الأخبار

المحاضرة (40)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين.

كان الكلام في الاعتبار وقلنا بأن أساس الاعتبار هو إعطاء حد شيء لشيء آخر، يعني أن هناك أمور حقيقية لها حدود حقيقية فنحن لأغراض ولمصالح ولغايات ولفوائد نعطي حد ذلك الأمر الحقيقي لأمر غير حقيقي، هذه هي حقيقة الاعتبار. وبينّا في البحث السابق أن أول من نظّر وأسس للاعتبار وبين أقسام الاعتبار وحقيقة الاعتبار هو السيد الطباطبائي& في كتابه أصول الفلسفة. طبعاً كلماته موجودة هنا وهناك، يعني في تفسير الميزان وفي حاشيته على الكفاية موجودة وفي كتاب الرسائل السبعة، رسالة منها في الاعتبار أيضاً موجودة. ولكن تفصيل الكلام إنما هو في كتابه اصول الفلسفة.

من خصائص الأمور الاعتبارية أنها ليس لها ما بإزاء واقعي خارجي بخلاف الأمور الحقيقية، فإن لها ما بإزاء، من الفروق الأساسية بين الأمور الحقيقية وبين الأمور الاعتبارية أو الإدراكات الحقيقية والاعتبارية، هذا التعبير أدق:

هو أن الإدراكات الحقيقية الإنسان بالنسبة إليها منفعل بخلاف الإدراكات الاعتبارية فالإنسان بالنسبة إليها منشأ، قضايا إنشائية.

ومن أهم خصائص الأمور الاعتبارية أن الإنسان في هذه النشأة لا يمكن أن يعيش بلا اعتبار، أي قدر من الأمور الاعتبارية ذاك بحث آخر، ولكنه ما دام في هذه النشأة لا يمكنه أن يعيش بلا اعتبار.

أنا أفهرس الأبحاث حتى كون الأعزاء على بينة منها عندما يراجعوها.

من الأبحاث المرتبطة بالإدراكات الاعتبارية أنها تنقسم إلى اعتباريات ثابتة وعامة لا تتغير ولا تتبدل، يعني تحت أي ظرف وأي شرط وفي أي مكان وزمان وفي أي مجتمع صناعي أو بدائي أو متقدم أو متأخر، في النتيجة أن هذه الاعتبارات أو الاعتباريات ثابتة لا تتغير. من قبيل حسن العدل ومن قبيل قبح الظلم. هذه من الأمور الاعتبارية بحسب بيانات السيد الطباطبائي من الأمور الاعتبارية الثابتة والعامة، وتنقسم إلى القسم الثاني وهي الاعتبارات أو الاعتباريات أو الإدراكات الاعتبارية المتغيرة والخاصة، التي قد تختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر. ومن ظرف إلى آخر ومن شرط إلى آخر. من قبيل جملة من السير العقلائية والظواهر العقلائية أنتم تجدون بأن السيرة العقلائية قد تتبدل بعد عدة قرون ولا محذور في ذلك، ولذا تجدون أن الأعلام في أبحاث الفقه عندما يأتون إلى سيرة عقلائية معاصرة يقولون لابد من إحراز أنها موجودة في زمن المعصوم، هذا يكشف عن أن السيرة العقلائية يمكن أن تتبدل وأن تتغير وأن تنتقل من حال إلى حال، وإلا لو كانت السير العقلائية كلها ثابتة وعامة فهذا السؤال لا محل له.

إذن هذه النقطة لابد أن يلتفت لها وهي أن جملة من الاعتباريات تنقسم إلى ثابتة وعامة وإلى متغيرة وخاصة.

من جملة تقسيمات الإدراكات الاعتبارية أنها تنقسم إلى اعتبارات فردية وإلى اعتبارات اجتماعية، بمعنى أن هناك مجموعة من الاعتبارات يحتاج إليها الإنسان ولو كان يعيش بمفرده، لا يتوقف أن يعيش في مجتمع حتى يحتاج إلى هذه الامور الاعتبارية حتى لو كان يعيش بالانفراد فهو محتاج إلى هذه الأمور الاعتبارية.

منها: أصل اعتبار الاعتبار، يعني أنه لابد أن يعتبر، لأننا ذكرنا قبل قليل أنه لا يستطيع أن يعش بلا اعتبار، ولهذا من هذه القضايا التي هي قبل الاعتبار مسألة الحسن والقبح ومسألة الحاجة إلى الاجتماع ومسألة حجية العلم ومسألة حجية الاطمئنان ونحو ذلك.

ومنها: اعتبارات يحتاج إليها إذا كان يعيش في اجتماع من قبيل: الملكية، الرئاسة والمرؤوسية، الأوامر والنواهي على أقسامها ولوازمها.

هذه تقريباً مجموعة الابحاث التي أشرنا إليها وإجمالها كما أشرنا إليه.

إنما البحث الأساسي الذي لم يعرض له صاحب الرافد السيد السيستاني وإن كان قد تبنى هذه النظرية في مسألة تقسيمات الأبحاث الأصولية هي مسألة المنهج المتبع في تحقيق المسائل الاعتبارية. تعلمون نحن عندما قبلنا وعندما قبل هذا المعنى في (ص46) من الكتاب قال: (الطريقة الثانية أن علم الفقه لما كان محور بحثه هو الحكم الشرعي والحكم الشرعي نوع من الاعتبار) وبينا خصائص الاعتبار (ولذلك احتجنا لعلم آخر يبحث عن المبادئ التصديقية للحكم الشرعي) أي للاعتبار (وذلك بالحديث عن الاعتبار بصفة عامة والاعتبار الشرعي بصفة خاصة وعوارض هذا الاعتبار وأقسام الاعتبار ولواحق الاعتبار وذلك هو موضوع علم الأصول).

سؤال: السيد السيستاني بدأ من (ص47) إلى (ص57) بيّن هذه الأقسام، تعريف الاعتبار، تقسيمه، العلاقة، أسلوب الجعل، عشرات بل مئات المسائل التي يعرض لها تحت عنوان أقسام الاعتبار، عوارض الاعتبار، أحكام الاعتبار … إلى غير ذلك.

سؤال: ما هو المنهج المتبع في تحقيق هذه المسائل؟

هذا الذي لا يوجد له أي أثر في كلامه في كتاب الرافد، أنه ما هو المنهج المتبع، هل المنهج المتبع هو المنهج المتبع في تحقيق الإدراكات الحقيقية أو أن المنهج المتبع منهج آخر يختلف عن منهج تحقيق الإدراكات الحقيقية، وهذه هي القضية التي يتذكر الأعزاء نحن فيما سبق وقفنا عندها تفصيلاً وإن شاء الله تعالى نريد أن نختم بحث مقدمات علم الأصول بهذا البحث الأساسي.

أعزائي الإدراكات بناء على هذا البيان انقسمت إلى إدراكات حقيقية وإلى إدراكات اعتبارية، وقد بينا ما هو المراد من الاعتبارية، ولكل من هذين القسمين نمو وتوالد، يعني أنت لو تحسب الإدراكات الحقيقية قد الموجودة بيدك عشرة أو مئة ولكن من خلالها تتوالد وتكون ألف ومليون وعشرة ملايين، كل الأبحاث الفلسفية إدراكات حقيقية، كل الأبحاث الرياضية إدراكات حقيقية، كل الأبحاث الطبيعية فيزياء وكيمياء وفلك هذه كلها إدراكات حقيقية، هذه كلها مذ ولد الإنسان كانت معه هذه الإدراكات أو توالدت شيئاً فشيئاً؟ توالدت شيئاً فشيئاً.

إذن النوع الأول من الإدراكات لها نمو، من هنا يُسأل هذا السؤال ما هو القانون الحاكم في توالد الإدراكات الحقيقية؟

إذا يتذكر الأعزاء هذا البحث، في أول الأبحاث حتى نستذكرها قلنا لكي تتوالد الإدراكات الحقيقية يوجد هناك منهجان:

المنهج الأول: هو المنهج الارسطي.

المنهج الثاني: هو المنهج الاحتمالي والاستقرائي. كما يدعي السيد الشهيد&، وتقدم البحث عن ذلك تفصيلاً، وهو أن هذه الإدراكات ضمن قواعد خاصة وقوانين خاصة تتوالد. أنت لا تستطيع أن تولد إدراكاً حقيقاً من أي إدراك حقيقي آخر. متى تستطيع أن تولد إدراك حقيقي أو مدرك حقيقي من مدرك حقيقي آخر؟ إذا كان بينهما علاقة ذاتية يعني هذا يعطي … أنت تستطيع أن تولد الأربعة من إدراك اثنين بإضافة اثنين ولكن لا تستطيع أن تولد الإدراك خمسة من إدراك اثنين بإضافة اثنين. هذه المعلومة وهذه المدركة وهي خمسة لا تتولد من أي إدراك آخر وإنما تتولد من إدراك مخصوص بينها وبين هذا الامر الإدراك الجديد علاقة واقعية، علاقة نفس أمرية، علاقة ذاتية، علاقة ضرورية، علاقة كلية، عبر ما شئت.

ولذا تجدون الشيخ المطهري& في (اصول الفلسفة، ص527، كيف تتم الرابطة الاستنتاجية بين الإدراكات الحقيقية) كيف يمكنك أن تستنتج إدراكاً حقيقياً من إدراك حقيقي آخر؟ قد تقول سيدنا لماذا تقيد تقول تستنتج إدراك حقيقي من إدراك حقيقي؟ لأن هذا السؤال يطرح هل يعقل أن نستنتج إدراك حقيقي من إدراك اعتباري، يمكن أو لا يمكن. هل يمكن استنتاج إدراك اعتباري من إدراك حقيقي أو لا يمكن؟ بعد ذلك سنشير إليه.

هناك يبين في (ص528) يقول: (حينما يكون الذهن في حركته الفكرية محاولاً تبديل المجهول بمعلوم فهو يريد حقيقية اكتشاف العلاقة الواقعية بين إدراكين حقيقيين، ومن هنا يتضح أن نمو الذهن الفكري يقوم على أساس إدراكات العلاقات) ولكن أي نوع من العلاقات؟ العلاقات الوجودية، العلاقات الذاتية الواقعية النفسية القائمة في نظام هذا العام. وهذه العلاقات واقعية ونفس أمرية أي أنه رغم كون الفكر لوناً من النشاط لكن هذا النشاط ليس حراً. الفكر الإنساني والقدرة الخلاقة للذهن الإنساني ليست حرة في أن تستنتج ما تشاء مما تشاء. أبداً. وإنما مقيدة بتعبير القرآن الكريم، مقيدة بالسنن الإلهية في هذا النظام (ولن تجد لسنة الله تبديلاً) (ولن تجد لسنة الله تحويلاً) أنت تريد أن تعبر عنها بتعبير قرآني قل السنن، وإن أردت أن تعبر عنها بتعبير فلسفي قل نظام العلة والمعلولية ونتائجها.

يقول: (أي أنه رغم كون الفكر لوناً من النشاط لكن هذا النشاط ليس حراً بل تابع للواقع ونفس الأمر وإذا حكم الذهن مباشرة أو مع الواسطة بالتلازم أو التعاند أو المساواة أو التضمن فهو يحكم بذلك لأن الواقع ونفس الأمر كذلك).

يقول هناك تناف بين الوجود والعدم، تضاد، تناقض.

لا يستطيع أن يوجد تضاد بين كل أمرين، لا أبداً، لا يمكنه أن يقول بالتناقض بين كل أمرين، لا يمكنه، لا يمكن أن يقول بالتعاند بين أمرين.

ثم يذكر ما هي الأمور التي تحكم الإدراكات الضوابط. يقول: (الضوابط الأساسية هي الذاتية، الضرورية، الكلية) وهذا الذي شرحناه مفصلاً في الأبحاث السابقة، الذين حضروا من أول هذه الأبحاث يعرفون أننا وقفنا تفصيلاً عند هذه المسائل.

إلى أن يأتي في أول (ص530) يقول: (المهم بالنسبة لبحثنا الحاضر هو التأكيد فقط على أن الفكر المنطقي والسلوك البرهاني يتكأ على العلاقات الواقعية لمضامين الذهن، وإنما تتوفر أرضية النشاط في هذه العلاقات) أما تفصيل البحث في كيفية الروابط فله مقام آخر وهو كتاب البرهان.

السؤال الأساسي: هل يمكن استنتاج إدراكات ومفاهيم اعتبارية من مقدمات ومفاهيم وإدراكات حقيقية؟

عندك مجموعة من المفاهيم والإدراكات الحقيقية هل يمكنك أن تجعلها كمقدمة وكطريق لاستنتاج ادراكات اعتبارية أو لا يمكن؟ ما هي القواعد التي تحكم المواضيع أو الادراكات الحقيقية؟ الأعزاء يعلمون جميعاً فإنه من أهم قواعد الإدراكات الحقيقية أنه يستحيل تقدم الشيء على نفسه، هذه من قوانين الإدراكات الحقيقية. ومن أهم قواعد الإدراكات الحقيقية أنه يستحيل الترجيح من غير مرجح، طبعاً القاعدة الترجيح من غير مرجح ولكن مآلها إلى قاعدة ماذا … يعني الترجيح بلا مرجح يلزم منه الترجح بلا مرجح.

ومن القواعد أن المعلول لا يمكن أن يتقدم على علته، يقولون أن ذلك مستحيل لأنه إذا تقدم المعلول على علته وجوده فهو ليس معلولاً لهذه العلة، هذا معناه أنه وجد من غير هذه العلة، إذن غير محتاج لها.

ومن القواعد أن التسلسل والدور في العلل غير معقول.

ومن القواعد توارد العلل المتعددة على المعلول الواحد معقول أن يلزم تحصيل الحاصل، العلة الأولى أوجدت المعلول هذه العلة الثانية ماذا تفعل، هل توجد المعلول، هو موجود بالعلة الأولى، إذن يستحيل توارد علل متعددة وتامة على معلول واحد.

من القواعد في الإدراكات الحقيقية هل يمكن أن يوجد عرض بلا موضوع أو لا يمكن؟ محال.

ومن القواعد هل يجتمع عرضين متضادين في آن واحد على شيء واحد أو لا يمكن؟ محال.

ومن حقائق وقوانين الإدراكات الحقيقية هل يعقل أن يتقدم المشروط بشرط على شرطه أو لا يعقل؟ لماذا لا يعقل؟ لأنه يلزم الخلف لأنك تقول مشروط بشرط فإذا وجد المشروط قبل شرط إذن لا يكون مشروطاً به.

وعشرات القواعد والقوانين التي ذكرها الفلاسفة والمناطقة في الإدراكات …

ما هي النتيجة؟

أنت تستطيع من خلال هذه القواعد أن تثبت شيئاً أو أن تنفي شيئاً، إذا وجدت العلة تقول يقيناً يوجد المعلول، فتثبت من خلال وجد العلة وجود المعلول وتنفي وجود المعلول من خلال نفي العلة، لأن هناك تلازم واقعي نفس أمري بين العلة وبين المعلول، فمن خلال تثبت ومن خلال تنفي.

يقول: يمكن في عالم الحقائق التمسك بهذه الأصول العامة للإثبات والنفي كما يمكن الاتكاء في موضوع العلة والمعلول الحقيقي على قانون امتناع تقدم المعلول على علته وامتناع التسلسل والدور وامتناع توارد العلل الكثيرة على المعلول والاتكاء في العرض والموضوع الحقيقي على استحالة وجود العرض بلا موضوع …

السؤال المطروح هنا: وهو أن كل هذه الاحكام التي اُشير لها هل يمكن تطبيقها لاستنتاج أحكام وقواعد وإدراكات اعتبارية أو لا يمكن، أي منهما؟

لابد أن نرجع إلى حقيقة الاعتبار، ما هي حقيقة الاعتبار؟ إعطاء حد شيء لشيء آخر، افترضوا أن المولى المشرع الحكيم البشري الإلهي اقتضت المصلحة أن يعطي حكم شيئاً لشيء آخر بينكم وبين الله بمجرد أن تعتبر الشيء شيئاً آخر يعني تترتب عليه كل الاحكام الواقعية، يمكن هذا أصلاً، يعني أن العلم من خصائصه أنه يحرك نحو المعلوم، هذا التحريك تحريك تكويني، الآن أنت لو نزلت شيئاً منزلة العلم هل له ذاك التحريك التكويني إذا لم يجعل المنزل هذا التحريك أو ليس له هذا التحريك. الإنسان إذا حصل له العلم يحصل له الاطمئنان والسكون النفسي، لمصلحة من المصالح جاء المشرع، أي مشرع كان إلهي أو بشري، وقال نزلت الظن منزلة العلم. بإمكانه أن يتصرف في بعض اللوازم سعة وضيقاً ولكنه … بإمكانه أن يتوسع وفيها ويضيق ولكنه لا يمكنه أن يوجد ذلك السكون النفسي، أبداً، لأن ذاك من خصائص ذاك الامر التكويني الواقعي ومحال أنه بالاعتبار تحصل له خصائص ذلك الأمر التكويني. وإذا لم تحصل له خصائص ذلك الأمر التكويني فبطبيعة الحال قوانين ذاك الأمر التكويني لا تجري هنا، لا معنى لجريانها أصلاً، لان تلك قوانين كانت قائمة على التلازم الواقعي، على الذاتية، على الضرورية، على الكلية ونحو ذلك. وهذه قائمة عليها أو ليست قائمة عليها؟ ليست قائمة عليها.

إذن من أهم قواعد الاعتبار أن القواعد والمناهج والأصول التي تبتني عليها الإدراكات الحقيقية لا مجال لجريانها في الإدراكات الاعتبارية. هناك مجموعة من القواعد مجموعة من المناهج ومجموعة من طرق الاستدلال هذه كلها مختصة بالإدراكات الحقيقية. نعم، أنت من حقك في أول علم الأصول أن تقول خلافاً للمشهور، خلافاً للمحقق الكذائي، أنا لا أقبل أن الأحكام الشرعية إدراكات اعتبارية. أقول هي إدراكات حقيقية. نعم، ثبت العرش ثم انقش. أما إذا قبلت في الرتبة السابقة أن العوارض والمحمولات في المسائل الفقهية والأصولية إدراكات اعتبارية فلها منهجها وقواعدها وأصولها وقوانينها التي تختلف عن الإدراكات الحقيقية. أو يكون حالك كما هو حال كثير من علم الأصول، لم يحرر هذه المسألة في الرتبة السابقة، ولذا تجد أنه مرة يقول لا نجري قواعد الحقيقة لأن هذه أمور اعتبارية، ومرة يقول تجري فيها قواعد الحقيقة. هذه الفوضى الموجودة في تحقيق مسائل الأصول هي نتيجة عدم التحقيق في مقدمات علم الأصول أن علم الأصول، بعبارة أخرى: المحمولات التي يبحث عنها في علم الأصول من الحجية والوجوب وغيرها هل هي أمور اعتبارية أم أنها أمور حقيقية؟

ولذا طلبي من الأعزاء أن يعنونوا هذه المسألة في أول مسائل علم الأصول، أنه في النتيجة مسائل علم الأصول هل هي من الاعتبارات أم هي من الحقائق. ولذا الشيخ المطهري رحمة الله تعالى عليه يقول: (أما في العلة والمعلول الاعتباريين والشرط والمشروط الاعتباري) هذه هي الأحكام الوضعية، أنتم تقولون أن الموضوع نسبته إلى الحكم نسبة العلة إلى المعلول، أو الشرط والمشروط وعندنا في الأبحاث الفقهية كثير شرط ومشروط، الطهارة شرط، القراءة جزء، ذاك ركن هذا مانع ونحو ذلك. وأنتم تجدون أن هذه الاصطلاحات هي اصطلاحات الإدراكات الحقيقية، عندما تدخل في المسائل الفلسفية تجد عندك علة ومعلول وشرط ومشروط ومقتضي ومانع ودور وتسلسل وعرض وموضوع … كل هذه الاصطلاحات، أخواني الأعزاء هذه اصطلاحات اليونانيين داخلة على عمق فكرنا الأصولي والفقهي والتفسيري والكلامي والعقائدي. من يستطيع أن يتكلم في هذا الزمان في العقائد أو في التفسير وأتحداه أن يتكلم بلا استعمال هذه الاصطلاحات، لا يستطيع. نعم، تقول نوجد لغة أخرى نحن معك، أوجدوا تلك اللغة حتى نترك هذه الاصطلاحات. أساساً هذه الأبحاث كلها أصولية كانت فقهية كانت، تفسيرية كانت حديثية كانت كلها قائمة على مثل هذه الاصطلاحات، والعجيب أن هذه القواعد والأسس والمباني والمناهج كلها إنما ذكرها مؤسسوها في الإدراكات الحقيقية ولم يصرح أحد منهم إننا إنما أسسنا هذه شاملة لكل المفاهيم.

قال: (أما في العلة والمعلول الاعتباريين والشرط والمشروط الاعتباريين والعرض والموضوع الاعتباريين والجزء والكل الاعتباريين) هذه كلها في الأبحاث الفقهية والأصولية (والجزء والكل الاعتباريين فلا يمكن التوسل بأي من هذه الأصول والقواعد والحصول على نتيجة منطقية، لأن تقدم الشيء على نفسه والترجح بلا مرجح وتقدم المعلول على علته في الاعتباريات لم يثبت بأي دليل أنه محال).

أنتم ابحثوا واذهبوا إلى الدور والتسلسل في البداية وفي النهاية وانظروا ما هي الشرائط الاستحالة فيها. يشترطون أن يكون في العلل التكوينية في العلم الفاعلية. إذا كانوا هم يشترطون أن استحالة الدور والتسلسل إنما هو في العلل الحقيقية الفاعلية التكوينية بينك وبين الله هل يمكنك أن تطبقها في الموضوع والحكم الشرعي، إلا أن تقول أن الموضوع والحكم الشرعي أيضاً مثل العلة والمعلول الحقيقيين. أنت حر، أنت كباحث ومحقق من حقك هذا. ولكن أريد أن أقول من جهة تقبل أن هذه اعتبارية ومن جهة تطبق عليها قواعد الأمور الحقيقة، فهذا تناقض وتهافت بين وواضح. أنا لا أريد أن أفرض على أحد أنه لابد أن يقبل مني أن نسبة الحكم إلى الموضوع هي باعتبار المعتبر، نعم افرض ان هذا رأيي وأنت من حقك أن تنتخب هذا الرأي أو أن تنتخب رأياً آخر. تقول: لا، كالنسبة بين وجود الله وبين خلقه. كيف أن الله سبحانه وتعالى علة تامة لمخلوقاته، الموضوع أيضاً علة تامة للحكم المترتب عليه. من حقك هذا، عند ذلك طبق عليه أحكام الأمور الحقيقية. أما إذا أنت تصرح أنها من الأمور الوضعية ومن الأمور المجعول ومن الأمور الاعتبارية. أمامكم صرح السيد السيستاني، عندما تأتي إذن لماذا في باقي المسائل عندما تبحث وكأنك تتكلم مع القضايا الحقيقية هذا تهافت بيّن.

قال: (فإن تقدم الشيء على نفسه والترجح بلا مرجح في الاعتباريات ليس محالاً وانتفاء الكل بانتفاء الجزء ليس بالضرورة) نعم في المركبات الحقيقية إذا انتفى الجزء ينتفي الكل، بطبيعة الحال لأن هذا الكل مركب حقيقة من هذه الأجزاء، أما ليس بالضرورة إذا انتفى الجزء ينتفي الكل في الأمور الاعتبارية. إذن لا تأتي وتبقيني ثلاثة أشهر في قولك أن الصلاة كل مركب من عشرة أجزاء كيف تنسجم مع قاعدة لا تعاد الصلاة إلا من خمس. لأنه أنت كثير من الأجزاء التي قلت أنها جزء في مركب الصلاة في لا تعاد تنتفي ومع ذلك تقول أنها صلاة أو ليست بصلاة؟ إذا لم تكن صلاة إذن أنت لم تمتثل الحكم الشرعي (أقيموا الصلاة) فأنت أقمت الصلاة أو لم تقم الصلاة، لم تقم الصلاة. وإن قلت الصلاة إذن كيف تقول أن هذه أجزاء هذا الكل، انتفت الأجزاء أو بعض الأجزاء انتفت فينبغي انتفاء الكل.

(والمشروط بانتفاء الشرط ليس ضرورياً في الاعتباريات) من قال أنه إذا انتفى الشرط انتفى المشروط؟! إلا إذا جعل الشارع ذلك، قال: اعتبرت إذا انتفى الشرط انتفى ماذا … أما إذا لم يعتبر ذلك … يستطيع حتى مع عدم تحقق الشرط يقول تحقق المشروط. هل يتقدم المشروط على الشرط أو لا؟ في وضوء الاستحاضة، تعلمون هذه المسألة في الكفاية وفي غير الكفاية، أن المشروط يتقدم والوضوء وهو شرطه أما الوضوء وأما الغسل وأما الصوم كما في المسألة.

سؤال: يعقل أو لا يعقل؟ المسألة طويلة عريضة في علم الأصول، الطالب يستغرق وقته أنه أساساً يمكن أن يتقدم المشروط وصار معلق وصار منجز وصار ليس الوجوب وصار الواجب، هذه كلها للخروج من ضيق خناق أنهم قالوا أن قواعد الأمور الحقيقية جارية بحدها وبحدودها في الأمور الاعتبارية.

يقول: (والمشروط بانتفاء الشرط ليس ضرورياً في الاعتباريات وجعل الماهية والسببية ليس بأمر غير معقول في الاعتباريات) وأنتم تعلمون أن جعل الماهية في الأمور التكوينية أمر معقول أم غير معقول؟ غير معقول، محال. ولذا هذه الجملة المعروفة عن الشيخ الرئيس: ما جعل الله المشمشة مشمشة ولكن أوجد المشمشة. إذن الجعل لا يتعلق بأصل الماهية، الأعلام أتوا بهذه القاعدة التي هي في الأمور التكوينية وطبقوها في الأمور الاعتبارية.

يقول: (وجعل الماهية والسببية ليس بأمر غير معقول في الاعتباريات). طبعاً هذا الباب إذا انفتح سيصنع لنا ثورة في معارفنا الكلامية والفقهية والأصولية.

أضرب لكم مثالاً: الحسن والقبح من الأمور الحقيقية، حسن العدل وقبح الظلم. إن قلت إنهما من الأمور الحقيقية انتهت القضية. أما إذا صار بناءك رأي السيد الطباطبائي أنهما من الأمور الاعتبارية فهل يمكن الاستناد لهما لإثبات بعثة الرسول أو لا يمكن، تلك من الأمور الحقيقة وهذه من … هل يمكن الاستناد إليها لإثبات المعاد أو لا يمكن؟ واحدة من أدلتك لإثبات المعاد إثبات أن الله عادل، هذا لازمه الاستناد إلى أمور اعتبارية لإثبات أمور تكوينية، ولا ملازمة. لا يتبادر إلى ذهن الأعزاء أن هذه القضية قضية سهلة يسيرة، كونوا على ثقة هذه مما ينطبق عليها باب ينفتح منه ألف باب. تتمة الحديث تأتي.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات