أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
انتهينا في البحث السابق إلى أن الإنسان لكي يصل إلى كماله الذي خلق من أجله يمر بالمراحل التالية:
المرحلة الأولى: وهي التي تبدأ من فطرته هي أنه طالب للكمال وهارب من النقص، هذه الفطرة الأصلية التي توجد مع كل إنسان منذ ولادته، هذه تدفعه نحو استخدام الأشياء، هذه الأشياء سواء كانت جمادات أو نباتات أو كانت حيوانات أو كان أمثاله من بني نوعه.
إذن الأصل الذي تقوم عليه حركة الإنسان وفاعلية الإنسان وفعالية الإنسان هي أنه يستخدم الآخرين. لأجل ماذا؟ لأجل أن يصل إلى كماله، وهذا أمر طبيعي فطري، ولعله في قوله تعالى في هذه الآية الواردة في سورة الزخرف وهي قوله تعالى في الآية 32 من سورة الزخرف لعله والله العالم والآن لا أريد أن أجزم لأنه بحث تفسيري في محله (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) اختلفوا في الاستعدادات وفي القابليات وفي الإمكانيات وفي الزمان والمكان وفي الأبوين وهذه سنة طبيعية للحياة الله سبحانه وتعالى (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) (ورفعنا بعضهم فوق بعض) لكي لا يحصل خلط في ذهن الاخوة، هذه (ورفعنا بعضهم فوق بعض) ليست بنحو القضية الخارجية، هذه بنحو القضية الحقيقية وإلا إذا كانت بنحو القضية الخارجية إذن يلزم الجبر ويلزم أن الاختيار لا مدخلية له، إذن بنحو القضية الحقيقية، الله سبحانه وتعالى أراد نظاماً أن يكون الجميع متساوٍ أو أن هناك درجات فيما بينهم؟ النظام الأحسن أو يوجد بينهم اختلاف في الدرجات، (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) والنتيجة ما هي؟ لا العاقبة (ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً) ليست سخرية واستهزاء (لا يسخر قوم من قوم) ذاك شيء. سخرياً يعني أن يسخر بعضهم بعضاً، هذا الذي أشرنا إليه وهو الاستخدام أن الجميع يحاول أن يسخر كل شيء لأجل ماذا … ولعل الآيات القرآنية التي تحدثت عن ذلك كثيرة (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً) كل شيء في تسخير الإنسان، لكي يستخدمه الإنسان لأجل الوصول إلى كماله، ولذا في ذيل الآية السيد الطباطبائي يقول: (ولازم ذلك أن يسعى كل فرد بما يستعد له ويحسنه من السعي فيقتني ما يحتاج إليه ولازم ذلك أن يحتاج غيره إليه فيما عنده من متاع الحياة فيتسخر له فيفيده ما يحتاج إليه كالخباز يحتاج إلى ما عند السقاء من الماء وبالعكس فيتعاونان) أولاً كل واحد يريد أن يسخر الآخر ولكن عندما يأتي إلى الواقع العملي يجد أنه لا يستطيع أن يأخذ فقط بل لابد أن يعطي بقدر ما يأخذ، ومن هنا توجد المجتمعات التعاونية.
لعله الآيات التي تكلمت عن مسألة التسخير في القرآن الكريم تشير إلى هذه الحقيقة.
وبهذا – بنحو الإجمال- ننتهي إلى النظرية التي أسس لها السيد الطباطبائي في (ج2، ص117) كما أشرنا بالأمس قال: (ولولا الاضطرار المذكور لم يقضي به الإنسان أبداً) لولا أنه مضطر إلى الاجتماع لحقق الاجتماع والمدنية أو لم يحقق؟ لم يحقق، ولكنه وجد نفسه مضطراً، وهذا الاضطرار منشأه الفطرة ولا يمكنه التخلي عنه. ولذا هو يعتقد بأنه أساساً الاجتماع والتعاون ليس هو الأصل، وإنما هو الاضطرار بدليل يقول: بدليل أنه لو كان الاجتماع التعاوني هو الأصل وهو الذي يقتضيه طباع الإنسان اقتضاءاً أولياً لكان الغالب على الاجتماعات في شؤونها هو التعاون والعدل وحسن تشريك المساعي ومراعاة التساوي مع أن المشهود كلما وجد الإنسان طريقاً إلى خلاف ذلك جعل ذلك هو الأصل، هذا معناه أن الأصل هو استخدام الآخرين وتسخير الآخرين لأجله.
والشريعة جاءت لتربية الإنسان لكي يكون هذا الاستخدام ضمن الضوابط الصحيحة.
قلنا عندما جاء الإنسان إلى الاجتماع التعاوني وجد أنه لا يستطيع أن يحقق هذا الاجتماع وهذا التعاون إلا من خلال مجموعة من الاعتبارات، وإلا إذا لم توجد هذه الاعتبارات فلا يستطيع أن يحقق الاجتماع والتعاون، الأول هو اللغة، لأنه كيف يمكنه أن يتعاون مع أبناء جنسه ولا وسيلة للتفهيم والتفاهم فيما بينه وبين الآخرين، أنتم تجدون الآن الإنسان يحاول بشق الأنفس وبكل ما أوتي من قوة أن يوجد ارتباطاً بينه وبين باقي الحيوانات، ليس فقط بين وبين … بوسائل متعددة، بل يريد أو يوجد ارتباطاً بينه وبين الظواهر الطبيعية، هذه كل الأبحاث العلمية لمعرفة الانواء الجوية ولمعرفة وقت الزلازل ولمعرفة التسونامي البحرية هذا معناه أنه يريد أن يجعل ارتباط بينه حتى يستطيع أن يجعلها بخدمته، حتى لا تستطيع تلك الظواهر الطبيعية أن تقضي عليه، فما بالك وهو يريد أن يعيش مع أبناء جلدته وأنباء نوعه فلابد أن يحتاج إلى وسيلة للتفاهم.
ومن الواضح أن أوسع واسهل الأبواب وأخف الوسائل لإقامة الارتباط بعد ذلك سيتضح أن أسهل وأوسع وأخف الوسائل هي الوضع وهي اللغة، هناك وسائل أخرى كالإشارة وكوسائل الحقائق الخارجية فإذا أراد ماءً يريك الماء كما تجد الأطفال لا يوجد عنده لفظ يأتيك بالحاجة ويشير لها، هذه الوسائل موجودة ولكنه إذا يتذكر الأعزاء قلنا أن واحدة من أهم الاعتبارات أن الإنسان إذا دار أمره بين الأسهل والأصعب يختار الأسهل، أيضاً مرتبطة بطلبه للكمال ومرجعها إلى تلك الفطرة الأصلية.
هذا أصل واعتبار من الاعتبارات.
ومن الاعتبارات الأساسية في تنظيم الحياة الاجتماعية هي مسألة الواجبات والمحرمات، الأوامر والنواهي، أساساً مجتمع لا يمكن تصور مجتمعٍ لا توجد فيه أوامر ونواهي، أصلاً ليس بمجتمع، إذا كان الإنسان حراً في أن يفعل ما يشاء وأن يترك ما يشاء وأن لا يوجد أي مسؤولية عليه هل يمكن أن يتحقق المجتمع؟ هذا محال. ولذا الركن الثاني والأصل الثاني ما بعد تحقق الاجتماعات التعاونية هو وجود الأوامر والنواهي والثواب والعقاب، هنا أريد الوقوف قليلاً عند هذه القضية لأنها هي الأصل الذي من خلال نفهم فلسفة التشريع، لأنه اساساً كل الشريعة قوامها قائم بالأوامر والنواهي والثواب والعقاب، بينك وبين الله هذا الإسلام جرده عن الأوامر والنواهي والثواب والعقاب الجميع يقبل هذا الإسلام، قل له إسلام أن تعتقد وتعتقد وتعتقد، يقول: وبعد ذلك. تقول له: أنت حر، يقول: والله هذا الإسلام … ولذا تجدون أن بعض المقلدين بعض الناس يسأل عن الفتاوى سهلة أو صعبة، لا يسأل بأن العقائد ما هي، بل يسأل عن الفتاوى، لماذا؟ (يريد الإنسان ليفجر أمامه) أما ليريد أن يقول له أفعل ولا تفعل ويجب ويحرم هذا يريده أو لا؟ وهذا أيضاً تابع للفطرة التي يريد الأسهل ولا يريد الأصعب.
إذن أعزائي هذه فهم فلسفة الأوامر والنواهي في المجتمعات العقلائية سوف تفتح لنا الطريق لفهم الأوامر والنواهي والثواب والعقاب في التشريعات الإلهية. وارجو الله أن أوفق لإنهاء هذا البحث اليوم.
السيد الطباطبائي على الأصل والنظرية التي بناها قال أنه ما من اعتبار إلا وهو ناشئ من حقيقة، ما هي حقيقة الأوامر والنواهي الاعتبارية؟ حقيقتها أين؟ يقول حقيقتها في الوجوب والامتناع التكويني، نحن عندما نأتي إلى نظام التكوين عندنا المواد هي إما وجوب ضرورة وإما امتناع يعني ضرورة العدم وإما إمكان، يعني تساوي النسبة، في اللغة الفقهية سمها الإباحة، إذن هذا الوجوب والحرمة والإباحة غطاءها التكويني أين؟ يقول السيد الطباطبائي هناك في الفلسفة. فإذا لم توجد تلك المواد الثلاثة، أنت أيضاً هذه ليست عندك، نعم عندك بحث في أن الإباحة قد تكون إباحة متساوية وقد تكون ترجيح وقد تكون كراهة وقد تكون استحباب، هذا التفصيل لا أريد الدخول فيه.
هذا المعنى بشكل واضح وصريح حتى لا أطيل على الأعزاء في (أصول الفلسفة والمنهج الواقعي، ج1، ص607) بشكل واضح أشار إليه، قال: (عندنا وجوب حقيقي وعندما وجوب اعتباري) الوجوب الاعتباري من مصاديقه الإرادة التكوينية إذا أردت شيئاً من عضو من أعضاءك يتحقق أو لا يتحقق؟ أنت أؤمر العين بأن ترى العين ترى حتى لو كان عندها ألف دليل أن هذا النظر مضر ولكن تمتثل، أؤمر اليد بأن تقتل إنساناً، هذه اليد تقتل، وهذه هي الإرادة التكوينية، الإرادة التكوينية هي أن يكون الفاعل للفعل مؤتمراً بكن فيكون، ولذا إنسان بالنسبة إلى أعضاءه طبعاً إذا سلمت الأعضاء يعني توفرت الشروط وارتفعت الموانع، نسبة إرادة الإنسان إلى أعضاءه نسبة كن فيكون، لا يتوقف على أي شيء، لا يحتاج إلى أن يقول للعين إذا نظرت لك ثواباً، لا يحتاج لا ثواباً ولا عقاباً، لا يحتاج أن يقول للأعضاء إذا لم تفعلي سأفعل بك كذا، إذن في الوجوب والنهي أو الامتناع الحقيقي لا يوجد ثواب وعقاب، يقول: (الأمر بفعل وطلبه من شخص آخر … لكن إرادة كل فرد لا تتعلق بما سوى حركاته وعضلاته) هذا الامر التكويني والإرادة التكوينية يأخذ منها المولى إرادة تشريعية، ما هي الإرادة التشريعية، الإرادة التشريعية هي أن يطلب الآمر من فاعل آخر أن يفعل فعلاً وذاك الفاعل وفعله ضمن دائرة وجوده أو خارج دائرة وجوده، هذه أعضاءه ضمن دائرة وجوده فبمجرد أن يأمر كن فيكون، أما عندما يأمر الآخرين الأمر والنهي وينهى الآخرين ذاك الآخر هل هو ضمن دائرة وجوده أو خارج دائرة وجوده؟ خارج دائرة وجوده، ومن هنا قد يتحقق الفعل وقد لا يتحقق. وقد يتحقق النهي، يعني الترك وقد لا يتحقق. هنا جاء العقلاء ووجدوا إذن حتى يفعل الإرادة التشريعية ماذا فعلوا؟ قالوا إذا فعلت كذا يعني عملت بالأمر نعطيك ثواباً، إذا ارتكبت النهي نعطيك … لأن تأثير الوجوب والنهي التشريعي أضعف من تأثير الوجوب والنهي التكويني أُكمل هذا النقص بجعل الثواب والعقاب عليه. وإلا لو كانت دائرة أو كان فعل الآخر مثل عضو من أعضاءك بمجرد أن تأمر يمتثل ذلك العضو ولكن لأنه خارج عنك فتحتاج إلى … (وبحكم الفرق القائم بوضوح بين الوجوب الحقيقي) الذين في الإرادة التكوينية (والوجوب الاعتباري) الذي هو في الإرادة التشريعية في القوة والضعف (وبحكم الاحساس بضعف الوجوب الاعتباري) في المجتمعات العقلائية (اضطر الإنسان إلى اعتبار الجزاء) لأنه إذا لم يعتبر الجزاء من ثواب وعقاب لا تتحقق هذه الأوامر والنواهي الاعتبارية، والآن انظروا إلى قوانين المرور في المجتمعات التي فيها الغرامة قليلة ترى المخالفات المرورية ما شاء الله، أما إذا كانت الغرامات المرورية ازدادت والله لو الجنة والنار يجعلوها أمامه لا يلتزم ولكن الآن بدأ يلتزم، ما الذي أدى به إلى الالتزام. بعبارة أخرى نحن في الوجوب والنهي الاعتباري في المجتمعات العقلائية كأننا نريد أن نجعل الآخر بمنزلة عضو وجارحة من جوارح الآمر.
أنت في الأوامر التشريعية والنواهي التشريعية ماذا تريد أن تفعل، تريد ان يكون الآخر بمنزلة جارحة من جوارحك، ما هي الجارحة من جوارحك، إذا أمرتها تمتثل وإذا نهيتها تنتهي، أنت في الأوامر والنواهي التشريعية ماذا تريد أن تفعل، تجعل ذلك الفاعل هو وفعله بمنزلة جارحة من جوارح الآمر والناهي، بمنزلة، ولكن هذه اعتبارية.
في (مباحث الحجج والأصول العملية، ج4، ص202) للسيد الشهيد الصدر، يقول: (ما معنى التنجيز في لغة الأصول) يقول: (التنجيز معناه ليس بأكثر من تنزيل العبد نفسه منزلة جارحة من جوارح المولى) وأنا لا أعلم واقعاً أن السيد الشهيد كان في ذهنه الشريف هذه النظرية وكان يتكلم أو أنه لا، تداعي هذه النظريات والمعاني أنه انتهى إلى أن الأمر التشريعي والنهي التشريعي معناه أنه عندك أنت جارحة حقيقية هذه تأتمر وتنتهي بلا عقاب ولا ثواب، وعندك جارحة منزلة منزلة الجارحة الحقيقية وهذه لا تقوم بفعلها إلا بلغ العبد مقاماً ذاك المقام الأخص الأخص وهو أنه عبدتك شكراً وعبدتك حباً وذاك حديث آخر.
إذن إلى هنا اتضحت لنا هذه النظرية بشكل واضح أنه في المجتمعات العقلائية أن العقلاء لتنظيم الحياة يحتاجون إلى الأوامر والنواهي ما لم تكن لا ينتظم المجتمع، والله سبحانه وتعالى صار بناءه على أن ينزل شريعة للبشر، البشر بالحمل الأول أو بالحمل الشايع ذاك بحث آخر، لا اقل والصورة صورة إنسان وإن كان إمام التوحيد أمير المؤمنين× يقول: والقلب قلب حيوان وذاك ميت الأحياء.
كيف تعامل معهم، جاء لهم وقال بسم الله الرحمن الرحيم في الميزان، ج1، ص105، وص95، يقول: (أحكام العقلاء … وفي ذلك إمضاء لطريقة العقلاء في المجتمع بمعنى أن هذه المعاني الدائرة عند العقلاء من حسن وقبح ومصلحة ومفسدة وأمر ونهي وثواب وعقاب ومدح وذم وغير ذلك من الأحكام كقوله الخير يجب أن يؤثر والحسن يجب أن يفعل والقبيح يجب أن يجتنب كما أنها هي الأساس للأحكام الشرعية التي صدرت من الشارع التي شرعها الله فمن طريقة العقلاء أن أفعالهم يلزم أن تكون معللة بأغراض ومصالح عقلائية ومن جملة أفعالهم تشريعاتهم وجعلهم للأحكام والقوانين ومنها جعل الجزاء ومجازاة الإحسان بالإحسان والإساءة بالإساءة إن شاءوا فهذه كلها معللة … ومن أحكامهم أن الأمر والنهي وكل حكم تشريعي لا يتوجه إلا إلى المختار) هذه كلها اعتبارات عقلائية، والشارع بحسب استقراءنا للآيات والروايات تعامل مع الناس تعامل العقلاء فيما بينهم، أين؟ نحن إلى هنا نتصور أن الله سبحانه وتعالى عندما تعامل معنا هذا التعامل لا فقط في الدنيا بل في الآخر أيضاً نفس هذه القوانين موجودة، يعني عندما ننتقل إلى النشأة الآخرة يوقفونا ويجروا لنا محكمة وهذا يقولوا له اذهب للجنة وذاك إلى النار … هذه كل الأحكام التي عند العقلاء، فهل الأمر كذلك، الاتجاه العام بين أهل السنة ذاك، يعني بعبارة أخرى الانتقال من دنيا إلى دنيا ثانية.
ولعله كثير من الأعلام الإمامية هذا توجههم، وهو أنه عندما ننتقل إلى ذلك العالم وكأننا نعيش دنيا … لا كأننا … أننا نعيش في دنيا … ولذا بمجرد أن تقول له بأنه المعاد الجسماني ليس بهذا المعنى يقول لك أنت كافر ليس هو كذلك، يعني بكل أحكامه وقوانينه مع اختلاف بسيط، هناك ساحة كبيرة يجتمع فيها الأولون والآخرون والله سبحانه وتعالى يلجم الناس إلى هنا وهو ما نقرأه في الروايات والآيات القرآنية. فهل الأمر كذلك أم أن الأمر شيء آخر. أعزائي هذه قاعدة أنت عندما تريد أن تدخل إلى معارف الدين عقيدة كانت أو شريعة، يعني إيمانيات كانت أو عمليات تعال حدد موقفك في الرتبة السابقة أن النظام الذي نحن نعيشه في عالم الدنيا هل هو نظام الذي يحكمنا في النشأة الآخرة أو أنه نظام آخر.
السيد الطباطبائي& ولو إجمالاً في (تفسير الميزان، ج2، ص172) يقول: (كلام في أحكام الأعمال من حيث الجزاء) الجزاء العرفي والعقلائي في الدنيا عرفناه، الآن نريد أن ننتقل إلى الآخر لنرى أن هذه الأحكام نفسها موجودة أو لا توجد مثل هذه الأحكام، يذكر مجموعة من الاحكام المرتبطة والآيات والروايات القطعية أثبتت هذه الأحكام، من قبيل ماذا؟ (من المعاصي ما ينقل مثل سيئات الغير إلى الإنسان) لا عينها، يعني الإنسان يعمل معصية هذه المعصية لا أنه فقط يبتلي بعقابها بل كل سيئات الآخرين تصير في حسابه، أنا لا أعلم سيئات الآخرين يعني يأتون بخمسة أطنان ويجعلوها في حسابه، لا أعرف الميزان في يوم القيامة الله سبحانه وتعالى (ونصبت الموازين) هذه الموازين ما هي، مثلاً وزن الصلاة 12 كيلو مثلاً، وزن الصوم 34 مثلاً، حتى نرى أن هذه أثقل او هذه أثقل، هذه من الأحكام, ومن الأحكام أيضاً وهي من العجاب، يقول: (ومن الحسنات ما يدفع) ورواياتها متواترة هذه الحقيقة وسأبين مصداقها في وقت آخر (ومن الحسنات ما يوجب دفع سيئات صاحبها إلى غيره وجذب حسنات الغير إليه) هذه معاملة جيدة، تفعل حسنة أنت كل ما عندك من السيئات تذهب إلى غيرك، وكل ما عندك الآخرين من حسنات تأتي لحسابك، بينك وبين الله هذا موجود في النظام الاجتماعي الدنيوي أو غير موجود؟ غير موجود، أصلاً غير معقول، بل قد تقول لي أنه غير معقول حتى بنص القرآن لأن القرآن يقول (وإن ليس للإنسان إلا ما سعى) ويقول (ولا تزر وازرة وزر أخرى) على أي أساس كل سيئاتي تذهب هناك. وكل حسنات الآخرين على أي أساس، ولذا عبارته أنا المهم عندي هذه الجملة (وعلى هذا الأساس فعالم المجازاة) في النشأة الآخروية (ربما بدل الفعل من غير نفسه) صار فعلاً آخر (وربما نقل الفعل وأسنده إلى غير فاعله) سيئاتي أنا ولكن يتحملها غيري، بينكم وبين الله هذا الفعل في الدنيا يمكن أن يستند فعل إلى غير فاعله، ولكن لماذا سيئاتي اسندت إلى الآخرين ولماذا حسنات الغير اسندت إلي، أصلاً هذا أي قانون، يقيناً ليست من قوانين العقلاء، (وربما أعطى للفعل غير حكمه إلى غير ذلك من الآثار المخالفة لنظام هذا العالم الجسماني) إذا استقرأت هذا كله تجد أن النظام الذي يحكم العالم الآخر نظام آخر كاملاً غير هذا النظام، ولكن بحسب ظهور الآيات والروايات كأن القرآن يقول نريد أن نتعامل معكم مع هذا النظام العقلائي ولكن واقعه هو نفسه او غيره، ولذا في آخر المطاق يقول: (ومن هنا نعلم أن حجة العقول غير باطلة في نشأة الأعمال ودار الجزاء مع ما بين النشأتين أعني نشأة الطبيعة ونشأة الجزاء من الاختلاف البين).
سؤال: تلك النشأة ماذا تكون؟ كونوا على ثقة بتعبير القرآن الكريم تلك غير قابلة للإدراك لمن لم لا يذهب إلى تلك النشأة. نعم، نستطيع أن نتعرف على بعض ملامحها، وعلى بعض خصوصياتها العامة، ولذا أنتم تجدون القرآن الكريم يقول: (مثل الجنة التي وعد بها المتقون) طبعاً القرآن من أوله إلى آخره يتكلم عن الجنة، ولكن في موضعين منه يقول أن هذه التي نقولها لكم (جنات، تجري من تحتها الأنهار، عرضها السماوات والأرض) هذه كلها مثل، وما يعقلها إلا العالمون.
قضية أعمق كثيراً من هذا وأعقد كثيراً، ولذا بالأمس يتذكر الأعزاء في (ص176) قال: (وهذه طريقة القرآن الكريم في تكليمه للناس فهو يصرح أن الأمر أعظم مما يتوهمه الناس أو يخيل إليهم) إذن لماذا لم يبين باعتبار أنه لا تسعه عقولهم. بينك وبين الله طفل في الرابعة من عمره أو الخامسة من عمره ويسألك عن النكاح، يقول يعني ماذا أنت وأمي متزوجين، ماذا تقول له؟ كيف تفسر له؟! يسألك عن الله، أنت تقول له عندنا الله خالقنا، يقول لك يعني ما هو الله؟ ما تقول له.
مرحلة الطفولة هذه نسبية، يعني نحن لو وضعنا في قبال الأنبياء في قبال خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله بيني وبين الله نستطيع أن نفهم ما هو عليه عليه أفضل الصلاة والسلام أو لا نستطيع؟ ولذا ورد في البحار (ما كلم رسول الله أحداً بكل عقله قط) لماذا لم يكلم؟ بخلاً؟ّ! لا، باعتبار عدم وجود القابل، سالبة بانتفاء الموضوع، من هو الذي يستطيع أن يحتمل ما يحتمله خاتم الأنبياء والمرسلين من معارف التوحيد، ولذا جاء في كلماتهم حديثنا صعب مستصعب، يعني ماذا؟ يعني لكل مرتبة حقيقتها ومعارفها، لا يحتمله لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، وقال السائل: يا ابن رسول الله إذن من يحتمله؟ عندنا جوابين: جواب قال إلا من شئنا الذي نمسح على رأسه ونرفعه يحتمل، وفي جواب آخر، طبعاً هذا باختلاف المقامات، وفي مقام آخر قال: نحن، من يحتمل؟ قال نحن نحتملها هذه ليست لكم. تلك الحقيقة التي يعرفها، طبعاً في الروايات الواردة الأعزاء على ذكر منها وهو أنه لو علم أبو ذر بما في قلب سلمان إما كفره وإما قتله وإما … وعلى هذا احملوا الروايات … لا تذهبوا إلى المعنى المتعارف كما نسمعه مع الأسف الشديد في … احملوها على هذه المراتب العالية، والارتداد أيضاً كذلك.
إذن ارجع إلى محل الكلام، أعزائي إذن القرآن الكريم تكلم معنا بلغة نفهمها يعني (وتلك الأمثال نضربها للناس) عندما يقول الثواب على كذا والعقاب على كذا ومستحق لكذا وأعطي هكذا ولا أعطي هكذا وأعاقب هكذا، هذه كلها للتقريب إلى عقولنا. وعند ذلك عندما نأتي إلى مثل هذه المفاهيم في القرآن عرفياً وعقلائياً لها معنى وبحسب النظام الإلهي لها معنى آخر، ما معنى استحقاق الثواب والعقاب؟ في العرف والعقلاء إذا فعلت شيء إما سجن أو غرامة وإما أن يعطوك جائزة أو منصب هذا معنى. أما معنى الاستحقاق والعقاب على هذه المباني ماذا تكون. انظرو إلى المحقق الأصفهاني الذي هذه المباني بيده+، قال في (نهاية الدراية شرح الكفاية، ص112) يقول: (والاستحقاق حينئذ) يقول الاستحقاق قد يطلق بملاحظة جعل الشارع، وقد يطلق بملاحظة العقل وقد يطلق بملاحظة العلاقة التكوينية القائمة بين الفعل والفاعل، يقول: (والاستحقاق بالمعنى الثالث حينئذ بمعنى اقتضاء المادة القابلة إفاضة الصورة الإلهية) يعني أنت تفعل فعلاً يحصل لك استعداد فأنت تستحق إفاضة من الله صورة مناسبة للفعل الذي قمت به، تلك الصورة إما ملائمة لكمالك وإما منافية … فإن كانت ملائمة لك فتلتذ بها وإن كانت منافرة لك فتتألم منها. ويتضح معنى أن الله يدخل في الجنة ويدخل في النار، ما معنى يدخل؟ أنت في الدنيا عندما يقال لك في العرف إذا فعلت كذا يدخلوك إلى القصر أو إلى البستان وإذا فعلت كذا يدخلوك السجن، ما معنى يدخلوك؟ يعني يأخذوا بيديك رغم أنفك ويذهبوا بكل إلى السجن. الله يوم القيامة هكذا يفعل؟ هنا إشكال في المعاد، يقولون نحن عرفنا الثواب والعقاب لأجل تنظيم الحياة الاجتماعية في الآخرة هل عندنا حياة اجتماعية، فعلى ماذا يعاقبني، قال لي إذا فعلت كذا تذهب إلى الجنة، أنا لا أريد الجنة، لماذا إذا فعلت كذا تدخلني النار، على ماذا تدخلني النار، لا أريد الجنة، أصلاً عندما عدمتني في هذه النشأة اصلاً لا تخلقني في النشأة الأخرى، أنا اكتفيت بالخمسين سنة التي عشتها هنا بمشاكلها، هذه كافية لي ولا أريد غيرها، تقول له: لا، والله (أعذبه عذاباً لا يعذبه أحد) عجيب هذا رب انتقامي، اشتبهنا عشرة عشرين ثلاثين في هذا العالم (أعذبه عذاباً لا يعذبه أحد) على ماذا؟ هذه واقعاً فسروها أنتم وليست ببساطة، ولذا أنت عندما تطرح هذه الصورة عن النار الإلهية وعن الانتقام الإلهي لا تستطيع أن تصور رب العالمين رؤوف رحيم، رحمته سبقت غضبه، أرحم الراحمين، هذه الصورة أين وهذه الصورة أين، إذن لابد أن يأخذ الدخول إلى الجنة والنار يأخذ معنى آخر، وإلا بهذه المعاني الاصطلاحية والله لا نستطيع أن نقنع … وأنتم تجدون يوماً فيوماً هؤلاء الذين يقرأون في الجامعات يبتعدون، لماذا؟ لأنك لا تستطيع أن تقدم له خطاباً يقنعه بهذا الرب الذي تعرفه. نعم، بعضهم يخجل، يقول أو لا يقول، وإلا في قلبه غليان. هذه لابد أن تحل، وهذا يرتبط – الآن لأرجع للبحث – باللغة، هذه اللغة التي هي الركن الأساسي في تكون المجتمع، والله يمكن مفردة ولفظة واحدة أمة بكاملها أنت تخرجها من الدين، وبلفظة أخرى أمة كاملة تدخلها إلى الدين. ومن هنا تظهر أهمية الوضع.
طبعاً البحث لم ينتهِ، ولكن أنا لا أدخل البحث لأن الوقت انتهى.
وهو أنه هؤلاء الذين اجتمعوا – سندخل قضية قد تكون أخطر من السابقة- وهو أنهم وجدوا أن هذه الحياة إذا أرادت أن تسير جاءوا وجعلوا لنا مفاهيم حسن العدل وقبح الظلم، لأنهم وجدوا أنه إذا لم يحكم العدل المجتمع لا يستقر حجر على حجر، فالحسن حسن الأمانة وحسن الصدق وقبح الخيانة … هذه كلها من المفاهيم الاعتبارية ما بعد تحقق الاجتماع.
فإذا كنا في نشأة لا علاقة لها بالاجتماع فهذه المفاهيم لها معنى أو لا معنى لها؟ وهذا إن شاء الله تعالى نوكل الحديث عنه إلى ما بعد التعطيلات.
والحمد لله رب العالمين.