الأخبار

المحاضرة (46)

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

بينا في اليومين الماضيين نظرية الاعتبار والمواضعة أو نظرية الاعتبار في مسألة الحسن والقبح العقليين، فلماذا أبين ذلك؟ حتى لا يتبادر إلى الذهن نحن نعتقد أن قضيتي العدل حسن والظلم قبيح قضايا شرعية، لا أبداً، نحن نعتقد أنها قضايا يدركها العقل، ولكنه ليس إدراك العقل لهذه القضايا كإدراكه لقضية اجتماع النقيضين ممتنع، هذا أمر عقلي وذاك أيضاً أمر عقلي، ولكن ذاك سنخ من الإدراك العقلي وهذا سنخ آخر من الإدراك العقلي. والفوارق أشرنا لها بالأمس قلنا بأنه تلك القضايا لا تختلف من نشأة إلى نشأة. أما هذه القضايا فهي ثابتة في نشأة دون أخرى، وفي هذه النشأة أيضاً لا قبل الاجتماع وإنما بعد الاجتماع، هذه القضية شرحناها بالأمس أو في اليومين الماضيين الأعزاء إذا أرادوا توضيحها بشكل أوسع من هذا، طبعاً النظرية نظرية الحكماء، عندنا ثلاثة نظريات في قضية الحسن والقبح العقلي:

نظرية الحكماء، نظرية المعتزلة، نظرية الأشاعرة. ومشهور علماء الأصول على مباني المعتزلة، وسيتضح إن شاء الله أنه ماذا يقول هؤلاء.

ولعله والله العالم واحدة من أسباب عدم انتشار نظرية الحكماء سوء الظن بهم، وإلا الكلام الذي قالوه قائم على أسس متينة دقيقة وبعد ذلك سيتضح أن جملة من الأصوليين اقتربوا من نظرية الحكماء ولكن لم يجرأوا أن يقولون أنه نظرية الحكماء.

السيد الطباطبائي يشير إلى هذا البحث في (الميزان، ج16، ص192- 193، ذيل الآية 27- 39 من سورة الروم) يقول: (قد عرفت أن الإنسان إنما ينال ما قدر له من كمال وسعادة بعقد مجتمع صالح) يعني لا يمكنه الوصول إلى كماله الذي من أجله خلق بالانفراد، لابد أن يعقد مجتمع (مجتمع صالح يحكم فيه سنن وقوانين صالحة تضمن بلوغه ونيله سعادته التي تليق به).

وهذا يكشف لك أن الحكم والسلطة في الإسلام داخلة في نسيج معارفه، أصلاً لا يمكن للإسلام أن يعيش بلا حكم، لماذا؟ لأنه إذا كانت السلطة غير إسلامية لا معنى لأن يكون المجتمع مجتمعاً إسلامياً، أنتم الآن أمامكم حتى تلك المجتمعات التي تدعي الديمقراطية وتدعي فصل الدين عن السياسة مع الأسف الشديد لا تدعي فصل الدين عن السياسة بنحو لا بشرط وإنما تدعي فصل الدين عن السياسة بشرط لا، لا أنه أنت حر في أن أعمل والديني حر، لا لا، الديني ليس حر أن يعمل حتى في المجتمعات الديمقراطية، فلذا حتى الحجاب يمنع، أنت تقول ديمقراطية والحرية، يقول لا، ديمقراطية وحرية للبارات والملاهي، هذه هي الديمقراطية والحرية، أما عندما تصل إلى البعد الديني فلا. إذن مجتمع صالح لا يعقل بلا حكومة صالحة، أصلاً هذا غير ممكن، نعم يبنون لك مجتمع على مبانيهم الإيديولوجية كما تجدون الآن، محال أن السلطة لا توجد فيها إيديولوجية، يعني أن لا تكون لا بشرط من حيث الأفكار الإيديولوجية، وعندما أقول أفكار إيديولوجية أقصد أفكار بها ينبغي ولا ينبغي، لأنا عندنا رؤية كونية ليس فيها ينبغي ولا ينبغي، وعندما إيديولوجية التي فيها ينبغي ولا ينبغي، السلطة لا يمكن أن تعيش بلا أن تنظر إلى ينبغي أو لا ينبغي، دائماً نظرها إلى ينبغي وإلى لا ينبغي، فإذا لم تكن حكومة دينية فبطبيعة الحال يبنى المجتمع على إيديولوجيتها الخاصة.

قال: (بعقد مجتمع صالح يحكم فيه السنن وقوانين صالحة تضمن بلوغه ونيله سعادته التي تليق به وهذه السعادة أمر أو أمور) سؤال: هذه السعادة التي يطلبها الإنسان أمور اعتبارية؟ يقول، لا، (هذه أمور تكوينية تلحق الإنسان الناقص الذي هو أيضاً موجود تكويني فتجعله إنساناً كاملاً في نوعه تاماً في وجوده). ولا أريد شرح العبارات لأن الوقت يطول بنا.

لا يقول تجعله إنساناً كاملاً في فرده، هذا النوع كامل، وإن كانت بعض أفراده غير كاملة، ولكن فيه فرد كامل، (فهذه السنن والقوانين التي توضع للاجتماع هي قضايا عملية اعتبارية). سيدنا هذه أين موقعها؟ يقول: (واقعة بين نقص الإنسان لأن اليوم عمل ولا حساب، كل ميسر لما خلق له (وكماله) لأنه لا يمكنه أن يعبر من هذا النقص إلى ذلك الكمال إلا من خلال هذه القوانين التي من أعمدتها مسألة الحسن والقبح (واقعة بين نقص الإنسان وكماله متوسطة بين المنزلتين كالعبرة) مراده من العبرة يعني الجسر، إحدى اللطائف المذكورة إذا أراد شخص أن يتعلم الفارسية والعربية والتركية يقرأ الميزان، لأنه فيه اصطلاحات تركية مثل الفرمانات عندما صل إلى الدستور يقول كالفرمانات، وعندما يأتي إلى المجتمعات يقول اجتماع، والاجتماع اصطلاح فارسي وليس اصطلاح عربي. يقول: (كالعبرة) التي يعبر بها من منزلة إلى أخرى (وهي كما عرفت تابعة للمصالح) هذه الاعتبارات ليست اعتبارات … لأن البعض لم يفهم نظرية السيد الطباطبائي ونظرية الحكماء، قال هذه مجموعة من الاعتبارات، لا يا أخي اعتبار ناشئ من تكوين وحقيقة ويؤدي بك إلى حقيقة. قال: (تابعاً للمصالح التي هي كمالات إنسانية وهذه الكمالات المتقدمة والمتأخرة أمور حقيقية) ولكن للتوصل إليها تحتاج، يعني بعبارة أخرى مجتمعنا هكذا، أنت عندما يضعوا لك قوانين المرور لأجل سلامتك والسلامة أمر اعتباري أو أمر حقيقي ولكن القوانين قوانين اعتبارية، قال: (وهي أمور حقيقية ملائمة للنواقص التي هي مصاديق حوائج الإنسان الحقيقية، فحوائج الإنسان الحقيقية) هذه الحوائج، هذه الكمالات، هذه الطلبات (هي التي وضعت هذه القضايا العملية واعتبرت هذه النواميس الاعتبارية) يعني هي المنشأ لوضع هذه الاعتبارات. إذن الحسن والقبح ليسا أمران شرعيان وإنما أمران عقليان حقيقيان ناشئان من ماذا؟ ولكن أنه إنما اضطررنا إليها لحاجة المجتمع، وإلا لو لم يكن هناك مجتمع وتكامل واستخدام فلم نكن نحتاج إلى هذه الاعتبارات (والمراد من الحوائج هي ما تطلبه النفس الإنسانية، فأصول هذه السنن) هذه القواعد والاعتبارات العقلائية أو العقلية أو العملية (فأصول هذه السنن والقوانين يجب أن تكون الحوائج الحقيقية للإنسان) لماذا يعبر … لأنه يقول بعض الأحيان هناك حوائج ليس حقيقية بل هي أهواء نفسانية وميول، أيضاً تضع أنت لها قوانين، والآن المجتمعات الغربية مملوءة بهذه القوانين وإلا كيف تفسر الزواج المثلي في الغرب الآن، هذا معناه أن القوانين تسير باتجاه الحاجات الحقيقية للإنسان أو باتجاه الميول والأهواء، ولذا يقيد (الحوائج الحقيقية) قيد احترازي لإخراج … التي بحسب الواقع حوائج يعني حوائج بالحمل الشائع لا بحسب تشخيص الأهواء النفسانية وقد عرفت.

قد تقول: هذه قضايا بشرط المحمول، أنت تقول حوائج نفسانية وهو يقول حوائج حقيقية، ما هو الفيصل؟ هنا تأتي حاجة الإنسان إلى الدين. هنا تأتي الحاجة … لماذا تأتي الحاجة؟ لأنه واقعاً من يستطيع أن يشخص المصاديق الحقيقية للكمال، هل يستطيع الإنسان، لو كان يستطيع الآن عشرة آلاف عام لماذا هذا وضع العام، وإذا استطاع أن يشخص القوانين الحقيقية للإنسان في هذه الدنيا لا يستطيع أن يتعرف على كمالاته الآخروية ولابد أن يعمل هو ليس لهذه الدنيا، لهذه الدنيا بما يضمن له الكمال الآخروي، لذا السيد الطباطبائي عبارته يقول: (الدين هو أن يضمن السعادة الدنيوية بما يلائم السعادة الآخروية) هي ليست فقط هذه الحياة، لو كانت هذه الحياة نعم نبحث عن سعادتنا فيه. (وقد عرفت أن الصنع والإيجاد قد جهز كل نوع من الأنواع ومنها الإنسان من القوى والأدوات بما يرتفع بفعاليته حوائجه) يعني بما يرفع به حوائجه.

ولذا في ذيل قوله تعالى: (فألهمها فجورها وتقواها) يقول: إشارة إلى هذا المعنى. يقول: ألهمها، يعني ليست قضايا فطرية، يعني زود الإنسان بأن يضع لنفسه قوانين وأصول ونواميس حتى يستطيع أن ينتقل من مرتبة النقص الإنسان إلى مرتبة (فألهمها فجورها وتقواها) هنا ايضاً يقول: (زود الإنسان من القوى والأدوات بما يرفع حوائجه ويسلك به سبيل الكمال ومنه يستنتج أن للجهازات التكوينية التي جهز بها الإنسان اقتضاءات للقضايا العملية) هي تقتضي منه أن يجعل هذه الاعتبارات العملية (المسماة بالسنن والقوانين التي بالعمل بها يستقر الإنسان في مقر كماله) إذا جرى على هذه الأصول يصير (مثل السنن والقوانين الراجعة إلى التغذي فتبين أن من الواجب أن يتخذ الدين …). هذا البحث راجعوه في صفحتين من الأبحاث المهمة والقيمة.

الآن نرجع إلى بحثنا، إذن تحصل إلى هنا أن قضية العدل حسن والظلم قبيح ليست قضية شرعية كما ينسب إلى الأشاعرة، وليست قضية عقلية محضة كما في القضايا الست المعروفة في البرهان الارسطي، يعني ليست من قبيل الكل أعظم من جزءه، أو اجتماع النقيضين ممتنع، أبداً، تلك لها عالمها وهذه لها عالمها، ما هي؟ يقول: (اقتضاءات يقتضيها العقل الإنسان للعبور من نقصه إلى كماله). وهذه مسائل يدركها كل سليم الفطرة، ولذا قالوا أنه هل يوجد اختلاف بين اثنين أن العدل حسن؟ أبداً لا يوجد، أصلاً كل البشرية تصيح تريد العقل، نعم قد تدليس وقد تتلاعب ببعض المصاديق ذاك بحث آخر، ولكن أصل القضية، وهذا يكشف أن هذه القضية قضية مطلوبة للجميع، ولكن هؤلاء يقولون مطلوبة للجميع في ظرف الاجتماع وإلا لو خلي الإنسان ونفسه من غير اجتماع أيضاً كان يدرك هذا أو لا؟ المنهج الذي قاله المعتزلة يقولون نعم، كيف يدرك أن اثنين بالإضافة إلى اثنين يساوي أربعة، وأن الكل أعظم من الجزء، وأن اجتماع النقيضين ممتنع، يدرك أن العدل حسن. هذا الاتجاه يقول لا ابداً، لأنه مع عدم وجود الاجتماع أساساً موضوع هذه القضية غير موجود، فلا موضوع لها حتى يدركها، ومع عدم وجود الموضوع هل يحتمل إدراك المحمول؟ هذا هو الخلاف المركزي بين المعتزلة وبين الفلاسفة، طبعاً والاتجاه العام، لا أريد أن أعبر اتجاه عام، مشهور لعله ولا أدري أنه مشهور لأني لم أتتبع الكلمات، أنه الكثير من علماء الأصول ذهبوا بأي اتجاه؟ باتجاه المعتزلة، قالوا أن هذه مثل تلك ومنهم سيدنا الشهيد.

حتى تتضح للأعزاء أن هذه النظرية التي شرحناها بهذا التفصيل جذورها عند الحكماء، هذه ليست نظرية السيد الطباطبائي، نعم السيد الطباطبائي كما أشرنا بالأمس حاول أن ينظر ويؤسس لها، قرأنا بالأمس بعض العبارات، ومن تلك العبارات هذه العبارة، في (منطق الشفاء، الفصل الرابع من المقالة الأولى من كتاب الجدل، ص39) مكتبة المرعشي، يقول: (فمن المشهورات) ليس مرادهم من المشهورات يعني غير المطابقات للواقع، لا، مرادهم في قبال القضايا الست العقلية، هذه واقعية وتلك غير واقعية، هذه حقيقية وتلك أيضاً حقيقية، ولكن مع هذا الفارق الذي أشرنا له، وهو أنه تلك تختلف من نشأة إلى أخرى أو لا تختلف؟ لا تختلف، لا فقط يوجد فيها، يتذكر الأعزاء كاملاً هذا البحث، لا يوجد فقط فيها القضايا الأولية أو القضايا الست، ليس فقط فيها الجزم بثبوت المحمول للموضوع بل يوجد الجزم بثبوت المحمول للموضوع واستحالة الانفكاك، أما هنا لا يوجد استحالة انفكاك، ولذا نعبر عنه عقلائية، وهذا الذي أنا مراراً ميزت بينهما قلت العقلي لا أنه يثبت المحمول للموضوع فقط بل ويستحيل الانفكاك، أما العقلاء لا يستحيل الانفكاك. ويختلف من نشأة إلى نشأة.

(فمن المشهورات ما يكون السبب في شهرته تعلق المصلحة العامة به) إذن يوجد اجتماع، وإلا إذا لم يكن مجتمع واجتماع فلا مصلحة عامة، أصلاً لا موضوع لذلك، (تعلق المصلحة العامة به وإجماع أرباب الملل عليه قد رآه متقدموهم ومتأخروهم حتى أنها تبقى في الناس غير مستندة إلى أحد لقوتها وضرورتها) الكل يتصور أنها ماذا؟ أمر بديهي ومن الأمور البديهية (وتصير شريعة غير مكتوبة وتجري عليها التربية والتأديب مثل قولهم العدل يجب فعله والكذب لا يجب قوله) طبعاً الأمثلة تختلف، العدل الكبرى والكذب صغرى، لأن الكذب من مصاديق الظلم. ولذا هذا المثال فيه تأمل، لأننا الآن لا نتكلم في قضية المصاديق لأن المصاديق في بعض الأحيان قد يجب والكذب قد يجب قوله، إذن هذا ليس صحيحاً. الإشكال في المثال وإلا كان ينبغي العدل يجب فعله والظلم لا يجوز فعله. هذا مورد.

ومن الموارد الأخرى ما أشرنا إليه بالأمس وهو ما أشار إليه الطوسي في (شرحه للإشارات، ج1، ص221) يقول: (والفرق بينها) يعني هذه المشهورات التي هي محل الكلام (وبين الأوليات) يعني التي هي القضايا الست المعروفة في المنطق الارسطي على الخلاف الموجود فيها (ما ذكره الشيخ من أن العقل الصريح الذي لا يلتفت إلى شيء غير تصور طرفي الحكم إنما يحكم بالأوليات من غير توقف) بمجرد في الأوليات يتصور الموضوع ويتصور المحمول يحكم ثبوت هذا المحمول لهذا الموضوع، (ولا يحكم بها) أي بالمشهورات بهذه الطريقة بمجرد تصور الموضوع وتصور المحمول الاتجاه الاعتزالي ماذا يقول؟ يقول: لا، بمجرد أن يتصور يحكم. ما هو البرهان؟ إدعاء الوجدان، إن شاء الله في وقته ما هو برهانكم؟ يقولون والوجدان خير شاهد على ذلك، هذا الوجدان لازم أعم، لماذا؟ لأنه بسبب أننا نعيش في الاجتماع فصارت هذه وجدانيات، أنت ثبت لي أنك تعيش على الانفراد … ولذا السيد الخوئي وسنقرأ عبارته بعد ذلك يقول أنه لازم القول أن هذه لتدبير المجتمع ولإصلاح النوع يلزم أنه لو كان فرداً لما أدرك وهو خلاف الوجدان، هذا أول الكلام. من أين تثبت أنه لو كان فرداً لأدرك، خلاف الوجدان من أين تقول؟ إلا أن تعيش … لا تعيش المجتمع وبعدها تعيش الانفراد، لا، بل من الأول تعيش الانفراد فإذا أدركت عند ذلك نقول أنه هذه القضية وجدانية. والوجدانيات من الأوليات كما تعلمون.

قال: (ولا يحكم به) أي بالمشهورات (بل يحكم منها بحجج تشتمل على حدود وسطى) إذن هي من الأوليات أو ليست من الأوليات؟ ليست من الأوليات، ثم يشير إلى هذه المشهورات يقول لها أقسام (ومنها كونه مشتملاً على مصلحة شاملة للعموم كقولنا العدل حسن وقد يسمى بعضها بالشرائع غير المكتوبة كما قرأنا في عبارة الشيخ. هذا هو المورد الثاني. المورد الثالث الذي هذا البحث هناك تعرض له بشكل تفصيلي وهو هناك كتاب اسمه (قواعد العقائد) للمحقق الطوسي وهو شرح للإشارات، ويوجد شرح لهذا الكتاب للعلامة الحلي وهو (كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد) في هذا الكتاب في (ص245، الباب الثالث، الفصل الأول) يقول: (الحسن والقبح العقليان، فصل) يقول: (الأفعال تنقسم إلى حسن وقبيح وللحسن والقبح معانٍ) معان ثلاثة أشار لها تفصيلاً وخير من أشار لها سيدنا الأستاذ السيد محمد تقي الحكيم في الأصول العامة البحث هنا بحث جيد. يشير إلى المعنى الأول ثم المعنى الثاني ثم المعنى الثالث يقول: (بل المراد بالحسن في الأفعال ما لا يستحق فاعله بسببه ذماً أو عقاباً وبالقبح ما يستحقهما بسببه وعند أهل السنة) أعزائي هذه أهل السنة اصطلاحاً عندما يطلق يراد بها الأشاعرة والماتريدية، والماتريدية فرع من فروع الأشاعرة، الماتريدية ليست مذهب كالمعتزلة في قبال الأشاعرة، أبو منصور الماتريدي أشعري ولكنه عنده مسائل يختلف فيها مع أبي الحسن الأشعري، بالاتجاه العام هو أشعري، الماتريدية ولعل عددهم أكثر من أتباع أبي الحسن الأشعري. يقول: (وعند أهل السنة) المراد من أهل السنة يعني الاشاعرة بقسميها أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي (ليس شيء من الأفعال عند العقل بحسن ولا قبيح وإنما يكون حسناً او قبيحاً بحكم الشرع فقط) هذه النظرية المنسوبة إلى الاشاعرة (وعند المعتزلة) ما هي نظريتهم في الحسن والقبح (أن بديهة العقل تحكم بحسن بعض الأفعال وقبح بعض الأفعال) في نفسه بغض النظر عن اجتماع ومصلحة، كيف يحكم الكل أعظم من جزءه عندما تقول له الصدق يقول حسن في ذاته، عندما تقول الكذب يقول ماذا … يقول (تحكم بحسن بعض الأفعال كالصدق النافع والعدل وقبح بعضها كالظلم والكذب الضار والشر …) ثم يأتي العلامة الحلي+ يشرح هذه النظرية إلى أن يأتي إلى (ص250) من الكتاب يقول: (وأما الحكماء) الآن اتضح لنا نظرية المعتزلة وهم يساوون بين مدركات العقل النظري ومدركات العقل العملي فهما على حد سواء، كيف يدرك في العقل النظري أن الكل أعظم من الجزء يدرك في العقل العملي أن العدل حسن والظلم قبيح. (وأما الحكماء فقالوا: إن العقل النظري الذي يحكم بالبديهيات ككون الكل أعظم من الجزء لا يحكم بحسن شيء من الأفعال) يعني في نفسها (ولا بقبحه) يعني في نفسها (وإنما يحكم بذلك العقل العملي الذي يدبر مصالح النوع والأشخاص). إذن في ظرف الاجتماع، (ولذلك ربما يحكم بحسن فعل وقبحه بحسب المصلحتين) يعني أنه فعل واحد وهو الكذب نسأل العقل نقول له: حسن أو قبيح؟ أنتم تقولون يقول بأنه في بعض الموارد يكون حسناً كإنجاء المؤمن ويكون قبيحاً إذا لم يكن كذلك. سؤال: وهو أنه إذا كان من قبيل الكل أعظم من الجزء هل يمكن أن يختلف بالاعتبار أو لا يمكن؟ محال، الكل أعظم من الجزء باقٍ، لا يختلف بالمصالح والاعتبارات، بحسب النشئآت لا يختلف.

يقول: (ويسمون ما يقتضيه العقل العملي ولا يكون مذكوراً في شريعة من الشرائع ولهذا بأحكام الشريعة غير المكتوبة ويسمون ما ينطبق عليه …).

هذا المعنى بشكل تفصيلي أشار إليه المحقق الأصفهاني فهو من المدافعين عن الحكماء، في (نهاية الدراية، ج3، ص29 و 30 و31) مؤسسة آل البيت، قال: (وهذا الحكم العقلي) أي حكم؟ العدل حسن، إذن يعتبره ماذا؟ ولكن مرادهم من العقلي ليس العقلي في القضايا الست، لماذا يعبرون عنه عقلي؟ يريدوا أن يقولوا أنه ليس شرعي كما قال الأشاعرة، ليس مرادهم من العقلي في قبال العقلائي، لا، مرادهم العقلي في قبال الشرعي عند الأشاعرة. (وهذا الحكم العقلي من الأحكام العقلية الداخلة في القضايا المشهورة المسطورة في علم الميزان في باب الصناعات الخمس وأمثال هذه القضايا مما تطابقت عليها آراء العقلاء) إذن مرادنا من العقل ليس ما يقابل العقلاء (مما تطابقت عليه آراء العقلاء لعموم مصالحها وحفظ النظام وبقاء النوع بها). إذن هذه القضايا منشأها الاجتماع والمجتمع. (وأما عدم كون قضية حسن العدل وقبح الظلم من القضايا البرهانية) ما هي القضايا البرهانية، يقول لأن القضايا البرهانية إما أوليات وإما حسيات وإما فطريات أو تجريبيات أو حدسيات أو متواترات ثم يذكر ضوابط كل واحد، يقول بالضرورة لا تنطبق عليها واحدة من هذه الضوابط. ولذا يقول: (وكذا ليس من الحسيات وكذا ليس من الفطريات …).

رجائي أن تطالعوا هذا البحث.

الآن تعالوا إلى علمين من الأعلام المعاصرين، استاذين من أساتذتنا: السيد الصدر والسيد الخوئي+.

ماذا يقول السيد الخوئي في المقام؟ السيد الخوئي عباراته واقعاً لعله أربع أو خمس تقريرات التي بحوزتي وهي: الهداية، والدراسات، ومباني الاستنباط للكواكبي … راجعتها وجدت أنه في الجميع يقول شيئاً واحد، يصرح بأنها ليست من العقليات الأولية، ولكن يصرح ويقول جزماً ليست قضية العدل حسن والظلم قبيح ليست من قبيل الكل أعظم من الجزء، يعني ماذا؟ في هذا القدر يتفق مع من؟ مع المعتزلة أو مع الحكماء؟ مع الحكماء.

في (دراسات في علم الأصول) كلما وقع الاختلاف في تقريرات السيد الخوئي من أهم المراجع التي يطمئن لها هو كتاب الدراسات، وهذا ما كان يؤكد عليه بحسب معرفة السيد الشهيد بمباني السيد الخوئي لأنه كان واقفاً عليها كما لعل البعض كان يقول لعله كان مستذكر لها أكثر من السيد الخوئي لمبانيه هو. وأنا أنقل هذه القضية من السيد الهاشمي مباشرة، السيد الهاشمي يقول: أن منهاج الصالحين الجزء الأول طُبع فأرسل إلى السيد الصدر&، وفي اليوم الثاني صباحاً السيد الصدر& أرجع الجزء الأول من منهاج الصالحين وفيه تعليقات على سبع مواضع من المنهاج يكتب فيها سيدنا أن ما أفتيت به لا ينسجم مع مبناك في علم الأصول، يقول: عرضت على السيد الخوئي، قال: نعم، واردة. قال السيد الخوئي: الجزء الثاني، أين؟ قالوا له لم يطبع بعد. قال اعطوه للسيد الصدر يطالعه فإذا كان منسجم مع مبانينا فارسلوه للطباعة.

باعتبار أنه كان واقف على مبانيه، ولهذا كان هو يصر ولا ينقل من أي تقريرات في مجلس الدرس إلا من الدراسات، وفي ذلك الوقت لم تكن الدراسات قد طبعت بل كانت عنده نسخة مخطوطة للسيد علي الشهرودي والد السيد محمد، كانت عنده نسخة مخطوطة ولهذا أنتم إذا تطالعون تقريرات السيد الهاشمي يقول قال في الدراسات، هذه قال في الدراسات أي جزء غير موجود باعتبار أنه عندما كان ينقل لم يكن الكتاب قد طبع.

هناك يقول في (ج3، ص30): (وتفصيل الكلام في ذلك هو أنه اختلفت كلمات القدماء في أن حسن الأشياء وقبحها هل يكونان ذاتيين) مراده من الذاتي يعني الخواص الذاتية للشيء كالحرارة بالنسبة للنار، هل أن الحسن للعدل من قبيل الحرارة للنار فيكون وظيفة العقل الكشف فقط ليس إلا، فتكون القضايا على هذا المبنى، على مبنى المعتزلة إنشائية أو إخبارية، إخبارية، فقط العقل يخبر عن حقيقة من الحقائق كما يخبر أن النار حارة. يقول: (هل يكونان ذاتيين).

وهنا أشير إلى نكتة، في بعض الأحيان القائلين بالاعتبار أيضاً يعبرون أن العدل حسن والظلم قبيح ذاتي، ومرادهم من الذاتي غير هذا الذاتي، إذا صار وقت سأشير له، الذاتي الذي يقوله أصحاب نظرية الاعتبار أو الحكماء غير الذاتي الذي يقوله المعتزلة. الذاتي الذي يقوله المعتزلة يعني من قبيل الحرارة يعني التي هي أمور يستحيل انفكاكها عن الشيء.

يقول: (هل يكونان ذاتيين نظير خواص الأشياء وآثارها المترتبة عليها) هذا رأي المعتزلة (أو أنهما بحكم الشرع ومع قطع النظر عن ذلك ليس في شيء حسن ولا قبح) وهذه نظرية الاشاعرة (أو يكونان بحكم العقل ويختلفان بالوجوه والعناوين) إذن هذه الثالثة ليست النظرية الأولى، لا يصنف السيد الخوئي على نظرية المعتزلة كما في بعض الكلمات مع الأسف الشديد، من أين جاء منشأ الخلط؟ تصوروا أنه عندما قال بحكم العقل إذن مراده النظرية الأولى، لا أبداً ليس مراده النظرية الأولى، لأن هؤلاء أيضاً يقولون كما صرح الأصفهاني، ماذا قال الأصفهاني؟ قال: (وهذا الحكم العقلي) مراده من العقلي يعني في قبال الشرعي، لا العقلي في قبال العقلائي، السيد الخوئي هذا مقصود أو لا؟ لابد من البحث في تراثه لنرى أن مقصوده في قبال العقلاء أو مقصوده في قبال الشرع.

يقول: (والحق من الاحتمالات هو الأخير) إذن يتبنى نظرية المعتزلة أو لا يتبنى؟ لا يتبنى بشكل واضح، لأنه يقول: (وذلك لأن احتمال كون الحسن والقبح ذاتياً وأمراً واقعياً نظير المصالح والمفاسد ينافي ما نراه وجداناً من اختلافهما أي الحسن والقبح باختلاف الوجوه والاعتبارات) لو كان من قبيل القسم الأول فلا يختلف. (إذ الكذب لو كان منجياً يكون متصفاً بالحسن ومع عدمه يكون قبيحاً وإيلام … وأما احتمال أن يكون بحكم الشارع) ثم يبدأ بالمناقشة.

إذن أولاً يناقش نظرية المعتزلة ثم يناقش نظرية الأشاعرة وينتهي في الأخير إلى أنه المراد النظرية الثالثة، هل هي هذه نظرية الحكماء ينتخبها أو أنها شيء آخر، له بحث.

والحمد لله رب العالمين.

  • جديد المرئيات