أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
من باب عبروا ما شئتم، من باب الشيء بالشيء يذكر، نحن انتهينا إلى مسألة قضيتي العدل حسن والظلم قبيح، لأننا أردنا أن نشير إلى مبنى الحكماء في هذه المسألة وهو تصوراً، ا لآن لا نريد أن ندخل في البحث عن الأدلة التي تثبت هذا الاتجاه او ذاك الاتجاه، وأنتم تعلمون بأن هذه المسألة ايضاً داخلة في كثير من المسائل الكلامية والأصولية وغيرها. ولذا لا بأس أن الأعزاء يلتفتوا إلى هذه المسألة ولو إجمالاً. إذا يتذكر الأعزاء قلنا بأنه اساساً توجد هناك اتجاهات متعددة في هاتين القضيتين:
الاتجاه الأول وهو الاتجاه الذي لعله نسب إلى بعض أعلام المعتزلة وانتخبه أيضاً وارتضاه واختاره جملة من الأعلام الأصوليين ومنهم سيدنا الشهيد+ حيث ذهبوا إلى أن الحسن والقبح يثبتان للعدل والظلم لذاتهما، يعني كيف أنه إذا تصورنا اجتماع النقيضين لذاته يترتب عليه الامتناع، كذلك إذا تصورونا العدل لذاته يلزمه الحسن.
وهنا أبين المسألة أوضح من هذا.
هذه قضية أن اجتماع النقيضين ممتنع ثبوت هذا المحمول لهذا الموضوع قضية ثابتة واقعية نفس أمرين سواء كان هناك من يتعقلها أو لا يكون، غير متوقفة على أن جنابك يتعقلها، هذه قضية واقعية ثابتة في لوح الواقع، من قبيل عندما نقول الله موجود، ما معنى الله موجود؟ يعني أن الوجود ثابت، مع وجوب الوجود ما هو؟ أن الوجود ثابت لذاته، سواء كان من يتعقل او لا يتعقل، يوجد من يؤمن أو لا يوجد، هذه قضية ثابتة في لوح الوجود والواقع.
هل أن الحسن بالنسبة إلى العدل أيضاً كذلك، هل أن القبح بالنسبة إلى الظلم أيضاً كذلك؟
الجواب: نعم، بعض المعتزلة ذهبوا إلى ذلك، والسيد الشهيد& أيضاً اختار هذا المعنى في (بحوث السيد الهاشمي، ج4، ص40) قال: (إنها) قضايا الحسن والقبح العقلي (إنها قضايا واقعية دور العقل فيها دور المدرك الكاشف) إذن إنشائيات أو إخباريات؟ إخباريات، واضح، هذا هو الفارق الأول. الثاني أن أولئك قالوا أن هذه لتنظيم الحياة الاجتماعية ما بعد الاجتماع، إدراكات اعتبارية مجعولة ما بعد الاجتماع، السيد الشهيد ماذا يقول؟ يقول: لا، قضايا واقعية، أساساً كان اجتماع أو لم يكن كان إنسان أو لم يكن. ولذا يقول: (دور العقل فيها دور المدرك الكاشف على حد القضايا النظرية الأخرى) في قبال العملية، نظرية يعني على حد اجتماع النقيضين ممتنع، على حد الكل أعظم من الجزء (نظير مقولات الإمكان والامتناع من مدركات العقل النظري، هذه مثل تلك، مع هذا الفارق أن هذه فيها بعد عملي وتلك لا يوجد فيها بعد عملي. إذن واقعاً لو تنظرون إلى هذين الاتجاهين تجد بينهما 180 درجة، أولاً يعتبرها إخبارية وثانياً يعتبرها واقعية، فهل ترتبط بنشأة أو لا ترتبط بنشأة، تتغير بالوجوه والاعتبارات أو لا تتغير؟ أبداً لا تتغير، تبقى حقيقة، كما أن اجتماع النقيضين ممتنع، كما الإنسان ممكن، نضرب مثال للإمكان، هذه قضية متوقفة على أني اتعقلها حتى لو لم اتعقلها الإنسان ممكن في لوح الواقع. هل تتبدل بالوجوه والاعتبارات أو لا تتبدل، يعني مرة الإنسان يصير ممكن ومرة يصير غير ممكن؟ لا أبداً.
هذا معنى إذن عندما يقولون أن وصف الحسن والقبح للعدل والظلم لذاته يعني ماذا؟ يعني أنه بنفسه تصوره يكفي لحمل هذا المحمول عليه، لذاته يعني لحمل هذا المحمول عليه، كما أن جنابك تقول أن الله موجود أو واجب الوجود لذاته، يعني يحتاج إلى وسط وعلة أو لا يحتاج، متوقف على شيء أو غير متوقف؟ ابداً، لذاته هذا هو حكمه. هذا الذي إذا تتذكرون في الدراسات السيد الخوئي أشار له وعبر عنه بتعبير آخر. في (الدراسات، ج3، ص30) قال: (اختلفت كلمات القدماء في أن حسن الأشياء وقبحها هل يكونان ذاتيين نظير خواص الاشياء وآثارها المترتبة عليها) هذا الذي آمن به بعض المعتزلة ليس كلهم، بعض المعتزلة وواضح بينه بشكل واضح السيد الشهيد+.
الاتجاه الثاني نظرية الأشاعرة: التي قالت أساساً لو نظرنا إلى الأشياء في ذاتها لا حسنة ولا قبيحة. نعم، الشارع جاء قال هذه حسنة وقال هذه قبيحة، وإلا لو لم يقل لنا هذه حسنة وهذه قبيحة، لو سألنا سائل ما تقولون عن العدل وما هو فرقه عن الظلم، نقول لا فرق العقل يقول لا فرق، هذا لا حسن ولا قبيح وذاك لا حسن ولا قبيح ايضاً. هذه نظرية الاشاعرة. هذه النظرية المنسوبة إليهم لا أقل.
النظرية الثالثة: أنها بالوجوه والاعتبارات، هذا الذي قرأناه عن السيد الخوئي وهو رأي جملة من أعلام المعتزلة لا يتبادر إلى ذهنك أن هذا الرأي مختص بالسيد الخوئي، لا، رأي جملة لأن المعتزلة لهم آراء متعددة في هذا المجال، رأي جملة من أعلام المعتزلة لعله كالمحقق الطوسي والعلامة الحلي، هؤلاء كلهم التزموا بهذا المبنى.
الاتجاه الرابع: هذا إذا قلنا أنه يختلف، والآن لا اريد أن أكون بصدد التحقيق في هذه المسألة فقط تصورات القضية.
الاتجاه الرابع: أنها من الاعتبارات ما بعد الاجتماع. يعني ماذا؟ يعني أن الإنسان في هذه النشأة التي يريد فيها أن يخرج من النقص إلى الكمال يحتاج إلى الاستخدام والاستخدام يستلزم الاجتماع والمجتمع وعندما يعيش في المجتمع لكي يحقق ما يريد، لا يريد أن يظلم ولا يريد يُظلم فيأتي ويضع قوانين لنفسه وينشأ مجموعة ماذا … من قبيل وإلا تلك أمور واقعية وهذه أمور اعتبارية اعتبار في اعتبار، من قبيل قوانين المرور، قوانين المرور لو افترضنا أن الإنسان يعيش بمفرده يحتاج إلى قوانين المرور؟ أبداً لا يحتاج، متى يحتاج إلى قوانين المرور؟ يحتاج عندما يعيش في مجتمع. هنا عندما يعيش في المجتمع لا يؤخذ حقه ولا يطلب منه أكثر مما يعطي يأتي ويضع مجموعة من الاعتبارات هذه الاعتبارات ناشئة من مصالح ومترتبة عليها مصالح حقيقية. لا يتبادر إلى ذهنكم أنها اعتبارات كاعتبارات المرور تتبدل يومياً، أبداً، اعتبارات ناشئة من مصالح واقعية وتترتب عليها مصالح واقعية.
وبعبارة أوضح مسائل الزواج، الشريعة ليس عندها أحكام الزوج والنكاح، هذه مجموعة الأحكام لابد أن يقول بالعربية وبصيغة الماضي هذه أمور تكوينية أو أمور اعتبارية، من الاعتبارات، ولكن هذه الاعتبارات التي وضعها الشارع جزافية أو ناشئة من مصالح؟ ناشئة من مصالح لإدارة المجتمع، تترتب عليها كمالات أو لا تترتب؟ نعم، إذا لم يقم بهذه الاعتبارات يقع في عمل حرام فتترتب عليها أمور تكوينية، ما هو المائز بين هذه الاعتبارات وبين باقي الاعتبارات:
أولاً: اعتبارات تطابق عليها العقلاء، الجميع يختلف في هاتين القضيتين أو لا يختلف؟ أبداً، لا يوجد أحد يقول أن العدل قبيح والظلم حسن، لا يوجد، نعم قد أنا أختلف معك في بعض المصاديق وبعض الصغريات وبعض التطبيقات، ذاك بحث آخر. الجميع متفق على أن الأب لابد أن يُكرم ويحترم أو أن يهان؟ لا يوجد عاقل يقول الأب يهان، ولكن ما هي مصاديقه، عندما أقوم له هذا إكرام أو ليس من مصاديقه، هذا بحث آخر في التطبيقات.
هذه القضايا صرح الحكماء أنها مجعولات للعقلاء بما هم عقلاء، مجعولات للعقلاء يعني ماذا، إخباريات أو إنشائيات؟ عندما نقول مجعولة للعقلاء يعني إخبار أو إنشاء؟ من الواضح أنها إنشايات، هذا أولاً. وثانياً: أنها إنما جعلت لأجل هذه النشأة وما بعد الاجتماع، لا أنها جعلت لأجل هذه النشأة سواء كان الإنسان ما قبل الاجتماع أو كان الإنسان ما بعد الاجتماع.
الأخوة الذين يريدوا المراجعة السيد الشهيد أشار إليه في (تقريرات السيد الهاشمي، ص45) قال: (المسلك الثاني) المسلك الأول هو المسلك الذي اختاره وقد أشرنا له (المسلك الثاني والذي يدعي أصحابه بأن الحسن والقبح من القضايا المشهورة الداخلة في صناعة الجدل) واقعاً داخلة في صناعة الجدل أو لا، تتذكرون أن المحقق الأصفهاني قال أنها داخلة في الجدل أو ليست داخلة؟ الأعزاء يتذكرون قال القضايا البرهانية هي ست، فأنها إما أوليات أو حسيات أو تجريبيات أو متواترات أو حدسيات ونحو ذلك، إذن ليست داخلة في هذه الست، إذن تدخل في القضايا لا البرهانية وإنما قضايا برهانية. هنا يفترض السيد الشهيد وهناك فرضيتان لتفسير هذا المسلك. يقول: فرضية يعتقد أنها إنشائية والفرضية أنها تصديقات جازمة، أنا لا أعلم كيف وقع التقابل، الأول … يقول (الفرضية الأولى يرجع إلى دعوى أن الحسن والقبح قضية إنشائية من قبل العقلاء لا خبرية فهي على حد سائر المجعولات العقلائية، غاية الأمر قد تطابق العقلاء عليها باعتبار إدراكهم للمصالح والمفاسد من وراءها) يعني ناشئة من مصالح ومفاسد، ولكن أي مصالح ومفاسد؟ مصالح ومفاسد مرتبطة بتنظيم الحياة الاجتماعية، ثم يقول هناك فرضية ثانية وهي التي تكون قضايا مشهورة بمعنى أنها تصديقات جازمة، ما المقصود من جازمة؟ يعني خبرية مثلاً، المهم العبارة هنا غير واضحة. تصديقات جازمة، الأول أيضاً يقول تصديقات جازمة، بقرينة المقابلة، كأنه يريد أن يقول يوجد هناك تفسيران لنظرية الحكماء البعض يقول خبرية والبعض يقول إنشائية ونحن لم نجد من الحكماء من يقول أنها قضايا خبرية، لأنها إذا كانت مجعولات عقلائية لا معنى لأن تكون خبرية. المهم هذا مناقشة لما ورد من السيد الشهيد في تفسير نظرية الحكماء في محله.
هذا الكلام ينقله عن السيد الخوئي يقول: (ما يتراءى من كلمات السيد الأستاذ في شرح هذا المسلك) مسلك الحكماء الذي قرأناه (وهو يرجع إلى دعوى أنها قضايا إنشائية من قبل العقلاء فهي على حد سائر المجعولات العقلائية) أنا قلت للأخوة ابحثوا لنا في كلمات السيد الخوئي وانظروا السيد الخوئي أين ذكر هذا، إذا الأخوة وجدوا مورد ذكره السيد الخوئي فهذا جيد، وإن لم يجدوا فأنا وجدت فقط هذا العبارة في (مباني الاستنباط، ص43-44) للسيد أبي القاسم الكواكبي الذي طبع منه جزء واحد لا دورة كاملة، البحث هناك حول حجية القطع، يقول: (لا إشكال ولا شبهة أن الجميع يرى ضرورة متابعة العلم والقطع) وهي الحجية (لا إشكال في حجية القطع وإنما الإشكال في أن لزوم متابعة القطع من أين نشأت) يقول مسألة وجوب متابعة القطع لا يوجد فيها خلاف، واقعاً لا يوجد فيها خلاف، أصلاً إذا لم يجب متابعة القطع يستقر حجر أو لا يستقر؟ لأنه نحن ماذا يوجد عندنا؟ أقصى ما نصل إليه من أي علم ومن أي طريق كان هو القطع، فإذا لم يجب متابعة القطع فماذا يبقى عندنا؟ إذن مسألة متابعة القطع مما لا ريب فيها. إنما الكلام أن هذه المتابعة من أين جاءت؟ اليوم أريد أن أربط البحث بما هو موجود الآن في العالم:
لا إشكال ولا شبهة أن أي حكومة تأتي لتحكم الناس لها حاكمية وسلطة على الناس، وإلا إذا لم تكن لها حاكمة فلا تستطيع أن تحكم الناس. حاكمية يعني ماذا؟ يعني تعقد القرارات وتسجن، تعدم، تأخذ الضرائب، تعاقب من يخالف القوانين إلى غير ذلك من شؤون السلطة والحاكمية. السؤال المطروح الذي شغل البشرية من يومها إلى يومنا هذا، أن هذه الحاكمية من يمنحها للحكّام، من الذي يعطي هذا الحق للحكام أن يحكموا الناس. يعني مشروعية الحاكمية من أين تأتي؟
الجواب: الدولة المدنية تقول مشروعية الحاكمية تأتي من الناس، الدولة الدينية تقول: الله هو الولي له الولاية فهذه الولاية بإمكانه أن يمنحها لمن شاء. أصحاب نظرية حاكمية الشعوب التفاوا على النظرية الدينية إن صح التعبير، قالوا نحن أيضاً نعتقد بأن الولاية لله ولكن الله ما أعطى مشروعية الحاكمية لحاكم ولشخص وإنما أعطاها للناس والناس يعطوها لمن يشاءون، إذن لا تتنافى نظريتنا مع نظرية الدولة الدينية، حتى في الدولة الدينية من يعطي الحاكمية للحاكم، مشروعية الحكم والسلطة للحاكم، ليس مباشرة الله أعطاها، نظرية ولاية الفقيه ماذا تقول؟ تقول مباشرة أعطيت، ولذا هؤلاء، أنا أعبر عنها نظرية السيد الإمام حاولت أن تعطي للدولة الدينية صبغة مدنية، ولهذا جاءت الانتخابات، هي في واقعها ماذا؟ ولكنه تريد أن تعطيها طابع مدني، في دول أخرى فعلوا العكس الحاكمية مدنية ولكن مجتمعهم مجتمع مسلم فصبغوه بصبغة ماذا … لذا أنا أقسم الدول على أربعة أقسام: دولة دينية محضة، دولة مدنية محضة، دولة دينية ذا طابع مدنية، ودولة مدنية ذا طابع ديني. لا أريد أن اسمي صبغة ولكنه طابع.
وهناك فروق أساسية بين هذه الأربعة في الدولة المدنية الحقوق والواجبات قائمة على اساس المواطنة، أنت لك حق كذا وعليك مسؤولية كذا على أي اساس له الحق ولك المسؤولية؟ ماذا تخرج؟ مستمسك تقول أنا مواطن، طبعاً فقط عندنا في العراق لا تكفي الجنسية بل لابد من شهادة الجنسية وغيرها، ولا تكفي شهادة الجنسية فقط بل لابد أن تكون (4أ) حتى تكون مواطن من الدرجة الأولى وإلا إذا كانت (4ب) ماذا تكون؟!
إذن أنت إذا ثبت أنك مواطن فلك حق الانتخاب ولك حق المعارضة ولك حق الجنسية والتموينية، وهكذا عليك المسؤوليات.
الدولة الدينية الحقوق والواجبات فيها قائمة على أي أساس؟ الجواب على أساس ديني، على اساس أيديولوجي، يعني مسلم إذا قتل غير المسلم، وغير المسلم إذا قتل المسلم، في الدولة المدنية لها مجموعة من الأحكام في الدولة الدينية ماذا؟ ولهذا يبدأ التناقض بين الحقوق والواجبات في الدولة الدينية مع الحقوق والواجبات في الدولة المدنية، لأن هذه الحقوق والواجبات قائمة على اساس وتلك قائمة على أساس. ولذا أنتم تجدون الآن في المجتمعات المعاصرة الدول التي تريد أن تقول أن مرجعياتها دينية، يعني الدولة دولة دينية تحاول بطرائق الحيل أو بمختلف الطرائق أن تعطيها طابع مدني وفي جملة من الأحيان توفق وفي جملة من الأحيان لا توفق. وإلا بينك وبين الله في المجتمع الديني القائم على اساس الدولة الدينية الحقوق والواجبات هذا مسلم مواطن من الدرجة الأولى إذا ذمي؟ هل هو مواطن من الدرجة الأولى؟ لابد أن يدفع عن يد وهم صاغرون، لا ضرائب، هذا يمكن تطبيقه في زماننا أو لا يمكن؟ هل تستطيع؟ نعم، في مجتمعاتهم يطبقون على المسلمين الجزية، ولكن في المجتمعات الإسلامية هل هناك من يجرأ أن تطبق هذا على الذمي، إذا قتلك المسلم يدفع الدية أما إذا قتلت مسلم فقصاص، هل يجرأ أحد على هذا، هذا يكشف لك على أن هذا التناقض القائم، واطمأنوا أن هذا التناقض بحسب فهمي غير قابل للحل إلى أن يأتي صاحبه، عندما يأتي صاحبها ينشأ دولة عظمى ذاك الوقت يطبق الدولة الدينية ومن يجرأ على المخالفة.
هذه قضية الشعوب واقعاً قضية، وأنتم تجدون الآن بدأت الشعوب تغير لا الأنظمة فقط بل تغير الموازين في العالم، ما هو دورها، النظرية الإسلامية ماذا تقول في دور الشعوب، لها أصلاً نظرية أو ليس لها؟ من عنده حس في هذا المجال فليذهب ويبحث فهو بحث قيم، أساساً النصوص والآيات والروايات أفعال النبي سيرة الأئمة أي دور كان يعطي للأئمة، حدود هذا الدور أين، الدولة المدنية واضحة تقول لأنه كل شيء بيد الشعوب، ولذا عندما يطالب مجموعة ولو كانت قليلة يطالبون بالزواج المثلي يشرعون لهم قوانين الزواج المثلي، وعندما يخرجوا في مظاهرة الدولة مسؤولية عن حمايتهم، لماذا؟ لأنها قائمة على اساس أن المشروعية إنما تُعطى من قبل الشعوب. دور الشعوب في النظرية الدينية ما هو؟
نرجع إلى بحثنا:
لا إشكال أن الجميع يقول أن القطع حجة، يعني يجب اتباعه، إنما الكلام كل الكلام، هذا من قبيل لا إشكال أن الجميع يقول جمهورية ورأيي الشعوب، أنتم الآن في الدولة الدينية ماذا يسمونها الدولة الدينية أو الجمهورية الإسلامية، جمهورية يعني ماذا؟ يعني شعب، لا يقول الدولة الإسلامية في إيران، يقولون الجمهورية الإسلامية أو جمهورية إيران الإسلامية، فضلاً عن باقي … وهذه دولة دينية ومن أوضح مصاديق الدولة الدينية، فما بالك بالدول التي تقوم على أساس مدني محض، إذن الجميع يقول الشعوب، ولكن أي قدر تعطي دور للشعوب، ما هي حدود ذلك، يعني أن الشعوب إذا خرجت وقالت لا نريد الدولة الدينية، من حقها أو المسؤول والقائم على الأمور يضربهم على رؤوسهم أي منهم؟ له حق أن يقول أريد ولا اريد ضمن الإطار العام للدولة الدينية أو من حقه أن هذا الإطار أن يقول فيه نعم أو لا، أي منهما؟ أمير المؤمنين× عملاً رسوله الله’ عينه أمام مئة ألف يزيدون أو يقلون في غدير خم، قال: من كان الله ورسوله – بعض النصوص الصريحة- مولاه فهذا علي مولاه. هذه من اوضح الصيغ في إثبات الإمامة لأمير المؤمنين، إذن التعيين الإلهي جاء أو لم يأتِ؟ جاء وبأوسع دائرة له، ولكنه بعد ذلك جاء إلى الأمة أخذ الزهراء في الليل تكلم مع المهاجرين ومع الأنصار ألستم قلتم لي بالأمس بخ بخ لك، بتعبيرنا العراقيين قالوا له توكل على الله، لا ربط لنا بك، أعطيناها لغيرك، ماذا فعل أمير المؤمنين؟ أخذ السيف وقال أقاتلكم حتى تقبلوا بولايتي أو سكت عنهم. نعم، قال لهم هذا حقي، غصبتموه، فعلتم كذا، ما كان يأتي في ذهني أنكم منحوه عني، أصلاً لم يكن يأتي في ذهني هذا، ولكن نحوه، فصبر لها 25 سنة صار فلاحاً في خارج المدينة، أبيار علي تبعد ستة أو سبعة كيلو متر خلف مسجد الشجرة، صار فلاحاً، إلى أن ماذا؟ حتى وطئ الحسنان، اجتمعوا عليه فقال الآن أقوم بواجبي، هذه هي النظرية؟ يعني لابد أن ننتظر إلى أن يأتوا لنا أو نحن نشكل الأحزاب والمؤسسات حتى نستلم السلطة بأيدينا، ما هي النظرية؟ هذا بحث قيم حاولوا في رسائل الماجستير الدكتوراه التي تكتبوها اخرجوا عن احكام الحد والقذف في الإسلام.
نرجع إلى البحث: لا إشكال في وجوب متابعة القطع ولكنه على أي أساس تجب المتابعة؟ يقول: (وإنما الإشكال في أن حجيته هذه هل هي أمر جعلي ثابتة له بالجعل) هذه نظرية الاعتبار التي عبر عنها السيد الطباطبائي قال باعتبار هذه من الأمور الاعتبارية ما قبل الاجتماع، اعتبار ما قبل الاجتماع، السيد الخوئي يعبر عنها أمر جعلي، ثابتة له بالجعل أو أنها أمر تكويني لازم ذاتي للقطع هذا الذي عليه أصولنا المعاصرة أن الحجية لازم ذاتي، حتى الشارع يستطيع أن يقول أن القطع ليس بحجة أو لا يستطيع؟ لا يستطيع، لماذا؟ لأنه أمر تكويني والأمور التكويني ليس للشارع أن يتلاعب بها. نعم، بما هو مكون يستطيع أن يبدل الموضوع، يعني أنت قاطع يجعلك غير قاطع، أما قاطع وليست حجة هذا غير ممكن، هذا من قبيل أنه أربعة وليس زوج، هذا ممكن أو غير ممكن، انظروا إلى كلماتهم في هذا المجال.
قال: (أم أنها أمر تكويني، وعلى الأول) يعني إذا فرضنا أنها جعلية (وعلى الأول فهل هي مجعولة من ناحية العقلاء) الجواب: كلا، نظرية الحكماء قالوا مجعولة من قبل الفرد لا من قبل … لأنه من اعتبارات ما قبل الاجتماع لا من اعتبارات ما بعد الاجتماع، هل هي مجعولة من ناحية العقلاء والشارع أمضاهم على ذلك، إذا صارت هكذا ما هي– هذا محل الشاهد الذي قلت أن السيد الشهيد هذه العبارة مقصوده – يقول: (لتكون من القضايا المشهورة باصطلاح المنطقيين وهي القضايا التي بنوا عليها العقلاء حفظاً للنظام ومرجعها إلى حسن العدل وقبح الظلم). إذن لماذا أنه العقلاء قالوا القطع حجة، لأنه عدل والعدل حسن. ولماذا لم يقبلوا بأن القطع ليس بحجة لأنه ظلم والظلم قبيح، ولذا يقال: (قد يقال بالوجه الاول بدعوى أن حجية القطع ثابتة له ببناء العقلاء حيث أنهم بنوا على لزوم متابعة القطع حفظاً للنظام فأن في متابعة القطع والعمل على طبقه انحفاظ النظام كما أن في مخالفته اختلاف ذلك فمتابعة القطع من جهة انحفاظ النظام فيها عدل وهو حسن بحكم العقلاء وبناءهم. والثاني يكون ظلم وهو قبيح ببنائهم).
هذه العبارة تقريباً واضحة أنه يجعل حسن العدل وقبح الظلم من مجعولات العقلاء، ما معنى أنه من مجعولات العقلاء، يعني أمور إنشائية لأجل حفظ النظام ولأجل المصالح والمفاسد. لذا الأعزاء إن شاء يراجعوا هذا المعنى في محله.
عندنا بحث آخر ولو إجمالاً حتى لعلنا نوفق وندخل في بحث الوضع. وهو أنه أشكل مجموعة من الإشكالات القائلون بالاتجاه الأول على نظرية الحكماء، القائلون بأنها ذاتية قالوا لو كانت من المشهورات لا تستطيعوا أن تجيبوا على النقوض التالية:
النقض الأول: أيضاً ينسبه إلى السيد الخوئي، يقول: (وقد حاول السيد الأستاذ النقض على هذه الدعوى) أي دعوى؟ أنها من المشهورات المجعولة للعقلاء، (بأنها لو كانت قضايا مجعولة من قبل العقلاء) يعني العدل حسن والظلم قبيح مجعولة من قبل العقلاء (فما شأن العاقل الأول قبل وجود العقلاء وتشريعاتهم فإنه ينبغي أن يقال بعدم قبح الظلم وحسن العدل في حقه) والتالي باطل أو لا؟ يقول: (والتالي باطل لأنه العدل حسن في حق العاقل) بأي برهان؟ يقول: (لأنه خلاف الوجدان) هذا أي وجدان، كيف استطعت أن تعرف وجدان العاقل الأول، أنت تعيش وجدان مع قبل الاجتماع أو وجدان ما بعد الاجتماع؟
نعم، إذا كنت عشت وجدان ما قبل الاجتماع أقول هذا الوجدان … طبعاً ذاك الوجدان لا يثبت الذاتية، لأن الأمور الوجدانية ليس بالضرورة أنها تكون ذاتيات، الإنسان إذا جاع يعيش وجداناً الجوع، هذا يعني ذاتي، يعني أن الإنسان في أي عالم عاش يجوع؟ أبداً، لعله الإنسان موجود في عالم آخر وهو لا يجوع.
الكلام بأي طريق عرفت أن هذا خلاف الوجدان؟ نعم، لرسوخ هذه القضية في ذهنك تتصور أنه لا يمكن العاقل الأول، وهو نابع لرسوخ هذه القضية وليس نابع من الوجدان، أساسا يكون في علمكم نحن ليس عندنا عاقل أول أصلاً، لأنه أول ما خلق الإنسان خلق فرداً أو خلق مع الاجتماع؟ خلق في أسرة، وأسرة فيها قواعد، اساساً نحن ليس عندنا أنه خلق فرداً حتى نعرف هذا، هذا الإشكال واضح وهو مصادرة على المطلوب واضح وهو أنه خلاف الوجدان.
الإشكال الثاني ينقله السيد الشهيد في (ص47) يقول لو كانت هذه القضية عقلائية ومجعولة من العقلاء ينبغي أنه إذا نبهت العقلاء عليها أن يرفعوا اليد عنها، أنت إذا تصورت قضية أنها من باب الضروريات فنبهوك وقالوا أن هذه ليست ضرورية وإنما من المجعولات ينبغي ان ترفع اليد عنها لأنك تنبهت لها، يقول والتالي باطل، نجد أننا لا نرفع اليد، سيدنا من قال لم نرفع اليد، كل الحكماء رفعوا اليد عنها، الحكماء يقولون أنها ذاتية أو أنها مجعولة، التفتوا إلى هذه النكتة. وإلا بماذا تفسر هذا هؤلاء الحكماء يفهمون أو لا يفهمون، فهموا أنها قضايا ذاتية أو غير ذاتية؟ يقول بأنه لو فرض القطع أو احتمال منشأ مسائل الحسن والقبح التلقين أو التربية لزم من ذلك زوال التصديق عندنا بمجرد الالتفات إلى ذلك، والجواب: نعم، ولذا زال تصديقنا أنها من القضايا الأولية. نعم، إذا قلت أنه يزول التصديق بأنها قضايا صحيحة، لا يلزم ذلك، لا ملازمة، هذا لازم أعم. هذا الإشكال الثاني.
الإشكال الثالث الذي يشكله، هذه نقوض في الهواء بتعبيرنا مع أنه خلاف الوجدان، أيضاً دليلهم خلاف الوجدان، أنت وجدانك هكذا، ووجدان الحكماء ليس هكذا، وخلاف تصريحهم واعترافهم بكونها قضايا جزمية، يقول لو كان دعوى الحكماء صحيحة لما كانت قضايا جزمية، والتالي باطل لأنها قضايا جزمية، إذن دعوى الحكماء ماذا … أنا لا أعلم كيف فهم كلام الحكماء السيد الشهيد حتى يقول بأنه لو كانت دعوى الحكماء صحيحة لما كانت قضايا جزمية، القائل بنظرية الاعتبار لا يقول قضية جزمية؟
نعم، أي نحو من أنحاء الجزم، الحكماء قالوا أنها جزميات ولكن جزميات مجعولة من قبلنا، كما أنه أنت جنابك في الأسس المنطقية نتائج الاستقراء ماذا تقول؟ جزمي أو ليس بجزمي مع أنه ليس ببرهاني. إذن ليس بالضرورة إذا صار جزمياً بالضرورة لابد أن يكون برهانياً لا ملازمة بينهما. إذن دعوى أنها جزمية إذا القضايا ذاتية لا ملازمة، بل هي قضايا جزمية لترسخها في ذهن الإنسان الاجتماعي ومع ذلك فهي ليست جزمية بجزمية اجتماع النقيضين ممتنع.
أعزائي هذا تمام الكلام في هذا، إن شاء الله تعالى من الغد سوف ندخل واحدة من أهم أركان الاعتباريات ما بعد الاجتماع وهو مسألة الوضع واللغة، لأنه الوضع واللغة لا كلام بينهم أنها من القضايا الاعتبارية إلا على مباني من يعتقد أن العلاقة بين الألفاظ والمعاني علاقة ذاتية، ذاك يخرج منها، ولكنه على المباني المشهورة والآراء والنظريات العلاقة بين الألفاظ والمعاني علاقة وضعية اعتبارية، هذا الاعتبار اعتبار ما قبل الاجتماع أو من اعتبار ما بعد الاجتماع؟ الجواب: أنها من اعتبار ما بعد الاجتماع. وسندخل إن شاء الله في بحث الوضع.
والحمد لله رب العالمين