بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
عود على بدء هو أننا ذكرنا أن المرزا ذكر في (فوائد الأصول) إن ضابط المسألة الأصولية أن تقع كبرى في عملية الاستنباط، ويتذكر الأعزاء بأنه أشكل على ذلك سيدنا الشهيد وقال: نحن نجد أن بعض المسائل المسلم في أصوليتها لا تقع كبرى وإنما تقع صغرى في عملية الاستنباط. وعلى هذا الأساس فينبغي أن تكون خارجة عن علم الأصول من قبيل أن الأمر ظاهر في الوجوب وأن النهي ظاهر في الحرمة.
إلا أننا بالأمس قلنا إلا إذا كان مقصود المرزا أنه ليس مرادنا أن يكون كبرى في القياس الأخير بل أن يكون كبرى في قياس الاستنباط وإن وقع في قياس آخر صغرى، وضربنا مثالاً بالأمس وقلنا أن هذا الخبر، خبر زرارة فيه نهي عن شرب الخمر، وكل نهي ظاهر في الحرمة، هذه كل نهي ظاهر في الحرمة هذا كبرى وقعت أم صغرى؟ هنا وقعت كبرى في قياس الاستدلال، إذن بناء على أن المطلوب هو القياس الأخير هذه المسألة ليست أصولية، لماذا؟ لأنه لابد أن تنضم لها وكل ظاهر حجة، تقع صغرى وإن كانت هي كبرى في القياس الأول ولكن تكون صغرى في القياس الثاني.
أما إذا قلنا لا يشترط أن يكون في القياس الأخير وإنما يكفي أن تكون كبرى في عملية الاستدلال ولو في القياس ما قبل الأخير إذن قوله كل نهي ظاهر بالحرمة تكون مسألة أصولية.
وعندما راجعنا فوائد الأصول وجدنا أنه يصرح بهذا في (ج1، ص19) يقول: (ويأتي أيضاً أن المسألة الأصولية قد تقع أيضاً صغرى لقياس الاستنباط وتكون كبراه مسألة أخرى من مسائل علم الأصول إلا أنه مع وقوعها صغرى لقياس الاستنباط تقع في مورد آخر كبرى للقياس). يعني إذا وضعنا يدنا على قوله (النهي ظاهر في الحرمة) هذه مسألة أصولية أم ليست أصولية؟ إذا قلنا أن المسألة الأصولية يشترط فيها أن تقع كبرى في القياس الأخير فهذه المسألة ليست أصولية، أما إذا قلنا أنه لا، يمكن أن تقع صغرى ولكن بشرط أنها كانت كبرى في قياس آخر، تكون المسألة الأصولية. لماذا؟ (لأن قولنا النهي ظاهر في الحرمة وإن كان صغرى في قولنا وكل ظاهر حجة إلا أن قولنا النهي ظاهر في الحرمة، هذه تقع كبرى لقولنا هذا الخبر ظاهر في النهي.
إذن بناء على ما ذكره هنا قدس الله نفسه يعني في (فوائد الأصول، ج1، ص19) فلا يرد عليه إشكال السيد الشهيد، لأنه يصرح بأنها لا يمكن أن تكون كبرى دائماً، بل يمكن أن تكون كبرى وصغرى لكبرى أخرى. فهي مسألة أصولية.
باقي العلوم يعني وثاقة الراوي وغيرها بعد ذلك سيأتي. (وهذا بخلاف مسائل سائر العلوم فإنها لا تقع كبرى لقياس استنباطي أصلاً فراجعوا على كل حال فقد ظهر لك مرتبة علم الأصول) وسيأتي الإشارة إلى هذا.
إذن بناء على ذكره هنا قدس سره فإشكال السيد الشهيد ليس وارداً عليه، لأن السيد الشهيد اعترض عليه بمباحث الظهورات، أن الأمر ظاهر في الوجوب والنهي ظاهر في الحرمة يخرج عن علم الأصول، وبناء على هذا الضابط لا يخرج.
ولكن بناء على ما ذكره هو قدس الله في (ج4، ص308) أن يكون هو القياس الأخير فإشكال السيد الشهيد يكون وارداً عليه.
ومن هنا يسجل إشكال على المرزا أنه يوجد تهافت بين الجزء الأول والجزء الرابع، هناك قال أن مسألة أن الأمر ظاهر في الوجوب وأن النهي ظاهر في الحرمة قال أنها من المسائل الخارجة عن علم الأصول ولكنه هنا قال أنها داخلة في علم الأصول، هذا هو الإشكال الأول الذي يرد على كلام المرزا بعد أن دفعنا كلام سيدنا الشهيد.
والإشكال الثاني الذي يرد على المرزا، أنه يلزم دخول بعض المباحث الرجالية في علم الأصول بناءً على الضابط الذي ذكره في الجزء الأول، كيف؟ هنا ماذا قال المرزا؟ قال: إذا وقعت كبرى في القياس ما قبل الأخير فهي مسألة أصولية، كل نهي ظاهر في الحرمة قال هذه مسألة أصولية، لماذا؟ لأن لها صغرى، مأخوذة من وسائل الشيعة، هذا الخبر فيه نهي، والمسألة الأصولية تقول: كل نهي ظاهر في الحرمة. إلى هنا لا نستطيع أن نستنبط الحكم.
ولقائل أن يقول: ثم ماذا، كان ظاهراً في الحرمة، لابد أن نتمم بكبرى أخرى. ماذا نقول؟ وكل ظاهر حجة، منجز ومعذر، يعني أنه إذا خالفته تعاقب من قبل المولى، إذن المرزا قَبِل أنما وقع كبرى في القياس الأول، لنعبر عن القياس ما قبل الأخير بالقياس الأول، وعن القياس الاخير بالقياس الثاني. إذن ما وقع كبرى في القياس الأول جعله مسألة أصولية، قال: كبرى في القياس الأول وإن كان صغرى في القياس الثاني. تعالوا معنا إلى النقض، ما هو النقض؟ نأخذ كتاب الوسائل، نقول: هذا الخبر – أي خبر- أخبر به زرارة، هذا الخبر أخبر به زرارة، نجعل له كبرى، هذه الكبرى من أين أخذناها؟ من علم الرجال. وهي وكل ما أخبر به زرارة فهو موثوق، صحيح، عبروا عنه ما شئتم. إذن وكل ما أخبر به زرارة موثوق به، صحيح، ثقة، هذه مسألة أصولية أو مسألة رجالية؟ بناء على الضابط الذي ذكره المرزا لابد أن تكون مسألة أصولية. لأننا نستطيع أن نقول فهذا الخبر موثوق به وكل خبر موثوق به فهو حجة التي هي مسألة أصولية، فيلزم أن هذا الخبر حجة. كيف يستطيع أن يخرج، لأنه هذه عبارته حيث يقول: (وهذا بخلاف مسائل سائر العلوم فأنها لا تقع كبرى لقياس الاستنباط). الجواب: لا، تقع أيضاً كبرى. فأنت بين اثنين لا ثالث لهما، إما أن تلتزم فقط القياس الأخير فيرد إشكال السيد الشهيد، وإما توسع القياس ليشمل ما قبل الأخير فيندفع إشكال السيد الشهيد ولكن يدخل هذا. إلا أن نرجع إلى الملاحظة الأولى التي أشرت لها وهو أن المرزا من الأول يلتزم كما التزم بالجزء الرابع أن هذه ليست أصولية. النتيجة فقهية وكل خبر حجة.
في كل استنباط نحتاج إلى صغرى فقهية وكبرى أصولية، ولكن الكبرى الأصولية من أين وصلنا إليها؟ وصلنا إليها من قياس مقدمة واحدة من القياسات رجالية وهي تقع كبرى أو صغرى في القياس الأخير، بنفس البيان الذي ذكره في كل نهي ظاهر في الحرمة يرد في كل خبر زرارة موثوق. ولا يستحق أن نقف أكثر من هذا.
الضابط الثاني: وهو ما ذكره السيد الخوئي، والواقع نحن في غنى من كل من هذه الأبحاث لأننا لا نعتقد بأننا نحتاج إلى ضابط يجمع هذه المسائل، نحن من أول الأمر اتضح منهجنا فنحن نعتقد أنه كل ما نحتاج إليه في عملية الاستنباط لابد من بحثه … أن يكون كلامي أو يكون رجالي أو يكون، نعم، إذا بحث في علم آخر لا نبحثه، وإن لم يكن قد بحث نبحثه نحن … ولا نحتاج إلى تعريف علم الأصول ولا إلى ضابط المسألة الأصولية، بل أنا في عقيدتي أننا لا يوجد عندنا علم يسمى بعلم الأصول، الذي عندنا علم عملية استنباط الحكم الشرعي، هذه العملية فيها مقدمات بعضها بحث عنها في موضعها فتكون أصول موضوعة وبعضها لم يبحث عنها نحن نبحثها. هذه المسائل ما هي؟ قد يكون بعضها كلامية، وبعضها عقلائية، وبعضها تفسيرية وهكذا. ولكن مشياً مع القوم أنهم جاءوا أولاً قالوا ضابط وافترضوا أن لهذه المسائل عنوان خاص ثبوتي واقعي نفس أمري، كما للرياضيات والفلسفة والطبيعيات.
الضابط الثاني وهو ما ذكره السيد الخوئي، السيد الخوئي إذا تتذكرون بالأمس قال إذا كانت المسألة بمفردها وبلا حاجة إلى انضمام مسألة أصولية أخرى إليها لو انضمت صغراها إليها لأنتجت حكماً فقهياً هذه المسألة نسميها مسألة أصولية. أما لو وجدنا أن مسألة أصولية حتى لو انضمت إليها صغراها لا تنتج نتيجة فقهية إلا بالاحتياج إلى مسألة أصولية أخرى فهذه ليست من المسائل الأصولية. هذا المعنى كما أشرنا إليه بالأمس والآن عبارة أوضح في (المحاضرات، ج1، ص13) يقول: (فإن مسائل سائر العلوم وإن كانت تقع في طريق الاستنباط) كعلم الرجال (إلا أنها لا بنفسها تقع بل لابد من ضم كبرى أصولية إليها وهذا بخلاف المسائل الأصولية فأنها كبريات لو انضمت إليها صغرياتها) من علم الفقه (لاستنتجت نتيجة فقهية ولكن من دون حاجة إلى ضم كبرى أصولية إليها) أما إذا احتاجت؟ ولذا ما قاله المرزا في (الفوائد، ج1) وجدنا أنها مسألة أصولية ولكن لا تنتج إلا إذا انضمت إليها ماذا؟ هو يريد أن يناقش هذا، يقول: لا، إذا احتاجت إلى مسألة أصولية أخرى فهي ليست من المسائل الاصولية. ا لمرزا في (ج1) قال أنها حتى لو احتاجت فأنها تبقى أصولية، الآن اتضح الفرق بين المرزا وبين تلميذه السيد الخوئي.
هذا المعنى أخواني الأعزاء ذكرنا عدة ملاحظات أشرنا إليها بالأمس وانتهينا إلى هذه الملاحظة. وقلنا أنه ينقض على السيد الخوئي+ بأننا نجد أن جملة من المسائل الأصولية المفروغ عن أصوليتها، يعني أن الأمر ظاهر في الوجوب لكي تنتج نتيجة فقهية لا تنتج إلا بانضمام مسألة أصولية أخرى وهي حجية الظواهر، هذا هو النقض الأول الذي اشير إليه من كلمات الأعلام، يعني الآن نقول هذا الخبر فيه نهي، وتحتاج أنت إلى ماذا حتى تصل إلى الحرمة؟ تقول: وكل نهي ظاهر في الحرمة، وكل الذي تصل إليه إذن هذا الخبر ظاهر في الحرمة، ويكفي هذا للنتيجة الفقهية أو لا يكفي؟ فليكن ظاهر ثم ماذا. تقول: لا، وكل ظاهر منجز ومعذر، ما معنى منجز ومعذر، يعني إذا خالفته يحق للمولى معاقبتك.
ماذا أجاب السيد الخوئي عن هذا الإشكال، وهو ملتفت له. قال: لا، كبرى حجية الظهور ليست من المسائل الأصولية. لماذا ليست من المسائل الأصولية، بأي ملاك، سيدنا الجليل لأنها لا تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي أم تقع؟ يقول: لا، هي تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي ولكن لأنها مسلمة إذن ماذا؟ إذن خارجة عن علم الأصول، لا أنها لا تقع. مرة لا تقع في طرق استنباط الحكم الشرعي فأمر طبيعي أنها ليست من مسائل علم الأصول، لأن المسائل الأصولية هي التي تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي، كبرى لو انضمت إليها صغراها لانتجت نتيجة فقهية وحكم شرعي فرعي كلي. لماذا أن مسألة حجية الظواهر ليست أصولية، لأنها لا تقع؟ الجواب: يقول: نعم، جزماً تقع، ولكن لأنها مسلمة. هذا المعنى بشكل واضح أشار إليه – بالأمس قلنا أنه لم يشر إلى هذا في المحاضرات، وفي الدراسات أشار إلى هذا إجمالاً- تفصيلاً في (الهداية في الأصول، ج1، ص21، للشيخ حسن الصافي الاصفهاني) تحقيق ونشر مؤسسة صاحب الأمر، قم. هذه التقريرات أقدم من الدراسات وغيرها. يقول: (ولا نزاع بعد إثبات ظهور الأمر في الوجوب في حجيته) سيدنا أول الكلام أنت كل الذي أثبته في المسألة الأصولية أن الأمر ظاهر في الوجوب هذه الحجية من أين أدخلتها في الحساب؟ يقول: (إذ حجية الظواهر مما لا خلاف فيه ولم يشك فيه أحد). إذن احتاج إليها في الاستنباط أم لم يحتج لها؟ احتاج لها، ولكن لم يجعلها مسألة أصولية، لماذا؟ قال: لأنها لم يختلف فيها أحد.
نحن أجبنا بالأمس وقلنا: أولاً: أن مسلمية المسألة لا تخرج المسألة عن العلم الذي تنتمي إليه، وإلا للزم خروج عشرات المسائل عن العلوم المختصة بها.
وثانياً: أن لازم ذلك أن الملاك في المسألة الأصولية ليس هو كونها في طريق الاستنباط فقط، بل كونها في طريق الاستنباط ولا يقع فيها خلاف، وهذا ما لم تلتزم به أنت. قلت أن المسألة الأصولية تقوم على ركيزتين: أن تكون بنحو الاستنباط لا التطبيق، وأن تكون كبرى على الانفراد، كان ينبغي أن تقول والركيزة الثالثة أن تكون مسلمة. قد يقول قائل: سيدنا صحيح أنه لم يقل أنها الركيزة الثالثة ولكنه يلتزم. نقول: إذا التزم السيد الخوئي لابد أن يلتزم أنه ليس هذه المسألة وحدها التي تخرج، وإنما عشرات المسائل الأصولية المسلمة عند القوم لابد أن تخرج، من قبيل: هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص، هل هناك خلاف في هذه المسألة؟ أبداً، بين جميع أجنحة الفقه الإمامي من أصوليين وأخباريين يقول العمل بالعام قبل البحث عن مخصص ممكن أو غير ممكن؟ غير ممكن، هل يلتزم السيد الخوئي بأنها ليست أصولية.
ورابعاً: وهو الأهم، سيدنا من قال لكم أن حجية الظواهر من المسلمات؟ بل أول الكلام، إن شاء الله تعالى سيأتي في بحث حجية الأحكام الظاهرية شبهات ابن قبة تقول أساساً جعل الحجية لغير العلم ممكن أو ممتنع؟ ممتنع، والظهور يفيد العلم أو غير العلم؟ يفيد الظن. يفيد الاطمئنان، ولا يفيد العلم في النتيجة. فمن قال لكم أن أصل حجية الظهور من المسلمات. لا، نظرية وتحتاج إلى ألف دليل ودليل لإثبات حجية الظواهر.
الملاحظة الثالثة: في الملاحظة الثالثة نريد أن نتزل، نقول سيدنا سلمنا معكم أنه لو كانت مسلمة خارجة عن علم الأصول. هذا لازمه لابد أن تلتزم بأنه لو كان مختلفاً فيها فهي داخلة في علم الأصول أم خارجة في علم الأصول؟ هو عندما صرح أنه لو كانت مسلمة فهي خارجة، يعني ماذا؟ بمدلولها الالتزامي لو كانت مختلف فيها لدخلت في علم الأصول، تعالوا معنا إلى كل قواعد الجمع العرفي في باب التعارض، يعني باب التعارض ماذا عندكم؟ قد يتعارض بنحو التباين، هذا فيه جمع عرفي أو ليس فيه جمع عرفي؟ ليس فيه جمع عرفي، نرجع إلى الأخبار العلاجية، العرض على الكتاب، الأوثقية أو غيرها، تلك المعركة في باب التعارض. ولكن عندنا متعارضات بينها جمع عرفي، من قبيل: المطلق والمقيد. من قبيل: العام والخاص. من قبيل: التعارض بين المنطوق وبين المفهوم، من قبيل التعارض بين النص وبين الظاهر. من قبيل: التعارض بين الأظهر وبين الظاهر. من قبيل: التعارض بين الوجوب وبين الجواز. روايات دالة على الجواز وروايات دالة على الوجوب، ماذا فعل الفقهاء بها؟ جعلوا روايات الجواز قرينة على أن المراد من الوجوب هنا وإن كان الأمر ظاهر في الوجوب يحمله على الاستحباب، أو إذا كان ظاهراً على الحرمة يحمله على الكراهة، هذه كلها قواعد الجمع العرفي.
سؤال: المسألة الأصولية أنت في الأصول الإطلاق ثبت والعموم ثبت أيضاً، فلو تعارض الإطلاق والعموم السؤال: هل يمكن مع التعارض أن تستغني عن قواعد الجمع العرفي أو لا يمكن؟ لا يمكن، وإلا لو كان يمكن الاستغناء لما احتجنا إلى قواعد الجمع العرفي. سؤال: قواعد الجمع العرفي من الأصول أو ليست من الأصول؟ الإطلاق من الأصول، العموم من الأصول، المنطوق من الأصول، المفهوم من الأصول، النص من الأصول، الظاهر من الأصول وغيرها …. الآن لو تعارضا هذه قواعد الجمع العرفي أصولية أو ليست أصولية، سيدنا ماذا تقولون؟ إن قلتم أنها ليست أصولية فهذا لازمه أن ترفعوا اليد عن أكثر مسائل أو كل قواعد الجمع العرفي. وإن قلت أصولية فيلزم أن مسألة أصولية كافية لاستنتاج الحكم الشرعي أو محتاجة إلى مسألة أصولية أخرى؟ تحتاج إلى مسألة أصولية أخرى، هذا الإشكال الذي ذكره السيد الشهيد. حيث قال بشكل واضح وصريح قال بأننا في قواعد الجمع العرفي ماذا نفعل؟ هذا المعنى أشار إليه السيد الحائري في (مباحث الأصول، ج1، ق1، ص22) يقول: (بل يحتاج) يعني هذا الضابط الذي ذكره السيد الخوئي (بل يحتاج إلى إخراج بعض المباحث الأخرى فمثلاً يوجد في علم الأصول مباحث عن أقوى الظهورين المتعارضين كالبحث عن أقوى الظهورين في العموم الوضعي والإطلاق الحكمي). عندك عموم مستفاد من الأداة وعندك إطلاق مستفاد من قرينة الحكمة، فإذا تعارض العموم، العموم يبحث في باب العموم، والإطلاق يبحث في باب الإطلاق، هذه مسألة أصولية وتلك مسألة أصولية، والجمع العرفي بينهما مسألة أصولية أو ليست بأصولية؟ فإن قلت بأنها ليست أصولية لازمه أنك أخرجت مسألة من علم الأصول مع أنها متفق عليها أو مختلف فيها؟ تقول لي سيدنا: متفق عليها من قبيل حجية الظواهر. الجواب: لا، قواعد الجمع العرفي غير متفق عليها. عموم الاخباريين يعتقدون كل تعارض بين الروايات لابد من الرجوع فيه إلى الأخبار العلاجية. يصرح صاحب الحدائق بشكل واضح يشير إلى ذلك صاحب الكفاية، يقول من قال لكم بأن الأخبار العلاجية مختصة بموارد التباين؟ الأخبار العلاجية شاملة حتى لتلك الموارد التي يوجد بينها جمع عرفي.
في (كفاية الأصول، باب التعارض، ص449) مؤسسة آل البيت، يقول: (قد عرفت سابقاً) على مبناه هو (أنه لا تعارض في موارد الجمع والتوفيق العرفي) يعني لا تعارض مستقر، وإلا يوجد تعارض بدوي ولكن هذا التعارض البدوي قابل للجمع العرفي (ولا يعمها ما يقتضيه الأصل في المتعارضين) إذن الروايات العلاجية تشمل موارد الجمع العرفي أو لا تشمل؟ لا، مختصة بغير موارد الجمع العرفي، ما هو الأصل في المتعارضين المتباينين (من سقوط أحدهما رأساً وسقوط كل منهما في خصوص مضمونه كما إذا لم يكونا في البين، فهل التخيير أو الترجيح يختص أيضاً بغير مواردها) يعني بغير موارد الجمع العرفي (أو يعم موارد الجمع العرفي قولان: أولهما بغير مواردهما ودعوى أن المتيقن منها غيرها) غير موارد الجمع العرفي (مجازفة) من قال أن الروايات الدالة على العلاج بين الروايات لا تشمل موارد الجمع العرفي؟ ولذا صاحب الحدائق يقول في (الحدائق، ج1، ص109) هذه الدورة الأصولية في الحدائق موجودة في هذه المقدمات، هي أصول بعبارة أخرى ولكنه لا يريد أن يسميها أصول لأن هذا الاسم عندهم غير مقبول. (السادس: قد اشتهر بين أكثر أصحابنا سيما المتأخرين عد الاستحباب والكراهة من جملة وجوه الجمع بين الأخبار) إذا ورد دليل على الوجوب ودليل على الجواز (بل الاقتصار عليهما في الجمع دون تلك القواعد المنصوصة والضوابط المخصوصة) يعني قواعد التعارض (كما لا يخفى على من لاحظ كتب المتأخرين ومتأخريهم حتى تحذلق بعض متأخري المتأخرين) كيف يسفه الرأي؟ بهذا المستوى، على أي أساس أنتم تجروا الجمع العرفي وأهل البيت عليهم السلام قالوا في التعارض، ما قالوا في التعارض الذي لا يوجد فيه جمع عرفي، مطلق، كل ما وجد فيه تعارض طبقوا عليه قواعد باب التعارض، إذن قواعد الجمع العرفي مختلف فيها. إذن هل هي مثل حجية الظواهر أم لا؟ لو سلمنا معك سيدنا الجليل أن حجية الظواهر مسلمة، ولمسلميتها خرجت عن علم الأصول، ماذا تقول في قواعد الجمع العرفي. أنت مضطر لأن تدخلها في علم الأصول لأنها من الواضح أنها مختلف فيها، فإذا كانت المسألة مختلف فيها تكون أصولية، إلا أن تلتزم كما التزم السيد الخوئي، كل مباحث الإطلاق والعموم وغيرهن كلها خارجة … الأصول فقط قواعد الجمع العرفي … أين قال هذا؟ هذا كله من ضيق الخناق يريدوا أن يضعوا ضابطاً يجمع هذه المسائل كلها، ولا يوجد مثل هذا الضابط، إلا في عالم اللوح المحفوظ، وإلا إلى الآن نحن لم نجد ذلك.
هذا المعنى بشكل واضح وصريح قال (كما أنه يظهر أن مبحث المشتق ومبحث الصحيح والأعم وبعض مباحث العام والخاص) هذه التي يصير فيها هذه المشاكل (كمبحث وضع أداة العموم كلها خارجة عن مسائل علم الأصول) يعني نحن نقرأ علم الأصول ولكن نصفه ليس علم الأصول، يعني أنا مضطر أن اسميه علم الأصول، على أي شيء أسميه علم اصول إذا كان منه 40% أو 50% أو 70% منه ليس علم أصول، بينك وبين الله إذا دخلت إلى علم من العلوم كالرياضيات والفلسفة ووجدت أن 50% أو 60% منه مسائل مرتبطة بالبحوث النقلية والفقهية. هل أنتم مضطرون أن تسموا هذا فلسفة، 50% منه مسائل فقهية أو كلامية أو تفسيرية لماذا تسمونها فلسفة. الأصول هكذا.
إذن الملاحظة الثالثة: أن السيد الخوئي قدس الله نفسه مضطر إما أن يرفع اليد عن قواعد الجمع العرفي فيقول أنها ليست أصولية ولا يلتزم بذلك، لأنه من صلب مسائل علم الأصول، وأما أن يلتزم بأن كل هذه مباحث العموم والخصوص والمفاهيم والظهورات كلها ليست من علم الأصول.
هذه الملاحظات أنا إنما أشير لها حتى يتبين أنه من خلال البحث تجدون السيد الخوئي شيئاً فشيئاً يضيف قيداً، اتضح من البحث السابق أنه ذكر قيداً جديداً في المسألة الأصولية وهو أن لا تكون مختلفاً فيها، [الصحيح أن تكون مختلفاً فيها ؟!] لأنه خرج حجية الظهور عن مسائل علم الأصول بدعوى كونها من المسائل المسلمة ومع ذلك استطاع أن يحتفظ بذلك أو لم يستطع؟ لم يستطع.
الملاحظة الرابعة: هذه الملاحظة أخواني الأعزاء تأتي في باب الاستلزامات العقلية، التي هو السيد الخوئي في (محاضرات في أصول الفقه) بعد أن ذكر الضابط الذي أشار إليه قال شبهات ودفوع، شبهات ترد على الضابط الذي بينه وأسسه. هذه الشبهات في أمور ثلاثة يشير إليها. نحن إن اتسع الوقت نشير لها وإن لم يسعنا الوقت فنشير إلى واحدة منها إذا اتضحت يتضح الجواب عن الباقي.
الأول: أن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده. هذا استلزام عقلي.
الثاني: جواز اجتماع الامر والنهي وامتناع ذلك.
الثالث: أن مقدمة الواجب واجبة بوجوب عقلي أو ليست كذلك.
لا إشكال أن مقدمة الواجب واجبة بوجوب شرعي، لا شك في ذلك، إنما الكلام أن الشارع إذا أوجب شيء وكانت له مقدمة هل هناك استلزام عقلي لوجوب ذي المقدمة يترشح على المقدمة وجوب عقلي أو لا يوجد؟ هذا بحث.
في هذه الأبحاث الآن نأتي إلى القاعدة الأولى، وهي أن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده. السيد الخوئي قدس الله نفسه يقول: لو قال قائل: هو يشكل على نفسه ويجيب. لو قال قائل أن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص – لا العام- يعني أن الأمر بإزالة النجاسة عن المسجد يقتضي النهي عن إقامة الصلاة في وقت الإزالة، أن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص، هذه مسألة اصولية أو ليست من المسائل الأصولية؟ نعم، هي من أوضح المسائل الأصولية.
سؤال: هذه لو انضمت إليها صغراها الفقهية هل تنتج نتيجة فقهية أو لا تنتج؟ لا تنتج؟ لماذا؟ لأنه أن الأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الصلاة، يعني عن العبادة، وهذا النهي نهي ذاتي نفسي أو نهي غيري جاء من الامر بالإزالة؟ نهي غيري. سؤال: من قال لكم أن النهي الغيري عن العبادة مبطل للعبادة. نعم، أن الامر بشيء يقتضي النهي الغيري عن العبادة، متى تنتج النتيجة؟ إذا قلنا وكل نهي ولو كان غيرياً للعبادة موجب لفسادها، وإلا، نعم علمت أن الله سبحانه وتعالى نهاني عن أن أصلي ولكن من قال أن كل نهي عن العبادة موجب لفسادها.
إذن هذه المسألة وهي قاعدة أن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده لكي تنتج نتيجة فقهية تحتاج إلى قاعدة أصولية أخرى، وأن كل نهي عن العبادة ولو كان غيرياً، لو كان نفسياً نعم، ولو كان غيرياً موجب لفسادها. أي منهما مسألة أصولية، الاولى أم الثانية؟ السيد الخوئي قدس الله نفسه قال بشرط أن تكون بنفسها منتجة لنتيجة فقهية، وهنا الامر بشيء يقتضي النهي عن ضده لا ينتج نتيجة فقهية. إذن هذه ليست مسألة أصولية وهي الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده.
ماذا أجاب؟ التفتوا كيف يضيف ركن بعد ركن. ماذا قال؟
قال: نحن لم نشترط في إنتاج المسألة الأصولية بمفردها للنتيجة الفقهية أن تكون على جميع التقادير منتجة للنتيجة الفقهية، لو أنتجت على تقدير دون تقدير أيضاً كاف لتكون مسألة اصولية، انظروا إلى الدليل بعد الوقوع، لماذا يضطر إلى هذا؟ لأنه يجد أن هذه الإشكالات غير قابلة للحل، فلابد أن يلتزم بأنها ليست مسألة اصولية، لأن ذهنه في شيء مفروغ عنه أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده مسألة أصولية. لابد أن يجد لها مخرجاً، ما ضاع على أصولي مخرج.
ولذا صريحاً يقول: (يكفي في أن تكون المسألة أصولية بمفردها أن تنتج ولو في الجملة) لا أن تنتج جملة وبنحو الموجبة الكلية، لو كان للمسألة خمسة تقادير، تقدير منها كان منتج وأربعة منها غير منتجة، تصير مسألة ويكفي هذا. نعم، إذا لم تنتج بنحو السالبة الكلية عند ذلك لا تكون مسألة أصولية.
إذن هنا أضيف لنا قيد جديد على المسألة الأصولية وهو أن تكون المسألة منتجة بمفردها هذا واحد. ولا تكون متفق عليها بل مختلف فيها، هذا ثانياً. ولو أنتجت لمرة واحدة.
بعد أن يشكل الإشكال يقول: (توهم خروج مسألة الضد عن التعريف لعدم توفر هذا الشرط فيها) الشرط الثاني (فهي وإن ثبتت بثبوت إلا أنها حرمة غيرية لا تقبل التنجيز) يعني إذا كانت الحرمة نفسية لا نحتاج إلى أن النهي عن العبادة موجب لفسادها، ولكن لأن الحرمة غيرية والحرمة الغيرية لا تنجز وتحتاج إلى قاعدة كي تصلح لأن تكون نتيجة فقهية للمسألة الأصولية (وأما فساد الضد فهو لا يترتب على ثبوت هذه الملازمة بلا ضم كبرى أصولية أخرى وهي ثبوت الملازمة بين حرمة العبادة وفسادها ويدفعها أنه يكفي في كون المسألة أصولية تترتب نتيجة فقهية على أحد طرفيها وإن لم تترتب على طرفها الآخر). هذا معناه إضافة قيد جديد ونكتة جديدة. يقول: فإذا قلنا بالاقتضاء نحتاج إلى ضم كبرى أصولية أخرى وأن النهي عن العبادة ولو غيرياً موجب لفسادها، أما إذا لم نقل بالاقتضاء فالعبادة صحيحة في نفسها بلا حاجة إلى ضم مسألة أصولية أخرى. (والمفروض أنه يترتب على مسألتنا هذه) يعني الأمر بشيء يقتضي النهي (أثر شرعي على القول بعدم الملازمة) يعني لو قلنا أن الأمر بشيء لا يقتضي النهي عن ضده، إذن ضده يكون عبادة ونصلي ولا مشكلة في ذلك. نحتاج إلى قاعدة أصولية أخرى أو لا نحتاج؟ لا نحتاج.
إذن إذا كانت المسألة في أحد طرفيها منتج نتيجة فقهية وفي طرفها الآخر غير منتج نتيجة فقهية فالمسألة تبقى أصولية، متى تخرج عن علم الأصول؟ إذا لم تكن منتجة على جميع التقادير. هذا الكلام تام أو لا؟ يأتي.
والحمد لله رب العالمين.