الأخبار

المحاضرة (2)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

بالأمس يتذكر الأخوة الأعزاء بأننا قلنا قبل الدخول في هذه المقدمات التي أشار إليها الأعلام في الأبحاث والمباحث الأصولية وهي ما يتعلق بتعريف العلم وموضوع العلم وتمايز العلوم ونحو ذلك، لابد من الوقوف على بعض الأمور:

الأمر الأول: تأريخ هذا العلم، يعني علم الأصول، أو ما يصطلح عليه في حوزاتنا بعلم الأصول، لأنه بعد ذلك لعله سيتضح أنه ليس علماً بالمعنى المصطلح.

الأمر الثاني: أهمية هذا العلم، وضرورة هذه المباحث، قد يقول قائل: نحن في غنى عن مثل هذه المباحث ولا ضرورة لها؟

الأمر الثالث: في بيان ضابط العلم، وأنه متى تكون مجموعة من المسائل علماً ومتى لا تكون كذلك؟

إذن هاهنا أمور ثلاثة، الأمر الأول تأريخ العلم.

بحسب ما هو المتعارف في حوزاتنا العلمية، العلوم التي تُدرس أو تدّرس في حوزتنا العلمية لا أقل في هذه العقود الأخيرة وفي القرون الأخيرة يمكن تقسيمها بنحو من أنحاء القسمة إلى قسمين:

القسم الأول: هي العلوم التي لم تنشأ في بيئة الفكر الإسلامي، وإنما لها سابقة تأريخية طويلة جداً لعلها مع تأريخ الإنسان، من قبيل العلوم والمعارف والمسائل والمباحث التي هي في المنطق وفي الفلسفة وفي العرفان، وهناك علوم كثيرة الآن باعتبار أننا عادة لا نبحث في علم الاجتماع وفي علم القانون وفي فلسفة القانون وعلم الإدارة وإلا هذه أيضاً لو جاءت إلى حوزاتنا العلمية أيضاً لم تنشأ بشكل علم في أوساطنا العلمية وإنما جاءت إلينا من أمم أخرى لا تدين بالإسلام.

إذن النحو الأول من هذه العلوم علوم كانت موجودة قبل الإسلام، نعم دخلت إلى الإسلام وإلى البيئة الإسلامية وتوفر عليها علماء المسلمين بالزيادة والنقيصة والتحقيق و…. إلى ما شاء الله.

وإن أردت أن تسمي تسمية سمها العلوم المستوردة إذا صح التعبير كيف تستوردن البضائع هذه في حوزاتنا العلمية أو في جامعاتنا هناك مجموعة من العلوم هي العلوم المستوردة التي بدأت في مكان آخر ونشأت في مكان آخر ضمن ظروفها الفكرية وبيئتها الثقافية ثم انتقلت إلينا إما بالترجمة وإما بطريق آخر.

من أهم هذه العلوم التي أنا أتكلم محل الكلام محل ابتلائنا، من أهم هذه العلوم المنطق والفلسفة والعرفان، هذه العلوم المغضوب عليها في بعض الحوزات العلمية، الفلسفة والمنطق والعرفان، فيما يتعلق اخواني الأعزاء بالفلسفة، طبعاً أنا فقط سأعنون بعض المباحث لأني لا أريد أن أطيل لأني أشير إليها كأمور مقدماتية، أما متى بدأت وفي أي عصر بدأت ثم كيف انتقلت تلك أبحاث أخرى.

هناك مقدمة جيدة لأصول الفلسفة للسيد الطباطبائي التي هي بترجمة محمد عبد المنعم الخاقاني وهي شرح الشهيد مطهري رحمة الله عليه في (ج1) يقول: (ومن الإنصاف أن نعترف بأن الفلاسفة المسلمين الذين وجهوا معظم جهودهم للتحقيق الفلسفي قد أنجزوا الشيء الكثير ودفعوا الفلسفة التي أوصلها اليونانيون إلى منتصف الطريق دفعوها إلى الإمام ومع أن مسائل الفلسفة اليونانية عند ورودها إلى الحوزات الإسلامية لم تكن تتجاوز مئتي مسألة فأنها قد بلغت في الفلسفة الإسلامية 700 مسألة) إذن أتصور الآن واضح للأخوة الأعزاء أولاً الفلاسفة الإسلاميين بغض النظر أن هذا العلم مقبول أو مرفوض لا يتبادر إلى الذهن أنهم كانوا مقلدين لفلسفة اليونان أو فلسفة ما قبل الإسلام، لا ابداً، حتى لو قبلنا أن هاتين المئتي مسألة لم يفعلوا بها شيء ولكن أضافوا إليها تقريباً ثلاثة أضعافها، هذه كلها مسائل لا أثر لها في البيئة والفلسفة اليونانية وإنما هي فلسفة إسلامية محضة يعني نشأت أين؟ نشأت في المجتمع الإسلامي والبيئة الإسلامية والفكر الإسلامي.

إذن هذا الذي يوجد على الألسنة أن هذا الموجود في فلسفتنا هو فلسفة اليونان هذا إما ناشئ عن جهل وإما ناشئ عن غرض، وإلا هذه المسائل كتب الفلسفية الموجودة عندنا طبعاً نفس هذا إن شاء الله بعد ذلك سيأتي في مبحث علم الأصول، الآن بعض الناس أيضاً يقصي علم الأصول عن الحوزات العلمية كالنهج الأخباري كما تعلمون، لا يقبل المنهج الأصولي، بعنوان ماذا؟ بعنوان أنه دخيل علينا من الآخرين، وأنت عندما ترجع إلى الآخرين تجد أن أصولهم لا يشكل عشر من الأصول الموجود عندنا، 90% من هذا الأصول نشأ على يد من؟ على يد علماء الشيعة. قد ابتدائه وبعض مسائله مأخوذة من الآخرين، هذه قضية التفتوا إليها أخواني إذا أردتم أن تتكلموا بشكل علمي ومنهجي لابد أن تعرفوا المسائل لتتكلموا. هذا على مستوى الفلسفة. إذن على مستوى الفلسفة بغض النظر أن الأخوة الأعزاء يريدوا أن يدرسوا الفلسفة أو أن لا يريدوا أن يدرسوها ذاك بحث آخر، المهم أن الموجود في الفلسفة بأيدينا لا يتبادر إلى الذهن كله مأخوذ من سؤر غير المسلمين، هذا كلام غير علمي وغير دقيق من الناحية العلمية والمنهجية والتأريخية. طبعاً يكون في علمكم هذا الكتاب الذي الآن أمامي وهو متكون من (700 مسألة) هذا الكلام قبل (50) سنة، أما الآن فلعله عندنا (1000) مسألة فلسفية كما في علم الأصول أنتم أقرأوا (عدة الأصول) وانظروا عدد المسائل فيه، أما الآن في تقريرات المعاصرين من أعلامنا وانظروا على عدد مسائل علم الأصول، بطبيعة الحال هذه العلوم تزداد مسائلها وتنمو وتكبر وغير ذلك.

