أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
كان الكلام في بيان الضابط الذي على أساسه نقول أن هذه المجموعة من المسائل تشكل علماً واحداً، وأن تلك المجموعة لا تشكل علماً واحداً، قلنا ما هو الضابط؟ قلنا أن الضابط ينطلق من بيان نسبة الموضوع إلى المحمول ونسبة المحمول إلى الموضوع، وبينا بحمد الله تعالى في الأبحاث السابقة أن أقسام نسبة المحمول إلى الموضوع، القسم الأول، القسم الثاني، القسم الثالث.
وهنا نأتي إلى محل الكلام الأصلي، اتفقت كلمة علماء المنطق وكلمة علماء فلسفة العلم، أخواني الأعزاء يوجد اصطلاح في الآونة الأخيرة يسمونه فلسفة العلم، هذا الاصطلاح يراد منه أن كل علم من العلوم، يعني إذا وضعت يدك على علم الفقه، علم الأصول، علم التفسير، علم الرياضيات، علم الطبيعيات، علم الفلسفة، وأي علم، استحدثوا أصحاب وعلماء نظرية المعرفة فرعاً سموه فلسفة العلم، في كل علم يوجد فلسفة علم، ما معنى فلسفة العلم، أن هذا العلم ما هي فائدته، أن هذا العلم ما هي مسائله، أن هذا العلم ما هو موضوعه، أن هذا العلم ما هو المنهج المتبع في الاستدلال على مسائله، أن هذا العلم ما هو نسبته إلى باقي العلوم، هو علم أعلى أو علم أسفل، أن هذا العلم مطلوب لنفسه أم مطلوب لغيره، يعني علم آلي أم علم غير آلي.
سؤال: هذا الذي يسمونه فلسفة العلم، هل يختص بعلم معين؟ الجواب: كلا، الآن لو سألك أحد لماذا نبحث الفلسفة، الفلسفة علماً، ما هي الضرورة، واقعاً لابد أن نبين أهمية هذا العلم، الغرض المترتب عليه، موضوعه، مسائله، منهجه، نسبته إلى باقي العلوم، علم أعلى علم أسفل، علم متوسط.
هذا الذي اصطلح عليه المناطقة القدامى بالرؤوس الثمانية هو الآن يصطلحون عليه فلسفة العلم، لابد في حاشية ملا عبد الله قرأتم الرؤوس الثمانية، وإن كان الحاشية الآن تترك في الحوزة العلمية، ولكن الذين قرءوا حاشية ملا عبد الله يتذكرون أنهم قرءوا الرؤوس الثمانية للعلم، وهي مبادئ العلم، موضوع العلم، غاية العلم، مؤسس العلم، تاريخ العلم، منهج العلم، وعشرات المسائل.
المناطقة والفلاسفة عندما قالوا بتلك القواعد التي أشرنا إليها في الأبحاث السابقة، ما هي القواعد؟ أنه لابد أن يكون لكل علم موضوع واحد هذا أولاً، وأن المحمولات في كل مسألة عوارض ذاتية لذلك الموضوع الواحد. ثالثاً وأن هذه العوارض كلية، دائمية، ضرورية، يقينية. اخواني هذا الكلام عندما قالوه لم يكن مرادهم في كل الأقسام الثلاثة، بل كان مقصودهم في القسم الأول فقط. يعني ما يكون الموضوع بذاته مطلقاً سبباً لحمل المحمول عليه، صرحوا بهذا، لا أنه أنا استنبط من كلماتهم، قالوا نحن عندما نقول أن لكل علم موضوع واحد حقيقي، وأن وحدة العلم بوحدة موضوعه، وأن المحمولات عوارض ذاتية، وأن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، وأن العوارض والمحمولات كلية ضرورية دائمية يقينية ذاتية، أي محمولات مقصودنا، القسم الأول من المحمولات فقط أو جميع الأقسام، أو بعضها دون البعض الآخر. قالوا مقصودنا القسم الأول فقط. أين قالوا هذا؟
أما السيد الطباطبائي رحمة الله تعالى في (حاشيته على الأسفار) يقول: (وقد تبين بها أمور: أولاً، ثانياً ثالثاً) هذه الرؤوس الثمانية التي أشرنا إليها وهي فلسفة العلم، يقول: (والتأمل الوافي يرشدك إلى أن ذلك إنما يجري في العلوم البرهانية وأما العلوم الاعتبارية التي موضوعاتها أمور اعتبارية) بينا بالأمس ما هو المراد بالاعتباري، يعني القسم الثاني والقسم الثالث على اختلاف بين الاعتبار في القسم الأول والاعتبار في القسم الثاني (أمور اعتبارية فلا دليل على جريان شيء من هذه الأحكام فيها أصلاً) هذه الأحكام مربوطة بالقسم الأول من المحمولات، وأنت إذا أردت أن تجري تلك الأحكام في علم الأصول عليك أن تثبت العرش ثم انقش، ثبت أن علم الأصول من قبيل القسم الأول، فإن ثبت تجري فيه الأحكام التالية، وإن لم يثبت لا تجري.
الآن أنا لا أريد أن أعطي الحكم، أقول هذا تابع لك كعالم وكأستاذ وكمحقق وكدارس، إن ثبت أن علم الأصول من القسم الأول فتجري فيه … فلابد أن تبدأ بحثك – عندما تبدأ بتدريس البحث الخارج- أول ما تبدأ بحثك تقول ما هو تعريف علم الأصول، تعريفه جامعاً مانعاً، وتبقى ستة أشهر تبحث حتى تثبت تعريف علم الأصول، ما هو موضوع علم الأصول، ما هي مسائل علم الأصول، ما هي محمولات علم الأصول، ما هي النتائج المترتبة على الموضوعات والمحمولات، بشرط أن كل المسائل الأصولية تعطيك يقين بالمعنى الذي تقدم، أما إذا لم يثبت أن علم الأصول من القسم الأول، فلا تجري هذه الأحكام. هذا كلام السيد الطباطبائي.
السيد الشهيد لعله بشكل أوضح وأصرح أشار إلى هذه القضية في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص50) قال: (إن نظر الحكماء في مثل هذه الكلمات والتحديدات) يعني أن يكون له موضوع والموضوع ما يبحث عن عوارض الذاتية وأن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات … (مقصودهم أن هذه نظر الحكماء إلى ما يصطلحون عليه بالعلم البرهاني) وبالأمس تتذكرون ما هو العلم البرهاني يعني أن المحمول ثابت للموضوع ويستحيل أن لا يكون …، (وهو منحصر عندهم في الحكمة العالية والحكمة الطبيعية والحكمة التعليمية) يعني الرياضيات، هذه الأحكام تجري فقط في الفلسفة وفي الرياضيات وفي الطبيعيات، تجري في علم الأصول أو لا تجري؟ الفلاسفة هذا نظرهم أما أنت تقول لا، لك نظرك. (وأما سائر العلوم فهي من الفنون والصناعات إذ العلم البرهاني لديهم) عند الحكماء (هو اليقين بثبوت المحمول للموضوع الحاصل على أساس الضرورة واستحالة الانفكاك) وهذا ينحصر عندهم في المسائل الفلسفية (وعلى هذا الضوء يعرف وجه قولهم بأنه مسائل العلم تبحث عن العوارض الذاتية لموضوعه لا غير؛ إذ لو لم تكن العوارض المحمولة على موضوع العلم ذاتياً له فلا معنى لبحثه).
إذن الذين وضعوا هذه الاصطلاحات مقصودهم أي شيء ولو اصطلحتم عليه علماً أم لخصوص هذا العلم؟ خصوص هذا العلم. هذا من تعبير الصدر.
وهكذا العراقي في (نهاية الأفكار، في مباحث الألفاظ، ج1، ص10-11) يقول: (نعم، قد يكون لبعض العلوم موضوع وحداني سارٍ في موضوعات مسائله بنحو تكون الخصوصيات كما في كثير من العلوم العقلية من الفلسفية والرياضية، ولكن مثل هذه الجهات لا توجب جري جميع العلوم على منوال واحد حتى مثل العلوم الأدبية والنقلية …).
لا تخلط العلوم الاعتبارية بالعلوم الحقيقية، هذه لها أحكامها وتلك لها أحكامها.
إذن على هذا الأساس، بعد ذلك هل سندخل في موضوع علم الأصول أو لا ندخل في موضوع علم الأصول، ندخل في العوارض الذاتية لموضوع علم الأصول أو لا ندخل في العوارض الذاتية، المسائل الأصولية هل لها عوارض ذاتية أو ليس لها عوارض ذاتية، بناءً على هذا التحليل مسائل الأصول هل لها عوارض ذاتية أو لا توجد، مسائل الفقه فيها عوارض ذاتية أو لا توجد، تمايز علم الفقه مع علم الأصول بتمايز الأغراض أو بتمايز الموضوعات، المنهج واحد أو متعدد، هذه كلها أحكام العلوم الحقيقية.
