الأخبار

المحاضرة (19)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

بحمد الله تعالى انتهينا في بحث الأمس إلى بيان المصادرة التي أشار إليها السيد الشهيد قدس الله نفسه لتتميم الدليل الاستقرائي من خلال التوالد الذاتي، وقلنا بأنه إن تمت هذه المصادرة التي يدعيها فإن الدليل الاستقرائي يستطيع أن ينتقل بمرحلة التوالد الموضوعي الذي لا يفيد إلا الاطمئنان أن يوصله إلى مرحلة اليقين، لأن مرحلة التوالد الموضوعي كان الكسر المخالف والكسر الذي يقابل الكسر الكبير كان موجوداً وهذا معناه إذا أردنا أن نتكلم بلغة أصولية أن مرحلة التوالد الموضوعي لا تنتج إلا الاطمئنان والوثوق وهو ما يصطلح عليه بالعلم العرفي أو العلم العادي في قبال العلم الجزمي أو العلم العقلي إن صح التعبير.

إذن فإن تمت المصادرة التي أشرنا إليها فالعلم العرفي يكون علماً حقيقياً يفيد التصديق الجزمي ويخرج التصديق الاطمئناني لأن التصديق له مراتب قد يكون تصديقاً احتمالياً وقد يكون تصديقاً شكياً وقد يكون تصديقاً ظنياً وقد يكون تصديقاً اطمئنانياً قد يكون تصديقاً قطعياً جزمياً يقينياً، ومرادنا من اليقين هنا اليقين البسيط، يعني الجزم بثبوت المحمول للموضوع.

فإن تمت المصادر السابقة، مقصودي إن تمت يعني إن قبل أحد هذه المصادرة التي أدعاها السيد الشهيد بعنوان قضية عقلية قبلية غير مستدل عليها، وكم له من نظير، المصادرات ليست قليلة، السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه إذا تتذكرون في بحث قبح العقاب بلا بيان ما هو الدليل على أنه يقبح العقاب بلا بيان؟ يقول: الوجدان حاكم بذلك، البديهة حاكمة بذلك، هذه مصادرة، ولهذا هو أدعى مصادرة في قبالها وقال: لا يقبح العقاب بلا بيان في موارد الشك والظن ونحوها، وهي نظرية حق الطاعة، أتذكر أني ذهبت إلى السيد بعد انتهاء الدرس وسألته ما هو الدليل على نظرية حق الطاعة؟ قال: مصادر، وجدان، إن قبلت قلبت وإن لم تقبل فأنت حر. المصادرات عموماً هكذا، خصوصاً إذا تتذكرون نحن في البحث السابق ذكرنا اليقينيات. ولأبين اليقينيات؟ ما معنى اليقينيات الأولية؟ اليقينيات الأولية يعني مجموعة مصادرات، يعني يمكن إقامة الدليل أو لا يمكن؟ لا يمكن إقامة الدليل عليها. الآن لو جانبك جائع أو خائف أو عطشان تقول انا عطشان وتقسم عليه ألف قسم، أقول وما الدليل؟ تقول: لا دليل عندي.

فالمصادرات كثيرة في تعاملاتنا اليومية.

سؤال: فإن قبل أحد هذه المصادرة فإذن يقبل لابد في النتيجة أن الدليل الاستقرائي بعد مرحلة التوالد الموضوعي يصل إلى مرحلة التوالد الذاتي ويحصل له التصديق الجزمي أو التصديق اليقيني في قبال التصديق الاطمئناني الذي كان نتيجة مرحلة التوالد الموضوعي، وإن لم يقبل أحد هذا، هذه النتيجة مهمة جداً، وإن لم يقبل أحد هذه المصادرة وقال أنا أقبل اجتماع النقيضين ممتنع وأن الكل أعظم من الجزء، ولكن هذه المصادرة عقلي لا يتقبلها. في النتيجة يستطيع أن يكتفي بالدليل الاستقرائي وإفادته الاطمئنان والوثوق بحسب مرحلة التوالد الموضوعي.

إذن فالدليل الاستقرائي، هذا المنطق الذي عبر عنه السيد بالمنطق الجديد أو المذهب الذاتي، في نهاية المطاف بحسب القوانين الموجودة فيه إما بنحو أعلى يفيد اليقين والتصديق اليقيني إذا قبلنا المرحلة الثانية أيضاً وهي التوالد الذاتي، أو الحد الأدنى ومن لم يقبل هذه المصادرة فلابد أن يلتزم بأنه يفيد الاطمئنان والوثوق الشخصي. لماذا أقول هذا الكلام؟ سأبين بعد ذلك.

سؤال: هذه مرحلة التوالد الذاتي، أعطيكم هنا فقط العناوين لأن البحث طويل، هذا البحث وأن هذه المصادرة دائماً تنتج أو دائماً لا تنتج، بالأمس قلنا تفيد الموجبة الجزئية لا الموجبة الكلية، يقول أن هذه المصادرة لكي تنتج لابد أن تتوفر فيها شروط من قبيل اجتماع النقيضين، لكي يكون اجتماع النقيضين محال لابد أن تتوفر شروط هذه التي يعبر عنها في المنطق بالوحدات الثمان أو الوحدات التسع. ما معنى الوحدات التسع؟ يعني الشروط التي بها يتحقق هذا الاجتماع المحال، أما إذا انخرم شرط من هذه الشروط أو وحدة من هذه الوحدات، فاجتماع النقيضين ليس بمحال. المصادر أيضاً كذلك لها شروط، فإذا توفرت شروطها تعطي التصديق اليقيني الجزمي، إذا انخرم ذلك الشرط لا تعطي مع أن كل المقدمات نفسها واحدة ولكن شرط من الشروط غير متوفر، من أهم شروطها أن لا يلزم من فناء الاحتمال الصغير الذي قلنا يفنى لصالح الاحتمالالكبير أو القيمة الصغيرة تفنى لصالح القيمة الكبيرة، سؤال: أن لا يلزم من فناء القيمة الصغيرة للاحتمال فناء القيمة الكبيرة، وإلا يلزم من فنائها فناء الأصل، فهذا الفناء الأول له قيمة أو ليس له قيمة، يؤدي إلى فناء أصل القضية، يوجد يقين أو لا يوجد يقين؟ لا تتحول تلك القيمة الكبيرة إلى يقين بل تفنى، فإذا فنيت فلا يبقى يقين، سالبة بانتفاء الموضوع.

ولذا في بعض الأحيان تجد أن الاحتمال يكبر ويكبر ولكن كلما كبر وإن وصل إلى مئة ألف، وإن وصل إلى مليون، نحن بعشرين أو ثلاثين نجعل تواتر، لو صار مئة ألف أو مليون، هذا الكسر الضئيل لا يزول، أنت لا تحتفظ به ولكنه لا يزول أبداً، وإذا قلت زال تزول القضية نفسها.

أضرب لك مثالاً: لو دخلت في مكتبة وفيها مئة ألف كتاب وعلم أن واحدة من هذه هو القرآن الكريم من مئة ألف كتاب، فإذن عندما تضع يدك على أي كتاب تستطيع أن تجزم مئة بالمئة أنه ليس القرآن الكريم، تقول: واحد من مئة ألف هو القرآن.

مثال آخر لو دخلت إلى مكتبة تحتوي على مليون كتاب وفيها كتاب واحد ناقص، ارفع كتاب واحد هذا ناقص أو ليس بناقص؟ الاحتمال كم بأنه هذا هو الناقص، هل هناك كسر أقل من واحد من مليون، ولكن هذا يزول أو لا يزول؟ هذا لا يزول، لماذا؟ مئة مليون، نحن لا قضية عندنا بأن الكسر الضئيل يبقى باحتمال واحد من مئة مليون، أبداً ليس عندنا مثل هذه القضية، واحد من مليار، واحد من تريليون، يزول أو لا يزول؟ لا يزول، لأنه إذا فرضت أنه زال في الأول، فنأتي إلى الثاني زائل أو لا، في الكتاب الثاني زال هذا الكسر أو لا، في الكتاب الثالث زائل أو لا؟

فإن قلت زائل فيها جميعاً هذا معناه أنه يوجد كتاب ناقص او لا يوجد كتاب ناقص؟ وهذا خلف ما فرضته، وإن قلت في بعضها يوجد يقين وبعضها لا يوجد، ترجيح بلا مرجح، إذن هذا الاحتمال يزول أو لا يزول؟

إذن متى يزول الاحتمال، ما هو شرط زوال الاحتمال؟

هذا شرط زوال الاحتمال تراجعوه في كتابي (المذهب الذاتي، 88، الشروط اللازم توفرها لإنتاج المصادرة) لأنها في الأسس معقدة بعض الشيء. ما هي الشروط، كيف كانت الوحدات التسع، نحن هنا أشرنا إلى هذه الشروط من (ص88) الطريقة المعقولة لإثبات المصادرة، ثم نأتي إشكال وجواب، وننتهي في (98)، هذه العشر صفحات (ص88- 89) من كتاب المذهب الذاتي بودي أن يطالعها الأعزاء ليتضح لهم شروط.

ولذا هذا المعنى السيد الشهيد أصار إلى ذلك، وقال أننا لا ندعي دائماً أن هذه المصادرة دائماً تنتج، هذا المعنى أشار إليه في (ص367) قال: (البرهنة على الشروطاللازم توفرها في هذه المصادرة لكي تكون صحيحة) يشير الى الشروط التي لخصتها في العشر صفحات في المذهب الذاتي.

تعالوا معنا إلى التسمية التي ذكرها السيد الشهيد لهذا النحو من اليقين، من الواضح أن هذا ليس هو اليقين الارسطي لأن اليقين الارسطي مرتبط الموضوع الخارجي، أولاً أن فيه جزمان، وثانياً أن اليقين هناك كاشف عن واقع، وهنا لا يكشف عن واقع وإنما مرتبط بقوانين الذهن البشري، إذن ما هو اسم هذا اليقين؟ ذاك اليقين واضح اليقين المنطقي، اليقين الرياضي (2 بالإضافة إلى 2= 4) يوجد يقين اسمه اليقين الرياضي. هذا اليقين ماذا يصطلح عليه السيد الشهيد؟ السيد الشهيد يصطلح على هذا اليقين باليقين الموضوعي، أريد أن أبين لك هذا الاصطلاح، حتى تعرف إذا استعمل في غير مكان تعرف أن استعماله صحيح أو لأنه قد يستعمل بشكل غير صحيح.

ما هو المراد من اليقين الموضوعي الذي اصطلح عليه هو؟

لو جاءك شخص ثقة وأخبرك بأن زيداً قد أتى منا لسفر، صديق عزيز لك، ابنك كان مسجون الآن أخبرك خبر بأنه رأيت فلان، تقول أنت رأيته، يقول: أنا رأيته، مقتضى البحث المنهجي أن خبر الثقة حتى لو بلغ ما بلغ من الوثاقة لا يفيد اليقين. أقصى ما يفيد يفيد الظن، ولكن أنت باعتبار أن ذاك كان عزيزاً عليك بمجرد ميلك القلبي والنفسي بمجرد أن يخبرك أي أحد بأن فلان جاء وإن كان ليس ثقة، يحصل لك جزم بأن فلان قد جاء. أنت في حصول هذا اليقين الذي حصل لك من إخبار شخص واحد، هذه تنفعنا كثيراً، لأبين أين تنفعنا حتى تعرف أن هذا البحث بحث عقائدي، أصولي، فقهي … أنت كم هي محبتك وعواطفك أزاء أهل البيت، واقعاً جياشة، فإذا جاءك مخبر وأخبرك بأن فضيلة من فضائل أهل البيت مباشرة تصدق بها، أما لو كنت لا بشرط، يعني تريد أن تصير منهجياً، يعني إذا ثبت بدليل أنا أقبل هذه الفضيلة والكرامة والمنقبة، إن لم يثبت بدليل لا تقبل على الموازين. بينك وبين الله تقول هذا الراوي وضاع، وهذه القضية التي تقولها إذا كانت موجودة فهكذا آلاف من طلبة الأئمة وأصحابهم لم ينقلها أي أحد منهم، لو كانت صحيحة لنقولها، يقول: لا، أنتم أناس معادين لأهل البيت، ولك منقبة لأهل البيت تأتيكم تنكروها. هذا الإنسان الذي حصل له القطع من هذا الإخبار هذا صحيح أو خطأ؟ الجواب: صحيح من جهة، وخطأ من جهة أخرى، لو فرضنا أن ما أخبر به كان صحيحاً في الواقع، يعني ما أخبر به مطابق للواقع، إذن هذا الخبر صحيح أو خطأ ولكن صحيح من جهة أنه مطابق للواقع، لا أنه كاذب غير مطابق للواقع، ولكن خطأ، من أي جهة خطأ؟ خطأ من جهة أنه كان من الصحيح من حيث الدليل والبرهان هل كان يحق له أن يحصل القطع له أو لا يحق له أن يحصل له؟ لا يحق له أن يحصل. فإذن هو مخطأ من هذه الجهة. ولذا السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه في (الحلقة الثالثة، ص52) يقول: (إن الإصابة لها معنيان، إصابة بمعنى المطابقة للواقع وعدم المطابقة للواقع، وإصابة … لكنه غير مصيب بالمعنى الثاني لأن درجة التصديق بوفاة ذاك الإنسان يجب أن تتناسب مع المبررات الموضوعية لحصول ذلك القطع) والمبررات الموضوعية كانت غير موجودة.

ونحن مبتلون بمثل هذه القضية كثيراً، يعني القطع … الذي يحصل لنا القطع بشيء من إخبار مخبر ولكنه حتى لو فرضنا أن أهل البيت أيضاً متصفين بتلك الصفات، ولكنه من الصحيح أن نرتب الأثر ونقول نقطع أو ليس من الصحيح ذلك، لماذا؟ خبر واحد، خبر واحد ليس صحيح السند، ضعيف السند مجهول، ولكن لأنه ينسجم مع متبنياتك ومع عواطفك، مع احساساتك، مع ميلك النفسي تريد أن تصدق الخبر، السيد الشهيد يقول نحن إنما نسمي اليقين يقيناً موضوعياً إذا كانت المبررات كافية لحصول اليقين أما إذا لم تكن كافية فهو يقين أو ليس يقيناً بموضوعياً؟ يعني يقين على القاعدة أو لا؟ لا نتكلم في أنه مطابق أو غير مطابق، لا، قد يكون مطابق ولكنه لا يحق أن يحصل لك اليقين وقد يكون غير مطابق ولكن من حقك أن يحصل لك يقين، يعني بينهما عموم من وجه، يخبرك مخبر لا يستحق كلامه أن يورث القطع، وأنت قطعت وكان خبره مطابقاً للواقع، هنا مصيب بالمعنى الذي هو المطابقة للواقع وعدم المطابقة ومخطأ بمعنى أنه لا يحق لك أن تقبل. وقد يكون بالعكس يعني أنت كل المقدمات كافية لتحصيل اليقين ولكن هذا يقينك الذي حصل غير مطابق للواقع.

أضرب لك مثالاً، هذه التواترات الموجودة عند أهل السنة والجماعة في كثير من صحابة رسول الله، يقول لي المقدمات تمت عندي وحصل عندي التواتر، والتواتر يورث القطع لا أقل، ولكن مخالف للواقع. وقد يجتمعان، يعني ماذا؟ يعني مبررات موضوعية كافية لحصول اليقين، وكذلك ذلك اليقين مطابق للواقع.

إذن ما هو اليقين الموضوعي؟

يعني المصيب للواقع؟ لا، اليقين الموضوعي كما أشار إليه قدس الله نفسه في (ص358) من الأسس حيث قال هناك: الحقيقة والخطأ في اليقين من الناحية الثانية أي من ناحية الدرجة التي يمثلها من درجات التصديق فقد يكون اليقين مصيباً وكاشفاً عن الحقيقة يعني مصيباً للواقع من الناحية الأولى ولكنه مخطأ في درجة التصديق التي يمثلها. هذه المقدمة كلها لماذا قدمناها؟ السيد الشهيد يريد أن يقول أن مرحلة التوالد الذاتي تسمح لك بيقين موضوعي، يعني هذا القدر من المقدمات إذا حصل لك منها اليقين هذا اليقين مبرر أو غير مبرر؟ يقول: مبرر. سيدنا مصيب للواقع أو غير مصيب للواقع؟ قد يكون مصيباً وقد لا يكون مصيباً.

هذه الثمرة تظهر في قطع القطاع، قطع القطاع حجة، كل قطع حتى لو لم يكن مبرراً أو القطع المبرر فقط يكون حجة، أي منهما؟ أنت من نعاق الغراب حصل لك أن الإمام الحجة الثاني عشر غير موجود، هذا القطع حجة أو لا؟ ماذا تقول؟ إذا قلت حجة فهذا دليل عجيب، نعاق الغراب، إذن الإمام الحجة غير موجود. يقول لي: أنتم تقولون لا تنظروا إلى منشأ حصول القطع، القطع حجة، ألم تقرأوا في علم الأصول أننا لا ننظر إلى مناشئ القطع، يقول القطع حجيته ذاتية، نشأ من أي منشأ كان، من دليل مبرر أو دليل غير مبرر، هكذا؟ على هذا 99.999% من الناس يكونوا معذورين، لأنه في الأعلم الأغلب عندما يفعل شيئاً أنه عنده قطع أن أما هذا صحيح وأما ذاك خطأ، موجود أو غير موجود.

هذا في بحث قطع القطاع، السيد الشهيد هنا يركزها في علم المنطق أو في نظرية المعرفة حتى عندما نأتي إلى بحث قطع القطاع هناك لا نقف طويلاً لبيان الفروق بين هذا القطع وأنه قطع موضوعي، قطع مبرر أو قطع غير مبرر. نقول هذا عرفنا له أو نشير له كفتوى ونتجاوز.

وعلى ما ذكرنا في الاصطلاح إذن ما هو القطع الموضوعي في اصطلاح السيد الشهيد، إذا سألك أحد. قد أنت تتكلم باصطلاحك الخاص لا مشكلة لنا، وقد تتكلم باصطلاح السيد الصدر، السيد الصدر ما هو مراده من القطع الموضوعي؟

يقول: مرادي من القطع الموضوعي هو التصديق الجزمي الحاصل من مرحلة التوالد الذاتي. ما هو القطع الموضوعي؟ القطع الموضوعي هو التصديق الجزمي الحاصل، التصديق ما هو؟ ليس تصديق اطمئناني، بل جزمي. التصديق الجزمي الحاصل من مرحلة التوالد الذاتي لا من مرحلة التوالد الموضوعي، لأن مرحلة التوالد الموضوعي أصلاً لا يورث الجزم بل يورث الاطمئنان فقط، متى نصل إلى اليقين الجزم؟ من خلال المرحلة الثانية، يعني من خلال تتميم المصادرة، إذا اتضح ذلك.

الآن أنا أقرأ عبارة – ولا ربط لنا في محل ورودها- ، وهي: الاحتمال الواصل لدرجة يكون احتمال الخلاف احتمالاً وهمياً لا يعتد به أو لا يعتنى به، هذا يتكلم عن أي مرحلة، مرحلة التوالد الموضوعي. يقول: بأن هذا الاحتمال ينمو وينمو إلى أن يصير الطرف الآخر ضئيل جداً، وهذا هو المعبر عنه بالاطمئنان والوثوق الشخصي. وهو صحيح. أن مرحلة التوالد الموضوعي تعطي اطمئنان ولا تعطي جزماً، وهو حجة بنظرنا إذا كان ناشئاً عن دليل حساب الاحتمالات وتراكمها حول محور واحد. عن أي نظرية يتكلم؟ بشكل واضح نظرية الاحتمال بأنه إذا اجتمعت الاحتمالات في محور واحد ووصلت إلى درجة عالية يعني التصديق ولكن ذاك الاحتمال صار بمنزلة الموهوم، زال أو لم يزل؟ لم يزل، ولكن صار موهوماً. وهو الذي نصطلح عليه باليقين الموضوعي. وهذا كلام صحيح أو غير صحيح؟ الاطمئنان يقين موضوعي؟!

من الواضح بأننا قلنا أن اليقين الموضوعي يحصل إذا انضمت إليه المرحلة الثانية أما المرحلة الاولى فليست كافية، ولا تورث اليقين، بل تورث الاطمئنان. وهو الذي نصطلح عليه باليقين الموضوعي في مقابل اليقين الذاتي.

إذن مرة أن المتكلم يتكلم عن اصطلاح خاص فلا ينبغي أن نأتي بكلمات السيد الشهيد فيها، ولكن من الواضح أنه يتكلم عن نظرية السيد الشهيد إذن فهذا كلام على خلاف الاصطلاح.

أنتهينا إلى النتائج التالية:

أولاً: أننا نتفق مع ما ذكره سيدنا الشهيد في الدعوى الثالثة، يعني نحن نعتقد معه أن الدليل الاستقرائي يورث الجزم والتصديق الجزمي، لأن المصادرة التي ذكرها مصادرة وجدانية تامة بشروطها، ولكن مع تعديل أدخلناه فيما سبق، وهو أننا قلنا أن السيد الشهيد يدعي أن المذهب الاستقرائي أو الذاتي لا يحتاج إلى قانون السببية كمصادرة، ونحن قلنا أنه يحتاج إلى قانون السببية، فبضم قانون السببية كمصادرة إلى مصادرات هذا المذهب والمنطق الذي أسسه السيد الشهيد نقبل أنه يفيد اليقين ويفيد التصديق الجزمي.

ما هي النتيجة المترتبة على ذلك؟

في كل قضية يكون المطلوب فيها اليقين الارسطي فلا يمكن الاستناد إلى المذهب الذاتي، لأنه في اليقين الارسطي نحتاج لا فقط الجزم بثبوت المحمول للموضوع بل وباستحالة انفكاك المحمول عن الموضوع، فإن كان المطلوب في قضية ما يقيناً ارسطياً فليس من الصحيح منهجياً في اعتقادنا أن نستعمل المذهب الذاتي. أما أذا كان لا، كان يكفي القضية المتنازع عليها اليقين البسيط، التصديق الجزمي البسيط، من غير استحالة الانفكاك، يمكن الاستناد إلى المذهب الذاتي. وحيث أنه لا إشكال في المباحث الأصولية بالحد الأدنى أن كل المسائل التي يطلب فيها القطع يراد من القطع أي قطع؟ اليقين الارسطي أو اليقين الساذج والبسيط؟ اليقين الساذج والبسيط، يعني نحن لا يمكننا أن نستند في إثبات حجية خبر الواحد إلى خبر الواحد، لأنه يلزم اللغو لا الدور، لأننا قلنا فيما سبق. نعم، يلزم الدور الاعتباري لا الدور التكويني، إن صحت تغيير العبارة، والدور التكويني غير الدور الاعتباري، والتسلسل الاعتباري غير التسلسل التكويني. عندنا تسلسل في الاعتباريات، ولكن الذي ثبتت استحالته هو التسلسل في العلل الفاعلية لا في الأمور الاعتبارية.

في جملة واحدة خبر الواحد لابد أن يدل دليل قطعي على حجيته، أي قطع؟ القطع الارسطي؟ لا، يكفي التصديق الجزمي البسيط، إذن يمكن الاستناد إلى دليل الاستقراء أو لا يمكن؟ يمكن. الظهورات حجة، لابد أن لا تستند إلى ظهور لإثبات حجية الظهور، لابد أن تستند إلى دليل قطعي لإثبات حجية الظهور. إذن في كل مورد في المسائل الأصولية نحتاج إلى دليل قطعي يمكن الاستناد إلى أدلة الاستقراء. بل أصعدوا معنا خطوة جديدة، في كل المسائل العقدية وهي 99% المطلوب فيها هو اليقين الموضوعي، لا اليقين الرياضي أو اليقين الارسطي، بشهادة أنه كثير بل الأعم الأغلب من الناس لا يلتفت إلى استحالة الانفكاك، كل ما يجب عليه أن يؤمن يقيناً أن هذا ثابت لهذا. إذن في كل المسائل العقدية التي يكفي فيها الجزم بثبوت المحمول للموضوع يمكن الاستناد إلى الدليل الاستقرائي. إلا تلك المسائل العقدية التي نحتاج فيها إلى يقين مركب يعني ثبوت، وهذا مختص بالمحققين، عموم الناس، يعني عندما أقول عموم ليس مقصودي غير المعممين أيضاً، لأنا عندما نقول عموم الناس ذهننا يذهب إلى الآخرين وكأنا لسنا عوام، نحن فيما لا نعلم عوام أو لسنا بعوام؟ نحن عوام، بالنسبة إلى الأطباء نحن عوام، أما من حقك أن تقول لمن درس وصار بروفسوراً أن تقول له أنت من العوام، ليس عوام هو. عوام في غير مجال اختصاص، وأنت كذلك عوام في غير مجال اختصاصك. فلهذا قيل للصادق: يا ابن رسول الله أيكون العالم جاهلاً، قال نعم، عالم فيما يعلم، جاهلاً فيما يجهل.

من يستطيع أن يدعي أنه عالم ولا يجهل؟ فقط موجود واحد، علم وليس عالم، علم لا جهل فيه، فقط هو، أبداً أبداً، حتى الصادر الأول. هذه له، من اختصاصاته.

إذن عندما أقول عوام يعني ليس من أهل الاختصاص، الكثير من الطلبة يقول لك أنا لم أعمل في العقائد ولم أطالع ولم أراجع، لابد أن أرجع إلى أهل الاختصاص، فهو يصير معمم وعوام في العقائد. قاعدة في غير المتخصص في 99% في المسائل يكفي التصديق الجزمي البسيط ولا يحتاج إلى المركب، لماذا؟ باعتبار أولاً لا دليل وثانياً غير ملتفت له أصلاً، هذا مضافاً إلى أن جملة من القضايا مثل استحالة الانفكاك غير موجودة فيها، بعبارة أخرى أن استحالة الانفكاك متحققة فيها …. ولا أريد أن أدخل في التفاصيل، فقط أريد أن أبين الفتاوى.

ولو تنزلنا وقلنا أن دليل الاستقراء لا يفيد إلا الاطمئنان، صار افترض مبناك بعد التحقيق قلت أن المرحلة الثانية من الدليل الاستقرائي لا أوافق عليها، المرحلة الأولى استنباطية وأنت مضطر إذا قرأتها أن تقر بالنتائج، رياضيات هي، المرحلة الاولى رياضيات، لا تستطيع أن تقول لا أقبلها، يعني زيادة ونمو الاحتمال إلى درجة عالية هذه لا مجال للخلاف فيها، متفق عليها بين جميع الذين بحثوا هذه المسألة، يعني قضية وجدانية واضحة واقعاً.

سؤال: دليل الاستقراء ينفع أو لا ينفع؟

انظروا كم مرحلة صرنا؟!

قلنا في المرحلة الأولى نريد يقين مركب لا ينفع. في المرحلة الثانية الذي هو يقين موضوعي ولكنه ساذج وبسيط ينفع في الأصول وفي الفروع. لا فقط ينفع في المسائل الأصولية بل حتى في المسائل العقائدية.

الآن ننتقل إلى المرحلة الثالثة وهو أنه لو سلمنا وتنزلنا وقلنا أن الدليل الاستقرائي لا توجد فيه قدرة على أن يوصل الاطمئنان إلى اليقين الموضوعي. فهل يسقط الدليل الاستقرائي عن الاعتبار أو لا يسقط؟ الجواب: لا يسقط أيضاً، لا أقل فيما اعتقده.

لماذا لا يسقط؟ أولاً: في كثير من المسائل تعلمون أنهم قالوا فقهاً وأصولاً ان الاطمئنان العرفي كافٍ. إذن واحدة من المناهج التي تحقق الاطمئنان هو الدليل الاستقرائي. ولكن قد يقول قائل: سيدنا هذا لا ينفعها في إثبات حجية الواحد؟ لماذا؟ لأنه الاطمئنان حجيته ذاتية أم جعلية من قبل الشارع؟ جعلية تحتاج إلى جعل من قبل الشارع، فإذا ثبت ذلك فبها ونعمت، وإن لم ثبت ذلك فيرجع إلى الدليل الشرعي ولا يكون هو دليلاً مستقلاً. من قبيل السيرة، السيرة العقلائية نافعة ولكن إذا أمضيت من قبل الشارع، أنت تستدل بالسيرة العقلائية لإثبات حجية خبر الواحد أو بالسيرة العقلائية الممضاة لإثبات حجية خبر الواحد؟ لا تستدل بالسيرة العقلائية بما هي سيرة عقلائية وإنما بالسيرة العقلائية الممضاة، وإن كنا نحن من أولئك الذين نعتقد أن السيرة العقلائية حتى في زمن الغيبة وليست ممضاة في كثير من مواردها أيضاً حجة، وهذا بحث آخر وقد عرضناه في البحث الفقهي، فقه المكاسب المحرمة. هذا بحث آخر. وأنا أتكلم على رأي المشهور.

إذن الدليل الاستقرائي بناء على هذا الرأي قد يقال أنه لا ينفعنا في إثبات حجية خبر الواحد، في إثبات حجية الظهور، لماذا؟ لأنه ليس دليلاً مستقلاً وإنما يحتاج إلى إمضاء من الشارع.

وبنحو الفتوى أن الاطمئنان هل هو حجة ذاتاً كالقطع أم يحتاج إلى إمضاء وجعل كخبر الواحد؟ خلاف بين المحققين وأنا من أولئك الذين يقولون أن الاطمئنان حجيته ذاتية. وهذا موجود في كلمات جملة من الأعلام منهم السيد الروحاني في (منتقى الأصول) تقريرات السيد صاحب رحمة الله عليهما معاً لأنا تتلمذنا فترة عند السيد عبد الصاحب في المكاسب، لعله درس المكاسب، يعني مكاسب سطح، كان من أكبر الدروس في الحوزة في ذلك الوقت في مسجد الهندي.

قال: (ومنه يظهر أن حجية الاطمئنان) التفت إلى العبارة هو لا يصرح (ومنه يظهر أن حجية الاطمئنان لو كانت جعلية) يعني احتمال أن تكون غير جعلية يعني كالقطع، ونحن من أولئك الذين نرى أن الاطمئنان حجة … مرادنا من الاطمئنان يعني ما يورثه مرحلة التوالد الموضوعي حتى لو تنزلنا فإن الدليل الاستقرائي بالنسبة إلينا نافع في المباحث الأصولية, بل نافع عندنا في المباحث العقدية لأننا نحن نعتقد بجواز رجوع الجاهل إلى العالم في الأمور العقدية خلافاً لما يكتب في الرسائل بشكل إطلاق، معتقدين أن هناك مساحة يجوز للجاهل أن يرجع إلى العالم ويقلده فيها، يأتي إلى العالم يقول لها شيخنا سيدنا ما تقول أن الإمام معصوم في الموضوعات أو غير معصوم، هو لا يستطيع أن يبحث عنها، علماء كبار يشتبهون بها. يقول له: نعم، جزماً ثابت هذا، باليقين ثابت، يقول له: أنا لا أعلم إذا قلت أنت أنا أقلدك واعتقد، ليست تعبدية، القضية اعتقادية وليست عملية، أنا أعتقد بهذا، هذا الاعتقاد الذي نحصل عليه لابد أن يكون يقيني أو يكفي فيه الاطمئنان؟ الجواب: يكفي فيه الاطمئنان، يعني لا يشترط أن يحصل له من رأي من يرجع إليه أن يحصل له يقين موضوعي، يكفي أن يحصل له ماذا؟ نعم، إذا ظن لا يكفي.

وبهذا يتضح للأعزاء مبانيّ في نقل الروايات، أخواني الأعزاء خصوصاً في المسائل العقائدية، خصوصاً في التفاصيل، أما في الأمور الأصلية احتاج إلى اليقين بالمعنى الأخص، في المسائل العقائدية من الدرجة الثانية يقين بالمعنى الأعم، في المسائل العقائدية من الدرجة الثالثة أنا لست من القائلين بالاعتماد على السند، أنا أجمع قرائن سندية ومضمونية أقول هذه المكرمة أو المنقبة أو هذه الخصوصية ثابتة للنبي وللأئمة أو للأنبياء. لأن هذا الإشكال ورد علينا ويعترض علينا أنه سيدن أنت تقرأ الروايات ولا تذكر السند، وفي السنة الماضية لعلنا في عشرة أو خمسة عشر درس بينا أن منهجنا منهج مضموني وليس منهج سندي في قبول … وخصوصاً في باب العقائد. فتلخص إلى هنا أن دليل الاستقراء دليل تام على مستوى فيما نحتاج إليه كمنهج للاستدلال وغير تام على مستوى آخر.

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات