الأخبار

المحاضرة (32)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

انتهينا بحمد الله في الحلقات السابقة إلى الضابط الذي ذكره سيدنا الشهيد قدس الله نفسه للمسألة الأصولية، اتضح لنا بأن هناك قيود أربعة اشار إليها:

القيد الأول: أن يكون عنصراً مشتركاً، أي لا بشرط من حيث المادة الفقهية.

القيد الثاني: أن يكون مختصاً بالاستدلال الفقهي خاصة.

القيد الثالث: أن يكون داخلاً في القياس الأخير.

القيد الرابع: أن يكون شأناً من شؤون الشارع.

وقد أوضحنا هذه القيود والشروط في ضابط المسألة الاصولية.

بعد ذلك نأتي إلى أمرين:

الأمر الأول: أن هذا الضابط هل هو في الواقع بعد كل هذا الجهد المبارك وبيان أو سد ثغور الإشكال والنقوض الواردة في المقام هل هو جامع مانع أو أنه ليس كذلك؟

في الواقع في اعتقادي أن هذا الضابط ينتقض بأهم مسألتين في علم الأصول:

المسألة الأولى: هي مسألة حجية الظواهر، تعلمون بأن مسألة حجية الظواهر تعد من الفقرات أو لعله من أهم أعمدة البحث الأصولي هو حجية الظواهر وبحث حجية الظواهر.

المسألة الثانية: هي مسألة حجية خبر الواحد.

السؤال المطروح هنا نحن قلنا كما ذكر في تقريرات السيد الهاشمي (ص32، ج1) قال: (أن يكون هذا العنصر المشترك مرتبطاً بطبيعة الاستدلال الفقهي خاصة). ماذا نفهم من هذا القيد؟ إذا وجدنا مسألة ليست مختصة بطبيعة الاستدلال الفقهي خاصة إذن تكون داخلة في علم الأصول أو غير داخلة في علم الأصول؟ بطبيعة الحال سوف تكون خارجة عن علم الأصول.

نحن ندعي بأن حجية الظواهر وحجية خبر الواحد وإن كانتا تستعملان في الاستدلال الفقهي إلا أنهما خاصتان بالاستدلال الفقهي أو ليستا كذلك؟ لا إشكال عند أحد أن بحث حجية الظواهر ليس مختصاً بالاستدلال الفقهي، ولا إشكال عند أحد أن كثيراً من المعارف الدينية على مستوى البحث التأريخي وعلى مستوى البحث العقدي، على مستوى البحث الأخلاقي أيضاً تثبت بخبر الواحد، وهذه أمور مرتبطة بالاستدلال الفقهي أو غير مرتبطة بذلك؟ غير مرتبطة.

إذن على هذا الأساس والإشكال، إذن تنتقض هذه الضابطة بحجية الظواهر وبحجية خبر الواحد. والشاهد على ما أقول أنه تنتقض وخصوصاً في مسألة حجية الظواهر هو أن الأعلام عندما جاءوا إلى بحث حجية الظواهر ودخلوا إلى مسألة تفصيلات حجية الظواهر واحدة كانت من التفصيلات هي مسألة التفصيل بين ظواهر القرآن وغير ظواهر القرآن، حيث ذهب بعض علماء الإمامية إلى عدم حجية الظواهر القرآنية، والمشهور من علمائنا ذهبوا إلى حجية الظواهر القرآنية.

سؤال: قالوا بحجيتها فقط في باب الأحكام أو في كل المعارف القرآنية؟ يعني لو نسأل كل الأصوليين الذين قالوا بأن ظواهر القرآن حجة هل ظواهر القرآن حجة فقط في خصوص آيات الأحكام، يعني الاستدلال الفقهي خاصة أو في كل المعارف القرآنية حجة، أي منهما؟ إذن مسألة حجية الظواهر التي أشرتم إليها هل هي داخلة في الاستدلال الفقهي خاصة أو أعم من ذلك؟ أعم، وإذا صارت أعم الضابط الذي ذكره السيد الشهيد وهو القيد الثاني قال لابد أن تكون مختصة بالاستدلال الفقهي، وحجية الظواهر غير مختصة.

سؤال لأحد الطلبة: (غير واضح في الأصل).

جواب سماحة السيد: إذا تتأملون شيخنا تجدون … السيد الشهيد لم يعبر منطق العلوم الدينية بل قال منطق الفقه الأصغر، أقرأوا عباراته، وأنا قرأته عبارته لأني أعلم أن هذا الإشكال سيأتي في ذهنك، لماذا قال في الاستدلال الفقهي؟ مراده من الاستدلال الفقهي يعني الفقه الأكبر؟! اقرأوا الكلمات، وإلا لو كان هكذا لابد كل قواعد علم الكلام داخلة في علم الأصول ولا يقول قائل بذلك.

إذن مرادهم من الفقهي هنا الفقه الأصغر، والشاهد على ذلك حجية خبر الواحد وهم لا يقولون بحجية خبر الواحد في الفقه الأكبر بل يقولون بحجية خبر الواحد في الفقه الأصغر. إذن اخواني الأعزاء الكلام ليس في الأصول التي يستفاد منها قواعد استنباط المعارف الدينية جميعاً، نحن نقرأ علم أصول الفقه الأصغر، يعني التكاليف الشرعية لا أكثر من ذلك.

إذن هذا خير شاهد، بحث حجية ظواهر القرآن الكريم، هذا خير شاهد على أن بحث حجية الظواهر ليس مختصاً بالاستدلال الفقهي. وعلى هذا الأساس وعلى الضابط الذي ذكره السيد الشهيد وهو أن العنصر المشترك لابد أن يكون ماذا؟ ارجع إلى تعريف، قال: المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة التي يستعملها، وهذا شاهد ثاني، التي يستعملها الفقهي كدليل على الجعل الشرعي الكلي. يعني في الفقه الأصغر لا في الفقه الأكبر.

إلا أنه قد يقول أحد الأخوة ويدافع عن هذا الضابط بهذا البيان: قد يقال بأنه الحجية المأخوذة في علم الأصول هي بمعنى المنجزية والمعذرية، ومن الواضح أن المنجزية والمعذرية مختصة بالأحكام الفقهية، إذن هنا عندما نقول الظهورات حجة عندما نقول خبر الثقة أو خبر الواحد حجة مرادنا من الحجية المنجزية والمعذرية، ومن الواضح أن المنجزية والمعذرية مختصة بالأحكام الفقهية ولا توجد في غير مورد الأحكام الفقهية.

هذا ما يمكن أن يدافع به عن هذا الضابط.

إلا أن هذا الدفاع يمكن أن يورد عليه بهذا البيان:

أولاً: لازمه أن تكون الظواهر حجة في الأحكام التكليفية فقط أما في الاحكام الوضعية فليس بحجة، لأنه في الأحكام التكليفية توجد عندنا منجزية ومعذرية، أما في الأحكام الوضعية يعني الجزئية الصحة والفساد وغيرها هل هي فيها منجزية ومعذرية أو لا توجد فيها؟ مع أنه لا إشكال ولا شبهة أن الأحكام الفقهية أعم من التكليفية ومن الوضعية. هذا أولاً.

وثانياً: لازمه أن ما ذكروه، ولا يلتزم أحد منهم بذلك، أن ما ذكروه في إثبات حجية ظواهر القرآن يكون مختص بآيات الاحكام التكليفية فقط، وهل يلتزم أحد من القائلين بحجية ظواهر القرآن أن ظواهر القرآن حجة في خصوص الأحكام التكليفية، أما في التأريخ فظواهره ليست بحجة، في العقائد ظواهره ليست بحجة، في القضايا الاجتماعية ظواهره ليست بحجة، فماذا يبقى من القرآن.

إذن إلى هنا يتضح لنا بأن هذا القيد وهو أن يكون مختصاً بالاستدلال الفقهي فقط لا أقل يلزم منه خروج حجية الظواهر وحجية الخبر الواحد.

بعض الملاحظات التفصيلية الأخرى لعله تقدمت في أبحاث سابقة الآن لا نقف عندها ولا نعيدها. هذا تمام الكلام في الأمر الأول.

إذن في الأمر الأول أن هذا الضابط هل هو مانع من دخول الأغيار أو ليس مانعاً من دخول الأغيار؟ ليس مانعاً من دخول الأغيار، لأنه دخل فيه في هذا الضابط وفي هذا العنوان دخل في حجية الظواهر مع أن حجية الظواهر ليست مختصة بالاستدلال الفقهي خاصة.

الأمر الثاني: سلمنا أن هذا الضابط تام يعني جامع ومانع. فهل يحقق لنا هذا العنوان، أي عنوان؟ عنوان العنصر المشترك المختص بالاستدلال الفقهي خاصة بالبيان الذي تقدم، هل هذا العنوان يحقق لنا موضوعاً واحداً حقيقياً لهذا العلم حتى تترتب عليه تلك النتائج التي ذكرناها أو لا يحقق؟ إذا تتذكرون في أبحاث سابقة أريد الأخوة يرجعوا إلى الأبحاث، تتذكرون قلنا أننا نحن في العلوم الحقيقية نقول أن لكل علم موضوع واحد. وأن جميع المحمولات عوارض ذاتية لذلك الموضوع، وأن المنهج المتبع في تحقيق تلك المسائل هو منهج واحد لأن الموضوع واحد، هذا الذي ذكرناه فيما سبق، قلنا ما هي خصائص العلوم الحقيقية أو العلم الحقيقي، ما هي خصائصه؟ أن يكون له موضوع واحد فارد، أن تكون المحمولات عوارض ذاتية لذلك الموضوع، بينا معنى الذاتي فيما سبق. وقلنا أن تكون هذه النسبة القائمة بين الموضوع وبين المحمولات تكون كلية دائمية ضرورية حتى ينتج اليقين بالمعنى الأخص، اليقين المنطقي. وأن المنهج المتبع هو منهج واحد.

السيد الشهيد سلمنا معه، نغض الطرف عن الإشكال الأول استطاع أن يصور لنا موضوعاً واحداً، ما هو الموضوع الواحد؟ العنصر المشترك المختص بعملية الاستدلال الفقهي. هذا هل يحقق هذه الأمور التي نحتاجها أو لا يحقق؟ في الأمر الثاني نقول لا يحقق، لماذا؟

إذا جئتم إلى هذا العنصر المشترك، هذا العنصر المشترك بالضرورة مسألته أو المسائل التي تحته من قسم واحد أو قد تكون من أقسام متعددة، يتذكر الأعزاء … ارجع مرة أخر ى إلى ما سبق، تتذكرون أننا قلنا أن نسبة المحمول إلى الموضوع لا أقل على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: وهو أن يكون الموضوع بنفسه علة تامة لأخذ المحمول منه وحمله عليه كما في اجتماع النقيضين. الأربعة زوج، من قال أن الأربع زوج، يعني الأربعة زوج من قبيل الجدار أبيض؟ لا أبداً. الزوجية أخذناها من تحليل الأربعة وحملناها على الأربعة، لا من شيء خارج منها. اجتماع النقيضين حال، هذه المحالية والامتناع من أين جئنا بها، جئنا بها من الخارج، من المحمول بالضميمة أو من الخارج المحمول؟ من الخارج المحمول، يعني تحليل …

إذن الخارج المحمول يختلف عن المحمول بالضميمة، إذن القسم الأول هو أن تكون نسبة المحمول إلى الموضوع نسبة المعلول إلى العلة التامة.

القسم الثاني: لا، صحيح أن المحمول يكون علة للمحمول ولكن لا مطلقاً وإنما ضمن شرائط زمانية ومكانية وظروف و … وهي ما عبرنا عنها المصالح والمفاسد. الصلاة واجبة، بناء على مسالك العدلية لماذا الصلاة واجبة، لأن هناك مصلحة في الصلاة عند ذلك قال الشارع أنها واجبة، ولكنه واجبة مطلقاً في كل زمان وفي كل مكان وفي كل سن وفي كل ظرف وفي كل نشأة أو مقيدة؟ من الواضح بأنه قبل البلوغ لا تجب الصلاة، بعد هذا العالم لا تجب الصلاة. أما بعد هذا العالم الأربعة زوج أو ليست بزوج؟ إذن هذا القسم الثاني صحيح أن المحمول أخذ من الموضوع ولكن مطلقاً أو مقيداً بخلافه في القسم الأول، المحمول يحمل على الموضوع مطلقاً وهذا يحمل عليه مقيداً.

القسم الثالث: الفاعل مرفوع، هذه من القسم الأول أو من القسم الثاني؟ لا هي من القسم الأول ولا هي من القسم الثاني. خبر الثقة حجة، لا من القسم الأول ولا من القسم الثاني، بأي دليل؟ بدليل أن كثير من علماء الإمامية قالوا أن خبر الثقة ليس بحجة ولكن لا يوجد أحد من علماء الإمامية قال بأن الأربعة ليست زوجاً. إذن هذا نحو ثالث من المحمولات.

سؤال: هذا العنصر المشترك الذي نبحث عنه في علم الأصول يختص بالقسم الأول أو بالقسم الثاني أو بالقسم الثالث؟

الجواب: شامل لمسائل من القسم الأول ومسائل من القسم الثاني ومسائل من القسم الثالث، النتيجة ما هي؟ النتيجة أنه يوجد هناك منهج واحد في تحقيق المسائل الأصولية أو لا يوجد؟ لماذا لا يوجد منهج واحد؟ لأن الموضوع واحد أو الموضوع متعدد؟ إذن قولكم أن علم الأصول له موضوع واحد، نعم بحسب العنوان الانتزاعي صار واحد أما بحسب الواقع متعدد. واقعاً متعدد فبعض الموضوعات لغوية وبعض الموضوعات شرعية وبعض الموضوعات عقلية وهكذا وبعض الموضوعات عرفية وعقلائية وهكذا.

وإذا تعددت الموضوعات يوجد عندنا علم واحد أو لا يوجد؟ وإذا لم يكن عندنا موضوع واحد فلا علم واحد بالمعنى الاصطلاحي فلا منهج واحد. ولذا فيما سبق قلنا أن علم الأصول يتمايز عن غيره لا بموضوعه بل بالأغراض المترتبة عليه، لأن علم الأصول يعطي القدرة على الاستنباط في الأحكام الفقهية.

ضابط آخر: قلنا في العلم الحقيقي النسبة بين المحمول والموضوع ذاتية، يعني من النحو الأول، وعلى هذا الاساس فتكون المحمولات كلية ضرورية دائمة، وتفيد اليقين بالمعنى الأخص، ما معنى اليقين بالمعنى الأخص؟ يعني الجزم بثبوت المحمول للموضوع والجزم باستحالة الانفكاك بين المحمول وبين الموضوع، هذا هو اليقين المنطقي، في القسم الأول من الموضوعات يعني الموضوع العلم الحقيقي هذه هي خصوصيته، في محمولات المسائل الاصولية هذه الخصوصيات غير متوفرة، نعم قد يصل الإنسان إلى القطع بثبوت الحجية لخبر الواحد للظواهر وللاستصحاب وللبراءة ونحو ذلك، ولكن يستحيل الانفكاك بين المحمول والموضوع؟ لا توجد استحالة.

إذن حتى لو سلمنا مع السيد الشهيد أن عنوان العنصر المشترك غير منقوض بأي نقض، وإن كان في الأمر الأول أنه منقوض بحجية الظواهر وبحجية خبر الواحد، حتى لو سلمنا فهل أن هذا العنوان يحقق لنا موضوعاً حقيقياً حتى يكون علم الأصول علماً حقيقياً تتوفر في شرائط العلوم الحقيقية أو لا؟ في الأمر الثاني نقول ليس الأمر كذلك. هذه خلاصة ما أردنا أن نقوله في هذا المجال.

ولذا الأعزاء إذا أرادوا المراجعة فليرجعوا إلى كتاب (القطع، ص101) خلاصة ما نريد أن نقوله هنا قلناه هناك، حيث قلنا: (أن ما يسمى بعلم الأصول) أي في حوزاتنا العلمية، المراد عندما نقول علم الأصول المتبادر أنه علم أصول الفقه لا علم الأصول مطلقاً، ولذا نحن قلنا أن الأفضل أن يقال علم أصول الفقه، لأننا في العقائد عندنا علم أصول العقائد، وفي التفسير أيضاً عندنا علم أصول التفسير، إلا أن يقال بانه عندما يقال علم الأصول المراد علم أصول الفقه للتبادر، ذاك بحث آخر، وإلا لابد أن يقيد.

(أن ما يسمى بعلم الأصول ليس علماً بالمعنى الفني لمصطلح العلم) يعني الذي نقرأه لعلم المنطق في نظرية المعرفة، إذن لا ينبغي أن نأتي بتلك الخصوصيات والقوانين والقواعد التي ذكرت للعلم بالمعنى الفني ونطبقها في علم الأصول، فنسأل ما هو التعريف الحقيقي لعلم الأصول؟ الجواب: علم الأصول له تعريف حقيقي أو ليس له تعريف حقيقي؟ ما هو الموضوع الحقيقي لعلم الأصول؟ الجواب: أن علم الأصول له موضوع حقيقي أو ليس له؟ ما هو المنهج المتبع في تحقيق المسائل الاصولية؟ الجواب: لا يوجد هناك منهج واحد، إذا كانت المسألة لغوية فالمنهج المتبع منهج اللغة، إذا كان عرفية فالمنهج المتبع منهج العرف، إذا كانت فلسفية فالمنهج المتبع فلسفي، إذا كانت كلامية فالمنهج المتبع منهج كلامي، إذا كانت تفسيرية عشرات الآيات القرآنية نستدل بها في علم الأصول، في حجية خبر الواحد، في البراءة … ولذا الأخوة الذين يرغبون بكتابة رسائل الماجستير أو الدكتوراه هذا بحث جيد، الآيات القرآنية في الاستدلال الأصولي، اجمعوا الآيات وابحثوها هناك تجدون أن هناك بحث قيم.

سؤال: إذن أنت عندما تأتي إلى الآيات القرآنية للاستدلال بها في الأبحاث الأصولية المنهج المتبع هو … الأخوة الذين يحضرون الفقه الآن يتضح، أسلوبك ما هو؟ هل أسلوب تجزيئي أم أسلوب تركيبي أم أسلوب موضوعي؟ منهجك ما هو؟ هل هو منهج روائي أم علمي أو قرآني أو عقلي، أي منها؟

ولذا نحن قلنا واقعاً لا يمكن للإنسان أن يكون فقيهاً بلا أن يكون بالحد الأدنى خبرة كاملة كلامية وفلسفية ولغوية.

تقول: سيدنا بهذا ينسد باب الاجتهاد.

أقول: لا، ينسد باب الاجتهاد الفردي، لا ينسد باب الاجتهاد. ولذا تشاهدون أنه يوماً بعد يوم بعض العلوم نخرجها عن عملية الاجتهاد، لأن الفقيه يجد أنه إذا أراد أن يكون مجتهداً في الكلام وفي الفلسفة والتفسير واللغة وبعد ذلك يأتي إلى الأصول والفقه يحتاج لا أقل 530 سنة، فلا يستطيع، فماذا يفعل؟ يقول هذه ليست من علم الأصول وهذه ليست من علم الأصول وهكذا يخرجها. وهذه إن شاء الله تعالى عندما نبحث في الاجتهاد والتقليد، ما هو ميزان الاجتهاد، خصوصاً وأن الأعلام وكأنه من المسلمات عندهم أن النتيجة تتبع أخس المقدمات، فإذا كانت 85% من مقدمات الاجتهاد الفقهي كان هو في الكلام مقلد في التفسير مقلد، في اللغة مقلد. ولا أعلم لماذا بحثوا حجية قول اللغوي فقط؟ لابد أن يبحث حجية قول المفسر وحجية قول المتكلم، لأنه لا يجتهد في هذه، كلها يقول كما حقق في محله، لم يحققها هو بل حققها غيره. في مسألة الحسن والقبح وفي عشرات المسائل الكلامية وعشرات المسائل الفلسفية وعشرات المسائل التفسيرية، كما ذكروا بناء على أصالة الوجود، لا مولانا، لعل الحق أصالة الماهية، يقول: لا، نحن نتبع في هذه ملا صدرا ونقلده، نحن من أولئك الذين نرفض هذا التفسير المشهور لأصالة الوجود رفضاً قاطعاً. نقول بأن أصالة الوجود بالمعنى المشهور في حوزة قم وفي حوزة مشهد نحن لا نوافق على ذلك، نحن عندنا تفسير آخر لأصالة الوجود الذي يخرج من بطنه أن الماهية أيضاً موجودة في الخارج، البعض ينسب لنا أننا نقول بأصالتهما، لا نحن لا نقول بأصالتهما المنسوب إلى بعضهم. في الجزء الثاني من كتاب الفلسفة.

ولذا أنا امنت بشكل واضح وصريح أن الله سبحانه وتعالى له ماهية خلافاً لما هو المشهور بين مدرسة الحكمة، في النتيجة أنت كمحقق وتريد الاستنباط، كل أبحاث اجتماع الأمر والنهي مبنية على ماذا؟ ارجعوا لها وأنا ذكرتها في مقدمة (لا ضرر) كل أبحاث الاجتماع والنهي مبنية على مسألة أصالة الوجود وأصالة الماهية. ما هو رأيك فيها؟ فهل إن الإنسان إذا كان في بعض المقدمات فالنتيجة تتبع أخس المقدمات ويكون مقلداً، أو ما هو الحد الأدنى الذي يكون الإنسان مجتهداً. ولذا أنا أعتقد أن المعارف الدينية منظومة واحدة غير قابلة للتفكيك، … هذه جعلها لأجل الأبحاث العلمية في حوزاتنا، وإلا هي بحسب واقعها متداخلة ومترابطة.

إذن أولاً أن ما يسمى بعلم الأصول ليس علماً بالمعنى الفني للعلم، وعليه فإن البحث فيه عن وجود ضابط حقيقي لمسائله ليس صحيحاً من الناحية المنهجية.

وثانياً: عدم وجود ثمرة للبحث عن أصولية المسألة وعدمها، الآن الأخوة يتذكرون في أكثر المسائل الأعلام أول ما يبحثون أن هذه المسألة أصولية أو ليست أصولية، اجتماع الأمر والنهي أصولي أو ليس بأصولي، مقدمة الواجب أصولية أو ليست أصولية، بحث حجية القطع أصولية أو ليست أصولية، كلها يبحثونها.

الجواب: هذا ينفع في العلوم الحقيقية لا في العلوم غير الحقيقية، في العلوم الحقيقية نريد أن نعرف أنها إذا كانت رياضية المسألة حتى نطبق عليها المنهج الرياضي، إذا كانت فيزيائية حتى نطبق عليها المنهج الفيزيائي، إذا كانت طبيعية حتى نطبق عليها المنهج التجريبي، إذا كانت فلسفية حتى نطبق عليها المنهج العقلي، إذا كانت نقلية حتى نطبق عليها المنهج النقلي والروائي أو المنهج القرآني ونحو ذلك. ولكن علم الأصول ليس له موضوع واحد حتى نبحث أنه هل هي مسألة اصولية أو ليست أصولية، لابد أن نبحث نفس المسألة لنرى أن هذه المسألة من أين جاءت لنا في علم الأصول، وهذا ما أصطلح عليه في الأمر الثالث أنه لابد من تجذير المسائل الأصولية، يعني أن هذه المسألة جاءت لنا المعنى الحرفي جاءنا، بحث الوضع جاءنا، حجية الظواهر وهكذا والاستصحاب، هذه ارجعها إلى علمها الأصلي، انظر هذه المسألة من أين جاءت على علم الأصول، فإذا عرفت أنها كلامية طبق عليها … فلسفية طبق عليها ماذا … لغوية طبق عليها … وهكذا.

ولذا لا يحق لك أن تدخل إلى الأبحاث الأصولية ومباشرة تقطع الصلة وكأنك تعيش في جزيرة لا علاقة لها بأي علم آخر، أو ندخل بسم الله الرحمن الرحيم تعريف علم الأصول، ليس الأمر كذلك. لذا قلت أن من المهم تجذير المسائل في علم الأصول وإرجاع موضوع كل مسألة إلى أصلها ومصدرها الذي نشأت فيه. وهذا الذي فعله السيد الشهيد في جملة من المسائل، في مسألة قبح العقاب بلا بيان السيد الشهيد إشكاله على مشهور الأصوليين، قال أن هؤلاء ما عرفوا أن هذه المسألة قطعوها من جذورها، لو علموا أن لازم هذه القاعدة تحديد حق الطاعة للمولى الحقيقي لما قالوا بها، ولكن لأنهم قطعوها عن جذورها فتصوروا أن قبح العقاب بلا بيان من المسلمات ومن القواعد العقلية مع أنه هو يعتقد أنه من المسلمات بطلان هذه القاعدة. على أي أساس؟ لماذا لم يصل أحد قال من المسلمات بطلان اجتماع النقيضين محال، تلك واضحة، بخلاف هذه، كلها استدلالية. (تجذير المسائل وإرجاعها لأن معرفة هذه الحقيقة يسهل لنا الطريق إلى الوقوف على المنهج الصحيح في تحقيق تلك المسألة) … وبعده نخرج من هذا الخلط العجيب الموجود في كلمات أعلامنا كالمحقق الأصفهاني رحمة الله تعالى عليه، المحقق الأصفهاني افترض كل المسائل كلها عقليات فلسفيات، من الأول، أصلاً بنى، حتى الشرط المتأخر في الفقه، عقد الفضولي كلها مسائل فلسفية، ولذا أنتم اقرأوا أنا مراراً ذكرت للأعزاء قلت اقرأوا تعليقات المحقق الأصفهاني الكمباني على المكاسب، واقعاً لا تقرأ فقه بل تقرأ فلسفة ولكن لا بمواد وجود وماهية وصورة ومادة وثابت ومتغير، بل المواد عقد والفضولي والمعاطاة، يعني المادة مختلفة، وإلا المنهج فهو منهج عقلي محض. وجهة نظر محترمة ولسنا بصدد … ولكن في اعتقادنا أن هذا المنهج غير صحيح.

تعال أقرأ للمرزا النائيني، من الأول إلى الآخر تقريباً يتعامل مع كل الأبحاث الفقهية والأصولية تعامل عرفي عقلائي ولذا اللون الغالب على النائيني هو البعد العرفي والعقلائي. وأيهما صحيح هذا أو ذاك؟ الجواب: بيني وبين الله، لا هذا على إطلاقه صحيح ولا ذاك على إطلاقه صحيح. السيد الصدر أين موضعه من هذا؟

لابد إن شاء الله في يوم إذا وفقنا أن نبين للأعزاء منهج المحقق العراقي، طبعاً عراق العجم لا عراق العرب، لأنه في ذاك الوقت (أراك) كانت تسمى عراق العجم، وباعتبار أن العراق كان أقليم ومحافظة تابعة للدولة هنا فيسمونها عراق العرب، فهذا عندما يقولون المحقق العراقي ليس عراقي بل المراد أراكي، يعني عراق العجم لا عراق العرب. واقعاً إذا وفقنا في يوم ونبين منهج المحقق العراقي+ تجدون عند ذلك أن السيد الشهيد استفاد كثيراً من هذين المنهجين، منهج النائيني ومنهج العراقي. هذا بحث في محله.

يبقى عندي مطلب واحد أشير له في غد، وندخل إن شاء الله إلى بحث تقسيمات الأبحاث الأصولية، تقسيمات الأبحاث الأصولية بحسب مراجعاتي وجدت تقريباً هناك ستة مناهج:

المنهج المشهور الموجود في الكتب الأصولية، ومنهج المحقق الأصفهاني في بحوث في الأصول، ومنهج السيد الخوئي+ سيدنا الأستاذ السيد الخوئي، ومنهج السيد الشهيد الصدر& وهو يقترح منهجين للأبحاث الأصولية، والمنهج الذي اقترحه السيد السيستاني دام ظله في الرافد. إن شاء الله تعالى غداً ندخل أولاً في مختصر في بيان … حقيقة علم الأصول ما هي؟ إلى هنا اتضح أنه ليس علماً بالمعنى الفني للعلم، إذن ما هي حقيقته؟ هل هو علم أو ليس بعلم؟ هذه التي الآن بتعبير السيد الشهيد& يقول: طغى علم الأصول ثم طغى ثم طغى … مأخوذ من الآية المباركة (إن الإنسان ليطغى) مأخوذ من هناك، يقول: طغى ثم طغى ثم طغى حتى أني أخشى أن يقضي على علم الفقه. وهذا ما يحدث في حوزاتنا العلمية، أنتم ترون أنه في الفقه ليس كثير أما في الأصول فيحضر 20 سنة أو 30 سنة، ولذا بعد ذلك يتصور أن له موضوعية مع أنه علم طريقي، فينسى ذي المقدمة.

هذا علم الأصول ما هي حقيقته، ثم إلى هذه المناهج المتبعة، وبعد ذلك إن شاء الله ندخل في بحث الوضع.

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات