أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
قلنا بأنه في مسألة ضرورة وجود الموضوع لكل علم توجد اتجاهات ثلاثة، وبينا بأن هذه المسألة وهي ضرورة وجود الموضوع الواحد لكل علم تترتب عليها أمور كثيرة، الأمر الأول، من خلال وحدة موضوع العلم تثبت وحدة العلم، عندما نقول هذا العلم في قبال هذا العلم، علم الأصول في قبال علم الفقه، وهما في قبال علم الفلسفة، وهي في قبال علم النحو وهكذا. إذن الأمر الأول وحدة العلم حقيقة تابعة لوحدة موضوع العلم.
الأمر الثاني: إذا كان هناك موضوع واحد فمسائل العلم هي جميعاً أعراض ذاتية لموضوع ذلك العلم، إذن ما يقال أن موضوع كل علم ما يبحث عن عوارض الذاتية هذا متوقف على أن يكون للعلم موضوع واحد، وإلا إن لم يثبت ذلك فلا معنى لأن نسأل عن العوارض الذاتية لموضوع ذلك العلم.
الأمر الثالث: هو أن تمايز العلوم إنما هو بتمايز الموضوعات، هذا فرع أن يكون لكل علم موضوع حتى نقول أن تمايز العلوم بتمايز موضوعاتها.
الأمر الرابع: أن المنهج المتبع في تحقيق مسائل ذلك العلم إنما يتحدد من خلال موضوع العلم، إذا كان الموضوع مادياً فالمنهج تجريبياً، إذا كان الموضوع رياضياً فالمنهج يكون رياضياً، إذا كان الموضوع ميتافيزيقياً يعني ما وراء الطبيعة لابد أن يكون المنهج منسجماً مع ما وراء الطبيعة، فإذن لو سألنا ما هو المنهج المتبع في تحقيق مسائل علم الأصول؟ أنت من الناحية الفنية تجيب هكذا؟ تقول: أولاً عين لي موضوع علم الأصول حتى أقول المنهج والطريق المتبع في تحقيق مسائله. ما هو المنهج المتبع في تحقيق مسائل الفقه؟ بينك وبين الله نذهب إلى المختبر ونسأل أن صلاة الصبح ركعتين أو ثلاثة ركعات أو نسأل نصلي أو لا نصلي، أو نذهب إلى أي منهج، نذهب إلى المنهج النقلي لنرى أنه هل توجد آية أو رواية، باعتبار أن طبيعة هذا الموضوع فعل المكلف وفعل المكلف مربوط بالمشروط مرتبط بالله، مرتبط بالكتاب والسنة، أنت ليس من حقك في أبحاث الفقه أن تأتي لي بقواعد فلسفية، وليس من حقك في أبحاث الطب أن تأتي لي بقواعد فلكية، لا علاقة لهذا بذاك. المسألة الرابعة وهو ما هو المنهج المتبع في تحقيق مسائل أي علم، الجواب يحدده موضوع ذلك العلم. وأمور أخرى سنأتي عليها تباعاً.
طبعاً هذا البحث في صميم بحث الأصول، أنا وجدت بعض الأخوة يتصلون ويقولون أننا لم ندخل بعد في بحث علم الأصول، لا، هذا صميم بحث علم الأصول، لأنه إذا ثبت أن لكل علم موضوع وعلم الأصول علم، إذن لابد أن يكون له موضوع، وإذا كان له موضوع فلابد أن نبحث عن العوارض الذاتية للموضوع ثم نبحث عن المنهج المتبع في تحقيق مسائل ذلك العلم. وإلا إذا لم يثبت، لم يثبت أن لعلم الأصول موضوع، فلا نبحث هذه المسائل، وليس لها ضرورة، أخواني الأعزاء القضية خطيرة جداً في علم الأصول، لأنه إذا ثبت أن علم الأصول، أريد أن استبق الأبحاث وإلا فبحث هذا سيأتي بعد ذلك، حتى أن الأخوة يعرفون أن هناك ترابط وثيق بين هذه الأبحاث وأبحاث علم الأصول.
إذا ثبت أن لعلم الأصول موضوعاً خاصاً به، إذن لعلم الأصول أيضاً منهجاً خاصاً به، وليس من حقك في باب مقدمة الواجب تنتهج النهج العقلي ولكن في باب حجية خبر الواحد تنتهج النهج النقلي، فأن النهج العقلي غير النهج النقلي، أما كلها عقل وأما كلها نقل، لأن المفروض أن الموضوع واحد وله منهج واحد، تقول في علم الأصول ليس هكذا، نجد تارة عقل وتارة نقل وثالثة عرف ورابعة عقلاء وخامسة لغة في باب الوضع والمعنى الحرفي ما هو المنهج؟ هل نذهب ونسأل العقل، لا، هذا يكشف لك أن البعض يريد أن يقول هكذا، يقول إذن علم الأصول ليس له موضوع واحد، بل له موضوعات متعددة بدليل أنه تتبع فيه مناهج متعددة، ولذا أمثال أعلام مثل السيد الخوئي وغيره قالوا بأن علم الأصول ليس له موضوع واحد، وعلم الفقه ليس له موضوع واحد، إذن بماذا تمايز علم الأصول عن باقي العلوم، قال بالغرض المترتب عليه لا بموضوعه. إذن القضية في صميم بحثنا هذه المقدمات، ولا يتبادر إلى ذهنك أن هذه المقدمات يذكرها السيد لأنه يعجبه أن يبحث في المنطق والفلسفة يريد أن يبحث في المنطق والفلسفة، لا، بل هذه من صميم أبحاث علم الأصول.
قلنا توجد اتجاهات ثلاثة:
الاتجاه الأول: الموجبة الكلية، يعني كل ما صدق عليه علم فهو له موضوع واحد. هذه القاعدة لا تقبل الاستثناء، مثل القواعد العقلية والقواعد العقلية لا تقبل التخصيص، وعقلية الأحكام لا تخصص كما يقول السبزواري، إذا كان عندك حكم عقلي لا تستطيع أن تقول أن اجتماع النقيضين محال إلا في هذا المورد، لا يمكن، بعض يقول هذه قاعدة عقلية والقواعد العقلية لا تقبل الاستثناء، إذن كما أن للفلسفة موضوع واحد للرياضيات موضوع واحد وللنحو موضوع واحد وللصرف موضوع واحد وللفقه موضوع واحد وللطب موضوع واحد.
في المقابل السالبة الكلية، قالوا ننكر أن تكون هناك قاعدة اسمها لكل علم موضوع، ونفوا كل تلك النتائج التي رتبوها، هذه مقدمة. والآن بحثنا الأصلي.
الاتجاه الثالث وهو الذي فصل بين بعض العلوم والبعض الآخر، قال بعض ما يصطلح عليه علم له موضوع ويبحث عن عوارضه الذاتية والتمايز بالموضوعات والمنهج المتبع واحد إلى غير ذلك، وبعض العلوم أو ما يصطلح عليها في الحوزات العلمية أنها علم هي لا يشترط فيها ذلك لأنها ليست مشمولة للقاعدة العقلية، بعبارة أخرى أن هذه ليست علوم بالمعنى الاصطلاحي خارجة تخصصاً لا خارجاً تخصيصاً، القاعدة العقلية لا تقبل التخصيص، في اعتقادي بأنه لكي يتضح لنا هذا بشكل واضح لابد أن نعرف الضابطة التي على أساسها يمكن أن نقول هذه المجموعة من المسائل تشكل علم حقيقي، وهذه المجموعة من المسائل لا تشكل علماً حقيقياً. ما هي الضابطة؟ لماذا السيد الخوئي قدس الله نفسه يقول مجموعة مسائل علم الفقه ليس لها موضوع واحد، ويقر أن مجموعة مسائل الفلسفة لها موضوع واحد؟ لكن لا من باب الضرورة بل من باب الواقع الخارجي لها موضوع واحد، لا أنه من باب أن لكل علم موضوع. ما هي الضابطة؟
أخواني الأعزاء أنا أتصور بأن الضابطة تتوقف على فهم، بقدر ما يمكنني ابتعد عن الاصطلاحات، بعد ذلك عندما أبين المطلب أقول أن هذا المراد من اصطلاحهم كذا وكذا.
القضية مرتبطة بمعرفة النسبة القائمة بين موضوع ومحمول، وقد قرأتم في المنطق أن القضية مركبة من ماذا؟ هناك أبحاث أنها مركبة من جزئين من ثلاثة أجزاء من أربعة أجزاء من خمسة أجزاء، ذاك بحث منطقي لا ندخل فيه الآن. ولكن الكل متفق أن القضية في المنطق لها ركنان أساسيان، هما الموضوع زيد، والمحمول عالم قائم نائم. والنسبة القائمة بين الموضوع وبين المحمول. هذه النسبة هي التي تعين لنا الضابطة. كيف؟
نحن عندنا المحمول إذا نسب إلى موضوع وحمل على موضوع ينقسم إلى قسمين أساسيين، بتعبيرهم منفصلة حقيقية، إما وإما، تعرفون في المنفصلة الحقيقية هناك ضلعان، العدد إما زوج وإما فرد ولا يتحمل ضلع ثالث، الموجود إما واجب وإما لا، ولا يتحمل أكثر، ولذا قالوا في المنفصلات الحقيقية يدور الأمر بين النفي والإثبات، وأنتم تعلمون هل يوجد هناك شق ثالث وراء النفي والإثبات أو لا يمكن؟ محال يوجد، لأن هذا لازمه إما ارتفاع النقيضين أو غير ذلك. إن نسبة الموضوع إلى المحمول أو نسبة المحمول إلى الموضوع إما وإما ولا ثالث لهما، القسم الأول أن يكون الموضوع بنفسه وبذاته سبباً ومنشئاً وعلةً لهذا المحمول، بغض النظر عن كل شيء، لو قطعنا النظر عن كل شيء إذا نظرنا إلى هذا الموضوع نصل إلى هذا المحمول. الآن أضرب بعض الأمثلة.
اجتماع النقيضين ممتنع، محال، سؤال هذا الامتناع من أين أتيت به، هل نزلت به آية، هل هناك رواية؟ لا، سواء كان هناك آية أو لا، هناك رواية أو لا، كنا في هذا الزمان أو في زمان قبل أو في زمان بعد، كنا في الأرض أو في السماء، كنا في الدنيا أو في الآخرة، هذه الأمثلة لاختلاف الأفراد واختلاف الأحوال واختلاف الأمكنة واختلاف الظروف، في كل ظرف أو حال أو زمان أو مكان بغض النظر عن كل شيء النقيضان لا يجتمعان. هذا المحمول من أين أتيت به، من الموضوع، يعني النقيضان، أصلاً طبيعة الوجود والعدم لا يجتمعان، إذن صار الموضوع علةً وسبباً لحمل هذا المحمول عليه.
أضرب لكم مثالاً أوضح وأتصوره ينسجم مع المباني العقدية، الله حي، هذا الموجود، الذي سمته الآيات والروايات الله لا إله إلا هو الحي، سؤال: إثبات الحياة لله من أين أثبته، هل نزلت فيه آية؟ سواء كانت هناك آية أم لم تكن، كان هناك دليل نقلي أم لم يكن، كان هناك في ظرف كذا أم لم يكن، هذا الموجود الحياة لا تنفك عنه، محال أن ينفك عنه، لا يمكن، فإذن لذاته، ولذا قرأتم في الفلسفة وفي البحوث العقادية قلتم الصفات الذاتية أن تكون الذات كافية لحمل تلك الصفة عليه، هذا النوع من الموضوعات والمحمولات الموضوع بحسب علم المنطق الموضوع هو العلة التامة لحمل هذا المحمول عليه. لا يتوقف على أي شيء آخر أبداً، وهذا هو الذي يصطلح عليه في المنطق بالخارج المحمول، يعني أنت تأتي إلى الموضوع تحلله تستخرج منه شيئاً تحمله على الموضوع، الخارج المحمول يعني المستخرج من الموضوع، خارج يعني مستخرج، أما جنابك عندما تقول زيد عالم، زيد بذاته يطلق عليه عالم أو إذا تعلم من أستاذ يكون عالماً، بذاته عالم أم لا، إذا وجد سبب من الخارج يجعله يتصف بصفة العلم. هذا الجدار أبيض هذا البياض المحول على ذات الجدار هل هو من ذات الجدار أم من الخارج؟ هذا البياض لو لم يعرض على الجدار لما اتصف بكونه أبيض.
ولكن هذا التعبير الذي عبرته وهو أنه توجد علية بين الموضوع، والبعض يعبر منشأية والبعض يعبر نابع منه، لا يفرق، هذه العلية ليست العلية الخارجية وإنما العلية التحليلية، تارة نقول علة ومعلول، العلة شيء والمعلول شيء آخر، كما الله علة للمخلوقات، الخالق والمخلوق واحد أم اثنان؟ اثنان، فإن العلة موجود وجود، والمعلول وجود آخر، فإن الخالق موجود أو وجود والمخلوق وجود آخر، وأخرى لا، ليست العلية خارجية وإنما علية تحليلية بحسب العقل، يعني بحسب العقل أنت تعمل علة ومعلول وإلا بحسب الواقع الخارجي فواحد، من قبيل صفة العلم بالنسبة إلى الله، فإن الذات شيء والعلم شيء آخر أم علمه عين ذاته؟ قرأتم في علم العقائد أننا نعتقد أن الصفات الذاتية عين …، نقو ل ذاته تقتضي العلم هذا ليس معناه أن الذات علة والعلم معلول، لا، نعم بحسب التحليل الذات أولاً والعلم ثانياً وإلا بحسب الواقع الخارجي وجود واحد، هنا عندما نقول أن الموضوع علة للمحمول ليس مرادنا علية خارجية، وإنما مرادنا علية تحليلية، وإلا الموضوع والمحمول هما حقيقة واحدة. الأربعة زوج، أنت تحمل الزوجية على الأربعة، هل هناك أحد أعطى الزوجية للأربعة أم الأربعة زوج بذاتها، أي منهما؟ أصلاً غير قابلة لأن الذاتي لا يمكن أعطائه وغير قابل للجعل. إثبات الزوجية للأربعة ليس معنى قولنا الزوجية ثابتة للأربعة والأربعة علة للزوجية يعني هذه علة خارجية وهذا معلول خارجي، لا، وجود واحد. في الخارج ليس عندك إلا الأربعة، أين الزوجية، بحسب التحليل العقلي تقول ينقسم إلى اثنين.
إذن القسم الأول من الموضوعات هي التي بذاتها من غير حاجة إلى انضمام شيء إلى الموضوع، من حال أو زمان أو مكان أو ظرف تقتضي حمل المحمول عليه. وهذا الاقتضاء بنحو العلية التحليلية لا بنحو العلية الخارجية، خصائص هذا النحو من القضايا أو خصائص هذا القسم من الموضوع والمحمول.
الخصوصية الأولى أن مثل هذه القضايا تفيد اليقين المركب، يعني إذا وجدت هكذا قضية هذه القضية تفيد اليقين المركب، ما معنى اليقين المركب؟ اليقين المركب يتركب من جزمين، من يقينين، اليقين الأول ثبوت المحمول للموضوع بنحو الجزم، اليقين الثاني استحالة انفكاك المحمول عن الموضوع بنحو الجزم. إذن يقينان، لأنه قد يوجد عندك يقين من القسم الأول يعني يقين بثبوت المحمول للموضوع ولكن قابل للانفكاك أو غير قابل للانفكاك؟ زيد جالس احتمالاً أو جزماً، جزماً أنت الآن جالس، ولكن هذا الجلوس يمكن أن ينفك عندك عندما تقوم، إذن قابل للانفكاك.
قولنا الأربعة زوج لا يثبت الزوجية للأربعة فقط، بل يثبت استحالة الانفكاك أيضاً، أما أنت جالس هل يستحيل الانفكاك فيه؟ لا.
إذن في هذا القسم من القضايا يفيد اليقين المركب، يعني مستفاد من جزمين، جزم بثبوت المحمول للموضوع، وجزم باستحالة وامتناع انفكاك المحمول عن الموضوع، الآن أعرض لكم قضية عرضية في أبحاث الكلام، في العقائد مطلوب منا اليقين، في القضايا الفقهية يكفي الظن، في العقيدة أي يقين مطلوب، يقين مركب أم يقين بسيط، حتى لا تقول لي أن هذه الأبحاث نظرية، لا أبداً، هذه في صلب عقيدتنا، أنت معتقد أن الإمام الثاني عشر الآن موجود جزماً، يمكن أن لا يكون موجوداً؟ ماذا تقول؟
تعتقد بأن الله موجود، أم لا تعتقد، إذا اعتقد أن الله موجود، سؤال: يمكن أن لا يكون الله موجود؟ ما هو المطلوب منك، أنت تقول أني معتقد يقيناً أن الله موجود، أسألك سؤال ثاني: هل يمكن أن لا يكون موجود؟ تقول لي لا أعلم، يمكن. هذا كافٍ في العقيدة الأولى للتوحيد أم لابد أن ينضم لها الثاني وهو يستحيل أن ينفك عنها، أي منها؟ في العقائد ما هو المطلوب مني ومنك ومن المكلف، اليقين البسيط أم اليقين المركب، هذه القضية ومع الأسف الشديد لا يوجد فيها، فقط في أول الرسالة العملية في الاجتهاد والتقليد لا يجوز في المسائل الاعتقادية وإنما المطلوب هو اليقين. هذا اليقين أي يقين، يقين اطمئناني يعني عرفي، يقين عقلي يقين بسيط يقين مركب، هذا ليس له بحث بل مغفول عنه.
إذن الخصوصية الأولى في هذا القسم من القضايا هو أنه لا فقط يوجد فيه جزم بثبوت المحمول للموضوع، بل يوجد فيه وجزم باستحالة انفكاك المحمول عن الموضوع، وهذه إذا سألك أحد ما هي مميزات المنطق الارسطي عن منطق الاحتمال لاستأذنا الشهيد؟ الجواب: أن المنطق الارسطي لا يسمي العلم يقيناً إلا إذا كان مركباً من جزمين، أما السيد الشهيد في الأسس المنطقية يقول لا يشترط لكي نقول عن علم أنه يقين أن يكون مركباً من جزمين، البعض يقول ما الفرق بينهما؟ هناك الكثير من الفروق وهذا أحد الفروق الذي أشار له قدس الله نفسه في الأسس.
إذن واحد من أركان المنطق الارسطي الذي أبحاثنا في هذه الأزمنة قائمة عليه أن المنطق الارسطي عندما يقول علم وعندما يقول يقين مراده من العلم واليقين ليس القطع في علم الأصول لأن القطع في علم الأصول هو الجزم الأول فقط، أما العلم واليقين في المنطق الارسطي هو المركب. هذا أين موجود. هذا موجود في نفس منطق ارسطو وبعد ذلك انقل عن تلامذته.
في كتاب (منطق ارسطو، ج2، ص332) حققه وقدم له الدكتور عبد الرحمن بدوي، الكويت، بيروت، لبنان، دار القلم، قال: (فإذن ما لنا العلم به وجوداً لا يمكن أن يكون على جهة أخرى) فقط على هذه الجهة ولا يمكن أن يكون على جهة أخرى، يعني مركب من جزمين، جزم بثبوت المحمول للموضوع، وجزم باستحالة انفكاك، لا يمكن أن يكون على جهة أخرى، أما أنت الآن جالس يمكن أن تكون على جهة أخرى بعد فترة زمنية وتكون قائم، أنا أجزم أنك حي الآن، بعد مئة سنة يستحيل أن لا تكون حياً، بعد مئة سنة أكون ميتاً، نعم بشرط المحمول لا يكون ميتاً، يعني ما دام حياً لابد أن يكون حياً، ذاك بحث آخر. هذا مورد.
المورد الثاني في (منطق الشفاء، ج3،) أنصح أخواني الأعزاء البرهان في منطق الشفاء لابد أن يقرأ طالب العلم دورة برهان لمنطق الشفاء، لا يستغرق أكثر من سنة، ولكنه يعد أم المنطق، من عرف منطق البرهان أو البرهان للشفاء باقي الكتب المنطقية وغيرها سهلة التناول عنده. في هذا الكتاب عبارته مفصلة، أنا أقرأ منها قليلاً، يقول: (يقال لكل تصديق) التصديق ليس التصور، وإنما موضوع ومحمول وثبوت النسبة بينهما، وقد قرأتم في المنطق أنه في قبال التصور (ويقال لكل تصديق حق وقع من قياس منتج أن كل كذا كذا) أن زيد عالم، وأن عمر ليس بعالم، وأن كذا ليس كذا، هذا نوع من القضايا اليقينية (ويقال لما كان أخص من هذا) القسم الأول من اليقين فيه ثبوت المحمول للموضوع فقط، (وهو كل تصديق حق وقع من قياس يوقع التصديق بأن كذا كذا، ويوقع أيضاً تصديقاً بأنه لا يمكن أن لا يكون كذا) لا فقط إثبات المحمول للموضوع، واستحالة ماذا؟ ويستحيل أن لا يكون … الأربعة زوج جزماً ويستحيل أن لا تكون الأربعة زوج، أصلاً مستحيل. النقيضان ممتنعان جزماً ويستحيل أن لا يكونا ممتنعين جزماً، أصلاً غير ممكن.
(لأن النتائج … ومعلوم أن بين التصديقين فرقاناً) يقول هذا التصديق غير هذا التصديق (فالعلم الذي هو بالحقيقة يقين) يعني أي علم نسميه اليقين بالمنطق الارسطي؟ ليس ثبوت المحمول للموضوع كما في القطع في علم الأصول (هو الذي يعتقد فيه أن كذا كذا ويعتقد أنه لا يمكن أن لا يكون كذا اعتقاداً لا يمكن أن يزول).
لا أريد التفصيل في البحث ولكن كونوا على ثقة تبقون ثلاثون علماً تبحثون في علم الأصول وأخيراً لا تعرفونه، لأن هذا الذي يقولون أن اليقين حجيته ذاتية لا القطع في علم الأصول، ولكن مع الأسف هذا البحث وهو بحث منطق ارسطو إلى أين جاءوا لنا به؟ قالوا أن القطع تنفك منه الحجية أم لا تنفك؟ المناطقة قالوا لا تنفك أين؟ هنا قالوا لا تنفك لا مطلقاً. ولكن هؤلاء سمعوا من المنطق الارسطي يقول أن العلم، وهم قالوا أن القطع علم وحجيته ذاتية والله لا يستطيع أن يرفعه، قرأتم في علم الأصول أنه غير قابل للرفع، ولكن المناطقة المنطق الارسطي عندما قال أن اليقين لا يمكن رفعه ولا يمكن جعله مراده اليقين بهذا المعنى، هذا في (ص78).
أما في (منطق الشفاء، ص120) يقول: (مقدمة تفيد العلم الذي لا يتغير، ولا يمكن أن يكون معلوم ذلك العلم بحال أخرى غير ما علم به) نفس عبارات منطق ارسطو. وكذلك في (ص127) يقول: (ويقال أيضاً بذاته) يعني أن الموضوع بذاته سبب لحمل هذا المحمول (للشيء الذي هو سبب للشيء وموجب له ويقال أيضاً بذاته …).
إذا كان بعض الأخوة لا يقتنون هذا الكتاب باعتباره نجس!! نعم كان قبل خمسين أو ستين سنة من كان يمسك كتاب فلسفة يذهب ويطهر يديه، أنا في هذه الحوزة المباركة وهي حوزة قم قبل ثلاثين عام كنت أذهب إلى درس، في يوم ذهبت الدرس وكنت كاشفاً هذا الكتاب، فقال لي الأستاذ هذه أخر مرة تأتي فيها، في المرة القادمة إذا لم تغط هذا الكتاب لكي لا يعرفوا ماذا تدرس عندي لن أسمح لك بحضور الدرس.
هذا المعنى السيد الشهيد أشار إليه في (الأسس المنطقية للاستقراء، ص357) في بحث اليقين المنطقي والموضوعي والذاتي يقول: (وكما يمكن أن ينصب اليقين المنطقي على العلاقة ضرورة … كذلك يمكن أن ينصب على قضية واحدة حين يكون ثبوت محمولها لموضوعها ضرورياً، فعلمنا مثلاً بأن الخطأ المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين يعتبر من وجهة نظر المنطق الارسطي يقيناً لأننا نعلم بأن من المستحيل أن لا يكون الخط المستقيم أقرب مسافة بين نقطتين) لا يكفي أن تعلم أن الخط المستقيم أقرب مسافة وتجزم، لا لا، بل ولابد أن تعلم من المستحيل أن لا يكون كذلك.
وكذلك أشار إلى هذا المطلب في (ص19) في مقدمات هذا الكتاب يشير إلى هذا المعنى يقول: (فكل قضية علم فيها بثبوت المحمول للموضوع وكانت القضية بنحو يستحيل أن لا تكون كذلك … هذه هي التي يسميها المنطق الارسطي بالقضية اليقينية والبرهانية).
إذن ما هي الخصوصية الأولى؟ أن هذه القضايا تفيد اليقين المركب، حتى أعطيك فائدة كلامية، أنا معتقد أن عالم الدين في القضايا العقائدية لابد أن يكون عنده عقد ويقين مركب، أما عموم الناس هل يشترط أن يكون عندهم يقين مركب؟ لا يشترط، يكفي فيهم، لا فقط اليقين البسيط بل يكفي فيه اليقين العرفي يعني الاطمئنان، أما أنت لا تقول لي أنا أيضاً كذلك، لا أبداً، يغفر للجاهل سبعون ذنب ولا يغفر للعالم ذنب واحد. أنت تتصور أن هذا امتياز، لا، هذه مسؤولية، أما أن لا تتحمل المسؤولية وتقول أنا لست بقدر هذه المسؤولية، أنت المطلوب منك، وإلا بينك وبين الله إذا أنت صار منك المطلوب اطمئنان تفقد كل شيء، كما ترون الآن، أنت إذا صارت الهزة في المجتمع لابد أن تقف أنت العالم الذي هو راسخ في العلم، أما إذا لم تكن راسخاً في العقائد فتكون أنت أول من يهتز، كما تجدون هؤلاء الذين يخرجون على الفضائيات ويكتبون ومهتزين معممين، أين الإشكالية؟ الإشكالية أن علم لم يكن راسخاً.
الخصوصية الثانية: أن المحمول يكون بشكل دائمي للموضوع، يعني لا في زمان دون زمان، لا في حال دون حال، لا في ظرف دون ظرف، ليس كالقيام والجلوس في ظرف دون ظرف، في أي ظرف وفي أي زمان وفي أي عالم وفي أي نشأة وأينما تذهب اجتماع النقيضين غير ممكن، حتى في الجنة كذلك فالأربعة لا تكون هناك فرد، لا أبداً، في الجنة الأربعة زوج أيضاً. هذا الذي نعبر عنه بأن المحمول يكون دائمي للموضوع.
الخصوصية الثالثة: أن المحمول يكون بشكل كلي للموضوع، يعني لا أن بعض أفراد الموضوع يثبت لها هذا المحمول، لا كالعلم ثابت لبعض أفراد الإنسان وغير ثابت لبعضه الآخر، كل أفراد الموضوع هذا المحمول ثابت لها. يعني تنطبق عليه قاعدة حكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد، يعني إذا ثبت له هذا في زمان ثابت له في كل زمان، إذا ثبت لفرد ثابت لكل الأفراد.
فتلخص مما تقدم أن هذا القسم من الموضوعات والمحمولات خصوصياتها كما يلي:
أولاً: تفيد اليقين المركب.
ثانياً: تفيد الدائمية.
ثالثاً: تفيد الكلية.
اخواني الأعزاء العبارات أقرأها لكم غداً، فقط أعطيكم الفتوى بخصوصها، هذا الذي يسميه المناطقة أن المحمول لابد أن يكون عرض ذاتي للموضوع هذا القسم من المحمولات، أن يكون منتشياً ومنشأه الموضوع، وأن يكون مفيداً لليقين المركب، وأن يكون دائمياً وأن يكون كلياً، إذا كان المحمول نسبته إلى الموضوع بهذا النحو يسموه الفلاسفة والمناطقة هذا عرض ذاتي، إذا فقدت واحدة من هذه الخصوصيات ماذا يكون؟! ولا تبحث لي لأمر أخص، لأمر أعم، مع الواسطة مع واسطتين، اترك هذه الاصطلاحات … بهذا القدر فقط، وهو ما هو العرض الذاتي؟ المحمول إذا كان معلولاً للموضوع بذاته ومفيداً لليقين وكلياً ودائمياً فهو محمول ذاتي للموضوع. تتمة الكلام تأتي.
والحمد لله رب العالمين.