أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
انتهينا بحمد الله تعالى من مقدمات هذه الأبحاث أو المسائل التي يصطلح عليها بمباحث علم أصول الفقه، من هذا اليوم إن شاء الله تعالى ندخل في بحث الوضع. وهو من الأبحاث المهمة والأساسية في فقه وفلسفة اللغة. قبل الدخول في مباحث الوضع وبيان حقيقة الوضع وبيان تقسيمات الوضع، وبيان الآثار المترتبة على ذلك، في اعتقادي أنه لابد من الإشارة إلى بعض البحوث.
البحث الأول: من أين جاءت الحاجة إلى الوضع؟ يعني بعبارة أخرى من أين جاءت حاجة الإنسان إلى اللغة، الوضع يعني اللغة، يعني وضع ألفاظ معينة أو حركات معينة أو إشارات معينة أو أصوات معينة للدلالة على معانٍ معينة. هذه هي اللغة، اللغة ليس معناه بالضرورة ألفاظ، فإن اللغة أعم من أن تكون لفظاً أو غير لفظ، ولذا الكثير من الكائنات الحية إنما تقوم العلاقات فيما بينها من خلال الأصوات، والآن هناك دراسات معمقة لتعريف ولبيان معاني هذه الأصوات التي تصدرها بعض الكائنات الحية، وهكذا الإشارات فإن الإشارة لغة أو وسيلة من وسائل التفهيم والتفاهم، انظروا أنتم إلى بعض الحيوانات الأليفة كالدجاج وغيرها كيف تقيم العلاقة مع فراخها، عندما تدعوهم إلى أكل الحب.
المهم البحث الأول في اعتقادي وبعد ذلك ستتضح لنا أهمية هذا البحث في أبحاثنا الأصولية.
البحث الأول: من أين جاءت الحاجة إلى اللغة في حياة الإنسان؟
استميح الأخوة عذراً لأني سأقف عند هذا البحث ليوم أو يومين ليتضح لنا تطبيق من التطبيقات التي أشرنا إليها في نظرية الاعتبار. الأعزاء يتذكرون قلنا أنه اساساً عندنا إدراكات حقيقية وإدراكات اعتبارية، لابد أن نعرف جيداً أن حقيقة الوضع وأن اللغة في حياة الإنسان تدخل في القسم الأول من الإدراكات وهي الإدراكات الحقيقية أو تدخل في القسم الثاني من الإدراكات وهي الإدراكات الاعتبارية، ما هي الثمرة ؟ الثمرة واضحة جداً وهو أنه إذا دخلت ظاهرة الوضع وظاهرة اللغة في الإدراكات الحقيقية فتنطبق عليها قواعد وأحكام الإدراكات الحقيقية، أما إذا ثبت أنها من الإدراكات الاعتبارية والأمور الاعتبارية فلابد أن نطبق عليها قواعد الإدراكات الاعتبارية حتى لا نقع في الخلط الذي وقع فيه غيرنا، هذه تحتاج في الرتبة السابقة أن ننتهي منها، أن ظاهرة الوضع عملية الوضع هل هي من المدركات الحقيقية للإنسان أو من المدركات الاعتبارية، لأنه توجد هناك أقوال تقول أن هذه من المدركات الحقيقية هناك مناسبة ذاتية بين الألفاظ والمعاني، يعني العلاقة علاقة العلية والمعلولية وإذا كان العلاقة علاقة العلية والمعلوية وخصوصاً إذا قبلنا نظرية أن الواضع هو الله سبحانه وتعالى عند ذلك القضية واضحة لابد أن نطبق عليها قوانين الأحكام الحقيقية والتكوينية لا الاعتبارية.
لكي تتضح هذه الحقيقة نحتاج إلى بيان عدة مقدمات وعدة أمور:
الأمر الأول: أنا أتذكر في العام الماضي عندما بدأنا أبحاث مفاتيح عملية الاجتهاد قلنا أن محور الأبحاث الفقهية والأصولية وغيرها تدور على معرفة الإنسان، ما لم نعرف الإنسان، لا يمكن الدخول في هذه الأبحاث، وهذه من مواردها تطبيقاً لتلك القاعدة التي أسست لها في أول هذه الأبحاث.
البحث الأول: وهذا أصل موضوع نفترض أن الأعزاء ثبت عندهم في مباحث سابقة كأصل موضوع وهو أن الإنسان كائن مفكر مريد متطور متكامل، يبحث عن كماله بالفطرة، بغض النظر عن أي شيء، يبحث عن كماله ويهرب عن نقصه، يجتذب كل ما هو ملائم لما يعتقده أنه كماله وسعادته، ويهرب من أي شيء؟ من كل ما يفترض فيه أنه فيه نقصه وألمه ونحو ذلك. والشاهد على ذلك انظروا إلى الطفل عندما يلتذ بشيء امنعه يصرخ ويتأمل، عندما يضع يده على شيء يحترق يتألم منه فلا يتقرب منه، مع أنه لا يعرف شيئاً عن المفاهيم، لا توجد عنده لغة، ولكن هذا أمر فطري في وجوده، بل أساساً عندما يخرج من بطن أمه يبحث عن الحليب وعن ثدي أمه. هذا فطر عليه (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) أساساً الإنسان فطر على حب الكمال والهروب من النقص، وهذه افطرة وهذا الأمر الفطري هو منشئ كل القواعد الفطرية الثانوية التي تعقب ذلك، يعني على سبيل المثال يقولون أن الأمور الفطرية البحث عن الحقيقية والبحث عن العلم كشف المجهولات هذا منشأ أين؟منشئه حب الكمال لأنه يريد أن يكشف هذه الحقيقة ليرى أنها إذا كانت ملائمة لذاته فيجتذبها، إذا كان منافرة لذاته يبتعد عنها ويجتنبها، إذن لك ما يترتب من حب، هذه التي أقولها في الكتب، حب الجمال وحب الإبداع وحب كشف المجهولات وحب العلم وحب البقاء هذه كلها منبعها الأساسي أين؟ حب الإنسان لذاته، يعني أصل وجوده، كان التامة، وكمالات وجوده يعني كان الناقصة، هذا البحث أنا في كتاب (مدخل إلى مناهج المعرفة في ، ص188) أشرت إليه يمكن للأعزاء أن يرجعوا إليه تحت عنوان بيان حقيقة الإنسان وفرقه عن باقي الموجودات، هناك عبارة قيمة للسيد الإمام من كتاب (الطلب والإرادة) التي هي بكتابة وشرح سيد أحمد الفهري، يقول: (بالجملة الإنسان بفطرته عاشق الكمال ويتبع هذه الفطرة فطرة أخرى هي فطرة الإنزجار عن النقص أي نقص كان) نعم، قد الإنسان يشتبه في المصداق فيتصور ما هو كمال ليس بكمال، ويتصور ما هو نقص ليس بنقص، هذا هي الشبهة المصداقية، والبشرية مبتلاة بالمصاديق وليست مبتلاة بأصل … كل البشرية تسعى للوصول إلى كمالاتها اللائقة وإلى سرورها وسعادتها وإلى ما يلذها وتلتذ به، لا يوجد إنسان بل لا يوجد كائن حي بل لا يوجد موجود إلا وهو طالب لكماله. والله سبحانه وتعالى أودع في فطرة كل الموجودات سيرها الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هداه، هداه إلى ماذا؟ هداه إلى الكمال اللائق به، كل الأحجار تريد أن تكون عقيقياً ولكن بعضها تكون وبعضها لا تكون، وهكذا النباتات خصوصاً إذا نبينا على نظرية وإن من شيء إلا يسبح، اساساً نحن لا يوجد عندنا ميت، نعم درجات ومصاديق الحياة مختلفة، (وإن من شيء يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
لا أحد قال أن جنابك أو جنابي مركز الكون إذا كان هناك شيء فلابد أن أفهمه، أولئك الذين يقولون أن عقلي لا يستوعب هذا، من قال أن عقلك مركز الكون حتى إذا عقلك لم يستوعبه يعني ليس بصحيح. هذا ليس محل بحثنا.
هذا الامر الأول.
المقدمة الثانية: هناك تبدأ المرحلة الأولى من الكشف وهي الإدراكات الحقيقية، يعني ما الذي يدعو الإنسان إلى أن يذهب ليكشف الحقائق؟ هو حب الكمال، يدعوه إلى أن يذهب للكشف عن الحقائق، ليعرف هذا نبات وهذا جماد وهذا حيوان وهذا ماء وهذه نار وهذه سماء … فتبدأ مجموعة الإدراكات الحقيقية، ولا نشرح الإدراكات الحقيقية وهي التي بالنسبة إليها علمه انفعالي كشفي الكشفي إبداعي إنشائي. كل بحسبه، كل يستطيع أن يكتشف من هذه الحقائق، الإنسان البدائي اكتشف عشرة حقائق وأنا وأنت نكتشف مليون وغداً يكتشفون مئة مليون، وعندما يأتي صاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام كل ما اكتشف في هذا العالم يعد حرف أو حرفين من ثمانية وعشرين حرفاً من الحقائق التي تنكشف في زمانه، يعني أن النسبة الفاصلة، أنت تقول كم بالنسبة إلى عشرة آلاف سنة كانوا بدائيين، الذين في زمن الإمام ماذا يقولوا عنها، والقدرة الاستعدادية أيضاً تصعد يمسح على رأس الرجل فيكون أربعين عقلاً، يعني أيضاً من جهة انكشاف الحقائق تنكشف الحقائق للعالم ببركته عليه السلام وكذلك استعدادات الناس تكبر، هذه حركة تكاملية لا تقف، هذه مستمرة بدأت قبل عشرة آلاف سنة أو أكثر ليس هذا بحثي.
كما قلت أن هذا تطبيق مهم لأبحاثنا التي عرضنا لها الحقائق والاعتباريات، هنا الإنسان يرتب على تلك الإدراكات الحقيقية مجموعة من الإدراكات الاعتبارية، يعني يرى هذه الحقيقة منسجمة مع كماله فيقول ينبغي، هذا الانبغاء اعتبار، ولكن اعتبار ناشئ من الحقيقة، ويرى أن النار تؤلمه يقول ينبغي أو لا ينبغي؟ يقول ينبغي تركها، تلك ينبغي فعلها وهذه ينبغي تركها. من هنا تبدأ عملية الإدراكات الاعتبارية، هذه الإدراكات الاعتبارية تابعة لأي شيء؟ الادراكات الحقيقية، قاعدة: كلما ازدادت الإدراكات الحقيقية طرداً تزداد الإدراكات الاعتبارية، يعني الإنسان البدائي كان قد اكتشف من حقائق هذا العالم عشرة، كم ينبغي عنده؟ في حياة كم ينبغي موجودة؟ المفروض عشرة، لأنه وجد الماء قال ينبغي شرب الماء لأنه ملائم، ووجود الطعام فقال ينبغي. أما في زماننا فالذي اكتشف مليون حقيقية اكتشف الاتصالات والكمبيوتر والتلفزيون والكهرباء والتلفون والطائرة … كم ينبغي عنده؟ ولذا تجدون أنه على تطور الحياة تزداد هذه الانبغاءات، وفي المقابل لأن معلوماته ازدادت عن الأمور المضرة والمنافية والمنافرة له ازدادت عنده عدم الانبغاءات، لا ينبغي، لا ينبغي، لا ينبغي، يعني المقصود في جملة من الأحيان انبغاء العدم، أنا أخشى التفصيل في هذا البحث ولكنه جداً مهم لبحث كل عملية الاستنباط. هذه الانبغاءات فيما بينها في كثير من الأحيان تقع تزاحمات وتضادات، واللا انبغاءات أيضاً تقع … فكلما تقدمنا في الحياة عملية الانبغاء وعدم الانبغاء نحتاج لها أكثر أو نستغني عنها أكثر؟ نحتاج لها أكثر.
بعبارة أخرى كلما تطورنا نحتاج إلى الشريعة أكثر أو نستغني عن الشريعة، هذا واحد من أهم الأدلة لضرورة وجود الشريعة في كل زمان، والتجربة خير دليل على ذلك. انظروا الواقع، مجتمع عشرة أشخاص يحتاجون إلى شريعة لهم وقانون، ومجتمع في عشرة ملايين أو ستة مليارات يحتاجون إلى القانون أشد من الأول أو أقل من الأول؟
هذه هي المقدمة الثانية أو الثالثة لا أعلم.
عندما اكتشف الإنسان الحقائق ورتب عليها الاعتباريات، يعني ماذا رتب عليها الاعتباريات؟ يعني صار بصدد هذا ينبغي الاستفادة منه، وجد الماء، الأمر الاعتباري ماذا يقول؟ يقول استخدم الماء لأجل بقاءك واستخدم الطعام لأجل بقاءك واستخدم النبات لأجل بقاءك … فبدأ الإنسان البدائي بدأ يستخدم كل ما حول لأجل شيء واحد وهو حفظ بقاءه، فبدء يستخدم الجمادات ويستخدم النباتات ويستخدم الحيوانات بقدر ما يكمل به وجود نفسه.
والقضية الأخطر من هنا تبدأ من المقدمة التي بعدها. هذا الإنسان لا أقل عندما وجد على هذه الأرض وجد على انفراد أو وجد معه زوج لا أقل بحسب النص القرآني الموجود عندنا؟ وجد هو وزوجه، فصار البناء لا فقط أن يستخدم هذه يعني الجماد والنبات والحيوان، بل يريد أن يستخدم أبناء نوعه أيضاً، وليس بالضرورة أن أقول حتى أنت تدخلني في البعد السلبي، تقول لي: تريد أن تقول الإنسان مستغل مستثمر بالطبع، لا أبداً، أنت خذ البعد الإيجابي منه وهو أنه يريد أن يستخدم نوعه لأجل بقاء نوعه ولأجل كماله، ولا محذور فيه، لماذا أنت تذهب إلى نظرية المؤامرة مباشرة، أبداً. هذا البحث ارجعوا له في أصول الفلسفة طبعاً مع الإضافات التي أضفتها أنا التي ستتضح عند المراجعة. في (أصول الفلسفة، ص579) يقول: (فصار الإنسان البدائي يعيش في الماء بقية الخلاص من شر الوحوش، ويسكن أعالي الأشجار وبين الجبال، ويؤمن الإنسان حاجاته الصناعية عن طريق الأحجار ثم الفلزات ثم البخار ثم الكهرباء ثم المغناطيس ثم الذرة …). هذه كلها يريد أن يستخدمها لبقاء كماله. (ثم يفيد أشكال الإفادة الغذائية والسكنية من النبات والأشجار ثم يستثمر الإنسان الحيوان ثم يستثمره بأنواعه من الأكل والحراسة …) ثم يقول في (ص580): هذا الاستخدام الفطرة التي أدت به إلى أن يستخدم الآخر لا تقول له إذا وصلت إلى الآن إذن أوقف الاستخدام. يقول: (ثم تقتضي الطبيعة مباشرة منهج الاستخدام وأن فكرة الاستخدام استقرت …).
وكذلك عرض لهذا البحث بشكل إجمالي السيد الطباطبائي في (الميزان، ج2، ص116، تفسير الآية 213 من سورة البقرة) قال: (جريه على استخدام غيره انتفاعاً فهذه السلسلة من العلوم والإدراكات جعلته يستخدم كل ما يمكن استخدامه في طريق كماله …).
وهنا بحث قد حذفه أنا أعرض له إجمالاً وأتجاوزه لأنه مرتبط بأبحاث نظرية علم الاجتماع:
يوجد بحث بين علماء الاجتماع وهو أن الفطرة أدت به إلى الاستخدام كما بينا، وعندما وصل الاستخدام إلى أبناء نوعه فاضطر إلى أن يكون الاجتماع، يعني الاجتماع والمجتمع والمدنية في البشر هي متفرعة على أصل نظرية الاستخدام، يعني لو لم يرد الإنسان استخدام بني نوعه كان يريد أن يكون مجتمعاً مع بني نوعه أو لا يريد؟ نظرية تقول هكذا: تقول أصل الاجتماع ليس فطري بالنسبة للإنسان، وإنما الذي هو فطري بالنسبة إلى الإنسان أصل الاستخدام، ولكن عندما جاء إلى استخدام نوعه وجد أنه لا يستطيع أن يستخدمه ولا يستطيع أن يأخذ منهم إلا بأن يعطيهم أيضاً، فتكون العملية عملية تعاون المجتمعات التعاونية. ولذا السيد الطباطبائي عبارته واضحة في هذا المجال وهو من الذين يؤمنون بهذه النظرية، يقول في (ص580 من أصول الفلسفة): (إن فكرة الاستخدام هل استقرت في دماغ الإنسان أولاً ثم ظهرت بعدها فكرة الاجتماع أم أن الإنسان بمشاهدة أبناء نوعه أحب الاجتماع فبعد أن اجتمع بدء يستخدمهم) أي منهم؟ تقول لي: سيدنا هذه الأبحاث ما هي علاقتها بعلم الأصول. أقول: انتظرني قليلاً لترى أننا نستطيع أن نربطها بعلم الأصول أو لا نستطيع.
يقول: (أم إن الإنسان بمشاهدة أبناء نوعه أخذ يفكر بالحياة الاجتماعية ويبحث عن الحياة التعاونية ثم حصل له أحياناً بعد الاجتماع الاستثمار والاستخدام) هذا أم القضية بالعكس، ولذا يقول في (الميزان، ص117): (غير أن الإنسان لما وجد سائر الأفراد من نوعه وهم أمثاله يريدون منه ما يريده منهم) لا يستطيع أن يأخذ بلا أن يعطي (ورضي منهم عند ذلك أن ينتفعوا منه وزان ما ينتفع منهم) إلا إذا كان أقوى يظلمهم (وهذا حكمه بوجوب اتخاذ المدنية) إذن الأصل هو الاستخدام ولكن عندما جاء ليستخدم أنباء نوعه اضطر إلى الاجتماع المدني. يقول: (فهذا الحكم) هذا الاعتبار يعني اعتبر أنه ماذا … وإلا فهي ليست قضايا تكوينية، اعتبر أن يعيش وكان بإمكانه أن يعيش على انفراد، ولكن اعتبر لنفسه أن يعيش مع الآخر. يقول: (فهذا الحكم أعني حكمه بالاجتماع المدني حكم دعا إليه الاضطرار ولولا الاضطرار المذكور لم يقضِ به الإنسان أبداً).
هذا البحث أنا أثرته فقط ومن يريد البحث فليبحثه.
إن الاستخدام هو مقتضى الفطرة والاجتماع اضطراري أم أن الاجتماع وتكوين المجتمع هو الأمر الفطرية والاستخدام عارض، أي منهما؟ أنا أتصور إذا جانبك قلت بأنه الاجتماع التعاوني كان أمر فطري لما كنا نرى هذه المظالم في المجتمعات. لأنه الأساس والأصل كان هو التعاون مع الآخر مع أنك تجد أن القائم في المجتمعات هو التعاون مع الآخر أو استغلال الآخر؟ حتى في المجتمعات التي حكم فيها الإسلام الف عام، إلى الآن يستطيع أن يتخلص من نظرية الاستثمار والاستخدام أو لا يستطيع؟ لا يستطيع.
الآن لست بصدد ترجيح هذا على ذاك له بحث آخر.
عندما حصل الاجتماع إما بالأصالة وإما بالاضطرار، مجتمع أما متكون من اثنين او من عشرين أو من مئتين أو مئتي ألف أو مئتي مليون أو مئتي مليار، المهم اجتماع، دخل إلى هذا المجال وهو أن يجتمع مع الآخر، ولا مجال له، لأنه وجد أنه يريد أن يحقق كمالاته ولا طريق لتحقيق تلك الكمالات إلا بالاجتماع مع الآخر، وجد أنه يريد عندما يجتمع مع الآخر لابد أن يضع لنفسه مجموعة من الأدوات حتى يستطيع التعامل مع الآخر، من أهم تلك الأدوات التي وضعها لنفسه حتى يتعامل مع الآخر النوعي، إن صح التعبير، هي اللغة، إذا لم تكن لغة فكيف يتفاهم، في الأمور المحسوسة يريد منه خبر يأتي له بخبز ويقول له أريد مثلها، في الأمور المعنوية كيف يتعامل مع الآخر يستطيع أو لا يستطيع، إذن لا طريق له إلا أن يبدأ بالوضع، باللغة، ومن هنا قيل وقالوا أن اللغة ظاهرة اجتماعية، يعني ماذا ظاهرة اجتماعية، يعني إذا لم يوجد هناك مجتمع واجتماع لا نحتاج إلى اللغة، أن اللغة ظاهرة اجتماعية. ثم بدأ يضع مجموعة من الاعتباريات يريد أن ينضم الحياة الاجتماعية، فوضع الملكية، الملكية متى تأتي عندما توجد حياة اجتماعية هذا لي وهذا لك، أما إذا لا يوجد الآخر لي ولك لا معنى له. إذن الملكية أمر اعتباري أو حقيقي؟ إذن صار أمر اعتباري فطبق عليه أحكام الاعتبار، لا تقول لي أيها المحقق الأصفهاني لا يبقى بلا مالك ممتنع عقلاً، انظروا إلى البيع للشيخ الأصفهاني يقول المملوك يستحيل أن يبقى بلا مالك، نعم المملوك التكويني محال أن يكون مملوك ولا …يعني هذا من قبيل وجود معلول بغير علة، ممكن أو غير ممكن، أما في الأمور الاعتبارية فممكن. هذا الخلط الذي أشرنا له، بودي أن تقرأوا دورة للمحقق الأصفهاني في البيع، لا تقولوا لي بأن الشارع إذا جاء بعد ذلك وأجاز قال الفضولي كذا كيف يكون الإجازة متأخرة والمجاز متقدم، هذا لا تقولوه، لأن هذه أمور اعتبارية لا تنطبق عليها …
المهم، وضع الملكية ووجد أن الاجتماع والمجتمع يدار بلا قائد وبلا أمير بر أو فاجر أو لا يمكن؟ فوضع مفهوم الرئاسة والمرؤوسية وجاءت مفاهيم الأوامر والنواهي وجاءت الثواب والعقاب وجاءت …
سؤال: الله سبحانه وتعالى وجاء وارد أن يجعل لنا شريعة، كيف يتكلم معنا، نحن ماذا نفهم؟ نحن في حياتنا الاجتماعية ماذا نفهم أي مفاهيم، مفاهيم الأوامر مفاهيم النواهي وأنه إذا امتثلت الأوامر تحصل الثواب وإذا ارتكبت النواهي تحصل العقاب، الله سبحانه وتعالى إنما يكلم الناس على قدر عقولهم جاء ورتب شريعته على أساس الأوامر والنواهي وثواب وعقاب … يعني واقعاً هكذا، بلي المجسمة والمشبهة ولذا صوروا الله كرئيس وملك عنده عرش وكرسي وعنده أزلام جالسين حوله وهذا يقول له للجنة وهذا يقول له للنار، وكل هم القرآن أراد أن يبين أن الحقيقة شيء آخر إنما هي أمثال (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) ولذا السيد الطباطبائي في (الميزان، ج1، ص95) يقول: (ثم أنا نرى أنه تعالى نصب نفسه في مقام التشريع وجرى في ذلك على ما لم يجري عليه العقلاء في المجتمع الإنسان من استحسان الحسن والمدح والشكر واستقباح القبيح والذم وذكر أن تشريعاته منظور فيها إلى مصالح العباد ومفاسده … بمعنى أن هذه المعاني الدائرة عند العقلاء) البحث مفصل إن شاء الله اليوم يطالعه الأعزاء لأني غداً أريد أن ارتب عليه نتيجة خطيرة جداً، هذه النتيجة السيد الطباطبائي& بحسب ذهني عرض لها في (المجلد الثاني ص175) قال: (والذي يحل به هذه القعدة أن الله تكلم مع الناس في دعوتهم) يعني في شريعته (وإرشادهم بلسان أنفسهم وجرى في مخاطباته إياهم وبياناته لهم مجرى العقول الاجتماعية وتمسك بالأصول والقوانين الدائرة في عالم العبودية والمولوية فعد نفسه مولى والناس عبيداً والأنبياء رسلاً إليهم وواصلهم بالأمر والنهي والبعث والزجر والتبشير والإنذار والوعد والوعيد وهذه طريقة القرآن في تكليمه للناس) سيدنا يعني الحقيقية شيء آخر؟ يقول: (فهو يصرح أن الأمر أعظم مما يتوهموه أو يتخيلوه) ما هي الحقيقة؟ يقول ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت، ولكن كيف أتكلم معك وأنت تعيش هذه الحياة. ولذا تجد القرآن الكريم بشكل واضح وصريح يقول في سورة الواقعة (وننشئكم) عجيب هذه القواعد كلها أنت قلتها لنا وتعلمناها وقرأنا خمسين عاماً علم كلام وتفسير إلهي لماذا لا نعلم؟ يقول: لا، هذا من باب (وتلك الأمثال نضربها للناس) وإلا الحقيقة شيء آخر، هذا هو فصل مدرسة أهل البيت، الفصل المقوم لمدرسة أهل البيت، طبعاً يكون في علمك كما أفهم مدرسة أهل البيت وإلا الشيخ الصدوق بذلك الاتجاه، لا تتصوروا أن الشيخ الصدوق أنه هذا الفصل المقوم أخذه، نعم بعض ملامحه فهمها، الشيخ المفيد كذلك والمجلسي كذلك، أنا أتكلم عن القراءة التي أنها أفهمها من الكتاب والسنة، يكون في علمكم لا تتصوروا أني أنقد الآخر، لا في الداخل هذا ايضاً موجود عندنا.
وأنت التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد إما أن تفهمها كهذه، بيني وبين الله بدل أن يسمي نفسه ملك وسمى نفسه ملكاً، عنده عرش، عنده كرسي، عنده … ملائكة مقربين، لا تسميهم حاشية عنده ملائكة مقربين، الملائكة المقربين من هم في اصطلاحاتنا اليوم؟ أما البواب وإما الأمن الرئاسي وأما الحاجي وأما الحاشية. صحيح لا تتلفظه بلسانك ولكن أقسم بالله عندما تقرأ هذه الآيات تتصورها بهذه الطريقة، لماذا؟ لأن إدراكاتك ليست إلا هذه. يقول: (وهو صريح أن الأمر أعظم من يتوهمه الناس أو يخيل إليهم) إذن إلهي لماذا إذا كانت القضية أعمق وأدق وأعلى لماذا تكلمت معنا بهذه اللغة؟ يقول: (غير أنه شيء لا تسعه حواصلهم وحقائق لا تحيطه بها أفهامهم ولذلك نزل منزلة قريبة من أفق إدراكهم لينالوا ما شاء الله أن ينالوه من تأويل هذا الكتاب) إذن كل شيء في الشريعة له تأويل. ما هو التأويل؟ خلاف الظاهر، لا. التأويل تلك الحقيقة التي تنزلت عندنا بلغة الألفاظ (إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) إذا لم يكن باللغة العربية يعقل أو لا يعقل؟ (لعلكم تعقلون وأنه في أم الكتاب لدينا لعلي) يمكن أن تعقلوه أو لا يمكن؟ لا، فوق أن تعقلوه. ما هو الطريق إليه؟ وهو طريق الطهارة (وأنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) أما يعقلون لا يشترط فيها الطهارة ملحد يقرأ علم التفسير يصير مفسر ويكتب في التفسير ولا مشكلة في ذلك، كم من الذين كتبوا في علي بن أبي طالب وأفضل مما كتبه محبوا علي بن أبي طالب، ممكن أو غير ممكن؟ بلي ممكن، ولكن تلك الحقائق طريقها يمر من الطهارة (لا يمسه إلا المطهرون) وفي القرآن لم يثبت الطهارة إلا لأهل البيت. (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) ذاك بيان أنه من يعلم تلك الحقائق ومصداقه أيضاً ماذا؟ ذاك.
أخواني الأعزاء هذا قدر إذا وجد الأخوة ضرورة أن افتح لأنه كل التشريع قائم على هذا الأصل، أنت ماذا تتعامل مع الشريعة، هذه التي تقال في الشريعة أوامر ونواهي وكذا هذه أمثال أو هذه حقائق؟
والحمد لله رب العالمين.