الأخبار

المحاضرة (48)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

انتهينا بحمد الله تعالى من بحث الحسن والقبح بالقدر الذي يوضح لنا نظرية الحكماء من جهة ويوضح لنا نظرية المعتزلة ومن تبعهم من أعلام الإمامية من جهة أخرى. قلنا بأنه الاتجاهات المعروفة: الاتجاه الأول هو الاتجاه الذي يعتقد أن حمل الحسن والقبح على العدل والظلم على مستوى وعلى حد حمل الامتناع والوجوب والإمكان على اجتماع النقيضين أو على الله واجب أو الإنسان ممكن، كيف أنه هناك هذه القضايا ذاتية، والمراد من الذاتي ليس ذاتي باب الكليات بل ذاتي باب البرهان، يعني الله لذاته واجب. الممكن لذاته ممكن. اجتماع النقيضين لذاته ممتنع ومحال، ومعنى لذاته يعني لا يحتاج إلى حيثية تعليلية ولا إلى حيثية تقييدية. لا يحتاج لا إلى علة لكي يجعله كذلك ولا يحتاج إلى أن ينضم إليه شيء لكي يكون كذلك. بذاته، في الواقع ونفس الأمر هذا الإمكان ثابت، هذا الوجوب ثابت، هذا الامتناع ثابت علمت به أم لم تعلم، أصبته أم لم تصبه، قبله أو رفضته. لا يؤثر، لا يؤثر على الواقع شيئاً.

هذه النكتة الأخيرة التي بودي أن أشير لها، وهي أن الحكماء أيضاً الذين قالوا أن قضيتي العدل حسن والظلم قبيح وبيناّ معنى نظرية الحكماء أنها من المجعولات أو من الاعتباريات ما بعد الاجتماع أيضاً في جملة من الأحيان يقولون العدل حسن لذاته، والظلم قبيح لذاته، يعني هذا التعبير لذاته كما يرد على لسان القائلين بالاتجاه الأول يرد على لسان القائلين باتجاه أنها من الإنشائيات المجعولة ما بعد الاجتماع، المصطلح عليه أنها من المشهورات، هنا أيضاً لذاته بذاك المعنى أو بمعنى آخر؟ هذه النكتة التي أريد أشير لها، وهو أن هؤلاء يقولون أنه هنا نحن عندما نقول لذاته ليس مراده لذاته الذي يقوله أصحاب الاتجاه الأول، وإنما مرادنا لذاته كما قال المحقق الأصفهاني في (نهاية الدراية، ج3، ص31) طبعة مؤسسة آل البيت، قال: (بل المراد بذاتية الحسن والقبح) بناء على نظرية الحكماء (أن العدل بعنوانه والظلم بعنوانه حسن أو قبيح). ما معنى بعنوان، يعني من غير أن يدخل تحت عنوان آخر، العدل حسن، لماذا؟ ليس فيه لماذا لأنه بنفسه حسن. أما الصدق حسن لماذا الصدق حسن؟ لأنه عدل، إذن الصدق حسن ليس لذاته وعنوانه بل لكونه مصداقاً للعدل، ومن هنا تجدون أنه إذا لم يكن الصدق داخلاً في العدل يكون حسناً أو يكون قبيحاً؟ فلو فرضنا أن الصدق يلزم منه هلاك المؤمن عدل أو ليس بعدل؟ ليس بعدل، إذن لا يكون حسناً. إذن هؤلاء أيضاً يقولون بأن العدل حسن والظلم قبيح لذاته يعني بالوجوه والاعتبارات؟ أبداً أبداً، بخلافه مصاديق العدل ومصاديق الظلم، يقول: (بخلاف سائر العناوين فإنها ربما تكون مع حفظها) يعني مع حفظ عنوانها (معروضاً لما غير يترتب عليه) يعني صدق مع أنه صدق ولكن يدخل تحت العدل أو تحت الظلم، مع أنه ظلم ولكنه يدخل تحت القبح أو تحت العدل؟ وهذا المعنى هو الذي أشار إليه السيد الخوئي& في (الدراسات) أنا لا أعلم في النتيجة السيد الخوئي صار مبناه مبنى الحكماء أو المبنى الاعتزالي (ولا يخفى أن حكم العقل بحسن شيء أو قبحه إنما يكون بانطباق عنوان العدل والظلم عليه فما يكون حسناً بحكم العقل أولاً ومن دون حاجة إلى أن يدخل تحت عنوان آخر هو العدل وما يكون قبيحاً كذلك) يعني من غير الدخول تحت عنوان آخر هو الظلم (والأول هو الحسن ذاتاً كما أن الثاني هو القبيح ذاتا) هذه نظرية الحكماء، هذه نظرية السيد الخوئي أو لا؟ قلت في الأبحاث السابقة واقعاً عبارات السيد الخوئي تقريباً مرة تختلف تقترب منها … مرة يقول أنها بالاضطرار أنها ذاتية والقضية غير واضحة في هذا الصدد، وإلا هذه العبارات عبارات أستاذه الشيخ الأصفهاني لبيان نظرية الحكماء، هذا تمام الكلام فيما كنا نريد أن نقول قبل الدخول في مبحث الوضع.

من الآن ندخل في بحث الوضع.

بحث الوضع – أولاً لنعتب- بحث الوضع من الأبحاث التي تعد من الدرجة الثانية في علم الأصول، يعني يعتني بها الطالب والدارس والمحقق أو لا يعتني بها؟ بل بعض المحققين عندما كتبوا في علم الأصول أنتم ادخلوا لهم تجدون كتبهم لم تبحث بحث الوضع وتركته، ولكنها لا تترك بحث حجية خبر الواحد أو حجية الظواهر أو بحث الاستصحاب أو بحث البراءة، لماذا؟ لأنهم يعتقدون أن تلك بحوث من الدرجة الأولى وهذه بحوث من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة. ولكن واقع الأمر، هذا البحث بحث الوضع يعد من أهم وأخطر وأعمق المباحث التي بحثت في علم الأصول، سأبين لماذا أدعي هذه الدعوة الكبيرة، والواقع ما لم يقف الإنسان على ثغور وحدود وحقيقة هذا البحث سيبقى مقلداً في كثير من الأبحاث، لذا ارجوا الله سبحانه وتعالى أن الأعزاء يتحملوا معنا هذا البحث إذا أردنا أن نتعمق فيه ولا نتجاوزه بسرعة، وستتضح الآثار بالقدر الذي تسمح به هذه …

هنا أريد أن أشير في المقدمة تحت عنوان أهمية بحث الوضع في المباحث الأصولية، طبعاً كما أشرت في بحث الفقه أنه أساساً أن هذا البحث ليس مرتبطاً ببحث الفقه ماذا؟ له آثار في الفقه الأصغر وإنما له آثار عظيمة في الفقه الأكبر، يعني أن هذا البحث من الأبحاث والعناصر المشتركة بين الفقه الأصغر والفقه الأكبر، من قبيل بحث حجية الظواهر بحث حجية الظواهر وإن كان علمائنا بحثوه في علم الأصول بعنوان أنه للاستنباط الفقهي ولكن حجية الظواهر … والشاهد على ما أقول أنهم دخلوا وبحثوا حجية ظواهر القرآن، والقرآن يشمل الأحكام الفقهية وغير الفقهية، وحجية الظواهر هناك ليس مرادهم المنجزية والمعذرية بل مرادهم الكاشفية، أنا أشرت إلى هذا البحث في أبحاث الظواهر يعني في (كتاب الظن، ج2) من مباحث الدورة السابقة. وإن شاء الله تعالى بحث خبر الواحد أيضاً كذلك، خبر الواحد ليس من المباحث المرتبطة فقط بالاستدلال الفقهي، لأنه الآن كثير من علماء المسلمين يعتقدون أن خبر الواحد، وعندما أقول خبر الواحد يعني ما يقابل المتواتر لا ما يقابل الاثنين، اصطلاحي خبر الواحد يعني خبر الآحاد في قبال الخبر المتواتر ما لم يكن متواتراً فهو خبر آحاد.

جملة من أعلام المسلمين وكبار أعلام المسلمين شيعة وسنة يعتقدون أن أخبار الآحاد يعني غير المتواترة حجة في المسائل العقدية، وهذه الدعوة المكتوبة بأنه أساساً خبر الواحد ليس بحجة، واقعاً … لا اريد أن أدعي كذا ولكنه يحتاج إلى تفصيل، أي مسائل عقدية لا ينفع فيها خبر الواحد؟ مطلق الوسائل أو فيه تفصيل؟ لا إشكال الجميع يتفق أنه فيه تفصيل.

بحث الوضع من هذه الأبحاث من الأبحاث المشتركة من العناصر المشتركة بين الفقه الأكبر والفقه الأصغر. ولكي تتضح هذه الحقيقة أنا أشير إلى بعض الأمور:

الأول: لا إشكال ولا شبهة نحن نعتقد بحق أن هذا الكتاب الإلهي هو – أخاف استعمل هذا ولكني مضطر أن استعمله – أن هذا الكتاب الإلهي هو الحق تعالى في وجوده اللفظي، نحن عندما وجود خارجي للحق تعالى وعندنا وجود لفظي للحق تعالى، يعني الله لو أراد أن يترجم وجوده الخارجي في كتاب يخرج أي كتاب عندنا؟ القرآن. وهذه نصوص واضحة عن أئمة أهل البيت قالت تجلى الله، الله … إذا أردت أن أتكلم بلغة العرفاء الله يعني الاسم الأعظم يعني كل الكمالات، بناء على كلمات المتكلمين والفلاسفة الله ليس الاسم الأعظم بل علم للذات المقدسة، لا تجلى الرحمن، لا تجلى الرحيم، الخالق، الرازق، ولذا تجدون القرآن يقول: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوه فله الأسماء الحسنى) يعني الله له الأسماء الحسنى والرحمن أيضاً له الأسماء الحسنى، هذا ما معنى أن الله يكون له الأسماء الحسنى، يعني أي اسم من الاسماء الحسنى الإلهية هي مظهر لله سبحانه وتعالى.

هذه الرواية واردة عن أمير المؤمنين× وواردة عن الإمام الصادق×: تجلى الله لخلقه في كتابه ولكن لا يبصر. عجيب هذا المعنى، يعني أنت إذا أردت أن تعرف الله فما هو طريقك لمعرفة الله؟ ما هو الطريق؟ هو القرآن. وهذا أفضل وأحسن وأعمق وأوسع وأشمل … للوصول إلى الله ولمعرفة الله. لأن الطرق إلى الله سبحانه وتعالى متعددة، القرآن طريق إلى الله، الإمام طريق إلى معرفة الله، من عرفكم فقد عرف الله. النفس طريق لمعرفة الله من عرف نفسه فقد عرف ربه وأعرفكم بأنفسكم أعرفكم بربكم. الآفاق طريق لمعرفة الله (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم). هذا البحث تفصيلاً إذا أرادوا أن يرجعوا له في كتاب (معرفة الله، ج2) التي عبرت عنها طرق معرفة الله، كيف نصل إلى الله سبحانه وتعالى.

سؤال: هذا القرآن الذي بأيدينا مكتوب بأي لغة؟ باللغة العربية كما قال تعالى: (إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون). لا لعلكم تحسون، هؤلاء الذين يناقشون البحث العقلي، لا لعلكم تتخيلون، لا لعلكم تتوهمون، بل لعلكم تتعقلون، إذا عندما نقول لكم القواعد العقلية لا تنفر كنفرتك من الأجرب، هذا صريح القرآن الكريم يقول نحن أنزلناه لكم لأجل التعقل، الآن أنا لا أريد أن أقول هذا التعقل اليوناني الفلسفية، لا لأجل التفكر عبر عنه ما تشاء (إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون وأنه) وضمير أنه يعود على القرآن (وأنه في أم الكتاب) هذا الوصف الأول، إذن هذا القرآن كما له وجود لفظي عربي له وجود أين؟ له وجود أين؟ في أم الكتاب، هذا العنوان أو الوصف الأول. الوصف الثاني (لدينا) يعني هذا الكتاب غير مرتبط بعالمكم بل مرتبط بعالم (لدينا). ما الفرق؟ الفرق واضح، القرآن الكريم يقول (ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ) إذن محكوم بحكم النفاد أو بحكم البقاء؟ ذاك الكتاب هناك محكوم بحكم البقاء (وأنه في أم الكتاب لدينا لعلي) عالٍ عن ماذا؟ أنت حر أن تبحث ولكنا نعتقد أنه عالٍ عن الألفاظ والمفاهيم، لأن ذاك العالم ليس عالم الكلمة ومعناه، (علي) عالٍ عن ماذا؟ عالٍ عن الألفاظ والمفاهيم ونحو ذلك. إذن الطريق إليه الطريق إلى هذا الكتاب اللفظي أو له طريق آخر؟ هذا الطريق إلى هذه الألفاظ يمر من خلال ماذا؟ من خلال الكلمة ومعناها، يعني من خلال اللغة، يعني من خلال الوضع، يعني من خلال العلم الحصولي، ذاك كيف يعرف أيضاً من خلال ذلك؟ يقول: لا، (وأنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون). ذاك له طريق آخر ليس طريق العلم الحصولي، له طريق التطهير، وله بحث آخر.

نحن الآن نعيش في هذا العلم ونريد أن نأخذ هذا الحبل كما في حديث الثقلين حبل المتفق عليه (تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود) إذن أنت تريد أن تأخذ هذا الحبل لماذا؟ (إليه يصعد الكلم الطيب) للصعود إلى الله، وإذا لم تكن تعرف اللغة والوضع وحقيقة الوضع وقوانين الوضع وأقسام الوضع ونحو ذلك هل يمكنك أن تستفيد من هذا الكتاب الذي وضع على هذا الأساس أو لا يمكنك ذلك؟

هل هناك طريق أو لا يوجد طريق.

إذن أول مقدمة لفهم هذا الكتاب والاستفادة من هذا الكتاب أن تفهم الوضع وحقيقة الوضع وقوانين الوضع وتقسيمات الوضع وأحكام الوضع ونتائج الوضع حتى تستفيد من هذا الكتاب، بينكم وبين الله هل هناك أهمية أعظم من هذه الأهمية، طريقنا إلى الله سبحانه يمر من خلال ماذا؟ طبعاً ليس فقط هذا العلم، أنا لا أريد أن أقول فقط الوضع بل مجموعة من القواعد والقوانين والأصول الأخرى تحتاجها لفهم هذا الكتاب، هذا هو الأمر الأول.

قد تقول: سيدنا هذا صحيح ولكن ما هي علاقته وارتباطه بالبحث الأصولي نحن نريد الآن أن نبحث بحث الوضع في المسائل الأصولية، لذا الفائدة والأثر الثاني ارتباط بحث الوضع بالمسائل الأصولية. أريد أن أضيق الدائرة، الفائدة الثانية كانت واسعة لكل المعارف القرآنية، الآن أريد أن أضيقها، تقول لي: سيدنا تلك لك، نحن نريد بحث الاستدلال الفقهي هنا ما هو أثرها.

الجواب: فيما يرتبط بالجواب توجد هناك أبحاث متعددة في الوضع، أريد أن أعطيك خارطة بحث الوضع كلها، حتى عندما ندخل تعرف من أين دخلنا والآن أين وصلنا وأين سننتهي.

البحث الأول في الوضع: هو بيان حقيقة ونوع العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى، أي نوع من أنواع العلاقة؟ هذه العلاقة التي تصل إلى حد أن المعنى إذا كان قبيحاً أساساً ينصبغ اللفظ به فيصير ماذا؟ على حسنه يتأثر بالمعنى الموضوع له. وإلا بعض الأسماء التي الآن والله لو يعطوك الدنيا على أن تسمي أولادك بهم أنت لا تسمي. لماذا؟ وإلا لو ترجع إلى معنى اللغة العربية أسماء غير منكرة ولا قبيحة، ولكن لا تسمي. لماذا؟ أين الإشكال؟ الإشكال أنه هذه خصائص المعنى، بعض الأحيان مصاديق المعنى تتحول إلى اللفظ، فينصبغ اللفظ بصبغة تلك المعاني والمصاديق.

سؤال: ما هي العلاقة بين اللفظ والمعنى التي تحول اللفظ إلى ماذا؟ يتأثر بهذا الشكل، بينك وبين الله إذا قال لك أحد هذا اعتبار، أي اعتبار هذا، إذا كان اعتبار بمجرد أن تقول اعتبرت لابد أن يحصل الحسن، والآخر يقول اعتبرت عكسه فلابد أن يحصل القبح، أهو كذلك؟ لا أبداً.

هذا البحث من أهم الأبحاث من خلال سوف نتعرف على أنه – لأسلسل البحث- إذن هذا البحث الأول الأساسي تحت عنوان الوضع، ما هي حقيقة العلاقة القائمة بين اللفظ وبين المعنى؟ ولذا هذه العلاقة أصلاً تكون في كثير من الأحيان سبباً عندما يتذكر الإنسان الألفاظ يعيش اللذة ويعيش السرور والابتهاج وبالعكس مجموعة من الألفاظ عندما يتذكرها ماذا يعيش؟ أتريد أهمية أكثر من هذه الأهمية، ما هي حقيقة هذه العلاقة؟

هناك عدة اتجاهات موجودة سوف نقف عندها، لأقول من الآن للأعزاء من يبحث عن دورة أصولية لثلاث سنوات لا يجدها عندنا بل في مكان آخر، لأني أتصور أن هذه مفاتيح، بعض المسائل الأصولية قد أمر عليها مروراً، ولكن هذه المسألة تعد ليست من مفاتيح علم الفقه بل من مفاتيح المعرفة الدينية، ولذا تجدون الآن في الغرب مسألة اللغة وفقه اللغة وفلسفة فقه اللغة التي هي من الفلسفات المضافة الأساسية تجدون هناك اهتمام كبير في الغرب، ولكن مع الأسف الشديد وهذا الذي بدأ في كثير من فروعه بعلم الألسنيات، هذه علم الألسنيات من أين جاء، تقول مجموعة من الالفاظ. يقول: يا أخي أي ألفاظ، هذه ألفاظ التي وضعت للمعاني تؤثر وتقلب وجود وتسبب ثورة في بعض الأحيان. مجموعة ألفاظ. ألفاظ ولكنه توجد انقلاباً في وجود الإنسان وفي وجود المجتمع، عندك استعداد لكلمة أن تقال لك أن تضحي بنفسك لأجل الدفاع عن تلك الكلمة، عندك استعداد أو لا؟ نعم، كلمة واحدة إذا حصلت إهانة للدفاع عن كرامتك أنت مستعد أن تضحي لا بأموالك وكذا فقط بل تضحي بنفسك، كلمة، لفظ، لا، هذا اللفظ يحمل معنى ومن وراء المعنى آثار كبيرة. توجد اتجاهات متعددة – أنا فقط أعنون المسألة-:

اتجاه أن هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى اعتبارية أو علاقة تكوينية؟ لأنه يوجد اتجاهان في المسألة، وإذا كانت اعتبارية، التفتوا جيداً إلى العنوان وبحثه يأتي تفصيلاً، وإذا كانت العلاقة اعتبارية فهل بعد الاعتبار تتحول إلى علاقة واقعية غير قابلة للانفصام أو لا تتحول وتبقى اعتبارية أي منهما؟ هذا أين ينفعنا؟ ينفعنا أن الحسن والقبح وإن كانا أمرين اعتباريين ولكن بعد الاعتبار ماذا تحصل؟ تكون قضية واقعية وغير قابلة للزوال. هنا لابد أن نسأل هذا السؤال: وهو أن المعتبر والاعتبار هل يستطيع أن يحوله إلى أمر واقعي هذا الاعتبار أو لا يتحول؟ قد تقول لي: سيدنا أن هذا بحث تحليلي مرتبط باللغة وفقه اللغة فلماذا تبحثونه هنا وما هي علاقتها به.

الجواب: إذا تتذكرون فيما سبق قلنا صحيح أن هذه الأبحاث مرتبطة ببحث اللغة ولابد أن تبحث تحت عنوان فلسفة فقه اللغة، لابد أن نفتح درس في الحوزة العلمية نسميه فلسفة فقه اللغة، نحن فلسفة الله غير قادرين أن نأتي له بطلبة فكيف بفلسفة فقه اللغة. تقول له نريد أن نقرأ الفلسفة لإثبات وجود الله والأنبياء والمعاد وكذا فلا يأتي إلى درس الفلسفة. ثلاثين سنة أنا في حوزة قم أدرس أبدأ درس الفلسفة بمئة فرد وفي آخر المطاف يبقى منهم ستة أشخاص. وتريد منه أن يأتي إلى درس فلسفة اللغة، غير موجودة في الحوزة، وأنت الآن إذا ذهبت إلى أي علم من أعلام الحوزة وتقول له نريد أن نفتح درس فقه اللغة، يقول لك هذا تضييع للعمر. ولهذا أنت مضطر أن هذا فقه اللغة تصبغه بصبغة اسم علم الأصول حتى يأتي الطالب ويسمع، وإلا هذا المباحث كلها مباحث علم اللغة، كيف أنه في علوم أخرى يقول كما نقح وكما حقق، هنا لابد ان نقول كما نقح وكما حقق، ولكن لأنه لا توجد مثل هذه الدورس في حوزاتنا العلمية إذن أنت مضطر لبحثها، ولعلها مبحوثة، ولكن أنت مضطر لأن البحث فيها غير كافي وناقص، ولعله كافٍ ولكن فيها حيثية مرتبطة بالاستدلال الفقهي الباحث في علم اللغة غير معني بها بل أنت معني بتلك الحيثية لابد أن تبحثها، إذن في الضرورة لابد أن نحثها. آثارها؟ نعم ستظهر لك آثارها، وأتصور الأعزاء الذي طالعوا كتب الفقه أو كتب الأصول يقول: على مسلك القرن الأ كيد للسيد الصدر النتيجة كذا وعلى مسلك التعهد للسيد الخوئي النتيجة كذا، إذن لها آثار في عملية الاستنباط الأصولي وعملية الاستنباط الفقهي خصوصاً في فقه المعاملات. إذن القضية ليست قضية لا نحتاج لها، إذن هناك ارتباط وثيق بين بحث الوضع والمسائل الأصولية. هذا هو البحث الأول في البحث وهو بيان حقيقة العلاقة القائمة بين اللفظ وبين المعنى.

البحث الثاني: الذي له علاقة وثيقة بمباحث الاستنباط وهو أقسام الوضع. في بحث أقسام الوضع توجد هناك أبحاث متعددة للأقسام:

القسم الأول: تقسيم الوضع إلى التعييني والى التعيني. هذا البحث مهم ولكنه ليس بتلك الأهمية وسنعرض له فيما بعد. المهم هو هذا البحث الثاني أو التقسيم الثاني، وهو: أن الألفاظ هل هي موضوعة للمعاني الاسمية فقط أو موضوعة للمعاني الاسمية والمعاني الحرفية، ومن هنا يطلق أول بحث أساس وهو ما هو الفرق- ليس بين الألفاظ- بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي؟

قبل أن أدخل إلى التفاصيل لأبين الثمرة.

تقول لي: سيدنا بينك وبين الله عرفنا أن المعنى ينقسم إلى اسمي وحرفي أو لم نعرف، هذا ما دخله، أنا أريد أن أكون مجتهد استنبط فقه وأكتب رسالة عملية، فما علاقتي أن المعاني تنقسم إلى معاني اسمية وإلى معاني حرفية أو لا تنقسم، أين الثمرة؟

الجواب: أما الثمرة الفقهية فهي من أهم الثمرات وأوسع الثمرات، وهي: إن المعاني الحرفية، ما هي المعاني الحرفية؟ سأبين لك بعد ذلك … المعاني الحرفية هيئات الجملة، هيئات الأفعال، الجمل التامة والناقصة، والتامة من خبرية وإنشائية عشرات المسائل هذه كلها. أن المعاني الحرفية هل تجري فيها مقدمات الحكمة لإثبات الإطلاق أو لا تجري؟ وأنتم تعلمون أهمية بحث الإطلاق في عملية الاستدلال، نصف فقهنا قائم على بحث الإطلاق، هل هناك ثمرة أعظم من هذه الثمرة، أنت جملة من المسائل تقرأها في علم الأصول عندما نسألك عن الثمرة تقول له: لو نذر، مع ذلك ليس لها ثمرة إلا ثمرة لو نذر، مع ذلك تقرأها، وهذه نصف الاستدلال الفقهي قائم عليها، وهو أن المعنى الحرفي يمكن … يعني هيئة فعل الأمر هل يمكن أن يجري فيها الإطلاق ومقدمات الحكمة، يعني لو كانت المادة مقيدة هل يمكن إجراء المقدمات في الهيئة لإثبات الإطلاق، وإن كانت المادة فيها قرينة على التقييد أو لا يمكن؟ هذه المسألة التي طرحها الشيخ الأنصاري وإلى يومنا فيها عشرات البيانات والنظريات والاتجاهات والمباني وآثارها … أي أثر تريد أعظم من هذا الأثر.

من هنا لابد أن ندخل في بحث مفصل في بيان حقيقة المعنى الحرفي وبماذا يتميز عن المعنى الاسمي. ما هو الضابط، بماذا نقول هذا حرفي، ضابطة الحرفي والاسمي؟ هذا أثره أين؟ في عملية الاستنباط. نقف عند هذا الحد؟ الجواب: كلا، أثره في المباحث العقدية، لأنه واحدة من أهم أصول وأعقد أيضاً أصول مدرسة الحكمة المتعالية أن الموجودات تنقسم إلى موجودات أسمية وإلى موجودات – لا حرفية- بنحو المعنى الحرفي، نحن ليس عندنا وجود حرفي، وجود وعلى نحو المعنى الحرفي، ينقل عن السيد الطباطبائي كان يقول من يضمن لي فهم الوجود الرابط في الحكمة المتعالية أضمن له فهم ربع الحكمة المتعالية، ربع مسائل الحكمة المتعالية قائمة على فهم هذا المبنى، إن لم يفهم … وإلى الآن أنتم ارجعوا إلى كلمات جملة من الأعلام الذين كتبوا يقول ونحن لا نتعقل المعنى الحرفي، ماذا يعني وجود رابط. لأبين لك ما هو الوجود الرابط- ولو في جملتين-، وجود رابط الذي هو قائم على أساس المعنى الحرفي. انظروا إلى الوجودات، الوجودات تنقسم إلى واجبة وممكنة، والممكنة تنقسم إلى – على تصور المنطق الارسطي- إلى جوهر وعرض، فلهذا تقول الوجود في نفسه لنفسه بنفسه هذا الوجود الواجب، الوجود في نفسه يعني له وجود غير وجود الآخرين، يعني وجود مباين لوجود الآخرين، في نفسه بنفسه بغيره هذا وجود الممكن الجوهر لأنه بغيره، هذا اثنين. ثلاثة: الوجود في نفسه لنفسه أو لغيره؟ لغيره بغيره هذا الوجود الإمكاني العرضي.

سؤال: عندنا وجود خارجي، ليس في المعاني عالم المعنى له حساب ونحن نتكلم في عالم الوجود الخارجي، عندنا وجود في غيره لغيره بغيره أو لا؟

المشائين قالوا محال، يعني ماذا وجودي أنا يصير في وجود الواجب … إذن نحن وجود في غيره ليس عندنا. إذن على الفلسفة أو على البحث العقدي أن يقف إلى لغيره وبغيره، وليس من حقه أن يجعل في غيره. الآن أنا لا أريد أن أدخل في البحث لأنه ليس بحثنا، ولكني أشير إلى نصين:

النص الأول في (نهج البلاغة، ص300، خطبة185) لأمير المؤمنين شرح محمد عبده. في خطبة له في التوحيد وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة، يقول الشريف الرضي. يقول×: (ما وحده من كيفه ولا حقيقة أصاب من مثله ولا إياه عنى من شبهه ولا صمده من أشار إليه وتوهمه، كل معروف بنفسه …) الله يعرف ولكن بنفسه أو بغيره؟ يعرف بغيره. الشراح ماذا يقولون … يقول: (وكل قائم في سواه فهو معلول) إذن هذه المعلولات قائمة به أو قائمة فيه؟ كيف أنا قائم فيه، إلا أن نقول أن حروف الجر في اللغة العربية توضع بعضها مكان بعض. وهذه لغة العاجز. عندما لا تجدون طريقاً تفعلون هذا وإلا ليس الأمر هكذا. نعم إذا دلت قرينة وإلا إذا كان البرهان يقول هذا محال إذن (في) أجعلها (به) أما إذا لم يكن محال ما المحذور في أن أحمله على … هذا نص أعزائي.

النص الآخر – قبل أن أنتقل إليه- هناك معرفة منذ اليوم الأول الى يومنا هذا، يعني من آدم الى يومنا هذا وستستمر الى من يرث الله الأرض ومن عليها – لعله الإمام عليه السلام عندما يظهر يحل المشكلة لا أعلم – لا إشكال ولا شبهة الله موجود بالأدلة والبراهين والفطرة وغير ذلك، ولا إشكال ولا شبهة أني وأنت موجود – احفظ لي هذه الأصول- ولا إشكال أني متميز عنه، هذا بلا إشكال، والله ليس متميزاً عني؟ نترك هذا الآن. أنا متميز عن الله، يعني أنا لست هو، هذا لا شك في أيضاً يعني التمييز قائم، إنما الكلام هذا أي تمييز، عندنا نوعان من التمييز:

تمييز أحدهما يباين الآخر، مثل هذا غير هذا. وتمييز أحدهما لا أنه مباين للآخر بل أحدهما قائم بالآخر، الآن السؤال المطروح الذي شغل عقل البشر الى يومنا هذا، أنا بيني وبينه بينونة أو لا توجد بينونة؟ توجد بيني وبينه بينونة؟ جزماً توجد لا إشكال، ولكن أي بينونة؟ بينونة صفة أو بينونة عزلة أي منهما؟ اتفقت كلمات علماء المسلمين من الأولين والآخرين شيعة وسنة ومتكلمين وفلاسفة ومشائين وغيرهم أن البينونة بينونة عزلة، لماذا؟ يقولون لأنه إذا صارت بينونة غير عزلية يلزم إما الاتحاد وإما …. وهذا كله مبني على أن الوجود الإمكاني معنى رابط أو ليس معنى رابط؟ هذا من أين استنتجه؟ هذا البحث في العقيدة والفلسفة أصله أين موجود؟ أصله في اللغة لأنه هو الذي يقسم المعاني الى … فإذا أنت لم تتقن ذلك البحث اللغوي في بحث الوضع، فلا تستطيع أن تفهم هذا البحث الفلسفي والعقدي.

أقرأ لك هذه الجملة واذهب وفكر فقط.

في (الاحتجاج، ج1، ص299) قال: (قال في خطبة له عليه السلام: دليله آياته ووجوده إثباته ومعرفته توحيده وتوحيده تمييزه من خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة). أقصى ما يقولونه روايات الاحتجاج ضعيفة السند، هذا نظرك، وإلا أنا لا استطيع أن أقبل أن مثل هذه الكلمات، هذه الكلمتين، والله لو اجتمعت الأولون والآخرون – عدا سيد المرسلين صلى الله عليه وآله – على أن يأتوا بمثل هذه المقاطع، بدليل استطاعوا على مر التأريخ أم لم يستطيعوا، هذا التأريخ أمامنا، وكتبوا من السابقين جاءت كلماتهم، من الأنبياء … ليأتوا بها، يعادل هذين السطرين لأمير المؤمنين. قلت لكم القرآن على جانب … لأنهم وجدوا في كلامي أنا قائل هذه الجملة قائل أن أمير المؤمنين هكذا ولم استثني رسول الله فقالوا انظروا يقول أن أمير المؤمنين أعلم من رسول الله. الآن أقيدها حتى …

يقول: (والبينونة حكم التمييز بينونة) يعني أنا علاقتي مع الله علاقة الصفة والموصوف؟ هذا معقول أصلاً؟!

إذن أعزائي بحث الوضع من الأبحاث الأساسية في كل منظومة المعرفة الدينية.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات