الأخبار

المحاضرة (7)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

نزولاً عند رغبة بعض الأخوة طلبوا منا أن نجمل ونلخص حديث الأمس، طبعاً ألخصه مع إضافة بعض النكات الإضافية.

انتهينا بالأمس إلى أننا إذا أردنا أن نتعرف على ميزان أن مجموعة من المسائل تشكل علماً واحداً حقيقياً، أي متى تتشكل من مجموعة هذه المسائل علم واحد، ومتى لا يتشكل من مجموعة مسائل علم واحد، لابد أن ننظر إلى العلاقة القائمة بين الموضوع وبين المحمول. بالأمس وقفنا عند القسم الأول من هذه العلاقة وهي التي كان فيها الموضوع بنفسه وبذاته علة تحليلية للمحمول، يعني لو نظرنا إلى هذا الموضوع هذا يوصلنا إلى استخراج المحمول وحمله عليه. وهذا هو ضابط العرض الذاتي، هذا هو ضابط العرض بغض النظر عن المراد من الذاتي أي معنى من معاني الذاتي، لا أريد أن أدخل في الأسماء والتفاصيل. الآن كلامي عند الفلاسفة والمناطقة، قد يكون للأصوليين اصطلاح آخر في العرض الذاتي، قد يكون لكل علم اصطلاح خاص، أنا أتكلم عند من أسسوا لهذه القاعدة أن كل علم ما يبحث عن عوارضه موضوع العلم ما يبحث عن عوارضه الذاتية، ما هو العرض الذاتي؟ ما يكون فيه الموضوع بذاته علة لحمل هذا المحمول عليه، سبباً لحمل هذا المحمول عليه، بالأمس ذكرنا أن السيد الشهيد في (الأسس المنطقية للاستقراء، ص19) قال: (فكل قضية عُلم فيها بثبوت المحمول للموضوع وكان ذلك عن طريق معرفة العلة التي من أجلها ثبت المحمول للموضوع) هذه تسمى قضية برهانية في منطق ارسطو. إذن لو سألك سائل ما هي القضية البرهانية في منطق ارسطو؟ الجواب في كلمة واحدة وهو أن يكون الموضوع علة لثبوت المحمول له. وبينا بالأمس أن المراد من العلية أي علية، لا العلية الخارجية وإنما العلية التحليلية.

المصدر الآخر هو (منطق الشفاء، أو برهان الشفاء، ج3، ص155) منشورات مكتبة آية الله العظمى السيد المرعشي، قال: (والموضوعات هي الأشياء التي تبحث عنها والعوارض الذاتية لها) أي للموضوعات، المسائل ما هي، قال: (والمسائل هي القضايا التي محمولاتها عوارض ذاتية لموضوع ذلك العلم) إذن ما هو العرض الذاتي؟

وكذلك كتاب (الجوهر النضيد، ص212) للعلامة الحلي، هذا الكتاب من حيث البحث المنطقي أهم بكثير من منطق المظفر، ولذا أنا أوصيت لمن قرأ منطق المظفر أن يقرأ هذا الكتاب فهو أدق وأعمق وأرتب، وهو منطق التجريد، يقول: (إذا عرفت هذا فالموضوع هو ما يبحث في ذلك العلم عن أعراضه الذاتية، أعني لواحقه التي تلحقه لذاته) بلا أخذ بعين الاعتبار زمان، مكان، ظرف، عالم، نشأة، أمة، فرد، أبداً، بذاته كافٍ لأخذ المحمول منه وحمله عليه.

إذن في جملة واحدة ما هو ضابط العرض الذاتي؟ هو أن يكون الموضوع بذاته بلا أخذ بعين الاعتبار لا زمان، لا مكان، لا حال، لا أي شيء، نفسه ونفسه كاف لحمل المحمول عليه. هذا المحمول ماذا يكون بالنسبة للموضوع؟ يكون عرضاً ذاتية.

يختلف باختلاف الأفراد؟ لا. يختلف باختلاف الحالات؟ لا. يختلف باختلاف الأزمنة؟ لا. يختلف باختلاف النشئآت، دنيا وآخرة؟ لا. يختلف باختلاف نشأة الخالق ونشأة المخلوق؟ لا. بأي لحاظ مأخوذ أو غير مأخوذ؟ حتى أبين لك أمثلة. أما عندما نأتي إلى بعض القضايا نجده باختلاف الأحوال يختلف، باختلاف الأفراد يختلف، باختلاف الأزمنة يختلف، كيف؟ المكلف قبل البلوغ لا تجب عليه الصلاة، بعد البلوغ تجب عليه، إذن الصلاة واجبة هذا الوجوب الثابت للصلاة مطلق أو مقيد؟ مقيد بما بعد البلوغ. يحرم شرب النجس، ولكن في أي حالة؟ في حال الاختيار، إذا اضطر لا يحرم. ترون هنا أن المحمول يثبت للموضوع ولكنه مطلق أو مقيد بقيود؟ مقيد أما بالأفراد، أما بالأحوال، أما بالأزمان، أما بالنشئآت، وغيرها. إذن لم يكن الموضوع مقيداً بأي قيد ومع ذلك استحق حمل المحمول عليه فهذا العرض ماذا نسميه؟ نسميه عرضاً ذاتياً.

سؤال: ما هي خصائص هذا العرض؟

من أهم خصائصه: أولاً أن يكون ضرورياً – لم نشر إليه بالأمس- ما معنى الضروري؟ معنى الضروري يعني أن النفس بمجرد أن تلتفت إلى الموضوع والمحمول تضطر لقبول النسبة بين المحمول والموضوع، الآن لو أن شخصاً قال أمامك اثنان زائد اثنان، ينتقش في ذهنك أربعة. تستطيع أن تقول للنفس لا تنتقش بأنها أربعة أو لا تستطيع؟ يعني بعبارة أخرى انتقاش الأربعة بعد سماع اثنين بإضافة اثنين أنت مختار في هذا الانتقاش أم مضطر إليه؟ مضطر. الآن أنا أقف أمام صورة أمامي، وانظر إليك، استطيع أن أقول للنفس يا نفس مع وجود كل الشرائط وارتفاع كل الموانع أنا أنظر إلى الأخ أمامي ولكن لا اسمح لصورته أن تنتقش أستطيع أو لا استطيع، بيدي أو ليس بيدي؟ هذا يسمونه اضطرار، بلغة المنطق يسمونه ضرورة. ما معنى الضروري؟ معنى الضروري أنه عندما تسمع هذا وتسمع هذا بالاضطرار تعرف أن النسبة ثابتة، هذا المحمول ثابت لهذا الموضوع، إذن العرض الذاتي النسبة بينه وبين المحمول بين الموضوع وبين المحمول ضروري أو ليس بضروري؟ هذه هي الخصوصية الأولى.

طبعاً هذا المعنى موجود في مصادر عديدة، منها يقول: (ولما كانت مقدمات البرهان تفيد العلم الذي لا يتغير ولا يمكن أن يكون معلوم ذلك العلم بحال أخرى غير ما علم به فيجب أن تكون مقدمات البرهان أيضاً غير ممكنة وهذا المعنى أحد المعاني التي تسمى الضرورية) يعني أن النفس مضطرة بمجرد أن عرفت هذا وهذا تعرف أن هذا ثابت لهذا بالضرورة. بمجرد أنت تسمع خبر الواحد بالضرورة تقول حجة؟ تقول بالضرورة حجة؟ لا، إذا قام الدليل حجة وإذا لم يقم الدليل ليس بحجة، إذن ففرق كبير بين قولنا الأربعة زوج وبين قولنا خبر الواحد حجة. تلك القضية الأربعة زوج ضرورية أما خبر الواحد حجة ليست ضرورية.

إذن الخصوصية الأولى في الأعراض الذاتية أنها ضرورية.

الخصوصية الثانية: أنها تفيد اليقين، بالأمس بينا ما معنى اليقين، لا اليقين الأصولي، لا اليقين العرفي. ولهذا كان بودي وأنا قلت هذا في أبحاث الأصول الخارج قلت عندما جاءوا إلى بحث القطع كان ينبغي في اول الأمر عندما نقول أن القطع حجة، هذا أي قطع الذي حجته ذاتية، هل هو اليقين الرياضي، هل هو اليقين البرهاني، هل هو اليقين المنطقي، هل هو اليقين العرفي، هل هو اليقين الأصولي؟ ولكن لما لم يميز وقع هذا الخلط الذي تجدون هذا علم الأصول يومياً يتورم ولكنه من دون أن تتوضح الرؤية عن سبب تورمه، تورمه باعتبار أنه لا يحرر محل النزاع فيه جيداً، هذا من أهم الأسباب. ولذا السيد الشهيد رحمة الله عليه في (الأسس المنطقة، ص356) قال: (اليقين المنطقي وهو المعنى الذي يقصده منطق البرهان الارسطي بكلمة اليقين) ما هو اليقين المنطقي (العلم بقضية معينة والعلم بأن من المستحيل أن لا تكون القضية بالشكل الذي عُلم فاليقين المنطقي مركب من علمين وما لم ينضم العلم الثاني إلى العلم الأول لا يعتبر يقيناً في منطق البرهان).

سؤال: هذا اليقين المنطقي، المناطقة قالوا أن حجيته ذاتية، اليقين الأصولي أيضاً حجيته ذاتية؟

إذا قلت نعم، يحتاج إلى دليل، لأن ذاك اليقين غير هذا اليقين، وهذا من الخلط الذي يوجد في الأبحاث الأصولية، وهو أخذ أحكام اليقين المنطقي وإعطائها لغير اليقين المنطقي، سمه ما شئت، كما وجدتم في قولنا الأربعة زوج ضرورية، وليس كل قضية إذا كان المحمول ثابتاً للموضوع هي ضرورية.

الثالث: أن يكون المحمول بالنسبة إلى الموضوع كلياً، ما معنى أن يكون كلياً؟ بحسب جميع الأفراد، لا فرد، هذا الموضوع إذا له فرد، إذا له مئة فرد، إذا له ما لا حد له من الأفراد حكمه هذا العرض الذاتي لا يختلف أبداً.

الرابع: أن يكون دائمياً، بحسب الأحوال، لا يفرق صغير كان أو كبير، الاربعة زوج بالنسبة للبالغين أو للبالغين ولغير البالغين؟ لا يفرق أحواله، بالنسبة للجالسين أو الجالسين والقائمين؟ لا يفرق. هذا الذي قرأتموه في الإطلاق قلنا أن هناك إطلاق أحوالي وإطلاق افرادي، الكلية بلحاظ الإطلاق الافرادي، الدائمية بلحاظ الإطلاق الأحوالي. هذا في (منطق الشيخ، ص123) يشير إليه بشكل مفصل.

وكذلك بشكل تفصيلي في (الإشارات والتنبيهات، ج1، ص296 و 297) يقول: (أن تكون كلية … أن تكون محمولة على جميع الأشخاص وفي جميع الأزمنة) المحمولات الفقهية والمحمولات الأصولية على جميع الأشخاص وفي جميع الأزمنة؟ عندكم هكذا محمول في كل الفقه وفي كل الأصول يكون في جميع الأزمان وفي جميع الأفراد. إذا كان هكذا فالمفروض أن الشريعة الإسلامية تنزل في زمن آدم، مع أنه (لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجا) ما كان هناك مباحاً صار هنا واجباً، وما كان هناك حراماً صار هنا مباحاً، وما كان هناك مباحاً صار هنا فريضة وهكذا.

الظهور حجة أو ليس بحجة؟ لعله أحد الأخوة مبناه كما هو مبنى الاخباريين يقول الظهور القرآني ليس بحجة، هل يستطيع أن يقول أن الأربعة ليست زوج؟ هل يستطيع أن يختلف في قضية أن الأربعة زوج أو ليست بزوج؟ لا يمكن. إذن تلك قضية يمكن أن تقبل ويمكن أن ترفض.

خلاصة هذا البحث موجود في (الأسفار، ج1، ص30) في الطبعة المؤلفة من تسع مجلدات، في حاشية السيد الطباطبائي. يقول: (يجب أن تتألف من مقدمات اليقينية، واليقين هو العلم بأن كذا كذا وأنه لا يمكن أن يكون كذا، ومقدماتها أو شرائطها أن تكون ضرورية وأن تكون دائمية وأن تكون كلية) ويشرح بنحو الإجمال هذه الأبحاث. هذا تمام الكلام في القسم الأول من العلاقة القائمة بين الموضوع وبين المحمول.

القسم الثاني: في القسم الثاني أن الموضوع يكون سبباً لحمل المحمول عليه أيضاً ولكن لا مطلقاً بل مقيداً بقيد، بل بألف قيد. نفس الموضوع سبب لحمل المحمول عليه، الموضوع فيه خصوصية تجعله أن يتصف بهذا المحمول، كما أن الأربعة فيه خصوصية تجعله أن يكون زوجاً، الأربعة لا يمكن لها أن لا تكون زوجاً. في القسم الثاني أيضاً كذلك، الموضوع سبب لحمل، يعني فيه خصوصية يستحق أن يحمل عليه هذا المحمول ولكن مع ألف قيد وقيد، أضرب مثالاً، بناء على مسلك العدلية، ماذا يقول العدلية؟ تعرفون وقرأتم في كل كتب الأصول، يقولون لأن الله أمر بالصلاة فصار في الصلاة مصلحة أو لأن الصلاة فيها مصلحة فأمر الله بها، أي منهما؟ مسلك العدلية يقولون أن الصلاة، هذه الهيئة المخصوصة فيها مصلحة وهذه المصلحة اقتضت أن يأمر بها الحق تعالى فقال الصلاة واجبة. في مقابل هذا الاتجاه يقول لا فرق بين هذه الصلاة والهيئة الصلاتية وبين الجمناستك، قبل أمر الشارع، ولكن الشارع عندما أمر بهذه الهيئة ولم يأمر بتلك الهيئة نقول هذه صارت بها مصلحة وتلك ليس فيها مصلحة. فيقولون ليست الأوامر والنواهي ناشئة عن مصالح ومفاسد في متعلقاتها، أبداً، لا فرق، نعم بعد الأمر والنهي الأمر والنهي أوجد المصلحة وأوجد المفسدة. ومبنانا نحن ليس الثاني، بل الأول وهو مسلك العدلية، إذن الصلاة في نفسها فيها مصلحة، الكذب في نفسه فيه مفسدة، الغيبة في نفسها فيها مفسدة، وهكذا …

سؤال: الصلاة في نفسها فيها مصلحة مطلقاً أم فيها قيود؟ لا إشكال ولا شبهة أن يكون بالغاً وأن يكون عاقلاً وأن يكون …. ولذا الشرائط العامة والخاصة للتكاليف أوامر كانت أو نواهي. إذن هذا الموضوع بذاته يقتضي المحمول أم الموضوع إذا أخذ بعين الاعتبار باقي الشرائط الأخرى يقتضي المحمول؟ لا إشكال ولا شبهة أنه الثاني. إذا توفرت الشرائط، الأمة المرحومة، إذا جاء خاتم الأزمنة وجاءت هذه الأمة يصلح أن تنزل عليها الشريعة، يعني لو نزلت الصلاة في زمن نوح هل فيها هذه المصلحة أم لا؟ إذا قلت نعم فيها هذه المصلحة، إذن لماذا لم يشرعها الله، هل يبخل الله بها عليهم، إذن كانت في زمانهم فيها مصلحة أو لا توجد فيها مصلحة؟ لا توجد، ولهذا هي مقيدة بالزمان ومقيدة بالحال ومقيدة بالأفراد، ومقيدة بالنشأة، تجب الصلاة مطلقاً، يعني حتى في البرزخ لابد أن نصلي، حتى في الآخرة لابد أن نصلي؟ لا، في ذاك الوقت انتهى عالم التكليف، إذن معناه أن الصلاة فيها مصلحة مادمنا في نشأة التكليف أما إذا خرجنا عن نشأة التكليف فلا مصلحة فيها، إذا هناك مصلحة لماذا لم يأمرنا الله بها، إذا لم تكن فيها مصلحة إذن يتضح لنا أن عنوان الصلاة، موضوعة الصلاة ليست بذاتها في كل زمان ومكان وفرد ونشأة توجد فيها مصلحة. إرسال الأنبياء والمرسلين فيها مصلحة في كل زمان ومكان؟ الجواب: نعم. سواء كنا في زمن آدم أو في زمن الخاتم، في كل عالم فيه مصلحة. يعني في الآخرة أيضاً لابد أن يرسل الله أنبياء ورسل أم لا؟ هذا معناه أن ضرورة بعث الأنبياء كضرورة أن الأربعة زوج أو ليست كذلك؟ ليست كذلك، بدليل أنه في الآخرة لا نحتاج إلى هذه الضرورة.

في الآخرة نحتاج إلى الإمامة أو لا نحتاج؟ إن شاء الله في وقتها سنثبت أن الإمامة في الآخرة موجودة.

الإمامة التي نحتاجها هناك؟ هي الوساطة في الفيض والوساطة في الفيض لا تنقطع في الآخرة، الوساطة لا تنقطع، يعني نظام العلية والمعلولية قائم في القيامة، نظام العلية والمعلولية غير مختص بعالمنا بل في الآخرة هناك نظام العلية والمعلولية، والإمامة التكوينية التي نعتقد بها موجودة في كل العوالم، نحن لا نعتقد أن الإمامة فيها بعد تشريعي فقط، بل بالإضافة إلى بعدها التشريعي المختص بعالم الدنيا فيها بعد تكويني ما قبل هذا العالم وما بعد هذا العالم. وهذا بحث آخر، يريدون أن يسمونا غلاة، أو يريدون أن يسمونا بشيخ الغلاة ذاك بحث آخر.

إذن نحن عندنا نأتي إلى القسم الثاني نجد أن الموضوع أيضاً سبب وفيه خصوصية بها يستحق حمل المحمول عليه ولكن لا مطلقاً في كل حال وزمان وفرد وعالم ونشأة بل مقيد بألف قيد وقيد.

سؤال: المحمولات الموجودات في الفقه والمحمولات الموجودة في علم الأصول هل هي من القسم الأول أو من القسم الثاني؟

بيت القصيد في كل بحثنا هذا أين؟ لأنه إذا كان قولنا الصلاة واجبة والكذب والزنا والغيبة والسرقة حرام من قبيل قولنا اجتماع النقيضين ممتنع ومن قبيل قولنا الأربعة زوج ومن قبيل هذه القضايا، إذن كل الأحكام الثابتة للقسم الأول من القضايا تكون ثابتة للقسم الثاني من القضايا، والتالي باطل لأنه واقعاً المحمولات الموجودة في علم الفقه وفي علم الأصول لها أحكام القسم الأول أو ليس لها، ما هي أحكام القسم الأول، أن تكون ذاتية، هذه ذاتية بهذا المعنى أو ليست ذاتية؟ يعني في كل حال وزمان ومكان، أن تكون ضرورية، أن تكون دائمية، أن تكون كلية، هذه موجودة في القسم الثاني أو غير موجودة؟ غير موجودة، إذن هي من قبيل القسم الأول أو ليست من قبيل القسم الأول؟ وهذا التفت إليه جملة من الأعلام ومنهم سيدنا الأستاذ السيد الخوئي قدس الله نفسه. السيد الخوئي على هذا الأساس ذهب إلى انه لا يمكن أن يكون علم الأصول له موضوع كعلم الفلسفة، هذا غير ممكن، لأن أن لكل علم موضوع إنما هو مختص بتلك العلوم التي تكون فيها المحمولات من القسم الأول، لا المحمولات من القسم الثاني.

في (محاضرات في أصول الفقه، ج1، ص18) تقريرات الشيخ الفياض، يقول: (إن المحمولات التي تترتب) انظروا ذهب إلى المحمولات لا إلى الموضوعات يريد أن يبين العلاقة بين المحمول وبين الموضوع (إن المحمولات التي تترتب على مسائل علم الفقه بأجمعها) يعني من أول الفقه إلى آخر الفقه، مئة ألف مسألة أو مليون مسألة، كل المحمولات ليست من القسم الأول، بماذا يعبر عنها؟ يقول: (هي من الأمور الاعتبارية) هذا تعبير الاعتبارية صار منشأً لإشكال البعض، قالوا: أي اعتبارية، هذه صحيح الشارع يقول أنا اعتبرت الوجوب للصلاة ولكن الصلاة فيها مصالح تكوينية، قالوا للسيد الخوئي: قالوا أنت خلطت بين القضية وبين منشأ القضية، إذا نظرت إلى نفس القضية فهي اعتبارية، يعني اعتبرت الصلاة واجبة عليك، ولكنه نحن على مسلك العدلية هذا الاعتبار منشأه التكوين، منشأه المصالح الواقعية، إذن صارت أمور واقعية لماذا تسميها أموراً اعتبارية.

والجواب دفاعاً عن السيد الخوئي هو: السيد الخوئي لا يريد أن يقول أنها اعتبارية يعني ليس لها مناشئ، يريد أن يقول أن مناشئها ومصالحها ومفاسدها تقتضي بنحو مطلق أو بنحو مقيد؟ من الواضح أنه الصلاة واجبة، قلنا لا يقول الصلاة واجبة في كل فرد وفي كل زمان وفي كل حال وفي كل عالم، ليس هكذا. إذن (من الأمور الاعتبارية التي لا واقع لها عدا اعتبار من بيده الاعتبار). ثم يأتي إلى علم الأصول يقول: (وأغلب مسائل علم الأصول أيضاً كذلك) التفت إلى دقة العبارة، لا يقول كل مسائل علم الأصول، لأن جملة من مسائل علم الأصول أبحاث فلسفية، يعني المحمول بالنسبة إليها ضروري من القسم الأول، ذاتي من القسم الأول. يقول: (وكذلك عدة من محمولات مسائل علم الأصول).

فتلخص في القسم الثاني أن الموضوع يكون سبباً للمحمول ولكن مطلقاً أو مقيداً؟ مقيداً، وعليه فلا تترتب أحكام الذاتية واليقينية والضرورية والدائمية والكلية التي كانت هناك، لا توجد هنا، الصلاة واجبة بشكل دائمي؟ لا، الحائض لا تصلي. إذن ليس في جميع حالاتها، أصلاً يحرم عليها أن تصلي. يعني تكون مقربة أو مبعدة؟ تكون مبعدة. هذا المقرب صار مبعداً، ولا تستطيع أن تقول أن الله عجبه هكذا، أبداً، المشرع أوجب هذا وحرم هذا ذاك فيه مصلحة وهذا فيه مفسدة على مسلك العدلية. في حال الاضطرار أنت مخير أن تشرب النجس أو لا تشرب أو يجب عليك الشرب؟ يجب عليك أن تشرب، عجيب، كان حراماً اذهب به إلى النار، يقول الآن تذهب به إلى الجنة، إذن ليس دائماً، وليس كلياً، ليس لجميع الأفراد، وليس ضرورياً، وليس يقينياً – اليقين المنطقي-، وليس عرضاً ذاتياً.

القسم الثالث: أن لا يكون الموضوع بذاته لا مطلقاً كما في القسم الأول، ولا مقيداً كما في القسم الثاني، يكون سبباً لحمل المحمول عليه، إذن لماذا هذا المحمول حمل على هذا الموضوع؟

أضرب مثالاً، الواضع جعل لفظ (م أ ء) لهذا السائل، سؤال: لماذا جعل ماء ولم يجعل حجر؟ هل أعجبه ذلك؟ هذا الوضع هل فيه منشأ تكويني أم لا؟ لا، ليس فيه منشأ تكويني. اعتبارات، هذه الاعتبارات خصوصاً إذا آمنا وهو الصحيح كما سيأتي إن شاء في بحث الوضع أن الوضع بشري أم وضع إلهي. المشهور أن الوضع بشري لا إلهي، لا أن الواضع قال أجعلوا لفظ الماء لهذا السائل خصوصاً في هذه المؤسسات الحديثة، الآن في كل بلد يضع في اللغة العربية الكثير من الحقائق والمعاني تأتي لنا وليس لها مقابل في العربية، فتأتي اللجنة وتضع لفظاً مقابل مفهوم ومعنى، على أي أساس وضعت هذا اللفظ في مقابل هذا المعنى؟ اعتبارات استحسانية ذوقية، عقلائية، عبروا منها ما شئتم.

ومثال آخر: الفاعل مرفوع، لماذا الفاعل مرفوع؟ لأن الفاعل بذاته يقتضي أن يكون مرفوعاً؟ لا. بذاته مع شروط يقتضي أن يكون مرفوعاً؟ لا. لو كان الفاعل منصوب تنقلب الدنيا؟ لا أبداً.

إذن لا يمكن أن نتكلم عن موضوعات العلم نخلط الفلسفة على علم الفقه على علم النحو، هذا أي منطق، علم النحو نحو من المحمولات بالنسبة إلى ماذا؟ والغريب أن هؤلاء المتكلمين أكابر وأصحاب فن وعلم. يضرب أمثلة وعندما يضرب الأمثلة يقول أن موضوع الفلسفة الموجود المطلق وموضوع الأصول الأدلة الأربعة وموضوع الفقه فعل المكلف وموضوع النحو الكلمة من حيث الإعراب وموضوع الصرف من حيث التصريف وموضوع الطب كذا. هذا غير ممكن أن تخلط هذه كلها معاً.

هذه كل محمول بالنسبة لموضوعه له علاقة من سنخ خاص، ولكل واحد منها ماذا؟

وتلخيص الكلام، هو:

في القسم الأول من الموضوعات بذاته من غير أي قيد أو شرط أو فرد أو حال سبب، علة تحليلية لحمل المحمول عليه.

في القسم الثاني: الموضوع سبب لا بذاته مطلقاً، بل بذاته مقيداً، وهذا هو مسلط العدلية.

القسم الثالث: أن الموضوع ليس سبباً لحمل المحمول عليه لا مطلقاً ولا مقيداً.

إلى هنا اتضح – حتى أقول الفتوى- وغداً نأتي إلى التفصيل.

سؤال: هؤلاء المساكين الفقراء الأيتام الفلاسفة والمناطقة عندما قالوا أن لكل علم موضوع وأن الموضوع ما يبحث عن عوارضه الذاتية وأن تمايز العلوم بالموضوعات … هل مقصودهم من هذا في كل هذه الأقسام الثلاثة أم مقصوده في البعض دون البعض، أي منها؟ لنسألهم، فهم من وضع هذه الاصطلاحات، هذه الاصطلاحات لم يضعها الفقهاء ولا الأصوليين ولا المفسرين، بل جاءت من ارسطو قبل 2500سنة، فلنسأله عندما قلت أن كل علم يحتاج إلى موضوع مقصودك أي نحو من القضايا والمسائل يحتاج إلى هذا. هذا إن شاء الله سيأتي وبنحو الفتوى بالتصريح لا بالاجتهاد، بالنص، يقولون مرادنا القسم الأول من القضايا فقط، أما القسم الثاني والثالث من القضايا فلا علاقة لكل هذه الأحكام بها.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات