الأخبار

المحاضرة (45)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

هذا البحث كما تعلمون بأنه ليس من الأبحاث المرتبطة بهذا الموضع من علم الأصول، ولذا من الآن بودي أن الأعزاء يلتفتوا أننا لا فقط في هذا المورد بل في كل مورد وجدنا مناسبة للبحث في قضية من القضايا المهمة سوف ندخل في ذلك البحث. والسبب أقولها بشكل واضح للأعزاء بأنه لا أعلم أنه هل العمر يكفي أن نصل إلى ذلك الموضع ونبحثه أو لا، أو أن الظروف تسمح بالاستمرار في مثل هذه الأبحاث، وحيث أني اعتقد أن هذه الأبحاث أساسية ومحورية وتعد من مفاتيح عملية الاستنباط ولذا أدخل فيها ليس بنحو تفصيلي، لا يتبادر إلى الذهن أني سأدخل في النظريات التي قيلت في الحسن والقبح وأنه ما هي الأدلة على هذه الاتجاهات والنظريات، ولكن حتى أضع الأعزاء في الصورة الموجودة في هذه الاتجاهات، كما وجدتم في مقدمات بحث الأصول، عندما انتهينا إلى نظرية المذهب الذاتي وقفنا تقريباً لعشرة دروس لبيان نظرية المذهب الذاتي وبماذا يمتاز هذا المذهب عن المذهب الارسطي ونحو ذلك.

من أهم النتائج التي رتبها السيد الطباطبائي بغض النظر عن صحة هذه النظرية وأبعاد هذه النظرية ولكني أريد أن أبين أو لا أقل افتح نافذة للأعزاء لبحث هذه المسألة، كما إن شاء الله تعالى في بحث الوضع أيضاً سيكون كذلك، هناك نوافذ ومباحث أساسية في بحث الوضع لم يعرض لها الأعلام في علم الأصول كما أشرنا قبل قليل في درس الفقه في مسألة وضع الالفاظ للمفاهيم والمعاني.

من أهم النتائج التي رتبها السيد الطباطبائي على نظرية الاعتبار بالمعنى الذي تقدم للاعتبار وهو إعطاء حد شيء حقيقي لأمر غير حقيقي. هذا كان هو الاعتبار وهو أنه أساساً توجد هناك حقائق هذه الحقائق بنحو المجاز السكاكي الذي شرحناه مفصلاً فيما سبق نعطي هذا الحد لغير مصداقه الواقعي الخارجي، هذا هو الاعتبار، السيد الطباطبائي يدعي أو يقول أو يؤمن بأن مسألة أن العدل حسن والظلم قبيح. وهنا عندي جملة معترضة: السيد الشهيد& يعتقد أن هذه الجملة أساساً فيها خطأ منهجي، يعني العدل حسن أساساً هذه قضية بشرط المحمول، والظلم قبيح أيضاً هذه قضية بشرط المحمول، ما معنى … يعني هذا من قبيل أن جنابك تقول زيد القائم قائم، عندما تقول زيد القائم فمعروف أنه قائم … هذه القضية تسمى قضية بشرط المحمول، السيد الشهيد يعتقد أن قضية العدل حسن والظلم قبيح هاتان قضيتان بشرط المحمول، لماذا؟ ذاك بحث آخر وأننا نتفق معه أو لا نتفق معه هذا يتبين من خلال تعريف العدل والظلم، لنعرف ما هو معنى الظلم وما هو معنى العدل عند ذلك يتضح لنا أن هذه قضية بشرط المحمول أو قضية ليست بشرط المحمول، والآن لا أريد أن أدخل في هذا الأمر، لا يتبادر في الذهن حتى في هذه القضية يوجد اتفاق، بل في هذه القضية يوجد اختلاف بأن هذه القضية من الناحية المنطقية صحيحة أو ليست بصحيحة.

السيد الطباطبائي يعتقد بأن هناك مجموعة من الإدراكات الاعتبارية يعني الإنشائية لا الخبرية، لأن كل الإدراكات الاعتبارية إدراكات إنشائية وإن كان إذا ثبتت في الأذهان وترسخت قد تظهر بلسان الإخبار والقضايا الخبرية، ولذا يقع الاختلاف أن هذه قضية إنشائية أو أنها قضية إخبارية عن واقع معين، لعله إذا صارت مناسبة سأشير إلى ذلك.

وكم له نظير أن القضايا عندما تتركز وتترسخ في الذهن أساساً تقلب حقيقتها من شيء إلى شيء آخر، بعض الأحيان أن القضايا إذا ترسخت في الذهن رسوخاً قوياً جداً بنحو لا يمكن إزالتها حتى لو زالت الجبار تنقلب حقيقتها، كما ادعى السيد الشهيد هذا المعنى أدعاه في قضية قبح العقاب بلا بيان، السيد الشهيد يقول أن أصل هذه القضية قضية عقلائية ولكن لترسخها في ذهن العقلاء تصوروا أنها قضية عقلية، لماذا توهموا أنها عقلية، يقول لأنها راسخة رسوخاً لا يمكن أن تتزلزل فتصوروا أن حكمها حكم القضايا العقلية. وبحث هذا يأتي في محله.

السيد الطباطبائي بين لنا هذه الحقيقة، قال: من الأمور الاعتبارية ما بعد تحقق الاجتماع مسألة أن العدل حسن وأن الظلم قبيح، لماذا احتاج الإنسان في ظرف الاجتماع إلى اعتبار هاتين القضيتين، يقول: احتاج إليهما باعتبار أنه وجد أنه لا يستطيع كل فرد فرد في المجتمع أن يستوفي حقه إلا بتطبيق هذا الأصل وإلا إذا اخترق هذا الأصل كما أنتم تجدون في الآن في المجتمعات الإنسان، إذا اخترق هذا الأصل وهو العدل الظلم لا يبقى حجر على حجر، إذن في مصلحة الجميع، انظروا الآن هذه العصر والحمد لله رب العالمين نجد أن الطواغيت واحداً بعد الآخر يسقطون وإن شاء الله كل الطواغيت أعم من أن يكونوا بعنوان كذا أو بعنوان كذا، إن شاء الله يسقطون واحداً بعد الآخر، أنتم تجدون صحيح بالأمس عندما كان طاغوتاً وظالماً ومستبداً لم يكن يعتنِ بمسألة العدل، ولكن الآن عندما يوقفوه في دار الجزاء أول أمر يطالب به أن يحاسب وأن يحاكم بالعدل. إذن قضية الحق والإنصاف أنها مطلب للجميع، نعم بعض الأحيان الإنسان قد يغفل عن ذلك ولا يعتني به وإلا فهو مطلب إنساني إذا أراد الإنسان أن يعيش مع الآخر، وبينا بالأمس بحمد الله تعالى ما هي فلسفة هاتين القضيتين الاعتباريتين العدل حسن والظلم قبيح، قلنا يقوم على أصلين:

الأصل الأول: اختلاف الناس اختلافاً تكوينياً فطرياً إلهياً (نحن قسمنا معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض) هذه سنة التكوين، وهذا هو النظام الأحسن، لماذا؟ (ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا) هذا الأصل.

والأصل الثاني: قضية الاستخدام وهو أنه يستطيع أن يؤمن كل احتياجاته بنفسه أو لا يستطيع؟ لا يستطيع أن يؤمن، إذن يضطر أن يستخدم الآخر، فهنا لابد أن حتى يعطي حتى يأخذ بقدر ما يعطي لابد أن يعتبر أن العدل حسن، وإلا إذا لم يعتبر هذا ا لأصل فقد يُعطى أقل مما يأخذ، فقد يُظلم، حتى يرفع هذه الظلامة يحتاج إلى هذا الأصل الذي أشرنا له.

لذا السيد الطباطبائي هذا البحث الذي أشرنا له بالأمس وقلنا أن السيد الطباطبائي أشار إلى هذا المعنى بشكل واضح في (الميزان، ج2، ص118) في ذيل الآية 213 من سورة البقرة، واشار إليه إجمالاً في (أصول الفلسفة، ج1، ص584) بترجمة السيد عمار أبو رغيف، هذا البحث راجعوه هناك، قال: (بل نريد أن نقول أن الإنسان بهداية الطبيعة، مراده من الطبيعة) يعني الفطرة التي خلق عليها (كل ميسر لما خلق له) الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وهذه الهداية للاستخدام أيضاً هداية فطرية إلهية، قال: (بل نقول إن الإنسان بهداية الطبيعة والتكوين يريد على الدوام فائدته) أن يفيد نفسه، لماذا؟ لأن الدار دار التكامل ودار العمل، اليوم عمل ولا حساب ظاهر، وإلا الحساب موجود ولكنه (لقد كنت في غفلة) وإلا الحساب في هذه الدنيا، نعم الذي يظهر يوم تبلى السرائر يظهر أنه كان يحاسب من ذلك اليوم. قال: (يريد على الدوام فائدته ولكن حيث لا يستطيع أن يحقق ذلك بنفسه يريدها من الآخرين) اعتبار الاستخدام، من هنا جاء الاستخدام وهذا الاستخدام كما بينا سابقاً صار سبباً لتكوين المجتمعات، ولأجل فائدته يبتغي نفع الجميع ولأجل نفع الجميع حتى لا يظلم ولا يُظلم، ولأجل نفع الجميع يطلب العدل الاجتماعي، سطرين ولكن كل هذه النظرية السيد الطباطبائي لخصها هنا (ولأجل نفع الجميع يطلب العدل الاجتماعي) ما معنى العدل الاجتماعي؟ قال: (اعتبار حسن العدل وقبح الظلم).

إذن العدل حسن بالمعنى الاجتماعي لا بالمعنى الفردي الذي تقدم بالأمس، بالمعنى الاجتماعي العدل حسن والظلم قبيح اعتباران ما بعد تحقق المجتمعات.

سؤال: يأتي هذا التساؤل إذن ما هي خصائص حسن العدل، خصائص هاتين القضيتين، هذين الإدراكين الاعتبارين، خصائصها كالتالي:

الخصوصية الأولى: أن حسن العدل وقبح الظلم مرتبط بتلك النشأة التي يوجد فيها تكامل، وإلا إذا لم يوجد تكامل أساساً يحتاج أن يستخدم وأن يجتمع أو لا يحتاج إلى ذلك؟ متى يحتاج إلى الاستخدام والاجتماع، ثم حتى يتحقق الظلم والعدل متى؟ إذا كان يريد أن يتكامل، فإذا صرنا في مجتمع لا تكامل فيه، أو في نشأة لا تكامل فيها، إذن لا يوجد استخدام، لا يوجد اجتماع، إذن الأصل الأول أن هاتين القضيتين أو الإدراكين مرتبطان بنشأة فيها تكامل، حتى أقرب المطلب إلى ذهن الأعزاء، الحركة نقص او كمال، من أهم كمالات الإنسان في هذه النشأة ما هي؟ الحركة، يعني الخروج من القوة، لا الحركة المكانية، بل الخروج من القوة إلى الفعل فلذا إذا لم توجد حركة يعني لا يوجد تكامل، والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً ثم جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة.

هذه هي السنة، إذن الحركة كمال ولكن كمال مطلق أو كمال مرتبط بنشأة خاصة؟ لا يمكن أن يقول أحد أن الحركة كمال مطلق وإلا لو كانت كمال مطلق إذن الله لا يتحرك إذن فيه نقص. ولذا نحن في الأبحاث الفلسفية ميزنا بين الكمال المطلق يعني المرتبط بأصل الوجود كالعلم والكمال النسبي المرتبط بنشأة معينة.

أن تكون المرأة ولوداً كمال أو نقص؟ هذا كمال للإنسان، وإذا كانت هكذا فالذكر الذي لا يلد يكون ناقصاً، لا، هذا كمال للمرأة فإذا لم تلد تكون … هذا نقص في المرأة وليس نقص في الإنسان، وكم يقع الخلط بين مثل هذه الكمالات.

التعلم والقراءة والكتابة كمال أو ليس بكمال؟

جواب لأحد الطلبة: كمال ؟؟؟

أحسنتم، وهو أساساً أن التعلم والقراءة والكتابة لمن لا يعلم، أما إذا كان بتعبيرنا من البيضة عالم فلا يحتاج إلى القراءة والكتابة، فلا نحتاج إلى التكلفات الباردة التي تقال …لا رسول الله أصلاً لم يكن يحتاج … سالبة بانتفاء الموضوع، لم يكن يحتاج إلى القراءة والكتابة، أنا وأنت نحتاج إليهما لأن كمالنا متوقف عليهما.

سؤال: إذن في مجتمع أو في حياة أو في نشأة، هذه قواعد عامة، في نشأة لا تكامل فيها ولا استخدام ولا اجتماع، لا نحتاج إلى حسن العدل وقبح الظلم، إذن الخصوصية الأولى في هذين الإدراكين والقضيتين أنهما مرتبطة بنشأة واحدة لا بجميع النشئآت، وهذا بخلاف القضايا العقلية اجتماع النقيضين ممتنع مرتبط بنشأة واحدة، اثنين بالإضافة إلى اثنين مرتبط بنشأة واحدة، اجتماع الضدين ممتنع، أن المعلول يحتاج إلى علة وأن الفقير محتاج إلى الغني يعني في هذه النشأة، يعني إذا صرنا في الآخرة أو في نشأة قبل هذه النشأة لا يكون الفقير محتاج إلى الغني، لا، تلك قواعد عقلية ثابتة لا تستثنى منها نشأة من النشئآت. وبعد ذلك من خلال قياس الشكل الثاني سيتضح أن هذه قضايا ليست من الضروريات الست المعروفة في المنطق الارسطي. لأنه بعد ذلك سيتضح أن الضروريات الست في المنطق الارسطي يعتبرونها مرتبطة بجميع النشئآت، لا بنشأة واحدة، إذن هذه مرتبطة بجميع النشئآت، حسن العدل وقبح الظلم ليست مرتبطة بجميع النشئآت، إذن هذه ليست من تلك، قياس من الشكل الثاني.

الخصوصية الثانية: أنها إخبارية أو إنشائية؟ إنها إنشائية كما بينّا وإن كان قد تظهر بلباس الإخبار ولكن هي في واقعها إنشائية.

سؤال: أنها متغيرة في هذه النشأة أو ثابتة؟

تتذكرون قلنا في مسألة الحسن والقبح الفردي قلنا ما هي؟ نسبية أو ثابتة، مطلقة، قلنا نسبية، أما هنا ما هي؟ لا لا، من يعيش المجتمع، هذه قضية ثابتة، إذن لا يتبادر إلى ذهنك أنها قضية ثابتة يعني ثابتة في جميع النشئآت، لا يذهب ذهنك إلى هذا، وعندما نقول مطلقة مرادنا مطلقة في جميع النشئآت. لا أعلم هل استطعت أن أوضح المفهوم.

لأنه قد يقال: أن السيد الطباطبائي كما يصرح بهذا يقول: (الاعتباريات الثلاثة المذكورة) التي هي الاستخدام والاجتماع وحسن العدل وقبح الظلم (من الاعتباريات الثابتة) لا يذهب ذهنك إلى الثبوت أو الثبات بذاك المعنى الذي نقوله في قضية اجتماع النقيضين ممتنع، لا يذهب ذهنك إلى هناك، مراده من الثبات يعني الثبات في هذه النشأة، لا أنه مجتمع قد يجتمعون ولا يعتبرون العدل حسن والظلم قبيح، ومجتمع آخر قد يعتبر، والشاهد التأريخي على ذلك واضح، أنت ارجع مجتمعات البشرية مذ وجدت وإلى يومنا هذا بمختلف اتجاهاتها، التي تؤمن بوجود الله والتي لا تؤمن بوجود الله، والتي تؤمن بالإسلام والتي لا تؤمن، الجميع يتفق على أصل واحد أن العدل ما هو؟ أصلاً مطلب لكل البشرية، لكل إنسان، هذا معنى الثبات، نعم تقول لي: لماذا يختلف؟ أقول: الاختلاف ليس في الأصل بل في الصغريات وفي التطبيقات، وسأشير إلى هذا وقتها.

هذه الخصوصيات الثلاث لهاتين القضيتين أو لهذين الإدراكين الاعتباريين.

سؤال: فإذا كان الإنسان يعيش حياة لا تكامل فيها ماذا يترتب على ذلك، إذن لا يوجد فيها استخدام، لماذا؟ لأنه إنما استخدم لكي يتكامل وليصل إلى كماله فإذا لم يكن تكامل إذن لا يحتاج إلى الاستخدام، فإذا لم يحتج إلى الاستخدام فيحتاج إلى الاجتماع والمجتمع والقوانين الاجتماعية أو لا يحتاج؟ لا أنه لا يحتاج يعني يقولون له لا تفعل، ليست سالبة بانتفاء المحمول بل سالبة بانتفاء الموضوع، اساساً لا موضوع للاجتماع، لأنه إنما اجتمع مع الآخر إذا احتاج إليه إما إذا استغنى عنه الله سبحانه وتعالى لماذا لا يتخذ لنفسه قرين وقرينة لماذا؟ لأنه غير محتاج، لا أنه محتاج ولكن يقولوا له غير مناسب له وليس من شأنك ويطبقوا الشأنية هناك، لا حاجة له.

الله لا يظلم، لماذا لا يظلم؟ هو بيّن قال إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف، والله قوي، قياس من الشكل الثاني، إذن الله لا يحتاج إلى الظلم لأنه قوي، إذن إذا كان الإنسان لا تكامل له إذن فلا استخدام عنده إذن فلا اجتماع عنده إذن لا يحتاج إلى اعتبار العدل حسن والظلم قبيح.

نحن عندما ننتقل من نشأة الدنيا نذهب إلى البرزخ وله حساب خاص به ولا أريد الدخول فيه، هل تحكم عليه أحكام الدنيا أو تحكم عليه أحكام الآخر، بشكل عام كما بينت في كتاب (المعاد رؤية قرآنية) قلت بأنه أقرب إلى أحكام الدنيا منه إلى أحكام الآخرة، هو رواق هو الطريق للوصول إلى الآخرة، لا أنه هو الآخرة، وإلا بعد الإنسان يحمل معه أحكام الدنيا، ولذا إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، هذا مرتبط بالبرزخ لا بالآخرة، وهذا القول الذي ينسب إلى أمير المؤمنين في نهج البلاغة: اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، هذا مرتبط بالنشأة الآخرة وإلا في البرزخ لا أبداً، العمل بعده موجود، ولكن أنا عبرت عنه العمل الحدوثي مغلق، وإلا العمل الاستمراري مستمر، فلهذا يومياً إذا صح التمثيل يومياً عصراً يأتوا لك بالفاتورة ويقولوا لك كذا مليون حسنة دخلت في حسابك، وذاك المسكين الآخر يقولوا له في قسم الثقلية، أثقل من الثقلية، يقولوا له اليوم دخلت في حسابك مليون سيئة. العملية مستمرة لا تقف، ولذا البعض يتصور أن حظه فقط في الدنيا، لا أبداً، الله أعطى للإنسان حظ لعشرات الآلاف بل لعله لملايين السنين أنه يستمر (إن أحسنتم أحسنتم) وهذه مستمرة ولا تنقطع (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) يعني يشمل البرزخ أيضاً. ولذا افتحوا أعينكم هذه الكلمة التي تصدر وهذا القلم الذي يكتب وهذا الدرس الذي تقولوه وهذه المحاضرة هذه إما تفتح لك حساب في البرزخ وإذا أنت في يوم جالس في بيت 5000 متر – ليست في المنطقة الخضراء التي يملكوها مجاناً وحسابهم عند الله- وإذا يقولوا له نقلناك إلى بيت 10000 متر، انقلوه إلى مكان كذا، والعكس بالعكس.

إذن عندما جئنا إلى الآخرة، دخلنا من هذا الرواق ووصلنا إلى الآخرة، أنت في الرتبة السابقة كمحقق وكعالم لابد أن تحدد لي موقفك أن الآخرة، لا البرزخ، أن الآخرة يعني يوم البعث (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) يعني بعد النفخ الثاني من الصور، ذاك اليوم وتلك النشأة هل هي محكومة بقوانين هذه النشأة العامة أو غير محكومة؟ من الآن حدد موقفك ولا يصلح أن تتكلم نصف ونصف، فإن كانت دنيا أخرى إذن ماذا فيها؟ قوانين هذه النشأة، لأن هذه قوانين كالرياضيات بالنسبة لهذه النشأة، أن الجسم في عالمنا له وزون وله ثقل وله نمو وله موت وله صحة وله فساد هذه ليست قضايا اعتبارية هذه قضايا تكوينية وجودية، فإذا قلت هذا الجسم فلابد أن تلتزم ومن التزم بشيء التزم بلوازمه. إذن لابد أن تفترض أنه يوجد تكامل. ولابد أن تفترض أنه يوجد استخدام …. إذن عين موقفك من الآن ولا تخاف من الاتهام بإنكار الموقف الجسماني، وحقك 99%من الذين يثبتون أو ينكرون لا يفهمون المعاد الجسماني، أصلاً لا يعلمون موضع النزاع ما هو. فأنت لابد أن تحدد موعدك فإذا كانت هذه النشأة يعني نشأة الآخرة هي هذه النشأة مع – أنا أعبر عنها- [بنتلايت] تغيير، يعني بعض التغييرات الجزئية إذن أحكام وقوانين هذه النشأة حاكمة، وإما أن تقول أنها نشأة أخرى ولذا هي نشأة جزاء ولا عمل، اصلاً عالم آخر، إذن قوانينها نفس هذه القوانين أو وننشأكم فيما لا تعلمون؟ وننشأكم فيما لا تعلمون. ولذا السيد الطباطبائي رحمة الله عليه هذا البحث أنا أيضاً أعطي العناوين للأعزاء وإن شاء الله هم يراجعون لأن الوقت لا يسع.

السيد الطباطبائي في (الميزان، ج2، ص122) يقول: (الإنسان بعد الدنيا) مراده بعد الدنيا خصوصاً الحشر الأكبر (ثم أنه يخبرنا أن الإنسان سيرتحل من الدنيا التي فيه حياته الاجتماعية) هذا قيد توضيحي لأنه أساساً الدنيا هي للحياة الاجتماعية (وينزل داراً أخرى سماها البرزخ ثم داراً أخرى سماها الآخرة، غير أن حياته بعد هذه الدنيا) جملة واحدة بعد أقرأ من القافية إلى الآخر (حياة انفرادية) هنا ماذا كانت؟ ويأتينا فرداً. وحده، هو وعمله ويكون ضيفاً على عمله، (ومعنى كون الحياة انفرادية أنها لا ترتبط بالاجتماع التعاوني والتشارك والتناصر بل السلطنة هناك في جميع أحكام الحياة لوجود نفسه لا يؤثر فيه وجود غيره بالتعاون والتناصر أصلاً). ولذا هناك في تلك النشأة هذا الإنسان المؤمن يمشي ونوره يسعى، لا يضيء طريقه، أصلاً يضيء طريقه إلى الجنة، هذا جنبه يمشي المنافق لا يستفيد من نوره، هنا إذا كان عندك نور وجعلت الطريق أمامك مضيء هذا الذي بجانبك يستفيد شئت أم أبيت فلهذا عندما يقولون يريدون نوراً ماذا يقولون؟ (فلتمسوا) النور ليس منا، لأن هذه النشأة نشأة ظهور الثمرة والجزاء، لا العلم، هنا لا يعطي أحد لأحد. ولذا بحث مفصل عنده ويقرأ مجموعة من الآيات.

يقول: (ولو كان هناك هذا النظام) هناك يعني النشأة الاخرى (ولو كان هناك هذا النظام الطبيعي المشهود في المادة لم يكن بد عن حكومة التعاون والتشارك) هذا من لوازم عالم المادة، (لكن الإنسان خلفه وراء ظهره وأقبل إلى ربه وبطل عنه جميع علومه العلمية) كل الذي كان يعتبره هنا هذا حسن وهذا قبيح وهذا ينبغي وذاك لا ينبغي هذه الصلاة وهذا الصوم وهذا حلال وهذا حلال، كلها لماذا بطلت، بطلت باعتبار السالبة بانتفاء المحمول أو باعتبار السالبة بانتفاء الموضوع؟ باعتبار السالبة بانتفاء الموضوع فلا يرى لزوم الاستخدام والتصرف والمدنية ولا سائر أحكامه التي يحكمها في الدنيا، لا رئيس ولا مرؤوس ولا قوي ولا ضعيف، وليس له إلا صحابة عمله ونتيجة حسناته وسيئاته ولا يظهر له إلا حقيقة الامر ويبدو له النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون).

وكذلك أشار إلى هذا البحث في (ج2، ص176) البحث أساسي كثيراً ومفيد، يعني في ذيل الآية 216-218 من سورة البقرة، يقول: (فالقرآن الكريم … وجعل الفعل غير نفسه ويوضحها وإن كانت بحسب الحقيقة) تلك النشأة (ذات نظام غير نظام الحس عندنا) أصلاً عالم غير هذا العالم، (وكانت الأحكام الاجتماعية العقلائية محصورة مقصورة على الحياة الدنيا وسينكشف على الإنسان ما هو مستور عنه اليوم يوم تبلى السرائر) ولذا قال تعالى (ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله) تأويل هذه الحياة وحقيقة هذه الحياة ما هي؟ تظهر لنا يوم القيامة.

وبهذا الذي ذكرناه يرتفع الاختلاف بين هذه الآيات.

إلى هنا أعزائي اتضح لنا بأنه ما هي قضية حسن العدل وقبح الظلم، وما معنى أنهما قضيتان اعتباريتان، البعض يتصور أن بمجرد أنه سمع من الحكماء أنهما قضيتان اعتباريتان يقول تكون نسبية كما في بعض الكتاب المعاصرين. من عرب وغير عرب. تصور بمجرد أنها صارت اعتبارية صارت ماذا … لا أبداً، تكون اعتبارية في مقابل الحقيقية، ما هي الحقيقية؟ يعني الثابتة في جميع النشئآت، هذه حقيقية ولكن مرتبطة بنشأة واحدة، لها مناشئ نفس أمرية، ولكن مرتبطة ماذا … ولذا عبر عنها السيد الطباطبائي أنها اعتبارات ثابتة لا أنها اعتبارات نسبية متغيرة، إذا اتضح هذا بنحو الإجمال هذا هو الاتجاه العام الذي بنى عليه الحكماء في قضية أن العدل حسن وأن الظلم قبيح، وهذا هو الذي ورد في كلماتهم بأنها من المشهورات التي تطابق عليها العقلاء.

نعم، خصوصية السيد الطباطبائي& استطاع أن يؤسسها على نظريته، يعطي لها أسس علمية، هذا الذي شرحناه مفصلاً. الأعزاء فقط بنحو الإجمال أنا أشير له.

المورد الأول الذي ورد فيه هذا الكلام وهو ما ورد في (منطق الشفاء، البرهان، ج3، ص65) يعني بعبارة أخرى الفصل الرابع في تعديد مبادئ القياسات بقول عام، يقول: (فمبادئ البراهين … والذي على سبيل تسليم مشترك فيه إما أن يكون رأياً يستند إلى طائفة) والحسن والعدل يستند إلى طائفة أو إلى الجميع؟ مشترك فيه إلى الجميع (أو يكون رأياً لا يستند إلى طائفة بل يكون متعارفاً في الناس كلهم قبوله فهم لا يحلونه محل الشك) مثل ماذا (كقولهم أن العدل جميل وأن الظلم قبيح وأن شكر المنعم واجب) شكر المنعم أيضاً من هذه القضايا؟ يقول: نعم، لأن هذه شكر المنعم إنما هي في نشأة يوجد فيها تكليف، ولذا أنتم تجدون أنه من أهم أدلة وجوب الطاعة لله هو شكره، نقول: يعني هناك لا يوجد شكر؟ نقول: لا، هناك يوجد شكر ولكن لا بهذا المعنى شكر بنحو آخر، كما أن الملائكة تشكر، ما معنى شكر الملائكة؟ يعني بالنحو الذي أنا وأنت يعني يصلون ويصومون؟ لا، أبداً، لأن لكل نشأة أحكامها الخاصة وأن شكر المنعم واجب (فإن هذه مشهورات مقبولة وإن كانت صادقة فصدقها ليس مما يتبين بفطرة العقل المنزل) يعني هل ليست منا لقضايا الست المعروفة من المنطق الارسطي. البحث الأعزاء إن شاء يراجعوه في منطق البرهان.

وكذلك أشار إليه في (الإشارات والتنبيهات، ج1، ص220 و ص221) يقول: (ومنها الآراء المسماة بالمحمودة وربما خصصناها باسم المشهورة إذ لا عمدة لها إلا الشهرة وهي آراء لو خلي الإنسان وعقله المجرد وحسه ولم يؤدب بقبول قضاياها والاعتراف بها ولم يستدع لم يقضي بها الإنسان طاعة لعقله) يعني الإنسان المفرد لو ألف مرة فكر لا يصل إلى مسألة العدل الاجتماعي، بانفراد لو لم يكن احتاج إلى الاستخدام وإلى، يقول: لا، مثل حكمنا أن سلب مال الإنسان قبيح وأن الكذب قبيح لا ينبغي أن يقدم عليه …

ومنها قال: (وما ذكره الشيخ من أن العقل الصريح الذي لا يلتفت إلى شيء غير تصور طرفي الحكم إنما يحكم بالأوليات من غير توقف … ومنها كونه …). توضيح العبارة إلى يوم غد.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات