أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
انتهينا بحمد الله تعالى من بيان حقيقة ما يصطلح عليه في حوزاتنا العلمية بعلم الأصول، وتبين لنا أن هذا العلم ليس هو علم بالمعنى الفني المصطلح للعلم في نظرية المعرفة، وهذا تقدم تفصيلاً وتكرر أيضاً في الأبحاث السابقة أن هناك ضوابط لمعرفة أن هذا علم بالمعنى الفني للعلم أو ليس كذلك.
وكذلك اتضح لنا وهذه هي النقطة الأساسية، وكذلك اتضح لنا أنه ليس بالضرورة أن كل المسائل المبحوث عنها تحت عنوان علم الأصول هي مختصة بعملية الاستدلال الفقهي خاصة.
نعم، لا إشكال ولا شبهة أن هذه المسائل في الأعم الأغلب ولدت في أحضان هذه العملية وهي عملية الاستدلال الفقهي، ولكنه ليست بالضرورة هذه المسائل كلها مختصة بعملية الاستدلال الفقهي خاصة، وإنما هذه المسائل المطروحة في علم الأصول أو تحت هذا العنوان، هذه المسائل في الواقع أنه يمكن أن تكون ضوابط وأسس وقواعد تستعمل في علم أصول التفسير وفي علم أصول العقائد وفي علم أصول التأريخ ونحو ذلك. يعني جنابكم عندما تأتون إلى مسألة حجية الظواهر ثم تعقدون بحثاً واسعاً مطولاً لإثبات حجية ظواهر القرآن الكريم هل أنتم بصدد إثبات حجية ظواهر القرآن في خصوص آيات الأحكام مثلاً، لا إشكال ولا شبهة، لا أتصور أنه أصولياً يلتزم بهذا، عندما يقولون الظهور القرآني حجة مرادهم الظهور القرآني حجة في كل المعارف التي عرض لها القرآن الكريم، يعني سواء كان على مستوى العقائد أو على مستوى التاريخ سواء كان على مستوى الأحكام، كل المعارف التي عرض لها القرآن الكريم فالظواهر فيها حجة.
نعم، الحجية كل مورد يكون بحسبه، فإذا نظرتم إلى حجية الأحكام التكليفية فهي بمعنى المنجزية والمعذرية، أما جئتم إلى المباحث العقائدية فلا معنى لأن تكون الحجية بمعنى المنجزية والمعذرية وإنما بمعنى الكاشفية، لا أقل بمعنى أنه يكون الإنسان قادراً على الاعتقاد وعدم الاعتقاد.
وهكذا في مسألة حجية خبر الواحد، في مسألة حجية خبر الواحد هناك جملة من الأعلام ونحن أيضاً نعتقد بذلك، أن خبر الواحد، عندما نقول خبر الواحد مرادنا ما لم يكن متواتراً قد يكون خبرين أو ثلاثة أو مستفيض … ما لم يصل إلى حد التواتر حتى يفيد القطع، هل هو حجة في المسائل العقائدية أو ليس بحجة؟ نعم، لا إشكال في حجية خبر الواحد بالمعنى الاصطلاح يعني غير المتواتر في الأمور العقائدية، وإلا لو أنتم أغلقتم حجية خبر الواحد في الأمور العقائدية لأغلق باب 99% من المعارف العقائدية، كم مسألة من المسائل العقائدية يوجد فيها تواتر وقطع؟ نحن إلى الآن نصعد وننزل إلى الآن مسألة الغدير هناك كلام أنها متواترة أو غير متواترة، حديث الثقلين إلى الآن متواتر أو غير متواتر. فما بالك بباقي الأمور العقائدية، إذن لا إشكال ولا شبهة، أرجع وأقول مرادنا من خبر الواحد هذا اللفظ لا يوهمك، ليس مرادنا أن شخصاً واحداً قد نقله، ليس مرادنا هذا، مرادنا، لأنه تعلمون أن الخبر يقسم إلى متواتر وإلى آحاد، يعني ما لم يكن متواتراً لعله فيه ثلاث طرق أو أربعة طرق أو مستفيضة أو تفيد الاطمئنان، ولكنها لا تفيد القطع والجزم بالمعنى الارسطي أو بغير المعنى الارسطي كما تقدم تفصيله. من يستطيع منكم أن يقول بأن أخبار الآحاد وإلا بينكم وبين الله في قضية الإمام الحسين وما جرى على الإمام الحسين في يوم العاشر، في مأساة سيدة نساء العالمين وما جرى عليها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، بينك وبين الله أنتم تستطيعون أن تحصلوا على التواتر في هذا المجال، هل يمكن لأحد أن يدعي هذا المعنى. خصوصاً ونحن نعلم أن هناك أجهزة لعشرات السنين عملت بكل جد لتغطية هذه الحوادث ولتغطية هذه المآسي، كيف يمكن أن نتوقع أن نحصل على التواتر في مثل هذه المسائل، أقصاه أنت تذهب إلى كتاب سليم بن قيس على ما فيه من الكذب.
إذن أعزائنا انظروا إلى هذه النقطة، وبإذن الله تعالى غداً جملة من الأعزاء ومن فضلاً هذا الدرس سيتصدون لتدريس علم الاصول إذا درستم علم الأصول لا تكن زاوية النظر عندكم مختصة بعملية الاستدلال الفقهي، افتحوا هذه الزاوية يعني عندما تبحث المسائل الأصولية إذا وجدت أن فيها أن تشمل غير مسائل علم الأصول وسع الدائرة، أبحثها حتى يكون علم الأصول لا فقط نافعاً في عملية الاستدلال الفقهي خاصة، في العملية التفسيرية، يعني في عملية الاستدلال التفسيري علم الأصول يكون نافعاً أيضاً، في عملية الاستدلال العقائدي أيضاً علم الأصول نافع، في عملية الاستدلال التأريخي علم الأصول نافع، في عملية الاستدلال الأخلاقي الاجتماعي علم الأصول نافع، هذه قواعد وضوابط، وخصوصاً مما يؤسف له أنه في حوزاتنا العملية لا يوجد عندنا باب وطريق آخر لتحقيق ضوابط علم أصول التفسير، علم أصول العقائد، علم أصول الاجتماع … الباب منحصر في علم أصول الفقه، ولذا في جملة واحدة أريد أن أقول للأعزاء هو أنه ينبغي أن توسعوا من الرؤية التي من خلالها تبحثون في علم أصول الفقه حتى لا يكون مختصاً بالفقه الأصغر بل يكون شاملاً للفقه الأكبر.
علم أصول الفقه ولكن أي فقه، الفقه الأصغر؟ نعم، جملة من المسائل مختصة بالفقه الأصغر، ولكن لا ينبغي أن يكون النظر إلى هذه المسائل من هذه الزاوية فقط.
هذه القضية جداً مهمة، عندما تنتقلون إلى علم الرجال وتوثيق الرجال، نحن في السنة الماضية في الأبحاث الفقهية هناك عندما قايسنا بين المنهج السندي في قبول الرواية والمنهج المضموني والدلالي في قبول الرواية هناك بينا أهمية هذه القضية في المسائل العقدية، وهذا هو الذي قصدناه عندما قلنا أنه لابد من كتابة كتاب تحت عنوان علم الأصول حقيقته ومعطياته، هذه المعطيات لا تكون مختصة بالفقه الأصغر.
يبقى عندنا بحث أخير ثم ننتقل إلى ما يمكن أن نعبر عنها بمباحث علم الأصول أو المقدمات المرتبطة بعلم الأصول يعني بحث الوضع، سيتضح بأنه اساساً أن بحث الوضع من مباحث علم الأصول أو من مقدمات علم الأصول أو لعله لا من المسائل ولا من المقدمات، وسيأتي بحثه.
البحث الآخر الذي هو البحث الأخير قبل الدخول في مباحث الوضع، هو أنه المنهج الذي نتبعه في تحقيق المسائل الأصولية. أعزائي هناك مناهج متعددة في ترتيب وفي بيان خارطة بحث علم الأصول، في النتيجة لابد أن يكون عندك مقدمة وعندك أبواب وخاتمة وإلى آخره:
المنهج الأول: وهو المنهج المتعارف والمشهور وعليه دونت أكثر كتب علم الأصول، المنهج المتعارف عبروا عنها بالمنهج المتعارف، هذا المنهج يقوم على مقدمة وبابين أساسيين وعلى خاتمة. أما المقدمة فيبحث فيها عن الوضع والحقيقة الشرعية والصحيح والأعم والمشتق. ثم بعد ذلك ندخل في مباحث ومسائل علم الأصول يعني هذه داخلة في مباحث علم الأصول بحسب هذا المنهج المعروف والمشهور أو غير داخلة؟ لا، يقولون ليست من مباحث علم الأصول، الوضع لعله بحث اللغوي الصحيح والأعم بحث اللغوي المشتق ونحو ذلك والمعنى الحرفي إلى غيره.
أما عندما ندخل إلى مباحث علم الأصول، طبعاً هؤلاء الأعلام لم يصروا كثيراً على أنه أساساً الضابط الحدي المانع الجامع، قالوا بأن هذه المقدمات وهذان بابان ثم خاتمة.
ثم الدخول في بابين، الباب الأول مباحث الألفاظ، في مباحث الألفاظ يبحثون مباحث الأوامر والنواهي والمفاهيم والعام والخاص والمطلق والمقيد. طبعاً كما تعلمون أن كل واحدة من هذه المباحث وكل واحدة من هذه الأمور لها بحثها التفصيلي، يعني عندما تدخل في بحث الأوامر لعله هناك عشرات المباحث المرتبطة بالمادة وبالصيغة والمرة … هذه كلها داخلة تحت عنوان مباحث الأوامر، وهكذا عندما تدخل إلى مباحث النواهي وهكذا الكلام هو الكلام، ثم في ذيل كل واحد من هذه الأبحاث هل الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده أو مرتبط بمباحث الأوامر، هل الأمر بشيء يستلزم وجوب مقدمته أو لا، وهكذا في النواهي هل النهي عن العبادة يقتضي الفساد أو لا، هل يجوز اجتماع الأمر والنهي أو لا، وعشرات المباحث. الجامع العام لكل مباحث الألفاظ قضية واحدة، لماذا الأعلام جمعوها تحت عنوان اسمه باب مباحث الألفاظ؟ الجواب: هذه المباحث جميعاً بصدد تشخيص صغرى حجية الظهور. يعني أنت في مباحث الألفاظ جميعاً ماذا تفعل؟ تقول هذا له ظهور، إما هذا الظهور لغوي أو ظهور عرفي، ظهور شرعي. قد يقول قائل: بأنه أساساً مادة أمر في اللغة أو العرف دالة على الوجوب، ولكن الشارع استعملها في الأعم من الوجوب والاستحباب، ممكن أو غير ممكن؟ نعم ممكن. أو أنها غير دالة على الوجوب والشارع استعملها في الوجوب.
ولذا نحن في مباحث الألفاظ (أوامر، نواهي، مفاهيم) أن الجملة الشرطية لها ظهور في المفهوم أو ليس لها ظهور، أن الجملة الوصفية لها ظهور أو ليس لها ظهور، وهكذا. فإذا ثبت أنها ظاهرة، لغة، عرفاً، استعمالاً، شرعاً. عند ذلك نأتي إلى الباب الثاني باب الأمارات والأصول العملية، في باب الأمارة ماذا نقول؟ وكل ظاهر حجة.
إذن تقريباً الجامع العام لمباحث الألفاظ هو تشخيص صغريات ظهور كبرى حجية الظهور. هذا الباب الأول.
الباب الثاني وهو المعروف بباب الأمارات والأصول العملية: تعلمون هنا الأعلام من باب القاعدة العقلية أن الشيء ما لم يكن قطعياً له حجية ذاتية أو ليست له حجية ذاتية؟ ليست له حجية ذاتية. ولذا كمقدمة لمباحث الأمارات والأصول العملية بحثوا حجية القطع. وإلا في الأعم الأغلب صرحوا أن مبحث حجية القطع ليس من مباحث علم الأصول، لأن أنت في باب الأمارات والأصول العملية أقصى ما تنتهي إليه من الدليل تقول وقد دل الدليل القطعي على حجية خبر الواحد. وقد دل الدليل القطعي على حجية الظواهر، وقد الدليل القطعي على البراءة الشرعية، وقد دل الدليل القطعي على الاحتياط، على التخيير ونحو ذلك.
سؤال: ومن قال لكم أن القطع حجة؟
من هنا هذه مباحث الأمارات والأصول تكون صغرى، وكبراها ماذا؟ حجية القطع. ولذا نحن لم نشر إلى هذا وقلنا أنه لا حاجة له بعدما ذكرنا الملاحظة.
نسأل سيدنا الشهيد الصدر+ أنتم قلتم عنصر مشترك في عملية الاستدلال، هذا العنصر المشترك مع الواسطة أو بلا واسطة؟ فإن قلت بلا واسطة فكثير من مباحث علم الألفاظ تخرج، لأنها تدخل في عملية الاستنباط بواسطة أو بلا واسطة؟ صغرى لكبرى. وإن قلتم لا، حتى مع الواسطة نقول للسيد الشهيد لماذا أخرجت حجية القطع، هذه صارت صغرى لكبرى حجية القطع، لماذا تقول أن بحث حجية القطع ليس من المسائل الأصولية إلا أن تقول أنها تكون عنصراً مشتركاً بلا واسطة، جيد، يخرج حجية القطع ولكن يخرج أيضاً مباحث الألفاظ. ونقوض أخرى الآن يكفي هذا القدر.
من هنا الأعلام دخلوا في مباحث حجية القطع، ثم بعد ذلك انتقلوا إلى مباحث صغرى حجية القطع، فدخلوا في بحث اساساً هل يمكن جعل الحجية للظن أو لا يمكن أصلاً؟ مع أن القاعدة العقلية تقول قبح العقاب بلا بيان، أنتم تقولون أن هذه القاعدة عقلائية أو قاعدة عقلية مشهور الأصوليين؟ يقولون قاعدة عقلية، والظن بيان أو ليس ببيان؟ ليس ببيان. والقواعد للعقلية غير قابلة للتخصيص، وعقلية الأحكام لا تخصص، ولذا بتعبير السيد الشهيد يقول هذا المبحث حرك علم الأصول في الباب الثاني، في القسم الثاني من علم الأصول، وهو أنه كيف يعقل من جهة نؤمن بقاعدة قبح العقاب بلا بيان وحسن العقاب مع البيان ومراده من البيان القطع، هذان قاعدتان متقابلتان، قبح العقاب بلا قطع هي في قبال أو تقابل قاعدة حسن العقاب مع القطع. من هنا وقع الأعلام في حيص بيص لأنه أساساً هل يمكن جعل الحجية لغير القطع أو لا يمكن، وإذا أمكن فهذا يلزم منه التخصيص في القواعد العقلية، ومن هنا دخلنا في مباحث إمكان جعل الحجية للظن، أين؟ في مباحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي، ثم بعد أن أثبتنا الإمكان، وتعلمون أن الإمكان أعلم من الوقوع، انتقلنا إلى مباحث تلك الصغريات جعل الحجية لغير القطع، فدخلنا في مبحث خبر الواحد والظهور والشهرة والإجماع … هذا القسم الأول.
القسم الثاني أو عبر عنه الفصل الثاني من الباب. إذن صار في الباب الثاني وهو باب الأمارات والأصول العملية، توجد لها مقدمة تمهيدية وهي بحث حجية القطع، ثم الفصل الأول حجية الأمارات، والفصل الثاني حجية الأصول العملية.
الأعلام في الأصول العملية ماذا بحثوا؟ المعروف كم أصل؟ أربعة، البراءة الاحتياط، التخيير، الاستصحاب. من هنا وقع بحث بين الأعلام أن هذا الحصر هل هو عقلي أم هو استقرائي؟ وقد غداً يصير عندنا أصل خامس وسادس … وهذا ما ذكره بعض الأعلام كالسيد السيستاني دام ظله في (الرافد، ص142) قال: (ولكن يبقى الإشكال المثار عند الأعلام بالنسبة لقاعدة الطهارة في الشبهات الحكيمة) إذا تتذكرون نحن عندما ذكرنا القواعد قلنا قاعدة الطهارة ينطبق عليها أنها عنصر مشترك ولكنه أخرجناها عن علم الأصول على مباني السيد الشهيد على الضابط الذي ذكره السيد الشهيد، بأي ضابط أخرجناها؟ قلنا أنها هل هي لا بشرط من حيث المادة الفقهية أو هي بشرط شيء من حيث المادة؟ قلنا بشرط لأنها مرتبطة بمادة الطهارة ولا يوجد في مكان آخر. ولكنه حيث أن السيد السيستاني لم يوافق على هذا الضابط إذا تتذكرون ولذا قال: (ولكن قد يقال في وجه أخرجاها أننا ذكرنا في بحث الفرق … وبناء على هذا التفسير فقاعدة الطهارة كسائر الأصول العملية) هذه الأصول العملية الأربعة.
إذن على مبنى السيد السيستاني الأصول العملية أربعة أو خمسة؟ خمسة. (التي تعني أنها وظيفة عملية للشاك في الحكم الواقعي فلا مبرر حينئذٍ لإخراجها من علم الأصول لكونها مشمولة لتعريف المسألة الأصولية) ما هو الضابط؟ (وهو كونها حجة في مقام العمل) في مقام الفقه، الذي هو كان الضابط الذي ذكرناه عن السيد البروجردي في الأبحاث السابقة.
الآن نحن لا يهمنا أن نبحثها في علم الفقه أو في علم الأصول بالنسبة لنا لا يؤثر، لأننا لا يوجد عندنا شيء اسمه علم الأصول وعلم الفقه، نحن عندنا شيء اسمه عملية الاستدلال لاستنباط الأحكام العملية في قبال عملية الاستدلال لاستكشاف الأحكام العقدية والإيمان، تريد أن تجعلها هنا أو هناك أو تريد أن تجعلها في علم الأصول أو تريد أن تجعلها مقدمة لباب الطهارة أو تريد أن تجعلها بحثاً مستقلاً هذا كله لا يهم.
بعد أن بينوا هذا، هذا الباب الثاني، في آخر المطاف قالوا … يكون في علمكم أن هذه الأمارات هل يتقدم بعضها على بعض او لا يتقدم، هذه الأبحاث كلها لابد أن تبحث في كل مورد لأن الأمارات بعضها تتقدم، السيد الخوئي+ مع أنه يعتقد أن الاستصحاب أمارة وليس أصل عملية ولكن مع ذلك يعتقد بتقدم أمارة على أمارة، هذا بحث في محله.
وهكذا الأصول العملية فهي ليست جميعاً في رتبة واحدة، قد يتقدم بعضها على بعض، وهذا ما نأتي إليه في مبحث التعارض، خاتمة في التعارض.
إذن المنهج المعروف ماذا يقول؟ مقدمة، وبابان، وخاتمة. المقدمة وضع وأمثالها، الباب الأول مباحث الألفاظ التي تشكل صغرى حجية الظهور، الباب الثاني مباحث الأمارات والأصول العملية التي هي تشكل كبرى حجية الظواهر، والخاتمة في التعارض.
وهذا هو الذي يوجد الآن في الكتب الأصولي ولا أتصور الآن من المصلحة أن الإنسان يغاير هذا المنهج، لأنه في الأعم الأغلب في المئتي سنة الأخيرة كتبنا الأصولية كتبت بهذا النهج، ولذا إذا غيرت المنهج كما فعل السيد الشهيد في الحلقات الطالب لا يعلم أين يجد هذا المبحث في الكتب التقليدية والكلاسيكية، إلا أن يكتب شرح للحلقة الثالثة وهذا ما فعلناه، شرح للحلقة الثالثة، كل مسألة من المسائل التي عرض لها سيدنا الشهيد أن يرجعها إلى أين بحثوا في الأعلام في كتبهم الأصولية. طبعاً شرح الحلقة الثالثة يقع في 10 مجلدات إن شاء الله، طبعاً كل همي أن هذا الكتاب الأستاذ والطالب قادر على أن يراجع كما أنه يستعمل هذا المنهج يراجع المصادر المتعارفة في الأصول، تقريباً مئة مصدر أصولي التي كتبت في الآونة الأخيرة حتى المعاصرين كلها قلنا أن هذا البحث موجود في مكان فلان، في مقدمة كل بحث نقول عرض له الأعلام في فلان مكان وفلان مكان. هذا هو المنهج المشهور.
السيد السيستاني دام ظله في (الرافد، ص32) عنده عبارة ولعلها من سهو القلم، قال: (وهناك اعتراضان مهمان على طريقة المنهج القدمائي) هذا المنهج الذي شرحناه تفصيلاً (الأول: هو الاعتراض على القسم المدون في أصول القدماء للبحث عن الدليل وأقسامه حيث أبدله) هذا المنهج القدمائي الذي أشرنا إليه مقدمة وبابان وخاتمة، ماذا يقول؟ يقول: (حيث أبدله الشيخ الأنصاري بتصنيف علم الأصول على طبق الحالات الوجدانية للمكلف عند التفاته للحكم الشرعي وهي القطع والظن والشك فهنا أقسام ثلاثة) يقول الشيخ الأنصاري لم يوافق على التقسيم القدمائي، ما هو البديل الذي ذكره؟ يقول: البديل الذي ذكره قال أن علم الأصول نقسمه على أساس حالات المكلف وحالات المكلف ثلاث: القطع، الظن، الشك. الشيخ الأنصاري أين ذكر ذلك؟ في أول الرسائل العملية، قال: (اعلم أن المكلف إذا التفت إلى حكم شرعي فإما أن يحصل له الشك فيه أو القطع أو الظن) يقول أن الشيخ الأنصاري استبدل المنهج القدمائي بهذا المنهج، وفي الواقع ليس الأمر كذلك، فإن الشيخ الأنصاري ذكر هذا التقسيم لكل علم الأصول أو للأمارات والأصول العملية؟ أصلاً بحثه في هذا الكلام، لا بيان تقسيمات علم الأصول، بل بيان الباب الثاني من أبواب علم الأصول، إذن هذا التعبير (حيث أبدله الشيخ الأنصاري بتصنيف علم الأصول) لا، بل بتصنيف الأمارات والأصول العملية، وهذا لم يقل القدماء او المنهج المتعارف لم يختلف مع هذا بل هذا هو المنهج الموجود.
هذا تمام الكلام في المنهج الأول وهو المنهج القدمائي.
المنهج الثاني: وهو المنهج الذي اقترحه المحقق الأصفهاني في كتاب له تحت عنوان (بحوث في الأصول) عند المحقق الأصفهاني الكماني عنده بالإضافة إلى حاشيته على المكاسب عنده كتاب بحوث في الأصول وكتاب بحوث في الفقه، كتابان مهمان للاطلاع على تراث الشيخ الأصفهاني لابد من مراجعة هذين الكتابين.
في كتاب (بحوث في الأصول، ص17- 22) مؤسسة النشر الإسلامي، قال: (أما بعد حمد الله والصلاة على نبيه وآله الطاهرين فنقول لكل علم مسائل ومبادئ وموضوع) في (ص22) يقول: (في المبادئ التصورية اللغوية، الفصل الأول في الوضع) بنفس المقدمات التي أشرنا إليها في مقدمات المنهج القدمائي.
في هذا البحث توجد نكتتان في هذا، أنا أشير لها إجمالاً وتفصيلها إلى يوم غد، أولاً يصرح أن علم الأصول لا يوجد له موضوع واحد، وهذا معناه أنه قطع غائلة المسألة إذن علم بالمعنى المصطلح أو ليس بعلم في المعنى المصطلح؟ ليس علماً بالمعنى المصطلح. والمتكلم واقعاً إنسان ليس فقط خبير ومتخصص بل علم من أعلام هذا الفن، يعني الفلسفة والمنطق ونحو ذلك. يقول في (ص17): (أما مسائله فهي قضاياه المتشتتة) إذن يوجد هناك جامع وهو موضوع واحد أو لا يوجد؟ إذن ما هو الجامع في هذا العالم، قال المشتركة في غرض خاص. ونحن قلنا أن العلم بالمعنى الاصطلاحي تمايزه يكون بالأغراض أو بالموضوعات؟ إذن هنا يصرح أن تمايز علم الأصول عن غيره بتمايز الأغراض لا بتمايز الموضوعات، وهذا من أهم الفوارق بين العلم بالمعنى الاصطلاحي وبين العلم بغير المعنى الاصطلاحي. إلى أن يأتي ويقول في (ص20): (ومن البين أنه لا جامع لموضوعات مسائله كيف والموضوع في باب الأوامر ذات الصيغة ومحموله الظهور والموضوع في باب حجة الظاهر نفس الظهور وفي باب الخبر حكاية السنة وفي باب الإجماع نقل السنة …). إذن لا يوجد موضوع واحد. على ما في هذا الكلام من الكلام أيضاً، ولكني الآن أريد أن أخذ النتيجة وهي أنه لا يوجد موضوع واحد، وهذا ما أشرنا إليه عن السيد البجنوردي في (منتهى الأصول، ص7) قلنا أن السيد البجنوردي الذي هو من أعلام فن الفلسفة، وهذا ما فعل به ما فعل في حوزة النجف، لأنها فلسفة، وإلا الإنسان عندما يقرأ كتابه القواعد الفقهية وكتبه الأصولية يجد أنه إنسان ليس أقل من الآخرين, ولكن هذا العنوان أدى إلى ما أدى.
يقول: (والتحقيق أن العلوم أو ما تسمى علوم على قسمين: قسم دوّن لأجل معرفة حالات حقيقة من الحقائق) يعني موضوع من الموضوعات (وما هو مفاد هليتها المركبة وليس الغرض من التدوين إلا معرفة محمولاتها التي تحمل عليها حملاً حقيقياً …). هذا القسم الأول، والقسم الثاني (عبارة عن مجموع قضايا مختلفة الموضوعات والمحمولات جمعت ودونت لأجل غرض خاص وترتب غاية مخصوصة بحيث لولا ذلك الغرض وتلك الغاية لم تدون تلك المسائل ولم تجمع ولا فائدة من معرفتها وتسميتها باسم خاص ففي هذا القسم ليس الجامع لهذه المسائل المختلفة إلا تلك الغاية ولا أدري أي ملزم ألزمهم بالقول بوجود موضوع واحد لهذا السنخ من العلوم) في القسم الأول من العلوم لابد من وجود موضوع، أما في هذا القسم الثاني ما هو الملزم، القاعدة هناك (ولا أدري أي ملزم ألزمهم بالقول بوجود موضوع واحد جامع لجميع موضوعات المسائل في هذا القسم حتى أن صاحب الكفاية بعدما يأس من تعيين موضوع كلي متحد مع موضوعات علم الأصول قال بوجود جامع مجهول العنوان).
ولهذا في الآخر يقول وكأنه نزلت آية أو رواية لابد أن يوجد لعلم الأصول موضوع واحد. تتمة الكلام تأتي.
والحمد لله رب العالمين