في المنطق أنتم أتصور أنه واضح أمامكم أن المنطق الذي بأيدينا يسمونه المنطق الارسطي أيضاً الكلام هو الكلام أخواني الأعزاء، فقط للعناوين أشير والأخوة الذين يريدون التحقيق والمراجعة فليكتبوا هذا. هناك كتاب لمنطق ارسطو في مجلدات ثلاث بتحقيق عبد الرحمن بدوي، هذا الرجل كتب منطق ارسطو بثلاث مجلدات، وعبد الرحمن بدوي ترجم أكثر التراث الغربي تقريباً، بحدود 200- 250 كتاب ترجمها هذا الرجل، وبودي أيضاً أنت إذا كنت تريد أن تتكلم انظر إلى المنطق الذي كتبه الشيخ الرئيس في كتاب (الشفاء) لترى بأنه واقعاً فيه تقليد أعمى للمنطق الارسطي أو أن هناك عشرات بل مئات من المباحث التي لم تطرح في المنطق الارسطي وإنما طُرحت في العصر الإسلامي على نحو الفلسفة. ومن باب المعلومات العامة من القضايا اللطيفة التي تُذكر في المقام، تعلمون أن ابن سينا عنده كتاب في الطب اسمه (القانون) وعنده كتاب في المنطق والفلسفة سماه (الشفاء) مقتضى التسمية لابد أن أن يسمى كتاب الطب بـ (الشفاء) ويسمى الفلسفة والمنطق بـ (القانون) فإذا الأعلام الشيخ ماذا حصل له وبدل مكان الأسماء المفروض كان يسمي كتاب الطب الشفاء، طبعاً أول من وضع كتاباً بهذا الاسم هو الشيخ ابن سينا. هذه المسألة بإمكان الأخوة هناك مقدمة قيمة لإبراهيم مذكور في أول كتاب الشفاء، بودي أن تتطلعوا عليها حتى تعرفوا ماذا فعل ابن سينا في المنطق وماذا فعل ابن سينا في الفلسفة، لا اقل هذه المقدمة المؤلفة من 50 أو 60 صفحة طالعوها لتعرفوا تاريخ هذا العلم.

نأتي إلى الباب الثالث وهو العرفان، وما أدراك ما العرفان؟ أخواني الأعزاء ينقسم العرفان عندهم إلى العرفان النظري والى العرفان العملي، الآن أنا لا ربط لي بالعرفان العملي بل كلامنا في العرفان النظري، يعني كلامنا في نظرية وحدة الوجود، العرفان النظري منشأه الإسلام تربى في الإسلام أو يوجد في غير الإسلام خلاف شديد بين المؤرخين، بعض يرى أن هذا العرفان موجود أو أصله نشأ في الإسلام والذي وصل إلينا شيء آخر وبعض يقول لا، اساساً هذا أصله موجود في تأريخ الأمم منتوج بشري لا يعرف دين ولا يعرف مذهب ولا يعرف زمان ولا يعرف مكان، من قبيل الرياضيات، الرياضيات لا يوجد فيها رياضيات إسلامي أو غير إسلامي، الجواب بين وبين الله يقولون من المحال أن يكون عندنا رياضيات إسلامية وغير إسلامية لأن هذا السنخ من العلم ليس فيه ملة ولا مذهب ولا دين ولا زمان. والفيزياء كذلك فلا يوجد عندنا فيزياء إسلامية وفيزياء غير إسلامية. نعم، العلوم الإسلامية فيها إسلامية وغير إسلامية، يعني علم الإدارة وعلم الاقتصاد وعلم الإعلام، هذه قد يكون فيها إسلامي وغير إسلامي، أما الرياضيات والطبيعيات والطب والهندسة والكيمياء والفلك والجيولوجيا وغيرها ليس فيها إسلامية وغير إسلامية. وفي جملة واحدة أقولها لكم أن من اعتنى بهذه العلوم، أي المنطق والفلسفة والعرفان كان يعتقد أو يعتقدون أنها هذه من نتاجات العقل الإنساني، لا يفرق فيها هذا الدين أو هذا الدين. كيف أنه أنت في العلوم الطبيعية الآن عندما تريد أن تستفيد من التكنولوجيا الكمبيوتر إسلامي أو ليس بإسلامي؟ الجواب إذا سألك أحد هكذا سؤال تقول له هذا لا معنى له أن يكون الكمبيوتر إسلامي أو غير إسلامي فهذه قضية علمية أو تكنولوجيا من منتوجات العقل الإنساني إن كانت نافعة نستفيد منها وإن كانت مضرة ندفعها. الذين أمنوا بأهمية المنطق والفلسفة والعرفان قالوا أن هذه منتوجات للعقل الإنساني نقرأها وندرسها إن كانت نافعة نأخذها وإن كانت مضرة نرفضها. كما في أي منتوج إنساني آخر، ولذا أنا نصيحتي هنا لأبنائي وأخواني هو أنه أساساً لا أدعوهم لأن يدرهم هذه العلوم ولكن ليذهبوا في الرتبة السابقة ليحققوا الأصل الموضوعي أن هذه علوم واقعاً نافعة أو ليست بنافعة، فإن ثبت لهم، لا بالتقليد، فإن ثبت لهم أنها غير نافعة، كما أنه أنت الآن الكثير من منتجات العقل البشري في العلوم الإنسانية والعلمية تقول غير نافعة وتطردها. أما أنه تقليداً هذه لأنه جاءت إلينا من الغير فهي لا قيمة لها هذا كلام أتصور ليس علمي.

في حوزاتنا العلمية تعلمون أن هناك خطان وجناحان واتجاهان ومدرستان عبروا عنهم ما شئتم، اتجاه، جناح، مدرسة، وتأريخياً كلاهما موجودة وليست بجديدة، تؤمن بضرورة هذه المعارف للتوفر على المعرفة الدينية، كيف أنت تؤمن لكي تفهم الدين أنك تحتاج لكي تفهم الفقه تحتاج إلى علم الأصول، هؤلاء يقولون أن جملة من المعارف الدينية لكي يفهم نحتاج إلى المنطق الارسطي وإلى المباحث الفلسفية والعرفانية، جناح موجود وتأريخ طويل يبدأ من ابن سينا، وأنا لا أعلم ماذا تعتبروا ابن سينا، ولكنه هذه الكتب المطبوعة في مصر انظروا الرجل عندما يبدأ كتابه كيف يبدأ. في أول ما يبدأ الشفاء يقول (قال الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا أحسن الله إليه وبعد حمد الله والثناء عليه كما هو أهله والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين) وصحبه المنتجبين غير موجودة. (وآله الطاهرين) أنت من حقك أن تقول أن هذا ينسجم من الإسماعيلية، المهم أن الرجل سني أو ليس بسني؟ هل هناك سني يتكلم بهذا الشكل، وبودي أن ترجعوا إلى مباحث الإمامة في آخر الشفاء وطالعوه لتروا ماذا يقول في الإمامة وبعد ذلك احكموا على الرجل أنه من هذا الاتجاه أو ذلك، لعل هذا الرجل من علمائنا، ويوم القيامة يقال لك لا أقل يا أخي كنت طالعت ما كتبت لترى أنا منكم أو لا، لماذا تشتمني، لماذا تقول على فضائياتك أنا كافر، لا تعتقد قل أنا لا أعتقد بهذا العلم أنت حر، أما أنه هذا كافر، لماذا؟! اقرءوا ثم أحكموا.

يوجد جناح كما قلت يؤمن بضرورة هذه العلوم ويوجد جناح يؤمن برفض هذه العلوم واستنكار هذه العلوم وأنا رجائي من الأخوة الذي يريد أن يؤمن فليؤمن عن بينة والذي يريد أن يرفض فليرفض عن بينة، ليؤمن من أمن عن بينة ويرفض من رفض عن بينة، لا عن تقليد وعن أجواء وعن محيط، وعن كبرنا في حوزاتنا العلمية، أنا لا أتصور أن هذا لا يكون بطالب العلم، نعم عموم الناس قد يليق بهم هذا الكلام أما هذا فلا يليق.

الرافضون لهذه العلوم عندهم مجموعة من الشبهات أشير إلى مصدرها ومراجعتها للأخوة الذين يراجعون وأمر عليها مروراً، لماذا هذا الكلام؟ قد يقول لي قال سيدنا بحثنا في علم الأصول ما ربط هذا الكلام بمحل بحثنا؟ الجواب: أقسم غداً سندخل إلى علم الأصول و50% منه منطق وفلسفة وعرفان، فماذا أفعل؟! هذه كلها أحذفها من علم الأصول، بسم الله الرحمن الرحيم لكل علم موضوع وتعريف ومبادئ ونتائج الرؤوس الثمانية. وهذا كلام اليونانيين وليس كلام الإسلاميين، لماذا يأتي في أول علم الأصول، لأي سبب؟ وجاء مثل محمد باقر الصدر وبحث في مجلد كامل في هذه المقدمات، هل أحذفها، وبمجرد أن أحذفها أنت تقول لي إذن عندما قلنا ليس بعالم، أبقى فيها وهي سؤر غير المسلمين وهي أبحاث غريبة، ابحث لي في آية أو رواية من أهل البيت تقول أن لكل علم موضوع. غير موجود هذا. نحن لا نعيش في حوزاتنا العلمية في جزر منفصلة يعني هذا الذي يؤمن بالفقه لا ربط له لا بالفلسفة ولا بالعرفان ولا بالمنطق. هذه العلوم متداخلة، ولذا تجد حتى الذي ينكر الفلسفة والعرفان والمنطق أقرأ دورته الأصولية تجد منها 50% فلسفة ومنطق. إذن أنت شئت أم أبيت لابد أن تتوفر على هذه الأبحاث، ما لم تتوفر لا تفهم دينك. نعم، إذا المدرسة التفكيكية استطاعت ولم تستطع إلى الآن، إذا استطاعت المدرسة التفكيكية أن تكتب لنا عقيدة وفقهاً وأخلاقاً وأصولاً ولا يوجد فيه شيء لا من الفلسفة ولا من العرفان ولا من المنطق ولا من العلوم المستوردة من الآخرين عند ذلك قولوا تعالوا أدرسوا هذه الدروس ولا تدرسوا هذه الدروس، المتوفر عندنا في حوزاتنا العلمية الآن هذه الدروس التي تداخلت وتشابكت فيها كل هذه العلوم، واحدة من خصوصيات هذه الدورة أننا سنبين هذه المسألة التي عبرت عنها في مقدمة كتاب (لا ضرر ولا ضرار) بتجذير المسائل، إن شاء الله في كل مفردة مفردة في مسائل علم الأصول سأقول لك من أين أتت، يعني جذرها أين، وكيف تحولت وجاءت على علم الأصول. لأنه كثير من الأحيان أنت لا تعلم ما هي طبيعة هذه المسألة، طبيعتها فلسفية، طبيعتها منطقية، طبيعتها عرفانية، طبيعتها مرتبطة بعلوم أخرى لا علاقة لها بالعلوم الدينية، ولكن علماء الأصول وجدوا لها ضرورة فجاءوا بها إلى علم الأصول ولكن ماذا صنعوا لها؟ بعض العصافير يصبغوه باللون الأحمر فتتصور أنه … بعد ذلك بمجرد نزول المطر عليه يتضح أنه عصفور أو لا … جملة من مسائل علم الأصول عندنا عندما جاءت إلى البحث الأصولي صبغت بصبغة أصولية، وإلا هي ليست مسائل أصولية بل مسائل فلسفية ومنطقية، ولكن لأن بعض الذين درسوا ودرّسوا الأصول لم يكونوا مطلعين على المباني الفلسفية والمباني الكلامية والمباني العرفانية لم يلتفتوا إلى أصل هذه المسألة، وإلا اعتبارات الماهية في بحث المطلق والمقيد، أنت ابحثها في محلها في بحث المطلق والمقيد، ونحن نبقى ستة أشهر في اعتبارات الماهية، هذه مسألة فلسفية وعرفانية خالصة لا علاقة لها لا بالأصول ولا بالفقه ولكن دخلت على علم الأصول وصارت جزءً مكوناً من المكونات الأساسية لبحث المطلق والمقيد، الآن لو سألتك المطلق ما هو، أنت تذهب إلى أقسام الماهية اللا بشرط المقسمي والقسمي والمهملة، مهملة ومقيدة ومطلقة مقسمي وقسمي، هذه التقسيمات أين في آية أم في رواية مباحث أصولية. والله أبداً كلها مباحث منطقية وفلسفية.

أخواني الأعزاء الأخوة الذين يريدون المراجعة، طبعاً أنا باعتقادي أن هناك مجموعة شبهات تدور حول ثلاث أو أربع شبهات أو تساؤلات، واحدة منها أن هذه ليست علوم من الكتاب والسنة وليست من العترة والقرآن، ونحن لا نلتزم بما هو خارج عن الكتاب والسنة، والله أقسم لو أجد كتاباً استطاع أن يكتب معارف الدين من غير حاجة إلى غير كتاب، كونوا على ثقة أول من يبشر به أنا، ولكن دلني على مثل هذا الكتاب، أين هذا الكتاب الذي اقتصر على الكتاب والسنة، في النتيجة أما أستعمل قواعد منطقية أو استعمل قواعد كلامية أو هو أسس مجموعة من القواعد العقلية، أنا ذكرت هذا مراراً للأخوة الأعزاء أن صاحب الحقائق يقول أننا لا نريد الأصول، ولكن اقرءوا الجزء الأول في مقدمة الحدائق ماذا كتب؟! أربعة عشر مقدمة ذكر. أقرأوا الدرر النجفية لصاحب الحدائق وانظروا ماذا كتب، والله دورة أصولية كاملة ولكنه لا يعجبه أن يسميها أصول. أكثر من ذلك، اذهبوا إلى الاسترآبادي وهو مؤسس هذا الاتجاه ماذا كتب؟ كتاب (الفوائد المدنية) أقرأ الفوائد المدنية والله هي دورة أصولية، نعم أصول بالطريقة التي هو يعتقد بها، أنا لا أختلف معه، ولكن أنت لا تستطيع أن تدخل الكتاب والسنة من غير تأسيس قواعد، هو هذا. نعم، أنت تقول لي أن القواعد خمسين أنا أقول لك مئة وخمسين، هذا بحث صغروي وإلا أصل الكبرى متفق عليه. هذه شبهة وهي أنها مستوردة. طبعاً يكون في علمك لا تتصور أن هذا الاتجاه عند الشيعة فقط، بل موجود عند مدرسة الصحابة موجود بنحو أشد، يعني الاتجاه الحنبلي أيضاً نقاشهم مع الأشاعرة والمعتزلة ويكفرونهم، الذين يسمون أنفسهم أهل السنة والجماعة، هؤلاء حنابلة، أنت تتصور أن أهل السنة والجماعة لا توجد عندهم هذه المشكلة. لا، بل هي موجودة أيضاً. هذا إشكال.

الإشكال الثاني يقولون وقع فيها اختلاف كثير، ثم أنا أضيف أيضاً لهم {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} وحيث وجدنا الاختلاف الكثير إذن من عند الله أو من عند غير الله؟ من عند غير الله. بينكم وبين الله إذا صار علم من العلوم مستورد هذا كافٍ لإغلاق بابه أو ليس بكافٍ؟ إذا قلتم كافٍ فبيني وبين الله كل العلوم الإنسانية وكل العلوم الطبيعية والتكنولوجية علوم مستوردة فأغلقوا بابها. أكثر من ذلك، لو كان الاختلاف سبباً في غلق باب من الأبواب في صرف الخمس في زمن الغيبة عندنا أقوال متعددة؟ فقط صاحب الحدائق أشار إلى أربعة عشر قولاً، وأنا في كلمات الآخرين وجدت ستة أقوال أخرى، فلا اقل هناك عشرين قولاً، فهل نسد باب الخمس أو لا نسده؟! تنطبق عليه الضابطة (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) فوقع الاختلاف، صلاة الجمعة هل نسد بابها أو لا؟ صلاة الجمعة ما هي الآراء فيها؟ ارجعوا إلى أي رسالة في صلاة الجمعة يقول فيها جميع الأحكام التكليفية الخمسة، طبعاً في زمن الغيبة، يعني قائل بالوجوب وقائل بالحرمة وقائل بالاستحباب وقائل بالكراهة وقائل بالإباحة والتخيير. هل يغلق الباب أو لا يغلق الباب؟! كيفية إدارة الأمة، هذه مسألة ولاية الفقيه، وصلاحيات ولاية الفقيه في زمن الغيبة ابتداءً من نظرية الولاية المطلقة للفقيه في زمن الغيبة وهي نظرية السيد الإمام، إلى نظرية الحسبة التي لا صلاحية فيها للفقيه في زمن الغيبة. انظروا إلى آخر الجزء الأول من التنقيح، الاجتهاد والتقليد للسيد الخوئي، يقول: وظيفة الفقيه في زمن الغيبة شيئان، كتابة رسالة عملية والقضاء وفض الخصومة بين المتخاصمين، حتى الهلال لا صلاحية له فيه، هذا رأي. وأين صلاحيات الإمام له وأين ليس له صلاحيات حتى في قضية الهلال!! هذا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. في بعض الكتابات تابعت هذه القضية وجدت يوجد في المسألة أربعين قولاً. من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، هل نغلق الباب عليه لوقوع الاختلاف فيه؟ ودلني في أي مسألة فقهية لم يقع الاختلاف، هذا البحث موجود بشكل تفصيل في (تفسير الميزان، ج5، ذيل الآية 15 و19 من سورة المائدة) (كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن) في النتيجة أخواني الأعزاء نحن في أي مفردة دينية إما ضرورية ولا بحث لنا فيها، والضرورات كم هي، الآن الإمام عندنا بحث هل أنها من الضروريات أم لا؟ إذن تبين أن الضروريات على عدد أصابع اليد وما بعدها كلها نظريات، وإذا صارت نظريات يعني تحتاج إلى فكر أو لا تحتاج إلى فكر؟ تحتاج إلى اجتهاد أو لا تحتاج إلى اجتهاد؟ ما هي أدواتك للاجتهاد في المعارف الدينية؟ في النتيجة لابد في المقدمة أن تخلص، يعني لابد أن تحدد مسيرتك وطريقك، أنا الآن أمامي هذا الدين بهذه السعة التي تبدأ من مباحث التوحيد إلى كيفية الدخول إلى بيت الخلاء، هذه كلها معارف دينية، كم منها ضروريات؟ عدد أصابع اليد هذه التي اتفق عليها، بل حتى التوحيد متفق عليه أو لا؟ واحد يقول مجسم واحد يقول ليس مجسم، واحد يقول له حد وآخر يقول ليس له حد، القضية واسعة النطاق جداً، أنت الآن جئت إلى هذا التراث مع ما فيه تريد أن … مرة أنت الله رازقك عندما تواجه مشكلة ترسل (مسج) للإمام الحجة وهو يجاوب، ومرة أنت لابد أن ترجع إلى النص الديني كتاباً ورواية، آلياتك للتعامل مع النص الديني ما هي؟ أسسك وقواعدك ما هي؟ هناك عدة مناهج، هذه الأيام تسمعون أن هناك تعدد قراءات للنص الديني، نظريات متعددة في فهم النص الديني، أنت أي نظرية تتبعها؟

وبعد ذلك إن شاء الله بنحو الإجمال عندما نأتي إلى أهمية علم الأصول سيتضح بأنه لا يمكن للإنسان أن يدخل على علم الفقه وهو ليس مسلحاً بمجموعة من القواعد، أصلاً غير معقول ومحال عملياً. نعم، أنت قد تقول لي عشرة كافية وأنا أقول لك أنا أحتاج مئة، ذاك بحث آخر.

السيد العلامة هناك في بحثه يقول (كلام في طريقة التفكر الديني، يقول بأن هناك شبهات متعددة كقول بعض المتكلمين لو كان المنطق طريقاً موصلاً لم يقع الاختلاف بين أهله) هذه الشبهة التي ذكرتها. (إن هذه الأصول إنما روجت بين الناس للوقوف أمام أهل البيت عليه أفضل الصلاة والسلام) جعلوا من هذه دكاناً حتى يغلقوا دكان أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، هذا في الوسط الشيعي لا في الوسط الإسلامي. (إن السلوك العقلي والنتائج العقلية قد تخالف مسلمات الكتاب والسنةّ إن جميع ما نحتاج إليه موجود في الكتاب والسنة) (إن طريق الاحتياط يقتضي الاقتصار على الكتاب والسنة) وتقريباً ثمن شبه، إن شاء الله الأخوة يراجعونها ويطالعونها بدقة والأجوبة الموجودة فيها.

إذن إلى هنا أخواني الأعزاء فتحصل في الأمر الأول وهو تأريخ هذا العلم، القسم الأول من هذا العلم هو العلم الذي جاءنا من الخارج ويوجد اتجاهان في قبوله ورفضه، القسم الثاني وهي العلوم التي نشأت وترعرعت ونضجت في البيئة الإسلامية، في بيئة الفكر الإسلامي، من قبيل علم الحديث، علم الحديث لم نأخذه من الخارج، من قبيل النحو، علم النحو لم نأخذه من الخارج، وكذلك من قبيل علم الأصول، هذا الذي الآن في حوزاتنا العلمية نصطلح عليه بعلم الأصول، نحن لو رجعنا إلى تأريخه لا نجد تأريخاً لهذه المسائل ما قبل الإسلام، لعله كان ولكنه لم يصل إلينا، أنا لا أريد أن أقول لا يوجد، أريد أن أقول أن هذا الموجود بأيدينا لم نستنسخه من مكان آخر، وإنما نحن أحدثناه وأوجدناه.

سؤال: وهي المشكلة الأصلية، هذا العلم الذي نحن أحدثناه، الإسلاميين أعم من هذا الاتجاه أو ذاك الاتجاه، هذا بقي نقياً أو صار مختلطاً؟ الآن عندما تقرءون علم الأصول نقي ليس فيه فلسفة، ليس فيه منطق، ليس فيه مسائل كلامية أخرى جاءتنا متفق عليها، أو فيه كل هذه؟

إذن في النتيجة رجعنا إلى المربع الأول، في النتيجة سواء قبلنا أنه علم مستورد أو علم غير مستورد في النتيجة دخل إلى أحشاء وبطن حتى العلوم التي أنشأناها نحن، وخير شاهد على أقول الأخوان الأعزاء ما ورد في كتاب (المعالم الجديدة، ص112) للسيد الشهيد الصدر، بودي أن يلتفت إلى هذا العنوان فقط ولا نحتاج إلى الإطالة، (مصادر الإلهام للفكر الأصولي) هذا الفكر الاصولي الذي بأيدينا من أين استلهم جملة من نظرياته، واحدة منها يقول علم الكلام واحدة منها يقول علم الفلسفة، واحدة منها أنا أضيفها علم المنطق، يعني أنت بينك وبين الله الأبحاث المنطقية تستفيد منها في علم الكلام، الشكل الأول والشكل الثاني، قياس استثنائي، اجتماع الضدين، تقول لي: هذه أمور عقلية، هذا هو المدعى، نحن نقول أن هذا منتوج عقلي إنساني، وإلا فأبحاث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي قائمة على أي أساس؟ قائمة على التضاد بين الأحكام الظاهرية، ثم لابد أن تدخل في شرائط التضاد وفي شرائط التناقض، الوحدات التي منها التناقض ومنها التضاد، هذه كلها أبحاث منطقية.

إذن سواء قلنا أن علم الأصول علم محدث عندنا وقبلنا أن الفلسفة والعرفان والمنطق علم مستورد هذه العلوم من الناحية النظرية نقول فلسفة غير الأصول، أصول غير الفقه، ولكن من الناحية العملية والتطبيقية هذه متداخلة أو جزر مستقلة؟ متداخلة، إذا كانت متداخلة كعالم وكمحقق شخص تريد أن تبين الأداة التي تعتمدها لا طريق لك إلا هذه المجموعة من العلوم الموجودة في الحوزات العلمية تقف عندها جيداً. هذا تمام الكلام في الأمر الأول. إن شاء الله الأمر الأول والثاني يوم غد. والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات