أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
قلنا بأننا لابد من الوقوف في مقدمة هذه الأبحاث عند مسألة وهي ما هو شكل الدليل وهيئة الدليل الذي نستعين به لتحقيق المسائل الاصولية. المتعارف عند الأعلام من الأصوليين أنهم يستندون إلى الاستدلال القياسي لا الاستدلال الاستقرائي. ومن هنا إذا كنا نريد أن نستند إلى الطريق الآخر أيضاً لابد أن تتضح لنا ولو بنحو الإجمال معالم هذا الطريق الثاني، يعني الأعزاء عندما غداً نأتي إلى بحث ونقول أن الدليل الاستقرائي دال عليه لا أقل يوجد عنده مجموعة من التصورات عن المراد من الدليل الاستقرائي، أما ما أدعيه أن الأصول الموجود بأيدينا قائم على المنهج الارسطي لا على المنهج الاستقرائي هو أنكم تجدون أن النائيني إن شاء الله تعالى بعد ذلك سنشير يقول: أن المسألة الأصولية هي التي تقع كبرى في عملية الاستدلال، وأنتم تعلمون يعني كبرى في عملية الاستدلال يعني قياس ارسطي مقدمته فقهية الصغرى فقهية والكبرى أصولية. هذه القضية لابد أن تكون واضحة وأنا أتصور أن الإنسان عندما يراجع الأصول بأيدينا غير الأصول الذي كتبه السيد الشهيد، يجد أن محور الأبحاث فيه قائم على أساس الاستدلال القياسي لا على أساس الاستدلال الاستقرائي.
في كل عملية استدلال نحن نحتاج إلى هيئة إلى صورة وإلى مادة، ولذا قرأتم في المنطق الارسطي أننا نقسمه إلى صورة وإلى مادة، ولهذا قيل المنطق الصوري والمنطق المادي، المنطق الصوري يعني طريقة هيئة الاستدلال من قبيل الهيئة في الجملة (زيد قائم) هذه فيها مادة وهي زيد والقيام، وفيها هيئة مركبة من مبتدأ وخبر، جملة تامة. أو قيام زيد توجد فيه هيئة أيضاً ولكن هيئة ناقصة، يصح السكوت عليها أو لا يصح؟ ولذا نقول جملة ناقصة. في كل عملية استدلال نحن نحتاج إلى صورة ونحتاج إلى مادة، أما الصورة فقد بينا أن المنطق الارسطي يقول لا صورة ولا طريق للاستدلال إلا طريق واحد، يمر من العام إلى الخاص. وهنا المخالفة أو الاختلاف الأول بين مبنى السيد الشهيد وبين المنطق الارسطي. السيد الشهيد يعتقد أن الطريق ليس واحداً لا ينحصر الطريق في واحد بل يوجد عندنا طريق آخر. وهذا ما بيناه في بحث الأمس.
أما بحثنا لهذا اليوم المنطق الارسطي، لأنه عادة مع الأسف الشديد في حوزاتنا العلمية عندما يقرأون، أولاً لا يقرأون إلا دورة واحدة في المنطق، وهو منطق المظفر، في الأعم الأغلب، وثانياً لا يقرأون الجزء الثالث يعني منطق البرهان، ويكتفون بالجزء الأول والثاني، فلهذا معلوماتهم عن البرهان معلومات عامة، مع أن كل استدلالاتكم الكلامية والتفسيرية والقرآنية والأصولية والفقهية والرجالية وغيرها من العلوم كلها قائمة على الجزء الثالث من المنطق وهو الجزء المختص بالبرهان وبالصناعات، يقرأون الصناعات أو لا؟ الكثير من الأخوة لا يقرأون الصناعات ومنها صناعة البرهان، مع أنه كما قلت لكم كل المعارف وكل فروع المعرفة الدينية قائمة على أساس المنطق الارسطي صورة ومادة، لا أنه فقط صورة، الصورة واضح وهو الاستدلال القياسي، أما ما هي المادة؟
فيما يتعلق بالمادة المنطق الارسطي مع اعتذاري لبعض الأخوة الذين هذه القضايا واضحة لهم ولكن من باب الاستذكار، أن المنطق الارسطي يعتقد أن كل قضية، عندما أقول قضية يعني موضوع ومحمول، يعني المادة ولا علاقة لنا بالهيئة، أن كل قضية من القضايا التي توجد في العالم أو تخطر على ذهنك، أو وجدتك أو ستوجد لا تخرج من حالتين، ولا يستثني منها عالماً من العوالم، لا يتبادر ذهن إلى أن هذه القضايا فقط في الدنيا، بل في البرزخ أيضاً يقول إذا جلست هناك وشكلت قضية فلا تخلو من أحد هذين القسمين، في الآخرة إذا جلست عند أمير المؤمنين إن شاء الله تعالى وطلبت منه أن يشرح لك خطبة التوحيد أيضاً لا يخرج من هذين القسمين. هذه القضية ذكرتها باعتبار أن أحد الأعلام عندما سألوه أنك إذا دخلت الجنة ماذا تريد هناك، قال: أطلب من أمير المؤمنين أن يدرسني نهج البلاغة. لأن اللقاء بالأئمة لا يتبادر إلى ذهنكم، له حسابات أخرى في الجنة فإن الحسين لا يظهر لأهل الجنة إلا مرة في السنة، روايات في محلها إن شاء نبحثها. فإنه لا يظهر لأهل الجنة إلا في السنة مرة والزيارات دائمة تكون من الأعلى إلى الأدنى، ولا يحق لأحد في الدرجة الدنيا أن يصعد إلى الأعلى. هذه أبحاث وقوانين الجنة لها حساب آخر ونحن أوضحنا بعض منها في آخر الجزء الثاني من المعاد رؤية قرآنية.
لا تخلو من نحوين من القضايا.
القسم الأول من القضايا هي القضايا التي لا تحتاج إلى أي دليل بنفسها كافية لثبوت المحمول للموضوع، أساساً تحتاج أنت فيها إلى دليل أو لا تحتاج؟ يعني بمجرد أن يقال لك اثنان بالإضافة إلى اثنان مباشرة تقول أربعة، هل يقال ما الدليل، في جملة من الأحيان لا يمكن إقامة الدليل. كما هو الحال في المحسوسات كما أن الآن أجلس في القاعة وأتكلم ويوجد أناس يسمعون ما الدليل على وجود الناس هنا؟ ما الدليل؟ الجواب المنطقي الارسطي يجيب يقول المحسوسات من الأمور اليقينية التي لا تحتاج إلى دليل. الكل أعظم من جزئه، تصدق أو لا تصدق؟ يقول: نعم. ما الدليل؟ تقول: لا أعلم، تريد أن تقبل اقبل وإن كنت لا تقبل …، أمامك مقدار من النار تضع يدك فيها تحترق، ما الدليل على أنها احترقت؟ تقول: تألمت، يقول: ما الدليل أنك تألمت؟ لا تستطيع أن تثبت ذلك. هذه تسمى الوجدانيات يعني الآن إذا أنت جائع تقول أنا جائع يقول ما الدليل أنك جائع، تقول لا دليل عندي ولكن وجداني يقول أنا جائع خائف مضطرب. ولذا قسموا المحسوسات إلى المحسوسات بالحواس الظاهرة وإلى المحسوسات بالحواس الباطنة، والحواس الباطنة المحسوس بالحواس الباطنة يسمونها وجدانيات يعني تجدها أمر وجداني لا يمكن إقامة الدليل عليه.
اجتماع النقيضين محال، أدعى بعض الديالكتيكية أو النظريات المادية أما شبهة مصداقية أو غير مصداقية وقالت أن اجتماع النقيضين ليس ممكن فقط بل أن اجتماع النقيضين واجب، هل تستطيع أن تقيم له الدليل على استحالة اجتماع النقيضين.
ولذا هناك كلمة للشيخ الرئيس يقول إذا قال لك أحد النار محرقة أو لا، قال لك غير محرقة اقذفه في النار حتى يعرف أنها محرقة أو لا، وآخر الدواء الكي، هذه من هنا جاءت. طبعاً العرب يستعملونها في مكان آخر ولكن الفلاسفة يستعملونها في هذا الموضع، آخر الدواء الكي يعني إذا انكر أمراً ضرورياً محسوساً واضحاً أنت اقذفه في النار.
إذن القسم الأول من القضايا هي التي يصطلح عليها المنطق الارسطي بالبديهيات، ما معنى البديهيات؟ يعني يكون المحمول ثابتاً للموضوع بلا حاجة إلى دليل. إما بعضها لا يمكن إقامة الدليل وإما بعضها يمكن إقامة الدليل ولكن دليلها معها، وهذه التي يعبرون عنها بانها قياساتها معها، يعني أنت تسأل عن الدليل ولكن دائماً الدليل موجود لا يغيب عنك. الاثنان نصف الأربعة هذه من الفطريات يعني من الأوليات يعني من اليقينيات ما الدليل؟ بمجرد أن تقسم هذه تصير اثنين تقول قياساتها معها.
هذا هو القسم الأول ويسميها اليقينيات، ما معنى اليقينيات في المنطق الارسطي؟ اليقين الارسطي، يعني ثبوت المحمول للموضوع واستحالة انفكاك المحمول عن الموضوع. وهي ستة وسنشير لنا. وهذه هي الرأس مال الأولي الذي ينطلق منه أي استدلال. ولذا أنتم تجدون في المنطق وفي الفلسفة وفي الفقه وفي الأصول وفي الرجال وفي التفسير، آخر المطاف تقول لا يجوز أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم، أقول لك لماذا؟ تقول: لأنه يلزم الدور، أقول ما محذور الدور. تقول: يلزم تقدم الشيء على نفسه. أقول لك: ما المحذور من تقدم الشيء على نفسه. تقول: يلزم اجتماع النقيضين لأنه عندما تقول تقدم الشيء على نفسه يعني في المتقدم موجود ومعدوم وهو اجتماع النقيضين.
في الاصول يقولون لا يجوز أن يكون خبر الواحد دليلاً على حجية خبر الواحد، لماذا؟ يقول لأنه يلزم التسلسل هذا خبر الواحد حجة وهذا خبر الواحد من يقول أنه حجة، خبر الواحد، ذاك الثالث من يقول أنه حجة، خبر رابع، فإذا رجعت إلى الأول لزم الدول وإذا مشيت إلى الآخر في العلة الفاعلية لزم التسلسل.
سؤال: ما هو محذور التسلسل؟ التسلسل محال عقلاً لماذا؟ لأنه يلزم اجتماع النقيضين.
إذن تصعد للسماء أو تنزل للأرض أنت محتاج إلى رأس المال هذا، وإلا إذا لم يكن عندك رأس مال بديهي يقيني فلا يمكن الاستدلال على أي قضية، بل يسد باب المعرفة ولا طريق للمعرفة. أنا مخلوق من خلقني؟ افترض أنه مثلي حادث، أقول هو من خلقه، تقول: الثالث، الرابع، ثم تقول ويستحيل التسلسل. إذن تثبت وجود الله، فإذا التسلسل غير محال فهل يمكن إثبات وجود الله أو لا يمكن؟ لا يمكن إثبات وجود الله.
وهكذا في العقائد والتفسير والرجال والفقه والأصول وغيرها … وهذه كلها بناها من؟ هؤلاء الذين يناقشون نحن كل ما جاءنا من اليونانيين لا ربط لنا. وهذه كلها جاءت من اليونان مستوردة من اليونان، بتعبير بعضهم مستورة من سؤر الكفار، أولئك لم يكونوا مؤمنين بل كانوا كفاراً، ولكن كل عقيدتك وكل تفسيرك قائم على هذه القضايا وهي القضايا المعروفة باليقينية الست. الإمام الصادق عليه السلام استدل بقاعدة اجتماع النقيضين قال لأنه لا يجتمع النفي والإثبات. الإمام الرضا عليه السلام في توحيد الصدوق استند إلى قاعدة … لأن هذا منتوج بشري لا علاقة له بالدين من قبيل اثنين بالإضافة إلى اثنين يساوي أربعة، هذا غير إسلامي، هذا منتوج عقل إنساني لا علاقة للقومية ولا الدين.
أقول هذا الكلام حتى تميزوا بين المعارف التي هي منتوج إنساني وبين المعارف التي فيها ماركة إسلامية. ليس كل ما لم يكون فيه ماركة إسلامية فلابد من أن يكون مطروداً، ليس الأمر هكذا.
ما هي هذه القضايا التي يقول المنطق الارسطي أنها يقينية؟ من يريد أن يفهم هذه القضايا بشكل واضح يراجع الأسس المنطقية للاستقراء، أوضحها أكثر مما هو موجود في منطق المظفر أو في الإشارات في الجزء الأول. بودي أن تقرأوا هذا المقدار. يعني التمهيد باستعراض المنطق الارسطي من المعرفة تقريباً 50 صفحة كل هذه الأبحاث بحثها هناك ببيان قومي رصين محكم.
يقول: (مبادئ الاستدلال البرهاني اليقين) اليقين الارسطي (أن المنطق الارسطي يرى أن قضايا المعرفة البشرية الجديرة بالثقة الواجبة القبول) يعني الضرورية وفسرنا معنى الضروري وهو أنه أنك لست مختاراً أن تقبل أو لا تقبل، بالاضطرار لابد أن تقبل (هي القضايا التي تتسم بطابع اليقين ويريد باليقين تصديق العقل بقضية تصديقاً جازماً لا يمكن زواله أو زعزعته) يعني اليقين المركب (والقضايا اليقينية على قسمين، يقينية أولية) التي هي رأس مال (ويقينية ثانوية) والتي لابد أن ترجع إلى هذه الاولية، ولذا عبروا عنها تلك بالبديهية أو الاولية وعبروا عن الثانية بالنظرية والثانوية. وكلها تفيد اليقين، ولكن القسم الأول يفيد اليقين بذاته والقسم الثاني يفيد الثاني برجوعه إلى القسم الأول.
سؤال: ما هو القسم الأول من القضايا؟ يقول: (ويصنف المنطق الارسطي هذه القضايا إلى ستة أصناف، الصنف الأول الأوليات) ما هي الأوليات في جملة واحدة (يكفي تصور الموضوع والمحمول) لإثبات ماذا؟ لحمل هذا المحمول على الموضوع، الكل أكبر من الجزء، (الثاني المحسوسات) هذا أنت تحسه بيدك وتراه، هذه المحسوسات الظاهرية بالحواس الظاهرة وعندك المحسوسات الباطنية، كلتاهما يعتقد المنطق الارسطي أنها يقينية لا مجال للنقاش فيها (وهي قضايا يحكم بها العقل بواسطة الحس كالحكم بأن هذه النار حارة والحس الباطن التي تسمى الوجدانيات كالعلم بأن لنا فكراً وألماً وجوعا، التجريبيات) ما هي التجريبيات؟ أنت تجرب على هذه تجد أنه لو أن شخصاً لا يعلم أن الماء يُغرق الإنسان إذا بقي فيه خمسة دقائق بلا وسيلة، كيف يثبت له أن الماء يغرق، بالتجربة، ادخله في الماء خمسة دقائق تشاهده يغرق، يقول: لعل هذا كان مريضاً، تقول: لنأتي بشخص صحيح وندخله. يقول: لعل هذه المنطقة كذا، تقول له: نرسله إلى منطقة أخرى. مع اختلاف الشروط والأمكنة والأزمنة والأصحاء والمرضى والكبار والصغار والنساء والرجال، ولكن كل هذا يبقى استقراء ناقص، كيف نصل في التجريبيات نصل إلى قضية أن كل ماء يغرق؟ من أين جئنا بهذه الكلية؟
المنطق الارسطي يقول هناك قاعدة في بطن هذه التجربة، لو كان غرق الإنسان بالماء بالاتفاق من باب الاتفاق وإلا الماء لا يغرق، لما استمر دائماً ولما كان غالبياً، لماذا؟ لأن الصدفة لا تكون دائمية ولا تكون غالبية، وحيث وجدنا بالتجربة أنها دائمية أو غالبية إذن الماء علة للغرق ضمن الشرائط. إذن يجعل هناك استدلال باطني حتى لا يخرج من قاعدته سير من الكلي إلى الجزئي. لأنه يقول التجريبيات مفيدة لليقين تقول له: هذا سير من الخاص إلى العام وهو خلاف منهجك. يقول: لا، في بطن هذا الاستدلال يوجد استدلال معكوس يسير من العام إلى الخاص. ونحن استندنا إلى ذلك الاستدلال لإثبات أن التجريبيات من اليقينيات.
هنا السيد الصدر رحمة الله تعالى عليه يقول نحتاج إلى تلك القاعدة المستبطنة أو لا نحتاج، المنطق الاستقرائي يحتاج أو لا يحتاج؟ لا يحتاج، يقول بنفسه ضمن قواعد خاصة أنا أوصلك من الخاص إلى عام بلا أن أمر بقواعد المنطق الارسطي.
الرابعة (المتواترات) من اليقينيات يعني إذا توفر هذا الشرط أو هذا العدد الذي يمتنع تواطئه على الكذب القضية يقينية يعني ماذا يقينية؟ يعني ثبوت المحمول للموضوع واستحالة انفكاك المحمول عن الموضوع.
المتواترات ما هي؟ قال (وهي قضايا يحكم بها العقل) العقل الارسطي لأن العقل الاستقرائي له حكم آخر (بواسطة إخبار عدد كبير) ثلاثمائة وثلاثة عشر عدد أصحاب الحجة أو اربعين ذلك بحث آخر ليس بحثنا في العدد (إخبار عدد كبير يمتنع تواطئهم على الكذب) واحد من مشرق الأرض وواحد من مغرب الأرض، واحد عالم واحد جاهل، عشرات، مئات، بل آلاف نقلوا هذه القضية، في كل الطبقات لا في طبقة واحدة، (كالعلم بوجود البلاد البعيدة التي لم نشاهدها أو الأمم والأشخاص الذين لم نعاصرهم).
سؤال: يشترط في الذين نقلوا الخبر أن يكونوا مؤمنين، عدول؟ لا، مسلمين؟ لا، صادقين؟ لا. لا يوجد أي شرط، هذا لست أنا القائل به. بل يصرحون بهذا المعنى.
(مقباس الهداية في علم الدراية، ج1، ص89) للمامقاني صاحب الرجال المعروف، قال: (فقد عرفوا الخبر المتواتر بتعريفات متقاربة أجودها أنه خبر جماعة بلغوا في الكثرة إلى حد أحالت العادة اتفاقهم وتواطئهم على الكذب ويحصل بإخبارهم العلم). هنا المامقاني لم يقل أي علم، المنطق الارسطي يقول هذا العلم المركب.
حتى لا يتبادر إلى الذهن أن هذا تعريف مدرسة أهل البيت فقط، هذا كتاب (النكت على نزهة النظر في توضيح نخبة الذكر، ص58) لابن حجر العسقلاني قال: (فالأول المتواتر وهو المفيد للعلم اليقيني فأخرج النظري) إذن يعتبر المتواتر من الضروريات، (على ما يأتي تقريره، واليقين هو الاعتقاد الجازم المطابق وهو المعتمد أن الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري) أدق من عبارة المامقاني (وهو الذي يضطر الإنسان إليه بحيث لا يمكن له دفعه) وهذه هي الضروريات، إذا كان هناك تواتر تقول أقبل أو لا أقبل ليس من حقك. (وإنما أبهمت شروط التواتر) يقول لم أبين أن هؤلاء الذين يتحقق بهم التواتر مؤمنين عدول أو ليسوا عدول (وإنما أبهمت شروط التواتر في الأصل لأنه على هذه الكيفية ليس من مباحث علم الإسناد) ليس من مباحث علم الرجال، من مباحث علم المنطق (إذ علم الإسناد) يعني علم الرجال (يبحث فيه عن صحة الحديث أو ضعفه) وفي التواتر لا نبحث في ذلك، إذن بحث التواتر ليس من أبحاث الرجال بل من أبحاث نظرية المعرفة وعلم المنطق (ليعمل به أو يترك من حيث صفات الرجال وصيغ الأداء والمتواتر لا يبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحث).
أنت تقول لي: لا، أنا أقول أن التواتر لي فيه اصطلاح جديد، هذا لك. اصطلاح القوم في التواتر هذا.
وقد جمعت كل الأقوال تقريباً في هذا الكتاب وهو من الكتب المهمة القيمة وهو كتاب (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) هذا الكتاب في المقدمة بين اصطلاحات القوم في التواتر ثم بين بماذا يتحقق التواتر ثم جمع الروايات المتواترة بين المسلمين، هذا البحث مهم جداً، (نظم المتناثر من الحديث المتواتر) هناك يقول (وقال الجرجاني في مختصره والخبر المتواتر ما بلغت رواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادة تواطئهم على الكذب ويدوم هذا فيكون أوله كآخره ووسطه كطرفيه) كالقرآن والصلوات الخمس، ثم يدخل في بحث أنه بخمسة من الصحابة إذا نقل خمسة من الصحابة يعني في الطبقة الأولى خمسة من الصحابة كافي أو ليس بكافٍ، إذا نقل عشرة من الصحابة كافي أم لا، إذا نقل عشرين من الصحابة كافي أو لا، بعضهم قال إذا نقل واحد من الصحابة أيضاً كافي. يقول إذا نقل أبو بكر يكفي. لماذا؟ لأنه بلغ من جلالة القدر مبلغاً لا يحتمل في حقه الكذب. عصمة ولكن عصمة مبطنة غير مصرح بها، كما نحن نعتقد أن علي بن أبي طالب لو نقل عن رسول الله وعلمنا يقيناً أن علي بن أبي طالب نقل يحصل لنا الجزم. طبعاً هذا خبر واحد ويفيد العلم، لأن ليس كل ما يفيد العلم هو متواتر، بل كل متواتر يفيد العلم وليس كل ما يفيد العلم فهو متواتر.
البعض قال أربعة يكفي، البعض قال خمسة، البعض قال عشرة، البعض قال عشرين، وهكذا، أقوال عجيبة غريبة في المسألة لأنه لا ضابطة فيها.
ابن تيمية في كتابه (الحديث) القضية لا يمكن إعطاء ضابطة كلية فيها، والحق معه فإنه كل مورد يختلف عن الآخر، فلعله في مورد يكفي الواحد ولعله في مورد يكفي اثنان، ولعله في مورد خمسين ولا يكفي، والحق معه، كما عندنا الكثير من الأمور التي نقلت لنا من صدر التاريخ وعدد الصحابة الذين نقلوها عشرة أو عشرين ولكن عندما تدخل في العمق تجد أن هناك كانت مدرسة أساساً لوضع هذا الحديث. إذن ليس كل عدد اختلف كذا كذا، هذا بشكل صريح يصرح به، نفس المبنى الذي إن شاء الله سنقرأه لكم عن السيد الشهيد قدس الله نفسه موجود عند ابن تيمية، ليس عند ابن تيمية، عند الغزالي في كتابه المستصفى وسأبينه لكم في محله إن شاء الله تعالى.
هذا المطلب الثاني أو تعريف المتواتر.
الحدسيات ما هي؟ قال: (هي قضايا يحكم بها العقل على أساس حدس قوي من النفس يزول معه الشك مثل حكمنا بأن القمر مستفادة نوره من نور الشمس) لماذا؟ لأن الشمس إذا لم يكن فيها نور فالقمر كذا، وهذا ثابت بالحدس، والحدسيات عندهم من اليقينيات أيضاً. (والفطريات وهي التي لا يكفي تصور طرفيها للتصديق العقلي بها بل لابد من وسط) من دليل ولكن الدليل معها ويسمى قياساتها معها.
هذه القضايا الست هي المنطق لكل الاستدلال ولكل البناء الذي بنيت عليه الفلسفة والأصول والفقه والرجال والتفسير وكل المعارف الدينية. وإلى يومنا هذا لم نر بحثاً من أحد من علماء الدين ناقش في هذه القضايا الست. كلهم سلموا مع المنطق الارسطي أن هذه القضايا يقينيات، يعني الأوليات المحسوسات، المجربات، الحدسيات، الفطريات، المتواترات. ولذا فالقضايا اليقينية تشكل القاعدة الرئيسية للمعرفة الواجبة القبول، أما القضايا المستدلة متى يمكن الاستناد إليها، أي قضية، لا يفرق، تقول لي قضية كلامية، أقول: نعم، قضية فلسفية، نعم، قضية عقائدية، نعم، قضية رجالية، نعم. كلها لكي تكون مقبولة ويمكن الاحتجاج بها لابد أن تنتهي إلى … فإذا كان عندك قدرة أن ترجعها إلى واحدة من هذه القضايا فهي حجة منطقية، ليست حجة أصولية، حجة منطقية يعني كاشفة عن الواقع، لأن الحجية لها اصطلاحات واحدة من معاني الحجية يعني الكاشف عن الواقع. هنا نقول هذه القضايا حجة، يعني ليس أنها معذر ومنجز، بل مرادنا من الحجة هنا يعني كاشفة عن الواقع، يعني عندما أقول القرآن متواتر يعني هذا التواتر حجة يعني أن هذا التواتر يكشف عن أن هذا القرآن يقيناً وحقيقية نازل من الله على قلب الخاتم. في أي قضية، فقه، اصول، تقول الفقه لماذا؟ اقول باعتبار أن حجية الفقه يرجعوها إلى حجية الأصول، وحجية الأصول يرجعوها إلى حجية القطع، وحجية القطع لابد أن ترجع إلى واحدة من هذه القضايا، وإلا إذا لم ترجع فهي ليست بحجة. الصلاة واجبة، من قال: تقول لي من ضروريات الدين، أقول: من قال ضروريات الدين تجب طاعتها؟ تقول: صادرة من المعصوم. أقول: من يقول تجب طاعة المعصوم. تقول لي: رسول الله قال. أقول: من قال أنه تجب طاعة الرسول؟ تقول لي: القرآن يقول (اطيعوا الله وأطيعوا الرسول). اقول: من يقول يجب إطاعة القرآن عندما قال أطيعوا الرسول. عندك دليل؟ الله قال. من قال أن الله لابد من طاعته. هنا تأتي نظرية إما لأنه خالق، أما منعم، وتأتي النظريات، شكر المنعم، خالق …
بأي دليل ثبت أن الله خالق؟ أنت تقول سلمت معك، إذا هو خالقي فعقلي يقول اطعه، من يقول أنه خالقي؟ تقول: أنا حادث والحادث يحتاج إلى محدث، من قال أن الحادث يحتاج إلى محدث؟ من قال أن المحدث هو الذي خلقك؟ تقول لي: بطلان الدور والتسلسل. ومن قال لك أن الدور والتسلسل باطل؟ قال: لأنه يلزم اجتماع النقيضين. إذن الصلاة واجبة مربوطة أين؟ البعض يقول سيدنا أنت تتكلم في البديهيات، لا والله، الآن هناك في الساحة الفكرية، نحن نغطي رؤوسنا في التراب كالنعامة، الساحة الفكرية فيها ادعاءات أن كثير من هذه الأمور أصول موضوعه لا دليل على صحتها، أنا لا أريد أن أشوش ذهن الأخوة ولكني مضطر لأن أذكرها. رأيت مفكراً شيعياً له عشرات من الكتب وله مساهمات كبيرة في الجامعات ويعرفه كثير منكم إن لم أقل جميعاً، قال أنا حيرتني قضية ما، قلت له ما هي؟ قال: من يقول أنه في القرآن الله يصدق.
قلت له: هو يقول (ومن أصدق من الله قيلاً). قال: لعله قال كذب مصلحتي يريد حتى نحن عندما يقول نار جهنم، إذا لم يقل نار جهنم نفسد في الأرض، هو قال نار جهنم ونحن نفسد في الأرض، فما بالك لو قال لا توجد نار جهنم، كذب مصلحتي لأجل تربيتنا.
ما الدليل على أن الله لابد أن يكون في كل مقولاته صادقاً. أليس في فقهكم الكذب المصلحتي في كثير من الأحيان واجب، الله عمل بهذه القاعدة؟!
تقول: واقعاً يوجد مثل هذا. أقول: نعم وجلست معهم مفصلاً لساعات.
لابد أن تجيب، لا تقول له كافر زنديق نجس اخرج، يخرج منك ويذهب إلى الجماعة، لابد أن تجيب، ابنك عندما يسألك هذا السؤال ماذا تجيبه؟ اخواني الأعزاء أما ندخل الميدان أو أن هذه القطعة الموجودة عن رؤوسنا نرفع المسؤولية عن أنفسنا ويكون حالنا حال الناس، يوم القيامة أنت تريد تكون عالم ولا تتحمل المسؤولية، العمامة مسؤولية إما بقدر المسؤولية أو تخلص منها.
المنطق الارسطي لا أنه يعيش معنا، داخل في أحشاء وجودنا، لا فقط بالصورة داخل، بل داخل بالمادة أيضاً.
السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه ولعله لأول مرة على مستوى الفكر الإسلامي والبعض يدعي أنه على مستوى الفكر الإنساني، السيد الشهيد حاول في كتابه الأسس المنطقية للاستقراء أن يقول أن 90% من هذه اليقينيات ليست بيقينيات، كلها باطلة، وبهذا ينهدم عندما كل الفلسفة المبنية على هذه اليقينيات ولا يبقى لها أساس، كل القواعد التي بنيتها في علم العقائد بنيتها على المتواترات وعلى الحسيات والمجربات والتجريبيات والحدسيات والفطريات كلها سوف تنهار، كل المباني الأصولية التي رتبتها على هذه القواعد سوف تنهار. هذه المحاولة خطيرة أو ليست بخطيرة؟ تستحق الدراسة أو لا تستحق الدراسة؟ ولكن مع الأسف الشديد أنا أتكلم عن نفس ولا أتكلم مع الآخرين، مع الأسف الشديد نحن السيد الشهيد في أوساطنا إلى يومنا هذا مظلوم لأنه إلى الآن لم يبين أحد مبانيه المعرفية، فقط جئنا وضعنا يدنا على فقهه وعلى أصوله، وهذه هي نتائج النظرية وليست أصل النظرية. أصل النظرية ما هي؟ أنا حاولت محاولة، ولكن كما هو قال رحمة الله عليه، حاولت محاولة في كتاب (المذهب الذاتي في نظرية المعرفة) عرضت للنظرية في 120 صفحة، ولكن أقسم بالله إلى الآن لم يأتني طالب لا أتذكر أنه قال لي أنا طالعت الكتاب ووجدت فيه هذا الإشكال. النظرية كلها التي هي 500 صفحة أنا لخصتها في أول كتاب المذهب الذاتي حتى الأعزاء إذا طالعوا يعرفون السيد الشهيد ماذا فعل، لا أقل يكون عندهم تصور. أنا أقول متأسف لأن السيد الشهيد كنت أسأله عن الأسس المنطقية قال لي: سيدنا أنت أول طالب في النجف منذ أن كتبت الأسس المنطقية يسألني عن الأسس، أنا كتبت الأسس المنطقية حتى الطلبة لا يعتمدون على حاشية ملا عبد الله والشمسية، بل حتى يقرأوا هذا المنطق أيضاً، لكن لم يعتن به أحد، يظهر ليس في زمانه لم يعنى به، بل حتى في زماننا لم يعتنى به.
أما كيف أبطلها؟ إذا رغب الأخوة أنا في درس أو درسين أقف، وأما إذا لم يرغبوا فنقول بنحو الفتوى، في التواتر قال هكذا، في الحسيات قال هكذا، في المجربات هكذا قال … ثم لا أنه أبطل، حاول أو يوجد بديلاً نظرياً لتغطية هذه القضايا التي هي المنهج الاستقرائي.
والحمد لله رب العالمين.