أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
كان الكلام في الشبهات التي أوردها السيد الخوئي قدس الله نفسه على الضابط الذي ذكره للمسألة الأصولية، قلنا هذه الشبهات تجتمع في مورد واحد وتحت عنوان واحد وهو ما يتعلق بالاستلزامات العقلية، وبينا أن السيد+ ذكر في هذا المورد تحت هذا العنوان مسائل ثلاث، وهي: مسألة الضد، مسألة اجتماع الأمر والنهي، ومسألة مقدمة الواجب.
فيما يتعلق بالمورد الأول والمورد الثاني أشرنا إليهما فيما سبق وبينا ما أجاب به السيد الخوئي قدس الله نفسه عنهما وما أورد على جوابه قدس سره، اتضح من الأجوبة التي ذكرت بالأمس أنه لا، أن جواب السيد الخوئي عن الشبهتين غير تام. هذا المعنى بشكل واضح وصريح أشار إليه السيد الشهيد الصدر رحمة الله تعالى عليه، طبعاً السيد الشهيد الصدر لم يتعرض إلا للشبهة الأولى وهي مسألة الضد، أما مسألة اجتماع الأمر والنهي ومسألة مقدمة الواجب فلم يشر إليهما، ولكنه بعض تلامذته كالشيخ الفياض حفظه الله أشار إلى النقضين الآخرين.
السيد الشهيد في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص29) قال: (إن القول بعدم الاقتضاء) الذي على اساسه قال السيد الخوئي بناء على عدم الاقتضاء فإن المسألة تنتج حكماً فقهياً من غير انضمام مسألة أصولية أخرى كما بينا (لا يكفي للحكم بصحة العبادة في الضد ما لم تضم إليه أيضاً قاعدة أصولية أخرى هي ثبوت الأمر الترتبي) هذا المعنى الأعزاء يراجعونه (المباحث الأصولية، ج1، ص43) للشيخ الفياض، بين هذه القضية وقال: (وبالتالي والمفروض أن صحة العبادة متوقفة على إحراز أحد أمرين إما ثبوت الأمر بالعبادة أو إحراز الملاك فيها وكلا الأمرين) يعني ثبوت الأمر وثبوت الملاك أو إحراز الملاك غير محرز في المقام (أما الأول) يعني الأمر (فلاستحالة الامر بالضدين، وأما الثاني فلا طريق لنا إلى إحرازه فلذلك لا يمكن الحكم بصحة العبادة إلا على أساس القول بالأمر الترتبي) هذا ما ذكره.
إلا أنه قد يقال دفاعاً عن السيد الخوئي+ بأنه نحن يمكننا أن نصحح العبادة ونحرز الملاك، بأي طريق؟ بهذا الطريق، وهو أنه لا إشكال ولا شبهة إذا وجد هناك أمر هذا الأمر له مدلول مطابقي وله مدلول التزامي، أما مدلوله المطابقي وهو الأمر بذلك الشيء وأنه يبعثك نحو الاتيان بذلك الفعل خارجاً. وأما مدلوله المطابقي فهو وجود ملاك وراء هذا الامر بناء على مسالك العدلية أو مسلك العدلية فأن الأوامر والنواهي تابعة للملاكات الواقعية للمصالح والمفاسد، إذن كل أمر أو نهي، الآن محلها في العبادة، كل أمر فيه مدلول مطابقي وفيه مدلول التزامي. وأن المدلول الالتزامي متفرع وجوداً على المدلول المطابقي، يعني أن المدلول الالتزامي يقع في طول المدلول المطابقي، أولاً يثبت المدلول المطابقي فيثبت عندنا المدلول الالتزامي، هذا مما لا إشكال فيه أن المدلول الالتزامي تابع وجوداً للمدلول المطابقي، إنما الكلام كل الكلام أنه هل أن المدلول الالتزامي تابع في الحجية للمدلول المطابقي أو فقط تابع له وجوداً لا حجية.
هذه قضية أساسية ولها آثار كثيرة لأنه نحن إذا قلنا هذه القضية وهي أن المدلول الالتزامي تابع للمدلول المطابقي وجوداً وحجية فكلما سقط المدلول المطابقي سقط المدلول الالتزامي ولا طريق لنا لإثبات المدلول الالتزامي، أما إذا قلنا أن المدلول الالتزامي تابع للمدلول المطابقي وجوداً، يعني إذا لم يكن هناك مدلول مطابقي فلا يوجد عندك مدلول التزامي، ولكن إذا سقطت حجية المدلول المطابقي فلا يستلزم سقوط حجية المدلول الالتزامي، هل يعقل هذا؟ المرزا النائيني يقول نعم يعقل، ولا محذور في ذلك، المرزا النائيني في فوائد الأصول بشكل تفصيلي يقول نعم يعقل هذا ولا محذور فيه، كيف يعقل؟ يقول: لأن المدلول المطابقي عندما وجد يتفرع عليه مدلول التزامي، فإذا وجد المدلول الالتزامي متفرعاً على المدلول المطابقي كل منهما بنحو الاستقلال يكون فرداً من دليل الحجية، المدلول المطابقي حجة والمدلول الالتزامي حجة، ولكن لا بنحو التفرع بل بنحو الاستقلال، هذا مدلول وهو حجة، هذا ظهور وهو حجة، لأن المدلول الالتزامي أيضاً ظهور ولكن ظهور متفرع وجوداً على المدلول المطابقي، هذا حجة وهذا حجة، فإذا قام عندك دليل على بطلان إحدى الحجتين، لماذا تبطل الحجة الثانية.
أضرب لكم مثالاً: لو افترضنا أن صدق الخبر (أ) يستلزم صدق الخبر (ب) فإذا كان هذا الخبر (أ) صادق فالخبر (ب) يكون صادق، إذن من حيث الوجود الخبر (ب) متفرع على صدق الخبر (أ) وإذا كان هذا الخبر صادق فسوف يكون بناء على حجية خبر الثقة هذا الخبر (أ) حجة والخبر (ب) حجة، فهل حجية الخبر (ب) متفرع على حجية الخبر (أ)؟ الجواب: كلا، لأنه بعد أن وجد هذا صار موضوعاً للحجية وهذا صار موضوعاً للحجية، فلو سقطت حجية الخبر (أ) فلا يستلزم سقوط حجية الخبر (ب) كذلك في المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي، هذا المبنى المرزا+ ذكره في (فوائد الأصول، ج4، ص755) مؤسسة النشر الإسلامي، هناك يقول: (وتوهم أن الدلالة الالتزامية فرع الدلالة المطابقية وبعد سقوط المتعارضين في المدلول المطابقي لا مجال لبقاء الدلالة الالتزامية لهما في نفي الثالث فاسد، فإن الدلالة الالتزامي إنما تكون فرع الدلالة المطابقية في الوجود لا في الحجية) في الوجود أحدهما متأخر عن الآخر يعني المطابقية أصل والالتزامية فرع، أما في الحجية فأحدهما مستقل عن الآخر، فإذا سقطت حجية المدلول المطابقي لمانع هل تسقط حجية المدلول الالتزامي أو لا تسقط؟ لا تسقط، لا ملازمة بينهما لأنه ليس متفرعاً عليه وإنما هو موضوع مستقل لدليل حجية الظهورات.
بناء على هذا قد يقال في المقام دفاعاً عن السيد الخوئي: بأنه نحن نلتزم بأن الأمر بالإزالة، المولى عندما دخلت إلى المسجد قال لي أزل النجاسة لا يمكن أن يقول لي صلٍ فالامر بالصلاة يكون قبل الدخول في المسجد كان يوجد عندي أمر بالصلاة وذلك الأمر فيه مدلول مطابقي وهو صل وفي مدلول التزامي وهو وجود الملاك، ولكن بعد أن جاء أزل النجاسة هذا الامر بالصلاة غير موجود، فيسقط المدلول المطابقي عن الحجية، وقد قلنا على مبنى المرزا لا يسقط المدلول الالتزامي عن الحجية، يعني الملاك باق على حاله، فمع وجود الملاك فلو صلى فصلاته صحيحة. هذا أقصى ما يمكن أن يقال في الدفاع عن السيد الخوئي أنه يمكن تصحيح العبادة بلا حاجة إلى انضمام مسألة الأمر الترتبي. لأنه إشكال الأعلام تلامذته الأعزاء الأجلاء قالوا أنه لا يمكن تصحيح العبادة يعني تصحيح الصلاة إلا من خلال الأمر الترتبي، هذا البيان يقول: لا، يمكننا أن نصحح الصلاة وإن لم يزل النجاسة لا بالامر الترتبي بل بأي بيان؟ بهذا البيان وهو أن المدلول المطابقي وهو الأمر وإن سقط عن الحجية إلا أن المدلول الالتزامي وهو الملاك ساقط عن الحجية أو غير ساقط؟ إذن فما ذكره تلامذته من أنه لا طريق لنا لإحراز الملاك، قال: (وأما الثاني) يعني الملاك (فلا طريق لنا إلى إحرازه) لا، بناء على هذا المبنى يوجد عندنا طريق لإحراز الملاك.
هذا الدفاع تام أو غير تام؟
الكلام هنا أولاً أن هذا دفاع لا يرتضيه صاحب الدفاع ومن نريد الدفاع عنه، لأن السيد الخوئي يعتقد أن المدلول الالتزامي كما هو متفرع وجوداً على المدلول المطابقي متفرع عليه حجية، يعني كما تسقط إذا سقط المطابقي حجية يسقط المدلول الالتزامي حجية، ما معنى سقوط حجيته؟ يعني لا يوجد عندنا طريق لإحراز الملاك.
نعم، على مبنى المرزا لو كان أحد يؤمن بمباني المرزا التي قرأناها الآن قد يقال بأنه لا، نصحح العبادة من غير حاجة إلى ضم مسألة الأمر الترتبي فتكون بمفردها منتجة للحكم الشرعي من غير انضمام مسألة أصولية أخرى إليها. ولكن على مبنى السيد الخوئي فالأمر ليس كذلك.
في (مصباح الأصول، ج3، ص368) مطبعة النجف سنة 1377هـ وهو طبعة قديمة، في مباحث التعادل والتراجيح، في نفي الحاكم الثالث بالمتعارضين، قال: (الوجه الثاني ما ذكره المحقق النائيني ومحصله كذا … وفيه ما ذكرناه غير مرة من أن اللازم) يعني المدلول الالتزامي (تابع للملزوم في الحجية أيضاً كما أنه تابع له بحسب مقام الثبوت والإثبات) يعني كما أن اللازم تابع للملزوم وجوداً تابع له حجية، فإذا كان تابع له حجية، عند ذلك مع سقوط المدلول المطابقي وهو الأمر لأنه لا يمكن الأمر بالإزالة وبالصلاة إذن فلا يبقى لنا طريق لإحراز الملاك، لأنه يسقط عندك المدلول … يسقط عندك … يعني هناك لا يوجد أي طريق للإحراز، بعض الأعزاء في البحث أو فيما بعد الدرس قالوا بالاستصحاب، أخواني الأعزاء لا مجال للاستصحاب لأنه مع تبدل الموضوع، لأنه ما قبل الإزالة كان موضوع وما بعد الإزالة موضوع آخر، هذا من قبيل جنابكم الآن أنت كنت حاضراً ووجبت عليك الصلاة، الآن ذهبت وتبدل الموضوع وصرت مسافراً وتشك أن الصلاة في الحضور واجبة عليك أو لا، فلا يمكن الاستصحاب، لأن العنوان تبدل، كان عنواني حضور والآن عنواني السفر، أو عنوان المختار … في باب الاختيار والاضطرار، لا يجوز أكل الميتة في حال الاختيار، الآن أنا بعد الاضطرار أشك أنه يجوز أو لا يجوز، ماذا أفعل؟ يجوز أن استصحب أنه لا يجوز؟ لا، لأن ذاك موضوعه المختار وهذا موضوعه الاضطرار وأحدهما غير الآخر، وفي المقام أيضاً كذلك، فيما قبل الإزالة أنت موضوع وفيما بعد الإزالة أنت موضوع آخر، فلا مجال للاستصحاب أصلاً. نعم، الطريق للتصحيح يمر من خلال إبقاء الملاك بهذا البيان.
إذن أولاً: هذا دفاع بما لا يرتضيه صاحبه. السيد الخوئي لا يوافق على مثل هذا الدفاع، يقول أن لا أوافق على أن المدلول المطابقي إذا سقط عن الحجية يبقى المدلول الالتزامي على الحجية. هذا أولاً.
وثانياً: لو تنزلنا وقلنا أن السيد الخوئي التزم بذلك، يعني صار مبناه مبنى شيخه الأستاذ المرزا النائيني، قال بأنه لا تلازم في الحجية بين المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي، بل التلازم فقط في الوجود لا في الحجية، هل يمكن الدفاع عن السيد الخوئي، وهل يمكن تصحيح العبادة بنفس مبنى عدم الاقتضاء أو لا يمكن؟ الجواب: أيضاً لا يمكن، لماذا؟ لأنه لابد أن نضم، لا مسألة الأمر الترتبي، لابد أن نضم هذه المسألة وهي أن المدلول الالتزامي غير تابع للمدلول المطابقي. إذن في النتيجة لكي تصح العبادة كل ما فعله المدافع نقلنا من مسألة الأمر الترتبي إلى مسألة عدم تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية، ليس إلا. والسيد الخوئي ضابطه الذي ذكره هو أن تكون المسألة الأصولية بنفسها منتجة للحكم الشرعي، وهنا بناء على عدم الاقتضاء بنفسها لا تنتج صحة العبادة إلا إذا ضم إليها. تلامذته قالوا إلا إذا ضم إليه الأمر الترتبي. في هذا الدفاع ضم إليه عدم تبعية الدلالة الالتزامية في الحجية للدلالة المطابقية، وفي النتيجة لا فرق، إذن بنفسها مسألة عدم الاقتضاء لا تنتج صحة العبادة وصحة الصلاة.
إذن هذا الدفاع أيضاً لا يكون نافعاً. هذا فيما يتعلق بالمورد الأول.
أما المورد الثاني الذي أشرنا إليه بالأمس، هذا الإشكال وهو أنه إما على فرض يلزم التعارض يعني على الامتناع يلزم التعارض وعلى عدم الامتناع والجواز في مورد جواز اجتماع الأمر والنهي يلزم الاحتياج إلى قواعد باب التزاحم، هذا الإشكال وإن جاء في كلمات تلامذة السيد الخوئي واشكلوا به على سيدهم الأستاذ السيد الخوئي، ولكن أصل هذا الإشكال من المرزا +، المرزا عندما يأتي إلى مسألة اجتماع الأمر والنهي يقول ليست مسألة أصولية، لماذا؟ يقول: لأنه بناء على الامتناع نحتاج إلى باب التعارض وبناء على الجواز نحتاج إلى قواعد باب التزاحم، إذن هي ليست بنفسها كبرى في عملية الاستنباط وإنما تحتاج إلى ماذا … طبعاً هذا الكلام إذا تتذكرون المرزا فيما سبق قال لا محذور في أن تقع المسألة الأصولية صغرى أيضاً، هنا لا يلتزم بذلك أيضاً مرة أخرى، يصرح بأنه لا، لابد أن تقع هي كبرى في عملية القياس الأخير، وحيث أنها لا تقع في عملية … تحتاج إما إلى قواعد باب التعارض أو إلى قواعد باب التزاحم إذن ليست هي مسألة أصولية.
هذا المعنى ورد في (فوائد الأصول، ج2، ص398-400) مؤسسة النشر الإسلامي، قال: (أما المقدمات فمنها الظاهر كون المسألة) يعني مسألة اجتماع الأمر والنهي (من المبادئ التصديقية لا من المسائل الأصولية ولا من مسائل علم الكلام ولا من المسائل الفقهية) ثم يدخل في بحث تفصيلي في صفحتين على طريقة الكاظمي، فيقول في (ص400): (فالإنصاف أن البحث في المسألة أشبه بالبحث عن المبادئ التصديقية) لماذا؟ (لرجوع البحث فيه إلى البحث عما يقتضي وجود الموضوع لمسألة التعارض والتزاحم) يقول بحث اجتماع الأمر والنهي إما يحقق الصغرى للتعارض في باب التعارض وأما يحقق الصغرى للتزاحم في باب التزاحم. شيخنا أنت صرحت في نفس هذا الجزء قلت لا يشترط أن يكون كبرى قد يقع صغرى لكبرى، هنا يقول لا، لابد أن يكون كبرى في عملية الاستدلال، هنا لا يقع كبرى، هذا المعنى في (فوائد الأصول، ص19) قال: (وتكون كبراه مسألة أخرى من مسائل … إلا أنه مع وقوعها صغرى لقياس الاستنباط تقع في مورد أخر كبرى للقياس … وعلى هذا الأساس فهي ليس بحثاً عن المسألة الأصولية).
هذا البحث أيضاً بشكل واضح وتفصيلي أشار إليه في (أجود التقريرات، ج2، ص128) تحقيق ونشر صاحب الأمر، والعبارة فيه أكثر دقة مما ورد في فوائد الأصول، قال: (وأما كونها أصولية فاعتبار أن نتيجة البحث فيها تقع في طريق الاستنباط فأنه إذا أتى بالمجمع) يعني الذي فيه أمر ونهي (ترتبت على جواز الاجتماع وعدم سقوط شيء من الحكمين صحة العبادة كما أنه يترتب على القول بامتناعه ولزوم سقوط أحدهما فساد العبادة … ولكن التحقيق أن المسألة من المبادئ التصديقية). هنا السيد الخوئي عنده حاشية، يقول: (بل التحقيق أن هذه المسألة من المسائل الأصولية) لماذا؟ يقول: (لأن ترتب صحة العبادة على القول بالجواز كافٍ في كون المسألة أصولية ويكفي أن تكون في الجملة تترتب عليها الآثار لا على جميع التقادير) نفس الكلام الذي أشرنا إليه في المحاضرات.
هذا المورد الثاني الإشكال وارد على السيد الخوئي ولا يمكن الدفاع عنه وفي النتيجة إما يحتاج إلى باب التعارض على الامتناع أو يحتاج إلى قواعد باب التزاحم على الجواز.
المورد الثالث: لن نقف عنده طويلاً، وأبين لماذا لا نقف عنده طويلاً، هو أنه هذه المسألة مرتبطة بمقدمة الواجب، أساساً هناك بحث أن البحث في مقدمة الواجب هل هي مسألة فقهية أو أنها مسألة أصولية أو أنها مسألة كلامية، بحث إن شاء الله إذا وصلنا إلى أبحاث مقدمة الواجب سنعرض له على مباني القوم أنها في النتيجة مسألة أصولية أو ليست أصولية، ولكن ما يهمنا في محل الكلام بناء على الضابط الذي ذكره السيد الخوئي وهو أن المسألة الأصولية هي تلك المسألة التي تكون بمفردها منتجة لحكم فقهي كلي، بمفردها من غير انضمام مسألة أصولية أخرى. وهنا يشكل عليه ويقال له: سيدنا بناء على الملازمة يعني وجوب شيء يستلزم وجوب مقدمته، بناء على هذه الملازمة هذا الوجوب الثابت للمقدمة، بغض النظر عقلي أو شرعي أو غيره، أن هذا الوجوب الثابت للمقدمة هل هو وجوب نفسي أو وجوب غيري، لا إشكال ولا شبهة أنه وجوب غيري وليس وجوباً نفسياً، وإذا صار وجوباً نفسياً على الاتيان به أو تركه يترتب الثواب والعقاب أو لا يترتب نفسه؟ لا يذهب ذهنك إلى الوضوء، الوضوء فيه أدلة تدل على استحبابه النفسي، والثواب ليس باعتبار وجوبه المقدمي بل باعتبار استحبابه النفسي، ذاك بحث آخر. أنا أتكلم بشكل عام.
قاعدة تقول أن الواجبات الغيرية لا على فعلها ثواب لنفسها ولا على تركها عقاب لنفسها. وإذا لم يكن للمقدمة لا ثواب ولا عقاب، الفقيه عندما يريد أن يبحث يريد أن يصل إلى أمر فيه ثواب وعقاب، إذن يكون خارجاً عن غرض الفقيه.
لو لم تضم إليه شيء آخر فمقدمة الواجب لا تكون مسألة أصولية، ولذا السيد الخوئي في (المحاضرات، ج1، ص15) قال: (أما وجوب المقدمة فهو وإن ترتب على ثبوت هذه الملازمة إلا أنه حيث كان غيرياً) هذا الوجوب غيري (لا يصلح أن يكون أثراً للمسألة الأصولية، بل وجوده وعدمه سيان من هذه الجهة وأما غيره مما هو قابل لذالك فلم يكن حتى يترتب عليه) إذن لا يوجد أثر على نفس وجوب المقدمة. إذن لو كنا نحن وبحث مقدمة الواجب أنت قلت أن الضابط لابد أن يكون بنفسها وبمفردها يترتب عليها أثر، وهنا على فرض وجوب المقدمة لا يترتب أثر، إذن تكون خارجة عن علم الأصول.
ما هو الجواب؟
الجواب: باعتبار أنه مفصل، ويبتني على مجموعة طويلة من القواعد التي هي كثير من أبحاث مقدمة الواجب، ولذا السيد الخوئي يقول هناك ثمرة سنعرض لها في مقدمة الواجب، لماذا؟ لأنه يعلم ليس مثل مسألة الضد ومسألة اجتماع الأمر والنهي يمكن في جملتين على الجواز على الامتناع نقول كذا على الاقتضاء على عدم الاقتضاء نقول كذا. ولذا يقول: (ويدفعها ما سنذكره إن شاء الله تعالى في محله من أن لتلك المسألة ثمرة مهمة غير وجوب المقدمة تترتب عليها، وبها) وبتلك الثمرة بمفردها (تكون المسألة أصولية، وتفصيل الكلام فيها موكول إلى محلها) محلها أين؟ في المحاضرات، ج2، ص432. من يريد مراجعة البحث، هناك يبين أن هذا المورد الذي تترتب عليه الثمرة يقول: (في مورد لو كان هناك واجب وتوقف على مقدمة محرمة) تظهر الثمرة. إذا كان يجب عليك إنقاذ الغريق المثال المعروف، ولكن لا يمكنك الوصول إلى مكان الغريق لإنقاذه إلا باجتياز أرض مغصوبة، هنا يجب أو لا يجب، وإذا كان يجب تترتب ثمرة أو لا تترتب الثمرة؟ هناك يصرح فيدخل في بحث أنه اساساً هذه المقدمة هل لابد أن تكون موصلة أو يكفي حتى لو لم تكن موصولة، هل لابد أن تكون المقدمة منحصرة أو حتى لو لم تكن المقدمة منحصرة. كل تفاصيل مقدمة الواجب لابد أن نطرحها هنا حتى تتضح الثمرة، ولذا هو قدس الله نفسه أوكل بحثه إلى هناك، ونحن أيضاً لا نعرض لها هنا، إن شاء الله في مقدمة الواجب.
هذا تمام الكلام في الضابط الثاني الذي ذكر في المقام، وقد اتضح أنه ليس بتام.
الضابط الثالث: هو الضابط الذي ذكره السيد البروجردي+، السيد البروجردي قال: ضابط المسألة الأصولية هي أنها تنقح لنا ما يحتج به في المسألة الفقهية، أنت في كل مسألة فقهية تريد أن تثبت الوجوب والحرمة، الجزئية، الصحة، الفساد، تحتاج إلى دليل، عندما أقول دليل وحجة مرادنا الدليل والحجة بالمعنى الأصولي، يعني ما ينجز وما يعذر، لا يذهب ذهنك إلى الحجية بالمعنى المنطقي الذي هو الكاشفية، لا أبداً، لأن الحجية كما ذكرنا في كتابنا القطع، قلنا أن الحجية لها إطلاقات متعددة، قد تطلق الحجية يعني الكاشفية عن … هذا حجة يعني كاشف عن الواقع، ليس بحجة يعني ليس بكاشف عن الواقع، هل الحجية التي تطلق في الأصولي يعني كاشف عن الواقع أو غير كاشف، الجواب: كلا، عندما يطلقون الحجية مرادهم ما يكون منجزاً وما يكون معذراً.
السيد البروجردي يقول: كل مسألة صارت بنحو يحتج بها في المسألة الفقهية فهي مسألة أصولية، وكل ما لم يكن كذلك فهي ليست مسألة أصولية. اثنين بالإضافة إلى اثنين يساوي أربعة، واضحة جداً. ولذا هو قدس الله نفسه يبين المطلب في نصف صفحة في (حاشيته على الكفاية، ج1، ص16) مؤسسة أنصاريان، قم، يقول: (فالحق أن هذه المسائل) أي مسائل؟ مسائل الأمارات، أنتم تعلمون أن الأصول تنقسم إلى أمارات وأصول علمية (فالحق أن هذه المسائل ومسائل الأصول العملية) يعني القسم الأول والقسم الثاني (إنما يبحث الأصولي عنها من حيث يعين فيها الحجة بالنسبة إلى الاحكام الفقهية) ما هو المراد من الحجة؟ (الأحكام الفقهية من المكلف بكسر اللام على المكلف) يعني التنجيز (أو بالعكس) يعني من المكلف مع سوء الأدب على المكلِف، يقول: إذا كان الاحتجاج من المكلِف على المكلف فهو التنجيز وإذا كان الاحتجاج من المكلف على المكلِف فهو التعذير ولذا يقول: (من حيث يعين فيها الحجة بالنسبة للأحكام الفقهية من المكلف بكسر اللام على المكلف بفتح اللام أو بالعكس) يعني من المكلف على المكلِف (والثاني هو الذي يعبر عنه بالعذر) يعني والأول هو الذي يعبر عنه بالتنجيز والثاني يعبر عنه بالتعذير. (فظهر أن مسائل الأمارات والأصول على نسق واحد) لماذا يقول؟ باعتبار والأخوة يتذكرون … قالوا أن الأمارات فيها كاشفية أما الأصول العملية فكاشفية أو تعيين الوظيفة الشرعية، لا، يقول هذه كلها على نسق واحد، أمارات وأصول المهم أنها يحتج بها في المسألة الفقهية أو لا يحتج. هذا كل ما في الأمر. يعني نحن في البراءة ماذا نبحث؟ نبحث أن الاحتمال يمكن أن يحتج به المولى علينا أو لا يمكن، في البراءة ماذا نقول؟ نقول في البراءة لا يمكن للمولى أن يحتج إلى العبد، في حالة الشك يمكن أو لا يمكن؟ إذن مسألة البراءة مسألة الاحتجاج، في المفاهيم يقول نحن لا نبحث، غير موجودة هنا، إن شاء الله في محلها هو يبحثها، يقول في المفاهيم نحن لا نبحث أن الجملة الشرطية لها مفهوم أو ليس لها مفهوم، هذه ليست حجية، وإنما نبحث عن أن الجملة الشرطية هل يمكن للمولى أن يحتج به أو لا يمكن أن يحتج به. طبعاً تقول هناك بحث في أن الجمل الشرطية لها مفهوم أو لا؟ يقول هذا خارج عن علم الأصول. إذا صار البحث عن الوجود والعدم لها أو ليس لها، هذا خارج عن علم الأصول، الذي يهم الأصولي هو أنه يحتج به أو لا يحتج به. والنتيجة هي أن كل مباحث الألفاظ التي يبحث أن هذا ظاهر وليس بظاهر ليست أصول، لماذا؟ أن الأمر ظاهر في الوجوب أو ليس ظاهر في الوجوب، هذا أين به احتجاج، ليس فيه أبداً، نعم الظهور حجة أو ليس بحجة مسألة أصولية، لماذا؟ لأنه نسأل أن الظهور هل يمكن للمولى أن يحتج به عليّ يقول لماذا لم تعمل أو لا يمكن أن يحتج به؟ وعلى هذا الأساس قال القطع من المسائل الأصولية، لماذا؟ لأن القطع هل يمكن أن يحتج به المولى أو لا يمكن؟ تقول: لا، هذه قضية عقلية، يقول: نحن لم نقل أنها تكون عرفية عقلائية عقلية، نحن بحثنا في ماذا؟ يمكن الاحتجاج أو لا يمكن الاحتجاج؟ ولذا إذا سألتم عن القطع الحجية عن القطع بمعنى الكاشفية فهو خارج عن علم الأصول، أما إذا سألتم عن القطع حجية القطع بمعنى المنجزية والمعذرية فهو داخل في علم الأصول. ولذا يقول: (فظهر أن مسائل الأمارات والأصول على نسق واحد فإن التزمنا بما هو ظاهر القوم من كون مباحث الألفاظ وشبهها من المبادي) أصلاً كل هذه نخرجها من أين، بعبارة أخرى 40% من الأصول ماذا نفعل بها. لأنكم تدرون أن 30 أ, 40% من مباحث علم الأصول هي مباحث الألفاظ ظاهر أو ليس بظاهر، أو حتى المسألة الواحدة إذا كان فيها بعد ظاهر أو ليس بظاهر هذا بحث غير أصولي حجة أو ليس بحجة فهذا بحث أصولي، (كان الأولى تعريفها) تعريف المسائل الأصولية بأنها المسائل التي يبحث فيها عن العوارض الذاتية للحجة في الفقه) كل ما يستعمل حجة في المسائل الفقهية فهي مسألة أصولية. أقول: سيدنا يلزم خروج الكثير من المسائل. يقول: فليكن. أقول: لماذا بحثوها هنا. يقول: من باب المبادئ، غيرنا لم يبحثها، نحن نحتاج لها فبحثناها هنا. إذا كان هناك إصرار أن كل ما بين الدفتين في الأصول هي مسائل أصولية فهذا الضابط غير تام، أما إذا لم تكن عندنا هكذا آية منزلة ولا نص قطعي متواتر أن ما بين الدفتين مسائل أصولية بيني وبين الله فالضابط جيد ولا بأس به ولا مشكلة فيه، ولا يشكل علينا بأنه سيدنا يلزم منه خروج كذا، أنتم وجدتم فيما سبق أن كل الضوابط، ضابط المرزا أيضاً لزم منه خروج بعض المسائل، ضابط السيد الخوئي هو التفت إليه مسألة الضد، مسألة اجتماع الأمر والنهي، مسألة الظواهر، مسألة الإطلاق، مسألة العموم، هذه كلها قال خارجة عن علم الأصول. ولذا إذا يتذكر الأعزاء نحن فيما سبق قلنا أن كل الإشكالات التي ترد عندهم كأنهم في الرتبة السابقة فرضوا أن كل هذه المسائل هي أصولية لابد أن يجدوا لها ضابطاً يحاول أن يجمع كل هذه المسائل. هل هناك ضوابط أخرى أو لا؟ تأتي.
والحمد لله رب العالمين.