أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
الضابط الرابع: انتهينا بالأمس من بيان ضوابط ثلاث للمسألة الأصولية، وأما الضابط الرابع وهو الضابط الذي ذكره سيدنا الشهيد قدس الله نفسه، ولكنه قبل أن أدخل في تفاصيل ما ذكره، هناك مجموعة من النكات والملاحظات بودي الإشارة إليها قبل أن نصل إلى محل الكلام، النكتة الأولى التي لابد أن يلتفت لها هو أنه في أي ضابط نحن لكل نبين ضابطاً ينبغي أن لا يكون طرف أعيينا إلى ما هو قائم بالفعل لتوجيهه، هذا الإشكال الذي أشرنا إليه فيما سبق قلنا في الأعم الأغلب أن هذه الضوابط إنما ذكرت على أساس توجيه ما وقع، يعني دليل ما بعد الوقوع، ولذا تجدون في جملة من الأحيان تذكر ضوابط هذه الضوابط واقعاً لليس لها أي نكتة فنية، من باب المثال ما يقع كبرى يكون مسألة أصولية وما يقع صغرى لا يقع مسألة اصولية، لماذا ما الفرق بين الكبرى والصغرى؟ مرة تأتي آية أو رواية أو استدلال عقلي يقول الكبرى مسألة والصغرى ليست مسألة، ومرة لا، أنت تأتي إذا صارت كبرى أصولية وإذا صارت صغرى ليست أصولية، لماذا هل هو اشتهاء أو استحسان ما الفرق؟ الجواب: لأنه إذا يقول الصغرى أيضاً تدخل مسائل علم الأصول، فهو يريد الخروج من هذا الإشكال فماذا يقول؟ أو كما ذكر السيد الخوئي أن تكون بمفردها، لماذا سيدنا بمفردها، هذا قيد بمفردها من أين جاء، ما كانت بمفردها مسألة أصولية، سيدنا وإذا انضمت إليها مسألة أخرى ماذا يحصل؟ خلاف آية، خلاف آية، خلاف استدلال عقلي، خلاف قاعدة مسلمة، ما المحذور من ذلك؟
إذن لا ينبغي للضابط أن يكون ناظراً إلى ما هو الواقع لتوجيهه وتخريجه، وهذا ما حصل في كثير من هذه الضوابط، وإنما النكتة الأولى في الضابط أنه يذكر ضابطاً قبل الدخول إلى المسائل، يعني يصنع مسطرة وعلى هذه المسطرة وعلى هذا الضابط نقول هذا داخل وهذا خارج، هذا الذي السيد الشهيد& كان ملتفتاً إلى هذه النكتة ولذا صرح في واحدة من هذه التقريرات الثلاثة الذي سأشير إليه أنه لا ينبغي أن تكون الضوابط من قبيل توجيه ما وقع في كلمات الأعلام. هذا الكلام في (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، تمهيد في مباحث الدليل اللفظي، ج1، ص53) يقول: (أن هذا الضابط الذي ذكرناه) وهو ضابطه (ليس مجرد عنوان منتزع عن الأبحاث الواقعة في علم الأصول خارجاً) يشكل على تلك الضوابط (بحيث رأينا الأبحاث الواقعة وفكرنا أنه ما هو الجامع المانع بين هذه المقدمات فاخترعنا هذا الجامع المانع) الذي أما قلنا أن يقع كبرى ولا يقع صغرى، أن يكون بمفردها، أن يكون كذا …
إذن النكتة الأولى، لا هنا بل في أي مكان، لا تفكر بعقلية أنه كيف توجه، طبعاً يكون في علمكم، أريد الخروج من البحث، طبعاً نحن أيضاً نشكل عليه، يقول كل هذه الأدلة التي ذكرتموها لانعقاد بيعة الإمام والولي وأولي الأمر منشأها تصحيح خلافة الأول والثاني، جئتم قلتم أنه تنعقد ماذا … بعدها قلتم تنعقد بكذا … هذه من أين جاءت، ليس بها آية ولا رواية، لا يوجد فيها دليل عقلي. إذن من أين؟ أنه يوجد واقع خارجي يريد أن يصحح ذلك الواقع الخارجي فبدأ باختراع الدليل له، طبعاً يكون في علمكم نفس هذا الإشكال الطرف الآخر يورده علينا، يقول: أنتم نعم هكذا، أنتم عندكم مدرسة ومنهج فيه اثنا عشر إمام معصوم تأتون إلى الأدلة تقررونها تقريراً حتى تصححونها، وإلا بعض الأدلة ليس لها علاقة بالمطلب، بينكم وبين الله (إني جاعلك للناس إمام قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) قضية تتكلم عن إبراهيم وإثبات الإمام لإبراهيم، ما هي علاقتها بعلي بن أبي طالب، واقعاً لا يوجد بيان فني علمي واضح، ليس تكلفي اختراعي، واقعاً بعض أدلتنا تكون من هذا القبيل، ولذا أنا عندما استمع إلى بعض الفضائيات والقنوات وبعض المتكلمين واقعاً أنا كناظر ومتابع لهذه القضايا أجد بأن التكلف فيها واضح جداً، يعني لو لم أكن معتقداً بهذا الاتجاه لما كنت أقبل هذا الدليل لإثبات تلك الحقيقة، لا أقبل ذلك الدليل، ولذا التفتوا أعزائي وخصوصاً الخطباء منكم أو من يتكلم على الفضائيات، التفتوا إلى الدليل يكون في نفسه قادراً على إعطاء المطلوب، لا أنه كأنه تحميل وتكلف في الدليل. هذه النكتة الأولى.
النكتة الثانية: هو أن يكون الضابط منسجماً مع الغرض الذي دوّن له ذلك العلم، في النتيجة لكل علم غرض، ولذا مثل صاحب الكفاية قال أن تمايز العلوم بأغراضها، هذا معناه أن الغرض له ركنية وعنصر أساسي في العلم، إذا أنت تريد أن تبين الضابط لابد ذلك الضابط يكون منسجم في سياق ذلك الغرض الذي وجد من أجله ذلك العلم، لا أنه أنت تأتي وتجعل لي جامع مانع، أقول لك: ما علاقة هذا بالغرض. تقول لي: لا ربط لي بالغرض، أنا هذا الضابط. وعلى سبيل المثال أن المسألة إذا كانت من قبيل اللازم والملزوم فهي فقهية أما إذا كانت من قبيل الكلي والفرد فهي أصولية. أن تكون كلي وفرد ولازم وملزوم، نعم هذا فرق بين المسألتين، ولكن لماذا هذه تكون أصولية وهذه فقهية، لماذا لا تكون بالعكس هذه تكون فقهية وتلك تكون أصولية، ما هي النكتة التي على أساسها أنت تقول أن المسألة … هو ناظر إلى ماذا؟ وجوب مقدمة الواجب إذا يريد أن يقول أنها أصولية، يقول هذه لازم وملزوم فهي ليست أصولية، أما عندما يأتي إلى مسألة حجية قول الثقة يقول يستنبط منها كلي وفرد، قاعدة ومصداق، إذا كانت هذه أصولية فهذه ليست أصولية. هذا الضابط جيد، هو فرق، ولكن هذا الفرق ما هي علاقته بمحل الكلام، ليس له أي علاقة، إذن النكتة الثانية أعزائي لابد أن يكون الضابط المبرز ضابطاً يتناغم وينسجم مع سياق ذلك العلم الذي أسس له ذلك العلم، مع الغرض الذي رتب على ذلك العلم، إذا كان الغرض فقهي أو شرعي لابد أن يكون الجامع في ذلك السياق، إذا كان الغرض عقلي لابد الجامع أيضاً يكون في ذلك السياق وهكذا. هذه النكتة الثانية.
النكتة الثالثة التي لابد أن يلتفت لها في إبراز أي ضابط، كثيراً ما يقع الخلط بين الضابط ثبوتاً والضابط إثباتاً، يعني ماذا؟ يعني أن البحث في الثبوت ضابط موجود ولكن عندما نأتي إلى عالم الإثبات وعالم التدوين والكتابة، نريد أن نكتب العلم، مقام الإثبات أقصد به مقام التدوين وتنظيم مسائل العلم، تجد بأنه أساساً ما كان موضوعاً غير محفوظ في المسائل التدوينية. أضرب لك مثالاً، عندما نأتي إلى الفلسفة نقول ما هو موضوع الفلسفة؟ الموجود، ما هي المسائل الفلسفية؟ العوارض الذاتية التي تحمل على هذا الموضوع؟ تعال إلى الفلسفة أنت ماذا تجد؟ أولاً: الموجود أما واجب وأما ممكن. الموجود موضوع الفلسفة الموضوع محفوظ، محمولاته واجب وممكن. ثم تأتي إلى الممكن، اقول لك: ما الممكن؟ تقول: الممكن أما جوهر وأما عرض، والجوهر أما نفس وأما عقل، والعرض أما … سؤال: هذا أين موضوع الفلسفة موجود … هنا صار ممكن وجوهر وعرض وكم وأين … بينك وبين الله أين موضوع الفلسفة، هل يوجد موضوع الفلسفة في هذه المسائل، أبداً غير موجود. ولذا عندما تصل إلى بعضها تقول الإنسان موجود، هذا موجود موضوع أو محمول؟ محمول، والمفروض بحسب البحث الفلسفي يكون موضوعاً، ولذا تجد أن الحكماء جاءوا وقالوا أن هذه القضايا من قبيل عكس الحمل، الإنسان موجود واقع الأمر الوجود لا مطلق الوجود بل حصة من الوجود التي هي الإنسان، حصة من الوجود التي هي الكم.
إذن التفتوا لي جداً أعزائي، هذا الضابط عندما نذكره هذا الضابط لابد أن نشير إلى الضابط الثبوتي، وإن كان في مقام الإثبات قد لا يبقى في موقعه المناسب له. لأنه جملة من الأحيان وهذا هو صار السبب أن السيد الإمام+ في (تهذيب الأصول) قال: أساساً الأصول حتى الفلسفة موضوعها ليس بواحد لأنه بعض الأحيان موضوعها الموجود وبعض الأحيان موضوعها الماهية، وهذا من الخلط بين مقام الثبوت ومقام الإثبات. نعم، في مقام الإثبات نحن قد نجد مرة أن الموجود يكون موضوعاً ومرة أن الماهية تكون موضوعة ولكن هذه لأغراض تدوينية تنظيمية ونحن عندما نبحث عن الضابط نبحث عن الضابط في مقام الثبوت وفي مقام الواقع لا في مقام التدوين وفي مقام الكتابة والتنظيم. هذه النكات لابد أن تحفظوها في أي ضابط، هذا أمر.
إذا اتضحت هذه النكات الثلاثة، هناك مجموعة من النقاط بودي أن أمر عليها مروراً سريعاً حتى نصل إلى الضابط الذي نحن بصدده:
الأمر الأول: أن الإنسان لم يخلق سدى (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون) عجيب هذه الآية، هذه من أشكل الآيات في القرآن، تقول لي ما هو إشكالها، التفت لي جيداً حتى أطعم البحث وأخرج من ذلك الجمود الموجود في الأبحاث السابقة، فيكون بحثاً تفسيرياً قرآنياً.
(أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون) الآية المباركة تريد أن تقول هكذا: تريد أن تقول إذا لم يكن هناك معاد فخلقكم يكون عبثاً، سؤال: ما هو وجه الملازمة؟ لماذا إذا لم نعد إليه (وإنا إليه راجعون) وجودنا يكون وجوداً عبثياً؟ ما هو وجه الملازمة؟ هذه في بيان وجه الملازمة واقعاً أبحاث عميقة ودقيقة أنا إلى الآن لم أجد بيان شافي جامع مانع. بيانات قيمة ودقيقة وعميقة موجودة، ولكن بيان الملازمة … لمراجعة هذا البحث أنا وجدت أفضل من عرض له وحاول أن يقف عنده هو الشيخ المطهري& في كتاب (المعاد) بترجمة جواد علي الكسار، هناك يحاول أن يعرض لهذه المسألة، طبعاً نفس هذه المشكلة عندنا في قوله تعالى (ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) لماذا إذا صاروا اثنين … هل هما مثل حكام العراق لا يستطيعون تشكيل حكومة … اثنين الله يجلسون فيما بينهم ويقسمونها بالمحاصصة هذه لك وهذه لي، ممكن، اثنين ليس عقلاء فقط، بل هما أصل العقل، لماذا لم يستطيعاً، القرآن يقول إذا صرنا اثنين يفسد العالم، ما هو وجه الملازمة بين الاثنينية، طبعاً المراد من الاثنين ما ليس بواحد، يعني ما ليس بواحد، يفسد العالم، ما هو جه الملازمة، بحسب ما رأيت إلى الآن هناك سبعة عشر وجه لهذه المسألة، وأخيراً وجدت رسالة ماجستير مكتوبة في هذه الملازمة فقط، بحث عميق جداً، تعبير عنده الشيخ محيي الدين صاحب الفتوحات يقول: أن القرآن يأتي يوم القيامة بكراً، يعني وكأنه لم يعمل عليه أحد، لم يستطع أحد أن يصل إلى القرآن، القرآن رفيع القامة.
طبعاً لا تستغرب هذا القرآن الإمام الصادق الرواية موجودة عن الإمام أمير المؤمنين وعن الإمام الصادق الله يقول: من أراد أن يراني فلينظر إلى كتابي، أن الله تجلى لخلقه في كتابه. إذا كنت تريد أن تجدني أين تجدني؟ تريد أن تعرف عظمتي، علمي، مقامي، أسمائي، صفاتي، أين أنا موجود، عظيم هذا الكتاب. ومع ذلك هناك بحث ذكره كاشف الغطاء في (كشف الغطاء) في مقدمة الكتاب، قال: (ومع ذلك كله هناك بحث هل أن الخاتم أعظم أم أن القرآن أعظم) هذا الكتاب بهذه العظمة ومع ذلك هناك بحث أيهما أعظم عند الله الخاتم أم القرآن.
ارجع إلى بحثي.
إذن أعزائي أولاً: إن الإنسان لم يخلق عبثاً وإنما هو مكلف، هذا ثابت، هذه مقدمة كلامية تفسيرية أو عقلية في محلها، لا نحتاج إلى هذا البحث.
ثانياً: أن التكاليف ليست جاهزة، ليست ساندويجات جاهزة وأنت ما عليك إلا أن تطبق، لا أبداً، في كثير من الأحيان التكاليف والأحكام والأوامر والنواهي جاهزة أو لابد أن تعمل وتجهد حتى تستكشفها، أي منها؟ ومن هنا قالوا بأن الاجتهاد بذل الجهد، لماذا بذل الجهد؟ يقول: باعتبار أن التكليف غير جاهز، أنت ترى أنك عندما تريد أن تصنع طعاماً من الدرجة الكذائية، تشتري كذا وتهيأ الطباخ وإلى أن يطبخوا لك وبعد سبع ساعات ثلاث دقائق تأكل. أما بعض الحيوانات فطعامها جاهز لو على شجرة تقف أو على أرض تقف تأخذ وتذهب.
هل أن الأحكام الشرعية جاهزة أو غير جاهزة، هذه المقدمة أقولها، لا أريد أن أدخل في التفاصيل، لأن البعض يتصور على أي أساس نحتاج إلى المجتهد، نحن عندنا عقول أيضاً، هذه أخيراً بعض الكتابات موجودة ولا أريد أن أأتي بالأسماء وخصوصاً العلمانيين، بأن هذا القرآن نزل للجميع ورسول الله تكلم للجميع والأئمة أيضاً تكلموا للجميع، هذه وسائل الشيعة وأصول الكافي طالع وأعمل، الله لم يجعل بينك وبينه حاجب ومانع وواسطة أنت وربك، هذا الأسلوب الجديد لحذف دور العلماء ودور المرجعيات ودور الحوزات والى غير ذلك، فلابد أن نلتفت، أنا إنما أشير لها حتى أبين هذه النكات.
إذن النقطة الثانية أن التكاليف ليست جاهزة، طبعاً يكون في علمكم ليست فقط عندنا ليست جاهزة، بل في أي باب من أبواب المعرفة الإنسانية أن المعرفة جاهزة أو تحتاج إلى متخصص، ولذا أنت اذهب إلى الهندسة أو الكيمياء وإلى أي مكان، أنت عندما تريد أن تبني غرفة أربعة حيطان من هنا وحائط من هنا تذهب إلى مهندسين وإلى غيرهم حتى تبني لك أربعة جدران، فالحاجة إلى المتخصصة موجودة لأن التكاليف غير جاهزة، ويكون في علمكم كلما ابتعدنا عن صدر الشريعة كلما ازداد تعقيدات استنباط واستكشاف الحكم والتكليف الشرعي. ولذا أنت تجد بأنه إن شاء بعد ذلك سيتضح أن علم الأصول في زمن الشيخ الطوسي مجلد أو مجلدين، أما في زماننا فعشرين مجلداً، لماذا؟ الجواب: كلما ابتعدنا عن الشريعة عملية الاستنباط تكون أكثر تعقيداً، طبعاً هذه فيها لوازم، عند ذلك إذا كان قبل مئتي سنة شخص يكون في عشر سنوات مجتهد الآن في كم سنة يكون مجتهد، الآن أصبحت بالعكس في ذلك الزمان في عشرين سنة في ثلاثين سنة يكون مجتهد أما اليوم يدخل الحوزة ويأخذ كبسولة ويكون مرجعاً. وهذا غريب واقعاً جداً غريب، لا أعلم كيف يكونوا مجتهدين. صاحبنا رأى اثنين جالسين على الحوض كما كان في النجف سابقاً، هذا الخادم رأى أن هؤلاء يتكلمون كلام، الخادم سمعهم يتكلمون باللغة العربية، ولكن لم يفهم أي جملة مما قالوه، قال أنتم كيف صرتم هكذا، أحدهم أراد أن يمازحه فقال له خلعنا ملابسنا ودخلنا في هذا الماء البارد وعندما خرجنا صرنا هكذا، هذا أيضاً قربة لله فعل هذا.
الأمر الثالث: المتخصص في أي باب، المتخصص عندما جاء إلى مجاله، لا أريد أن أقول الفقيه لأننا نتكلم في اول الأمر، المتخصص عندما جاء إلى مجاله وجد هناك مجموعة هائلة من المقدمات يحتاج لها حتى يستنبط حكم واحد. أنا لا أريد أن اسمي هذه الأسماء، مقدمات مختلفة يميناً ويساراً، لأنكم تعلمون أن عملية الاجتهاد هي عملية واحدة ولكنها مركبة من مجموعة كبيرة من العمليات من مجموعات علوم، وبعد ذلك سيتضح، ولذا لابد أن يكون مفسر لابد أن يكون محدث لابد أن يكون أصولي … وجد أنه يحتاج إلى هذه المقدمة، عندما جاء إلى هذه المقدمات التي بحثها وجد أن هذه المقدمات ليس كلها مرتبطة بمسألة محل البحث، وإنما جملة من هذه المقدمات مرتبطة بهذه المسألة وبهذا الباب العلمي وبذاك الباب العلمي وبهذا العلم وبغيره من العلوم، يعني مختص أو مشترك، مشترك. حتى أنا أقرب المطلب إلى ذهن الأعزاء، عندما جاء إلى الشكل الأول من القياس في المنطق هذا الشكل الأول من القياس أين يستعملونه، في الفلسفة؟ أقول لا في الكلام أيضاً يستعملونه في التفسير كذلك، حتى أنت عندما تذهب إلى البقال وتريد أن تشتري شيئاً تستعمل أشكال الأقيسة ولكن بعضها ملتفت إليه وبعضها غير ملتفت.
إذن هذه المقدمات وجدها مختصة كلها أو تنقسم إلى مختصة وغير مختصة، إلى الآن لا ندري مختصة وغير مختصة معناها ما هو، ولكن أبين هذا التسلسل المنطقي الذي أوصلنا إلى علم الأصول، هذا هو الأمر الرابع.
الأمر الخامس: ثم بعد الدقيق وجد أن هذه المقدمات كل مجموعة منها تختلف عن سنخ أخر من مجموعة، رأى مجموعة منها (أ) سماها علم الكلام، مجموعة أخرى منها سماها علم الفلسفة، مجموعة ثالثة سماها علم التفسير، مجموعة رابعة سماها علم النحو وبلاغة وصرف، اللغة والأدبيات، مجموعة منها سماها علم الحديث … ولذا بدأت العلوم عندما نزل القرآن أسألك سؤال: عندما نزل القرآن كم علم كان موجود مرتبط بعلوم القرآن؟ ولا علم، الآن كم علم مرتبط بعلوم القرآن، عشرات الأبواب العلمية مرتبطة بفهم ماذا … من قبيل علم التجويد والقراءات وعلوم القرآن والتفسير والمناهج وعشرات، هذه في صدر الإسلام غير موجودة، من أين نشأت هذه، لأن هؤلاء الذين تعاملوا مع النص القرآني وجدوا أنه مجموعة من المسائل سنخها (أ) سموها علم القراءات، مجموعة من المسائل سنخها (ب) سموها علم التجويد، مجموعة من المسائل سموها علوم القرآن وهكذا.
إذن وجدت عندنا مجموعة، وهكذا الآن كم باب معرفي عندنا مرتبط بعلم الحديث، عشرات الأبواب، المرتبطة بفهم السند، المرتبطة بفهم الدلالة، هذه كلها علوم، هذه العلوم نشأت عندما وجد الحديث عندما وجدت السنة، عندما وجد (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (لتبين للناس ما نزل إليهم) عشرات العلوم صارت بهذا الاتجاه.
الأمر السادس: أي نوع من هذه الأنواع يحتاج لها الفقيه في عملية الاستنباط؟
الجواب: ما من باب من هذه الأبواب وما من علم هذه العلوم إلا وهو محتاج إليها، يحتاج علم المنطق أو لا يحتاج؟ نعم، وإلا إذا كان لا يعرف الشكل الأول من القياس قد يبتلي بالمغالطة، لا يدري يتصور بأنه منتج وهو غير منتج، إذن لابد أن يعرف شروط الانتاج، علم الحديث يحتاج او لا يحتاج؟ علم الرجال يحتاج أو لا يحتاج؟ علوم اللغة والأدبيات يحتاج أو لا يحتاج؟ علم الكلام يحتاج أو لا يحتاج؟ الفلسفة يحتاج او لا يحتاج؟ لا أريد أن أقول لابد أن يكون فيلسوفاً متكلماً، لا، ولكن المسائل التي تدخل في عملية الاستنباط لابد أن يكون على اطلاع بها وعلى فهم لها حتى يعرف أن هذه القاعدة أين يستعملها وهذه القاعدة أين يستعملها.
ومن هنا – هذا مرتبط باب التقليد والاجتهاد وليس هنا- هل يوجد أحد أن يكون مجتهداً في كل المقدمات أو لا يستطيع؟ يعني يستنبط حكم هذه المفردة الصغيرة في الفقه فإذا احتاج إلى عشرين مقدمة مرتبطة بأربعة علوم، هل يجب أن يكون مجتهداً في كل المقدمات أو لا يجب؟ أي منهما. فإن قلت يجب فلا تجد مجتهداً، من يستطيع في النحو وفي الصرف وفي الكلام … لا أريد أن أقول في كل الكلام ولكن في كل المسائل الكلامية التي يحتاج لها، وكل المسائل التفسيرية التي يحتاج لها. إذن لا يمكن. فإن قلت: بلي يرجع إلى أهل الاختصاص في مجال اختصاصهم والأعلام أيضاً فعلوا ذلك، فلذلك قالوا حجية قول اللغوي، لماذا بحثوا حجية قول اللغوي، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا مجتهدين في اللغة فلابد أن يرجعوا إليهم. هنا لزمت إشكالية في باب الاجتهاد والتقليد وهي أن النتائج تتبع أخس المقدمات فإذا كان بعض مقدماته المجتهد مقلد إذن المجموع هو مجتهد أو مقلد، وهي مسألة عويصة في باب الاجتهاد والتقليد، نفس هذه الكلمات التي الأعلام قالوا لابد أن يكون في المقدمات القرينة مجتهد أما في المقدمات القريبة لا يشترط، لا تعلم من أين جاء هذه، لماذا؟ ولذا جملة من الأعلام ناقشوهم.
أقول لكم شيئاً ولكن لا تطبقوه كثيراً، أستاذنا الشيخ حسن زاده أملي يقول: إذا رأيتم في يوم أنا بدأت أبحث بحثاً خارج الدرس اعرفوا أني لم أحضر جيداً للدرس.
إذن هنا كيف؟ ولذا جملة من الأعلام طرحوا هذه المسألة في باب الاجتهاد والتقليد، وقالوا هل يكون مجتهداً إذا قلد في الأصول واجتهد في الفقه، يعني يقول أنا لا مزاج لي أن اجتهد في المسائل الأصولية بل أذهب إلى علم من أعلام الأصوليين وأعرضه كالسيد الخوئي والسيد الصدر وغيرهم، أنا أعتقد أن هذا أعلم المتأخرين في الأصول وأنا أفهم مبانيه الأصولية جيداً من غير أن اجتهد فيها، ثم أتي إلى الفقه، هل يكون هذا الإنسان مجتهداً أو لا؟ هذا جوابه في باب الاجتهاد.
تعالى إلى البحث الآخر، الآقايون عندما جاءوا على هذه المقدمات وجدوا بأن هذه المقدمات التي يحتاجون لها كثيراً منها بحثت في علومها المختصة بها، مسائل رجالية موجودة في علم الرجال، مسائل كلامية موجودة في علم الكلام، مسائل فلسفية موجودة في الفلسفة، مسائل لغوية موجودة في اللغة وفقه اللغة، ولكن مع ذلك وجدوا هناك مجموعة من المقدمات هي كالتالي:
أولاً: أنها غير مبحوث عنها في أي علم آخر. فهل يستطيع الرجوع إليها أو لا يستطيع … لأنه لم يبحث عنها من قبيل حجية خبر الثقة، حجية خبر الثقة لم تبحث في أي علم، حجية الظواهر، إطلاق وتقييد، انقلاب النسبة، أقسام الكلي في الاستصحاب، هذه لم تبحث، إذن اضطر هو أن يبحثها، هذا القسم الأول.
القسم الثاني: مبحوث عنها في محلها ولكن لها حيثية من البحث تلك الحيثية غير مبحوث عنها، يعني المعنى الحرفي مبحوث عنها في فقه اللغة، ولكن المعنى الحرفي هل تجري فيه مقدمات الحكمة لإثبات الإطلاق أو لابد أن يكون المعنى أسمياً، هذا بحث يأتي في محله، أن مقدمات الحكمة تجري في المعنى الاسمي والمعنى الحرفي معاً أو تختص بالمعنى الاسمي، تقول لي: هذا يبحث في فقه اللغة. أقول: لم يبحثوه، لأن اللغوي ليس له علاقة بالإطلاق والتقييد ومقدمات الحكمة. فلذا المسألة وإن كانت مبحوثة في علمها الخاص ولكن فيها حيثية بحث عنها أو لم يبحث عنها؟ اضطر هذا الفقيه أن يبحثها، هذا القسم الثاني.
القسم الثالث: أنها بحثت في محلها، هناك علم تبناها، وتلك الحيثية المطلوبة بحث عنها ولكن الفقيه المتخصص لم يرتضي تلك النتائج التي انتهوا إليها أصحاب تلك العلوم، هو عنده رأي ونظرية مخالفة، أين يطرحها؟ تقول لي: يطرحها في مكانها، يعني في الفلسفة في الكلام. الجواب: باعتبار أن الحوزة ليس فيها كلام ولا فلسفة ولا فقه لغة ولا حديث ولا علم رجال، غير موجودة هناك، أين لابد أن أبحثها؟ أبحثنا أنا في مقدمات الاستنباط حتى أقول رأيي فيها. وإلا بحث أن العقل هل يمكن أن يكون مصدراً للاستنباط كالكتاب والسنة أو لا يكون، هذه ليست مسألة أصولية، بل هي مسألة معرفية مرتبطة بعلم المعرفة، لماذا الأصوليون قضوا مجالاً واسعاً ومساحة واسعة في بحث هذه المسألة؟ الجواب: لأننا في الحوزات العلمية ليست عندنا نظرية المعرفة حتى يبحثها الأصولي أو الفقيه يبحثها هناك. ومن هنا جاءوا إلى هذه الأقسام الثلاث من المسائل.
إلى هنا الفقيه هل يمكنه أن يتكأ على راحة ويقول كل المقدمات التي أحتاج إليها في عملية الاستنباط موجودة في باقي العلوم أو لا يمكنه ذلك؟ يمكنه أو لا يمكنه؟ لا يمكن، لماذا؟ لأن هذه الأقسام الثلاثة من المسائل يحتاج لها وهي غير موجودة في علوم أخرى. إذا كانت مسألة رجالية موجودة في علم الرجال، حديثية موجودة في علم الحديث، كلامية موجودة في علم الكلام، ولكن هذه الأقسام الثلاثة من المسائل غير موجودة، من هنا وجدت حاجة ملحة وضرورية لأي شيء؟ لباب جديد، إلى الآن لا ندري ما اسم هذا الباب، لباب جديد تبحث فيه هذه العناوين الثلاثة، هذه المسائل الثلاثة، غير مبحوث عنها في علم، مبحوث عنها ولكنها غير منقحة من هذه الحيثية مبحوث عنها ومنقحة من هذه الحيثية ولكن الفقيه لا يوافق على النتائج وإنما له رأي آخر.
سؤال: أين يبحثها؟ في باب الطهارة؟ المسائل الثلاثة هذه أين يبحثها، في باب الصلاة، في باب الصوم. نضرب مثالاً لذلك، حجية خبر الثقة أين نبحثها؟ في كتاب الصلاة، غير مرتبطة في باب الصلاة، لأنه نحتاج لها في باب الصوم، نبحثها في باب الضمان، نحتاج لها في باب الإجارة، ليس لها باب معين، إذن بطبيعة العمل التدويني لا العملية والممارسة الاجتهادية، الممارسة الاجتهادية واحدة، ولكن العملية التدوينية اقتضت أن نفصلها شيئاً فشيئاً عن الفقه، لا عن الفقه بما هو علم، لا، عن هذا الباب، عن هذا الباب، عن هذه المسألة وعن هذه المسألة، لأنها غير مختصة بهذه المسائل.
من هنا وجدت رأياً غريباً عجيباً، في نظري عجيب وغريب وإلا فهو رأي علم من الأعلام، لو سألته ما هي المسائل الأصولية، ما هو ضابط المسألة الأصولية، اعتبروه ضابط آخر غير الضوابط المتقدمة. يقول: كل مقدمة ممهدة لاستنباط الحكم الشرعي بشرط أن لا تبحث في علم آخر. تقول له: علم الرجال. يقول: علم الرجال أيضاً من مقدمات الاستنباط، تقول له: أصولية. يقول: لا، لأنا اشترطنا أن لا تكون مبحوثة في علم آخر، فحيث بحثت في علم الرجال فليست بأصولية. أما إذا لم تبحث هناك، اللغة كيف، يقول: نعم، اللغة أيضاً مسائلها أصولية ولكن لأن علماء اللغة بحثوها فنحن لم نبحثها. هذا رأي المرزا التبريزي+. المرزا التبريزي هذه عبارته في (دروس في مسائل علم الأصول، مباحث الألفاظ، ج1، ص27) هذه عبارته، يقول: (والحاصل وإنما لم تجعل مسائل علم الرجال وبعض مسائل علم اللغة من علم الأصول) التفتوا جيداً أمر مركب من كلام السيد الخوئي ومن القيد الذي أشار له، يقول: (باعتبار وضوحها) وهو مبنى السيد الخوئي (أو باعتبار معلوميتها في علم آخر) وإلا بحسب القاعدة هي أصولية أو ليست أصولية؟ يقول: لأنه نحن نريد في علم الأصول ما هي، كل مقدمة ممهدة لاستنباط الحكم الشرعي. نفس هذا التعريف الذي من هداية المسترشدين للأصفهاني، ما هو التعريف المشهور في علم الأصول، هو القواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي، ممهدة بالكسر أو بالفتح ذاك بحث آخر. المرزا يقول نعم هو هذا ولكن نضيف لها قيداً، أن لا تكون واضحة مثل أصالة الظهور، وأن لا يبحث عنها في علم آخر، هذا القيد الذي أضافه إليها. طبعاً هذا النحو من الفهم لعملية الأصول مدرسة النجف لا توافق عليه، يعني من أمثال العراقي وأمثال الأصفهاني وأمثال النائيني … هذه المدرسة العريقة في علم الأصول التي يعبر عنها أستاذنا السيد محمد تقي الحكيم بأنه مدرسة النجف الحديثة يعبر عنها، يقول أعبر عنها هذا الاتجاه لا يوافق على هذا النحو من المزاج، ما هو علم الأصول؟ يقول: كل مقدمة هي علم أصول بشرط أن لا تكون مبحوثة في علم آخر. لا أبداً، علم الأصول له شخصية خاصة به، شخصية مستقلة، يسمى علم الأصول.
من هنا ذكرنا بالأمس مجموعة الضوابط ولذا وجدتم أنتم الضوابط التي أشرتم لها في الأعلم الأغلب مرتبطة بأعلام النجف، لأنهم لا يوافقون على هذه الطريقة في فهم علم الأصول، أصلاً هذا الاهتمام بعلم الأصول في النجف لا يوجد ما يناظره في مدرسة قم. في مدرسة قم الحديث في 70 أو 80 سنة الأخيرة. إذن ماذا يعتقدون؟ يقولون: لا، هذه المسائل، هذه الأقسام الثلاثة التي أشرنا لها غير المبحوث عنها، مبحوث عنها ولكن فيها حيثية، أو لا نوافق عليها، هذه الأنحاء أو الأقسام الثلاثة من المسائل هناك ضابط، بتعبير آخر عرفي لابد من خيط يربط حبات هذه المسائل وهذه المجالات الأخرى. ومن هنا أشرنا إلى الضوابط. الآن نأتي إلى الضابط الأخير الذي ذكره السيد الشهيد&.
السيد الشهيد& بحسب تقريرات البحث الموجودة بيدي ذكروا له تعاريف ثلاثة لعلم الأصول، هل يمكن أن نرجعها إلى واحد أو لا:
الاول: ما ذكره السيد الهاشمي في (ج1، ص31)، قال: (العناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة التي يستعملها الفقيه كدليل على الجعل الشرعي الكلي). لعله قريب منه ما قرأتموه في الحلقة الثالثة.
السيد الحائري في (مباحث الأصول، ج1، ص33) قال: (العلم بالقواعد المشتركة في القياس الاستدلال الفقهي) وفرق كبير بين التعريفين، لأنه هناك يقول، أولاً لفظة القياس غير موجودة هناك وهنا موجودة. سيدنا الجليل إذا قلت قياس كيف ندخل الاستقراء، مع أن نصف أصول السيد الشهيد قائم على القياس أو الاستقراء، لابد أن نرى كيف تكون، أنه في تعريف السيد الهاشمي لم يرد لفظ القياس ولكن في تعريف السيد الحائري ورد لفظ القياس. ثانياً: هنا فقط استدلال فقهي. وهناك ورد الجعل الشرعي الكلي. ثالثاً: هنا لم يرد يستعمل كدليل. بالأمس قلنا أن السيد البروجردي قال: ما يحتج به. هذا كدليل يعني ما يحتج به. في عبارة السيد الحائري لم يرد كدليل. وعندما نأتي إلى المورد الثالث يعني في (تمهيد في مباحث الدليل اللفظي، ج1، ص47) للشيخ حسن عبد الساتر، قال: (هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة التي يستعملها الفقيه أدلة على الجعل الشرعي) هنا ليس فيه كلي. نفس التعريف الذي ذكره السيد الهاشمي ولكنه الشيخ حسن عبد الساتر لا يقيدها بالكلي، السيد الهاشمي يقيدها بالكلي، وفي النتيجة هذه ثلاثة أو واحدة، النتيجة ما هي؟ إن شاء تأتي.
والحمد لله رب العالمين.