الأخبار

المحاضرة (23)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

كان الكلام في الضابط الثاني الذي ذكر لبيان المسألة الأصولية وأنه متى تكون المسألة أصولية ومتى لا تكون.

فيما يتعلق بالضوابط فهي متعددة، ذكرت في كلماتهم بحسب ما أحصيت منها حدود سبعة أو ثمانية ضوابط، ولكنها جميعاً، طبعاً الضابط الأول ذكرناه عن المرزا، والضابط الثاني كان للسيد الخوئي قدس الله نفسه وقد أشرنا إليه. الضابط الثالث هو ما ذكره المحقق العراقي، طبعاً لن نشير إلى جميعها لأنها لا تستحق الوقوف عندها، الضابط الرابع هو ما ذكره السيد البروجردي في حاشيته على كفاية الأصولى، الضابط الخامس: هو ما ذكره السيد الشهيد الصدر رحمة الله عليه وفي اعتقادي يمكن في الدقة أن هناك ضابطين في كلمات السيد الشهيد لا ضابط واحد، وإن كان المشهور أنه ضابط واحد وهو العنصر المشترك في عملية الاستدلال، ولكن بعد ذلك كما السيد الخوئي عندما أشكلت عليه بعض الإشكالات أضاف قيداً جديداً هذا القيد بنفسه يمكن أن يكون ضابطاً مستقلاً، لعلنا نقف عنده.

هذه الضوابط جميعاً كما أشرت تقريباً وإن كان السيد الشهيد يحاول أن يتخلص عن هذا الإشكال، هذه الضوابط هي عموماً ضوابط بعد الوقوع، يعني أنه وجدوا أن هذه المسائل أحصيت في عنوان معين فأرادوا أن ينحتوا لها ضابطاً تكون جامعة لمثل هذه المسائل، واتضح فيما سبق أن ما أشرنا إليه من الضابط الأول هو صرح صاحب الضابط المرزا النائيني قال لا يشمل المسائل الكذائية والمسائل الكذائية وتخرج وكانت هناك محاولات للدفاع.

وكذلك الضابط الثاني أيضاً يتذكر الأعزاء ما ذكره السيد الخوئي قال: ما تكون بنفسها مفردة لا تحتاج إلى ضم أي مسألة أصولية أخرى إليها إذا انضم إليها صغراها من البحث الفقهي انتجت حكماً فقهياً. بمفردها تكون، يعني بعبارة أخرى هي بمفردها بلا أن تحتاج إلى مسألة اصولية أخرى. هذا الضابط إذا يتذكر الأعزاء قلنا بأنه ترد عليه عدة ملاحظات، أشرنا إلى الملاحظات الأولى والثانية والثالثة، وانتهينا إلى الملاحظة الرابعة وهي فيما يتعلق بالاستلزامات العقلية. فيما يتعلق بالاستلزامات العقلية أيضاً قلنا أن السيد الخوئي قدس الله نفسه أشار إلى ثلاث موارد منها، مسألة الضد، ومسألة اجتماع الأمر والنهي، ومسألة مقدمة الواجب.

نحن أما كلها أو بعضها سوف نقف عندها لنرى بأنه أساساً هل هذه مسائل، وأنتم تعرفون أن مسألة الضد إذا خرجت من علم الأصول وكذلك مسألة اجتماع الأمر والنهي خرجت عن علم الأصول ومسألة مقدمة الواجب أيضاً خرجت عن علم الأصول والمباحث اللفظية خرجت من علم الأصول ومباحث العام والخاص خرجت من علم الأصول فماذا يبقى من علم الأصول. ولذا تجد بأن السيد الخوئي قدس الله نفسه في (المحاضرات، ج1، ص14 وما بعدها) قال: شبهات ودفوع، باعتباره حاول أن يدافع عن أن الاستلزامات العقلية تدخل في علم الأصول خصوصاً هذه المسائل الثلاث التي أشرنا إليها وهي مسألة الضد واجتماع الأمر والنهي ومقدمة الواجب. ولذا قال: (الشبهة الأولى اجتماع الأمر والنهي، الشبهة الثانية توهم خروج مسألة الضد، الشبهة الثالثة دعوى أن اعتبار هذا الشرط يستلزم خروج مسألة مقدمة الواجب عن المسائل الأصولية) إذا خرجت هذه فهذا معناه أن نصف مسائل علم الأصول يخرج عن مسائل علم الأصول. ولا يوجد عند ذلك أبحاث أساسية في علم الأصول.

من هنا حاول السيد قدس الله نفسه أن يضيف قيداً إضافياً، وهو أنه قال نحن لا نشترط في المسألة الأصولية عندما نقول أنها بمفردها تنتج الأثر الشرعي والحكم الشرعي بلا حاجة انضمام مسألة أصولية إليها لا نشترط، هذا الشرط الأول، لا نشترط أن تكون على جميع تقاديرها منتجة للحكم الشرعي، بل لو كانت على بعض الفروض منتجة وعلى بعض الفروض غير منتجة أيضاً تبقى مسألة أصولية، وإن كان على فرض لا تنتج وعلى فرض تنتج. هذا البحث أنا أتصور تقدم في الدرس السابق، الآن درسنا اليوم.

في هذا اليوم إذا تتذكرون السيد الخوئي رحمة الله تعالى عليه قال … بحثنا الآن في المورد الأول وهو أن الأمر بشيء هل يقتضي النهي عن ضده أو لا يقتضي؟ تعلمون أنه يوجد في المسألة قولان واتجاهان:

الاتجاه الأول يقول أن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده.

والاتجاه الآخر وهو التحقيق أن الأمر بشيء لا يقتضي النهي عن ضده. وهذا ما سمي عنده بأنه يوجد اتجاهان اتجاه الاقتضاء واتجاه عدم الاقتضاء.

هنا السيد الخوئي أقر بأنه لو بنينا على الاقتضاء فإننا لا نستطيع أن نرتب أثراً شرعياً بمفرد هذه المسألة ولابد أن تضم إليها مسألة أصولية أخرى، وهذا ما قلناه فيما سبق، قلنا على الاقتضاء يعني عندما يقول الشارع لمن دخل المسجد أزل النجاسة هذا إذا قلنا أزل النجاسة تقتضي حرمة ضدها التي هي الصلاة، الضد الخاص، التي هي الصلاة، يعني الصلاة محرمة، ولكن هذه الحرمة أي حرمة هي؟ هي الحرمة النفسية للصلاة أو الحرمة الناشئة من ذلك الأمر يعني الحرمة الغيرية؟ من الواضح أنها ليست الحرمة النفسية وإنما هي حرمة غيرية. فهل أننا لكي نقول هذه الصلاة لو صلاها المكلف تكون باطلة هل نفس مسألة الاقتضاء كافية لإبطال الصلاة أو لابد من ضم مسألة أصولية أخرى لها. هنا السيد الخوئي أقر قال أنه نفس الاقتضاء التي هي المسألة الاصولية الأولى نفسها كافية لإبطال الصلاة أو غير كافية؟ قال: على الاقتضاء نفس الاقتضاء لا يكفي لأن نقول أن هذه الصلاة باطلة لابد أن تنضم إليها مسألة اصولية ثانية وهي أن النهي عن العبادة ولو كان نهياً غيرياً ناشئاً من الغير فهو مبطل للعبادة، وهذه مسألة غير مسألة الاقتضاء، مسألة أن الأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الصلاة مسألة وأن النهي عن الصلاة ولو كان نهياً غيرياً ناشئاً من الأمر بالإزالة مسألة ثانية. قال على فرض الاقتضاء فأنها مسألة اصولية أو ليست أصولية، الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده مسألة غير أصولية. أي ضابط هذا! أنه مسألة واحدة ولكن إذا فرضتها بشكل تكون أصولية وإذا فرضتها بشكل آخر لا تكون أصولية. هذا كله من ضيق الخناق.

ولذا قال: (وأما حرمة الضد فهي وإن ثبتت بثبوت الملازمة إلا أنها حرمة غيرية لا تقبل التنجيز كي تصلح لأن تكون نتيجة فقهية للمسألة الأصولية) لا تكفي (وأما فساد الضد فهو لا يترتب على ثبوت هذه الملازمة) وهي المسألة الأولى أن الأمر بشيء يلازم النهي عن هذه (بلا ضم كبرى أصولية لها وهي ثبوت الملازمة بين حرمة العبادة وفساد العبادة) إذن على الاقتضاء، على تقدير أن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده هذه ليست مسألة أصولية. لأنها كي تنتج نتيجة فقهية تتوقف على ضم مسألة أصولية أخرى إليها.

على التقدير الثاني ماذا؟ لأنه إذا ثبت على التقدير الثاني أنها تحتاج إلى ضم مسألة أصولية أخرى إليها فهذه المسألة لا تكون اصولية على جميع التقادير. قال: لا، على فرض عدم الاقتضاء فإنها تكون مسألة أصولية، كيف؟ يقول: إذا قلنا أن الأمر بشيء كالإزالة لا يقتضي النهي عن ضد ذلك الأمر كالصلاة، لا يقتضي، إذن الأمر بالصلاة موجود فيصلي والعبادة تكون صحيحة، ولا نحتاج إلى ضم مسألة أخرى، ولذا قال: (ويدفعها ما مر من الجواب أنه يكفي في كون المسألة أصولية ترتب نتيجة فقهية على أحد طرفيها وإن لم تترتب على طرفها الآخر على أحد التقديرين) ليست مسألة أصولية وعلى التقدير الآخر مسألة أصولية، (المفروض أنه يترتب على مسألتنا هذه أثر شرعي على القول بعدم الملازمة وهو صحة الضد العبادي وإن لم يترتب على القول الآخر) يعني على الفرض الآخر.

إذن تحصل إلى هنا كما أشرنا في البحث السابق أن السيد الخوئي لم يكتف أن تكون بمفردها منتجة، قال: (لا يشترط أن تكون بمفردها منتجة على جميع التقادير وإنما لو كانت منتجة على تقدير دون تقدير أيضاً تكون. بعبارة أخرى إذا لم تكن منتجة على جميع التقادير فهي ليست مسألة اصولية، ولا يشترط أن تكون منتجة على جميع التقادير. يعني السالبة الكلية يخرجها عن علم الأصول، يعني سواء كان التقدير الأول إذا فرضنا أن المسألة فيها أكثر من تقدير، على جميع التقادير إذا كانت محتاجة إلى ضم مسألة أصولية أخرى فهي ليست مسألة اصولية، ولا يشترط أن تكون في جميع فروضها مستغنية وإنما يكفي ولو في فرض واحد، يعني تكفي الموجبة الجزئية، وهذا الذي أشرنا إليه في البحث السابق وقلنا أن هذا قيد أضافي وشرط جديد في المسألة.

هذا ما ذكره السيد الخوئي في المحاضرات ج1، ص14 و 15.

السيد الخوئي يقول ولا تستغربوا هذا المعنى لأن كثير من مسائلنا الأصولية من هذا القبيل، أنها على فرض أصولية وعلى فرض أنها ليست أصولية، يقول: من قبيل مسألة حجية خبر الواحد، فأنه على القول بعدم الحجية لا يترتب عليها اثر شرعي أصلاً، إذن ليست مسألة أصولية. نعم، على القول بالحجية هي مسألة أصولية (ومنها حجية ظواهر الكتاب على القول بعدم حجيتها ليست أصولية …. فالنتيجة أن الملاك في كون المسألة أصولية وقوعها في طريق الاستنباط بنفسها ولو باعتبار أحد طرفيها في قبال ما ليس له هذا الشأن وهذه الخاصية) يعني السالبة الكلية.

سؤال: هذا الضابط تام أو لا، طبعاً فيما يرتبط بالملاحظة الرابعة وإلا الملاحظات الثلاثة المتقدمة كلها واردة على هذا الضابط، يعني هذه الشبهات حتى لو دفعناها فالملاحظات الثلاث المتقدمة باقية على حالها.

الجواب: اساساً أن نقبل أن المسألة بهذا الوجه أصولية وبهذا الوجه غير أصولية هذا بعيد عن الذهن، كيف يمكن أن مسألة باعتبار أصولية وباعتبار آخر ليست أصولية، في النتيجة هذه المسألة إما أصولية وإما غير أصولية، أما باعتبار أصولية، لا أقول أن هذا إشكال، بل أن هذا بعيد أنه على هذا القول تكون أصولية وعلى ذاك ليست أصولية، النتيجة تكون هكذا وهي بعيدة ومستغربة، وهي أنه المسألة الأصولية تابعة لأقوال الأصوليين، من يقول بالاقتضاء تكون ليست أصولية ومن يقول بعدم الاقتضاء تكون أصولية، هذا الضابط يقبله الذهن، أن المسائل الأصولية تكون تابعة لأقوال الأصوليين مع أننا نحن نعرف … هنا أريد أن أؤسس للإشكال وأجعله إشكالاً فنياً إن صح التعبير، أنها عندما نقول ضابط الضابط فيه نكات ثبوتية غير مرتبطة بأقوال ذاك العالم وذاك العالم، في النتيجة هذا المورد وهذا الموضوع أما من فلان علم أو ليس منه، أما أنه إن أمنت بكذا فهو منه وإن لم تؤمن بكذا فهو ليس منه، هذا معناه أن هذا الضابط واقعي تكويني ثبوتي أم تابع لأقول الأصوليين؟ تابع لأقوال الأصوليين. من يقول كذا أصولي من يقول كذا ليس باصولي، هذا ليس هو الإشكال الأصلي.

الإشكال الأصلي الذي يرد على هذا هو هذه النكتة، أن السيد الخوئي قبل على فرض عدم الاقتضاء نحتاج إلى ضم مسألة أصولية أخرى أو لا نحتاج، على فرض عدم الاقتضاء ينتج الأثر الشرعي والنتيجة الفقهية بلا حاجة إلى ضم مسألة أصولية أخرى إليها، لنرى على هذا الفرض الذي هو يصرح أنه مسألة أصولية، واقعاً تحتاج إلى مسألة أصولية أخرى أو غنية عنها؟

لكي يتضح هذا الإشكال الثاني أو الإشكال الأصلي هو أنه أساساً لابد أن نبين مقدمة، وهي: أن الفعل لكي يؤتى به على وجه عبادي لابد أن يكون فيه أمر كذلك، يعني أنت متى تستطيع أن تقول أنا أؤدي هذه الصلاة قربة على الله تعالى؟ إذا كان هناك أمر (يا أيها الذين أمنوا أقيموا الصلاة) أما إذا لم يكون كذلك أنت تستطيع أن تأتي بالعمل على … نعم أنت تستطيع أن تأتي بالعمل برجاء المطلوبية ذاك بحث آخر. أما أن تأتي بالعمل على وجه عبادي فهذا يتوقف على وجود أمر بذلك الفعل حتى يصح أن تأتي به على الوجه الذي أمرت به. هذا أولاً.

ثانياً: في بعض الأحيان فإن الأمر يسقط … فهل يصح الاتيان بالفعل على وجه عبادي أو لا يصح؟ هنا ذكر الأعلام بأنه إن أمكن احراز الملاك الذي نشأ منه ذلك الأمر أيضاً يمكن الاتيان بذلك الفعل على وجه عبادي لوجود ملاك الأمر وإن لم يكن الأمر موجوداً بسبب تحقق مانع منع منه، ولكنه بعبارة أخرى المقتضي موجود، إذا كان المانع أيضاً مفقوداً فالشارع يأمر بالأمر العبادي، أما إذا فرضنا أن المقتضي موجود ولكن المانع غير مفقود وغير مرتفع فهنا لا يستطيع الشارع أن يأمر، افترضوا أنه من باب أنه يلزم الدور أو التسلسل على مباني المشهور من الأصوليين، هنا لا يستطيع أن يأمر ولكن الملاك موجود أو غير موجود؟ نعم المقتضي تام ولكن المانع غير مرفوع ولذا لا يستطيع أن يوجه إليك أمر، وإن كان الملاك موجوداً.

إذن متى تستطيع أن تأتي بالفعل على وجه العبادة؟ إذا كان هناك أمر، أولاً، وثانياً إذا كان هناك ملاك وإن لم كن هناك أمر.

سؤال: وهو أنه نحن من أين نستطيع أن نستكشف وجود الملاك؟ الملاكات الواقعية ليست بأيدينا، إذن من أين نستكشف وجود ملاك أو عدم وجود ملاك؟ نستكشف ذلك من خلال الأمر، فإذا سقط الأمر ما هو الطريق لاستكشاف الملاك؟ سقوط الأمر يكون على نحوين:

تارة يكون سقوط الأمر على نحو السالبة بانتفاء الموضوع، يعني أن المولى لم يأمر لعدم وجود الملاك، فإذن عندما يسقط الملاك لا يوجد الملاك، عند ذلك يمكن الاتيان بالفعل بالملاك أو لا يمكن؟ لا يمكن لأنه بسقوط الأمر لا يسقط الأمر فقط بل الملاك أيضاً غير موجود. وأخرى سقوط الأمر لا يكشف عن عدم وجود الملاك، وإنما فقط يدل على وجود مانع لا على عدم وجود المقتضي وهو الملاك. هذا نعبر عنه بالسالبة بانتفاء المحمول. لا سالبة بانتفاء الموضوع. إذن في هذا الفرض، مرة الأمر موجود فلا ربط لنا به. إذا كان الأمر مفقود، سقوط الأمر وعدم وجود الأمر تارة يكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع وأخرى يكون من باب السالبة بانتفاء المحمول، فإذا كان من باب السالبة بانتفاء الموضوع فلا يمكن الاتيان بالملاك، أما إذا كان من النحو الثاني يعني السالبة بانتفاء المحمول فيمكن الاتيان بالعمل بالملاك وإن كان هناك أمر بالضد.

الآن نأتي إلى محل الكلام، لا إشكال ولا شبهة إذا قال المولى للعبد أزل النجاسة، إذن يوجد أمر بالإزالة، هي يعقل أن يوجد أمر بالصلاة أيضاً في عرض هذا الامر الأول أو لا يعقل؟ الجواب: محال، لأنه أمر بالمحال، لأنه غير قادر هذا المكلف أن يأتي بالإزالة والصلاة.

إذن هو أنه إذا أمر بالإزالة لا إشكال أنه يمكن أن يأمر بالصلاة في عرضه أو لا يمكن؟ لا يمكن، لأنه أمر بغير المقدور. إذن من وجود الأمر بالإزالة يوجد أمر بالصلاة أو لا يوجد أمر بالصلاة؟ محال أن يوجد أمر بالصلاة. وإذا لم يكن هناك أمر بالصلاة سيدنا كيف تقول أنه إذا صلى صلاته تكون صلاته صحيحة. السيد الخوئي ماذا قال؟ قال بناء على عدم الاقتضاء فلو أتى بالصلاة فالعبادة صحيحة فتنتج أثر شرعي من غير ضم مسألة أصولية أخرى إليها. سؤال: مع سقوط الأمر بالصلاة من أين يوجد أمر حتى إذا صلى تكون صلاته صحيحة، هذا الأمر الثاني من أين جئت به، هذا الأمر بالصلاة غير موجود. هنا يستطيع أن يرجع ويقول لنا السيد الخوئي، دفاعاً عن السيد الخوئي قدس الله نفسه لا يوجد أمر بالصلاة ولكنه عدم وجود الأمر لوجود مانع وهو الأمر بالإزالة وإلا فملاك الصلاة موجودة فالملاك يصحح العبادة.

لأننا قلنا في المقدمة بأنه لكي تصح العبادة أما أن تكون بالامر وأما أن تكون بالملاك، هنا السيد الخوئي من حقه أن يقول صحيح أنه لا يوجد أمر بالصلاة ولكنه يوجد ملاك الأمر بالصلاة وهو غير ساقط، إذن تصح العبادة إذن بناء على عدم الاقتضاء نستطيع تصحيح العبادة بلا ضم مسألة اصولية أخرى إليها. فإن قلت … قلنا: سيدنا الجليل مع سقوط الأمر أنت من أين قلت أن هذا السقوط هو من باب السالبة بانتفاء المحمول لا من باب السالبة بانتفاء الموضوع. لأن السقوط لازم أعم وليس لازماً مساوي، يعني عندما قلنا هنا لا أمر نحن قلنا في المقدمة لا أمر، ما معنى لا أمر، إما لا أمر لعدم وجود المقتضي وإما لا أمر لوجود المقتضي وعدم ارتفاع المانع، من أين قلت لا أمر هنا من باب الثاني لا من باب الأول. إذا استطعت أن تحرز لنا أن سقوط الأمر هنا من باب السالبة بانتفاء المحمول يمكن تصحيح العبادة بالملاك، أما إذا لم يمكن أن تحرز والكلام مردد، لعله عندما أمرك في هذا الآن بالصلاة، يعني هذه الخمس دقائق لإزالة النجاسة، هذه الخمس دقائق اساساً يوجد ملاك لوجوب الصلاة أو لا يوجد ملاك؟ لا يوجد ملاك. لا أنه يوجد ملاك ولكنه يمنع عنه الأمر بإزالة النجاسة.

إذن على هذا الاساس حتى بناء على عدم الاقتضاء فإن العبادة يمكن تصحيحها بنفسها من غير ضم مسألة أصولية أخرى إليها أو لا يمكن؟ لا يمكن. إذن كيف يمكن تصحيحها؟ يمكن تصحيحها بناء على الترتب وهو أنه إذا لم تفعل هذا فيتوجه إليك أمر ولكن أمر ترتبي إذا عصيت الأهم يجب عليك المهم، ومن الواضح أن مسألة الترتب هي غير مسألة الضد في الأصول، مسألة الترتب شيء ومسألة الضد شيء آخر، إذن لكي تصحح العبادة بناء على عدم الاقتضاء نحتاج إلى مسألة أصولية ثانية، ما هي تلك المسألة الأصولية الثانية؟ هي مسألة الترتب، فإن تم الترتب صحت العبادة وإن لم يتم الترتب لا تصح العبادة، إذن هذه المسألة مسألة الضد على كلا فرضيها لا تنتج أو على فرض دون فرض تنتج، اتضح أنها على كلا الفرضين لا تنتج ما لم تنضم إليها مسألة أصولية ثانية. وأنت قلت بأنه إذا كان بنحو السالبة الكلية فهي ليست مسألة اصولية، وهنا اثبتنا لكم على الفرض الأول أنت قبلت أنها ليست مسألة أصولية وعلى الفرض الثاني أتضح أنه ما لم تنضم إليها مسألة الترتب فلا تنتج، إذن على كلا فرضي المسألة فالمسألة لا تكون على كلا الفرضين تحتاج إلى انضمام مسألة اصولية أخرى إليها لتنتج أثراً فقهياً وأثراً شرعياً. إذن هذا النقض الذي اشرت إليه في مسألة الضد وارد والدفع غير وارد. هذا هو المورد الأول.

المورد الثاني، هذه الأبحاث وإن كانت مرتبطة بأبحاث ليست ذات أهمية ولكن هي بنفسها فيها استذكار للمباني الأصولية مسألة الضد، مسألة اجتماع الأمر والنهي، مسألة مقدمة الواجب، ومسألة المباني وكيف تترابط فيما بينها.

هذه الملاحظة الأساسية، الكثير من المشاكل في حوزاتنا العلمية أن الطالب يبقى سنين طويلة في الفقه والأصول ولا تحصل عنده الملكة أنه هذا الارتباط بين المسائل لا يحصل عنده ولا يتعرف عليها، يعني يقرأ كم هائل من المسائل ولكن لا يستطيع أن يربط بين هذه ولا يستطيع أن يضع كل مسألة في موضعها المناسب، ملكة الاجتهاد ليست مجموعة المسائل التي تحفظها وتعرفها وتحققها، الاجتهاد هو الملكة في ربط هذه المسائل بعضها مع بعض.

الإنسان قد تقول له ألف مسألة رياضية واحدة واحدة قد يجيب عليها ولكنه عندما تقول له أربط لي بين هذه المسائل لا يستطيع أن يربط بينها. مسائل الأصول كذلك قد المسائل في نفسها يعرفها جيداً ولكن عندما تقول له هذه المسألة إذا صارت قضية ما في قضية ما عندما تتداخل المسائل ماذا يكون الجواب؟ لا يستطيع أن يجيب. وبتعبير السيد الشهيد كان يقول المجتهد عندي ليس الذي يعرف المسائل بل المجتهد عندي من يستطيع الدفاع عندما يشكل عليه. متى يستطيع الإنسان الدفاع، عندما هذه المنظومة كاملة تكون حاضرة، هذه ملكة الاجتهاد. وهذه لا تنمى مع الأسف في حوزاتنا العلمية، فقط يعطى للطالب كم هائل من المسائل، أما ربط هذه المسائل فهذه غائبة.

هذه المسائل وإن كنا قلنا في المقدمات لا نحتاج لها كثيراً، ولكن هي بنفسها تبين ارتباط المسائل بينها وبين البعض.

المورد الثاني مسألة اجتماع الأمر والنهي، من المسائل الواسعة النطاق والتأثير وآثارها الفقهية كبيرة جداً وهو أنه لو اجتمع في مورد واحد أمر ونهي في فعل واحد، أمر ونهي في فعل واحد. الآن في أرض مغصوبة منهي عن البقاء فيها، لابد أن يخرج عن الأرض المغصوبة، إذن يستطيع في الأرض المغصوبة أن يستقر أو لا يستطيع أن يستقر؟ لا يستطيع، ولكنه في نفس الآن يقول له المولى صلي، في الصلاة نحتاج استقرار، في الصلاة نحتاج إلى استقرار وفي التخلص من الغصب نحتاج إلى حركة، ومحال أن الإنسان يكون مستقراً ومتحركاً في نفس الوقت. فيؤمر بالصلاة وينهى عن الغصب في الأرض المغصوبة، فهنا لو صلى هذا الإنسان صلاته صحيحة أو باطلة؟ وهل تعلمون أن خصوصاً في مسألة النسيان وفي مسألة وجود المندوح وعشرات المسائل الفقهية المترتبة لا فقط في باب الصلاة والغصب بل في عشرات المسائل الأخرى قد يجتمع عنوانان ولكن المعنون والوجود الخارجي لهما متعدد أو واحد؟ الفعل لهما فعل واحد لا فعلان. وهنا طرحت هذه المسألة بين الأعلام وهي مسألة عقلية بحسب مبانيهم بالمعنى العقلي الذي يقولونه، وهو أنه هل يجوز اجتماع الأمر والنهي أو يمتنع اجتماع الأمر والنهي؟

يوجد قولان واتجاهان:

القول الأول: يقول يمتنع اجتماع الأمر والنهي، يعني لا يعقل في فعل واحد يوجد أمر به ونهي.

وهنا يأتي هذا التساؤل إذن يوجد بهذا الفعل الواحد وهو الاستقرار يوجد فيه نهي (لا تغصب) ويوجد فيه أمر (صل) وهما لا يجتمعان، أيهما يتقدم؟ يقع التعارض بين الدليل الدال على الوجوب والدليل الدال على الحرمة، أيهما نقدم؟ نرجع إلى قواعد باب التعارض، إما نقدم دليل الحرمة وإما أن نقدم دليل الوجوب، واحدة منها. إذن في مسألة اجتماع الأمر والنهي بناء على الامتناع تنتج نتيجة فقهية مباشرة أو تحتاج إلى باب التعارض حتى تنتج النتيجة الفقهية؟ تحتاج إلى باب التعارض حتى تنتج النتيجة، أما تقدم الحرمة وأما تقدم الوجوب، ولذا السيد الخوئي قدس الله نفسه يقول: (توهم أن مسألة اجتماع الأمر والنهي بناء على اعتبار الشرط الثاني) وهو أن لا تحتاج إلى مسألة اصولية أخرى (تخرج عن مسائل هذا العلم إذ على القول باستحالة الاجتماع وعدم إمكان الاجتماع لا يترتب على هذه المسألة اثر شرعي بمفردها وإنما تحتاج في ترتب الأثر الشرعي على المسألة إلى ضم مسألة أخرى وهي إجراء قوانين باب التعارض) إذن بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي هذه مسألة اصولية أو ليست مسألة أصولية؟ليست مسألة اصولية، لأنها بمفردها لا تنتج الأثر الشرعي. متى تنتج الاثر الشرعي؟ إذا ضممنا إليها مسألة أو قواعد باب التعارض.

سيدنا إذن خرجت المسألة؟ يقول: لا، بناء على جواز الاجتماع تبقى مسألة أصولية، ولذا يقول: (ويدفعها أنه يكفي في كون المسألة اصولية وقوعها في طريق الاستنباط في مقام العمل بأحد طرفيها وإن لم تكن كذلك بطرفها الآخر للزوم خروج … وعلى هذا الأساس والمفروض أن هذه المسألة كذلك فإنه يترتب عليها أثر شرعي على القول بالجواز وهو صحة العبادة) يعني لو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي المكلف لو عصى النهي وصلى، صلاته صحيحة، ولا نحتاج إلى ضم مسألة أصولية أخرى وإن لم يترتب على القول بالامتناع.

سؤال: هل هذا الكلام تام أو غير تام؟

الجواب: على فرض الامتناع أنت سلمت أنها غير أصولية، وعلى فرض الجواز أيضاً تحتاج إلى مسألة اصولية أخرى، ما هي؟ سؤال: الآن عندما هنا يوجد أمر ويوجد نهي، تستطيع أنت تمتثلهما معاً أو لا تستطيع؟ لا تستطيع، يقع بينهما التزاحم، وهو أنه أنت لا تستطيع أن تمتثل، لأن باب التزاحم ليس مرتبطاً بالأدلة، بل مرتبط بالمكلف وبقدرة المكلف، أنت لا تستطيع أن تمتثل الأمر وتمتثل النهي، يجتمعان من حيث الدليل لا مشكلة، من حيث الدليل يجوز اجتماع الأمر والنهي، يجوز الاجتماع، ولكن أنت لا تستطيع أن تمتثلهما معاً، إذن يقع تزاحم بين امتثال الأمر وامتثال النهي.

سؤال: أيهما يقدم؟ تقدم الأمر فتصلي أو تقدم النهي فلا تصلي، أي منهما؟

هنا لابد أن نرجع إلى قواعد باب التزاحم، فأما أن نقدم الأمر وأما أن نقدم النهي، وأما إذا لم تكن لأحدهما أهمية على الآخر نخير المكلف بينهما. إذن بناء على الاجتماع وبناء على جواز الاجتماع، بناء على الاجتماع نحتاج إلى مسألة قواعد باب التزاحم، بل نحتاج إلى قواعد باب الترتب، يعني مسألة الترتب ايضاً، كيف؟ افترضوا أنه هو في باب التزاحم ثبت أن الأمر أهم من النهي أو ثبت أن النهي أهم من الأمر، المفروض ماذا يفعل إذا ثبت أن الأمر من النهي؟ لابد أن يصلي، أو العكس إذا ثبت أن النهي أهم من الأمر لابد أن يخرج. الآن لو عصى، كانت الصلاة أهم ولكن عصى وخرج، كان النهي أهم ولكن عصى وصلى، صلاته صحيحة أو باطلة؟

الجواب: إن بنينا على الترتب فالصلاة صحيحة، وإن لم نبني على الترتب فالصلاة باطلة.

إذن في النتيجة بناء على الجواز أيضاً نحتاج إما إلى إعمال قواعد باب التزاحم أو مسألة الترتب. إذن هذه المسألة على كلا فرضيها أيضاً محتاجة إلى الغير، تتمة الكلام تأتي.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات