الأخبار

المحاضرة (5)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

قلنا بأن هناك مجموعة من المسائل والمقدمات التي ذكرت في أول مباحث علم الأصول، هذه المقدمات وإن كانت بنحو من الأنحاء لا علاقة لها بمباحث علم الأصول ولكنها بنحو آخر مرتبطة أيضاً بعلم الأصول، لأنه إذا ثبت أن هناك ضرورة علمية تثبت لنا أن لكل علم موضوع إذن لعلم الأصول أيضاً موضوع، وإذا ثبت لنا بالدليل أن العلم ومسائل العلم هي ما تبحث عن العوارض الذاتية لموضوع العلم إذن لابد في المقام أيضاً نعرف ما هي الأعراض الذاتية لموضوع علم الأصول، وإذا ثبت أن تمايز العلوم إنما يكون بالموضوعات إذن علم الأصول أيضاً يتمايز عن علم الفقه بالموضوعات، وهكذا باقي المسائل، إذن ليست القضية أجنبية عن بحثنا، ليس الأمر كذلك، نعم قد يقول قائل أن هذه المقدمات ليست مختصة بعلم الأصول، نعم، هذه تأتي أيضاً في الفلسفة وفي الكلام وفي التفسير، إذا ثبت أن لكل علم موضوع، هذه سيالة لكل ما يسمى علم فهو يحتاج إلى موضوع.

ذكرنا بالأمس أن مفتاح هذه الأبحاث جميعاً هي مسألة هذه القاعدة الكلية أن لكل علم موضوع، وأنه إذا ثبت ذلك ترتبت تلك النتائج وإذا انتفى ذلك انتفت تلك النتائج، يعني إذا لم يثبت أن لكل علم موضوع، فتمايز العلوم ليس بالموضوعات، إذا لم يثبت أن لكل علم موضوع إذن الوحدة له وحدة حقيقة أو ليست له وحدة حقيقية؟ ليست له وحدة حقيقية، إذا لم يثبت أن لكل علم موضوع إذن يوجد منهج واحد في تحقيق مسائل ذلك العلم أو قد تتعدد المناهج؟ قد تتعدد المناهج، وهكذا باقي المسائل. إذن إذا ثبت لكل علم موضوع تترتب هذه النتائج، وإذا لم يثبت أن لكل علم موضوع لا تترتب هذه النتائج، إذن كان ينبغي من الناحية الفنية ومن الناحية المنهجية قبل أن ندخل إلى بحث علم الأصول أن نعرض لهذه القضية حتى نعرف أنه يوجد لكل علم موضوع أو لا يوجد، وهذا ما فعله كثير من علمائنا لا اقل في المئة سنة الأخيرة، عندما دخلوا في هذه الأبحاث دخلوا أولاً في بحث هل يوجد لكل علم، طبعاً يكون في علمكم أن المحققين منهم قدموا بحث أن لكل علم موضوع على تعريف علم الأصول، البعض قدم تعريف علم الأصول على ذاك، هذا من الناحية الفنية غير صحيح، الصحيح أن يثبت أن لكل علم موضوع وبعد ذلك نسأل ما هو تعريف علم الأصول، لأنه ثبت لكل علم موضوع، وعلم الأصول علم إذن له موضوع وله تعريف وله غاية وله مسائل وله منهج … أما إذا لم يثبت ذلك انتهينا وندخل مباشرة في أبحاث … ولذا بالأمس ذكرنا للأخوة الأعزاء قلنا أنه بنحو الإجمال وبقدر ما يمكنني أحاول كما وعدت الأخوة بالأمس أن أشير إلى المسائل الضرورية أولاً لا كل المسائل، وثانياً بقدر ما يمكن أحاول أن ابتعد عن الاصطلاح، لأن الاصطلاحات كل اصطلاح منها يحتاج إلى توضيح في نفسه، عندما أقول ذاتي ما هو مرادي من الذاتي، عندما أقول غريب ما هو مرادي من الغريب. بقدر ما يمكن نبتعد عن الاصطلاحات ونوضح المطالب بالقدر الذي ينسجم مع هذه الأبحاث.

قلنا توجد اتجاهات ثلاثة:

الاتجاه الأول: وهو الذي يعتقد أن لكل علم موضوعاً خاصاً به، ولا يفرق عنده بعد ذلك أن يكون هذا العلم كالفلسفة، لا أقول علم حقيقي حتى تقول لي ما هو مقصودك من العلم الحقيقي، ولا أعبر عن علم النحو بأنه علم اعتباري حتى تقول لي سيدنا ما مقصودك من الاعتباري، أحاول أن أبين، تعرفون واحد من أقسام التعريف في المنطق التمثيل، هذا التمثيل أنا أقول لا كعلم الفلسفة، لا كعلم الرياضيات، هؤلاء يقولون أن لكل علم موضوعاً خاصاً به، سواء كان العلم من قبيل علم الرياضيات، بعد ذلك سأبين خصوصيات هذه العلوم، الآن لا أبيع أقسام العلوم ما هي، سواء كان من قبيل الفلسفة أو كان من قبيل الرياضيات أو كان من قبيل النحو والصرف والبلاغة ونحو ذلك، أو كان من قبيل الفقه، أو كان من قبيل الجغرافية والتاريخ والطب إلى غير ذلك، أو كان من قبيل القواعد الأصولية، أنت عندما تأتي إلى الأصول عندك قضية، تقول خبر الواحد حجة، وفي الفلسفة عندك قضية ومسألة تقول الله واجب الوجود، هذه قضية وهذه قضية، وفي الفقه أيضاً عندك مسألة وقضية فيها موضوع ومحمول، تقول صلاة الجمعة في زمن الغيبة واجب، مستحب، مخير، وفي النحو عندك أيضاً مسألة تقول الفاعل مرفوع، والمبتدأ حكمه كذا وكان حكمها كذا. يوجد فرق بين هذه الأقسام أو لا يوجد فرق هؤلاء قالوا سواء كان قولنا: الله موجود، أو كان قولنا: الأربعة زوج، ذاك في الفلسفة وهذه في الرياضيات، أو كان قولنا الأرض كروية وتدور بحركة دائرية وهي مرتبطة بعلم الطبيعيات، أو كان قولنا القطب الشمالي والقطب الجنوبي يعني مرتبط بالجغرافية، أو كان قولنا بالجيولوجيا أو كان قولنا بالطب، أو كان قولنا: الظهور حجة، أو كان قولنا: الصوم واجب، أو كان قولنا في علم التجويد: يرملون حكمها كذا، أو كان قولنا: الفاعل مرفوع، كل أنواع العلم لكل علم موضوع. في مسائل ذلك العلم نبحث عن عوارضه الذاتية. هذا الاتجاه الأول. وهو تقريباً هو المشهور في المئة سنة الأخيرة، لماذا أقول المئة سنة الأخيرة؟ باعتبار أنه قبل صاحب الكفاية هذه الأبحاث لم تكن مطروحة، أنتم الآن ادخلوا إلى الأبحاث التي كتبت عن الشيخ الأنصاري تجدون بأنه عندما يبحث مباحث الألفاظ الذي أسماه (مطارح الأنظار) يبحث في الصحيح والأعم، كل المقدمات الأخرى غير موجودة، لا المعنى الحرفي والوضع ولا التعريف ولا الموضوع، أبداً، بسم الله الرحمن الرحيم في الصحيح والأعم، نعم من زمن صاحب الكفاية هذه المسائل دخلت إلينا كما أشرنا فيما سبق، والأعلام بعد ذلك عموماً كان محور الأبحاث هو الكفاية ولذا كل الدورات الأصولية والشروح بشكل وبآخر انتهجت نفس هذا المنهج.

سؤال: من الأعلام صرح بهذا؟

جملة من الأعلام صرح بهذا، ومنهم صاحب الكفاية نفسه، وفي الأمس قرأنا عبارته كاملة في هذا المجال، قال: (بسم الله الرحمن الرحيم فأما المقدمة ففي بيان أمور، إن موضوع كل علم) وتجدون أنه مباشرة يبدأ في أي بحث؟ لا يبدأ في تمايز العلوم، ولا في الأعراض الذاتية، بل في موضوع كل علم، لأنه هو المفتاح الذي تترتب عليه، إن ثبت ثبت ما سواه وإن لم يثبت لم يثبت ما سواه. (وهو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتية أي بلا واسطة في العروض ونفس موضوعات مسائله عيناً وما يتحد معها خارجاً وإن كان يغايرها مفهوماً تغاير الكلي ومصاديقه والطبيعي وأفراده والمسائل عبارة عن جملة من قضايا متشتتة جمعها اشتراكها في الداخل في الغرض الذي لأجله دون هذا العلم فلذا قد يتداخل بعض العلوم في بعض المسائل مما كان له دخل في مهمين لأجل كل منهما دون علم على حدة فيصير من مسائل العلمين لا يقال فأنه يقال … وقد انقدح بما ذكرنا أن تمايز العلوم لأجل كذا … وقد انقدح بما ذكرنا أن موضوع علم الأصول هو الكلي المنطبق على موضوع مسائله المتشتتة لا خصوص الأدلة الأربعة بما هي أدلة ولا بما هي هي) هذا النزاع المعروف أن موضوع علم الأصول ما هو، إذن أولاً أشار إلى هذه المقدمة في صفحة وصفحتين ثم رجع إلى محل الكلام وهو علم الأصول. وبعد ذلك، كل من جاء وعلق ولعله هناك مئة تعليقة وشرح على الكفاية وبهذا صارت عادة جارية أن تبحث هذه الأبحاث.

وممن أشار إلى ذلك، طبعاً يكون في علمكم، محل الشاهد هنا عندما ذكر القاعدة وهي أن لكل علم موضوع ميز بين أنحاء العلوم أو لم يميز؟ أبداً، ذكر القاعدة ثم طبقها على علم الأصول، مع أن قولنا: الواجب موجود، وقولنا: الظهور حجة، النسبة بين الموضوع والمحمول في هاتين القضيتين واحد أو مختلف؟ العلاقة بين قولنا: الأربعة زوج، وأن الظهور حجة، هذه العلاقة بين الموضوع والمحمول فيهما واحد أو متعدد؟ اثنين، لماذا؟ لأن قولنا: الأربعة زوج، يكون ثبوت الزوجية للأربعة بنحو ضروري ويستحيل انفكاك المحمول عن الموضوع، يعني لا فقط ثبوت المحمول للموضوع، ولا فقط عدم انفكاك المحمول عن الموضوع، بل وأن ثبوت المحمول للموضوع بنحو الجزم الذي يزول أو لا يزول؟ لا يزول، ويمكن أن ينفك عن؟ الجواب: يستحيل أن ينفك عنه، هذا الذي يعبر عن الشيخ باليقين المضاعف، أما قولك: الظهور حجة، يستحيل الانفكاك أو لا يستحيل الانفكاك؟ لا يستحيل الانفكاك، ولذا الكثير من علمائنا قالوا بأن الظهور في القرآن ليس بحجة، خبر الواحد حجة أو ليس بحجة؟ جملة من علمائنا ذهبوا إلى حجية خبر الواحد، وأعلام من كبار علمائنا قالوا بعدم حجية خبر الواحد. فإذا كانت القضية من قبيل القسم الأول يمكن الاختلاف فيها أو لا يمكن؟ هذا يكشف أن النحو الأول من القضايا يختلف عن النحو الثاني من القضايا، هنا صاحب الكفاية لم يميز بينهما، بل ذكر القاعدة لها جميعاً، وهذا هو الاتجاه الأول وهو أن القاعدة ثابتة لجميع العلوم، لا لبعض العلوم دون البعض الآخر، هذا مورد.

المورد الثاني ما ورد في كتاب (منتهى الأصول) أنصح الأخوة أن يكون هذا الكتاب بين أيديهم لأنه من الكتب الجيدة، لأن المتكلم فيه من الناحية الأصولية قوي وهو السيد حسن البجنوردي وكذلك من الناحية الفلسفية قوي وكذلك من الناحية الفقيهة فهو صاحب (القواعد الفقهية) فهو رجل عالم في أبعاد متعددة، وقد كان في معروفاً في زمانه بأنه من المحققين الكبار، الميرزا حسن الموسوي البجنوردي، طبعاً هذه الطبعة طبعة قديمة، ولكنه في أول الأبحاث، هناك يقول في أول صفحتين أو ثلاثة في الكتاب (وقد عرفوا موضوع كل علم بأنه ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية وأيضاً قالوا … ويظهر من هذين التعريفين أنه من المسلمات عندهم أن كل علم لابد له من موضوع، ولا فرق بعد ذلك … فقالوا موضوع علم الفقه) عندما يأتي إلى الأمثلة يضرب من كل العلوم، يعني من الفلسفة ومن الطبيعيات ومن الرياضيات ومن الطب ومن النحو ومن الفقه ومن الأصول، هذا معناه أن القاعدة تشمل جميع العلوم، لأنه يضرب أمثله لذلك ويقول في النحو موضوعه الكلم، من حيث الإعراب وعدم الإعراب، في الصرف موضوعه كذا، في الطب موضوعه كذا، في الفقه موضوعه كذا، في الأصول موضوعه كذا، إذن القاعدة مختصة ببعض العلوم أو شاملة لجميع العلوم؟ شاملة لجميع العلوم.

المورد الثالث ما ذكره سيدنا الأستاذ السيد الشهيد الصدر قدس الله روحه في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص41) (والواقع أن قاعدة أن لكل علم موضوعاً واحداً تدور حوله بحوثه ويمتاز به عن غيره من العلوم تشير إلى مطلب ارتكازي مقبول بأدنى تأمل) هذا لا أريد أن أقول تعريض بأولئك، يقول هؤلاء لو كانوا يلتفتون هذه قياساتها معها، ولكن لم يلتفتوا، وإلا القضية من الواضحات يقول (تشير إلى مطلب ارتكازي مقبول بأدنى تأمل) لم يقل بالدقة، بعد ذلك سوف نجد أنه أمثال أستاذه السيد الخوئي قدس الله نفسه يقول أن هذا من المحالات، انظروا الفارق، المسافة كم، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، علم يقول أنه ثابت بأدنى تأمل وآخر يقول واضح أنه من الممتنعات، (وبعد تصحيح هذين النقطتين صح أن يقال أن لكل علم موضوعاً يوحد بحوثه في محور واحد بنحو يتميز به عن العلوم الأخرى) إذن تمايز العلوم يكون بالموضوعات (وهذه الوحدة) إذن وحدة العلوم بوحدة ماذا؟ فإذا لم يكن للعلم موضوع واحد فهل العلم علماً واحداً أو لا، أنت سميه علم واحد ولكن علم واحد أو ليس علم واحد؟ لا، بل أن كل مسألة من علم، وهذا الذي قلناه أن مفتاح كل هذه المسائل هذه القاعدة إن ثبتت ثبت ما سواها، قال (وهذه الوحدة ثابتة ارتكازاً ووجداناً) إذن يجعلها من الوجدانيات (لكل علم) بلا أن يميز بين علم الفلسفة وبين علم النحو، بين علم الرياضيات وبين علم الطبيعيات، بين علم الفقه وبين علم الأصول. قال: (فبحوث علم النحو) إذن هذه القاعدة أين يطبقها السيد الشهيد رحمة الله عليه؟ يطبقها حتى في علم النحو، فهي غير مختصة بالفلسفة (فبحوث علم النحو مثلاً موضوعها الكلمة العربية وبحوث الفلسفة العامة أو علم الفقه موضوعها الوجود والحكم الشرعي) النحو واللغة والفقه والفلسفة والرياضيات ….

ومن الموارد الأخرى ايضاً الذي صرح أنه هو المشتهر كما قلت في كتاب (تحريرات الأصول، ج1، ص1) للسيد مصطفى الخميني ابن السيد الإمام قدس الله نفسه، يقول: (الناحية الأولى في أصل الحاجة إلى الموضوع في العلوم الحقيقية والاعتبارية) مرادهم من العلوم الحقيقة من قبيل الفلسفة والرياضيات، ومرادهم من العلوم الاعتبارية تلك العلوم التي لا توجد فيها ملازمة غير قابلة للانفكاك بين الموضوع وبين المحمول كالنحو، فقولنا الفاعل مرفوع، فلو فرضنا أن الأوائل كانوا قد جعلوا الفاعل مجروراً، ولهذا بعض أهل المعرفة يقول أن أهل النحو لا نعرف كيف نتفاهم معهم، تسأله من هو الفاعل في قولك (مات زيد) يقول الفاعل هو زيد، تقول هل هؤلاء مجانين، زيد فاعل أو مفعول به، مات زيد، زيد فاعل أو وقع عليه الفعل، ما هو تعريف الفاعل عندكم؟ ما صدر منه الفعل، كما تقول: ضرب زيد، مات زيد كيف، قام به الفعل، إذن لابد أن تأتي في علم النحو وتعرف الفاعل من جديد، فالتعريف المذكور تام أو غير تام؟

يقول: (في أصل الحاجة إلى الموضوع في العلوم الحقيقية والاعتبارية، وقد اشتهر هذا) أنا قلت أنه اشتهر في المئة سنة الأخيرة، لا أنه مشهور من زمن الشيخ الطوسي، طبعاً مثل هذه الشهرات لا قيمة لها لأن هذه مسائل عقلية لا علاقة لها بالمباحث الشرعية (وقد اشتهر هذا بين أبناء التحقيق وصار ذلك من الأصل المسلم والأمر المفروغ عنه وأن لكل فنٍ وعلم موضوعاً يمتاز العلم به عن الآخر ويكون هو) أي الموضوع (مورد البحث بأحواله وأطواره وخصوصياته وآثاره وأحكامه، وقد خالفهم الوالد المحقق) وبعد ذلك سيأتي هذا، أن السيد الخميني من القائلين بالاتجاه الثاني وهو إنكار أصل هذه القاعدة، لا إنكار هذه القاعدة في علم الأصول، ولذا هنا يقول (وقد خالفهم الوالد المحقق مد ظله) في ذلك الزمان (بإنكاره عليهم أشد الإنكار) قلت لك قبل قليل أن السيد الشهيد يقول بأدنى ارتكاز وهنا السيد الإمام سنقرأ بعد ذلك يقول وأشد شناعة.

هذه طبيعة العلم، ليس هناك علم ليس فيه اختلاف، يتذكر الأخوة في بداية أبحاثنا في علم الأصول قلنا إذا كان الاختلاف سبباً في غلق باباً إذن لابد أن نغلق كل العلوم، ليس هناك مسلمات في العلوم، والله أقسم لكم عشرات المسائل في الإمامة، ليست في التوحيد والنبوة، التي تعد في أوساطنا العلمية من المسلمات لتأتي إلى بساط البحث في حوزاتنا العلمية سيكون في كل واحدة منها خمس آراء، ولكن لأنها في الرفوف ويأكلها التراب نقول بأنها مسلمات، ليس هناك مسلمات، نعم هناك مجموعة من الواضحات كالأئمة اثنا عشر، هذه من المسلمات عند الإمامية، العصمة من المسلمات افترضوا، ولكن ما هي حقيقة العصمة، والله هناك أقوال عشرة، ما هي درجات العصمة؟ هناك عشرين قول فيها، ما هو علم الإمام؟ ثلاثين قولاً فيه، وهذا طبيعي جداً. وإذا كان نحن في باب الخمس الذي نقول بأنه من مسلمات فقه الإمامية، عندنا في باب مصرف الخمس أقوال متعددة، لا أقل صاحب الحدائق ينقل 14 قولاً، وأنا وجدت ستة أقوال أخرى إضافية، فتصبح حدود 20 قولاً، هذه من المسلمات من الروايات، ولكن فهمك غير فهمي وفهمي غير فهمك، وهذا طبيعي في العلوم، هذه هي طبيعة العلم الإنساني، كل علم عندما يدخل فيه العنصر البشري إذن اقبل منه الاختلاف. ولذلك خلقه كما في الآية، وذاك بحث آخر أن الله سبحانه وتعالى خلق البشرية أن يكونوا مختلفين أو أن لا يكونوا مختلفين؟ لا، أساساً سنة التكوين قائمة على الاختلاف، ولكن لابد أن توضع هناك ضوابط للاختلاف وقواعد للاختلاف.

هذا هو الاتجاه الأول.

الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه الذي يقول بالسالبة الكلية، بمعنى أنه لا دليل على أن لكل علم موضوعاً ينفرد به، بل الدليل قائم في عدد من العلوم أنه يستحيل أن يكون له موضوعاً، أولاً ينكر الكبرى، يقول لا دليل على أن يكون له موضوعاً، وثانياً يقول بعض العلوم كالفقه وأصوله، أصلاً يستحيل أن يكون له موضوع، بل هي موضوعات متباينة أشد التباين بل لا تباين بينها، بل لا تباين أعلى منها، مثل ماذا؟ رحمة الله على المحقق العراقي، هذا عراق العجم بتعبيرهم لا عراق العرب، هذه عراقي باعتبار أن أراك سابقاً كانت تسمى عراق العجم، ولهذا كانوا يسمونه العراقي بهذا اللحاظ، والآن سميت أراك وانتهت القضية، وإلا سابقاً كانت أراك تسمى عراق ولكن تقيد بعراق العجم، المحقق العراقي رحمة الله تعالى عليه، يقول: (وهل يعقل أن يكون هناك جامع بين الوجود والعدم) يقول في باب الصوم عندك هناك تروك يعني أمور عدمية، وفي الصلاة عندك أفعال يعني أمور وجودية وهل يوجد جامع بين الوجود والعدم؟ لا يوجد، لأن الوجود من شيء والعدم، الفلسفة لم تستطع إيجاد جامع بين الوجود والعدم، يأتي الفقه ويوجِد جامع بين الوجود والعدم! يقول تعالوا إلى الصلاة، الصلاة تجدون بعض أفعالها من الكيف المسموع، يعني القراءة، وبعض أفعالها من الكم، والمقولات في الفلسفة متباينة أو متداخلة؟ متباينة كما قرأتم في المنطق والفلسفة، فكيف يمكن أن تكون هناك، وهذه كل واحدة منها تقع موضوعاً لمسألة، القراءة واجبة، الجلوس واجب، ومن الواضح أن القراءة من مقولة والجلوس من مقولة أخرى، فهل يعقل أن يكون بين هذين المقولة وتلك المقولة جامع حقيقي، هذا موضوع وذاك موضوع، ولذا صرح بشكل قاطع أنه لا دليل على هذه الكبرى المشتهرة بين القوم أن لكل علم موضوعاً خاصاً به. هذا المعنى في (محاضرات في أصول الفقه، ج1، ص20) (وملخص ما ذكرنا أولاً أنه لا دليل على اقتضاء كل علم وجود الموضوع بل سبق أن حقيقة العلم) يعني حقيقة أي علم (عبارة عن جملة من القضايا والقواعد المختلفة بحسب الموضوع والمحمول) سيدنا لماذا اجتمعت في كتاب وعلم واحد، قال باعتبار مدخليتها في غرض واحد، لا أنها متسانخة ومتقاربة ولها جامع حقيقة وحدة، لا أبداً، هي متباينة ولكن كلها تؤدي إلى غرض واحد أو حداني (التي يجمعها الاشتراك في الدخل في غرض واحد دعا إلى تدوينها علماً واحداً. الثاني: إن البرهان قد قام) إذن على أصل الكبرى ينكر أصل الكبرى، على التطبيق يقول وفي بعض العلوم يستحيل أن يكون هناك موضوعاً واحد (قد قام البرهان على عدم إمكان وجود جامع مقولي بين موضوعات مسائل بعض العلوم كعلم الفقه وعلم الأصول)، بإمكانك أن تقول أنا أقلد السيد الخوئي في هذه المسألة، أن علم الفقه وعلم الأصول له موضوع واحد أو ليس له موضوع واحد؟ إذن كل الأبحاث المرتبطة أن لكل علم موضوع وتعريف وتمايز وكذا، كلها لا احتاجها، أنا مقلد لهذا الرجل في هذه المسألة، ثم أدخل في البحث اجتهد في …. ثم تأتي في مسألة في باب الاجتهاد والتقليد هل يمكن للمجتهد أن يقلد في الأصول ويجتهد في الفقه أو لا يمكن؟ لا أقل بعض المسائل الأصولية الواضحة تجتهد فيها، نحن في زمن العولمة والناس يبحثون عن السندويجات، يقول أقلد في مسألة انقلاب النسبة التي تحتاج إلى ستة أشهر لفهمها، أقلد أما السيد الصدر القائل بها أو فلان المنكر لها، فهل يمكن أو لا يمكن. هنا الآقايون يقولون إذا صار مقلداً في الأصول ومجتهداً في الفقه فالنتيجة تتبع أخس المقدمات، إذن هو مجتهد أو مقلد؟ اعترضوا عليهم بأن المجتهد يستحيل أن يكون مجتهداً في كل العلوم، نعم اجتهد في الأصول، في النحو والصرف واللغة والبلاغة والمنطق والكلام والتفسير هل يمكن أن يكون مجتهداً في هذه كلها، افترضوا أنه في التفسير والعقائد يمكن هذا، إلا أنه في النحو والصرف والمنطق يكون مجتهداً، ففي النتيجة نرجع إلى نفس الإشكالية وهو أنه إذا النتيجة تتبع أخس المقدمات فلم يقل أحد بالفرق بين المقدمات القريبة والمقدمات … وقد وجدت لا أقل مئتي صفحة في بحث هذه المسألة. ولعله فقط وجدت هذا الكلام وما وجدته في كتب كثيرة، وجدته في أستاذنا السيد رضا الصدر رحمة الله عليه وهو الأخ الأكبر للسيد موسى الصدر، عنده كتاب في الاجتهاد والتقليد، وهو من الكتب المفيدة والمهمة والقوية جداً، كان السيد يدرس الأسفار وقد حضرت عنده مقداراً من الجزء الأول والجزء العاشر من الأسفار، إذن هذا الاتجاه الثاني الذي يصرح به السيد الخوئي.

ثم يأتي في (ص23) يقول: (ولكن على ضوء ما حققنا سابقاً يتضح لك أن لا أساس فإنه يقوم على هذا وقد سبق أنه لا دليل عليه) على أن لكل علم موضوعاً (بل قد عرفت قيام الدليل على عدمه في بعض العلوم). ليس في كلامه تمييز، بل أنا الذي ميزت وإلا في كلام السيد الخوئي غير موجود، البعض مثل السيد مصطفى أشار قال أعم من الحقيقة والاعتبارية، ولكن السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه عندما قال لكل علم موضوع لم يقل أعم ولكنه ضرب أمثلة، وأنا اكتشفت من الأمثلة بأنه يتكلم عن الأعم، وهنا أيضاً لا يوجد أي تمييز بين الحقيقي والاعتباري. أنا أقول أنه ينفي حتى الفلسفة، هو ينفي الفلسفة والرياضيات والطبيعيات ولذا يناقش ملا صدرا يقول اشتبهت قلت أن للفلسفة موضوع، الفلسفة ليس لها موضوع، لماذا؟ لأن بعض مسائلها موضوعها الله، بعض مسائلها موضوعها الممكن، الواجب والممكن أي جامع مقولي بينهما؟ الواجب موجود، الممكن موجود، الجوهر موجود، العرض موجود، الجامع بين الجوهر والعرض هل هناك جامع مقولي؟ لا، لا يوجد لأن الجوهر والعرض من المقولات المتباينة. إذن هو ينكر حتى في الفلسفة والرياضيات. طبعاً في جملة واحدة أجابوا بأنه حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء عندما نقول الواجب موجود، الممكن موجود، الجوهر موجود، العرض موجود، الإنسان موجود، النفس موجود، الكيف موجود، هذا كله من عكس الحمل، وإلا واقعه الموجود واجب، الموجود ممكن، الموجود عرض، الموجود ثابت، الموجود متغير، إذن موضوع الفلسفة هو الموجود وهو محفوظ في جميع مسائل العلم، ذاك بحث لا أريد أن أدخل فيه، ولكن هو يشكل.

قال: (وكيف كان فقد ذهب غير واحد من الأعلام والمحققين في التفصي عنه) في الإشكالات التي ذكرها على القاعدة أن لكل علم موضوعاً (يميناً وشمالاً منهم صدر المتألهين في الأسفار) لإثبات أصل القاعدة، لا علم الأصول (إلا أن جوابه لا يجدي إلا في المسائل الفلسفية فقط) هذا إذن يقول هذا من باب مورد واحد وإلا كل مسائل الفلسفة لا يمكن أن نجمعها في جامع مقولي واحد، ولذا هناك حاجة مفصلة هنا لتوجيه أن ملا صدرا استطاع أن يحل المشكلة أو لم يستطع لإثبات أصل القاعدة.

وممن أيضاً أنكر وهو ما ذكره السيد الخميني قدس الله نفسه في (تهذيب الأصول، ص1) تقريرات الشيخ جعفر السبحاني (ثم أن وحدة العلوم ليست وحدة حقيقية) لماذا؟ لأنه ليس له موضوع، لأنا قلنا قبل قليل أن العلم واحد أو متعدد؟ قلنا تابع لوحدة الموضوع فإذا كان الموضوع واحداً فالعلم واحد وإلا فلا. ثم يقول في الصفحة اللاحقة (وأسوء حالاً) ذاك كان سيء الدعوى الأولى، هذه الدعوى الثانية (وأسوأ حالاً من هذا ما اشتهر من أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية وهناك مشكلة أخرى وهي أنهم قد التزموا على وجود موضوع للعلم ينطبق على موضوعات المسائل وإن شئت قلت أن السبر والتتبع في العلوم ناهض على خلاف ما التزموا به) في أن لكل علم موضوع وأنه في مسائل العلم يبحث عن العوارض الذاتية لذلك الموضوع.

إذن إلى هنا انتهينا إلى هذين الاتجاهين، الاتجاه الأول يعتقد بالموجبة الكلية في القاعدة، والاتجاه الثاني يعتقد بالسالبة الكلية في هذه القاعدة، طبعاً هذا لا ينافي أن تكون بعض العلوم قد يكون لها موضوع واحد، ولكن لا برهان يقول لابد أن يكون له، قد في الفلسفة تجد موضوع واحد، ولكن هذا لا يؤسس لك إذن لكل علم ضرورة وجود الموضوع.

الاتجاه الثالث وهو الذي يعتقد بأنه أساساً الحق لا مع الموجبة الكلية ولا مع السالبة الكلية وإنما لابد أن ننظر إلى طبيعة العلوم وإلى أقسام العلوم وبتعبير أدق ننظر إلى أقسام المحمولات ونسبة هذه المحمولات إلى موضوعاتها، فبعضها يشترط فيه أن تكون النسبة أن يكون موضوعاً واحداً وبعضها لا يشترط، هذا هو التفصيل في المسألة ولكن بلحاظ انقسام الموضوعات، إن شاء الله تعالى يوم السبت يأتي.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات