الأخبار

المحاضرة (12)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

قلنا بالأمس أنه لابد من تحقق السنخية بين الدليل وبين المسألة التي يراد إقامة الدليل عليها، فإن كانت المسألة من القسم الأول من المسائل فلابد أن يكون الدليل من الأدلة التي تورث اليقين بالمعنى الأخص، يعني بعبارة المنطق الارسطي لابد أن تكون من الأوليات إما من الفطريات إما من المتواترات، إما من المحسوسات، إما من التجريبيات وإما من الحدسيات، هذه القضايا الست اليقينية المشهورة في المنطق الارسطي.

وأما إذا كانت القضية قضية لغوية والمسألة مسألة لغوية فلابد أن نبحث عن دليل لغوي وعن قاعدة لغوية، وإذا كانت اجتماعية فلابد أن يكون الدليل دليلاً اجتماعياً، وإذا كانت المسألة تجريبية فالدليل تجريبي وهكذا. وهذا هو مرادنا لابد من وجود مسانخة بين الدليل وبين المسألة وخصوصاً موضوع المسألة، وهذا باب ينفتح منه ألف باب، يعني عند ذلك عندما نأتي إلى أي مسألة من المسائل لابد أن نعرف حقيقة الموضوع في تلك المسألة ليمكننا أن نتعرف على الدليل الذي لابد إقامته لتحقيق إثبات أو نفي تلك المسألة. فإذا جئنا إلى بحث مقدمة الواجب أو بحث الواجب المشروط أو بحث الواجب المعلق لا يقول لي أن الواجب المعلق محال لأنه إما يلزم الدور وإما يلزم التسلسل، أبداً، لا علاقة له لا بالدور ولا بالتسلسل، بل هو نحو واجب هل الشارع جعل واجباً من هذا القبيل أم لم يجعل، الدليل نقلي محض لا علاقة له بمثل هذه الكلمات.

وهكذا في الواجب المشروط وهكذا في مقدمة الواجب وهكذا في عشرات المسائل التي سنشير إليها في محلها أنه لا مجال لإدخال المباحث العقلية كالدور والتسلسل واجتماع الضدين واجتماع النقيضين والترجيح بلا مرجح ووجود العرض بلا موضوع، وتقدم المشروط على شرطه وعشرات القواعد العقلية الفلسفية فإن موضوعها هو القسم الأول من المسائل ولا علاقة لهذه القواعد العقلية بالقسم الثاني والثالث وغير ذلك من المسائل.

لا يأتي قائل ويقول: أن الصلاة لها عشرة أجزاء، وأنتم تعلمون القاعدة الفلسفية تقول والكل يسقط بسقوط جزء منه، والمركب عدم بانعدام أجزائه أو جزء منه، هذه قاعدة فلسفية، الماء مركب من الاوكسجين والهيدروجين فإذا سقط أحد جزئيه فلا يبقى ماءً، محال أن يبقى ماء من الناحية الطبيعية لأن الماء هذه هي حقيقته مركب من هذين الجزأين فبانعدام أحد الجزأين.

فإذا جئنا إلى الصلاة ووجدنا أنها مركبة من عشرة أجزاء فبانعدام أي جزء من أجزائها فلا يبقى عنوان الصلاة، طبق لي القاعدة، والمركب والكلي يسقط بسقوط جزء منه، فإذا أنت نسيت التشهد فهذه صلاة أو ليست بصلاة إذا طبقت القاعدة عليها، لا، مع الأسف الشديد قاعدة لا تعد تقول صلاة، تقول لا تعاد الصلاة إلا من خمس، إذا فقد أحد هذه الخمسة فقدت الصلاة أما غير هذه الخمسة إذا فقدت فلا تفقد الصلاة، ولذا بحث الفقهاء والله لا يبتليكم حضرنا عند استاذ ثلاثة أشهر كان يريد أن يوفق بين قاعدة لا تعاد وقاعدة أن المركب كيف يبقى بعد سقوط بعض أجزاءه، لأنه افترض ان القاعدة العقلية تنطبق على الأمور الشرعية والاعتبارية وواقعاً لا يوجد مخرج لهذه. أما لو كان من البدء قلنا أن هذه القاعدة مرتبط بالأمور التكوينية الوجودية ولا علاقة لها بالأمور الشرعية الاعتبارية، هذه تابعة لجعل الشارع فإذا قال الشارع إذا سقط الجزء سقط الكل نقبل، قال سقط الجزء يبقى الكل هذا العنوان يبقى نقول يبقى، نحن والدليل الشرعي ولا علاقة لنا بالأدلة العقلية.

المهم أنا أتصور عند ذلك الفقه والأصول عندنا سيكون مرتباً، أما الآن عندما تدخل إلى المسألة، أتمنى من الأخوة أن يراجعوا بحث الفضولي في تعليقات المحقق الاصفهاني على المكاسب، كونوا على ثقة أنت تحير مع نفسك أنه أنت كيف يمكن أن يكون الأذن المتأخر مصححاً للعقد المتقدم، والاذن شرط فلابد أن يتقدم على العقد، من هنا نظريات الكاشفية والانقلاب وفي الانقلاب سبع شعب والكاشفية اثنا عشر رأياً، منشأ هذا كله من هنا، وهو أنهم فرضوا أن الاذن في العقد من قبيل الشرط الوجودي للمشروط فإذا تأخر الاذن كيف يؤثر المتأخر في المتقدم الذي وجد وانتهى ظرف وجوده، غير موجود حتى أنه، كيف ينقلب عما وقع عليه، عندما وقع بالفضولة وقع صحيحاً أو وقع باطلاً؟ الآقايون قالوا إذا وقع صحيحاً … إذا وقع باطلاً كيف ينقلب الموجود عما وقع عليه، قالوا: وجد معلقاً، قالوا لم نسمع بالوجود المعلق كيف هو، وحاروا في هذه المسائل، منشأها كلها من أنهم فرضوا أن تلك القواعد التي ذكرت في الأبحاث العقلية والفلسفية تجري في أي قسم من الأقسام الثلاثة من المسائل، القسم الأول، القسم الثاني، القسم الثالث.

ولذا أخواني الاعزاء قاعدة أنه لابد من سنخة بين المسألة المبحوث عنها والدليل الذي يقام على إثباتها، فإن كانت المسألة عقلية فالدليل لابد أن يكون عقلياً، فلا يصح الاستدلال لمسألة عقلية بدليل لا ينسجم مع البحث العقلي، أين؟ التوحيد إثبات أن الله واحد مسألة عقلية أو مسألة نقلية؟ لا أتصور أن أحد يستطيع أن يدعي ويقول أنا لا أعلم أن الله واحد أو اثنين، أنا تابع للدليل النقلي إذا قال لي واحد أقول واحد، وإذا قال لي ثلاثة أقول ثلاثة. ماذا تقول له؟ تقول: نفس الدليل الذي أثبت أصل وجوده كان التامة هو نفسه يثبت أنه واحد لا يتثنى، لا أن الذي يثبت أصل وجوده عقلي والذي يثبت وحدته نقلي. فإن قلت نقضاً: لماذا نجد بأن العلماء والمفسرين والأعلام يستدلون لإثبات وحدانية الحق بخطب أمير المؤمنين عليه السلام؟ هذه كلمات الأعلام مملوءة كما في تفسير الميزان، في كلمات ملا صدرا وغير في الجزء السادس من الأسفار عندما يأتي لإثبات وحدانيته يبدأ بخطبة أول الدين معرفته إلى أن يقول: ومن حده فقد عده ومن عده فقد أبطل أزله، يستدل بدليل نقلي لإثبات أمر عقلي. إذن سيدنا قولكم بأنه لابد من وجود سنخية بين المسألة وبين الدليل لا، هذا ديدن وسيرة الأعلام أنهم يستدلون في مسألة عقلية بدليل نقلي.

الجواب: أن هذه وإن سميت أدلة نقلية بحسب الظاهر يعني وردت الرواية بها، ولكن ما هو مضمون الرواية ليس بحثاً نقلياً وإنما هو دليل عقلي ولكن ورد هذا الدليل العقلي مرة يرد على لسان الحكيم أو المتكلم ومرة يرد الدليل على لسان المعصوم عليه أفضل الصلاة والسلام. ومرة يرد الدليل العقلي على لسان الله وفي كلام الله، أنا عندما استدل بالقرآن الدليل النقلي معناه أنا أقول هو واحد بأي دليل، يقول لا تسأل عن الدليل هذا يكون دليل نقلي. أما لو أسأل الحق تعالى بأي دليل تقول أنك واحد، يقول: انظر إلى قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) هذا استدلال عقلي قياس شرطي، قضية شرطية، إذن ليس مقصودنا لا يستدل بدلي نقلي لأمر عقلي يعني حتى ما ورد على لسان الإمام، لا، مقصودنا أن القضية محتواها إذا كان عقلياً الاستدلال عليها لابد أن يكون بمحتوى عقلي على لسان من يرد هذا المحتوى العقلي؟ مرة يرد في كلام الله ومرة يرد على لسان رسول الله ومرة يرد على لسان الأئمة المعصومين ومرة يرد على لسان العلماء المحققين ولكن استدلالات عقلية ولذا السيد الطباطبائي رحمة الله تعالى عليه عنده بحث قيم في (الميزان، ج6، ص106، في ذيل الآية 87- 89 من سورة المائدة) بعد أن يثبت توحيد الحق، التوحيد الحق الحقيقي، يعني الوحدة غير العددية، يقول: (وهذا هو السر في اقتصارنا في البحث الروائي السابق على نقل نماذج من غرر كلامه السابقة، ولهذا بعينه تركنا عقد بحث فلسفي مستقل لهذه المسألة) سيدنا لماذا بحثت بحثاً عقلياً؟ يقول: لأن ما ورد في كلام علي يفوق البحث العقلي البشري بمراتب، أنا إنما أحتاج إلى البحث العقلي إذا لم يدلني الإمام على البحث العقلي، وإلا إذا دلني على البحث العقلي فهل أحتاج إلى أن أذهب إلى منتوج العقل البشري، هذا منتوج العقل المعصوم، هذا منتوج عقلي وليس من قبيل أن صلاة الصبح ركعتان، صلاة الصبح ركعتان هذا منتوج عقل معصوم، ولكن عقلي أو تعبدي، وأما قوله: ومن حده فقد عده ومن عده فقد أبطل أزله، هذا صحيح أنه رواية ولكن هذا منتوج عقلي ولكن عقل المعصوم وهو فوق عقل كل الفلاسفة ولذا نحن في كتابنا (التوحيد) اقتصرنا في بحثنا على الروايات لأننا نعتقد أن البحث الروائي في التوحيد فوق ما وصل إليه الفلاسفة إلى يومنا هذا، ولكن لابد أن تكون عندك العدة لفهم هذه الروايات، لا تتعامل معها كما تتعامل مع الروايات الفقهية، والعدة هي باعتقادي الشخص والعدة لها والمنطق لها هو الفلسفة، فالفلسفة بالنسبة إلى عقائد التوحيد عندنا كأصول الفقه بالنسبة إلى علم الفقه. نحن لا نعتقد ان الفلسفة علم له موضوعية، الفلسفة علم آلي ولكن الآلية بمعنيين: تارة آلية بمعنى الصورة والهيئة وأخرى آلي بمعنى المادة، وعلم الأصول علم آلي ولكن علم آلي بمعنى الصورة والهيئة أو علم آلي بمعنى المادة؟ سيأتي البحث لاحقاً إن شاء الله ما هو فرق علم المنطق العام عن علم الأصول كما بينه السيد الشهيد.

إذن هذا النقض الأول وجوابه.

النقض الثاني: وهو أنه نجد في بعض الأحيان أن المسألة نقلية ولكن يستدل لها بدليل عقلي. النقض الأول كان أن المسألة عقلية يستدل لها بدليل نقلي وقد اتضح.

قد يقال أننا نجد في جملة من الأحيان يستدل لإثبات حجية خبر الواحد أو لإثبات حجية الظواهر أو من هذا القبيل هذه المسائل يستدل بدليل عقلي إذن أيضاً انتقضت قاعدتكم وهي أنه لابد من وجود سنخية بين المسألة وبين الدليل.

هنا أخواني الأعزاء يمكن أن نشير إلى مثالين للدليل العقلي لإثبات مطلب نقلي، مرة يطلق الدليل العقلي ويراد منه العقل الارسطي يعني اليقين، يعني بعبارة أخرى المنهج الذي اتبعه ارسطو في منطقه والنتائج التي حصلنا عليها من هذا المنطق نستعملها في مسائل نقلية، الجواب: هذا غير صحيح. لا يحق لنا ذلك، من الناحية المنهجية ومن ناحية نظرية المعرفة هذا غير صحيح، كالأمثلة التي ضربناها كالترجيح بلا مرجح وتقدم المشروط على شرطه، أخذ العلم بالحكم في موضوع نفس الحكم يلزم الدور ويبقى البحث ستة أشهر.

هذا يأتي في الأمور التكوينية لا في الأمور الاعتبارية. إذا كان هذا المقصود أن نستعمل في مسألة نقلية دليل عقلي بهذا المعنى فالجواب غير صحيح، ولكن المستشكل من حقه أن يشكل عليها بشكل آخر، يقول: سيدنا نجد أن السيد الصدر يستعمل الدليل العقلي في كثير من المسائل النقلية وهو الدليل الاستقرائي، الاستقراء دليل عقلي، هذه القضية بودي أن تتضح لكم، هذه موجودة يكون في علمكم، دخول الاستقراء والاحتمال في عمليات الاستدلال الأصولي والفقهي والأخبار والعلم الإجمالي وغيرها لا يتبادر إلى ذهن الأخوة الأعزاء أنها جديدة استحدثت على يد السيد الشهيد، أبداً، هذه موجودة في (المستصفى للغزالي).

إذن ما هي إضافات السيد الشهيد في نظرية الاستقراء، بعد ذلك سوف تجدون أننا نحن أيضاً سنعتمد دليل الاستقراء في كثير من المسائل الأصولية والفقهية، من هنا يأتي هذا الإشكال وهذا النقض، وهو أنه كيف يصح لكم أن تستدلوا بدليل عقلي لمسائل لا تمت بصلة إلى القسم الأول من المسائل، إما مرتبطة بالقسم الثاني من المسائل أو مرتبطة بمسائل اجتماعية أو مرتبطة بمسائل تاريخية وغيرها من المسائل، والمفروض أن هذا دليل عقلي.

إن الدليل العقلي الذي يقوله السيد الشهيد في الاستقراء هو غير الدليل العقلي الذي يقوله المنطق الارسطي في القياس، هذين اثنين وليس واحد، الدليل العقلي الذي يقوله المنطق الارسطي في القياس مراده البرهان بالمعنى الذي تقدم، يعني أن يكون بين الموضوع والمحمول في القضية المستدل بها أن يكون الرابط بين الموضوع والمحمول رابطة جزمية يستحيل انفكاكها، يعني ثبوت المحمول للموضوع واستحالة انفكاك المحمول عن الموضوع. أما محصول الدليل الاستقرائي ليس هذا اليقين بالمعنى الأخص، اليقين أو العلم الذي ينتجه وهو محصول عملية الاستقراء والمنطق الاستقرائي هو اليقين الأصولي لا اليقين الفلسفي أو الرياضي، ما هو اليقين الأصولي؟ في جملة واحدة اليقين الأصولي هو الجزم بثبوت المحمول للموضوع بلا أن يكون فيه استحالة انفكاك المحمول عن الموضوع. وفي خبر الواحد نحن عندنا نريد أن نستدل أن خبر الواحد حجة هل يكفي الدليل الظني أو لابد أن نقيم دليل قطعي؟ لا يمكن أن نستند إلى خبر ظني وإلى خبر واحد لإثبات حجية خبر الواحد، لماذا؟ تقول لي يلزم التسلسل أو الدور، هذا سيأتي في محله.

إذن بأي شيء نستدل لإثبات حجية خبر الواحد؟ لا يكفي بخبر الواحد، بل لابد أن نستدل بدليل قطعي، ولكن أي قطع؟ لا القطع المنطقي الارسطي وإنما القطع الأصولي، ولذا تجد علماء الأصول بحثوا مسألة حجية القطع، لأنهم يريدون أن خبر الثقة حجة يريدون القطع الأصولي لا القطع الارسطي والمفروض كما يدعي السيد الشهيد، هذا تابع لنظرية الاستقراء، أن دليل الاستقراء والمنطق الاستقرائي يعطي نتيجة القطع الأصولي، إذن يمكن الاستناد إليه في إثبات حجية خبر الواحد أو لا يمكن؟ نعم، يمكن الاستناد إليه، لأننا نريد قطعاً أصولياً والاستقراء يفيد القطع الأصولي فيمكن الاستناد إليه، أي إلى الاستقراء لإثبات كل مسألة نحتاج فيها إلى قطع أصولي.

هذا المعنى موجود في (الأسس المنطقية للاستقراء، ص363) يقول: (ويمكننا الآن أن نحدد بوضوح ما نعنيه باليقين الذي نتساءل عنه وعن مدى قدرة الدليل الاستقرائي على إيجاده) يعني محصول الدليل الاستقرائي أي يقين (فنحن لا نتساءل عن اليقين المنطقي الرياضي) والدليل الاستقرائي فيه قدرة على ذلك أو لا توجد فيه القدرة؟ لا توجد (حتى إذا كنا نعلم على أساس الاستقراء بأن (أ) سبب لـ (ب) فلسنا نقر باستحالة افتراض أن لا يكون (أ) سبباً لـ (ب)) فقط كل الذي نثبته بالدليل الاستقرائي هو القطع الساذج البسيط، القطع المنطقي لا اليقين المركب والمضاعف الارسطي، إذن يمكن استعمال الاستقراء في علم الأصول أو لا يمكن؟ نعم يمكن ولا مشكلة في ذلك، لأننا في خبر الواحد نريد دليلاً يفيد القطع الأصولي والاستقراء يفيد القطع الأصولي.

لا أريد أن أدخل في تفصيل هذا البحث ولكن أريد أن أشير له إشارة، في مسائل التوحيد ومسائل العقيدة الأصلية ماذا نحتاج، اليقين المركب أو اليقين البسيط؟ لا أقل بعض مسائل العقائد نحتاج فيها إلى اليقين المركب، فهل يمكن الاستدلال بالدليل الاستقرائي أو لا يمكن؟ وهذا هو أول مفارقة ترد على الدليل الاستقرائي، هذا أول إشكال منهجي علمي يرد على الدليل الاستقرائي. نعم، في المسائل العقدية التي يكفي فيها القطع الأصولي يمكن الاستناد إلى الاستقراء، أما في المسائل العقدية التي يكون المطلوب فيها اليقين المركب، يعني ويستحيل أن لا يكون كذلك، السيد الشهيد بنفسه يقر ويقول: (فلسنا نقر باستحالة افتراض أن لا يكون (أ) سبباً لـ (ب) وأن يكون وجود (ب) في التجارب نتيجة لسبب آخر لا علاقة له بـ (أ)).

إذن الاستقراء نافع في القضايا العقائدية أو غير نافع في القضايا العقائدية؟ منهجياً أتكلم، لا يقول لي قائل: ماذا تفعلون بمنطق ارسطو فالسيد الشهيد في منطق الاستقراء يثبت وجود الله ويثبت النبوة، لابد أنكم رأيتم رسالة المُرسِل والمرسَل والإمامة والنبوة كل العقائد يريدون أن يثبتوها بنظرية ماذا، لأن السيد الشهيد من أولئك الذين يصرون على أننا نثبت الصانع سبحانه وتعالى بالدليل الاستقرائي.

الجواب: في المسائل العقدية التي لا نحتاج فيها إلى اليقين المركب، نعم يمكن الاستناد إلى الدليل الاستقرائي، أما في المسائل التي نحتاج فيها إلى اليقين المركب فلا يمكن للدليل الاستقرائي أن يقوم بهذا الدور.

إذن من هنا يتضح لكم أنه في المسائل العقائدية هل يصح أن تستعمل الدليل الاستقرائي أو لا يصح لك ذلك، طبعاً هذا على فرض تمام المقدمات، يعني أن الدليل الاستقرائي يفيد اليقين، الآن هناك أبحاث مفصلة أن الدليل الاستقرائي لا فقط لا يفيد اليقين المركب بل حتى لا يفيد اليقين الساذج، نعم يفيدنا اليقين العرفي الذي هو الاطمئنان نعم الذي يسمى عند العرف يقين، وإلا هو ليس يقيناً بالمعنى المنطقي، يعني الجزم بثبوت المحمول للموضوع. أنا أريد أن اتجاوز هذه النقطة لأن السيد الشهيد عنده محاولة جادة لردم هذه الثغرة وهو ملتفت إليها في الأسس.

تعالوا معنا إلى الصفحة الأخيرة من هذا الكتاب، يعني الكلمة الأخيرة، السيد الشهيد يقول: (فإن القرآن بوصفه الصيغة الخاتمة لأديان السماء قد قدر له أن يبدأ بممارسة دوره الديني مع تطلع الإنسان نحو العلم وأن يتعامل مع البشرية … هذا إضافة إلى أن الدليل التجريبي) مراده من الدليل التجريبي يعني الدليل الاستقرائي، وليس مراده الدليل التجريبي المختبري، بل مراده الدليل الاستقرائي (إن الدليل التجريبي على وجود الله الذي يضع هذا لكتاب أساسه المنطقي أقرب إلى الفهم البشري العام وأقدر على مليء وجدان الإنسان وعقله بالإيمان أقدر وأقرب من البراهين الفلسفية ذات الصبغة النظرية المجردة) فإذن يفترض أن هذا يمكن أن يكون بديلاً عن ذاك، لا فقط بديل، بل يفترض أنه أقرب وأحسن وأفضل.

المهم الجواب عن هذا: أنه إذا كان المطلوب لإثبات وجود الله هو فقط الجزم بأنه موجود وإن كان لا يستحيل أن لا يكون موجوداً، نعم الدليل الاستقرائي كافٍ لإثبات المطلوب. أما إذا كان المطلوب لإثبات وجود الله سبحانه وتعالى هو الوصول إلى أنه موجود ويستحيل أن لا يكون موجوداً فالدليل الاستقرائي لا توجد فيه هذه القدرة والقابلية.

نحن لا نتكلم لعموم الناس، لعل عموم الناس يكفيهم الدليل الاستقرائي، ولكن الكلام في المحقق العالم الذي يريد أن يتكلم على الناس، قلنا فيما سبق أن ما يكفي العوام ليس بالضرورة أن يكون كافياً للعلماء والخواص. هذه قضية.

القضية الثانية: إذن بهذا البيان الذي بينته لكم اتضحت دائرة استعمال الدليل الاستقرائي، بعد لا يجعل أحد الدليل الاستقرائي في عرض الدليل القياسي والارسطي، لا، ذاك يقوم بدور هل يمكن للدليل الاستقرائي أن يقوم به أو لا يستطيع؟ لا يستطيع، له هذا حد، وذاك له حد آخر، هذا له دائرة وذاك له دائرة أخرى. هذه قضية منهجية التفتوا لها، وأنا أحاول بالقدر الممكن أن لا أقول ارجعوا إلى الكتاب المعين أو إلى الحاشية الفلانية … انتم بإمكانكم أن ترجعوا خصوصاً إلى تلامذة سيدنا الشهيد لتعرفوا الخلط والفوضى الموجودة في الكلمات. راجعوها تعرفون بأنه في مورد نحتاج فيه إلى دليل عقلي من القسم الأول يعني العقلي يعني اليقين المركب يستندون إلى دليل استقرائي، نعم في المورد الذي لا نحتاج إلى اليقين المركب يمكن الاستناد إلى دليل استقرائي، أما في المورد الذي نحتاج فلا يمكن ذلك. هذا بحث.

بحث آخر أعنونه إن شاء الله تعالى وتفصيله في الأسبوع القادم، وهو أنه أساساً ما الذي فعله، لأن الدليل الاستقرائي بهذا البيان الذي بيناه إذن يكون واحداً من أهم مفاتيح ومن أهم الأدلة التي سنستند إليها في المباحث أين؟ في المباحث الأصولية والفقهية والتاريخية لا مشكلة عندنا، ولكنه جداً قليل نستند إلى الاستقراء لإثبات المسائل العقدية من الدرجة الأولى، قد تكون مسائل عقدية من الدرجة الثانية، لأنه نحن نعتقد حسب مبانينا الفقهية نعتقد بأن التقليد في المسائل العقائدية الثانوية مما لا ريب في جوازه، بل الضرورة قائمة على التقليد، خلافاً لهذه الإطلاقات الموجودة في أول الرسائل العملية أن الاعتقادات لا يجوز فيها التقليد، لا أبداً، بل الاعتقادات التقليد فيها أكثر ضرورة من التقليد في الأمور الفرعية، ولكن التقليد أين؟ لا في أصل المسألة، الله موجود أو لا، إذا سألت شخص ما الدليل الله موجود، يقول: لا أدري، ولكن فلان يقول الله موجود، هذا لا يكفي، لابد بحسبه، والبعرة تدل على البعير، كل بحسبه ذاك بهذا الدليل ذاك بدليل النظم وذاك بدليل الإمكان وذاك بدليل الحدوث وذاك بدليل الحركة كل بحسبه، أما عندما يأتي إلى المسائل التفصيلية في العقائد، التفصيلية ثم التفصيلية ثم التفصيلية، أنا في اعتقادي أن التقليد ليس واقع والعمل عليه فقط، بل ضروري. هذا أولاً.

وثانياً: لا يشترط في العقيدة بالنسبة للمكلف أن كل المسائل التي يعتقد بها أن تكون يقينية بالمعنى الأخص، بل في بعض المسائل يكفي فيها الاطمئنان. حتى لا نحتاج إلى اليقين الساذج والبسيط بل يكفي اليقين العرفي، أنت تريد أن تدخل إلى بحث المعاد وكثير من خصوصيات المعاد تريد أن تفهمها من أين؟ يقيناً ليس بحثاً عقلياً وإنما بحث من الآيات والروايات، تطاير الكتب، ما هو تطاير الكتب، مرة شخص يقول أنا أؤمن تعبداً مسلكه يكون مسلك سلفي وهابي حنبلي، مرة يريد أن يفهم هذه الحقيقة والعلم كمال، هل يشترط أن يحصل على اليقين من الدرجة الأولى؟ لا. هل يشترط اليقين من الدرجة الثانية؟ لا، يكفي فيه الاطمئنان، إذن ينفعنا الاستقراء هنا أو لا ينفع؟ ينفع. إذن لابد أن يتحدد حتى تعرف دائرة الاستقراء.

السؤال المطروح: هنا أمران أو هذا التساؤل والجواب عنه.

ماذا فعل السيد الشهيد الصدر قدس الله نفسه في كتابه (الأسس المنطقية للاستقراء)؟

الأسس المنطقية للاستقراء بحث منطقي السيد الشهيد استند إلى الاستقراء في كل حقول المعرفة الدينية بل حتى في بعض المعارف غير الدينية، يعني في العقائد الاستقراء موجود، في الأصول أصلاً نصف أصوله دليل الاستقراء، في الفقه ادخل في بحوث في العروة الوثقى ترى كم تكلم في الاستقراء خصوصاً في الشبهات الموضوعية، في الرجال تجد الاستقراء من أوله إلى آخر، والآن بدأت هذه الظاهرة تنتشر ولذا لابد أن نعرف هذا المنطق الاستقرائي والدليل الاستقرائي ما هي ماهيته؟ حتى عندما نريد أن نستدل به غداً في حجية خبر الواحد هناك أنا لا أشرح لك الاستقراء، أنا أقول لنظرية الاحتمال لنظرية الاستقراء، الاستقراء يعطي هذه النتيجة.

ماذا فعل السيد الشهيد في الأسس المنطقة للاستقراء على مستوى الهيئة وعلى مستوى المادة؟

أنتم تعرفون أن المنطق الارسطي ينقسم إلى منطق صوري وإلى منطق مادي، ما هو المنطق الصوري؟ أشكال القياس، أشكال القياس هذا منطق، ولهذا يعبر عنه بالمنطق الصوري، ويعرف بالمنطق المادي، نحن في كتاب (شرح منطق المظفر) الذي سيخرج قريباً إن شاء الله في خمس مجلدات، هنا بينّا أن المنطق الارسطي منطق صورة هذا خطأ، المنطق الارسطي منطق صوري ومنطق مادي، يعني يتكلم عن الصورة وكذلك يتكلم عن المادة، يعني يزودك بطريقة الاستدلال وبهيئة الاستدلال يقول لابد أن يكون من الشكل الأول وكذلك يزودك بالقضايا التي تستند إليها، يقول لابد أن تكون من الأوليات وإلا إذا كانت من المظنونات نافعة أو غير نافعة؟ إذا كانت من المسلمات نافعة أو غير نافعة؟ يقول لابد أن تكون أوليات، لابد أن تكون فطريات، حدسيات، متواترات، إذن يتكلم عن المنطق المادي كما يتكلم عن الصوري.

السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه اختلف مع المنطق الارسطي في بعده الهيئوي والصوري واختلف مع المنطق الارسطي في بعده المادي، لأن في الأعم الأغلب بحسب الدراسات التي قرأتها يركزون أن السيد الصدر حاول أن يناقش البعد الهيئوي في المنطق الارسطي، مع انه لا، تركيز سيدنا الشهيد لم يكن على المنطق الصوري فقط، بل تركيزه على المنطق المادي أشد بمراتب من المنطق الصوري، ولذا حاول في المنطق – فتوى- في المنطق الاستقرائي حاول أن يضيف شيئاً إلى المنطق الارسطي بلا أن يهدم المنطق الارسطي، قال هذا طريق ولكنه ارسطو يقول فقط هذا الطريق ونحن نقول له: ليس هذا الطريق فقط بل هذا الطريق وبجنبه طريق آخر، هذا في البعد الهيئوي، أما في البعد المادي جاء وهدم منه 90% في المئة.

في البعد المادي ماذا فعل؟ هدم أسس المنطقية في البعد المادي في المنطق الارسطي هدم 90% وأبقى منها 10% وفي هذه الـ (10%) أيضاً قال على هنٍ وهن.

أما في المنطق الصوري لم يهدم القياس وإنما أضاف إلى طريق القياس طريق الاستقراء.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات