أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
قلنا أن الأساس في معرفة أن علم الأصول له موضوع واحد أم لا وأن الأعراض والمحمولات التي تعرض أو تحمل في المسائل فيه هي أعراض ذاتية أم لا، وأن المنهج المتبع فيه هو منهج واحد أو مناهج متعددة أم لا. وأن تمايز هذا العلم عن باقي العلوم في الموضوع أو لا، وأن النتائج المترتبة عليه هل هي نتائج يقينية كلية ضرورية دائمية أو لا، متوقف على مسألة واحدة، وهي معرفة أن المحمولات في مسائل علم الأصول، سواء كانت خمسين مسألة أو مئة مسألة أو ألف مسألة، أن المحمولات في مسائل علم الأصول هل نسبتها إلى موضوعاتها هل هي من القسم الأول أم ليست من القسم الأول. فإن ثبت أن المحمولات فيها من القسم الأول فيثبت أن لعلم الأصول موضوع واحد، لا يتبدل، ومن هنا وظيفة المحقق والدارس والعالم والطالب أولاً أن يعين موضوع علم الأصول، لأن هذه المحمولات جميعاً إنما تستبطن وتنتزع من بطن هذا الموضوع فإذا لم تعرف الموضوع لا تستطيع أن تحمل عليه محمولاً، هذا محال ولا يمكن، إذن الوظيفة الأولى والمسؤولية الأولى هي أن تعين موضوع علم الأصول، فإذا اتضح الموضوع الأعراض الذاتية تتضح، وتمايز العلم يكون بالموضوع، والمنهج أيضاً يتضح وهو منهج يقيني ارسطي، والنتائج التي تنتهي إليها (2+ 2= 4)، إذن أول بحث في علم الأصول أن تعرف أن هذا من هذا القسم أو من ذاك القسم، أن المسائل في علم الاصول من القسم الأول، يتذكر الأخوة أننا ذكرنا ثلاثة أقسام، القسم الأول أن يكون الموضوع علة تحليلية لحمل المحمول عليه، القسم الثاني أن يكون الموضوع علة ولكن مع ألف قيد وقيد كما في المصالح والمفاسد، القسم الثالث اعتبارات واستحسانات معنية أن يكون الموضوع سبباً لحمل هذا المحمول، الفاعل مرفوع، لماذا أن الفاعل مرفوع؟ لو سألت هذا السؤال لماذا أن الفاعل مرفوع؟ لماذا أن الصلاة واجبة؟ لماذا أن خبر الثقة حجة؟ لماذا أن اجتماع النقيضين محال؟ هذه أسئلة أربعة مرتبطة بأربعة أنواع من المحمولات.
الجواب: في قولنا اجتماع النقيضين محال، لماذا؟ يقول أساساً لا يمكن إلا أن يكون محال، هو ليس بأيدينا لماذا، سببه ما هو؟ علته التامة هو اجتماع النقيضين، لماذا أن شريك الباري ممتنع، وهذا ليس امتناع وقوعي بل امتناع ذاتي يعني يستحيل أن يكون له ثاني كاستحالة اجتماع النقيضين، لماذا؟ لأن هذا الموجود سنخ موجود أساساً يمكن أن يوجد له ثاني أو لا يمكن؟ لا يمكن، لماذا أن خبر الثقة حجة؟ باعتبار أن الشارع، الشارع لا يعتبر مجاناً وإنما يعتبره للمصالح المترتبة على جعل الحجية، ولذا قالوا لقوة الاحتمال أو لقوة المحتمل أو لإصابة الواقع في الأعم الأغلب يورث الظن …، ليس جزافياً، وإلا لماذا لم يجعل القياس حجة؟ الجواب: لأن هذه المصالح موجودة فيه أو غير موجودة؟ غير موجودة، لماذا أن الصلاة واجبة؟ لما فيها من المصلحة بالنسبة إلى المكلف، لماذا أن الفاعل مرفوع؟ لأن الفاعل بذاته يقتضي أن يكون مرفوعاً في القسم الأول؟ لا. لأن الفاعل لكي يكون مرفوعاً فيه مصلحة مثلاً؟ لا. لماذا؟ الواضع من اليوم الأول ماذا جاء في ذهنه وقال هذا مرفوع وهذا منصوب لابد أن نسأله عن سبب الرفع والنصب.
سؤال: خبر الثقة حجة مسألة أصولية، الظهور حجة مسألة أصولية، الإطلاق حجة مسألة أصولة، العموم حجة مسألة أصولية، الاستصحاب حجة مسألة أصولية، البراءة حجة مسألة أصولية، وهكذا عشرات المسائل، هذا أي نوع من المسائل؟ هل هو من القسم الأول أم لا؟ الجواب: لدليلين أو لشاهدين أن هذه المسائل ليست من القسم الأول، شاهدين:
الشاهد الأول: استقراء موضوعات المسائل الأصولية، استقرأها أنت من أول ما تدخل في بحث الوضع والصحيح والأعم والمطلق والمعنى الحرفي والعموم ومقدمة الواجب والترتب وغيرها من المسائل إلى آخر أبحاث التعارض، بينك وبين الله استقرأها إذا وجدت مسألة واحدة من هذه المسائل لها شباهة بقولنا اجتماع النقيضين محال لك الحق، كلها مسائل تشبه القسم الأول أو لا تشبه؟ وهذا ما صرح به الأعلام.
السيد الشهيد في (المعالم الجديد، ص115) يقول تحت عنوان مصادر الإلهام للفكر الأصولي، يعني المسائل التي جاءت إلى علم الأصول من موارد أخرى مثل علم الكلام (علم الكلام فقد لعب دوراً مهماً في تموين الفكر الأصولي وإمداده) يعني عشرات المسائل جاءت من علم الكلام (الفلسفة وهي أيضاً دخلت إلى المسائل). وكذلك عندك مسائل نقلية مثل خبر الثقة حجة، الظهور حجة، إذن الموضوع واحد أو متعدد؟ لا يستطيع أن يقول قائل أن موضوع المسألة الفلسفية نفس موضوع المسألة الكلامية ونفس موضوع المسألة اللفظية ونفس موضوع المسألة اللغوية. هذا يعقل؟ الموضوعات تكون متعددة.
وأوضح من ذلك ما ذكره السيد السيستاني في (الرافد في علم الأصول، ص18 – 30) قال: (الحقول التي أثرت في إمداد الفكر الأصولي) يعني أعطت وأقرضته مسائل، في (ص18) يقول: (العلوم التي استفدنا منها في تحقيق المسائل الأصولية الفلسفة وعلم القانون وعلم النفس وعلم الاجتماع) ومن هنا يبحث حقلاً مستقلاً في تأثير الحقل الفلسفي في الأصول، تأثير الحقل الاجتماعي في الأصول، تأثير الحقل المنطقي في الأصول، تأثير الحقل الروائي في الأصول، تأثير الحقل القانون في الأصول، وعشرات المسائل جاءت من علم واحد أو من علوم متعددة؟
سؤال: هل يمكن أن يكون موضوع هذه المسائل أمراً واحداً، ممكن أو غير ممكن؟
إذن هذا هو الشاهد الأول على أن موضوع علم الأصول يستحيل أن يكون موضوعاً … إذا صبر الأخوة معي، تقول لي سيدنا لماذا تذهب يميناً وشمالاً، السيد الشهيد صور لنا موضوعاً واحداً وهو العنصر المشترك، إن شاء الله بعد ذلك سنقف مطولاً عند مبنى سيدنا الشهيد لنرى أنه ينفع أو لا ينفع.
هذا هو الشاهد الأول.
الشاهد الثاني: أعبر عنه بالشاهد الإني، السيد الشهيد يقول أن الأدلة المستعملة في تحقيق المسائل الأصولية على ثلاثة أنحاء، طبعاً هي أكثر ولكن من باب الإجمال، يقول بعض الأدلة لفظية وبعض الأدلة عقلية وبعض الأدلة شرعية ونقلية.
سؤال: إذا كان الموضوع واحداً ومحمولات هذا الموضوع أعراض ذاتية له، هل يعقل أن يكون الأدلة على ثلاثة أقسام أو يكون نحو واحد من الأدلة؟ متى تكون الأدلة متعددة؟ إذا كان الموضوع متعدداً فإن كل موضوع يستلزم نحواً من الدليل لما ذكرنا سابقاً أن هناك سنخية بين الموضوع وبين نوع الدليل الذي يستعمل فيه. إذا كان الموضوع طبيعياً فدليله يكون تجريبياً، وإذا كان الموضوع شرعياً فدليله يكون من الشارع، إذا كان الموضوع رياضياً فدليله يكون رياضياً.
سؤال: تسعة تقسيم ثلاثة كم الناتج؟ إذا قلت لأحد أرى الروايات ماذا تقول. يجيبك ما علاقة هذا بالروايات، تسعة تقسيم ثلاثة الناتج ثلاثة، هذه مسائل الرياضيات لابد أن نرجع فيها إلى الرياضيات، لا أن نرجع إلى الروايات، ولذا لو جاءت رواية صحيحة السند اعلائية تخالف قانوناً رياضياً جزمياً ماذا تفعل بالرواية؟ هل تتلاعب بالقانون الرياضي أو تأول الرواية، إلا إذا كنت تفكر بالمقلوب فأنت حر في هذا.
إذا كانت العلوم الطبيعية والفلكية بينت لنا أن القمر كروي كالأرض وأنه فيه تراب ويمكن الاقتطاع منه وأخذ جزء منه، ابن سينا يقول كل الأدلة الفلسفية تقول أن كرة القمر لا تتبعض، لا نستطيع أن نأخذ منها شيء، ماذا تقول له؟ تقول شيخنا مع كل احترامي قضية إمكان أخذ قطعة من القمر أو عدم إمكانه هذه قضية تجريبية لا ربط لها بالبحث الفلسفي لماذا تدخل نفسك فيما لا يعنيك.
إذن عندما يتعدد الدليل ونحو الدليل والقواعد الاستدلالية هذا خير شاهد على أن الموضوع واحد أو أن الموضوع متعدد؟ ولذا السيد الشهيد في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص57) يقول: (والواقع أن المسائل الأصولية قد عرفت أنها تتضمن البحث عن الأدلة المشتركة) لأنه بصدد إثبات أن علم الأصول له موضوع واحد هو الدليل المشترك والعنصر المشترك في عملية الاستدلال الفقهي، وسيأتي بحثه (وهي) المسائل الأصولية (وهي متنوعة من حيث نوع الدلالة وكونها لفظية أو عقلية أو شرعية) إذا كان الموضوع واحد لماذا بعضها شرعية وبعضها لفظية، يعقل أن يكون موضوع واحد ولكن يبحث عقلياً لفظياً شرعياً، يعقل هذا؟ هذا يكشف عن أن موضوعات علم الأصول على نحو واحد أو على أنحاء متعدد؟ على أنحاء متعددة.
إذن هذان الشاهدان بينة علمية على أن علم الأصول لا يوجد فيه موضوع واحد. والنتيجة، الآن نستعرض المسائل السابقة:
أولاً: أن علم الأصول له موضوع واحد أو ليس له موضوع واحد؟ ليس له موضوع واحد. كم موضوع له؟ بحسب المسائل المطروحة فيه، لعل أنواع الموضوعات الموجودة فيه خمسة، الموضوع الأول فيه عشرين مسألة، الموضوع الثاني فيه ثلاثين مسألة، الموضوع الثالث فيه مئة مسألة، خمسة موضوعات، عشرة موضوعات، هذا أولاً.
ثانياً: أن المحمولات فيها أعراض ذاتية للموضوع أو لا؟ إذا كانت المسألة المبحوث فيها في علم الأصول مسألة عقلية من القسم الأول تكون أعراضها ماذا؟ أما إذا كانت المسألة صرفية نحوية لغوية فالمحمول ليس عرضاً ذاتياً، إذن ليس بالضرورة، فهو تابع للموضوع الذي يبحث عنه في المسألة، فإن كان الموضوع عقلياً فالمحمول ذاتي، وإن لم يكن كذلك فالمحمول ليس عرض ذاتي، ليس عندنا جواب كلي بأنها ليست أعراض ذاتية، ولا أنها كلها أعراض ذاتية وإنما تابع للموضوع.
سؤال: أن التمايز بين هذه المجموعة من المسائل وبين العلوم الأخرى بماذا؟ نحن قلنا أن العلوم الحقيقية تمايزها بموضوعاتها، هنا هل يمكن أن نقول أن التمايز بالموضوعات إذا كان التمايز بالموضوعات هذا العلم فيه خمسة موضوعات فهو ليس علماً واحداً بل خمسة علوم، إذا فرضنا أن التمايز ينحصر بالموضوعات إذن أساساً علم الأصول هو علم واحد أو عشرة علوم، إذا كانت عشرة علوم ومن عشرة موضوعات ومن عشرة حقول كما أشرنا إليه إذن لماذا جمعت هذه المسائل تحت عنوان واحد اسمه علم الأصول أو مباحث الاستنباط الفقهي، لماذا؟
الجواب: لأن هذه المجموعة من المسائل وهذا الكشكول من المسائل، بعضها فلسفية وبعضها قانونية وبعضها اجتماعية وبعضها فقهية وبعضها كلامية وبعضها منطقية، هذا المجموع من هذه المسائل … إذن الموضوع لماذا اجتمعت هذه المجموعة من الموضوعات والمسائل تحت عنوان واحد؟ الجواب: لأنها بهذا المجموع النوعي تحقق غرضاً واحداً وهو أنها تعطي لمن أحاط بها بشكل علمي تعطيه قدرة الاستنباط. أما للحكم الشرعي وأما للمعارف الدينية، على التفصيل الذي تقدم بالامس.
إذن هذه المجموعة منا لمسائل بماذا تتمايز عن مجموعة أخرى من المسائل، بموضوعها؟ لا، وإنما بالغرض المترتب عليها، ولذا قد تكون مسألة واحدة مسألة كلامية واحدة تدخل في عدة علوم في علم تحقق غرضاً وفي علم آخر بحيثية أخرى تحقق غرضاً آخر مع أنها مسألة واحدة. وهذه نكتة أساسية لابد أن تلتفتوا أنه بناء على أن العلوم تتمايز بالأغراض يمكن أن تتداخل مجموعة مسائل في عدة علوم. يعني بحث المعنى الحرفي أين يدرس؟ يدرس في فقه اللغة، ولا علاقة لها بنا، أن الكلمات تنقسم إلى معنى اسمي والى معنى حرفي، لماذا يقسمها اللغوي إلى ذلك؟ لغرض معين عنده، لماذا أنت تقسمها إلى اسمي وإلى حرفي عندك نفس الغرض أم غرض آخر؟ عندك غرض آخر مع أنها مسألة واحدة.
إذن ممكن مسألة واحدة ولا يلزم التكرار أيضاً لأنها هناك بحثت لغرض ولحيثية وهنا بحثت لغرض آخر وبحيثية أخرى، ولذا علم من الأعلام كالسيد البجنوردي رحمة الله تعالى عليه في كتابه (منتهى الأصول، ): (والتحقيق أن العلوم) يعني كل مجموعة من المسائل، لا العلم الاصطلاحي (تقسم إلى قسمين، قسم دوّن لأجل معرفة حالات حقيقة من الحقائق) الموجود ما هي أحكامه هذا موضوع الفلسفة، العدد ما هي أحكامه هذا موضوع الكم المنفصل (وقسم آخر عبارة عن مجموع قضايا مختلفة الموضوعات والمحمولات) ليست موضوع واحد وإنما عدة موضوعات، لماذا جمعت إذا كانت مختلفة الموضوع والمحمول لماذا جعلت تحت عنوان واحد اسمه علم الأصول (جمعت ودونت لأجل غرض خاص وترتب غاية مخصوصة عليها) وإلا لو يكن ذلك الغرض هذا الاجتماع لا سنخية فيه، ولا رابط فيه، رابطه ما هو؟ في العلوم الحقيقية الرابط هو الموضوع نفسه، يجمعها جميعاً تحت عنوان واحد، أما هنا لا يجمعها الموضوع تحت عنوان واحد بل الغرض المترتب، الخيط الذي يجمع هذه المسبحة تقول هذه مسبحة واحدة أو عشرة؟ تقول هذه مسبحة واحدة مع أنها مئة حبة، هذه الوحدة من أين جاءت؟ هذه الوحدة جاءت من هذا الخيط لو قطعته لا تستطيع أن تقول أنها مسبحة واحدة بل هي مئة حبة.
الرابط في العلوم الحقيقية الذي يجعل العلوم واحد هو الموضوع هو الخيط الرابط بينها جميعاً هو المشترك فيها جميعاً، أما في القسم الثاني من العلوم الرابط ليس الموضوع، الموضوعات متعددة والمحمولات متعددة، الرابط هو الغاية، واطمأنوا كل الأقسام الأخرى غير القسم الأول، علم النحو ليس فيه موضوع واحد بل أن فيه غرض واحد (بحيث لولا ذلك الغرض وتلك الغاية لم تدون تلك المسائل ولم تجمع ولا فائدة في معرفتها وتسميتها باسم مخصوص) هذا عبث ما الفائدة من جمعها (ففي هذا القسم ليس الجامع لهذه المسائل المختلفة إلا تلك الغاية وترتب ذلك الغرض) ثم يبدأ نقده الشديد لصاحب الكفاية يقول: (ولا أدري أي ملزم ألزمهم بالقول بوجود موضوعاً واحداً جامعاً لجميع موضوعات المسائل في جميع أقسام العلوم) من أين جاءوا بهذا لا نعلم؟ لأن الذين قالوا بالموضوع الواحد قالوه في العلم الحقيقي حتى أن صاحب الكفاية بعدما يأس من تعيين موضوع كلي لمسائل علم الأصول قال بوجود جامع مجهول العنوان، يقول يوجد ولكن لا نعرفه.
شيخنا الجليل يرفع الله مقامك في عالم البرزخ إذا لم تكن تعرف الموضوع كيف تنتزع المحمول منه، يعقل أو لا يعقل؟ لأنه إذا كان الموضوع معلوماً تقول هذا الموضوع يقتضي هذا المحمول، وإذا كان الموضوع مجهولاً فلا يمكن معرفة المحمولات.
هذا البحث بنحو إجمالي أشرت إليه في كتابي (القطع، ص97) بنحو الإجمال، وإلا تفصيله ما ذكرناه، باعتبار أننا ذكرناه إجمالاً، قلنا هناك: (تأسيساً على ما تقدم فنحن نعتقد بأن ما يصطلح عليه بعلم الأصول ليس علماً بالمعنى الفني للعلم) يعني بالمعنى الذي يقوله الفيلسوف والمنطقي (فلا يتميز عن باقي العلوم الحقيقية بمائز واقعي ذاتي وإنما هو مجموعة من القواعد التي يحتاج إليها الفقيه في عملية استنباط الحكم الشرعي وإن كانت تنتمي إلى علوم متعددة ومختلفة).
يبقى عندنا سؤال أشير إليه الآن وسيأتي جوابه، فإن قلت: ماذا تقول فيما ذكره السيد الشهيد من أنه استطاع أن يصور موضوعاً واحداً ومحوراً فارداً لكل مسائل علم الأصول اسماه العنصر المشترك في عملية الاستدلال الفقهي أو المادة المشتركة لا بشرط من حيث المادة الفقهية، هذا اصطلاح وبيان آخر للمعنى، وسيأتي بحثه إن شاء الله، ماذا تقولون هذا ألم يكن كافياً لتصوير موضوع واحد لعلم الأصول؟
يكون في علم الأخوة أجد أننا إذا أردنا أن نمر بالتسلسل الذي مر به هذا البحث يعني من صاحب هداية المسترشدين إلى زماننا هذا ما قاله صاحب الكفاية وما قاله الأصفهاني وما قاله العراقي وما قاله النائيني وما قاله السيد الخوئي وما قاله السيد الصدر، من الواضح أننا نحتاج إلى ثلاثة أشهر لبيانه ولكن نحن نحاول أن نختصر الطريق، أدق هذه المحاولات وأحسنها وأعمقها هو ما ذكره السيد الشهيد بعد أن حاول أن يدفع كل النقوض والإشكالات على ما ذكره الآخرون من تصوير موضوع علم الأصول انتهى إلى هذه النظرية ولذا اعتقد نحن لا ندخل فيما ذكره صاحب الكفاية والعراقي والنائيني والأصفهاني وغيرهم وإنما نكتفي بما ذكره السيد الشهيد فإذا تم فبها ونعمت وإن لم يتم هذا فبالضرورة الباقي كلها ليست تامة لأنه ناقشها كلها.
إذا تمت هذه المحاولة للسيد الشهيد فبها ونعمت، وإن لم تتم فكل المحاولات غير تامة لأن المفروض أنها مناقشة من قبله.
الآن نرجع إلى منهجنا.
الآن دخلنا في زقاق ومحيط دخلنا في علم الأصول، وعندنا مئتي مسألة على الأقل أو أربعمئة مسألة خمسمئة مسألة نريد بسم الله الرحمن الرحيم المسألة الأولى. أي منهج نطبق في المسألة الأولى، العقلي أو الشرعي أو اللغوي أو العقلائي، أي منهج نطبق؟ الجواب: عندما أنا أدخل في بحث الوضع أو في بحث الصحيح والأعم أو هذه الأبحاث لا ينبغي لك أن تخلط المناهج، إذا كانت القضية لغوية لابد أن نذهب إلى البحث اللغوي والدليل اللغوي. إذا كانت المسألة عقلية فأذهب مباشرة إلى الدليل العقلي، إذا كانت المسألة نقلية أذهب … فلا يبقى عندنا هذا الخلط والفوضى القائمة في تحقيق مسائل علم الأصول، ودل عليه تسع وثلاثين دليل، هذا غير صحيح.
أنت عندما تذهب إلى الطبيب أول ما تقوله اكتب لي ورقة العلاج أو تقول له … ونحن نرى بعض الأطباء قبل أن تشرح له حالتك يكتب، تقول له انتظر حتى أشرح لك حالتي.
شخص الموضوع ثم عين … ثم من خزانة فكرك وعلمك وما تملكه من قواعد استخرج الدليل العقلي لتحقيق هذه المسألة، الدليل النقلي لتحقيق هذه المسألة … وإلا قبل تشخيص الموضوع يحق للعالم والمحقق والأستاذ أن يقول والدليل عليه كذا وكذا أو لا يحق؟
إذن منهجنا في البحث الأصولي لا أقل لابد أن يكون المنهج هكذا، أنه عندما ندخل في أي مسألة أصولية أولاً لابد أن نعين أنها ما هو حقيقة الموضوع، هل الموضوع لغوي، هل الموضوع شرعي، هل الموضوع عقلي، هل الموضوع كلامي، هل الموضوع فلسفي، عند ذلك نهيأ تلك الأدلة والاستدلال المرتبطة بتلك المسألة الأصولية.
وهنا عندي ملاحظة، هذه المشكلة تواجهنا في الأعم الأغلب أين؟ في الأصول يمكن أن نغض الطرف عنها، تواجهنا في الآيات القرآنية، انظر إلى هذا البحث كم هو واسع النطاق وله آثار خطيرة، أنت عندما تدخل إلى أي آية من الآيات، وأنتم تعلمون أن القرآن لا يتكلم عن حقل معرفي واحد بل يتكلم عن عشرات الحقول المعرفية، لم يتكلم عن التوحيد فقط أو عن الإمامة فقط أو عن النبوة فقط، بل تكلم عن المعارف الدينية من أوسع أبوابها، تكلم عن التأريخ، تكلم عن الاجتماع، تكلم عن الطبيعيات والفلكيات، ما من حقل معرفي إلا والقرآن أدلى دلوه فيه.
سؤال: أنت تأتي إلى الآية كيف تفسرها؟ ما هو المنهج؟
أولاً لابد أن تنظر إلى الآية أن الآية تتكلم عن أي حقيقة، إذا كانت تتكلم عن علوم الفلك والسموات والنجوم هل تذهب إلى البحار أو تذهب إلى علوم الفلك؟ القضية تتكلم عن الآخرة تقول الصراط المستقيم أحد كذا وكذا، هذه خصوصيات الصراط المستقيم، النار هذه خصوصياتها، تذهب إلى الفلسفة، لا، لأن الفلسفة لا تستطيع أن تدرك هذه المسائل وليس من وظيفتها هذه الأمور، الفلسفة تستطيع بعض المساحات أن تدركها وكثير من المسائل … صلاة الصبح أسأله بأن صلاة الصبح ركعتين هل هذا صحيح أيها العقل، بماذا يجيب؟! إذا كان عقلاً ماذا يقول لك؟ لأنكم تعلمون أننا عقل واقعي وعقل كارتوني، بعض الناس الآن عقولهم كارتونية، كلما قلت له شيئاً يقول عقلي لا يتحمل هذا، وكأنه هو العقل الكلي، كل شيء يستطيع أن يقيمه فيقبل هذه المسألة ويرفض تلك المسألة.
العقل له مساحة معينة يستطيع أن يتكلم فيها وما زاد على ذلك نفسه العقل يقول لا رأي لي، ولذا اللغة تقول أن هذا العقل كذا، العقال سمي عقال لأنه جاء من عقال الدابة، العقل جاء من أين؟ يقولون سميت هذه القوة عقلاً لأن نفس هذه القوة تدرك لابد أن تعقل نفسها، وإن لم تعقل نفسها فهي في ضلال، لماذا سميت هذه باصرة، وهذه سامعة، وهذه متخيلة، وسميت هذه القوة عاقلة؟ الجواب: قالوا واحدة من الأسباب أن هذه القوة هي تدرك أنها لابد أن تعقل نفسها بالوحي وإن لم تعقل نفسها بالوحي فهي في ضلال.
إذن أنت كمفسر غداً عندما تمسك القلم بيدك وتريد أن تكتب تفسيراً، إذا لم تعرف مناهج الاستدلال، وإذا لم تعرف سنخ الموضوعات، ماذا ستصنع لي؟ ستستدل في المورد النقلي بالعقلي وفي العقلي بالنقلي وفي الطبيعي بالرياضي وفي الرياضي بالتجريبي، فتحدث عندك هذه الفوضى التي تجدونها في بعض التفاسير.
ومن هنا نحن نعتقد أنه لا يوجد مفسر واحد أن يفسر كل القرآن إلا من نزل القرآن على قلوبهم، أولئك لهم حديث آخر خارج تخصصاً. ولذا قالوا ما جمع القرآن كله إلا نحن. بعض الأغبياء والحمقى يتصورون ما جمع القرآن يعني أن هذا القرآن ناقص ولا يعلمون أن الإمام يريد أن يقول كل معارف القرآن بأي حقل معرفي بيد أئمة أهل البيت، أما غيرهم فلا يستطيع، قد يعمل الشخص ثلاثين سنة في الفلسفة، أما عمل على الطبيعيات أو لم يعمل، عمل على الفقه أو لو يعمل.
ولذا أنتم تجدون ما من تفسير إلا ويغلب عليه طابع معين، لماذا؟ لأن هذا العلم، هذا علم المفسر، لا العلم القرآن، قد يطابقه وقد يخالفه، فإذا كان المفسر حكيماً فيلسوفاً تجد تفسيره يأخذ صبغة الفلسفة، وإذا كان المفسر فقيهاً ترى أنه عندما يصل إلى آيات العقائد يتكلم فيها سطرين ولكنه عندما يصل إلى آيات الأحكام يسهب في بحثها، لماذا؟ لأنها هذه هي طريقته، إذا كان لغوياً كالزمخشري المعتزلي تجد القرآن عندما يصل إلى نكتة لغوية أو بلاغية أو صرفية أو نحوية يتكلم فيها كثيراً، ولذا يعبرون عنها بأن هذا تفسير فلسفي وهذا تفسير عرفاني وهذا العبير خطأ، بل أن هذا التفسير تفسير غلب عليه ماذا … وإلا كلهم يريدوا أن يفسر القرآن لا أحد منهم يريد أن يقول أن الفلسفة هكذا قالت، ولكن يغلب عليه طابع التفسير الفلسفي، أقرأ تفسير ملا صدرا تراه عندما يصل إلى آية فيها رائحة أصالة الوجود يقول بسم الله الرحمن الرحيم بحث في أصالة الوجود ويسهب في البحث إلى 70 صفحة. لأن هذا الإناء إناء فلسفي وكل إناء بالذي فيه ينضح. طبعاً الله هكذا يعمل يكون في علمكم، الله يقول أنا خلقت هذه الأشياء جميعاً وصبغتها بصبغتي، صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة، ولكن بعض الأحيان نحن عمينا ولا نرى الصبغ، المصبوغ نراه ولكن الصبغ لا نراه. وهذا بحث في يأتي في محله.
إذن كمفسرين لابد أن تعينوا لنا أولاً موضوع الآية المباركة، وكأصوليين لابد أن تعينوا لنا أولاً موضوع المسألة الأصولية.
الآن النتيجة التي انتهينا إليها واضحة وأتصور أنها نتيجة مهمة لا فقط في علم الأصول، بل في علم الفقه، الاستنساخ جائز أو غير جائز؟ يقول: نرى ماذا قال ملا صدرا فيه، ويبحث في كتب ملا صدرا ستة أشهر فلا يجد بحث للاستنساخ هناك، لماذا؟ لأن الاستنساخ قضية طبية مربوطة بالتجربة فلابد أن يبحث عن علماء الاستنساخ ويقول لهم ما هو هذا الاستنساخ؟ كونوا على ثقة أنا عندما سمعت لأول مرة بالاستنساخ، قلت هؤلاء مجانين قلت أن الاستنساخ محال فلسفياً لأن الروح أمر مجرد كيف تأخذ منه الصورة، أنا ذهب ذهني إلى الاستنساخ أن تأخذه (فتوكبي) من الأصل، فكيف تأخذ صورة (فتوكبي) من أمر مجرد، لا يمكن، إلى أن فهمت أن هذه القضية طبية مرتبطة بالخلية.
فهل يحق لي أن أعطي حكمها أو لا يحق لي أن أعطي حكمها، بينك وبين الله يحق لي في الرسالة العملية أقول ويجوز الاستنساخ أو لا يجوز لي ويحرم أو لا؟
إذن في المسألة الفقهية عندما يأتي الموضوع أمامك لابد أن تبحث أن هذا الموضوع من أي سنخ من الموضوعات حتى تبحث عن الأصل.
فتحصل إلى هنا هذه النتيجة الأساسية في علم الأصول، أن علم الأصول أو ما يصطلح عليه في حوزاتنا العلمية بأنه علم الأصول، هذا ليست المسائل المطروحة فيه من القسم الأول من المسائل، وإنما هي إما من القسم الثاني أو الثالث، وعلى هذا الأساس فليس لها موضوع واحد، ولا أن تمايزها بتمايز الموضوعات، وليس لها منهج استدلالي واحد، ولا النتائج المترتبة على كل مسألة فيها تفيد اليقين والكلية والضرورية والدائمية، إلا إذا كانت المسألة المطروحة في الأصول مسألة عقلية. وإلا خبر الثقة حجة هذه نسبة المحمول إلى الموضوع ما هو؟ قطع أو ليس بقطع؟ نعم بالقطع لابد أن تنتهي إلى حجية خبر الثقة، وإلا فلا يمكن أن تستند إلى خبر الثقة لإثبات حجية خبر الثقة لأنه يلزم الدور، إذن لابد أن تنتهي إلى القطع لإثبات حجية … ولكن هذا أي قطع؟ هذا ليس القطع واليقين الارسطي البرهاني هذا هو القطع الأصولي لا القطع البرهاني، فأقصى ما تدل عليه المسائل الأصولية أنها تفيد القطع الأصولي لا القطع البرهاني المنطقي.
من هنا يطرح عندنا بحث وهو، أعنونه لك، وهو أنه أننا نجد أنكم قلتم أنه لابد أن ننظر إلى موضوع المسألة ونقيم الدليل …، السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه في عشرات المسائل المسألة نقلية ولكنه يستدل عليها بالاستقراء، والاستقراء أمر عقلي هذا معناه أن كل استدلالات السيد الشهيد بالأدلة الاستقرائية والاحتمالية لإثبات نتائج أصولية أو فقهية في محلها أو ليست في محلها على القاعدة التي أشرنا إليها؟ في غير محلها. ماذا نفعل، نحذفها كلها من علم الأصول أو لا. سيأتي بحثه.
والحمد لله رب العالمين.