الأخبار

المحاضرة (29)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

كان الكلام في الضابط الذي ذكره سيدنا الأستاذ في المسألة الأصولية. إلى هنا اتضح لنا أن هناك شروطاً ثلاثة لضابط المسألة الأصولية:

الشرط الأول: أن تكون المسألة لا بشرط من حيث المادة الفقهية. أي تكون عنصراً مشتركاً.

الشرط الثاني: أن يكون هذا العنصر المشترك مختصاً بالاستدلال الفقهي.

الشرط الثالث: أن يكون هذا العنصر المشترك المختص مستعملاً في القياس الأخير في عملية الاستدلال.

وبالأمس بينا بأنه عبارات ما ورد في تقريرات السيد الحائري وما ورد في تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، العبارات تحتمل احتمالين، أن يكون المراد من القياس الأخير يعني القياس الأخير في المسألة الأصولية، وأن يكون المراد من القياس الأخير القياس الأخير في عملية الاستدلال للوصول إلى الحكم الشرعي. وبينا ذلك مفصلاً في ما سبق.

ثم قلنا بأنه على اساس هذه الشروط الثلاثة لضابط المسألة الأصولية تخرج النقوض المعروفة لأنهم نقضوا على التعريف المشهور والمتداول وهو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي قالوا: ينقض على ذلك بالمسائل اللغوية أولاً. وبالقواعد الفقهية ثانياً، وبالقواعد أو المسائل الرجالية ثالثاً.

فيما يتعلق بالنقض الأول وهو النقض بالمسائل اللغوية من الواضح بأن المسائل اللغوية على قسمين: مسائل لغوية تعد بشرط شيء من حيث المادة، ومسائل لغوية هي لا بشرط من حيث المادة. أما القسم الأول فلا إشكال أنها خارجة عن علم الأصول مثلاً كلمة الصعيد عندما نرجع إلى كتب اللغة لنرى بأنها دالة على التراب أو مطلق وجه الأرض هذه مسألة لغوية ولكن متعلقة بمادة الصعيد، إذن ينطبق عليها ضابط المسألة الأصولية أو لا ينطبق؟ الشرط الأول غير متوفر لأننا قلنا أن تكون لا بشرط من حيث المادة الفقهية، وهذه لا بشرط أو بشرط شيء؟ هذه بشرط شيء إذن تكون خارجة.

أما إذا كانت المسألة اللغوية لا بشرط من حيث المادة الفقهية فإنها وإن كانت مسألة لغوية إلا أنها داخلة في علم الأصول، لماذا؟ لأنه ينطبق عليها الشرط الأول وهو لا بشرط من حيث المادة الفقهية على سبيل المثال لو فرضنا أننا عندما نأتي إن شاء الله تعالى بحث الأوامر نقول أن الأمر له مادة وهي (أمر) له مادة وله صيغة. افترضوا من الناحية اللغوية يقولون أن مادة الأمر ظاهرة في الوجوب فهذا البحث أصولي أو غير أصولي؟ الجواب أصولي، مع أنها مسألة لغوية لأنه دلالة مادة الأمر مرة نقول بدلالة عقلية فلا تكون مسألة لغوية، ومرة نقول بدلالة عقلائية فلا تكون مسألة لغوية، ومرة نقول لا، ظاهر هذه المادة أنها تفيد الوجوب، وهناك رأي في هذا، أن مادة الأمر بحسب الوضع اللغوي تفيد الوجوب، أو صيغة فعل الأمر بحسب الوضع اللغوي تفيد الوجوب، هذه مسألة بطبيعتها لغوية ولكنها عنصر مشترك أو ليست بعنصر مشترك؟ نعم، عنصر مشترك، لأن هذا الوجوب يمكن الاستفادة منه في كتاب الصوم، في كتاب الصلاة، في كتاب الحج، ولذا لابد أن نميز بين المسائل اللغوية فإذا كانت المسألة اللغوية هي بشرط شيء من حيث المادة خارجة عن علم الأصول، وإن كانت لا بشرط من حيث المادة فهي ماذا … طبعاً إذا توفرت الشروط الأخرى، يعني ماذا؟ يعني ان تكون مختصة بالاستدلال الفقهي، فقد تكون مسألة لغوية لا بشرط من حيث المادة ولكنها غير مختصة بالاستدلال الفقهي، تبقى أصولية أو تخرج من علم الأصول؟ تخرج من علم الأصول، لماذا؟ لأن الشرط الثاني يقول لنا أن تكون مختصة بالاستدلال الفقهي.

مثال آخر: فإذا كانت عندنا مسألة لغوية مختصة لا بشرط من حيث المادة الفقهية، مختصة بالاستدلال الفقهي ولكن غير مستعملة في القياس الأخير مسألة أصولية أو ليست أصولية؟ ليست بأصولية.

إذن لكي نقول أن هذه المسألة اصولية أو غير أصولية لا يكفي أن يتوفر فيها الشرط الأول، ولا يكفي أن يتوفر فيها الشرط الثاني، بل لابد من توفر الشروط الثلاثة معاً: مشتركة ومختصة وتستعمل في القياس الأخير في عملية الاستدلال. هذا فيما يتعلق … لأن بعض الأعزاء اعترضوا علينا وقالوا سيدنا مررتم مروراً سريعاً على هذه النقوض، قلت الحق معكم وسنفصل الكلام فيها.

أما فيما يتعلق بخروج القواعد الفقهية من المباحث الأصولية فهل تخرج أو لا تخرج؟ وضربنا بالأمس مجموعة من الأمثلة كقاعدة لا ضرر، كقاعدة الطهارة، القواعد الفقهية كثيرة جداً ويا ليت هذا الاهتمام الموجود بالفقه ينصب جزء منه على الاهتمام بالقواعد الفقهية، واقعاً مفيدة كثيراً، ولكنه من الناحية المنهجية ينبغي قبل أن ندخل في بحث القواعد الفقهية لابد أن نتعرف على ضابط القاعدة الفقهية، فهل يمكن أن نقول أن القاعدة الفقهية متميزة عن المسألة الفقهية وعن المسألة الأصولية. القاعدة الفقهية ما هي؟ واقعاً فيما يتعلق بضابط القاعدة الفقهية وبماذا تتميز عن المسألة أو القاعدة الأصولية وبماذا تتميز عن المسألة الفقهية. توجد كلمات كثيرة، ومتناثرة في كلمات العلماء، في الأصول وفي الفقه وفي القواعد.

منهم ما ذكره المحقق النائيني في (فوائد الأصول، ج4، ص308- 310) يوجد عنده بحث تفصيلي في هذا المجال، يقول: (إن المسائل الأصولية عبارة عن الكبريات التي تقع في طريق استنباط الأحكام الكلية الشرعية وبذلك تمتاز عن مسائل سائر العلوم وعن القواعد الفقهية، فبقولنا الكبريات تخرج مسائل سائر العلوم، وبقولنا الأحكام الكلية تخرج القواعد الفقهية). ماذا تستفيد من هذه الجملة؟ يقول عندما قيدنا أن المسألة الأصولية تنتج حكماً كلياً تخرج القاعدة الفقهية، يعني لازم كلامه أن القاعدة الفقهية لا تنتج حكما كلياً. وإلا لو انتجت حكماً كلياً لكانت مسألة أصولية. إذن الضابط الذي يذكره المرزا النائيني يقول: إذا كان القياس ينتج لك حكماً كلياً فالمسألة أصولية، وإذا كان ينتج لك حكماً جزئياً، سابقاً ميزنا بين الحكم الكلي وبين الحكم الجزئي، فإذا انتجت حكماً جزئياً فلا تكون مسألة أصولية.

ولازم كلامه أن القواعد الفقهية كلها لا تنتج الكليات وإنما تنتج الجزئيات، هذا اللازم، ولكنه يقول لا، أن القاعدة الفقهية قد تنتج حكماً كلياً وقد تنتج حكماً جزئياً، إذا انتجت جزئياً فهي ليست مسألة اصولية. (وأما الثاني فلأن القاعدة الفقهية وإن كانت تقع كبرى لقياس الاستنباط إلا أن النتيجة فيها) من القياس (إنما تكون حكماً جزئياً يتعلق بعمل آحاد المكلفين) لأنا قلنا ما هو الحكم الجزئي، يعني الحكم المرتبط بهذا المكلف وبهذا المكلف. الحكم الكلي وجوب الحج على المستطيع، الحكم الجزئي هو وجوب الحج على زيد ثبتت فيه الاستطاعة والشروط الأخرى هذا الحكم جزئي، الحكم الكلي ما هو؟ من كان مستطيعاً يجب عليه الحج. إذن من هنا بين المطلب بشكل آخر. قال: (وبتقريب آخر: نتيجة المسألة الأصولية تنفع المجتهد ونتيجة المسألة الأصولية تنفع المكلف). وبعد ذلك يدخل في (ص310) (فالقاعدة الفقهية تشترك مع المسألة الفقهية) يبين ما هو الفرق بين القاعدة الفقهية والمسألة الأصولية، والبحث طويل، ولكن همنا الآن هو التمييز بين القاعدة الفقهية وبين المسألة الأصولية.

الأعزاء إذا أرادوا مراجعة هذا البحث لعله وجدت بشكل تقريباً لا بأس به بحثه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في كتابه (القواعد الفقهية، المقدمة) يشير إلى عدة أبحاث، قال: (لكن مع الأسف) يشير إلى أسفه أن العلماء لم يعتنوا ببحوث القواعد الفقهية (موقف القواعد بين الفقه والأصول) أين تقع هذه القواعد، ثم يقول: (القواعد الفقهية هي برزخ بين الأصول والفقه) لابد أن نذهب ونعرف أنه أساساً الأصول أين والفقه أين حتى نتعرف على برزخ الأصول والفقه، إن شاء الله الأعزاء يراجعوا وأنا لا اريد الدخول في التفاصيل لأنها يأخذ وقتاً طويلاً ولا يوجد فيه بحث تحقيقي يستحق الوقوف.

ولكنه توجد هناك نكتة منهجية يشير لها وهي نكتة مهمة وقد أشرنا ولكن للتذكير، قال: (والغرض من جميع ما ذكرنا) أنت عندك إصرار في تمييز المسألة الفقهية عن القاعدة الفقهية والقاعدة الفقهية عن المسألة الأصولية ما الضرورة، قد يقول قائل أساساً لو كانت هذه أو كانت هذه لا السماء تنطبق على الأرض ولا الأرض تنطبق على السماء, لأن البعض يقول سواء كانت اصالة الوجود أو اصالة الماهية، إن صرنا أصالة وجود السماء تأتي إلى الأرض أو الأرض تصعد إلى السماء، هذه أو هذه، ما الفرق. البعض قد يقول: صارت أصولية أو صارت فقهية، صارت مسألة أو صارت قاعدة، ما الثمرة؟ هو يشير إلى الثمرة وهي ثمرة مهمة، قال: (والغرض من جميع ما ذكرنا في تعريف المسألة الأصولية والفقهية والقاعدة الفقهية تشخيص حال بعض المسائل المتشابهة التي قد يقع البحث عنها) لا ندري أن هذه مسألة فقهية أو قاعدة فقهية أو مسألة اصولية وأنها من الأصول أو من القواعد أو من الفقه (ومن المعلوم أن تشخيص حال المسألة واندراجها في كل واحد من العلوم له دخل في طور البحث عنها). يعني له مدخلية في المنهج المتبع في تحقيق مسائله، هذه القضية التي نحن في أوائل البحث قلنا أنه في علم الأصول لابد نميز هذه المسألة ما هي أولاً، مسألة عقلية لابد أن نتبع فيها المنهج العقلي، مسألة كلامية لابد أن نتبع المنهج الكلامي، لأني غير معتقد أن المنهج الكلامي هو المنهج العقلي وإن كان الكثير يحاول أن يخلط بينهما، يقولون هو واحد، وهو ليس بواحد، المنهج الكلامي منهج قائم على اساس الجدل وإن كان يلبس لباس المنهج العقلي. إن كانت المسألة شرعية نقلية لابد نبحث عن الدليل النقلي، إن كانت المسألة عقلائية لابد أن نبحث عن الدليل العقلائي، إن كانت عرفية لابد أن نذهبالى العرف، إن كانت لغوية لابد أن نذهب إلى اللغة، هي ليست [شوربة] تجعل فيها ما تشاء في علم الأصول، بعض [الشوربات] فيها مواد كثيرة من الخضار، علم الأصول في بعض الأحيان صار هكذا، لا تدري هذه المسألة عقلية ولا تدري أنها كلامية.

وهذا ليس هنا فقط، بل في الإمامة كذلك، الإمامة مسألة عقلية أو مسألة نقلية، هذه لابد أول ما تدخل في بحث الإمامة لابد أن تعين موقفك، إذا عقلية لابد أن تكون الأدلة عقلية، إذا لم تكن عقلية لابد أن تبحث أين. لا تؤلف لي أدلة عقلية، المسألة ليست عقلية بل هي نقلية، وهذا هو الخطأ المنهج العام الموجود في كثير من الأبحاث الأصولية والفقهية، خلط المناهج هذا الذي يشير له، ونعم ما أشار إليه. قال: (لأنه كل واحد له دخل تام في طور البحث عنها وكيفية استفادتها عن مباديها الخاصة فإن كل واحد من هذه العلوم يمتاز بنوع من البحث لا يجري في غيره) كما اشرنا إلى ذلك، كل واحد له طور ومنهج، له طريقة من الاستدلال.

بعد ذلك يشير إلى فائدة، (قد اشتهر في ألسنة جماعة من الأصوليين) مراده المرزا ومدرسة المرزا، لا يشير إلى اسمه ولكن يقول هكذا، يقول: (قالوا أنها تنفع المجتهد دون المقلد بخلاف المسائل الفقهية فأنها تنفع المجتهد والمقلد، ومن نتائج هذا البحث هو أن تطبيق كبريات المسائل الفقهية على مصاديقها الجزئية ليس من شأن الفقيه وفي إشكال واضح فإنه …) يبدأ بالمناقشة. ثم يأتي في (ص29) يقول: (أقسام القواعد الفقهية ما لا يختص بباب من الفقه، ما يختص بأبواب المعاملات، ما يختص بأبواب العبادات، ما يجري في أبواب المعاملات بالمعنى الأعم، ما يعمل به لكشف الموضوعات الخارجية) يعني قواعد مرتبطة بالشبهات الموضوعية.

السيد الخوئي وعلى القاعدة في (محاضرات الشيخ الفياض، ج1، ص8-10) الأعزاء يراجعوا البحث لأنه تجدون إذا أردنا أن نعرض لكل هذه الأبحاث لا تكفيها سنة. يقول: (والنكتة في اعتبار ذلك … يشترط في المسألة الأصولية أن تكون نسبتها إلى النتائج المترتبة عليها نسبة الاستنباط لا نسبة التطبيق). يعني ماذا؟ يقول مرة أن القاعدة واضحة فأنت تبحث عن مصاديقها، هذا استنباط؟ يقول لا، هذا تطبيق، يعني ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، مرة تطبقه على البيع ومرة تطبقه على الإجارة، هذه تطبيقات حصص، من قبيل الكلي وفرده كما قرأتم في علم المنطق، ومرة لا، أنك تستنبط الحكم، يعني ماذا، تعمل صغرى وكبرى وتصل إلى نتيجة، هذه صغرى، هذه من مصاديقها؟ لا، هذه من لوازمها المترتبة عليها. أضرب مثال: هذا الخبر دل على أن الارتماس مبطل للصوم وكل خبر ثقة إذن هذا الخبر ثقة، يعني يبطل الصوم، يبطل الصوم أصلاً حكم جديد ليس من مصاديق المقدمات، وإنما لازم يلزم الصغرى والكبرى، وفرق كبير بين أن يكون لازم وملزوم وبين أن يكون كبرى ومصداق لها، كلي وجزئي. يقول: (أن المسألة الأصولية لابد أن تكون النسبة بين المقدمة وبين النتيجة نسبة الاستنباط) الذي يعبر عنه التوسيط (في قبال نسبة التطبيق) ومن هنا يميز بين الاستنباط التطبيقي والاستنباط التوسيطي، إذا اتضحت هذه يقول: (وعلى هذا الأساس ظهر الفرق بين المسائل الأصولية وبين القواعد الفقهية فإن الأحكام المستفادة من القواعد الفقهية كلها هي تطبيق مضامينها على مصاديقها لا من باب الاستنباط والتوسيط مع أن نتيجتها …).

سؤال: هذا الكلام تام أو غير تام؟ هذا بحث إن شاء الله سيأتي، وهذا الذي وعدنا الأعزاء قلنا بعد ذلك سنرى هل يشترط في تعريف الأصول أن يؤخذ الاستنباط أو لا يؤخذ الاستنباط. الذي وجدتم أن السيد الشهيد في الحلقات قال: لاستنباط جعل شرعي، أما في تقريرات البحث الخارج فلم يقل استنباط. هل هناك ضرورة لأخذ الاستنباط حتى نضطر أن نميز بين التوسيط والتطبيق أو لا نحتاج؟ هذا بحث إن شاء الله بعد ذلك سيأتي.

وكيف ما كان في مسألة الضابط للمسألة الفقهية أو الأصولية هذه الأبحاث موجودة ونحن الآن لا نريد الدخول لأن بحثنا ليس في القواعد الفقهية وتعيين الضابط، إنما بحثنا أن القواعد الفقهية بأقسامها جميعاً تدخل في المباحث الأصولية أو لا تدخل؟ الجواب: السيد الشهيد لأننا نتكلم في ضابط السيد الشهيد، السيد الشهيد يقول كل القواعد الفقهية بأقسامها المتعددة كلها خارجة عن مباحث علم الأصول، للشروط التي أخذناها فيما سبق.

وتوضيح ذلك:

القسم الأول: في القسم الأول أن القاعدة الفقهية هناك قواعد فقهية غير مرتبطة بالحكم الكلي وإنما مرتبطة بالموضوع، يعني تجري في الشبهات الحكمية أم في الشبهات الموضوعية؟ لا، هي اختصاصها تجري إذا كان لاشك في الشبهات الموضوعية، هذه داخلة في علم الأصول أو خارجة عن علم الأصول؟ خارجة، واضح، لماذا؟ لأنا قلنا التي يستعملها الفقيه كدليل على الجعل، هذه لا يوجد فيها جعل، إذن خارجة عن علم الأصول. كقاعدة الصحة وقاعدة الفراغ وغيرها وقاعدة الحلية في الشبهات الموضوعية وكقاعدة الطهارة في الشبهات الموضوعية، لأنه مرة نحن في قاعدة الحلية والطهارة مرة نشك أن هذا الشيء انه حلال أو حرام هذه شبهة حكمية، ومرة ندري أنه حلال أو حرام ولكن هذا الخارج لا نعلم أنه فلان شيء أو فلان شيء، فتكون الشبهة موضوعية. إذن إذا كانت القواعد الفقهية مرتبطة بالشبهات الموضوعية فهي خارجة تخصصا عن المسائل الأصولية، لماذا خارجة؟ لأنه نحن نقول العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستدلال الفقهي خاصة التي يستعملها الفقيه كدليل على الجعل الشرعي أو على الحكم الشرعي الكلي. وهذه يوجد فيها جعل هذه القواعد أو لا يوجد فيها جعل، إذن خارجة عن علم الأصول، هذا واضح.

وهنا أيضاً لا أنسى أن أشير لأن هذا لم أشر له في الأبحاث السابقة، هذا تعريف علم الأصول هو الذي يبحث عن أدلة الفقه، طبعاً موجودة في كلمات السابقين كثيراً ومنهم الذي نقلناه عن السيد البروجردي وجاء في كلمات اللاحقين أيضاً موجود في كلمات السيد المرتضى في (الذريعة إلى أصول الشريعة، ج1) يقول: (اعلم أن الكلام في أصول الفقه إنما هو على الحقيقة كلام في أدلة الفقه) ما هو أصول الفقه؟ وهذه الجملة واضحة لا صعود ولا نزول، هذين الجملتين، أصول الفقه ما هو؟ هو الأدلة التي تستعمل في الفقه مع بعض القيود التي أشرنا إليها. هذا هو القسم الأول.

القسم الثاني: قواعد فقهية تجري في الشبهات الحكمية، يعني نريد أن نحكم بحكم أنه يوجد ضمان أو لا يوجد ضمان، لا أنه يوجد الضمان ولكن لا ندري في المورد يوجد ضمان أو لا يوجد ضمان، الشبهة ما هي؟ يعني بعبارة أخرى في العقد الصحيح يوجد ضمان، الثمن والمثمن، إذا كان العقد باطل أصلاً يوجد ضمان في الشرع أو لا يوجد ضمان. قد يقول قائل: إذا كان العقد باطل فلا يوجد ضمان. في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ماذا نريد أن نقول: نريد أن نحكم حكماً شرعياً أنه يوجد في العقد الفاسد ضمان كما هو موجود في العقد الصحيح، في الإجارة الصحيحة يوجد ضمان كذلك في الإجارة الباطلة يوجد الضمان، وهكذا في باقي المعاملات.

وهذه تكون قضية أخطر، لأنه جعل كلي، ولكنه مسألة اصولية أو ليست مسألة أصولية؟ نقول: ليست مسألة أصولية، لماذا؟ لأن هذا الجعل لا يستنبط منه جعل كلي بل تطبق على مصاديقها. ما هو ضابط المسألة الأصولية؟ ضابط المسألة الأصولية التي يستعملها الفقيه لأي شيء؟ حتى يثبت ماذا؟ حتى يثبت جعلاً كلياً. وهنا قاعدة الضمان تثبت جعلاً كلياً أو تثبت مصاديقها التي هي الأحكام الجزئية.

أضرب لكم مثالاً: أنت جنابك الآن تأتي إلى خبر الثقة، حجية خبر الثقة، خبر الثقة عندما تستعمله في باب الصوم تثبت لك حكم جزئي أو حكم كلي في باب الصوم؟ تثبت بأن الشيء الكذائي مبطل للصوم، هذا حكم كلي في باب الصوم. أن الشيء الكذائي مبطل في باب الصلاة، مبطل في باب كذا، في باب كذا، وكل ما يثبت بحجية خبر الواحد تطبيق أو أحكام كلية؟ أحكام كلية.

السؤال: أن قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده عندما تبينها يستنبط وتحصل منها تستنتج منها أحكام كلية أو تطبق على أحكام جزئية؟ أي منهما؟ من الواضح أنها لا تستنبط منها أحكام كلية، وإنما يأخذ منها تطبيقات، بعبارة ثالثة: هذا ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده أو ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، هذا حكم كلي أو حكم جزئي؟ هو حكم كلي. ونحو نريد من المسألة الأصولية أن تنتج لنا حكماً كلياً لا أن تكون هي حكماً كلياً. وهنا يوجد عندنا حكم كلي ينطبق على المصاديق، لا يستنتج منه حكم كلي. الأعزاء إذا أرادوا المراجعة في (مباحث الدليل اللفظي، السيد الهاشمي، ج1، ص25) ما يكون بنفسه حكماً كلياً لا أنه يستنتج منه حكم كلي، كلي الذي يستنتج منه أحكام جزئية.

تعالوا إلى الحج واجب على المستطيع هذا حكم كلي أو جزئي؟ هذا حكم كلي، يستنتج منه حكم كلي آخر أو له تطبيقات جزئية؟ لا يستنتج منه حكم كلي آخر. نعم، يطبق على زيد نقول مستطيع أو غير مستطيع. ونحن في المسألة الأصولية ماذا نريد؟ أن يستنتج من المسألة حكماً كلياً، ومن هذه القاعدة من هذا النحو من القواعد يستنتج حكم كلي أو فقط توجد تطبيقات ومصاديق لها في الواقع الخارجي؟ إذن خارجة عن علم الأصول.

القسم الثالث: المشكلة هنا، توجد بعض القواعد الفقهية واحد، اثنين: لا تختص بالشبهات الموضوعية بل تجري في الشبهات الحكمية كما في القسم الثاني، تختص بالشبهات الموضوعية القسم الأول، لا تختص القسم الثاني. الأمر الثالث ليست نسبتها إلى ما يستنتج منها نسبة الكلي إلى الفرد، بل نسبة الاستنتاج إلى المستنتج كالقاعدة الأصولية، يعني يستنتج منها حكم كلي، هذه تصير مسألة اصولية أو لا تصير؟ أنتم بماذا قيدتم؟ قلتم يستعملها الفقيه كدليل على الجعل الكلي، هذه القاعدة تفيد ماذا؟ يستنتج منها جعل شرعي، قاعدة: كل شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر، أو قاعدة الحلية. كلامنا الآن في قاعدة الطهارة: كل شيء لك طاهر، هذه تجري في الشبهات الموضوعية، أنا أعلم أن الماء طاهر والخمر نجس، ولكن لا أعلم أن هذا الذي أمامي ماء أو خمر، ماذا أجري فيه؟ قاعدة الطهارة، هذه شبهة موضوعية. لكن المشكلة في الشبهات الحكمية، لو جئنا، إن شاء في بحث الفقه، لو جئنا إلى الكتابي وسألنا أنه طاهر أو نجس؟ أو الإنسان إذا اردنا توسيع الدائرة لأنه لا دليل على نجاسة الكافر إطلاقاً إلا الإجماع، لا يوجد عندنا أي دليل على نجاسة الكافر إلا الإجماع المدعى في الكلمات، إن شاء الله في وقته إذا استطعنا أن نناقش الإجماع لا تثبت طهارة الكتابي فقط بل تثبت طهارة الإنسان، وذاك بحث آخر.

الآن لو جئنا إلى أدلة طهارة الكتابي، دليل دليل دليل، عشرة عشرين كتاب سنة، روايات، إجماع، كلها ناقشناها، الدالة على النجاسة، ثم انتهينا إلى الأصول العملية وشككنا أن الكتابي طاهر أو أنه نجس. هنا الأعلام ماذا يطبقون أي قاعدة؟ قاعدة الطهارة، يقولون: إذا لم يقم دليل اجتهادي على نجاسة الكتابي نتمسك بقاعدة كل شيء طاهر، هذه كل شيء طاهر تبين التطبيقات أو تبين حكم كلي أن الكتابي طاهر، أي منهما؟ تبين حكماً كلياً وهو طهارة الكتابي. من هنا وقع الكلام بينهم أن قاعدة الطهارة هل هي من مباحث علم الأصول أو ليست من مباحث …، يعني بعبارة أخرى هذا البحث أين عرضوا له، إن شاء الله في أول مباحث الأصول العملية نعرض له، طبعاً هذا أصله هنا، وهو أنه في مباحث الأصول العملية ماذا يبحثون؟ بسم الله الرحمن الرحيم … البراءة، الاحتياط، الاستصحاب، التخيير. هذه أربعة، واشلكوا عليهم قالوا لماذا لا تدخلوا قاعدة الطهارة، ما المشكلة؟ هذه قاعدة تنتج ماذا … كما أن الاستصحاب يثبت لك حكماً كلياً وجعلاً شرعياً الطهارة تثبت لك أيضاً حكماً كلياً، لماذا الاستصحاب من علم الأصول وقاعدة الطهارة خارجة عن علم الأصول؟

إذن الشرط الأول: أنها أولاً يستنتج منها حكم كلي أو لا يستنتج؟ نعم، يستنتج. تستعمل في القياس الأخير أو لا تستعمل؟ نعم، تستعمل. السيد الشهيد الصدر يقول: نعم، الشرط الأول غير موجود، الشرط الثاني والثالث موجود، ونحن اشترطنا في المسألة الأصولية أن تكون لا بشرط من حيث المادة والطهارة لا بشرط أو بشرط شيء؟ فقط مختصة بأي باب؟ بباب الطهارة. يقول: وإلا قضية أنه أساساً أن تكون مستعملة في الاستدلال الفقهي، نعم مستعملة. تنتج حكماً كلياً وجعلاً شرعياً، نعم الأمر كذلك. ولكن المشكلة لا يوجد الشرط الأول وهو أن تكون لا بشرط من حيث المادة الفقهية، ومادة (طهر) لا بشرط أو بشرط شيء؟ بشرط شيء، إذن خارجة عن علم الأصول بالشرط الأول.

هذا المعنى الذي أشرنا إليه قريب منه ذكره صاحب الكفاية، يعني إخراج قاعدة الطهارة من المباحث الأصولية بهذا القيم أشار إليه صاحب الكفاية.

هذا المعنى بشكل واضح وصريح ذكره السيد الشهيد في (تقريرات السيد الهاشمي) في الجزء الرابع، في أول مباحث الأصول العملية.

صاحب الكفاية في (كفاية الأصول، ص337) طبعة مؤسسة آل البيت، في أول مباحث الأصول العملية، قال: (المقصد السابع: في الأصول العملية، وهي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص والمهم منها أربعة) ما هي؟ التخيير والبراءة والاحتياط والاستصحاب فإن قلت: قاعدة الطهارة لماذا لا تدخلها؟ (فإن قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته بالشبهة الحكمة) لا في الشبهة الموضوعية، أيضاً تنتج لنا حكماً كلياً، جعلاً كلياً (وإن كان مما ينتهى إليها فيما لا حجة على طهارته ولا على نجاسته) يعني ليس عندنا دليل اجتهادي على طهارة الكتابي ولا دليل اجتهادي على نجاسة الكتابي، وشككنا أن الكتابي طاهر أو غير طاهر، يقول نستعمل هنا قاعدة الطهارة في الشبهة الحكمية. (إلا أن البحث عنها ليس بمهم حيث أنها ثابتة بلا كلام من دون إلى حاجة نقض وإبرام بخلاف الأربعة).

إذا تتذكرون السيد الخوئي قال مسألة حجية الظواهر خارجة عن علم الأصول، قال لماذا؟ قال لأنها من المسلمات، هذه نفس العبارة هنا. لا يوجد بحث في مسألة اصالة … وحيث لا يوجد فيها بحث فندخلنا في علم الأصول أو لا ندخلها؟ لا ندخلها.

(من دون حاجة إلى نقض وإبرام بخلاف الأربعة وهي: البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب، فإنها محل الخلاف بين الأصحاب) هذا هو الضابط الذي ذكره السيد الخوئي في ضابط المسألة الأصولية، قال إذا كانت متفق عليها فهي خارجة عن علم الأصول وإذا كانت مختلف فيها فهي داخلة في علم الأصول. هذا ليس محل كلامنا وهناك ناقشنا هذا.

ثم قال – الشاهد-: (هذا مع جريانها) هذه الأصول الأربعة (في كل الأبواب) يعني الاستصحاب غير مختص بباب فقهي، يعني بشرط شيء أو لا بشرط؟ لا بشرط (هذا مع جريانها في كل الأبواب واختصاص القاعدة ببعضها) أما قاعدة الطهارة فلا تجري في كل الأبواب بل هي مختصة، يعني بشرط شيء.

تقول: سيدنا هذا نتيجة الكلام أنت تعريف السيد الشهيد فرغته عن محتواه، تقول أن هذا الجزء مربوط بالبروجردي أو بالسيد بالمرتضى، وهذا مربوط بالفلاسفة، وهذا مربوط بصاحب الكفاية، فماذا بقي له؟

الجواب: لا، الكفاية كانت موجودة بيد أعلام كثيرين بعد صاحب الكفاية، الذي استطاع أن يربط هذه الأبحاث ويستخرج نظرية هو من؟ والملكة هنا تظهر، وإلا أنا أعطيك [رز ومرق وخضروات] إن استطعت أن تصنع لي شعرة من شعر رأسك، اذهب إلى المختبر واستخرج لي منها شعرة، تستطيع أن لا؟ الله يستطيع أن هذه يحولهن إلى المعدة وهن مخلوطات خلطاً وهناك كم مليار أو ترليون خلية في البدن، لهذه الخلية كم يعطي، وللشعر ماذا يعطي، وللرأس ماذا يعطي، ولخلايا الدماغ ماذا يعطي، ولخلايا الرجل ماذا يعطي. المهم هو هذا. وإلا هذه المواد موجودة، الاجتهاد في الأعم الأغلب أنت تأتي وتنظر إلى لوحة، الآن بعض اللوحات في العالم قد تباع بـ 70 مليون دولار أو 100 مليون دولار، هي ماذا هذه الصور، مجموعة أصباغ وأعطيك إياها. الجواب: لا، الرسام والعبقرية في تركيب هذه الأجزاء وهذه الألوان الذي يستخرج لك هذه اللوحة الفنية.

السيد الصدر، لأقول لكم واقعاً، أنا كثيراً، لأن طبعي لا أطالع للصغار، يعني ليس عندي وقت، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: خذوا من كل علم لبابه ودعوا قشوره فإن العلم كثير والعمر قصير. إذا تريد ان تقرأ فلسفة انظر في تاريخ الإسلام كم فيلسوف موجود من الطبعة الأولى، اذهب واعمل عليهم 99% بيديك فلا تحتاج غيرها، في الأصول انظر كم مدرسة موجودة، اذهب واعمل على أساتذتها الكبار والباقي كله يصير بيديك، هذا منهج اتخذته منذ 40 عاماً في الحياة.

واقعاً لم أجد بين هؤلاء الأعلام هاضمة علمية كهاضمة السيد الشهيد&، قدرته رهيبة، المواد ترى هذه موجودة، هذه موجودة، هذه موجودة، هذه موجودة في كلمات العراقي، هذه موجودة في كلمات النائيني، هذه موجودة في كلمات الأصفهاني، هذه موجودة في كلمات الخوئي … ولكن ولا واحدة منهن، لماذا؟ لأن هذه كلها جمعها في هاضمته العلمية أخرجها لك بلوحة جديدة، طبعاً وهذا الرجل ليس من الآن، هذه للتاريخ أقولها لأني لم أجدها فيمن كتب عنه، سألته سيدنا أول كتاب كتبته في حياتك كم كان عمرك؟ قال: ثمان سنوات. أول كتاب كتبه في حياته وهذه المعلومة منه شخصياً لا نقلاً

عن أحد، قال كتبته عن حياة الأئمة في 100 صفحة، سألته كم كان؟ قال: 100 صفحة. قلت له: موضوعه؟ قال: حياة الأئمة. طبعاً رأيت أستاذاً له ولا اريد أن أذكر اسمه، رأيت استاذاً له قال كان عمره ست سنوات أو سبع سنوات كان في الصف الأول أو الثاني الابتدائي كانت بعض المسائل الفلسفية لا نفهما نجلس معه نفهمها، لأنه كان معني بالفلسفة وهو ماذا … وهذا الذي نحن إلى الآن طالب خمسين أو ستين سنة في الحوزة والطالب لا يعلم أن الفلسفة تكتب بالفاء أو بالقاف. الآن في بريطانيا المنطق يدرس من السنة الأولى الابتدائية، هذا الذي نعبر عنه نحن من تمنطق فقد … من الصف الأول الابتدائي يدرسون المنطق.

هذا المعنى أيضاً موجود في كلمات السيد الشهيد قلنا في مكان وخرجنا إلى مكان آخر مع الاعتذار، وتتمة الحديث إلى غد.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات