أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
ذكرنا في البحث السابق بأننا لا ندور في العرض الذاتي مدار المساواة وعدمها، وإنما ندور في العرض الذاتي مدار أن الموضوع هل هو سبب وعلة تحليلية للمحمول أو ليس كذلك، ولا فرق بعد ذلك أن يكون المحمول مساوياً للموضوع أو أخص من الموضوع أو أعم من الموضوع في فرض الإمكان، لأنه في بعض الأحيان لا يعقل أن يكون المحمول أعم من الموضوع، باعتبار أن الموضوع هو أعم الأشياء، يعني عندما نأتي إلى موضوع الفلسفة الموجود بما هو موجود هل يوجد هناك شيء أعم من هذا الموضوع أو لا يوجد، لا يعقل، لأنه وراء الموجود هو العدم.
إذن عندما نقول أعم من الموضوع أو أخص أو مساوي في فرض إمكان أن يكون المحمول أعم من الموضوع.
هذا تقدم، وقلنا بأنه هنا خالف في ذلك البعض ومنهم السيد الطباطبائي واشترط أن يكون العرض الذاتي مساوياً لموضوع العلم وتبين أن هذا الكلام غير تام كما هو المشهور بين الحكماء ومنهم صدر المتألهين في الأسفار وغير الأسفار.
أما بحثنا الجديد وهو التساؤل الرابع، في التساؤل الرابع نحن فيما يتعلق بالعارض قلنا أن العارض يكون ذاتياً سواء كان أعم أو أخص أو مساوي، السؤال المطروح هل أن كل عرض، حتى ولو كان مساوياً، فضلاً عن أن يكون أخص أو أعم يكون عرضاً ذاتياً أم لا؟ لأنه نحن عندما نأتي في بعض الأحيان نجد أن العرض مساوي ولكنه مع ذلك هو ليس ذاتي وإنما هو غير ذاتي الذي يصطلح عليه بأنه غريب، أن العرض أخص ولكنه مع ذلك أنه ليس ذاتي بل غريب. أن العرض أعم مع أنه أعم إلا أنه غريب وليس بذاتي.
هنا توجد نكتة بودي أن يلتفت إليها الأخوة وهي أن حمل المحمول على الموضوع يكون بنحوين:
تارة أن المحمول لكي يحمل على الموضوع أو أن هذا الموضوع لكي يحمل عليه هذا المحمول ليس كافياً بذاته للحمل، وإنما لابد أن ينضم إليه أمر حتى يقبل هذا الحمل، وإلا ما لم ينضم إليه أمر فلا يقبل هذا الحمل، يعني لا يصح هذا الحمل، إذا حملته عليه من غير انضمام هذا الأمر يصح أو لا يصح؟ لا يصح. مثاله كما لو قلت زيد عالم، متى يحق لك أن تقول زيد عالم؟ إذا اكتسب العلم، انضم إليه العلم على فرض أن العلم شيء ينضم إلى الإنسان يعني من المحمولات بالضميمة كما يقولون، وما لم ينضم إليه العلم فلو قلت زيد عالم قضية صادقة أو غير صادقة؟ غير صادقة، متى تكون صادقة؟ إذا كان هناك أمر ضم إلى الموضوع عند ذلك يصح أن تقول زيد عالم. أو تقول هذا الجدار أبيض، متى يصح حمل الأبيضية على هذا الجدار؟ الجواب: إذا اصطبغ باللون الأبيض وإلا إذا لم يصطبغ بهذا اللون هل يصح قولك الجدار أبيض أو لا يصح؟ لا يصح، أو تقول هذا الماء حار، متى يصح حمل الحرارة عليه؟ إذا انضمت الحرارة إلى الماء وما لم تنضم إذن لا يصح حملها.
هذه المحمولات سواء كانت أعم أو كانت أخص أو كانت مساوية، هذه الأبحاث سنحتاجها بعد ذلك في بحث علم الأصول، بعد ذلك سيأتي بحث محمولات المسائل الأصولية، هل هي مساوية هل هي أعم هل هي أخص، لا يتبادر إلى الذهن أن هذه مقدمات لا يفرق العلم بها عن عدمه، لا أبداً، أنا هناك لا أعيد الاصطلاح بل أقول كما تقدم في المقدمات. لأننا من يوم السبت سندخل في البحث، وهو ما هو موضوع علم الأصول، ما هي مسائل علم الأصول، ما هو المنهج المتبع في تحقيق مسائل علم الأصول، لأننا نريد أن ندخل هذا العلم فلابد أن نعرف موضوعاتنا ومحمولاتنا ما هي، المنهج ما هو، التمايز بماذا، إلى آخر المسائل التي تطرح في علم الأصول.
إذن المحمولات سواء كانت أعم، وبينا بالأمس متى يكون المحمول أعم ومتى يكون أخص ومتى يكون مساوياً.
المحمولات سواء كانت أعم أو كانت أخص او كانت مساوية، هذه الأقسام الثلاثة من المحمولات إذا حملت لأجل أمر انضم إلى الموضوع نسميه العارض لأمر أخص، لا العارض الأخص، افهموا الاصطلاح ففهم الاصطلاح نصف العلم، العارض أخص؟ لا، خطأ، خلاف الاصطلاح، العارض لأمر أخص، يعني هذا الأمر جعل هذا العارض يعرض. والعارض لأمر أعم، والعارض لأمر مساوٍ. هذا النحو الأول.
النحو الثاني وهو أنه إن المحمول يعرض أو يحمل على الموضوع ولكن يحتاج إلى أن ينضم إليه شيء أو لا يحتاج؟ لا يحتاج. أعم من أن يكون هذا العارض أخص أو يكون العارض أعم أو يكون العارض مساوٍ. أخص مثل الموجود ممكن، هذا الإمكان مساوي للموجود أو أخص من الموجود؟ أخص، لأن بعض الموجود ليس بممكن، بل واجب. فهذا عارض لأمر أخص أو عارض أخص؟ لماذا؟ لأن الموجود لا يحتاج لكي ينضم إليه شيء كالحرارة والبرودة والبياض حتى يحمل عليه ممكن، بل بذاته هذا الموجود ممكن، الله تعالى واجب، هذا الموجود واجب، حمل الوجوب على الموجودية هل يحتاج إلى أن ينضم شيء إلى الواجب أو لا يحتاج؟ بذاته واجب.
النار حارة، هل تحتاج النار أن ينضم إليها شيء حتى تكون حارة أو أنها بذاتها حارة؟ هذا الطعام مالح، هذا يحتاج إلى أن ينضم إليه شيء أو لا يحتاج؟ نعم، يحتاج إلى أن ينضم إليه الملح حتى يصدق عليه مالح.
أما الملح مالح، تقول الملح بذاته مالح، ولا يحتاج إلى أن ينضم إليه شيء، الجسم أبيض، لكي يحمل البياض على الجسم يحتاج إلى انضمام اللون. أما البياض أبيض أو أسود؟ البياض أبيض بالأولوية القطعية لأنه إذا كانت الأشياء الأخرى ببركة البياض تكون بيضاء فما بالك بنفس البياض، فهو أبيض بذاته.
زيد عالم بتوسط العلم، إذن عالم بذاته أو بالعلم؟
إذا فرضنا أن الله عالم، هل هو عالم بالعلم أو بذاته؟ وهذا هو معنى أن الصفات عين ذاته.
إذن عندنا عوارض أخص وعوارض أعم وعوارض مساوية، فإذا كانت لأجل أمر يعرض هذا الأخص والأعم والمساوي نسميه عارض لأمر أخص، عارض لأمر أعم، هذا عارض لأمر أخص هذا الأخص ليس وصف الأمر بل وصف العارض، يعني أن الوصف أخص ولكنه بذاته عرض أم بواسطة أمر؟ بواسطة أمر. إذن من الآن أحفظوا اصطلاح عندنا عوارض أخص وعوارض لأمر أخص، عندنا عوارض أعم وعوارض لأمر أعم، عندنا عوارض مساوية وعوارض لأمر مساوي.
سؤال: إذا اتضح هذا الاصطلاح العارض الذاتي من؟ كلاهما أو قسم واحد منهما؟
الجواب: أن العرض الذاتي الذي قلنا أنه يمكن أن يكون أخص وأعم ومساوٍ هذا إذا كان لا لأمر بل بذاته، أما إذا صار لأمر حتى لو كان مساوياً فهو غريب، إذن لو سألك سائل: ما هو ضابط العرض الذاتي؟ نحن شرحنا فيما سبق قلنا المنتزع من ذاته، وهنا أضيف تقول إذا كان عارضاً أخص لا أن يكون عارضاً لأمر أخص، إذا كان عارضاً أعم لا أنه يكون عارضاً لأمر أعم، إذا كان عارضاً مساوٍ لا إذا كان عارضاً لأمر مساوٍ.
وهنا عندي تعليق، في الأعم الأغلب بلا أن أشير إلى الأسماء، في الأعم الأغلب ممن كتب في علم الأصول من الأعلام المعاصرين لم يلتفتوا إلى كلمات الحكماء أنهم يميزون بين العارض الأخص والعارض لأمر أخص، فلهذا نسبوا إليهم التهافت، وقالوا أنهم مرة يقولون أن هذا أخص ذاتي ومرة يقولون أنه ليس أخص ذاتي، ولم يلتفتوا أنه في المورد الذي قالوا ذاتي كان عارضاً أخص وفي المورد الذي قالوا ليس بذاتي كان عارضاً لأمر أخص. فلهذا تجدهم يستعملون هذا الاصطلاح على خلاف الاصطلاح يقولون وقد يكون العارض أخص أو قد يكون العارض لأمر أخص ومع ذلك ذاتي. جعل الاصطلاح لا مشاحة فيه، تضع الاصطلاح ضعه، ولكن هذا خلاف اصطلاح القوم.
هذا البحث سينفعنا في علم الأصول أن هذه المحمولات التي نحملها على الموضوع هل بذاتها محمولة أو لأجل أمر محمولة؟ يعني خبر الواحد بذاته حجة أو لأجل جعل الحجية لها من الشارع صارت حجة؟ فإذن عرض ذاتي أو ليست بعرض ذاتي؟ ولذا أنا أؤكد أن هذه ليست مقدمات تمهيدية، لا أبداً، كل البحث في علم الأصول هذا كله سنعيده من جديد، سنبدأ في يوم السبت ونقول بسم الله الرحمن الرحيم علم الأصول هل هو من القسم الأول أو من القسم الثاني أو من القسم الثالث؟ أولاً ثبت العرش، فإذا ثبت أنه من القسم الأول فما هو موضوعه وما هي عوارضه الذاتية وبماذا يتمايز، ما هو المنهج المتبع، وهكذا عشرات المسائل نطرحها واحدة واحدة بشكل واضح وتفصيلي.
إذا كانت ذاتية ما هي الأحكام، إذا كانت غير ذاتية ما هي الأحكام.
وخلاصة ما تقدم هي أننا لابد أن نميز بين العارض الأخص، العارض الأعم، العارض المساوي، وهذه أعراض ذاتية، وبين العارض لأمر أخص أو لأمر أعم أو لأمر مساوي فكلها غريبة.
الأخوة الذين يريدون المراجعة هذا البحث في (تعليقات صدر المتألهين على إلهيات الشفاء، ص51 و 52). يقول: (كما توهمه بعض أجلة المتأخرين ونسب كلام الشيخ إلى التناقض) قال الشيء الرئيس عجيب مرة يقول العارض الأخص ذاتي ومرة يقول العارض لأمر أخص غريب، ما الفرق بين العارض الأخص والعارض لأمر أخص، فتناقض الشيخ. (ونسب كلام الشيخ إلى التناقض حيث قال إنما يلحق الشيء لأمر أخص فهو عرض غريب ليس عرضاً ذاتياً مع أنه مثل العرض الذاتي بالمستقيم والمستدير للخط) الخط إما مستقيم وأما مستدير، في الدائرة الخط مستدير، هذه الاستقامة والاستدارة عرضان ذاتيان أو غرضان غريبان؟ لكي يكون الخط مستقيماً لابد أن ينضم إليه شيء أو أنه بذاته مستقيم؟ بذاته مستقيم، لا يحتاج كالبياض أن ينضم شيء إلى الجدار، هذا عرض ذاتي. قال: (ومنشأ هذا التوهم هو عدم الفرق بين العارض الأخص وبين العارض لأمر أخص …).
وكذلك البحث مفصل في (ج1، ص62) في إلهيات الشفاء للدكتور نجف قلي حبيبي.
إذن إلى هنا انتهينا من هذا التساؤل الرابع وهو أنه عرفنا ما هو ضابط العرض الذاتي إذا كان عرضاً لأمر فهو غريب إذا كان لذاته فهو …، إذا كان لأمر فهو غريب وإذا كان لا لأمر فهو ذاتي.
الآن يتضح الجواب عن سؤال آخر وسمه الجواب الخامس إن شئت، وهو أنه بالأمس سيدنا أنتم قلتم أن المحمولات كلها لابد أن تكون عوارض ذاتية لموضوع العلم، يعني أنت في كل المحمولات سواء كانت بلا واسطة أو كانت مع الواسطة موضوعها واحد أو متعدد بناء على أن لكل علم موضوعاً واحداً، ولكنا في الواقع لا نرى الأمر كذلك نجد في بعض الأحيان أن الموجود هو الموضوع وفي بعض الأحيان لا نجد الموجود هو الموضوع وإنما الإمكان هو الموضوع والإمكان غير الموجود، هذا موضوع وذاك موضوع آخر.
مرة تقول الموجود ممكن، هذه القضية موضوعها الموجود نفس موضوع العلم، وأخرى تقول الممكن إما جوهر وإما عرض، هذا موضوع المسألة نفس موضوع العلم أو يختلف عن موضوع العلم؟ بحسب الظاهر مختلف، لأن هناك موجود وهنا ممكن، ثم تأتي إلى الجوهر تقول والجوهر إما وجود عقلي وإما جسمي وإما كذا، الجوهر هو الموجود أو موضوع آخر؟ موضوع آخر. عندنا صار موضوع العلم وموضوع المسألة، وموضوع المسألة غير موضوع العلم، إذن لماذا تقولون أن لكل علم موضوعاً واحداً، من أين تقولون هذا؟
الجواب: هذه الموضوعات التي هي بحسب الظاهر غير موضوع العلم، يعني الإمكان والجوهرية والعرضية وغيرها، هذه ليست أمور انضمت إلى موضوع العلم، البحث دقيق، الأخوان يقولون لم نفهم هذا البحث هل هو في الفلسفة أو في الأصول، أسأل صاحب الكفاية لماذا فعل هذا، وأكثر الشروح الموجودة الآن بهذه الطريقة، ولا يمكنك أن تتجاوز هذه الأبحاث ببساطة لأنها موجودة في الكتب ومستعملة هذا الاصطلاحات فلابد أن تتعرف عليها شئت أم أبيت.
عندما قلنا قبل قليل، قلنا عندما نأتي إلى الماء لكي يكون حاراً لابد أن تنضم إليه الحرارة، أما عندما نأتي إلى الموجود فلكي يكون ممكناً هل يحتاج إلى أن ينضم إليه شيء أو لا يحتاج؟ إذن الإمكان ليس شيئاً وراء الوجود بل هو الوجود متحصصاً ومقيداً، وليس القيد شيئاً وراء المقيد.
إذن حقيقة موضوع المسألة في الواقع هو موضوع العلم ولكن موضوع العلم مطلق وموضوع المسألة محصص، حصة منه.
إذن دائماً في كل علم حقيقي الذي له موضوع واحد دائماً المحمولات تعرض على الموضوع مباشرة، بلا احتياج إلى إضافة شيء إلى الموضوع، نعم تارة الموضوع يكون عام وأخرى يكون الموضوع خاص، حصة من الموضوع العالم. ومن هنا لا يوجد عندنا موضوع المسألة وموضوع العلم، نعم، يوجد عندنا أن الموضوع قد يكون مطلقاً وقد يكون محصصاً بحصة.
التساؤل الذي بعده وهو من أهم الأبحاث وهو مرتبط بالمنهج، التساؤل السادس: ما هي تلك القضايا والمبادئ التي نستند إليها في الاستدلال على مثل هذه العلوم التي يكون الموضوع والمحمول أعراض ذاتية في الموضوع، أي سنخ من القضايا نستند إليها، يعني أنا عندما أريد أن أبحث مسألة وهذه المسألة تعد من القسم الأول من المسائل يعني المحمول عرض ذاتي للموضوع والموضوع سبب لهذا المحمول، عندما أريد أن أستدل بأي نحو من الأدلة والقواعد والمبادئ والقضايا استدل؟
إذا تتذكرون نحن قلنا بأن هذا القسم الأول من المسائل ينتج اليقين، إذن أنت في أي قضية تريد أن تستند لابد أن يكون الدليل دليلاً يقينياً، يعني يجب أن تشكل لي قياس من الشكل الأول هذه صغرى القياس، وكبرى القياس عندما تقول العالم حادث وكل حادث يحتاج إلى محدث، هذه العلاقة بين العالم حادث، هذه القضية يكفي أن تكون نقلية، أقول لك ما الدليل على أن العالم حادث، تقول لي الرواية قالت، هل يكفي؟ لأنك تريد أن تصل إلى نتيجة يقينية والدليل النقلي يعطيك اليقين أو يعطيك الاطمئنان أو الظن؟ لا يمكن أن تستند إلى قضية نقلية، قضية تاريخية، قضية عقلائية، للوصول إلى نتيجة يقينية، ما هي أنواع القضايا التي لابد أن نستند إليها؟ أنواع القضايا التي نستند إليها كما قال السيد الشهيد، قاله في المنطق الارسطي، ولكنها موجودة في الأسس المنطقة، قال (أنواع القضايا التي لابد أن نستند إليها هي الأوليات والمحسوسات والتجريبيات والمتواترات والحدسيات والفطريات). أنت في أي قضية مرتبطة بالقسم الأول من هذه القضايا لابد قواعدك وقضاياك واستدلالاتك نابعة من هذه الأمور الستة، يعني القضايا اليقينية أو التي تنتهي إليها. هذه أوليات وهذه بديهيات، قد توجد عندك قضايا عقلية ولكنها نظرية ولكن استنادها إلى هذه البديهيات من قبيل هل يمكن أن يتقدم الشيء على نفسه، بأي دليل؟ لو سألك شخص هل يتقدم الشيء على نفسه، ماذا تقول له؟ يتقدم المعلول على علته وجوداً، يعني قبل أن تأتي العلة المعلول موجود، لا يعقل، ما الدليل؟ تستطيع أن تقول الآية الكذائية أو الرواية الكذائية؟ لا، لماذا مع أن هذا نص قرآني، نقول نعم النص القرآني مفاده ظني ظاهري، ظاهر والظاهر يفيد الظن ولا يفيد القطع، وأنا أريد نتيجة يقينية فإذا كانت في المقدمات ظنيات والنتيجة تتبع أخس المقدمات فالنتيجة تكون ظنية ولا تكون يقينية. متى تكون يقينية؟ إذا كانت إما هي أولية ذاتية، بديهية، أو منتهية إلى البديهيات. يعني هل يمكن أن يتقدم الشرط على مشروطه أو لا يمكن؟ هل يمكن أن تتوارد علل متعددة على معلول واحد؟ لأن قاعدة الواحد تقول كل معلول له علة واحدة، هل يمكن أن يتقدم العرض على موضوعه؟ يوجد العرض ولكن الموضوع غير موجود، ممكن أو لا؟ هل يمكن أن ينتفي الجزء ولا ينتفي الكل يمكن أو لا يمكن؟ لأن الكل هو مجموع الأجزاء فإذا انتفى جزء منه فالمركب عدم عند عدم جزءه، هذه القواعد ضرورية أو بديهية؟ لا، هذه القواعد نظريات منتهية.
إذن أنت في أي قضية يقينية إذا تريد أن تستند لابد أن تستند إلى قواعد يقينية، أريد أن استبق البحث هنا، في الفقه يمكن الاستناد إلى أنه يستحيل تقدم المشروط على شرطه، في باب الاستحاضة، يجوز أو لا يجوز، يستغرق البحث فيها أشهر هل يجوز أو لا يجوز، هؤلاء الأعلام والحكماء والفلاسفة قالوا أن هذه الأمور مرتبطة بالأمور التكوينية يعني بالقسم الأول من القضايا، أما في القسم الثاني والثالث فهذه القواعد غير جارية، لا معنى أن تأتي بقاعدة مرتبطة بقضية وجودية فلسفية وتطبقها أين … هل يمكن أن يبقى العرض بلا موضوع أو لا يمكن، هل يمكن الترجيح بلا مرجح؟ في الواجب التخييري استند الآقايون كثيراً إلى قاعدة الترجيح بلا مرجح؟ هل يمكن الاستناد إلى قاعدة الترجيح بلا مرجح في باب الواجب التخييري أو لا يمكن؟ الفلسفة كلها متداخلة في الفقه والأصول وغيرها.
أنت ماذا لابد أن تفعل؟
أنت عندما تأتي إلى علم الأصول في النتيجة لابد أنت مرتب مبناك أن علم الأصول هل يستند فيه إلى القواعد العقلية للإثبات والنفي أو أساساً تلك القواعد العقلية مرتبطة بموضوعات أخرى؟ إذا لم تنته من هذه القضايا تبقى تتخبط في علم الأصول، ما المحذور الشرعي أن الغسل المتأخر يكون شرطاً لصحة المتقدم؟ هل فيه محذور؟ تقول كيف يمكن أن يتقدم. هذه للأمور الوجودية وهذا أمر اعتبار الشارع هكذا يريد أن يجعله فلا مشكلة فيه، نعم إذا دل الدليل صحيح وإذا لم يدل الدليل فلا مشكلة.
أما إذا جئت إلى مسألة الجمع بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري، هناك تقرأ فلسفة بالمعنى الأخص ولكن بألفاظ علم الأصول، اجتماع الضدين واجتماع النقيضين واجتماع المثلين، صحيح أو ليس بصحيح، في الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي ماذا عندك هناك، واقعاً كل إشكالات اجتماع الضدين واجتماع المثلين واجتماع النقيضين، خلاف الحكمة.
سؤال: هذه جارية في الأمور الاعتبارية غير الحقيقية، يعني غير التي هي من القسم الأول أو غير جارية أساساً، أي منهما؟ لابد في اول المرة أنت كمحقق وكمجتهد تريد أن تدخل في البحث الأصولي رتب مبناك وقل أن علم الأصول قضاياه أما من القسم الأول وأما من القسم الثاني، فإذا كان من الأول فخذ كل القواعد العقلية وطبقها في علم الأصول كما فعل المحقق الأصفهاني، أنت أقرأ مكاسب الشيخ الأصفهاني، الكمباني أيضاً، خصوصاً في بحث الفضولي تقرأ فلسفة ولكن بألفاظ الفقه، لأن مبناه يرى أن هذا من سنخ ذاك.السيد السبزواري عندما تقرأ له لا ترى هذه في كلماته، ترى أنه استند بشكل قليل إلى القواعد العقلية لأن يرى بأن هذه القواعد، وأنا لا أدري أن مبناه هذا، أنا أتكلم في النتيجة، أن هذه لا علاقة لها بهذه، هذه لها عالم وهذه لها عالم آخر.
هذا الذي يطول عملية الاجتهاد في الحوزات العلمية، يبقى الطالب أربعين سنة يراوح في مكانه ولم ينه دورة أصولية، لأنه أساساً ليس هناك وضوح في المنهج، من هنا ندخل أو من هنا ندخل؟
أرجع إلى أصل البحث، إذن في القسم الأول من القضايا التي يكون الموضوع فيها سبباً وعلة تحليلية للمحمول، إذا أردنا أن نستدل فلا يمكن الاستناد إلا إلى قواعد يقينية بالمعنى الأخص وهي البديهيات أو ما تنتهي إليها، ولذا السيد الشهيد رحمة الله عليه يعبر ويقول: (والبرهان هو الاستدلال الوحيد الذي يؤدي إلى اليقين بالقضية المستدلة وعلى هذا فلا يمكن الاستناد إلى المظنونات وإلى المشهورات، والى المسلمات، وإلى المقبولات وإلى الوهميات وإلى المشبهات) فلا يمكن الاستدلال في قضية من القسم الأول بأمر من المشهورات، ببيت من الشهر مثلاً، لا يمكن هذا.
وأختم حديثي بنكتة عقائدية.
سؤال: لو قبلنا وسلمنا أننا نحتاج في التوحيد لكي نؤمن لابد أن يحصل لنا يقين بالمعنى الأخص، يعني ماذا يثبت لنا؟ يعني أن الله موجود وأنه يستحيل أن لا يكون موجود، يمتنع أن لا يكون موجوداً. إذا قبلنا هذا المعنى وجملة من الأعلام هذا مبناهم، أنت تريد أن تستدل على قضايا مثل قضايا التوحيد أو مسائل التوحيد يمكن الذهاب إلى الكتاب والسنة أو لا يمكن؟ أقول ما الدليل على أن الله موجود، تقول لي في صحيحة أبي عبد الله الصادق، هل هذا صحيح أو لا؟ ليس بصحيح، لماذا؟ أقول لك ما الدليل على ان الله موجود، تقول لي قوله تعالى (أفي الله شك فاطر السموات). ما هو الإشكال؟
الجواب: أن هذه الآية أو الرواية بعضها ظني الدلالة وظني السند، إذن هي من المظنونات وليست من اليقينيات، فإذا كانت المقدمات يقينية فهل يمكن أن تعطي نتيجة يقينية، القرآن تقول ليس عندنا مشكلة في سند فسنده متواتر، لا مشكلة فيه، ولكن كل آيات القرآن مضمونها نص قطعي أو ظواهر في الأعم الأغلب؟ والظهور في علم الأصول هل يفيد القطع واليقين، حتى لو أفاد القطع واليقين فهو يفيد الجزم بثبوت المحمول للموضوع ولا يفيد استحالة انفكاك المحمول عن الموضوع، فإذن لا يمكن الاستناد.
فكيف أنت مؤمن أن الله من موجود؟ لا تقول لي سيدنا لماذا تريد أن تشككنا. أقول، لا أريد أن أشكك، بل أريد أن أقول أن هؤلاء الذين يقولون أنه لا نحتاج إلى القواعد العقلية ولا نحتاج إلى الفلسفة ولا نحتاج إلى البحوث الكلامية، بل يكفينا كتاب وسنة ليجيبونا. لعلهم وصلوا إلى أمور نحن لم نصل إليها، فليدلونا على الطريق.
إذن في كل قضية عقدية نحتاج فيها إلى اليقين بالمعنى الأخص لا طريق لنا إلى ذلك إلا القضايا اليقينية المستدلة إما بداهة وإما منتهية إلى البداهة.
تقول لي: سيدنا هل تريد أن تترك الكتاب والسنة وتضعه على جانب؟
أقول: لا، استطيع أن استند إلى الكتاب في جملة من الأحيان، استطيع أن استند إلى النص إذا كان في النص استدلال عقلي، لأنك عندما تنظر إلى نهج البلاغة تجد أمير المؤمنين في كثير من الأحيان لا يقول أن الله ليس بمعدود، تقول له: يا أمير المؤمنين لماذا الله ليس بمعدود؟ يقول: لماذا تسأل، أنا إمامكم المعصوم أقول أن الله ليس بمعدود، هل يجيبني هكذا أو بماذا يجيب؟ يقول: ومن حده فقد عده ومن عده فقد أبطل أزله، هذا استدلال، نعم ورد في رواية ولكن قاعدة عقلية.
ومن هنا أنت الطالب الفاضل والمحقق لابد أن تبحث ما هي الملازمة بين أن يكون الموجود معدوداً وأن يكون حادثاً، لماذا؟ من قال أن كل معدود فهو حادث، من أين هذا؟ أمير المؤمنين يبين القاعدة، لو ترك العقل الإنساني لعله لم يصل إلى هذه القاعدة العقلية، أمير المؤمنين أصّل هذه القاعدة لك، ولكن بيان القاعدة وتنظير القاعدة وتأسيس القاعدة وظيفة من؟
إذن في البحث العقدية لا مناص من القضايا اليقينية، لا اسميها بالعقلية ولا بالفلسفية، في البحث العقدي لا مناص إلا من القضايا من السنخ الأول، هذه إما عقلية وإما نقلية ولكنها مستفادة. يبقى سؤال واحد نبحثه في يوم السبت وندخل إن شاء الله في علم الأصول لتطبيق كل هذه القواعد عليه.
والحمد لله رب العالمين.