الأخبار

المحاضرة (13)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

انتهينا في بحث الدرس السابق إلى هذه النقطة وهي أننا سوف يتضح إن شاء الله تعالى في الابحاث اللاحقة أن واحدة من أهم الأدوات والطرق التي سنستند إليه في تحقيق المسائل الأصولية هو أننا نعتمد منهج الاستقراء، بعد ذلك إن شاء الله تعالى موارد ذلك في العلم الإجمالي، في حجية خبر الواحد، في الظهورات، في البراءة ونحو ذلك من الموارد، في أبحاث التعارض وفي أبحاث الترجيح عند ذلك يتضح أن الاستقراء والدليل الاستقرائي له دور أساسي في عملية استنباط المسائل الأصولية، الآن بحثنا في علم الاصول، الآن لا نتكلم في علم الفقه، ودور الدليل الاستقرائي أو منطق الاحتمال في الأبحاث الفقهية ولا نتكلم عن ذلك في الابحاث الكلامية ولا نتكلم عن ذلك في الأبحاث الرجالية ونحو ذلك.

من هنا أتصور بأننا لابد أن نقف قليلاً عند الدليل الاستقرائي، لماذا؟ باعتبار أنه يعتبر عنصراً بتعبير السيد الشهيد يعتبر عنصراً مشتركاً في عملية الاستدلالات الاصولية، كيف أنه نحن نبحث بعد ذلك حجية القطع ونبحث هذه المسألة باعتبار أنه كثير من المسائل الأصولية لابد أن ننتهي فيها إلى القطع، بعبارة أخرى ببيان آخر نحن في كثير من المسائل الأصولية لابد أن ننتهي إلى القطع وإلى اليقين، فما هو الطريق للوصول إلى القطع وإلى اليقين؟

يتذكر الأعزاء فيما سبق أننا ذكرنا أن المنطق الارسطي يقول أن الطريق للوصول إلى اليقين يمر من خلال العملية (أ) وأشرنا إليها فيما سبق، هنا سؤالنا المطروح: هل أن الوصول إلى القطع الذي هو حجة، هل أن الوصول إلى القطع يمر من خلال طريق واحد أو يوجد أكثر من طريق؟ نحن نريد القطع، خبر الواحد لكي يكون حجة لابد أن يدل على ذلك دليل قطعي، ولا يصح أن نكتفي بخبر الواحد. الظهور لكي يكون حجة لا يمكن الاكتفاء بظهور آخر، وإنما لابد أن يحصل لنا القطع على أن الظهور حجة. وهكذا.

إذن أخواني الأعزاء السؤال المطروح هو: هل أن الطريق لتحصيل القطع هو طريق واحد فقط أو أن الطريق أكثر من واحد؟

حتى نبين أيضاً ماذا فعل السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه في الأسس المنطقية وفي الدليل الاستقرائي.

المعروف بين المناطقة جميعاً والمتفق عليه بينهم وتبعهم على ذلك الأصوليون والمتكلمون وغيرهم أن هناك طريقاً واحداً في عملية الاستدلال، هذا الطريق الواحد هو الذي يصطلح عليه بالدليل الاستنباطي الذي يمثل له بالقياس في المنطق الارسطي. أنتم تعلمون أنه في المنطق الارسطي يوجد عندنا قياس ويوجد عندنا استقراء ويوجد عندنا تمثيل الذي هو القياس الأصولي وهو خارج الآن، بحثنا في القياس والاستقراء. المنطق الارسطي وكذلك كل الأصول الموجود عندنا باعتبار بحثنا في علم الأصول يقولون أن الطريق يمر من أين؟ يمر من خلال الطريق القياسي، هذا الادعاء ضعوه في جانب، السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه يقول نحن لكي نصل إلى القطع لا أنه يوجد طريق واحد بل يوجد طريقان، لا أنه يلغي الطريق الأول ويستبدله بطريق آخر، كما تصور بعض من لا خبرة له. السيد الصدر في الأسس المنطقية للاستقراء ليس بصدد إلغاء الطريق الذي ذكره المنطق الارسطي وإنما بصدد إضافة طريق آخر للطريق الارسطي، لأن الطريق الارسطي أو المنهج الارسطي أو المنطق الارسطي يقول طريق واحد يوصلك إلى اليقين، إلى القطع، المنطق الاستقرائي ماذا يقول؟ يقول: بالإضافة إلى الطريق الأول يوجد طريق ثاني، ما هو هذا الطريق؟ هو الطريق الاستقرائي.

إذن الآن لا زلنا في الفتاوى يعني في العناوين، إذن أولاً أنك لابد أن تعلم أن المنطق الارسطي يعتقد أن لا طريق للوصول إلى اليقين إلا من خلال طريق واحد، إذا سلكته تصل إلى اليقين إن لم تسلكه لا تصل، لا يوجد طريق آخر. أما المنطق الاستقرائي ماذا يقول؟ يقول: لا، بالإضافة إلى الطريق الأول يوجد طريق ثانٍ للوصول إلى اليقين، وهذا ما أشار إليه السيد الشهيد في كل تقريرات بحثه، وأنا أشير إلى موضع أو موضعين.

منها ما أشار إليه في (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص546) قال: (إن العقل النظري مقسم إلى قسمين بديهي أولي وبرهاني ثانوي) العقل ينتج ماذا، البديهي الأول يعني القضايا الست المعروفة، والبرهاني الثانوي يعني القضايا العقلية النظرية التي تنتهي إلى اليقينيات (بديهي أولي وبرهاني ثانوي) المراد من الأولي يعني اليقينيات الست المعروفة، المراد من الثانوي يعني النظريات التي تنتهي إلى تلك اليقينيات والبديهيات والأوليات (ونحن أضفنا إليهما الادراك بحساب الاحتمال) إذن نحن لم نلغي ذلك بل أضفنا إليه شيء، البعض يتصور أن منطق الاستقراء ألغى المنطق الارسطي، لا ابداً، هذا توهم، المنطق الاستقرائي والدليل الاستقرائي لم يلغي المنطق الارسطي وإنما ألغى دعوى المنطق الارسطي بانحصار الطريق إلى اليقين، هذا الحصر لم يوافق عليه وقال ليس الطريق منحصراً بهذا وإنما يوجد طريق … الآن لم ندخل أن هذا الطريق الثاني صحيح أو لا لأن ذاك بحث آخر، ولكن ادعاء السيد الشهيد في الأسس المنطقية في الدليل الاستقرائي هو أنه أضاف طريقاً آخر.

ما هي الفوارق بين الطريقين؟

بنحو الإجمال وإلا فتفصيله يحتاج للوقوف مفصلاً عند نظرية الاستقراء وفهم المنطق الارسطي أولاً حتى نستطيع أن نفهم المنطق الاستقرائي.

أولاً أنا أشير إلى بعض الفوارق:

الفارق الأول: إن المنطق الارسطي دائماً يسير من الكليات إلى الجزئيات، ما معنى يسير من الكليات إلى الجزئيات، يعني في جملة واحدة أن النتائج في الطريق الارسطي دائماً إما أصغر من المقدمات وإما في أحسن الأحوال مساوية للمقدمات، هل يمكن أن تكون أكبر من المقدمات أو لا يمكن؟ المنطق الارسطي يقول يستحيل أن تكون النتائج أكبر من المقدمات. زيد إنسان وكل إنسان ميت، زيد ميت، هذا قياس من الشكل الأول، هذه زيد ميت إذا قستها إلى قولك كل إنسان ميت، مساوية أو أكبر أو أصغر؟ الجواب: أصغر، لأن كل إنسان كلي وزيد جزئي من جزئيات ذلك الكلي.

إذن النتائج في المنطق الارسطي دائماً وأبداً لا تكون في الأعم الأغلب أصغر وفي بعض الأحيان مساوية. كما قلت: زيد إنسان، وكل إنسان إما صامت وإما ناطق ….

أما منطق الاستقراء ماذا يقول؟ المنطق الاستقرائي الذي بنى أسسه الصدر في كتابه الأسس المنطقية دائماً وأبداً النتيجة أكبر من المقدمات، يعني انت تستقرأ مجموعة من الحالات، تقول هذه القطعة من الحديد بتعبير السيد الشهيد تتمدد بالحرارة وهذه القطعة تتمدد بالحرارة وهذه القطعة تتمدد بالحرارة فتنتهي إلى نتيجة أن كل حديد يتمدد بالحرارة، والنتيجة مساوية للمقدمات أو أكبر من المقدمات أو أصغر من المقدمات؟ النتيجة أكبر من المقدمات لأن المقدمات مجموعة من الجزئيات والنتيجة كلية.

ومن هنا المنطق الارسطي واقعاً عاش حيص بيص في التجريبيات، وأنتم تعلمون أن واحدة من اليقينيات المجربات، أنت تجرب هذه تقول أن هذا كان مريضاً بالصداع فأعطيته حبة الاسبرين فشفي من صداعه، أصلاً كل العلوم الطبيعية قائمة على التجريبيات، والنتائج في التجريبيات دائماً أكبر من المقدمات. فلو تسأل المنطق الارسطي تقول له كيف أن هذه النتائج أكبر من المقدمات؟ يقول المجربات إذا لم تستبطن القياس فهي خاطئة، لابد أن تستبطن القياس، فإذا كان في بطنها قياس فهي تنتج اليقين، أما إذا لم تكن مستبطنة للقياس فلا تنتج اليقين.

ولذا تجد العلوم الطبيعية شيئاً فشيئاً انفصلت عن المنطق الارسطي، لماذا؟ قالوا: لأن المنطق الارسطي ماهية وهوية يختلف عن التجريبيات، في التجريبيات نحن نريد النتائج أكبر من المقدمات والمنطق الارسطي النتائج دائماً ليست أكبر من المقدمات أما مساوية وإما … ولذا ذهب علماء الطبيعية إلى تأسيس منطق آخر لأنفسهم ولم يعتنوا بالمنطق الارسطي.

إذن الفارق الأول أن المنطق الارسطي النتائج فيه أصغر أو مساوية للمقدمات، أما في المنطق الاستقرائي النتائج دائماً، طبعاً عندما نقول استقراء مرادنا منه يعني الاستقراء الناقص وإلا الاستقراء الكامل تكون نتائجه مساوية للمقدمات، يكون داخلاً في القياس. هذا الفارق الأول.

الفارق الثاني: من أهم خصوصيات المنطق الارسطي أن المقدمات إذا كانت صحيحة صورة هيئة ومادة فالنتائج على القطع واليقين تكون أيضاً صحيحة. لماذا؟ لأن النتائج مستبطنة أين؟ في المقدمات، إذا ثبت كل إنسان يموت وثبت زيد إنسان، يعقل أن لا يموت؟ ممكن أو غير ممكن؟ غير ممكن، وإلا يلزم التناقض، يعني ما فرض أنه جزئي لهذا الكلي يتبين أنه ليس جزئي له، لأنه عندما تكون النتائج أصغر من المقدمات يعني أن النتائج مستبطنة في المقدمات فلا يعقل أن تكون المقدمات صحيحة والنتائج باطلة. ولذا لو سألت المنطق الارسطي ما الدليل على أن النتائج صحيحة في الدليل القياسي؟ يقول: لو لم تكن صحيحة للزم اجتماع النقيضين واجتماع النقيضين ممتنع إذن لابد أن تكون صحيحة.

لو سألت المنطق الارسطي ما الدليل إذا كانت المقدمات تامة وصحيحة لابد أن تكون النتيجة ايضاً قطعية وصحيحة ما الدليل؟ يقول: لا احتاج إلى الدليل، دليلي صحة المقدمات تستلزم عقلياً منطقياً فلسفياً صحة النتائج. محال أن تكون المقدمات صحيحة والنتيجة غير صحيحة، وإلا يلزم ما فرض أنه زيد إنسان ليس بإنسان، وقد فرضنا في المقدمة الأولى زيد إنسان، فلو لو يمت هذا معناه أنه إما الكبرى غير تامة (كل إنسان يموت) والمفروض أنها صحيحة، وإما أن الصغرى باطلة وهي (زيد إنسان)، أما إذا قبلنا زيد إنسان وقبلنا صحة كل إنسان يموت فلابد أن يكون الإنسان ميت.

العالم حادث، وكل حادث يحتاج إلى محدث، لابد أن يكون العالم محتاجاً إلى محدث، وإلا لو لم يكن محتاجاً للزم اجتماع النقيضين. يعني إما تكون المقدمة الأولى باطلة يعني العالم حادث باطل، يعني العالم قديم، وإما أن الكبرى باطلة يعني ليس كل حادث يحتاج إلى محدث، أما إذا فرضت صحة المقدمة الأولى والثانية فلا يمكن أن تكون النتيجة باطلة أو أنها بالضرورة صحيحة بالبرهان القطعي صحيحة، لماذا؟ لمبدأ عدم التناقض.

أما في المنطق الارسطي هل يمكن الاستناد إلى مبدأ عدم التناقض لتصحيح النتيجة أو لا يمكن؟ لا يمكن. لماذا؟ لأنه قد تكون المقدمات كلها صحيحة ومع ذلك النتيجة باطلة. ولا محذور فيه، يعني هذه القطعة تمددت بالحرارة لأسباب وتلك تمددت لأسباب وثالثة تمددت لأسباب ثالثة ورابعة لأسباب رابعة، ولكن لا يلزم، ولعله نذهب في عالم الحديد نجعله على النار ومع ذلك لا يتمدد ولا يلزم التناقض منه، لماذا؟ لأنه نحن الذي ثبت عندنا هذه القطعة تتمدد وهذه القطعة تتمدد وهذه القطعة تتمدد ولم يثبت لنا كل قطعة تتمدد، فحتى لو فرضنا تمامية المقدمات فلا يستلزم ذلك صحة النتيجة، وهذه ثغرة أساسية في الدليل الاستقرائي. هل اتضح الفارق الأساسي بين الدليل الاستقرائي وبين الدليل القياسي. في الدليل القياسي أنت فقط اذهب وصحح ودقق في المقدمات فإذا تمت فالنتيجة تامة بلا ريب، أما في الدليل الاستقرائي حتى لو كانت المقدمات تامة فلا يستلزم بالضرورة صحة النتائج. قد تصح وقد لا تصح.

من هنا لا يمكننا في الدليل الاستقرائي أن نستند إلى قاعدة عدم اجتماع النقيضين لتصحيح النتائج. من هنا على السيد الشهيد في منطقه الجديد وفي منهجه الاستقرائي لابد أن يردم هذه الثغرة، سيدنا بأي دليل تقول إذا صحت المقدمات تصح النتائج؟ بأي برهان؟ برهان عدم التناقض لا يجري، إذن تحتاج إلى دليل آخر، برهان آخر، أصل آخر يردم هذه الثغرة بين المقدمات وبين النتائج. وهذا لم يكن يحتاج الطريق الارسطي، نفس عدم التناقض قاعدة بديهية أولية بل أولى الأوليات ولا يحتاج فيها إلى أي بحث، ولكن السيد الشهيد يحتاج إلى مؤنة ويحتاج إلى بحث علمي لكي يثبت لنا متى تصح النتائج ومتى لا تصح النتائج. لأنه قد تصح المقدمات وقد لا تصح النتائج.

أخواني الأعزاء التواتر ما هو؟ عرفوا التواتر؟ اجتماع عدد يستحيل اجتماعهم على الكذب أو تواطئهم على الكذب، على الخطأ وهكذا.

سؤال: هؤلاء الذين يحصل بهم التواتر يشترط أن يكونوا مؤمنين؟ لا يشترط، يشترط أن يكونوا من العدول؟ لا يشترط، يشترط أن يكونوا من المسلمين؟ لا يشترط. الآن كم من القضايا المتواترة في تاريخ الإسلام وتجزمون ببطلانها. كثيرة أم قليلة؟ عشرات المفردات التي الآن لو تحسب عدد الذين نقلوها … فيما يخص فضائل بعض الصحابة، كونوا على ثقة في النصوص الواردة عندهم أضعاف ما ورد عندنا في فضائل أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، هذا التواتر يفيد اليقين أو لا يفيد؟

جواب لأحد الأخوة: لا يفيد.

على أي أساس لا يفيد اليقين، المنطق الارسطي يقول كلما اجتمع هذا العدد فأنه يفيد التواتر لأن المتواترات من اليقينيات، وعندما أنت تأتي إلى المتواترات في أي كتاب منطقي رجالي أصولي عندما يعرفون التواتر لا يأخذون الإسلام والعدالة، هذه الثغرة كيف نحلها؟

ولذا السيد الشهيد من الأصل قال من قال أن المتواترات من اليقينيات، من قال أن المتواترات من اليقينيات، فهدم الأساس المنطقي لأي شيء؟ للتواتر الارسطي، لا للتواتر، إذا انهدم ذاك الأساس تقول لي أرحتنا سيدنا لأنه حتى هذه الروايات المتواترة التي جاءت في فضيلة فلان وفلان وفلان هذه نتخلص منها. ولكن هناك مشكلة أخرى وهي أن القرآن ثبت بالتواتر، فإذا انهدم أساسه المنطقي فعلى أي أساس تقولون يقيناً أن هذا هو القرآن الذي نزل على قلب رسول الله، ماذا عندنا غير التواتر.

إذن لا يتبادر إلى الذهن كما في تبادر إلى البعض منكم حيث قالوا أن هذه الأبحاث المنطقية ماذا نفعل بها؟ أساساً إذا لم نعرف هذه نكون من قبيل شخص يبحث عن نقش ولا عرش له، من قال أن التواتر حجة؟ من قال لكم أن التواتر يفيد اليقين؟ كل ما عندكم في القرآن فما بالك بما هو دون القرآن، إمامة أهل البيت، عصمة أهل البيت، فضائل أهل البيت، تاريخ أهل البيت، أقصى ما نستطيع أن نفعله بالنسبة للروايات الواردة فيهم أن نوصلها إلى درجة التواتر. فإذا انهدم الأساس المنطقي للتواتر فلا توجد قيمة لها.

وأنا على مستوى النقض الآن بينت لكم أن كل تواتر يفيد اليقين؟ إذا التزمت بهذا لابد ماذا؟ من التزم بشيء التزم بلوازمه، لا فقط التواتر في إمامة أهل البيت يفيد اليقين، التواتر في مكان آخر أيضاً يفيد اليقين. ويوجد تواتر أو لا يوجد، عشرات الموارد يوجد تواتر في كتبهم.

أضرب لك مثالاً حتى لا نذهب بعيداً، (لا تجتمع أمتي على خطأ، لا تجتمع أمتي على ضلالة) نحن بالنسبة لنا هذه حتى لا يوجد فيها خبر صحيح من طرقنا، من طرقنا لا يوجد فيها حتى خبر صحيح، في الطرف الآخر هذه الرواية من المتواترات جزماً عندهم هذه الرواية، انت عندما تبحث تجد بيني وبين الله بمعنى من المعاني ولو بالتواتر المعنوي أن هذه الرواية بالضابط الذي ذكره المنطق الارسطي، وهو عدد يجتمع أو يمتنع تواطئهم على الكذب والخطأ، وعشرات الروايات هم يعتقدون أنها متواترة. فأنت بين أمرين، أما تلتزم بهذا الضابط الارسطي لا فقط في إمامة أهل البيت تثبت بالتواتر، ماذا يثبت أيضاً؟ ليس فضائل الصحابة فقط، بل أفضلية الأول والثاني والثالث على من؟ لأنه ثابت عندهم أفضلية الأول والثاني لأن الثالث عندهم فيه خلاف أنه أفضل أو مساوي، علي بكل الأحوال ليس أفضل هذا قدر مسلم عندهم، علي بكل الأحوال مؤخر.

نتكلم الآن في الأول والثاني، عندهم روايات متواترة على أفضلية الأول والثاني على علي بن أبي طالب، فلا يصح أن بائنا تجر وبائهم لا تجر. فإذا كان التواتر بحسب المنطق الارسطي تاماً فكما يثبت إمامة أهل البيت يثبت تلك. انت الآن مضطر لأن تجعل له مئة قيد وقيد، تقول إذا كانوا هكذا، هذا صار شيئاً آخر غير المنطق الارسطي، تعريف آخر للتواتر، أو تقول أن هذا التواتر بهذا التعريف باطل. فإذا انهدم الأساس لا يهدم تلك الروايات فقط بل يهدم ما عندنا من الروايات المتواترة لإثبات القرآن وغيره. ولذا السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه صار بصدد إثبات التواتر ولكن عن طريق آخر.

إذن ولكنه واقعاً دون إثباته خرط …، لا أريد أن أقول لم يثبت ولكن نحتاج إلى مؤنة وجهد علمي حتى نثبت أن التواتر ماذا؟ يعني ما هي الشرائط التي على أساسها يكون هذا التواتر مفيداً وذاك التواتر غير مفيد. هذا هو الفارق الثاني بين المنهج الارسطي والمنهج الاستقرائي.

الفارق الثالث: الذي لابد أن يلتفت إليه بشكل دقيق ومهم وهو أنه في المنطق الارسطي النتيجة تكون يقينية أي يقين؟ اليقين المركب يعني هكذا ويستحيل أن لا يكون كذلك. أما في المنطق الاستقرائي والدليل الاستقرائي على فرض تماميته وإفادة المقدمات لليقين واستطعنا ان نتجاوز الثغرة السابقة فإنه لو أفاد اليقين أي يقين يفيدنا؟ اليقين البسيط، يعني القطع المنطقي، لا اليقين الارسطي. القطع الأصولي واليقين الأصولي لا اليقين الارسطي. إذن على هذا الأساس إذا استدللنا في قضية عقدية أو أصولية بالمنطق الارسطي نصل إلى نتيجة وهي اليقين المركب، إما إذا استدللنا بالدليل الاستقرائي لإثبات مسألة عقائدية أو أصولية فأقصى ما نصل إليه بماذا؟ اليقين الأصولي والقطع الأصولي. يعني نصل إلى أن خبر الواحد بالدليل الاستقرائي حجة قطعاً ويستحيل أن لا يكون حجة أو يمكن؟ يعني بعبارة أخرى يمكن أن يكون قطعي مخالف للواقع وليس بحجة.

في القضايا العقائدية إذا كان دليلك الاستقراء دائماً تصل إلى الجزم بثبوت المحمول للموضوع وتصل إلى أنه ويستحيل أنه لا يكون كذلك؟ لا تصل، لأن الدليل الاستقرائي قدرته على إفادة اليقين بهذا … تقول لي لماذا؟ أقول: هذا في بحث الاستقراء، لابد أن نعرف أساساً السيد الشهيد كيف انتقل من هذه الثغرة من الخاص إلى العام، السيد الشهيد يصرح أن الذي استطعنا أن ننتقل به هذا القدر وليس أكثر من ذلك، بهذا القدر ننتقل من الخاص إلى العام ونثبت العام بهذا القدر لا أكثر من ذلك، في (الأسس المنطقية، ص363) قال: (ويمكننا الآن أن نحدد بوضوح ما نعنيه باليقين الذي نتساءل عنه وعن مدى قدرة الدليل الاستقرائي على إيجاده) أي يقين؟ هذا الذي يستطيع الدليل الاستقرائي أن يوجده (فنحن لا نتساءل هنا عن اليقين المنطقي الرياضي) لأن الدليل الاستقرائي لا يستطيع أن يثبت ذلك (حتى إذا كنا نعلم على أساس الاستقراء بأن (أ) سبب لـ (ب) فلسنا نقر باستحالة افتراض أن لا يكون (أ) سبباً لـ (ب) وأن يكون وجود (ب) في التجارب المتكررة نتيجة لسبب آخر لا علاقة له بـ (أ) وليست سببية (أ) لـ (ب) متضمنة في خبرتنا الاستقرائية).

إذن التواتر على أساس المنطق الاستقرائي ماذا يفيد؟ اليقين المركب أو اليقين الساذج والبسيط؟ يعني بالتواتر يثبت لنا أن هذا، قلت لكم أنا لا أريد أن اضرب لكم أمثلة عقائدية لكي لا يحدث تشويش في أذهانكم، يثبت أن (أ) ثابت لـ (ب) يستحيل أن لا يكون ثابتاً له أو لا يستحيل؟ إذن أخواني الأعزاء أنت كطالب علم وكمحقق وأستاذ غداً إن شاء الله تعالى مجتهد وتريد أن تحقق في المسائل أول مسألة في المسائل العقائدية والأصولية لابد أن تعرف أن استدلالك قائم على أساس المنطق الارسطي أو على أساس المنطق الاستقرائي، أي منهما. إذا كنت ارسطي الهوى والاعتقاد فالنتائج التي تنتهي إليها نتائج يقينية بالمعنى الأخص يقين مركب، أما إذا كنت استقرائي الهوى فالنتائج التي تنتهي إليها نتائج يقين بسيط لا يقين مركب. ولذا يتذكر الأعزاء نحن في الأبحاث السابقة في الدروس السابقة قلنا إذا كان في مسألة عقائدية أو معرفية نحتاج إلى يقين مركب فلا يمكن الاستناد إلى الدليل الاستقرائي ولا يحق لنا ذلك. يعني إذا قلت أنه لابد أن يكون الإيمان بوجود الله لا فقط ثبوت المحمول للموضوع يعني الله موجود، بل نحتاج إلى ماذا لو فرضنا ويستحيل أن لا يكون موجوداً أو لا يستحيل.

إن قلت لا نحتاج إلى الشق الثاني يمكن الاستناد إلى الدليل الاستقرائي لإثبات وجود الله، إما إذا قلنا كما نحتاج إلى اليقين الأول نحتاج إلى اليقين الثاني بعد يمكن الاستناد إلى الدليل الاستقرائي أو لا يمكن؟ وهكذا أخواني الأعزاء في ثبوت حجية القرآن الكريم وأن هذا هو القرآن النازل على قلب الخاتم، أليس هذا هو اعتقادنا، ما الدليل على أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو القرآن النازل على قلب الخاتم (نزل به الروح الأمين على قلبك) ما الدليل؟ هل عندكم دليل آخر غير التواتر، بل هو أفضل التواتر، لم يثبت القرآن بخبر الواحد، ولم يثبت بالخبر المستفيض، بل ثبت الخبر المتواتر. إذا كنت تعتقد أنه نحتاج في ثبوت أن هذا القرآن هو ذاك القرآن تحتاج إلى يقين مركب فهل يكفي الدليل الاستقرائي أو لا يكفي؟ لا يكفي. نعم، إذا كنت تعتقد أنه يكفي تحتاج أن تثبت الموضوع للمحمول أنه هو جزماً ويستحيل أن لا يكون هكذا، تقول لا حاجة، يمكن الاستناد إلى الدليل الاستقرائي.

اتضح إلى هنا الفارق الأساس بين المنطق الارسطي المنطق الاستقرائي أو المنطق الذي أسسه السيد الشهيد في الأسس المنطقة.

وملخص الكلام أن المنطق الارسطي كان يعتقد يوجد طريق واحد ولا غير، منحصر، وأما السيد الشهيد فقد أضاف طريقاً آخر ولكن هذا الطريق الثاني على حد الطريق الأول أو توجد بينهما فوارق؟ أشرنا إلى أن هناك فوارق ثلاثة، الفارق الأول أن الارسطي من العام إلى الخاص والاستقرائي بالعكس، الفارق الثاني أن المقدمات إذا صحت في الارسطي تصح النتائج جزماً لمبدأ عدم التناقض وليس كذلك في الطريق الاستقرائي، الفارق الثالث أن الارسطي يفيد اليقين المضاعف دون اليقين الاستقرائي.

هذا كله على مستوى الصورة والهيئة، ما هو الفارق بين الدليل الاستقرائي أو المنهج الاستقرائي والمنهج الارسطي على مستوى المواد التي يستدل بها. هذا إن شاء الله بحثه يأتي غداً.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات