الأخبار

المحاضرة (17)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

أخواني الأعزاء هذه مسألة الأسس كما تعلمون لا يوجد فيها درس رسمي في الحوزات العلمية وهذا مما يؤسف له، لأنه أهم منتوج، أنا أتصور شخصياً وكثير من المحققين الذين يعرفون الفكر الغربي جيداً أهم منتوج فلسفي ومنطقي ومعرفي على مستوى الحوزات العلمية الإسلامية عموماً والشيعية خصوصاً تعد كتاب الأسس المنطقية، يعني لا أتصور بحسب تتبعي، هذا الكلام أقوله ولا أريد أن أقول أن كل ما ورد في هذا الكتاب صحيح، لا أبداً، وإنما أريد أن أبين قيمة هذه المحاولة وعمق هذه المحاولة، أهم ما أنتجه العقل الشيعي في مجال المعرفة والمنطق هو كتاب الأسس المنطقية للاستقراء، ولذا كان ينبغي الوقوف عند هذا الكتاب بشكل دقيق في حوزاتنا العلمية لنرى مقدار ما يتم من هذه النظرية ومقدار ما لا يتم من هذه النظرية، ولكن مع الأسف الشديد هذه القضية لم تطرح ولكنه أنا وجدت مناسبة عندما وقفنا عند الأبحاث الأصولية وأنتم تعلمون بأن كثير من المباحث الأصولية متعلقة بنظرية الدليل الاستقرائي وبعبارة أدق مرتبطة بنظرية المذهب الذاتي لأن المذاهب ثلاثة وهي المعروفة الآن، هي المذهب الذاتي والمذهب التجريبي والمذهب العقلي. هذا هو المذهب الذاتي في نظرية المعرفة كما بينت.

هذا المعنى الأخوة إذا أرادوا معرفة أهميته فهناك كتاب للدكتور سروش اسمه (تفرج صنع) بالفارسية، يقول في هذا الكتاب: أهم ما أنتجه الفكر الوقاد للشهيد آية الله محمد باقر الصدر هو هذا الكتاب، ونستطيع أن نقول أنه يعد هذا الكتاب أهم كتاب صدر في تأريخ الثقافة الإسلامية والذي يعالج مسألة تعد من أهم المسائل في المشرق والمغرب عموماً.

إذن إذا تجدون أننا نقف عند هذا البحث لأكثر من درس لأن البحث يستحق أكثر من ذلك بكثير، ولو لمرة واحدة، افترضوا أننا الآن خرجنا بنحو الاستطراد للوقوف على نظرية الأسس لتتعرفوا أن هذه النظرية ماذا تريد أن تقول، ما هو خلافها الأساس مع المنطق الارسطي، ماذا تقبل من المنطق الارسطي وماذا ترفض من المنطق الارسطي أو المذهب العقلي؟

أخواني الأعزاء في الاستقراء توجد مشكلتان أساسيتان:

المشكلة الأولى: نحن في أي عملية استقرائية وتجريبية نصل إلى التقارن بين ظاهرتين، إلى التتابع بين ظاهرتين، يعني عندما نعطي إنسان حبة اسبرين فيشفى توجد عندنا علاقة تقارن، هذا قارن هذا، هذا تبع هذا، المشكلة الأولى في الاستقراء كيف نحوّل التقارن إلى تلازم بين الأول والثاني، وأنتم تعلمون أن التقارن شيء والتلازم شيء آخر، في التقارن لا يستبطن السببية أما في السببية فيستبطن السببية، يعني أن الأول سبب للثاني، المشكلة الأولى في الاستقراء كيف يتحول التقارن إلى تلازم.

المشكلة الثانية في الاستقراء: كيف يتحول هذا التلازم الخاص إلى تلازم عام؟ يعني أن الذي استقرأناه مجموعة قليلة من الموارد وهذا الذي عبرنا عنه فيما سبق بالانتقال من الخاص إلى العام، إذن مشكلتان أولاً كيف نتحول من التقارن إلى التلازم، وثانياً كيف نتحول من التلازم الجزئي إلى التلازم الكلي في كل زمان حالاً واستقبالاً وهنا وهناك.

من أين بدأ السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه؟ السيد الشهيد قال نحن لا نحتاج من المنطق الارسطي إلا قاعدة اجتماع النقيضين، هذه القضية لا يمكن أن نتجاوزها، يعني أنا لا استطيع أن أدخل إلى الدليل الاستقرائي وأنا فارغ الذهن من قاعدة اجتماع النقيضين ممتنع، لابد أن هذا كأصل أولي قبلي عقلي غير قابل للمناقشة. على اساسه أدخل إلى دليل الاستقراء. هذا المعنى بشكل واضح وصريح السيد الشهيد أشار إليه في (الأسس المنطقية للاستقراء، ص473) قال: (القضية القائلة باستحالة اجتماع النقيضين فإن هذه القضية لا يمكن أن نفترض إثباتها بالدليل الاستقرائي) لا مجال لذلك (بل يجب أن تفترض ثابتة ثبوتاً أولياً قبلياً) لأننا إذا لم ننطلق من مبدأ عدم التناقض فكيف يمكن تجميع القيم الاحتمالية في محور واحد لأن هذا التجميع يتوقف على أن يكون لكل احتمال قدرة على نفي نقيضه، أما إذا أمكن نقيضه فلا يمكن أن نجمع الاحتمالات تحت محور واحد. إذن هذا الأصل الأول.

سيدنا الأصل الثاني، قانون السببية؟ قال لا حاجة لي بقانون السببية، حتى لو لم يثبت قانون السببية أنا عندي قدرة على أن أثبت قانون السببية. هذا المعنى بالأمس اشرنا إليها في (ص76) من هذا الكتاب، أولاً لابد أن يعرف الأخوة أن مرادنا من السببية هنا ليست السببية بمعناها العرفي بل السببية بمعناها العقلي، ما هي السببية بمعناها العقلي؟ في (ص76) يقول: (فالسببية بمفهومها العقلي تعبر عن علاقة الإيجاب والضرورة) يعني التلازم (بين ظاهرتين، فأي ظاهرتين إحداهما تؤثر في إيجاد الأخرى حتماً فالظاهرة المؤثرة منهما هي السبب والظاهرة الموجودة نتيجة ذلك التأثير هي المسبب) هذا المفهوم العقلي، سيدنا أنت في الاستقراء تحتاج إلى هذه السببية كقانون عقلي كاجتماع النقيضين أو لا تحتاج؟ في (ص78) يقول: (إن هذا الكتاب يختلف عن المنطق العقلي والتجريبي في أهم قضية من قضايا الدليل الاستقرائي) ما هي؟ (وهي الجواب على السؤال التالي هل يعتبر الدليل الاستقرائي بحاجة إلى قضايا السببية كمصادرات يبني على أساسها التعميم) المشكلة الثانية أو لا يحتاج. الجواب: يقول: بأنه الدليل الاستقرائي ليس بحاجة إلى مصادرات من هذا القبيل لكي يؤدي إلى الأصول أو يصل إلى التعميم الاستقرائي. يعني أن ينتقل من الخاص إلى العام. بل أكثر من ذلك حتى لو لم يثبت، (بل يعني حتى لو استبعدنا العلم العقلي القبلي لهذه القضايا يظل بالإمكان إثبات قضايا السببية فالدليل الاستقرائي قادر بمفرده بدون مصادرات على إثبات تلك القضايا).

ولذا هو قدس الله نفسه ملتفت إلى النكتة يقول أول قضية استقرائية لابد أن نثبتها هي قانون السببية لأنه لم نثبت قانون السببية لا نصل إلى التعميمات الأخرى، ولذا يقول أول مسؤولية على الدليل الاستقرائي ماذا أن يثبت قانون السببية فإذا ثبت قانون السببية ننتقل إلى القضايا الأخرى ولذا قال: (ولا أي تعميم فليس بالإمكان أن نثبت بالدليل الاستقرائي ولا أي تعميم من التعميمات التي يثبتها الاستقراء فالشرط الأساس لإنتاج الدليل الاستقرائي أن يكون قادراً على إثبات السببية بالمفهوم العقلي وما لم نثبت السببية العقلية يعجز الدليل الاستقرائي عن أن يثبت أي تعميم من التعميمات).

هذه هي الدعوى الأولى التي أدعاها السيد الشهيد وهي أن الدليل الاستقرائي لا يحتاج إلى مصادرة قانون السببية كأصل كاجتماع النقيضين.

سؤال: الكلام تام أو غير تام؟

الجواب: غير تام، لا نوافق على ذلك، محال أن ندخل إلى الدليل الاستقرائي من غير قانون السببية، كما أن محال أن ندخل إلى الدليل الاستقرائي من غير قانون اجتماع النقيضين.

الدعوى الثانية – بالأمس أشرنا لها ولكني أريد تلخيص البحث- وهي أنه ادعى أننا نستطيع أن نثبت السببية بالدليل الاستقرائي. يمكن أو لا يمكن؟ بالأمس قلنا أنه غير ممكن لأن السببية بالمعنى الفلسفي ما هي؟ هي التلازم، هي حالة عقلية، وبتعبيره حالة غيبية، تنالها التجربة أو لا تنالها التجربة؟ لا تنالها التجربة.

إذن الدليل الاستقرائي عاجز – في اعتقادنا- عن إثبات السببية بالمعنى العقلي، هذه الدعوى أيضاً لا نوافق عليه من السيد قدس الله نفسه.

الأمر الثالث الذي هو بيت القصيد، في اعتقادي هناك دعوى ثالثة عند السيد الشهيد، إن لم نستطع أن نثبت لكم اليقين بالمعنى المنطقي الارسطي يعني الجزم بثبوت المحمول للموضوع واستحالة انفكاك المحمول عن الموضوع لا أقل نستطيع أن نثبت لكم اليقين البسيط يعني ثبوت المحمول للموضوع بنحو الجزم واليقين يعني 100%. هذا هو بحثنا لهذا اليوم. هل أن الدليل الاستقرائي قادر على إثبات اليقين ولو بهذا المعنى، ثبت أنه غير قادر على إثبات اليقين بالمعنى الارسطي.

السيد الشهيد ادعائه أنه قادر، يعني كتب الأسس المنطقية في الأعم الأغلب لإثبات هذه الدعوى الثالثة وهي أن الدليل الاستقرائي يثبت لنا التعميم بنحو اليقين، كيف يفعل ذلك السيد الشهيد؟

حتى نقف على اصطلاحات السيد الشهيد أيضاً، يقول لكي أصل إلى اليقين الاستقرائي حتى نميزه عن اليقين المنطقي، اليقين يعني الجزم، لكي أصل إلى اليقين الاستقرائي لابد أن يمر الدليل والاستدلال بمرحلتين:

المرحلة الأولى: يعبر عنها بالتوالد الموضوعي.

والمرحلة الثانية: يعبر عنها بالتوالد الذاتي.

ومن هنا جاءت نظرية المذهب الذاتي، لأن هذه هي أس ومفتاح نظريته موجود في مرحلة التوالد الذاتي. وهنا أقول بنحو الفتوى إبداع السيد الشهيد في الأسس ليس في بحث التوالد الموضوعي، بل إبداعه في التوالد الذاتي، ولذا التفت لي جيداً ماذا فعل السيد الشهيد في الأسس.

من هنا وقبل الدخول في الأبحاث كما هو واضح لابد أن نشير إلى بيان المراد من هذه الاصطلاحات، ما هو التوالد، ما هو الموضوعي، ما هو الذاتي؟ لابد نفهم هذه الاصطلاحات.

البشر بدأ بآدم وزوجه حواء، تزوجا أم لم يتزوجا ذاك تكليفهم الشرعي ولا ربط لنا بالمسألة ولكن ظاهر القرآن أنهما تزوجا بينهم، (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) في أول سورة النساء. بسم الله الرحمن الرحيم (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث) منهما أو منه، إذا كان هناك عنصر ثالث فهذا التعبير ليس صحيحاً، لأنه إذا كان هناك عنصر ثالث جاء من السماء سواء كان جن أو ملائكة أو أي شيء آخر أو حور عين، كيف يكون يتزاوج البشر والحور العين؟ ذاك بحث في محله، لكن الآية تقول (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء).

كيف الآن أصحنا سبعة مليارات، توالدنا، توالد البشر فوصلنا إلى سبعة مليارات، العلم كيف يتوالد؟ نحن عندما نبدأ العلم نرى أن رأس ماله لا يتجاوز … حتى لو قبلنا المنطق الارسطي اليقينيات ستة، أنت لو تحسب العلم الموجود وعدد المعلومات الموجودة عند البشر تتجاوز مئات المليارات، هذه كيف حصلت؟ وهذه مشكلة شغلت الذهن البشري مذ التفت إليها إلى يومنا هذا، وهي أنه كيف يتوالد العلم؟ ما هي طريقة التوالد، وهذا ما عبر عنه السيد الشهيد بتوالد العلوم وتوالد المعلومات.

إشكال الفلاسفة الغربيين على المنطق الارسطي يقولون محال أن يحصل فيه توالد، تقول له لماذا؟ يقول: لأنه دائماً سير من العام إلى الخاص، إذن لا جديد، دائماً هذه الخاص مستبطنة أين؟ نعم كان إجمالي صار تفصيلي وهذا خلاف ما نجده بحسب الوجدان أنه نحن عندنا معلومات جديدة ولذا تجدهم بدأوا يرفعون اليد عن المنطق الارسطي. لأن المنطق الارسطي مصر على أن التوالد دائماً من العالم إلى الخاص، ولا يقبل أن يكون من الخاص إلى العام، يعني لا يقبل أن تكون هناك زيادة، إذا قلنا أن السير من الخاص إلى العام تحصل زيادة، أما إذا كان السير من العام إلى الخاص فلا زيادة، نعم، فقط هناك إجمال وهناك تفصيل، يعني الكلي موجود ولكن مصاديقه أنت تشخصه مصداق هذا الكلي أو مصداق هذا الكلي.

هذه إشكالية المنطق الارسطي لابد أن يجيب عنها.

المنطق الارسطي يعتقد لكي تزداد المعلومات لا طريق لنا إلا التوالد الموضوعي، ما معنى التوالد الموضوعي؟ أنا أذكر المصادر حتى يراجعها الاعزاء فيما بعد.

التوالد الموضوع في (ص134) من الكتاب، قال: (إن في كل معرفة) أنت عندما يوجد عندك علم (يوجد بعدان البعد الأول هو الذي نسميه العلم والمعرفة والبعد الثاني هو الذي تعلق به العلم والمعرفة، وهذا ما نصطلح عليه علم ومعلوم. علم ومعلوم، إدراك ومدرك، يعني ما تعلق به الإدراك. (فنحن نعرف أن الشمس طالعة) هذه واحدة من الحقائق الموجودة في العالم (وأن المساوي لأحد المتساويين مساوٍ للآخر، نميز بين عنصرين) عندما نقول نعلم مرة هذه الحقيقة موجودة في الواقع وأنت لا تعلم بها، إذن الواقع موجود، يوجد عندك علم أو لا يوجد، ومرة أن تعلم بهذا الواقع، فهنا يوجد علم ويوجد واقع الذي هذا العلم ماذا فعل؟ أوجده أو كشفه، يعني هنا عندما المكان مظلم، النور لا يوجد هذا الشيء وإنما يكشف عنه.

المنطق الارسطي يقول أن التوالد لا يكون من موضوع يؤدي إلى موضوع آخر، وإلا العلم بالموضوع لا يولد علماً بشيء آخر، لأن العلم وظيفته هي الكشف، أنت لا تنتقل من علم إلى علم، وإنما إذا كان هناك تلازم بين المعلومين فإذا كشفت عنهما انتقلت من علم بمعلوم إلى علم بمعلوم آخر. قال: (نميز بين عنصرين الإدراك وهو البعد الذي نعبر عنه العلم والمعرفة) القضية التي ادركناها ولها واقع ثابت بصورة مستقلة عن الإدراك وهذا هو الجانب الموضوعي من المعرفة. إذن إذا أردنا أن نتكلم عن كل معرفة تحصل لنا فيها بعد مرتبط بنا وهو العلم، وفيها بعد مرتبط بالواقع الخارجي وهو المعلوم بالعرض، واضح هذا المعنى.

سؤال: المنطق الارسطي ماذا يعتقد؟ المنطقي الارسطي يعتقد لابد لكي تزداد المعرفة وتنمو المعرفة لا طريق إلا من خلال الملازمات الموجودة بين الموضوعات، أما إذا ملازمات غير موجودة، يعني هذا الموضوع الخارجي يؤدي إلى الموضوع الثاني والثاني يؤدي على الثالث أنت دورك تكشف عن هذه الواقعية.

سؤال: أيها المذهب العقلي، أنت أيها المذهب الارسطي، أنت عندما تقول تزداد المعرفة متى تزداد المعرفة؟ يقول تزداد المعرفة إذا كانت المقدمات تلازم النتيجة، أما إذا كان المقدمات لا تلازم النتيجة فالنتيجة خاطئة. يعني السير دائماً لابد أن يكون أما من الكلي إلى الجزئي أو من المساوي إلى المساوي. ولا يعقل السير من الجزئي إلى الكلي لأنه لا ملازمة بين صحة المقدمات وصحة النتائج.

يقول: لكي تصل إلى نتائج هذه النتائج لابد أن تكون ملازمة للمقدمات، وإذا كانت النتائج أعم من المقدمات فلا تلازم صحة المقدمات، لماذا لا تلازم؟ لأنه يمكن أن تكون المقدمات كلها صحيحة، ومع ذلك النتيجة خاطئة. كيف؟ هذه القطعة من الحديد تتمدد وهذه القطعة أيضاً وكلها صحيح، ولكن كل قطعة تتمدد بالحرارة إذا صارت باطلة لا مشكلة فيها.

إذن المنطق الارسطي يعتقد أولاً لابد أن تكون المقدمات صحيحة إذا كانت كاذبة لا تنتج، ثانياً لابد أن تكون مع فرض صحتها تلازم النتيجة، إذا كانت لا تلازم النتيجة فالنتيجة صحيحة أو باطلة؟

وهنا حصلت المفارقة بين المذهب الذاتي والمذهب العقلي، السيد الشهيد يقول نوافق على الشرط الأول في المنطق الارسطي أن المقدمات لابد أن تكون صحيحة، أما أن تكون هناك ملازمة بين المقدمات وبين النتيجة لا نشترط ذلك.

إذن ما هو التوالد الموضوعي؟ ما هو تعريفه؟ تعريف التوالد الموضوعي أولاً أن يكون التلازم بين الموضوعات، لا بين الإدراكات والعلوم، بين الموضوعات، وثانياً أن النتيجة لابد أن تكون ملازمة للمقدمات. وهذا التوالد الموضوعي هو الأساس في كل استنتاج يقوم على القياس الارسطي لأن النتيجة في القياس دائماً ملازمة للمقدمات التي يتكون منها القياس.

إذا اتضح هذا ما هو التوالد الذاتي؟ التوالد الذاتي يقول بأننا لا نقبل أنه بالضرورة أن تكون النتيجة ملازمة للمقدمات. نقول النتيجة يمكن أن تكون صحيحة وإن لم يكن بينها وبين المقدمات ملازمة. إذا لم تكن ملازمة بين المقدمات والنتيجة كيف تقول أن النتيجة صحيحة!!

التوالد الذاتي (ص135) يقول: أولاً نحن نعتقد بأنه يمكن أن يتولد علم من ماذا؟ من علم، لا معلوم من معلوم. وثانياً كيف يتولد هذا؟ بشرط أن يكون تلازم بين المعلومين، يقول: لا، حتى لو لم يكن تلازم بين المعلومين. يقول: (التوالد الذاتي إن بالإمكان أن تنشأ معرفة ويولد علم على أساس معرفة أخرى دون أي تلازم بين موضوع المعرفتين) المنطق الارسطي كان يقول لكي نصل إلى النتيجة لابد يكون ملازم للمقدمات، يقول لا يشترط التلازم بين المقدمة والنتيجة (وإنما يقوم التوالد الذاتي على أساس التلازم بين نفس المعرفتين) لا بين نفس موضوعي المعرفتين، أبداً، (فبينما كان المبرر لنشوء معرفة من معرفة أخرى في حالات التوالد الموضوعي هو التلازم بين الجانبين الموضوعيين للمعرفة وكان التلازم بين الجانبين الذاتيين للمعرفة تابعاً للتلازم بين الجانبين الموضوعيين) لأنه كاشف عنهما فإذا كان هناك تلازم بين العلمين أيضاً يحصل تلازم، تابع، إذا لم يكن تلازم فبين العلمين هل هناك تلازم أم لا؟ السيد الشهيد يقول حتى لو لم يكن تلازم بين الموضوعين يوجد تلازم بين العلمين. (وكان التلازم بين الجانبين الذاتيين للمعرفة نجد في حالات التوالد الذاتي إن المبرر لنشوء معرفة من معرفة أخرى هو التلازم بين الجانبين الذاتيين للمعرفة وأن هذا التلازم ليس تابعاً للتلازم بين الجانبين الموضوعيين للمعرفة).

في كل قضية أنتم عندكم إدراك وعندكم مدرك، والشاهد على أن الإدراك غير المدرك أنه قد يصيب وقد يخطأ، وهذا يكشف عن أن الإدراك غير المدرك، وإلا لو كان الإدراك هو المدرك الخارجي فلا يخطئه، إذن بشهادة أنه قد يصيبه وقد يخطئه نكتشف أن الإدراك وإن المعرفة وإن العلم غير ما تعلق به الإدراك.

المنطق الارسطي لو سألته هل يوجد تلازم بين العلوم والإدراكات، يقول: في ذاتها لا تلازم، إذا كان بين معلوماتها تلازم فبينها تلازم، وإن لم يكن بينها تلازم فلا تلازم بين هذه العلوم أيضاً.

المنطق الذاتي او المذهب الذاتي يقول حتى لو لم يكن تلازم بين المعلومين الخارجيين أنا اثبت لكم أن هناك تلازم بين العلمين، واقعاً إثبات هذا معجزة، لأن وظيفة العلم هي كشف، وإذا كان المكشوف ليس فيه تلازم فكيف يكون الكشف فيه تلازم.

يعتقد المنطق الارسطي ما من معرفة تصل إلى اليقين إلا من خلال التوالد الموضوعي، عندنا طريق ثاني أو لا؟ السيد الشهيد يقول بأن هذا الذي يدعيه المنطق الارسطي 10% نقبله و90% لا نقبله، 10% صحيح، توالد موضوعي، 90% منه توالد ذاتي. قال: (يعتقد المذهب الذاتي أن الجزء الأكبر من معرفتنا قائم على أساس التوالد الذاتي لا على أساس التوالد الموضوعي) هذا المعنى راجعوه في (ص141) من هذا الكتاب. انتهي إلى أنه أساساً أكثر معارفنا من هذا القبيل، (إن الجزء الأكبر من المعرفة التي يعترف المذهب العقلي والمنطق الارسطي بصحتها يعود إلى قضايا مستنتجة بطريقة التوالد الذاتي وسوف نثبت هذا بصورة موسعة في القسم الأخير من هذا الكتاب … وإلى أن يحصل هذا الادعاء اكتفي بقسم واحد من المعرفة …).

إذن دائماً في المنطق الارسطي أنتم تعلمون العلم له دور في إثبات التعميمات أو ليس له دور؟ العلم وليس المعلوم له دور أو ليس له دور؟ ليس له دور، وإنما الدور للمعلومات، وحيث أن المعلومات إنما تنتقل إذا كانت هناك ملازمات وهذا لا يكون إلا بين الكلي إذا كان السير إلى الجزئي أما إذا كان السير من الجزئي إلى الكلي يعطي التلازم أو لا يعطي التلازم؟ إذن دائماً تجد المنطق الارسطي أينما تذهب يقول يستبطن قياس، لأنه إذا لم يكن يستبطن قياساً فلا يتم التلازم.

إلى هنا اتضح أن السيد الشهيد يعتقد أن التوالد الذاتي هو منشأ 90% من معارفنا. نعم 10% منها مرتبطة بالتوالد الموضوعي. سيدنا جزاك الله خيراً الآن قل لنا كيف تريد أن تصل إلى هذه المعجزة، وهي معجزة واقعاً، إذا استطاع أحد أن ينتقل من التعاقب إلى التلازم ومن التلازم إلى التعميم واقعاً معجزة في الفكر البشري. المنطق الارسطي حل القضية بأن السير دائماً من الكلي إلى الجزئي. ولا مشكلة فيه. إنما المشكلة في هذا الذي يدعي مع عدم وجود التلازم بين المقدمات وبين النتائج مع ذلك تصل إلى التعميم. هذا كيف؟

يعتقد السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه نحتاج أن نمر بمرحلتين لكي نصل إلى هذا التعميم الاستقرائي أو اليقين الاستقرائي:

المرحلة الأولى يعبر عنها بالتوالد الموضوعي، والمرحلة الثانية يعبر عنها بالتوالد الذاتي. إذن هو أيضاً أي السيد الشهيد يعتقد أنه لكي نصل إلى التعميم الاستقرائي لا يمكن أن نصل مباشرة إلى التوالد الذاتي، أولاً نمر بطريقة التوالد الموضوعي ونصل إلى حد معين ثم بعد ذلك ننتقل من التوالد الموضوعي إلى التوالد الذاتي. انظروا ماذا فعل؟ في التوالد الذاتي ماذا فعل؟

في المنطق الارسطي اليقينيات الست. السيد الشهيد قال أن هذه كلها استقرائيات فماذا فعل؟

أسس حدود 13 شكلاً من المصادرات للدخول إلى مرحلة التوالد الموضوعي، قال هذه مسلمة وهذه مسلمة وهذه مسلمة وهكذا … عند ذلك ندخل في مرحلة التوالد الموضوعي.

أضرب لكم مثال، قال بالتجربة استطيع باختلاف الشروط والأزمنة والأمكنة أثبت احتمال أن (أ) سبب لـ (ب) 99%.

سؤال لأحد الطلبة: غير واضح.

جواب السيد: نحن هذا إشكالنا الأول وتنزلنا عنه وانتقلنا إلى مرحلة جديدة وإلا هذا هو إشكالنا الأول، ولذا قلنا أن دليل الاستقرائي لا يتم إلا بالإيمان بنظام السببية، هو يدعيه وقلنا ادعائه غير تام وغير صحيح.

إذن في المرحلة الأولى يقول نأتي إلى محور معين ونجمع احتمالاته، الاحتمال كان 50% بالتجربة نرفعه ليصل إلى 60% ثم بالتجربة نرفعه إلى 70% ثم بالتجربة يرتفع إلى 80% يعني ماذا؟ يعني بقوانين الاحتمال،كلما ازداد قوانين الاحتمال أو الاحتمالات في محور واحد تزداد درجة الاحتمال إلى أن نصل إلى 99%، نصل إلى 99.99% أو إلى 99.999% هذا الكسر في مرحلة التوالد الموضوعي ينتهي أو لا ينتهي؟ الجواب: يقول لا ينتهي بأي شكل من الأشكال بل يبقى الكسر. إذن أنت تستطيع أن تصل إلى اليقين أو لا تستطيع؟ هنا السيد الشهيد إبداعه في مرحلة التوالد الذاتي. يقول: أن هذا الكسر الضئيل سوف أفنيه لك، فإذا فنى سوف تحصل على اليقين الاستقرائي. يعني تصل إلى الجزم، وإلا إذا لم تكن هذه المرحلة الثانية غير موجودة فأنت تصل إلى القطع العقلائي لا إلى القطع العقلي، يعني إلى الجزم لا تصل لأن الكسر الضئيل بعده موجود.

يعني مثاله، تدخل إلى مكتبة فيها 10.000 كتاب وتعلم أن كتاب واحد منها ناقص، لو رفعت أي كتاب، احتمال أن يكون هو هذا الكتاب الناقص كم؟ هو 1 إلى 10.000 إذا كان 100.000 كتاب موجود، إذا 1000.000 كتاب موجود، هذا الكسر يزول أو لا يزول، محال يزول ما دام وجود نقص فيها، نعم قد عرفياً أنت تقول أنا أجزم أنه ليس هذا الكتاب ولكن هذا الجزم جزم 100% أو لا. ليس من حقك، لأنه احتمال هو هذا الكتاب الناقص. نعم أنت عرفياً قد تجزم، ولكن هذا جزمك في محله أو في غير محله؟ في غير محله، لأنه احتمال أن يكون هو الكتاب الناقص وإلا لو كان هناك جزم بنحو 100% في الكتاب الأول موجود في الكتاب الثاني وموجود في الكتاب الثالث وموجود في الكتاب 100 وموجود في الكتاب 1000، وهذا معناه خلف ما فرض أنه في المكتبة يوجد كتاب ناقص.

إذن بحسب المرحلة الأولى في دليل الاحتمال ونظرية الاستقراء أنت تصل إلى الجزم أو لا تصل إلى الجزم؟ لا تصل إلى الجزم.

من هنا سندخل إلى المرحلة الثانية ونرى أن السيد الشهيد يستطيع أن يحول هذا الاطمئنان وأن يزيل هذا الكسر الضئيل حتى يحصل لنا يقين استقرائي أو لا؟ فإن وفق إذن في كل مورد نحتاج فيه إلى يقين بمعنى الجزم يمكن الاستناد إلى الدليل الاستقرائي، أما إذا لم يوفق فالدليل الاستقرائي كما لم يكن موفقاً في الدعوى الأولى والثانية ليس موفقاً في الدعوى الثالثة، أقصى ما يثبته الدليل الاستقرائي هو الاطمئنان العقلائي، وهذا بحثه يأتي.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات