أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
أنا قبل أن أتمم البحث للأعزاء بودي أن أشير إلى هذه النكتة، وهي أنه عموم الأعلام الذين تصدوا لبيان ضابط المسألة الأصولية، إن شاء بقدر ما يمكن نشير إلى بعض هذه الضوابط، يعني الضابط الذي ذكره المرزا، الضابط المعروف المشهور على الألسنة ما كان ممهداً لعملية الاستنباط، الضابط الذي ذكره المحقق العراقي، الضابط الذي ذكره السيد الشهيد، مجموعة ضوابط ذكرت لبيان المسألة الأصولية. في ذهن هؤلاء الأعلام جميعاً كانت هذه النكتة واضحة، وهي أنهم بصدد أن يبينوا ضابطاً يكون جامعاً لهذه المسائل المدونة تحت عنوان اسم الأصول، يعني عندما دخلوا إلى هذه المسائل وجدوا أن هناك ألف أو مئة مسألة فصاروا بصدد بيان ضابط لهذا الموجود. إن صح التعبير من قبيل الدليل بعد الوقوع، كأنه كان مسلم عندهم أن هذه المسائل كلها أصولية فكيف نبرز ضابطاً مائزاً مقياساً يكون جامعاً لهذه المسائل ومانعاً من دخول مسائل معروفة أنها ليست من علم الأصول، من قبيل مسائل علم الرجال، مسائل علم اللغة، من قبيل مسائل علم النحو، من قبيل مسائل علم المنطق … باعتبار أن تلك مسائلها أيضاً واضحة، المنطق، النحو، البلاغة، الصرف، الرجال.
ماذا نقول حتى يكون مانعاً من دخول تلك المسائل، وجامعاً لهذه المسائل، هذه المسائل الموجودة بأيدينا، أنا عادة أشبه هذا من قبيل الأدلة التي أقامها أهل السنة والجماعة لبيان ضوابط صحة الخلافة، هؤلاء لم يأتوا إلى الأدلة القرآنية والروائية ليعرفوا أنه متى تكون الخلافة صحيحة ومتى لا تكون صحيحة، هم جاءوا بعد رسول الله وجدوا أن الأول والثاني تصدا للخلافة، وفرغوا عن صحة هذه الخلافة، فبدأوا ينحتون أدلة لتصحيح هذه الخلافة، ولذا تجدهم قالوا تنعقد بواحد، لأن الثاني قال للأول مد يدك لأبايعك، هذا دليلهم، أو تنعقد بالوصية لأن الأول أوصى بها للثاني، أو تنعقد بأربعة لأنه في السقيفة الثانية في الشورى التي وضعها الثاني كانت بهذا النحو. شبه هذا حصل عندنا في علم الأصول، أن الأعلام دائماً بصدد أن هذه المسائل كيف يذكر لها ضابطاً تكون جامعة لكل هذه المسائلة، ومانعة من دخول المسائل الأخرى. والشاهد على ما أقول، أن السيد الشهيد رحمة الله تعالى عليه عندما وجد أن مباحث الأمر والنهي ومباحث التعارض تخرج عن ضابط المرزا قال المسلم بأصوليته، من أين مسلم بأصوليتها؟ لأنه مفروغ في ذهني أن هذه مسائل أصولية.
بالأمس قرأنا العبارة قال بأنه يلزم خروج كثير من المسائل الأصولية، سيدنا لماذا؟ من قال أنها من علم الأصول؟ قال: هذا واضح ومفروغ عنه، مثلاً أن هذه الصيغة الدالة على الوجوب أو الدالة على الحرمة هذه مسألة أصولية.
إذا كان الأمر كذلك، هذه القاعدة خذوها مني وإذا وجد أحد من الأعزاء خلاف ذلك فليبينه. إذا تم هذا أخواني الأعزاء، هذا إجمال وتفصيله سيأتي، هذا متن وشرحه سيأتي. كل الضوابط التي ذكرت لم توفق في جمع كل المسائل الأصولية، كل واحدة منها جهة نقص، يعني بعضهم صرح بذلك أنها ليست أصولية كما قرأنا بالأمس من عبارة المرزا، قال أنا أقبل أن مباحث الأمر والنهي ليست من مسائل علم الأصول. وبعضهم لم يصرحوا ولكنهم نقض عليهم كما سنبين. حتى السيد الشهيد قدس الله نفسه إلى الضابط ا لذي ذكره وهو، ما هو ضابط المسألة الأصولية، قال العنصر المشترك في عملية الاستدلال الفقهي خاصة. كل ما كان عنصراً مشتركاً، بعد ذلك سيأتي ما هو المراد من العنصر المشترك، المراد من العنصر المشترك مادة، هيئة، برزخاً؟ لا هو مادة صرفة، لا هو هيئة صرفة، وإنما هو مادة ولكن لا بشرط من حيث المادة الفقهية. وسيأتي بحثه التفصيلي إن شاء الله عندما نذكر الضابط الذي ذكره السيد الشهيد للمسألة الأصولية.
ولكن هو قدس الله نفسه أشار في تقريرات بحثه قال أن الصحيح والأعم وبحث المشتق ليس من المسائل الأصولية، هذا ما ذكره في (مباحث الأصول، ج1، ق1، ص35) تقريرات السيد الحائري، قال: (وبهذا القيد تخرج مباحث الصحيح والاعم ومباحث المشتق من علم الأصول) وكذلك صرح في نفس الكتاب (ج1، ق2، ص218) أن حجية القطع خارجة عن مباحث علم الأصول، قال: (والتحقيق أن حجية القطع خارجة عن المسائل الأصولية) وأنتم تعلمون أن حجية القطع مساحتها تقريباً 20% من مسائل علم الأصول، خمس علم الأصول في مباحث حجية القطع.
إذن الضابط الذي ذكره شامل لكل هذا الذي عنون تحت عنوان علم الأصول أو ليس شاملاً؟ ليس شاملاً. هذا إقرار من السيد الشهيد أنه لا أقل هذه العناوين الثلاثة وهي الصحيح والأعم والمشتق وحجية القطع خارجة عن مباحث علم الأصول. إذن هذا الضابط الذي ذكره وهو العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستدلال الفقهية خاصة، هذا شامل لكل ما دون تحت عنوان علم الأصول أو غير شامل؟ غير شامل. ويكون في علمكم أن المسألة في حجية القطع لا يوجد اتفاق على أنها ليست من المسائل الأصولية، وإنما جملة من الاعلام يذهبون إلى أنها من مسائل علم الأصول. السيد الإمام في (تهذيب الأصول، ج2، ص81) قال: (وينبغي تقديم الكلام في القطع إذ هو حجة عقلية وامارة بتية والبحث عن أحكامه ليس كلامياً بل بحث أصولي) إذن لا يتبادر إلى الذهن أن السيد الشهيد عندما أنكر أن حجية القطع أن هذا متفق عليه، لا، ليس متفقاً عليه، بل مورد خلاف أنها مسألة أصولية أو ليست مسألة أصولية.
إذن الضابط ما ذكر من الضوابط إلى الآن نحن لم نجد ضابطاً جامعاً لكل هذه المسائل ومانعاً عن الأغيار. نعم، الفوارق بينها في هذه الجهة، وهو أنه من ضابط قد تخرج عشرة مسائل ومن ضابط قد تخرج عشرين مسألة ومن ضابط قد تخرج خمس مسائل، يعني الكلام فقط في الأقل والأكثر، إذا كان هذا مرجحاً فجزاكم الله خيراً، وإذا لم يكن هذا مرجحاً فلا يبقى فرق بين هذه الضوابط، ولكنه من باب حتى لا يقولون أن السيد تجاوز هذه المسائل الأصلية نضطر إلى الوقوف عند هذه الضوابط ونبين بعض المناقشات، وإلا كل ضابط نستطيع أن نقف عنده شهر ونبين فيه خمسين مناقشة، ولكن لا أتصور أنه ينفع للطلبة شيئاً، وبإمكان الأخوة مراجعة هذه المطالب في مصادرها التي أذكرها.
إذا اتضح هذا الأصل تعالوا معنى إلى الضابط الأول.
الضابط الأول كما تتذكرون وهو الضابط الذي نقلناه عن المرزا قدس الله نفسه، وهو أن المرزا قال ما يقع كبرى في قياس الاستنباط، الاستنباط لأي شيء، للحكم الشرعي الفرعي الكلي يكون مسألة أصولية. ما يقع كبرى في قياس استنباط، لأنه أنت أي حكم شرعي تريد أن تستنبطه تحتاج إلى ماذا؟ إذن كل النهج الذي يقوم عليه مدرسة النائيني القياس الاستقرائي فيه مجال أو ليس فيه مجال؟ هذا الذي يتذكر الأعزاء قلنا بأنه أساساً عموم المدارس الأصولية والفقهية قائمة على أن الذي ينتج هو المنهج القياسي ولكنه نحن بحمد الله في مقدمة هذه الأبحاث أثبتنا أننا عندنا منهجان، منهج قياس ومنهج استقرائي. وهذا ما بيناه تفصيلاً فيما سبق. هو يقول: ما يقع كبرى في قياس الاستنباط، استنباط أي شيء؟ استنباط الحكم الشرعي الفرعي في قبال الأصلي، يعني الفقه الأصغر، الكلي يعني هذا الحكم الكلي، لا أن يكون جزئياً، يعني لابد أن يكون جعلاً لا مجعولاً. هذا هو الضابط الذي ذكره المرزا وبيناه بالأمس.
السيد الشهيد قدس الله أنفس أشكل على هذا الضابط وقال أن هذا الضابط وإن كان موفقاً في إخراج جملة أو كل المسائل المرتبة بعلم النحو والصرف والبلاغة والمنطق والرجال إلا أنه لزم منه خروج جملة من المسائل الأصولية أيضاً كما أوضحناه مفصلاً بالأمس.
هذه ملاحظة السيد الشهيد وقد أجبنا عنها وقلنا، سيدنا أنت ثبت العرش ثم انقش، ثبت لنا أولاً أن بحث الأوامر من علم الأصول، ثم قل يلزم خروج المسائل الأصولية، هذا أول الكلام، خصوصاً إذا كان المرزا ملتفتاً إلى ذلك ومقراً أنها من مسائل علم الأصول أو ليست من مسائل علم الأصول … تقول له لا، أنا أقول من مسائل علم الأصول، أنت حر في ذلك، ولكن بالنسبة لي مسألة أصولية أو ليست مسألة أصولية، فلا يلزم خروج المسائل الأصولية من هذا الضابط.
إلا إذا ثبت في الرتبة السابقة أن بحث الأوامر والنواهي من علم الأصول وهذا أوضح ما يكون بالدور، لا يمكن هذا، نحن نتكلم في ضابط المسألة الأصولية، فكيف نقول أنه خرجت منه مسائل لا يعلم أصوليتها. إلا أن تنقض عليّ تقول: انظر هذه كبرى وليست مسألة أصولية، هذا إشكال يأتي، الضابط ما هو؟ ما يقع كبرى في عملية الاستنباط، فإذا وجدت ما يقع كبرى في عملية الاستنباط ولم تكن أصولية، عند ذلك يرد الإشكال. إذن المرزا يقول نعم نلتزم كما قرأنا بالأمس في (ج4، ص308) عبارته كانت واضحة في هذا المجال، قال: (وبذلك يظهر أن البحث عن ظهور الأمر والنهي في الوجوب والحرمة لا يرجع إلى علم الأصول) إذن لا يمكن أن ينقض عليه بهذه. وبهذا يتضح أيضاً عدم تمامية ما ذكره الشيخ الفياض في كتابه الأصولي. الشيخ الفياض في كتابه الأصولي، لمراجعة هذا البحث مراجعة (المباحث الأصولية، ج1، ص34) قال هناك: (ويلزم منه خروج مباحث ظهور الأمر والنهي الذي أقر المرزا بأصوليتها) والمرزا أقر بأصوليتها أو أنكر أصوليتها؟ لعله لم يراجع الفوائد أو أنها ليست في ذهنه الشريف. وإلا المرزا في كتاب (ج4، ص308) ينكر أصوليتها، نعم، لو كان المرزا يقر أن ظهور الأمر في الوجوب والنهي في الحرمة مسألة أصولية لو كان يقر بذلك وكان يقول هذا التعريف لنقضنا عليه بهذه المسائل، ولكن المفروض أنه أنكر أصوليتها.
إذن الملاحظة الأولى التي يمكن إيرادها على كلام أستاذنا الشهيد قدس الله نفسه أنه أساساً قولك يلزم خروج المسائل الأصولية يلزم أو لا يلزم؟ نعم، يلزم خروجه مجموعة من المسائل التي عنونت تحت عنوان علم الأصول ولا محذور فيه. تقول: لا، هذه مسلمة أصولية، هو يقول: لا نسلم بأصوليتها. هذا هو الملاحظة الأولى على كلام سيدنا الشهيد.
الملاحظة الثانية: أن المرزا لو كان يقول أن المسألة الأصولية هي التي تقع كبرى في عملية الاستدلال الفقهي في القياس الأخير للزم هذا الإشكال الوارد عليه من السيد الشهيد، أما إذا يلتزم بأنه يقع كبرى في القياس الأخير، قد يكون في قياس آخر ولكن يقع في كبرى، عند ذلك لا يرد الإشكال، ملاحظتنا الثانية على سيدنا الشهيد أن الإشكال لا يرد.
ولتقريب المطلب أضرب مثالاً، إذا كان كلام المرزا هكذا كما هو ظاهر كلامه، يقول ما يقع كبرى في القياس، ما يقع كبرى، الآن نحن نثبت لكم أن النهي ظاهر في الحرمة يقع كبرى، وإن كان يمكن أن يقع صغرى في استدلال آخر، ولكن هو في نفسه أيضاً يقع كبرى، أين؟ لو جئنا إلى خبر زرارة، قلنا هذا الخبر فيه نهي عن شرب الخمر. أليست الأخبار أما فيها نهي وأما فيها أمر، وهذه صغرى، وهذه من أين نأخذها؟ نأخذها من وسائل الشيعة، هذا الخبر فيه نهي عن شرب الخمر، فيه أمر بصلاة الجمعة، صحيح أو لا؟ ولكن وهل النهي ظاهر في الوجوب أو الحرمة أو ليس بظاهر؟ هنا تأتي المسألة الأصولية تقول وكل نهي ظاهر في الحرمة، وكل أمر ظاهر في الوجوب، الآن كل نهي ظاهر في الحرمة وكل أمر ظاهر في الوجوب هذه كبرى أو صغرى؟ إذن وقعت كبرى في عملية الاستدلال. والضابط ما هو للمرزا، ما يقع كبرى، ولم يقل ما يقع كبرى في القياس الأخير، لو كان يقول كبرى في القياس الأخير لقلنا لا، هذه الكبرى تقع صغرى، الأمر ظاهر في الوجوب وكل ظاهر حجة، فهذا الأمر حجة. لو كان مقصود المرزا من قوله ما يقع كبرى في عملية الاستدلال أعم من أن يكون في القياس الأخير أو غير ذلك، فلا يرد إشكال سيدنا الشهيد لأنه وكل نهي ظاهر في الحرمة وقع كبرى فيكون مسألة أصولية، فمباحث أن الأمر ظاهر في الوجوب وأن النهي ظاهر في الحرمة لا تخرج عن علم الأصول لأنها وقعت كبرى في هذا الاستدلال. إلا أن يكون مقصود المرزا أن يكون كبرى في آخر قياس، إذا كان هذا مقصوده إشكال السيد الشهيد يكون وارداً، أما إذا لم يكن هذا مقصوده فإشكال السيد الشهيد غير وارد.
بعبارة أوضح: نقول الضابط ما يقع كبرى في عملية الاستدلال، سواء كان القياس الأخير أم لم يكن، وكل أمر ظاهر في الوجوب الذي قال السيد الشهيد يخرج بناء على ضابط المرزا، على هذا التعديل الذي أجريناه لا يخرج. بعض الأعزاء في الدرس ذكروا لي أن المرزا يصرح بأنه ما يقع كبرى وإن كان صغرى في استدلال آخر، إذا تم فهذا هو التصحيح … إن شاء سأراجعه غداً وإن وجدت العبارة فسأبينها لكم.
المهم سواء قال المرزا بهذا التصحيح أو لم يقل إذا صححنا ضابط المرزا بهذا البيان فلا يرد إشكال السيد الشهيد عليه. اللهم إلا أن يقال أن الإشكال وارد على المرزا، لماذا؟ لأن المرزا قيد أن يكون كبرى في عملية الاستدلال في القياس الأخير، لا مطلق الكبرى في عملية الاستدلال. هذا أين صرح به المرزا؟ صرح به في (فوائد الأصول، ج4، ص308) قال: (وأما المسألة الأصولية فهي تكون الجزء الأخير لعلة الاستنباط) إذن يشترط أن تكون المسألة كبرى متى؟ في أي قياس أم في القياس الأخير؟ في القياس الأخير. إذا تم هذا فيكون إشكال السيد الشهيد وارداً عليه فنكتفي بالملاحظة الأولى.
وبعبارة أخرى: أنه أما أن يرد على كلام سيدنا الشهيد ملاحظتين وإما ملاحظة واحدة. فإن قبلنا التصحيح الذي أشرت إليه إذن هناك ملاحظتان على كلام السيد الشهيد، وإن لم نقبل هذا التصحيح فالملاحظة الاولى وراد عليه وهو أنه ليست من المسائل الأصولية حتى تقول أنه يلزم خروج كثير من المسائل الأصولية.
الضابط الثاني: أيضاً نفس الحالة النفسية تحكم الأصولي، وهو أنه جاء إلى المسائل الموجودة في ما يسمى بعلم الأصول وأراد أن يشير إلى ضابط يكون جامعاً لهذه المسائل الموجودة، يعني ناظر إلى قضية خارجية ويريد أن يذكر لها ضابطاً. وهو قال: إن كل مسألة لو انضمت إليها صغراها أنتجت حكماً فقهياً كلياً فهي مسألة أصولية بشرط أن تكون بمفردها كذلك، لا أنها محتاجة إلى مسألة أصولية أخرى. الآن لو أردنا أن نضرب مثالاً، أنت تجد قولنا الأمر ظاهر في الوجوب لكي ينتج يحتاج إلى مسألة أصولية أخرى وكل ظهور حجة، يقول المسألة الأصولية واحدة منهما أما هذه وأما هذه، بمجرد أن المسألة الأصولية احتاجت إلى مسألة أصولية أخرى فلا تكون هذه المسألة المحتاجة مسألة أصولية. لابد بمفردها تنتج ماذا؟ عندما أقول بمفردها، تعلمون أننا في أي قياس نحتاج إلى مقدمتين، فعندما أقول بمفردها يعني الكبرى فيها مستغنية عن مسألة أصولية أخرى، وإنما تحتاج إلى الصغرى وهي يقيناً ليست مسألة أصولية. خبر زرارة ظاهر في النهي، أو ظاهر في الأمر، هذه صغرى مفروغ عنها وهي فقهية ولا كلام لنا فيها، بل نأخذها من وسائل الشيعة. إنما الكلام في (وكل أمر ظاهر في الوجوب، وكل نهي ظاهر في الحرمة) فإذا استغنت عن أي مسألة أصولية أخرى فتعد مسألة أصولية، أما إذا كانت محتاجة إلى مسألة اصولية أخرى فهي ليست مسألة أصولية. هذا الضابط ذكره السيد الخوئي قدس الله نفسه في (محاضرات في أصول الفقه، ج1، ص12) بحسب طبعة دار الكتب العلمية، إسماعيليان. السيد الخوئي قدس الله نفسه يقول أن ضابط المسألة الأصولية يقوم على ركيزتين: الركيزة الأولى أن تكون استفادة الأحكام الشرعية بنحو الاستنباط لا بنحو التطبيق. بالأمس بينا ما هو الفرق بين الاستنباط وبين التوسيط أو التطبيق، التطبيق يعني أنه هو حكم واحد ولكن فيه مصاديق متعددة، ولكنه في الاستنباط هو حكم يؤخذ منه حكم آخر، لا جزئي من جزئياته، بل حكم آخر، خبر الثقة حجة هذا يكون كبرى يستنبط منه الصلاة واجبة، الصوم واجب، لا أنه الصلاة واجبة حكم فأنا أطبقها على زيد وأقول تجب عليك الصلاة، هذا نفس ذلك الوجوب، هذا المجعول لا أنه جعل جديد. والركيزة الثانية في (ص12) يقول: (أن يكون وقوعها في طريق الحكم بنفسها من دون حاجة إلى ضم كبرى أصولية أخرى إليها) وإلا لو احتاجت إلى كبرى أخرى أو مسألة أصولية أخرى فهي ليست مسألة أصولية. فعليه فالمسألة الأصولية هي المسألة التي تتصف بذلك. ومن هنا يقول فإن مسائل سائر العلوم إن كانت تقع في طريق الاستنباط إلا أنها لا بنفسها بل لابد من ضم كبرى أصولية إليها. مثلاً زرارة ثقة، يمكن استفادة الحكم الشرعي من زرارة ثقة، يقول: لا، لأنه لابد من ان ينضم إليها وكل خبر ثقة حجة، هذه (وكل خبر ثقة حجة) إذا انضمت إليها (وهذا خبر زرارة) ينتج حكم شرعي، إذن مستقلة عن شيء آخر. إذن ما هو الضابط بشكل عام؟ الضابط المسألة الأصولية متى نقول هذه المسألة أصولية أو ليست أصولية؟ إذا كانت بنفسها وبمفردها ومن غير الاحتياج إلى مسألة أخرى، تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي.
وبعبارة أخرى: نفس الضابط الذي ذكره المرزا ولكن بإضافة هذا القيد أن تكون كبرى بنفسها لا بانضمام كبرى أخرى إليها.
سؤال: هذا الضابط استطاع أن يجمع كل مسائل علم الأصول أم لم يستطع؟
ما قلنا في المقدمة، والسيد قدس الله نفسه يعترف أن أكثر مباحث العموم والصحيح والمشتق كله خارج عن هذا الضابط. يعني ربع علم الأصول خارج.
يذكر هذا المعنى في (المحاضرات، ص13) يقول: (ومن هنا يتضح أن مرتبة علم الأصول … كما أنه يظهر أن مبحث المشتق ومبحث الصحيح والأعم وبعض مباحث العام والخاص كمبحث وضع أداة العموم كلها خارجة عن مسائل هذا العلم). إذن لم يوفق ليجمع كل هذه المسائل. أنت تقول: أن مبحث العام والخاص من الواضح انه من مسائل علم الأصول. يقول: لا لا، لا يقول واضح، يقول هذه من المباني ومن المقدمات، لا مشكلة في ذلك.
ولكن السيد الخوئي قدس الله نفسه هو نقض على نفسه بمجموعة من النقوض، هذه الملاحظة الأولى.
الملاحظة الثانية: أنه سيدنا يلزم من كلامكم أن حجية الظهور ليست من مسائل علم الأصول، لماذا؟ لأنه أنتم بين أمرين لا ثالث له أما أن تقولوا هذا الامر ظاهر في الوجوب، هل تحتاج إلى قولكم وكل ظاهر حجة أو لا تحتاج، أي منهما؟ فإن قلتم لا تحتاج هذا معناه أنه كل ظاهر حجة ليست مسألة أصولية. وإن قلتم تحتاج إذن قولكم وكل أمر ظاهر في الوجوب ليست مسألة أصولية. السيد الخوئي قدس الله نفسه اختار الشق الأول. قال: لا، كل أمر ظاهر في الوجوب مسألة أصولية، فإن قلت محتاجة لتتميم الاستدلال إلى قولنا وكل ظاهر حجة. يقول: نعم، ولكن حيث أن تلك المسألة مسلمة ومفروغ عنها وواضحة ولم يقع فيها كلام من أحد إذن ليست مسألة أصولية. لأن ضابطه كان أن المسألة الأصولية لابد أن لا تحتاج إلى مسألة أصولية أخرى، فلو أقر بأن الظهور حجة مسألة أصولية للزم أن كل ما احتاج إلى كبرى حجية الظهور أن لا تكون أصولية، ولذا اضطر أن يخرج كبرى حجية الظهور من علم الأصول، حتى يحفظ لي هذه الصغريات.
هذا المعنى هو قدس الله نفسه في مواضع متعددة أشار إليه. في المحاضرات هذا غير موجود، ولذا الشيخ الفياض ينقل هذا المطلب من بحوث أصول السيد الصدر، ويقول نقلاً عن بحوث السيد الصدر، لأنه لم يجدها في المحاضرات ولكنها موجودة في الدراسات للسيد علي الشهرودي الهاشمي.
في (دراسات في علم الأصول، ج1، ص24)، يقول: (يبقى في التعريف إشكال آخر وهو أنه إن كان المراد من الممهدة للاستنباط أن يترتب ذلك على المسائل الأصولية مستقلاً ومن دون انضمام مسألة أخرى إليها فقلما توجد مسألة من المسائل الأصولية تكون كذلك) لأنه في الأعم الأغلب كلها محتاجة إلى ماذا؟ … هذه المسألة تحتاج إلى هذه المسألة، (وأما حجية الظواهر) أن الأمر ظاهر في الوجوب أو أن العموم ظاهر في كذا أو أن الإطلاق ظاهر في كذا، هذه كلها أوامر ونواهي وعموم وخصوص وإطلاق ومقيد ومفاهيم، كلها أقصى ما تفعل المفاهيم أن يولد لك ظاهر فيحتاج إلى كبرى حجية الظهور، فأنت بين أمرين سيدنا، أما أن تقول أن كل هذه المسائل ليس من مسائل علم الأصول، وأما أن ترفع اليد عن كبرى حجية الظهور وتقول أنها ليست مسألة أصولية حتى تكون تلك المسائل غير محتاجة إلى مسألة أصولية أخرى، والسيد رجح وقال نضحي بكبرى حجية أصالة الظهور ونقول ليست مسألة أصولية حتى نحفظ تلك المسائل، يعني دار الأمر بين أن تخرج مئة مسألة وبين أن تخرج مسألة واحدة؟ … هذا باطن كلامه وإلا فهو غير موجود في كلامه.
يقول: (وأما حجية الظواهر فليست من مسائل علم الأصول) وانتهى. بينك وبين الله لو أن أحداً جاء وقال أن حجية الظواهر ليست من المسائل الأصولية ماذا تقول له؟ تقول هذه من المسلمات، هذا هو نفس الذهنية التي أشرت لنا وهي أن هناك ذهنية أن هذه المسائل أصولية ومن المسلمات.
سؤال: إذن هذه المسألة ما هي؟
يقول: (وإنما هي من المسلمات، وإلا لانهدم أساس الشرائع وإنما المبحوث عنه في الأصول بعض خصوصياتها).
إذن الملاحظة الثانية الواردة على السيد الخوئي، سيدنا أن كثير من مسائل علم الأصول ليست بمفردها يستنبط منها الحكم الشرعي، بل لابد من ضم كبرى حجية الظواهر إليها. أجاب السيد الخوئي عن هذه الملاحظة الثانية بأننا لا نقبل أن كبرى حجية الظهور من المسائل الأصولية، لماذا ليست من المسائل الأصولية؟ لابد أن هناك نكتة في ذلك؟ يقول: الجواب (أنها من المسلمات) هذا أولاً (وإلا لانهدم أساس الشرائع) هذه ثانياً.
سؤال: هذا الجواب تام أو ليس بتام؟
أخواني الأعزاء توجد عدة ملاحظات نشير إلى بعضها إجمالاً:
أولاً: أن كون مسألة صارت مسلمة أو بديهية أو قطعية لو لزم ذلك إخراجها من العلم الذي تنتمي إليه لأخرجنا عشرات المسائل من علومها المختصة بها، أضرب لكم مثالاً، كم عندنا من المسائل الرياضية والحسابية مسلمات وقطعيات، هذا لازمه أن تكون خارجة عن علم الحساب، لأنها مسلمة وإذا صارت مسلمة تخرج عن علمها.
اجتماع النقيضين محال، لا تحتاج إلى دليل، أصلاً كل شيء قائم عليها، ولكنها من أوضح مسائل المنطق الارسطي. التواتر وغيره.
إذن لو قلنا أن مسلمية المسألة تخرجها عن العلم الذي تنتمي إليه، لا فقط هذه المسألة تخرج وإنما عشرات ومئات المسائل تخرج عن علومها التي تنتمي إليها. الشكل الأول من القياس بديهي الإنتاج، في المنطق بديهي الإنتاج، وهذا معناه أن الشكل الأول خارج عن علم المنطق لأنه بديهي، هل يلتزم أحد بذلك.
إذن الملاحظة الأولى أنه لو لزم من مسلمية مسألة خروجها عن ذلك العلم للزم كذا وكذا، والتالي باطل فالمقدم مثله.
وثانياً: إن مقتضى لازم كلامه أن ضابط المسألة الأصولية ليست قائمة على ركنين، لأنها قال أن ضابط المسألة يرتكز على ركيزتين، الأولى أن يكون بنحو الاستنباط على بنحو التطبيق، الثانية أن تكون بمفردها واقعة في عملية الاستنباط، فلابد أن نضيف قيداً ثالثاً وهو أن تكون مختلفاً فيها، وإلا لو صار متفقاً عليها لما أصبحت أصولية، مع أنه لم يذكر، إذن ما ذكره من الضابط يكون ناقصاً في المحاضرات وغير المحاضرات.
الثالث: أنه من قال لكم أساساً أن الظهور حجة من المسلمات، إن شاء سنأتي في محله ونرى أن هذه من المسلمات أم من النظريات، فيها خمسين خلاف، بنحو كان التامة وبنحو كان الناقصة أيضاً، من قال لكم أن الظهور حجة من المسلمات، وإلا لو كانت من المسلمات نقول له سيدنا لما كنت بحثت عن حجية الظهور في مجلد كامل، أنا لا أتكلم عن التفاصيل يعني ليس كان الناقصة، أبحث عن أصل الحجية، من قال أن الظهور حجة؟
ولذا تجدون بعضهم استدلوا بالسيرة العقلائية ثم ذهبوا إلى أن السيرة العقلائية ممضاة أو غير ممضاة، هذا كلها خير شاهد على أنها مسلمة أو أنها نظرية تحتاج إلى دليل؟ نظرية تحتاج إلى دليل.
إذن الملاحظة الثالثة أنه حتى لو سلمنا الكبرى أن المسلم يخرج فمسألة أصالة الظهور أول الكلام، من قال أنها من المسلمات، هذه الملاحظة الثانية. ولعله توجد ملاحظات أخرى تأتي.
والحمد لله رب العالمين.