ولكي تتضح الصورة جيداً وجلياً أطرح عدة تساؤلات- هذه غير مربوطة بالقسمين الثاني والثالث، بل مربوطة بالقسم الأول لأن هناك عدة تساؤلات-:
التساؤل الأول: ما هو عدد مسائل العلم الواحد؟ إلى كم مسألة يحتاج العلم لكي نسميه علماً واحداً وإذا لم تكتمل نقول لم يحصل النصاب فهذا ليس علماً؟ الجواب: لا حد أقلي لمسائل العلم، إذا كان الموضوع ليس له إلا محمول واحد فقد، وليس لمحموله محمول، يعني لا يقع المحمول موضوعاً لقضية أخرى، مسألة واحدة تشكل علماً واحداً، طبعاً هذا فرض، وإلا ليس له واقع، لأنه ما من موضوع إلا فيه عدد من المحمولات، قد تكون هذه المحمولات خمسة وقد تكون عشرة وقد تكون مئة وقد تكون ألفاً، هذا تابع للضابط، ما هو الضابط؟ أن يكون المحمول علة تحليلية لتوليد المحمول، إذا كانت فيه قدرة لتوليد ثلاث محمولاًت فالعلم فيه ثلاث مسائل، وإذا كانت فيه قدرة يولد عشرة محمولات، واقعاً توليد يعني واقعاً يتولد منه، ولكن توليد تحليلي عقلي نفس أمري واقعي، إذا خمسين فالعلم فيه خمسين مسألة، إذا ألف …
سؤال: يمكن أن يبدأ العلم بخمسة مسائل وبعد عشرين سنة أو مئة سنة يصير خمسمئة مسألة؟ الجواب: نعم، لأن الذين بدءوا هذا الموضوع واستكشفوا المحمولات لم يستكشفوا منه إلا عشرة محمولات ولكن بعد ذلك العقل البشري تأمل في هذا الموضوع فوجد فيه يولد محمولات أخرى، ولذا تتذكرون في أول أبحاث علم الأصول قلنا أن مسائل الفلسفة يقال بدأت بمأتي مسألة جاءت من اليونان، ولكن الآن وصلت إلى …
أضرب مثالاً أوضح، إذا فرضنا أن علم الفقه علم حقيقي وموضوعه تتولد منه محمولات، كم مسألة عندنا في علم الفقه؟ عشرة آلاف مسألة، خمسين ألف مسألة، مئة ألف مسألة، نصف مليون مسألة، أو مليون مسألة؟ لعل مبسوط الشيخ الطوسي بدأ بعشرة آلاف مسألة ولكن انتهينا إلى عصر صاحب الجواهر إلى مئة ألف مسألة، الآن في الجواهر مئة ألف مسألة فقهية موجودة، وبعد صاحب الجواهر هناك الكثير من المسائل مع انه علم واحد وهو علم الفقه. علم الأصول إذا قلنا أنه من تلك العلوم، بدأ بزمان الشيخ الطوسي بعدة أصول، لعله مئة مسألة أو خمسين مئة، أما الآن لعلها تصل إلى ألفين مسألة، لا مشكلة فيها، يبقى العلم واحد لأن وحدة العلم بوحدة موضوعه، أما عدد المسائل قليلة أو كثير هذا ليس له مدخلية في أن العلم واحد أو متعدد.
هذه المسائل كلها مطروحة في مقدمة علم الأصول، وأنا أعبر عنها بتعبيرات وبيانات أخرى.
التساؤل الثاني: هل يشترط أن تكون المحمولات تحمل على الموضوع الواحد بلا واسطة فإذا صارت مع الواسطة لا تكون محمولات ذاتية أو لا يشترط؟ ما معنى المحمول بلا واسطة وما معنى المحمول مع الواسطة؟
أخواني الأعزاء إذا حُمل المحمول على الموضوع – موضوع العلم- مباشرة فهذا محمول بلا واسطة، أما إذا لم يحمل على الموضوع مباشرة وإنما تحصص الموضوع أولاً ثم حمل عليه المحمول بعد ذلك هذا نسميه محمول مع الواسطة أو بلا واسطة؟ مع الواسطة.
أضرب لكم مثالاً: موضوع الفلسفة وهو من أوضح المصاديق، تقول الموجود إما واجب وإما ممكن، هذا الوجوب عرض على الموضوع بلا واسطة أو مع الواسطة؟ بلا واسطة، لا يوجد بينه وبين الموضوع شيء آخر، الموجود إما واحد وإما كثير، الموجود إما خارجي وإما ذهني، الموجود إما ثابت وإما متغير، الموجود إما علة وإما معلول. هذه المحمولات كلها تعرض الموضوع مع الواسطة أو بلا واسطة؟ بلا واسطة.
ولكنه في العلم قد نجد أن بعض المحمولات لا تحمل على موضوع العلم مباشرة، يحتاج إلى أن يتحصص حصة من الموضوع حتى يحمل عليه المحمول، أضرب لك مثال، هل تستطيع أن تقول الحيوان إما كاتب وإما غير كتاب أو لا تستطيع؟ الجواب: لا يمكن، لأن الحيوان ليس إما كاتب وإما غير كاتب، لأنه عدم ملكة، الذي يتصف بالكتابة وعدم الكتابة حصة من الحيوان، الحيوان الناطق إما كاتب وإما غير كاتب، إما علم وإما …، لأن العلم والعدم هو ليسا نقيضان وإنما ملكة وعدم، إذن لابد أن يكون موضوع فيه قابلية والحيوان بما هو حيوان لا توجد فيه قابلية العلم وعدم العلم، الذي فيه القابلية الحصة. إذن لا يصح أن تقول الموجود إما حار وإما بارد، لماذا لا يصح؟ لأن الحرارة والبرودة تحتاج إلى محل قابل والمحل القابل للحرارة والبرودة ليس هو الوجود وإنما هو الجسم، إما حار وإما بارد، إذن الموجود لابد أن يأتي ويصغر ويتحصص إلى أن يكون جسماً حتى تقول إما حار وإما بارد.
الموجود إما جوهر وإما عرض، صحيح أم لا؟ الجواب: غير صحيح، لأن لازمه أن الله إما جوهر وإما عرض، لأن الله موجود، الله عرض أم جوهر! ماذا تقول؟ الجواب: الله لا عرض ولا جوهر. أما يصح أن تقول الموجود إما علة وإما معلول لأن الله إما علة وإما معلول والله علة وليس بمعلول. لماذا لا يصح أن تقول الموجود إما جوهر وإما عرض؟ لأن الموجود ما لم يتحصص لا يحمل عليه الجوهرية والعرضية، ما هو تحصيصه؟ أن يكون ممكناً، فإذا صار ممكناً تقول الممكن إما جوهر وإما عرض، لا أن الموجود إما جوهر وإما عرض. هنا الجوهرية والعرضية حملت على الموجود مع الواسطة أو بلا واسطة؟ مع الواسطة، ما هي الواسطة؟ الإمكان.
هذه القضية تمشي، يعني تارة أن المحمول يعرض الموضوع مباشرة وأخرى أن المحمول يعرض الموضوع مع الواسطة، واسطة واحدة أو اثنين أو ثلاثة أو اربعة هذا يختلف.
أضرب لكم مثالاً، الموجود إما واجب وإما ممكن، هذا مباشر. تعال إلى الممكن، الممكن إما جوهر وإما عرض، تعالى إلى الجوهر وهو المحمول الثاني، وما كان محمولاً في القضية الأولى صار موضوعاً في القضية الثانية، يعني في المسألة الثانية، الجوهر إما عقل وإما نفس وإما جسم، والنفس إما نباتية، حيوانية، إنسانية، فلكية. هنا تعددت الوساطة. هنا صارت مشكلة وما بعدها مشكلة، نحن عندما نقول أن المحمولات لابد أن تكون عوارض ذاتية فقط التي بلا واسطة أو تلك المحمولات حتى مع الواسطة، أي منهما؟ الفاضل المعاصر هنا يقول بلا وساطة، خلافاً لجمهور المحققين الذين يقولون مع الواسطة.
هذه معضلة واقعاً، اليوم خذ كتاب السيد الخوئي أو السيد الصدر وغيرهم من الأعلام والمحققين الذين كتبوا في هذا الأمر، تجد المعركة الأصلية في بيان أقسام المحمولات، أن متى تكون الواسطة سبباً في أن يكون المحمول ذاتياً ومتى لا تكون الواسطة سبباً في أن يكون المحمول محمولاً غريباً، وإذا صار غريباً فليس من العوارض الذاتية، فيحمل، من مسائل العلم أو ليس من مسائل العلم؟ ليس من مسائل العلم.
إذن نحتاج أن نعرف ضابطة الواسطة التي تجعل المحمول عرضاً ذاتياً أو عرضاً خارجاً عن الذات، يعني ليس من العوارض الذاتية بل غريب.
أنا ألخص كثيراً، أنا أتكلم في الفتاوى لأن الأخوة يتصلون كثيراً عن الدخول في علم الأصول، بالأمس أجبت واليوم أجيب هذه الأبحاث في صلب علم الأصول، لا أقل أنت من تريد أن تراجع الكتب هذه الكتب موجودة، هذه الأبحاث موجودة، إلا أن تقول أني أريد أن أحذفها وذاك حديث آخر، لمن يريد أن يقف على كلمات القوم هذه الأبحاث موجودة فيها أيضاً.
التساؤل الثالث: وفيه دقة وعمق، هذا المحمول الذي اشترطنا فيه بحسب الاصطلاح أن يكون ذاتي وكلي ودائمي وضروري ومنتجاً لليقين، هذه خمسة، هل يشترط أن يكون مساوياً للموضوع أو لا يشترط؟ ماذا نعني بمساوٍ للموضوع؟ يعني إذا وضع الموضوع وجد المحمول، إذا رفع الموضوع رفع المحمول.
إذا وجد الموضوع وجد المحمول، ظاهر الشروط التي ذكرناها لابد أن هناك ملازمة، يعني كلما وضع الموضوع وضع المحمول وإذا ارتفع الموضوع ارتفع المحمول، بعبارة أخرى موجبة كلية من الطرفين، كلما وجد الموضوع وجد المحمول، وكلما وجد المحمول وجد الموضوع، وكلما ارتفع الموضوع ارتفع المحمول، وكلما ارتفع المحمول ارتفع الموضوع، هذه المسألة أخواني الأعزاء محل خلاف بين الفلاسفة، طبعاً كل هذه الخلافات التي جاءت في الأصول أولها بدأت هناك ورشحاتها وصلت إلى علم الأصول، المشهور قالوا لا تشترط المساواة خلافاً لما يتبادر، قالوا يمكن أن يكون العرض ذاتياً، دائمياً، كلياً، ضرورياً، يقينياً ومع ذلك أخص من الموضوع, يمكن أن يكون العرض أو المحمول بكل المواصفات الخمسة المتقدمة ولكن أعم من الموضوع، يعني ما معنى أعم؟ يعني المحمول موجود ولكن الموضوع مفقود، ممكن أو غير ممكن؟ ممكن ذلك ولا مشكلة فيه، ويمكن أن يكون مساوياً، المحمول للموضوع.
القول الأول وهو ضرورة المساواة، هذا القول موجود بين بعض الحكماء ولكن من بين المعاصرين اختاره السيد الطباطبائي قدس الله نفسه، والتزم بهذا بشكل واضح وصريح قال: (لابد أن يكون المحمول الذاتي مساوياً في الوضع والرفع مع موضوع العلم)، ذكر ذلك في (الأسفار، ج1، ص28، الحاشية رقم 3).
وهكذا ما قاله في (ص31): (إن المحمول الذاتي يجب أن يكون مساوياً لموضوعه لا أعم منه ولا أخص منه). وكذلك في (ص30): (وأن تكون ذاتية المحمول للموضوع بحيث يوضع المحمول بوضع الموضوع ويرفع برفع الموضوع). ورتب على ذلك نتيجة تعد من الناحية العلمية غريبة جداً، فلو سألت السيد الطباطبائي وقلت له الموجود ممكن أو الوجود واجب، مسألة فلسفية أو لا، يقول: ليست مسألة فلسفية، لماذا سيدنا ليست مسألة فلسفية؟ يقول: أن الإمكان مساوٍ للموجود أم أخص من الموجود؟ بعض الموجود ممكن، وليس كل الموجودات ممكن، وبعض الموجود واجب، وليس كل الموجودات واجب، إذن قولك الموجود واجب، هذه المسألة فلسفية أو ليست مسألة فلسفية؟ يقول: لا ليست مسألة فلسفية، تقول له: لماذا؟ يقول: لأنا اشترطنا في المحمول أن يكون مساوياً للموضوع، والوجوب غير مساوٍ للوجود، بل هو أخص. تقول له: إذن ما هي المسألة الفلسفية، وهذه من اختصاصاته، ما هي المسألة الفلسفية؟ يقول: المسألة الفلسفية إذا كان المحمول إما مساوي لنفسه أو هو وما يقابله مساوي للموضوع، يعني الموجود إما واجب وإما ممكن هذه مسألة فلسفية واحدة، وليست مسألتين، لأن الوجوب والإمكان كلاهما تجمعهما يساوي الموجود.
سؤال: الحق مع من؟
الجواب: الحق مع مشهور الحكماء، خلافاً للعلامة الطباطبائي، وذلك لأننا نحن لا نطلب في ضابط العرض الذاتي، تتذكرون في اليوم الأول بينا ما هو ضابط العرض الذاتي، وهو أن يكون المحمول متولداً ومنتشياً ومسبباً عن الموضوع، إذا كان كذلك فهو … ولا ننظر بعد ذلك إلى أن يكون أعم أو أن يكون أخص أو أن يكون مساوياً، لا علاقة لنا بذلك.
أضرب لكم مثالاً، عندما تقول اجتماع النقيضين ممتنع، هذا ممتنع، مساوٍ أو أعم أو أخص، يعني ماذا أعم؟ يعني امتناع موجود في موضوع آخر، والامتناع أعم أو مساوي؟ أعم لأن شريك الباري أيضاً ممتنع، اجتماع الضدين أيضاً ممتنع، الترجيح بلا مرجح أيضاً ممتنع، الدور والتسلسل أيضاً ممتنع، الآن حمل الامتناع على اجتماع النقيضين ذاتي أو ليس بذاتي؟ عرض ذاتي أو ليس بعرض ذاتي؟ عرض ذاتي. إذن يشترط في العرض الذاتي أن يكون مساوياً أو لا يشترط؟ لا يشترط، هنا نجد عرض نشأ من الموضوع مع كونه أعم.
مثال آخر، الكيف عرض، حمل العرضية على الكيف أو على الأين، هذا ذاتي أو ليس بذاتي؟ نعم، حقيقة الكيف أنه قائم، ما معنى عرض؟ يعني وجوده في غيره أو وجوده في نفسه؟ وجوده في غيره. قائم لا في موضوع، قائم في موضوع، سؤال: قولك الكم عرض، الأين عرض، المتى عرض، هذا مساوي أو أعم؟ أعم، لأن هذا العرض مع أنه ذاتي ولكن مختص بالكيف أو غير مختص به؟ غير مختص به. وقد يكون مساوياً. مساواة واضحة. كل موجود فله أثر خارجي، هل تجد موجود ليس له أثر خارجي، هذا أعم أو أخص أو مساوي؟ الجواب هذا مساوي، كل موجود فله أثر خارجي، وما له أثر خارجي فهو موجود، وقد يكون المحمول أخص، مثل الوجود علة، هذا العلة أخص من الموجود أو أعم أو مساوي؟ أخص، لأن بعض الموجود معلول. وحمل العلية والمعلولية على الوجود عرض ذاتي أو عرض غريب؟ عرض ذاتي، لأن الموجود بذاته إما أن يكون علة وإما أن يكون معلولاً، وهكذا في كل الباقي التي أشرنا إليها، الموجود إما واجب إما ممكن، كلاهما مجموعها يساوي الموضوع وكل واحد منهما إذا نظرت إليه على انفراد أخص … الموجود إما علة وإما معلول، الموجود إما ثابت وإما متغير، الموجود إما بالقوة وإما بالفعل، الموجود إما ذهني وإما خارجي. هذه كلها محمولات ذاتية مع كونها مساوية؟ لا، أعم؟ لا. وإنما هي أخص.
فتحصل إلى هنا في جواب التساؤل الثالث: أن العرض الذاتي هل يشترط أن يكون مساوياً أم لا؟ الجواب: لا يشترط أن يكون مساوياً لخلاف للسيد الطباطبائي، يمكن أن يكون مساوياً ويمكن أن يكون أخص ويمكن أن يكون أعم.
بقيت ثلاثة أو أربعة أسئلة مرتبطة بهذا البحث حتى ننتقل إلى البحث التالي.
والحمد لله رب العالمين.