناية الإلهية له حساب آخر، أنا أتكلم في الأبعاد المرتبطة بي، واقعاً لا يوجد درس فلسفي أو عرفاني في الحوزة العلمية في قم المقدسة أو في مشهد إلا وأنا وقفت عليه، ليس جزافاً، والآن بحمد الله تعالى تلك المقدمات بدأت تعطي هذه النتائج.
المُقدَّم: الحديث معكم شيق سماحة السيد ولكن وقت البرنامج انتهى ولذلك أنا مضطر أن أوكل ما تبقى إلى حلقة أخرى، شكراً لك، أعزائي المشاهدين شكراً لكم أنتم على حسن المتابعة،حتى الجزء الثالث من هذا اللقاء الذين يجمعنا بسماحة العلامة آية الله السيد كمال الحيدري وجهاً لوجه حتى ذلك الحين استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.