أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
تبين للأعزاء في البحث السابق أن القسم الثالث من القواعد الفقهية تشتمل تقريباً على كل الشروط التي لابد من توفرها في المسألة الأصولية، قلنا أن المسألة الأصولية لابد أن يستنتج منها حكم كلي، وأن تكون مختصة بالاستدلال الفقهي، وأن تكون عنصراً مشتركاً.
قد يقول: أن قاعدة الطهارة وأصالة الطهارة تتوفر فيها جميع الشروط اللازمة.
أما أنها يستنتج منها حكم كلي فلما بيناه بالأمس، قلنا بأنه يمكن الاستناد إلى قاعدة الطهارة لإثبات الأحكام الكلية. كيف يمكن الاستناد إلى حجية خبر الثقة لإثبات الأحكام الكلية كذلك يستند إلى قاعدة الطهارة لإثبات الأحكام الكلية. بخلاف القسم الأول من القواعد الفقهية والقسم الثاني من القواعد الفقهية، فإن القسم الأول لم يكن يستفاد منه أي حكم كلي لأنها داخلة أو مرتبطة بالشبهات الموضوعية، والقسم الثاني وإن كانت هي حكم كلي إلا أنه لا يستنتج منها حكم كلي بل فيها تطبيقات ومصاديق، أما بخلاف القسم الثالث فأنها هي حكم كلي ويستنتج منها أحكام كلية، من قبيل حجية خبر الثقة فأنها حكم شرعي ويستنتج منها أحكام شرعية كلية في باب الصوم وفي باب الحج، وكذلك في أصالة الطهارة هي حكم كلي ويقع حداً أوسط لإثبات أحكام كلية، وبهذا يتضح أن الميزان الذي ذكره السيد الخوئي للتمييز بين المسألة الأصولية والقاعدة الفقهية أن الأصولية نسبتها إلى النتائج نسبة التوسيط والاستنتاج والقاعدة الفقهية بالنسبة إلى النتائج نسبة التطبيق، اتضح أن هذا المائز غير تام، لماذا؟ لأن هناك قواعد فقهية أيضاً تكون سبباً أو دليلاً لاستنتاج أحكام كلية، إذن هذا الضابط الذي ذكره السيد الخوئي في المحاضرات لتمييز المسألة الأصولية عن القاعدة الفقهية، ج1، ص8 غير تام. (والنكتة في اعتبار ذلك في تعريف علم الأصول) يعني اشترطنا أن يكون الاستنباط توسيطياً لا تطبيقياً هي الاحتراز عن القواعد الفقهية فإنها قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية ولا يكون ذلك من باب الاستنباط والتوسيط بل من باب التطبيق) الجواب: هذا يصح في بعض القواعد يعني القسم الثاني ولا يصح في القسم الثالث، لأنه لو كانت القواعد الفقهية كلها من قبيل ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، أو من قبيل قاعدة الصحة، قاعدة الفراغ لتم الكلام، أما هذه القاعدة وهي قاعدة الطهارة كما أشرنا بالامس ليست كذلك، فأننا نستطيع أن نثبت بها طهارة الكتابي إذا لم يكن دليل اجتهادي على الطهارة أو النجاسة، إذا قام دليل اجتهادي على النجاسة لا تصل النوبة إلى الأصول العملية وإذا قام دليل اجتهادي على الطهارة أيضاً على بعض المباني لا تصل النوبة إلى لاأصول العملية، إذا لم يقم عندي دليل وشككت أن الكتابي طاهر أو نجس، هذا حكم أو موضوع؟ لا، حكم شرعي، لا أعلم أن الكتابي طاهر أو نجس، قاعدة الطهارة ماذا يستفاد منها؟ استنتاج حكم كلي شرعي، وهو أن الكتابي طاهر، إذن هذا الذي ذكره السيد الخوئي للتمييز بين القاعدة الفقهية والمسألة الأصولية تام أو غير تام؟ الجواب: غير تام.
من هنا انتقلنا قلنا إذن سيدنا على أي نكتة أنتم تخرجون قاعدة الطهارة من المباحث الأصولية؟ بالأمس أشرنا أن السيد الشهيد+ أخرج ذلك كما ذكر في (ج5، تقريرات السيد الهاشمي، ص20) قال: (وجوابه المنهجي) عنده جواب تأريخي سأشير له بعد ذلك، يوجد عنده جواب تأريخي وجواب منهجي. (وجوابه المنهجي الفني أن الأصول الأخرى أما أن لا تجري) غير الأصول الأربعة يعني غير الاحتياط والتخيير والبراءة والاستصحاب، لماذا يختصر على هذه الأصول العملية الأربعة، لماذا لا يدخلون أصالة الطهارة، لماذا لا يدخلون أصالة عدم النسخ، هذا بحث أصالة عدم النسخ عنصر مشترك أو مختص؟ مشترك. لماذا لا يدخلونه. ويستنبط منها أحكام كلية، وأصول عملية أخرى، لماذا اختصر علماء الأصول في الأصول العملية على هذه الأربعة، يقول: يوجد عندنا جواب تأريخي سأشير له بعد ذلك، وعندنا جواب فني منهجي على اساس الضابطة، ما هي الضابطة؟ يقول: (أن الأصول الأخرى إما لا تجري في الشبهات الحكمية) كما في القسم الأول (فلا تقع في طريق استنباط حكم شرعي أصلاً كأصالة الصحة أو أنها لا تكون مشتركة في الفقه) وإن كانت حكم شرعي ويستنتج منها حكم شرعي (كما في أصالة الطهارة وكلا الأمرين شرط في اندراج المسألة في بحوث علم الأصول على ما تقدم شرحه مفصلاً في تعريف علم الأصول).
إذن السيد الشهيد يخرج هذه المسألة التي هي أصالة الطهارة من مباحث الأصول على أي أساس؟ على أساس الشرط الأول وهو أن تكون المسألة الأصولية عنصراً مشتركاً، والطهارة عنصر مشترك أو عنصر مختص؟ يقول: لا عنصر مختص بكتاب الطهارة. فإذن هو مادة فقهية بشرط شيء من حيث المادة الفقهية أو لا بشرط من حيث المادة الفقهية؟ هو بشرط شيء من حيث المادة الفقهية.
وهذا ما صرح به في (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر) وهنا لا بأس أن أشير إلى ملاحظة ذكرها لي بعض الأعزاء، وهي:
سيدنا لماذا أنتم تهتمون بهؤلاء المقررين الثلاثة: السيد الهاشمي والسيد الحائري والشيخ حسن، هل لم يكن هناك مقررين آخرين للسيد الشهيد. لعل السيد محمد الصدر عنده دورة كاملة ولكن أعزائي من عنده دورة ليأتينا بها لنستفد منها، نحن لا نملكها، الشيخ يوسف الفقيه أيضاً كتب دورة في الوقت الذي كنت أحضر فيه درس السيد الشهيد، والشيخ يوسف الفقيه درست عنده في كلية الفقه في مادة الفقه في الصف الثاني. فمن بعض الأبعاد هو من أساتذتي، ولكن غير موجود بيدي. وكذلك فيما يتعلق بهذه الأبحاث في منهج الأصول التي هي أبحاث السيد محمد الصدر بحث من المجاز وهذه الأبحاث لم يتعرض لها. ولذا لا يقول لي بعض الأخوة لماذا لا تذكر بعض الأعلام الآخرين المقررين؟ الجواب: أنها غير مطبوعة حتى يمكن الاستناد إليها.
في (ج11، ص46) يقول: (نعم، بالنسبة لأصالة الطهارة فأنها وإن كانت جارية في الشبهات الحكمية والموضوعية إلا أنها ليست بقاعدة أصولية ومسألة أصولية لأننا قد اشترطنا في أصولية القاعدة) يعني الأصولية (أن تكون سيالة في جميع أبواب الفقه) هذا التعبير فيه مسامحة، السيد الشهيد لم يشترط أن تكون سيالة في جميع الأبواب الفقهية، وإلا يلزم خروج بحث الأوامر من الأصول وبحث النواهي من الأصول وبحث الإطلاق وبحث العموم وبحث الاستلزامات من الاصول، لماذا؟ لأن هذه لا تجري في كل الأبواب الفقهية، بل تجري في بعض الأبواب دون بعض. (ينبغي أن لا تكون مختصة بباب فقهي) قد تشمل ثلاثة أبواب أو أربعة أبواب أو عشرة أبواب أو خمسين باب، فرق بين أن تكون سيالة في كل الأبواب، نعم أصالة الظهور سيالة في كل الأبواب. يقول: (ولا تختص بباب دون باب وهذا ما عبرنا عنه بالعناصر المشتركة وأصالة الطهارة لم يكن فيها هذه الصلاحية).
طبعاً هنا أبحاث كثيرة، ولا أريد أن أدخل في التفاصيل لأني أريد أن أنهي البحث ولأني أتصور بأنه يتعب الأعزاء الجالسين. أصالة الطهارة صحيح أنها مختصة باب الطهارة ولكن تجري فقط في المشروبات أم تجري في المأكولات أيضاً، إذن أصالة الطهارة تجري في كل أبواب الأطعمة والأشربة، إذن مختصة بباب أو غير مختصة بباب؟ طبعاً السيد الشهيد في الدورة الأولى ملتفت إلى الإشكالية وحاول يميناً ويساراً أن يتخلص من الإشكال، ومن أحب المراجعة يرجع إلى (تقريرات السيد الحائري، ج3 من القسم الثاني، ص49)، يقول: (حصر البحث في الأصول الأربعة …) ثم يقول في (ص52): (ولكن يمكن أن يقال أن أصالة الطهارة معناها التعبد بترتيب آثار الطهارة التي منها جواز الأكل والشرب ومنها جواز الوضوء والتيمم ومنها جواز الصلاة في الشيء ومنها جواز بيعه) في بيع المعاملات، لأن البعض يشترط في مورد المعاملة طاهرة وأن لا تكون نجسة، كيف نستنبط طهارتها، بأصالة الطهارة (ومنها جواز بيعه بناء على اشتراط الطهارة في البيع ونحو ذلك فأصبحت سارية في أبواب الفقه) غير مختصة بباب، ونحن لم نشترك في المسألة الأصولية أن تكون سارية في كل الأبواب الفقهية كما أشرنا قبل قليل، بل يكفي أن لا تكون مختصة بباب واحد، هذا إشكال.
وإشكال آخر هو أساساً الطهارة من الأحكام الوضعية أو من الأحكام التكليفية؟ تعلمون واحدة من تقسيمات الأحكام تنقسم إلى أحكام تكليفية وإلى أحكام وضعية، وهناك بحث مفصل يأخذ ليالي وأيام إن لم أقل أشهر، أن الأحكام الوضعية هل هي مجعولة بالاستقلال أو منتزعة من الأحكام التكليفية، فإذا بنيت على أن الطهارة من الأحكام الوضعية المنتزعة إذن مجعول من قبل الشارع أو غير مجعولة؟ إذن كيف تكون حكماً شرعياً. هذه انتزاعاتنا لا أن الشارع جعلها، والكثير من الأبحاث من هذا القبيل أنا أتصور لعلنا نشير لها في أول مباحث الأصول العملية، إن شاء الله 22 سنة أو 24 سنة نحن بخدمة الأخوة إلى أن نصل إلى مباحث الأصول العملية، يقيناً بعد 22 سنة …
هذا ما يتعلق بالقسم الثالث من القواعد الفقهية، راجعوا البحث هناك، طبعاً السيد الحائري تعرض لهذا البحث في (ص49-54) بحث البحث مفصلاً هناك.
القسم الرابع من القواعد الفقهية هي التي يقول عنها السيد الشهيد من قبيل قاعدة الضرر، وقلنا أن هذه القاعدة واقعاً صحيح أن فيها مادة واحدة وهي الضرر، ولكن مختصة بباب واحد أو سيالة في أكثر الأبواب الفقهية، في باب الطهارة يأتي الضرر، في باب الصوم يأتي الضرر، في باب الجهاد يأتي الضرر، في باب الغنيمة يأتي الضرر، في باب المعاملات يأتي الضرر، في باب الخيارات يأتي الضرر، إذن لا يمكن إخراج قاعدة (لا ضرر) على أساس أنها ليست عنصر مشترك. ولذا السيد الشهيد& في هذا القسم من القواعد لم يجد محيصاً إلا أن يلتزم أن (لا ضرر) ليست قاعدة وإلا لو التزم أنها قاعدة بالمعنى الفني والاصطلاحي للقاعدة يعني مجعولة بجعل واحد من الله هذه القاعدة عنصر مشترك في عملية الاستدلال الفقهي التي يستعملها الفقيه كدليل على الجعل الشرعي أو على الحكم الشرعي الكلي. ولذا في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص24) يقول: (والتحقيق أن ما يسمى بالقواعد الفقهية على أقسام: الأول: ما ليس قاعدة بالمعنى الفني للقاعدة وذلك كقاعدة لا ضرر) يقول وهذا على بعض المباني وإلا على مباني أخرى فإن لا ضرر قاعدة فقهية، أين عرضنا لهذا؟ عرضنا له فيما كتبناه من تقريرات السيد الشهيد في بحث (لا ضرر، ص204)، الأعزاء الذين يريدوا المراجعة بحثنا هناك على بعض المباني ليست قاعدة وعلى بعض المباني قاعدة.
إذن هذا القسم الرابع من القواعد تخرج مطلقاً أو على بعض المباني دون بعض؟ على بعض المباني دون بعض. هذا هو النقض الثاني.
إلى هنا انتهينا من النقض الأول وهو المسائل اللغوية. النقض الثاني وهي القواعد الفقهية.
النقض الثالث وهو المسائل الرجالية والقواعد الرجالية والمباحث الرجالية. هذه داخلة أو غير داخلة؟ الواقع بحسب الظاهر أنها داخلة، لماذا؟ لأنه نحن اشترطنا في المسألة الأصولية أن تكون عنصراً مشتركاً ومختصة بالاستدلال الفقهي ويستنتج منها حكم شرعي كلي. ضع يدك على قاعدة وثاقة زرارة، أو ضع يدك على أي قاعدة من القواعد الرجالية، عنصر مشترك أو عنصر مختص. وثاقة زرارة في أي باب فقهي؟ في كل الأبواب الفقهية زرارة عنده رواية، عنصر مشترك. عنصر مشترك أين تستعمل؟ في الاستدلال … لأن الوثاقة نحن نحتاجها في الاستدلالات الفقهية، وإلا في غير الاستدلالات الفقهية لا ربط لنا بالوثاقة، طبعاً الوثاقة بالمعنى الشرعي عندنا. يستنتج منها حكم كلي او لا يستنتج؟ نعم، في باب الصيام حكم كلي في الصيام، في باب الحج حكم كلي في الحج. إذن كل العناصر الثلاثة متوفرة.
ومن هنا صار البحث عندنا كيف تخرج مباحث علم الرجال عن مسائل علم الأصول؟ في (مباحث الأصول، ج1 من القسم الأول، ص38) للسيد الحائري، هذه عباراته، يقول: (وقد اتضح بما ذكرنا نكتة خروج علم الرجال من علم الأصول أيضاً) كيف سيدنا؟ على الشرائط الثلاثة المتقدمة، يقول: (فإن وثاقة زرارة ليست دخيلة في القياس المباشر للاستنباط) إذا تتذكرون فيما سبق في (ص37) فسر القياس الأخير الصغرى مسألة أصولية والكبرى مسألة أصولية، قال: (مباحث الحجج والأصول أو مباحث صغريات … غاية الأمر أن بعض المباحث يدخل في كبرى القياس المباشر للاستنباط مثل حجية خبر الثقة وبعضها يدخل في صغرى القياس المباشر مثل صغريات الظهور) الأمر والنهي وغيرها. إذن جعل القياس الأخير في المسألة الأصولية، صغراها أصول وكبراها أصول.
ثم في (ص38) يقول: (ليست دخيلة مسائل علم الرجال في القياس المباشر للاستنباط وإنما هي من مقدمات قياس سابق) قياس ليس هو الأخير وإنما هو ما قبل الأخير، كيف سيدنا؟ (حيث يقال أولاً) يعني في القياس ما قبل الأخير (هذا خبر زرارة وزرارة ثقة) حتى نخرجه عن حالة ليس فيه كلية، لأن هذه وزرارة ثقة كما قرأتم في علم المنطق الكبرى في الشكل الأول لابد أن تكون كلية، قد يقول قائل: وزرارة ثقة كلية أو ليست كلية؟ ليست كلية، نبدل له الصيغة حتى لا يشكل علينا، نقول: وكل خبر زرارة ثقة. نجعلها موجبة كلية، لأن زرارة ثقة قضية شخصية وفي القياس يقولون لابد أن تكون كلية، وهذه ليست كلية؟ الجواب: هذه سهلة وقابلة للحل.
وزرارة ثقة، هذا خبر زرارة في باب الصوم، وكل خبر زرارة ثقة، هذه الكبرى، إذن هذا الخبر في باب الصوم ثقة. هذا خبر ثقة. هذا القياس الأول. (وبعد ذلك يقال هذا خبر ثقة وكل ما أخبر به الثقة فهو حجة يجب التعبد به إذن هذا يجب التعبد به) يقول انظروا الآن: القياس الأول هو القياس المباشر أو القياس ما قبل الأخير؟ ما قبل الأخير إذن ليست مسألة أصولية.
سؤال: هذا القياس الأخير مركب من مسألتين أصوليتين أو أحدهما فقهية والأخرى أصولية؟ هذا خبر ثقة، وهو في مباحث الفقه، وكل ما أخبر به الثقة، هذه مسألة أصولية. إذن يفسر القياس الأخير لاستنباط الحكم الشرعي أو لاستنباط المسألة الأصولية. هذا الذي نحن قلنا أن عبارات التقريرات بعضها تفسر القياس الأخير في المسألة الأصولية وبعضها تفسر القياس الأخير في استنتاج الحكم الشرعي.
قال: (فهذا ثابت، فالقياس الأول) أي قياس: هذا خبر زرارة وزرارة ثقة (فالقياس الأول بكلتا مقدمتيه خارج عن علم الأصول) لماذا؟ لأنه قياس ما قبل الأخير (وأما القياس الثاني) التفت إلى تصريحه (وهو القياس المباشر فصغراه خارجة عن علم الأصول وكبراه داخلة في علم الأصول).
إذن يفسر القياس الأخير بأي معنى؟ الذي يستنتج منه المسألة الأصولية أو يستنتج منه الحكم الشرعي؟ هنا يفسرها بما يستنتج منه الحكم الشرعي لا المسألة الأصولية، وقبل ذلك في (ص37) فسرها بالنحو الأول. هذا كلام السيد الشهيد بتقرير السيد الحائري. وبعبارتي أنا بفهم السيد الحائري، وهذا الفهم يلازم البشرية إلى قيام الساعة، هذا فهمك، لا تقول أن هذه مقدسات، هذا فهمك مقدس، قد يأتي أحد يقول لك هذا غير مقدس وهو حر. هذا البحث لا أريد الدخول فيه وهو في نظرية المعرفة. نعم، عندنا فهم معصوم وهو ما يفهمه المعصوم، ولكن المشكلة هذا المعصوم أنا كيف أفهم منه عندما يتكلم لي هذا فهمي غير معصوم، كيف اعرف أن هذا الفهم هو فهم المعصوم، تقول لي أسأله، أقول له يا بن رسول الله أنا فهمت من كلام فهماً هذا فهمي واقعي صحيح، نفس أمري، أو أنا مشتبه، الإمام قال لي … طبعاً هذه نادرة جداً. افترض أنك تستطيع أن تتصل بالإمام عن طريق الهاتف المحمول وعندما أنت تفهمت شيئاً تتصل بالإمام× تقول له سيدنا أنا فهمت هكذا فهل فهمي حق أو ليس بحق. قال لك: حق. سؤال: من قال أن الإمام لم يكلمني على قدر عقلي، من قال أنه لم يتخذ التقية معي. والكثير من القواعد التي أسسوا لها.
إذن تصعد إلى السماء أو تنزل إلى الأرض كل ما نفهمه من القرآن أو الرواية فهو فهمنا، وأدعوا الله أن يكون فهمك مطابقاً للواقع. نعم، هو حجة، يعني منجز ومعذر، لا تستطيع أن تقول أنا كنت احتمل أن فهمي هذا غير مطابق للواقع ولهذا لم أصلِ وشربت الخمر، من قال أني فهمت صحيحاً. لا، هذا الذي فهمته، هذه المغالطة التي يطرحها بعض العلمانيين، يقولون هذا فهم بشري ومن قال أن الفهم البشري مطابق للواقع فعلى أي أساس أنتم تلزمونا؟ الجواب: أن الله ألزمنا بحجية فهمنا، قال هذا الفهم حجة عليكم، تقول له احتمال المخالفة للواقع، يقول: أنت عليك أن تنفذ ما فهمت، فهو الحجة عليك. وإذا لم تطابق الحجة فلو عملت بخلاف ما قامت عليه الحجة فأنت متجري حتى لو كانت مطابقة للواقع، وهذا ما درستموه في بحث التجري، وظيفتك أن تعمل بالحجة، طبعاً عندما أقول بالحجة أتكلم بالحجة الفقهية والأصولية، وهي غير الحجة في باب العقائد لأن الحجة في العقائد الكاشفية وعدم الكاشفية، المطابقة للواقع وعدم المطابقة للواقع، الحجية في الأصول ليست المطابقة أو غير المطابقة ولذا صرنا مخطئة وإنما نبحث عن المنجزية والمعذرية. هذا كلام السيد الشهيد كما ينقله السيد الحائري، طبعاً هذا البحث بشكل تفصيلي عرض له الشيخ حسن في تقريراته في (ج1، ص51) يراجعه الأعزاء لأنه في ذاك البحث بحثه مفصلاً والعبارات أوضح كثيراً لأنه كما ذكرت لكم مراراً أن هذه العبارة عبارة الكاسيت وليست فهم شخصي، يعني ليس أنه ما فهمه قرره، وإنما نزل المطالب من الكاسيت، يقول: (هنا نقول في القياس الأول هذا خبر زرارة وزرارة ثقة هذا خبر زرارة، هذا القياس دخلت فيه مقدمة رجالية وهي أن زرارة ثقة ونتيجة هذا القياس أن هذا الخبر) العبارة عبارة درس وليست عبارة كتاب، كأن السيد الشهيد يتكلم.
يكون في علمكم السيد الشهيد لم تكن طريقة بحثه هكذا، صوته يصعد وينزل ويتحرك أبداً، السيد الشهيد وكذلك السيد الخوئي خلال السنتين اللتين حضرناها.
السيد الشهيد كان يأتي ويجلس ويرتب عباءته بشكل دقيق، ويضع يديه على ركبتيه ثم يبدأ بالحديث كأنك شغلت مسجلاً على نمط ونسق واحد لا ارتفاع في الصوت ولا انقطاع ولا تلكأ نصف ساعة أو 25 دقيقة يتكلم ثم يقول السلام عليكم وينتهي. لا ينظر لا يمين ولا يسار … وكما ذكرت فيما سبق للأعزاء بعض الأحيان الشيخ يوسف كان يجلس على يساره والشيخ حسن عبد الساتر كان يجلس على يمينه، آقاي مسلمي الموجود الآن ويدرس في حوزة قم كان يجلس قباله، بعض الأحيان اقاي مسلم يشكل بالفارسية، وبعض الأحيان الشيخ حسن والشيخ يوسف يشكلون بإشكالات، السيد الشهيد وهو جالس هكذا حتى أن بعض الأعزاء المحبين للسيد الشهيد هذا الشكل من الجلوس أنا كنت أحبه ولذا بعض الأحيان عندما يريدوا أن يمازحونا يطلبونا منا الجلوس كما كان يجلس السيد الصدر أو امشي كما كان يمشي. السيد الصدر كان ينزل رأسه هكذا الشيخ حسن أو الشيخ يوسف أو أياً كمل … يقول كما قلنا … وكأن هذا لم يتكلم وجوده كالعدم، أبداً لا يرد عليهم. أنا في يوم سألته سيدنا هؤلاء يشكلون لا أقل كلمة أو جملة أجبهم. قال: هذا البحث الذي أنا أقوله لا أقل ثلاثة أو اربعة ساعات أفكر عليه إلى أن أطرحه، لا أنه يطالع، أفكر إلى أن أطرحه، ولذا لم يكن يسمح لأحد أن يتكلم معه قبل الدرس فإذا أردته أن تسأله قبل الدرس لا يسمح له ويقول أجله لما بعد الدرس، لأنه كان يقول هذا الزمان الذي أمشي فيه من البيت إلى الدرس أنضم البحث في ذهني … ولذا لا يتكلم مع أحد. أجابني بهذه الجملة. قال: سيدنا بيني وبين الله أنا لا أعتقد أحد في الدرس، الدرس الذي أنا حضرته أربع ساعات بالفكر … بالدرس يفهم ويشكل علي أيضاً، ولذا أقطع جازماً أنه لم يفهم. تقول: سيدنا قد يكون مشتبه. يقول: مشتبه أو لا، أنا لا استطيع أن أقبل أنه في الدرس فهم وفكر وأجابني أيضاً. نعم بعد الدرس أسأل ما تريد، بعض الأحيان كان لساعات يباحث وأنا جالس، كان عندما ينتهي الدرس … سيد محمود لم يكن يتكلم أي كلمة بخلاف وضعه في درس السيد الخوئي، سيد محمود كل خمس دقائق يشكل ويتدخل والسيد الخوئي لا يسمح سؤال أحد إلا سؤال سيد محمود لأنه يعلم أن هذه الإشكالات إشكالات السيد الصدر. وأنا لا أريد أن أذكر بعض الأسماء خشية الإساءة كان بعض الأعلام يجلسون تحت منبره ويتكلمون من تحت المنبر، السيد الخوئي لم يكن يسكت بل أن هذا يتكلم والسيد الخوئي لا يبالي به, فيسكت المتكلم. أعلام كبار، تسألون من هم؟ إن شاء الله بعد الدرس …
والسيد الخوئي عجيب، أولاً لا توجد في يده ورقة، لا الرواية بيده، أبداً، يتكلم عندما يصل إلى موضع الرواية، كان أحد الشيوخ يسجل وهو الشيخ الكاظمي، تسجيلات السيد كان بيد الشيخ الكاظمي ودورة وسائل الشيعة كانت موجودة تحت منبر السيد، يقول له اعطني الجزء الثالث، يعطيه الجزء الثالث على حافظته مباشرتاً يستخرج الرواية ويقرأ ويقول سندها ومتنها.
على أي حال، العبارات عبارات المتكلم أنا أعرف عبارات السيد، عبارات الخطاب الدرسي وليست عبارات كتاب، يقول: (ثم بعد هذا نرتب القياس الأخير فنقول: وجوب السورة أخبر به الثقة وكل ما أخبر به الثقة فهو ثابت فوجوب السورة ثابت إذن وثاقة زرارة التي مسألة رجالية هي بحسب الحقيقة مقدمة قياس …) انظروا وكأن أحد يتكلم وهذه كانت طريقته.
إذن فتحصل أن السيد الحائري وكذلك ما ورد في تقريرات السيد الحائري يقول أن المسائل الرجالية خارجة عن علم الأصول، لماذا؟ يقول: لأنها ليست هي القياس الأخير وإنما هي القياس ما قبل الأخير.
سؤال: الإشكال الأول أو الملاحظة الأولى، أولاً: أنت تقول، التفت إلى عبارة السيد الحائري، يقول: (فالقياس الأول) يعني ماذا؟ (هذا خبر زرارة وزرارة ثقة بكلتا مقدمتيه خارج عن علم الأصول) سيدنا هذه مصادرة على المطلوب من قال لك أنه خبر زرارة هو محل الكلام، من أين تفرض هذا … نعم عندك كلام … إذن هذه الدعوى أن تلك المقدمتين خارجة عن الأصول هذه مصادرة على المطلوب لأنه هو حديثنا أن خبر زرارة أصولية أو غير أصولية، لا يمكن أن تجيبونا أنه من المسلم أنها غير أصولية. إلا أن تقول أنها ليست أصولية، بأي دليل؟ بدليل أنها قياس ما قبل الأخير.
وإذا كان هذا دليلكم فننقض عليكم، ما هو النقض؟ نقول: هذا ما الخبر يشتمل على صيغة فعل الأمر، صحيح، وكل صيغة فعل أمر ظاهر في الوجوب، إذن هذا الخبر ظاهر في الوجوب. سؤال: يستنتج منه الحكم الشرعي أو لا يستنتج؟ لا، لماذا؟ لأنه لابد أن تقول هذا الخبر، القياس الثاني هذا الخبر ظاهر في الوجوب وكل ظاهر حجة، إذن قولك وصيغة فعل الأمر ظاهر في الوجوب خارج عن علم الأصول أيضاً. صار قياس ما قبل الأخير. إلا أن يرجع ويفسر القياس الأخير يعني في المسألة الأصولية لا في استنتاج الحكم الشرعي وهذا خلاف ظاهر هذا المعنى الذي أشرنا إليه. إذن هذا القدر من الجواب لإخراج المسألة الأصولية( ) كاف أو غير كافي؟ غير كافي. من هنا تجدون أن السيد الحائري نفسه في مباحث الاستصحاب أخرج وثاقة زرارة ببيان آخر. هذا معناه أن هذا البيان كافي أو غير كافي؟ غير كافي. وأيضاً السيد الهاشمي لم يقل هذا البيان على الإطلاق، لعله السيد الشهيد هو حذفه، لا أعلم، ولذا السيد الحائري في (مباحث الأصول، ج5 من القسم الثاني، ص25) وكذلك في (ج1 من القسم الأول، في الحاشية، ص41) يقول: (ولأستاذنا بيان آخر لإخراج مسائل علم الرجال غير ما ذكرناه هنا). لماذا؟ لأني باعتقادي أن السيد الشهيد التفت أن هذا البيان الذي أشرنا إليه هنا تام أو غير تام. ما هو هذا البيان الثاني؟ مع الأسف الشديد هذا البيان الثاني أيضاً قرر بثلاث بيانات، يعني السيد الهاشمي قرره بشكل آخر والسيد الحائري قرره بشكل ثاني في (ج1 القسم الأول، ص41) وفي الاستصحاب (ج5 من القسم الثاني) مقرر بشكل ثالث. وعندما نطالع ذلك البيان سيتضح أنه يشترط في المسألة الأصولية شرطاً رابعاً ليخرج مسائل علم الرجال وإلا هذه الشرائط الثلاثة … علم الرجال وارد عليه الإشكال أو غير وارد؟ وارد, ولذا اضطر أن يضيف قيداً جديداً وشرطاً جديداً بهذا الشرط الجديد أخرج مباني علم الرجال. تتمة البحث تأتي.
والحمد لله رب العالمين.