الأخبار

المحاضرة (16)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

قلنا في الأبحاث السابقة أننا في هذه الدورة الأصولية سوف نقف في كثير من الموارد على الدليل الاستقرائي وأن الدليل الاستقرائي سيكون هو الحجة التي نستند إليها لإثبات جملة من المسائل الأصولية. وهذا ما أشرنا إليه في الأبحاث السابقة، ومن هنا من المنطقي أو من خلال البحث المنهجي لابد أن نعرف أن الدليل الاستقرائي هل هو حجة أم لا؟ وإذا كان حجة فأي قدر هو حجة. يعني كان التامة أو كان الناقصة؟ طبعاً بطبيعة الحال لا يمكن أن نقف تفصيلاً على ذلك ولكنه بقدر الإجمال لابد أن نعرف حتى نعرف عندما نصل إلى حجية خبر الواحد أو حجية الظواهر أو مسائل كثيرة أخرى في علم الأصول ونقول دليلنا على ذلك هو الاستقراء ماذا نعني بالاستقراء. الاستقراء أخواني الأعزاء له اصطلاح في المنطق الارسطي وله اصطلاح آخر في منطق المذهب الذاتي. ولا أريد أن أقف طويلاً عند هذه المسألة، ولكنه الاستقراء في المنطق الارسطي لا يفيد إلا ظناً ما لم يكن مستنداً إلى قياس من الأقيسة المرتبطة بالقضايا الأولية، تتذكرون قلنا بأن المنطق الارسطي يعتقد أن اليقينيات تتلخص في هذه الأمور الستة (الأوليات، المتواترات، التجريبيات – بالمعنى الارسطي لا التجريبيات بالمعنى الذاتي- والحدسيات والحسيات والفطريات). المنطق الارسطي يعتقد أن القضايا التجريبية – سمها الاستقرائية فعلاً- لا تفيد إلا ظناً، لا تغني من الحق شيئاً، متى تكون التجريبيات مفيدة لليقين المنطقي؟ إذا استندت إلى واحدة من هذه القضايا الست التي أشرنا لها.

إذن في كل قضية استقرائية تجريبية إذا لم يستبطن قياساً معتمداً على كبرى من واحِ هذه الكبرى تكون من هذه الكبرى الستة اليقينية يفيد اليقين أو لا يفيد اليقين؟ لا يفيد اليقين. وهنا السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه يتضح الفارق الأول بين نظريته وبين المنطق الارسطي، السيد الشهيد يقول بلا حاجة إلى واحدة من هذه القضايا الست نحن نثبت اليقين بلا حاجة أن نستند إلى قياس مستبطن فيها. هذا هو الفارق الأول.

الآن بالقدر الذي يسمح به طبيعة هذه الأبحاث وإلا في كثير من هذا الذي أنقله عن السيد الشهيد لا أوافق عليه وعندي ملاحظات أصلية عليها، ولكن الآن أجد بالقدر الذي يمكن أن اقرر … وسأشير إلى بعض الملاحظات في حينها.

لا يقول قائل: سيدنا أنتم من جهة تقولون أن السيد الشهيد بالاستقراء وصل إلى اليقين، المنطق الارسطي أيضاً يعتقد أن التجربة توصل إلى اليقين، فما الفرق بين استقراء السيد الشهيد وبين تجربة المنطق الارسطي؟

الجواب: إن السيد الشهيد يعتقد أن تجربته واستقرائه بنفسه يوصل إلى اليقين، أما المنطق الارسطي يقول التجربة توصل إلى اليقين إذا استبطنت قياساً فيه واحدة من هذه القضايا الست اليقينية.

وهذا ما يصرح به أتباع هذا المنهج، الشيخ المطهري في تعليقته على (أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، ج1، ص431) تأليف السيد الطباطبائي، ترجمة السيد عمار أبو رغيف، قال: (تتوفر الأحكام التجريبية على طابع القانون الكلي) يعني أنت عندما تجرب هذه القطعة من الحديد فتتمدد وهذه القطعة فتتمدد تنتهي إلى أن كل حديد يتمدد بالحرارة، هذا طابع كلي مع أن التجربة على أجزاء معينة مختصة، بعبارة أخرى استقراء تام أو استقراء ناقص؟ استقراء ناقص. حينما تتوفر على طابع القانون الكلي متى؟ (حينما يتدخل لون من القياس العقلي المؤلف من البديهيات الأولية العقلية) إما ذاك القياس إذا لم يدخل في عملية الاستدلال فلا نصل إلى القانون الكلي (أي أن هناك قياساً عقلياً مفروضاً ومسلماً في جميع قضايا العلوم التجريبية على الدوام وما لم نفترض هذا القياس لا يمكن لمشاهداتنا وتجاربنا أن تفضي إلى نتيجة كلية وعامة). في مختلف العلوم لا فقط في باب الطبيعيات، في أي علم من العلوم، إذا كان هناك استقراء وإذا كانت هناك تجربة فإنها توصل إلى قانون كلي من غير القانون العقلي يعني من غير المنطق الارسطي أو لا يوصل؟ لا يوصل. وهذا هو الخلاف الأساسي المنهجي القائم بين العقليين وبين التجريبيين. هذا المعنى بشكل أوضح يشير إليه في (ج1، ص436) يقول: (ومن هنا يتضح) بناء على المنطق الذاتي للسيد الشهيد الذي يقول لا نحتاج للوصول إلى القانون الكلي إلى قياس ارسطي يكون السير من الخاص إلى العام، أما بناء على المنطق الارسطي فالسير من الخاص إلى العام أو من العام إلى الخاص؟ يقول ظاهره خاص إلى العام، يقول: أنت تتوهم، في الواقع هو سير من العام إلى الخاص. (ومن هنا يتضح بجلاء أن الذهن في جميع القضايا التجريبية حيث يسير من الأحكام الجزئية إلى الأحكام الكلية يعتمد على مجموعة أصول كلية غير تجريبية، لكنه يغفل عنها بحكم ممارسته الذاتية المستمرة لها فيتخيل الفرد أن المشاهدة والتجربة من الجزئي إلى الكلي ومن الداني إلى العالي بينما يحصل هذا السير والصعود وفي واقعه سير من الكلي إلى الجزئي).

إذن يبقى مصر المنطق الارسطي أنه لا يمكن الوصول إلى اليقين إلا إذا كان سيراً من الكلي إلى الجزئي. أما السيد الشهيد يريد أن يدعي ويقول أنه يمكن أن نصل إلى قانون كلي من الجزئي إلى الكلي. اتضح الفارق الأول الأساسي بين المنهجي وبين المنطقي.

في الأبحاث السابقة قلنا أنه في بعض عبارات السيد الشهيد والخطورة هنا، وهذا البحث لم نعرض له سابقاً، السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه قال أنا عندما أقول في الاستقراء نصل إلى اليقين لا أقصد اليقين الارسطي بل أقصد اليقين غير الارسطي. في هذه الدعوة الجديدة لهذا اليوم السيد الشهيد يترقى خطوة إضافة ويصعد خطوة إضافية ويقول بأنه يمكن أن نصل إلى اليقين الارسطي من خلال الاستقراء. ماذا كان اليقين الارسطي؟ قلنا أن اليقين الارسطي لم يكن فقط ثبوت المحمول للموضوع، الذي يلازم الانفكاك أيضاً ولكنه يستبطن استحالة الانفكاك. يقول: نحن كما يمكننا أن نصل إلى اليقين غير الارسطي بالاستقراء ولا نحتاج إلى يقينيات المنطق الارسطي نصل إلى اليقين الارسطي وهو ثبوت المحمول للموضوع واستحالة الانفكاك بلا حاجة إلى يقينيات المنطق الارسطي. بالاستقراء نصل له، يعني بعبارة أخرى الاستقراء كما يوصلنا إلى إثبات المحمول للموضوع يوصلنا إلى الاستلزام والضرورة بين المحمول وبين الموضوع. وهذه هي الدعوى الخطيرة، يعني المراد من الخطوة هو الدعوى التي هي أعمق وأعقد من الدعوى الأولى.

نحن إلى الآن قضايا أربع قلنا ماذا؟ السيد الشهيد لا حاجة لنا في المتواترات إلى المنطق الارسطي بل نثبتها أيضاً بالاستقراء، في الحسيات أيضاً قال لا حاجة خصوصاً في الحواس الظاهرة، في الحدسيات أيضاً كذلك. في التجريبيات أيضاً كذلك. ماذا يبقى عندنا؟ الأوليات والفطريات، في الأوليات ماذا كان عندنا؟ الكل أعظم من جزئه، ويمكن أن لا يكون كذلك أو لا يمكن؟ يستحيل أن لا يكون الكل أعظم من جزئه، لا فقط ثبوت المحمول للموضوع، بل استحالة الانفكاك، السيد الشهيد يقول هذا أيضاً أثبته لكم بالاستقراء. أين قال هذا المعنى؟

في (الأسس المنطقية، ص474) دار التعارف للمطبوعات، تحت عنوان (تفسير القضية الأولية والقضية الفطرية) يقول: (وإذا طرحنا الأصناف الأربعة من قائمة اليقينية الست) تلك الأربعة خرجت من اليقينيات بالمعنى الارسطي (بقي في القائمة الارسطية الأوليات والفطريات) فما هو موقفنا من هذه القضايا التي يعتبرها المنطق الارسطي قضايا يقينية ونقاط ابتداء في المعرفة البشرية، هو رأس المال الأصلي. هذا في (ص471).

ثم يقول في (ص474): (وحينما نؤكد تطبيق الدليل الاستقرائي على كل الأوليات الارسطية) يعني كل ما يدعيه المنطق الارسطي أنه أولي من قبيل أن الكل أعظم من الجزء نحن نثبته أنه نطبق عليه الدليل الاستقرائي ونصل إلى نفس النتيجة، لا تختلف، لا فقط أصل إلى ثبوت المحمول والموضوع، بل حتى استحالة انفكاك المحمول عن الموضوع.

قد يقول قائل: قد يقصد ثبوت المحمول والموضوع فقط، ولا يقصد اللزوم.

يقول في (ص473): (وبهذا يمكننا أن نتوصل إلى إثبات علاقة اللزوم والضرورة بالدليل الاستقرائي) لا فقط نثبت أن المحمول ثابت للموضوع كما أنك الآن جالس، الآن يقيناً أنت جالس ولكن لا استلزام عقلي بعدم الانفكاك، لأنك بعد ساعة قائم، هذا معناه عدم وجود استلزام ذاتي. أما الكل أعظم من الجزء ليس من هذا القبيل. (وفقاً لطريقته العامة) يعني طريقة الدليل الاستقرائي (في أي قضية من القضايا التي يعتبرها المنطق الارسطي من الأوليات والفطريات). نصل إلى نفس النتيجة. وطبق هذا، اين طبقه؟ طبقه على قانون العلية والسببية، كل حادث يحتاج إلى سبب، هذا أي يقين في هذه القضية كل حادث يحتاج إلى سبب، أي يقين هذا؟ اليقين الارسطي، يعني يمكن أن يكون حادثاً ولا يحتاج إلى سبب؟ لا، لا فقط أنه يحتاج، بل ويستحيل أن لا يكون كذلك. السيد الشهيد يقول نفس هذا المعنى الذي أثبته وأدعى المنطق الارسطي أنه قضية أولية عقلية، لأن المنطق الأرسطي يدعي أن كل حادث يحتاج إلى سبب قضية عقلية، يقول: نفس هذا المعنى نحن نثبته بالاستقراء أيضاً.

يشير إلى هذا المعنى في (الأسس المنطقية، ص79)، في الاتجاه الأول ونزعته اليقينية، مناقشة هذا الموقف، يقول: (إنا إذ نؤمن بأن الدليل الاستقرائي) بالمعنى الذي هو يقوله في المذهب الذاتي (كفيل بإثبات السببية) أي سببية؟ أن كل حادث يحتاج إلى علة، يعني قانون العلية، (بدون حاجة إلى مصادرات نريد بذلك السببية بالمفهوم العقلي) لا بالمعنى الذي نقوله (الذي يعبر عن علاقة ضرورة بين السبب وبين المسبب). الدعوى الثانية للسيد الشهيد هذه، الدعوى الاولى اتضحت وهي أن التجربة في المنطق الارسطي تحتاج إلى قياس خفي، وهو يقول لا تحتاج. ولكنه كانت قابلة للحل أن اليقين الذي يصل له هذا غير ذاك اليقين. ولكن المشكلة الآن تعقدت لأن السيد الشهيد يدعي أنه بالاستقراء يصل إلى نفس اليقين الذي يصل إليه المنطق الارسطي. هذا تام أو غير تام؟

الجواب: هذا ما لا نقبله من السيد الشهيد، هذا غير تام. فإن الدليل الاستقرائي بلغ ما بلغ من القوة والتمامية ولم نناقش في أي مقدمة من مقدماته، وسأشير فيما بعد إلى بعض المقدمات، ولم نناقش في أي مصادرة من مصادراته ولم نقل أي شيء في مقدمات الاستدلال أقصى ما يستطيع أن يصل إليه هو ثبوت المحمول للموضوع، وفي هذا كلام يأتي.

ولكن الآن أريد أن أسلم يصل، ولكنه لا يستطيع أني ثبت الضرورة والاستلزام لأن الضرورة والاستلزام معنى عقلي لا معنى حسي حتى يقام عليه التجربة. حتى في العلة والمعلول، المعلول يأتي بعد العلة، أما ويستحيل أن يكون المعلول متقدماً على العلة، هذا لا تقام عليه التجربة، لأن الاستحالة مفهوم قابل للتجربة وللمشاهدة أو غير قابل لذلك؟ غير قابل لذلك. إذن دعوى السيد الشهيد من أننا نثبت الاستلزام ونثبت الضرورة بنفس الدليل الاستقرائي هذا غير تام. الدليل الاستقرائي على فرض تمامية المقدمات لا ينتج هذه النتيجة.

إذن في كل قضية نحتاج إلى الضرورة والاستلزام بين المحمول والموضوع لا ينفعنا الدليل الاستقرائي. نعم، في كل قضية لا نحتاج إلى إثبات الضرورة والاستلزام يمكن الاستناد إلى الدليل الاستقرائي.

وبهذا يتضح، أنت في الرتبة السابقة عين أنك في هذه القضية تريد فيها الضرورة والاستلزام أو لا تريد؟ فإن كنت تريد الضرورة والاستلزام فلا ينفع الدليل الاستقرائي، أما إذا كنت تريد فقط أن تثبت أن هذا المحمول ثابت لهذا الموضوع من غير استلزام ومن غير ضرورة ذاتية فيمكنك الاستناد إلى الدليل الاستقرائي. وحيث أننا في كثير من المسائل الأصولية نريد الاستلزام والضرورة أو نريد إثبات المحمول للموضوع؟ نريد إثبات المحمول للموضوع فيمكن الاستناد إلى الدليل الاستقرائي.

أما في تلك القضايا العقدية والعقلية التي نحتاج فيها إلى الاستلزام والضرورة الدليل الاستقرائي لا ينفع.

والغريب والعجيب أن السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه هو يصرح بهذا في مكان آخر، هذا البحث عرض له السيد الشهيد في رسالة اسمها (بحث حول المهدي) فيها كثير من المباني التي وجدت في الأسس المنطقية لا أعلم أن السيد الشهيد رجع عنها في هذه الرسالة أو أن هناك لا أقل عدم انسجام بين ما ذكره في هذه الرسالة وبين ما ذكره في الأسس، وأنتم تعلمون أن هذه الرسالة كتبت بعد الأسس المنطقية.

أين قال هذا الكلام السيد الشهيد بشكل تصريح، يقوله في (بحث حول المهدي، ص27) طبعة المؤتمر العالمي للإمام السيد الشهيد، يقول: (وتوضيح ذلك أن القوانين الطبيعية يكتشفها العلم على أساس التجربة والملاحظة المنتظمة، فحين يطرد وقوع ظاهرة طبيعية عقيب ظاهرة أخرى يستدل بهذا الاطراد على قانون طبيعي وهو أنه كلما وجدت الظاهرة الأولى وجدت الظاهرة الثانية عقيب الأولى) عندما نشرب الماء يرتفع العطش، عندما نأخذ حبة الاسبرين يرتفع الصداع، كلما يقطع رأسه يموت، هذه الظواهر الطبيعية، النار يتمدد بها الحديد، النار محرقة، أنا الماء يغرق، ومئات بل آلاف القضايا الطبيعية يثبت لنا من خلال هذا الاطراد الذي نجده. (غير أن العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعي علاقة ضرورية بين الظاهرتين) العلم ليس له هذه القدرة، أن يقول أن هناك ضرورة بينهما، يعني لا ينفك أحدهما عن الآخر. لماذا أن العلم لا يفعل ذلك؟ يقول: (غير أن العلم لا يفترض في هذا القانون الطبيعي علاقة ضرورية بين الظاهرتين نابعة من صميم هذه الظاهرة وذاتها وصميم تلك) يعني المعلول (وذاتها لأن الضرورة) قايسوا هذه الجملة مع ما قرأناه في الأسس المنطقية ص79 (لأن الضرورة حالة غيبية لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائي والعلم إثباتها). كاملاً على النقيض من العبارة السابقة أن الضرورة تثبت بالدليل الاستقرائي في (ص734) وفي ما ذكره في السبب أيضاً، بمفهومها العقلي أكد أن الدليل الاستقرائي يثبت السببية بمفهومها العقلي السببي والسببية بمفهومها العقلي فقط تعاقب ظاهرتين أو استلزام ضرورة؟ السببية بمفهومها العقلي … نعم بمفهومها الطبيعي تعاقب الظاهرتين، أما بمفهومها العقلي استلزام ضرورة يقول: (وهذا ما لا تستطيع التجربة ووسائل البحث العلمي الاستقرائي … ولهذا منطق العلم الحديث) القائم على أساس التجربة الحديث يعني المنطق الذاتية لا على أساس التجربة الارسطية (فإن منطق العلم الحديث يؤكد أن القانون الطبيعي لا يتحدث عن علاقة ضرورية بين الشيء وما يأتي بعده) أبداً هذه الضرورة غير قابلة (بل عن اقتران مستمر بين ظاهرتين).

أنتم أما اعتبروا أن هذا عدول من مبناه قدس الله نفسه يعني ما ذكره في الأسس عدل عنه في بحث حول المهدي، أو نجد توجيه آخر، وإلا فالعبارتان غير منسجمتين. أعيدها مرة أخرى في (ص473 في الأسس المنطقية) قال: (وبهذا يمكننا أن نتوصل إلى إثبات اللزوم والضرورة بالدليل الاستقرائي) وهنا يقول (إن الضرورة حالة غيبية لا يمكن للتجربة ووسائل البحث الاستقرائي والعلمي إثباتها) الضرورة حالة خارجة عن نطاق البحث العلمي والاستقرائي.

السيد الشهيد أشار إلى هذا المطلب يقول: لو أنالعلم الطبيعي انتهى إلى أن الإنسان لا يمكنه أن يعيش أكثر من مئة سنة أو مئتي سنة أو ثلاثمئة سنة، فماذا نفعل في طول عمر نوح، في طول عمر الإمام سلام الله عليه، الآن صار 1270 سنة ولعلها تصل الى 12700 سنة، ولعلها تصل إلى 127000، كذب الوقاتون، لا أحد يدعي أن الإمام بعد 1000 جزماً يظهر، وكذب الوقاتون في النفي لا أنهم كذبوا في الإثبات فقط، لا يحق لأحد أن يقول يقينياً بهذه الشروط الإمام لا يظهر، هذا أيضاً مكذب، لا يتبادر إلى الذهن أن الإثبات فقط مكذب بل النفي أيضاً مكذب، لا يحق لأحد، لماذا؟ لأن الشروط المذكورة في الروايات عندما نستقرأها نرى أنها لا تنطبق. وقد أجابت عنها الروايات من الفريقين يصلح الله أمره في ليلة. هذا ليس بيدك، هذه الشروط هو يعرفها. ولذا عندنا بحث في محله أنه هل يعلم زمان ظهوره على نحو الجزم؟ الجواب: كلا، هو لا يعلم وقت ظهوره على نحو الجزم.

نعم، على نحو التعليق والبداء يعرف، هو لا يعرف، ولذا وردت الروايات تأكيد منه عليه الصلاة والسلام ومن غيره من الأئمة ادعوا له بتقريب الفرج، هذا ادعوا له بتقريب الفرج إذا كان معيناً على نحو الجزم فلا معنى لهذه النصوص.

إذن هذه العبارة كاملاً، إذن الملاحظة الأولى التي ترد على نظرية المذهب الذاتي في نظرية المعرفة حتى لو سلمنا جميع مقدمات المذهب الاستقرائي فإنه لا ينتج أكثر من ثبوت المحمول للموضوع، أما الاستلزام والضرورة فلا مجال للمذهب الذاتي أن يدخل على الخط.

وهناك دعوى ثالثة للسيد الشهيد، في هذه الدعوى التي يدعيها السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه يقول نحن عندنا قانون اسمه قانون السببية، وهو قانون عقلي يعني قبلي، يعني قبل أن تدخل إلى التجربة رأس المال هذا لابد أن يكون عندك، وعندك قانون اجتماع النقيضين محال وارتفاع النقيضين محال، هل يمكننك أن تدخل إلى أي قضية من القضايا وأي مقدمة من المقدمات للوصول إلى النتيجة المترتبة عليها من غير الاستناد إلى هذين الأصلين أو لا يمكن.

الجواب: لا يمكن، لماذا؟ لأنه إذا لم تؤمن بأن اجتماع النقيضين محال، أنت أقم لي ألف مقدمة ومقدمة وأوصلت إلى نتيجة مع ذلك نقيضها أيضاً يمكن أن يكون صحيحاً إلا إذا كان في الرتبة السابقة اجتماع النقيضين محال. أنت الآن بعد أقم لي ألف دليل أن هذه المقدمات تنتج هذه النتائج، أقول صحيح، تقول لي: نعم صحيح ونقيضها أيضاً صحيح، بأي برهان؟ تقول لأنه لم يثبت أن اجتماع النقيضين ممتنع. أقم ألف دليل ودليل أن الله موجود باليقين الارسطي، الله معدوم ينتفي أو لا ينتفي؟ القضية المقابلة تنتفي أو لا تنتفي، نقيضها ينتفي أو لا ينتفي؟ متى ينتفي؟ إذا كان اجتماع النقيضين محال، أما إذا لم يكن اجتماع النقيضين محال حتى لو أقمت ألف دليل، أقول: نعم صحيح ونقيضها أيضاً صحيح، أقم لي ألف دليل على أن هذا نبي، أقول صحيح ونقيضها أنه ليس بنبي أيضاً.

ولذا السيد الشهيد في قضية اجتماع النقيضين قال هذا أصل لا يمكن أن ندخل إلى أي بحث إلا ونعتمد على هذا الأصل، لأننا لو أنكرنا هذا الأصل فلا يثبت حجر على حجر.

الأصل الثاني الذي يعتمده المنطق الارسطي، يقول بأن قانون السببية ايضاً كذلك، ما لم تؤمن بأن السببية قانون عقلي قبلي لا يمكن أن تصل إلى أي نتيجة من النتائج، هذا أيضاً يدعيه المنطق الارسطي. كيف؟ يقول أنت قدمت هذه المقدمات تريد أن تصل إلى النتيجة، إذا لم يكن قانون السببية ثابت لماذا يوجد تلازم بين المقدمات وبين النتيجة، العالم حادث،وكل حادث يحتاج إلى محدث، لماذا ينتج إذن العالم يحتاج إلى … ما هي الملازمة بين المقدمات وبين النتائج إذا لم يكن قانون السببية، المقدمات صحيحة 100% ومع ذلك تصل إلى أن العالم غير محتاج، هل فيه هذا مشكلة؟ أصلاً لا ينتج، أو ينتج العكس فيحصل تناقض، لا ينتج فيحصل نفي الاستلزام. إذن في أي قضية من القضايا لكي يثبت أو تثبت النتائج على المقدمات أنت تحتاج إلى قانون السببية، قانون السببية يمكن أن يكون مجرب أو لا يمكن؟ يمكن أن يكون استقرائي أو لا يمكن؟ إذا كان استقرائي هذا معناه أنه تدخل في قضية لتثبت النتائج وقانون السببية لم يثبت في الرتبة السابقة، ينتج أو لا ينتج؟ لا يمكن أن ينتج.

إذن أنت لكي تقول (2 بالإضافة إلى 2 = 4) هذه المقدمات تنتج هذه النتيجة، شرب الماء يرفع العطش، أو إيجاد الله يكون كذا أو فعل الله يكون كذا، أنت في الرتبة السابقة لابد أن تقبل قانون التلازم بين المقدمات وبين النتائج، يعني تقبل قانون العلية والسببية، لا أن تقبل قانون العلية والسببية فقط، بل لابد أن تقبل متفرعات قانون العلية والسببية أيضاً، يعني السنخية، هذه المقدمات تنتج هذه النتيجة، لا أنها تنتج أي نتيجة، وإلا للزم من (2 بالإضافة إلى 2=9) لأنا نقول ينتج، أما ينتج ما يسانخه هذا من أين!

السيد الشهيد في هذه الدعوى الثالثة يدعي أننا حتى لو أنكرنا قانون السببية فإننا نستطيع أن نثبت السببية بالاستقراء، هذا ممكن أو غير ممكن؟ السيد الشهيد يدعي في الأسس المنطقية للاستقراء، طبعاً هذا المعنى من المتفق عليه في المنطق الارسطي، هذا المعنى ورد بشكل واضح في (أصول الفلسفة، ج2، ص276) يقول: (مضافاً إلى ما تقدم فإننا إذا أنكرنا قانون العلية) يعني السببية بالمفهوم العقلي (فلا يصح لنا الإيمان بأي قانون علمي سواء أكان تجريبياً أو غير تجريبي لأن كل قانون علمي يمثل نتيجة مجموعة مقدمات قياسية أو غير قياسية) يعني استقرائية (ومع حصول هذه المقدمات نحصل على القانون العلمي كثمرة ونتيجة يقينية لتلك المقدمات) يعني التلازم بين المقدمات وبين النتائج (بينا إذا اعتبرنا قانون العلية كاذباً) يعني غير ثابت إلا بالتجربة (فسوف لا تكون هناك أي علاقة بين مقدمات أي دليل وبين نتيجة ذلك الدليل، أي سوف لا تكون أي فكرة ثمرة ونتيجة لأي دليل وإذا اعتبرنا قانون السنخية …).

في مقابل هذه الدعوى في المنهج الارسطي السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه يقول: فإننا لا نحتاج إلى قانون العلية والسببية لإثبات النتائج المترتبة على دليل الاستقراء. أقول أنا أقدم مجموعة أدلة، أصل إلى النتيجة بغض النظر عن ماذا؟ نعم، أنا أقر أن قانون السببية عقلي، ولكن افترض لكم فرضاً حتى لو لم يكن عقلياً أنا أحتاج إليه أو لا احتاج إليه؟ لا احتاج إليه. قال هذا المعنى في (الأسس المنطقية للاستقراء، ص70) قال: (ويكفي هنا أن نسجل رأينا هذا دون أن ندخل في تفاصيله تاركين ذلك إلى القسم الثالث من الكتاب، حيث نستعرض بشمول وعمق النظرية التي يتبناها هذا الكتاب، والتي تؤكد أن الاستقراء يؤدي إلى التعميم بدون حاجة إلى أي مصادرات قبلية) ومن هذه المصادرات مصادرات نظرية السببية. هنا يأتي هذا التساؤل للسيد الشهيد: سيدنا إذا لم تكن السببية موجودة حتى لو تمت مقدماتك لماذا تنتج أصلاً؟ أصلاً هل هناك ملازمة بين المقدمات والنتائج أو لا توجد ملازمات قبل أن نثبت السببية؟ توجد ملازمة أو لا توجد ملازمة؟ لا توجد ملازمة. سلمنا أن كل المقدمات تامة، تنتج النتيجة أو لا تنتج؟ بل يدعي أكثر من ذلك كما قرأنا في (ص79) يقول السببية نثبتها بالاستقراء، يعني قبل أن تثبت السببية الاستقراء منتج أو غير منتج؟ منتج، مع أنه لا ينتج قبل السببية. وهذه هي الملاحظة الثانية الأساسية على الدليل الاستقرائي لسيدنا الشهيد.

تبقى هناك دعوى ثالثة للسيد الشهيد سنقف عندها يوم غد إن شاء الله، وأيضاً نبين الملاحظة وندخل في موضوع علم الأصول.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات