الأخبار

المحاضرة (49)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

انتهينا بالأمس إلى بحث الوضع، قلنا بأنه في المقدمة لا بأس بالإشارة إلى بيان أهمية هذا المبحث، باعتبار أن البعض يتصور أن بحث الوضع من الأبحاث الثانوية في مباحثنا. ولكنه في واقع الأمر أن بحث الوضع يعد بحثاً مهماً وأساسياً عموماً لا فقط في عملية الاستدلال الفقهي بل في مجمل الأبحاث في المعارف الدينية، وبالأمس أشرنا إلى بحث آثار مباحث الوضع، قلنا من أهم تقسيمات الوضع هو تقسيم المعاني التي وضعت لها الألفاظ إلى المعاني الاسمية وإلى المعاني الحرفية، وبينّا بأن المعنى الحرفي وفهم المعنى الحرفي وحقيقة المعنى الحرفي له آثار ترتبط بعلم الأصول من جهة وبالمباحث العقدية والفلسفية والعرفانية من جهة أخرى.

فيما يتعلق بالبحث الأصول أشرنا إليه بالأمس وهو أنه ما يتعلق ببحث الإطلاق، وأنه هل تجري مقدمات الحكمة في المعنى الحرفي أو لا تجري، أما فيما يتعلق بالمعنى العقدي والفلسفي والعرفاني نحن اشرنا لدقائق في بحث الأمس إلى الآثار المترتبة على ذلك وبعض الأخوة الأعزاء بعد البحث طلبوا أنه سيدنا ولو لدقائق أخرى أن يشار إلى هذا البحث أكثر لتتضح الرؤية التي تحاولون أن ترتبوها على هذا المبحث وهو المعنى الحرفي.

أعزائي لدقائق وعناوين لا للبحث الفلسفي أو العرفاني، هناك عدة مسائل في هذه القضية:

المسألة الأولى: التي وقع الكلام فيها أنه هل توجد هناك موجودات ممكنة وراء وجود الواجب سبحانه وتعالى أو لا توجد. لأنه قد يتصور البعض أو لا أقل يفهم من بعض الكلمات أنه ليس في الدار غيره ديار، إذن ما سوى الحق سبحانه وتعالى من الموجودات إنما هي وهم وخيال، كل ما في الكون وهم أو خيال، ولذا لعله أيضاً أنت تجد في بعض الكلمات صرح بعدمية الممكنات، نقول إذن ماذا هذا السماء والأرض والدنيا والآخرة، يقول: هذه كلها من قبيل ثانية ما يراه الأحول. وفي الواقع لا يوجد إلا وجود واحد ولكن الأحول يراه وجودين أو أكثر …الخ.

أعزائي هذه الدعوة واضحة البطلان، الأعزاء الذين يريدوا مراجعة هذا البحث فقط أنا أشير إلى المصدر، ورد في (الأسفار بحاشية الشيخ حسن زادة آملي، ج2، ص393) يقول: (ظنوا أنه يلزم من كلام العرفاء في الوحدة الشخصية أنه هويات الممكنات أمور اعتبارية محضة وحقائقها أوهام وخيالات لا تحصل لها إلا بحسب الاعتبار حتى أن هؤلاء صرحوا بعدمية الذوات الكريمة القدسية والأشخاص الشريفة الملكوتية كالعقل وسائر الملائكة المقربين وذوات الأنبياء والأولياء والأجرام …). ثم يقول: (أن هذا كلام باطل ليس له أي أساس من الصحة) إذن هذا الاصل احفظوه وهو أن القائلين بالوحدة الشخصية أو غير الوحدة الشخصية غير مهم، يقولون هناك تحقق ووجود وأصالة للموجودات الممكنة كما هي ثابتة للحق تعالى، هذا أصل محفوظ، يعني حديثنا مع هؤلاء وليس أولئك، هذا الأصل الأول.

الأصل الثاني: وهو أنه لا إشكال في تميز الخالق عن المخلوق، والواجب عن الممكن والغني عن الفقير هذا مما لا إشكال عند أحد من أهل التحقيق، الكل يقول أن هذا يتميز عن هذا، هذا مما لا ريب فيه. ولا يوجد أحد لا أريد أن أقول عاقل أو فقيه أو عالم لا يوجد إنسان إلا إذا كان أجلكم الله حمار فذاك بحث آخر أن يقول أن الغني عين الفقير والفقير عين الغني، أن الواجب عين الممكن والممكن عين الواجب، هذه دعوى، قد تقول بعض العبارات، أقول كما قال شيخنا الأستاذ الشيخ الوحيد قال الاشتباهات ا للفظية تصحح بالقرائن العقلية، افترضوا أن بعض العبارات ظواهرها كذا وكذا ثم ماذا، هناك مجموعة من القواعد … ظاهر كلامه كذا … مسكين هذا في ألف موضع آخر ليس ظاهر كلامه هكذا فلماذا صار ظاهر كلامه هذا حجة وتلك كلها ليست بحجة. على أي الأحوال.

إذن الاصل الثاني لا إشكال في تميز الخالق عن المخلوق وتغاير المخلوق عن الخالق.

إن الإشكالية أين؟ الإشكالية كل الإشكالية بعد ثبوت الأصلين السابقين هذا التميز والتعدد بأي نحو؟ وإلا ليس بحث في الأصل الأول، ولا بحث في الأصل الثاني، وإنما الإشكال في الأصل الثالث، وهو أنه بماذا يتميز الخالق عن المخلوق؟ ويتغاير أحدهما عن الآخر بماذا؟ كيفية. هنا يوجد أعزائي اتجاهان على مر تاريخ العقل الإنسان وأنا أتصور قناعتي أن هذان الاتجاهان لا ينتهيان، يعني لا يتبادر إلى ذهن أحد في عشية وضحاها نقوم صباحاً فلا اختلاف بين البشر في القضاء والقدر، لا ابداً، هذه الجدلية قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذه موجودة, وهذه الجدلية أيضاً وهذا الاتجاه أيضاً هذا البحث.

الاتجاه الأول: وهو الاتجاه العرفي الكلامي الفلسفي العام الأخباري، كله يعتقد أن التمايز كما التمايز بين الأشياء، الآن كيف يتمايز هذا عن هذا؟ أن هذا بائن عن هذا، أي نحو من البينونة؟ بينونة العزلة، يعني هذا معزول عن هذا، هذا له وجود وهذا له وجود، وهذا ما اصطلح عليه الفلسفة المشائية أو الارسطية قالت هذا وجوده في نفسه وهذا وجود في نفسه آخر. فالتمايز والتباين كما التباين بين الاشياء، ماذا تريد أن تسميه؟ اصطلحوا عليه تبعاً لبعض الروايات أن هذه البينونة بينونة عزلة.

الاتجاه الثاني: في الاتجاه الثاني يقول الأصل الأولي تام، الأصل الثاني تام، ولكن نحن نختلف مع العرفي والمتكلمين والاخباريين والمشائين في كيفية التمايز، أي تمايز؟ واقعاً أنا أقولها لك صريحة واعتقادي الشخصي ولعلي مشتبه بالقدر الذي أعرف القدر الذي اشتغلت عليه في كلمات العرفاء، لا اريد أن أقول لا يوجد، نادراً يوجد بقدر أحد اشتغل في العرفان، أنا أعزائي دروس في العرفان التي حضرتها وسمعتها تعادل لا اقل خمسة عشر سنة، يعني 1500 درس في العرفان النظري تابعت أنا ولكبار الأساتذة أمثال الشيخ حسن زاده آملي وشيخنا الأستاذ جوادي ومقدار من أساتذة آخرين كانوا في مشهد. ولم يبقى شيء في العرفان أنا لم أسمعه أو لم أحضر أو لم أذهب إليه حتى أنه أرى ماذا يريد هؤلاء في النتيجة.

أعزائي هؤلاء لم يختلفوا في الاصل الأول وفي الأصل الثاني، وإنما اختلفوا في الأصل الثالث، ما هو الأصل الثالث؟ قالوا يستحيل – لا أنه لم يقع – أن تكون البينونة والتميز بين الخالق والمخلوق على نحو تميز وبينونة المخلوقات بعضها مع بعض. بهذا القدر. ولو سألتهم أيها؟ هنا تختلف كلماتهم لعله على عشر نظريات، أولاً ينفون، هذا النفي يقولون يستحيل، أصلاً هذا محال أن يكون التباين بهذا النحو، بتعبيرنا بينونة العزلة يقولون ما هي؟ محالة، لا يمكن. الآن لا أذهب إلى أدلتهم الفلسفية، تعالوا معنا نحن والنصوص الواردة عن أئمة أهل البيت تؤيد لا أقول تصرح تقول هذا الرأي والرأي الآخر، لا لا، أريد أن أبين نقطة وهو أن هؤلاء قالوا هذا الكلام كانوا مبتعدين عن تراث أهل البيت أم وصلوا إلى هذا من خلال شواهد في كلمات أهل البيت.

(التوحيد للشيخ الصدوق، ص41) انظروا للرواية ماذا يقول، أولاً التفت إلى القاعدة، هذه القاعدة اصلها في القرآن، يقول الإمام أمير المؤمنين أو الإمام الرضا، الرواية عن الإمام الرضا×، [وعجيب، إذا تسمحوا لي أعزائي وإن كان أتأخر، لكن لا أدري كيف انسقت إلى هذا البحث اليوم، طلب الأخوة بودي خمسة دقائق أتكلم ولكن يظهر لا تكفي لها خمسة دقائق].

انظروا إلى الرواية، وهي( سمعت الرضا يتكلم عند المأمون في التوحيد، قال ابن أبي زيادة وراه لي فلان وفلان أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا على هذا الأمر) ولاية الأمر (جمع بني هاشم فقال أني أريد أن استعمل الرضا على هذا الأمر من بعدي فحسده بنو هاشم وقالوا أتولي رجلاً جاهلاً ليس له بصر بتدبير الخلافة) يعرف سياسة أو لا يعرف؟ لا يعرف سياسة، صحيح عالم ومؤمن ونصلي خلفه، لكن السياسة ليست للإمام الرضا. (فابعث إليه رجلاً يأتنا فترى من جهله ما يستدل به عليه) انظروا المظلومية التي كان يعيشها أهل البيت، هذه متى؟ هذه بعد مئتي سنة من ذهاب الرسول الأعظم لأن الإمام الرضا× شهادته في 203هـ ليست يوم أو يومين (فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علماً) ثبت لنا أنك تفهم في السياسة، بينك وبين الله من يريد أن يتكلم في السياسة ماذا يقول؟! (فارتقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أول عبادة الله معرفته) يقول السياسة من هنا، السياسة تبدأ من أين؟ وبحساب سياسينا معروف هذه المجموعة من الجهلة، (أول عبادة الله معرفته وأصل معرفة الله توحيده ونظام توحيد الله …) هذا ذيل تلك الرواية يقول، هذا الذي قلت القاعدة (فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه). هذا أصل. هذه البينونة توجد هناك أو لا توجد؟ محال بحسب النص. هذا أصله في النص (ليس كمثله شيء) نحن نتصورها فقط في نفي الجسمية، لا يا أخواني ذاتاً وصفةً وفعلاً يعني خلقه نسبته إليه ليست كنسبة ما أخلقه إليه. (فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه وكل ما يمكن فيه يمتنع) لا أنه لا يصح (من صانعه) هذه كبرى. سيدي طبقها لنا. في (ص73) رواية أخرى عن أمير المؤمنين قال- تطبيقاً-: (فلم يحلل فيها) هذا الأصل الثاني الذي تكلمنا عنه قلنا توجد اثينية بلا شكل (فلم يحلل فيها فيقال هو فيها كائن) يا أمير المؤمنين إذا لم يكن حالاً فيها إذن بائن عنها، قال: (ول ينأى عنها فيقال هو منها بائن). عجيب إذا أنت قلت أن البينونة بينونة عزلة إذن ماذا يكون؟ نأى عنها فيقال منها بائن. قلت لك: هذا القدر لا يوجد خلاف بين المحققين والعرفاء. نعم الخلاف يأتي في الأصل الرابع في تصوير العلاقة وهنا تتعدد النظريات، في الأصل الثالث اتفقت كلمتهم وهذه هي الروايات التي عبرت وهي ليست واحدة أو اثنين راجعوا أعزائي، قال: (داخل في الاشياء لا بممازجة وخارج عنها لا بمزايلة) وإذا كانت بينونة عزلة تكون بمزايلة (داخل في الاشياء لا كدخول شيء في شيء وخارج عنها لا كخروج شيء عن شيء). وعند ذلك الإمام× في رواية الاحتجاج التي قرأناها البارحة قال ماذا؟ (وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة) هذا النص ورد عن الإمام فمن حقك أن تفسره بتفسير يختلف عن تفسير محيي الدين وملا صدرا والسبزواري، أنت حر أن تقدم تفسيراً. إذن أعزائي الأصل الأول، الأصل الثاني، مورد اتفاق بين الجميع لا يوجد فيه فيلسوف وحكيم وعارف ومتكلم واخباري الكل متفق يوجد خالق ومخلوق ويوجد اثنينة وتميز وتعدد وغيره، هذا لا كلام فيه.

الكلام من أين يبدأ؟ يبدأ في الأصل الثالث وهو أن التميز أي نحو من التميز؟ مشهورهم قال تميز الأشياء بعضها كبعض هو تميز عن ماذا، وأنا بودي أن ترجعون أن المشكلة الأصلية التي وقع فيها ابن تيمية وأتباعه لأنه تصور إذا لم يقل بينونة عزلة يقع في الوحدة والاتحاد والحلول، لأنه تصور نقيضين إما هذا وإما هذا، إذا نفينا الاتحاد والحلول لابد أن نلتزم بالبينونة العزلية. هذا هو الأصل الثالث.

الأصل الرابع الذي وراءه أنه إذا لم تكن البينونة بينونة عزلة إذن ما هي؟ تصويرها، وإلا النص يقول لا كخروج شيء ولا كدخول شيء ولا بينونة مزايلة ولا ولا، هذه عبارات عامة، هذه من قبيل لا تنقض اليقين بالشك وأنت جنابك في الحوزة العلمية تقضي خمس سنوات في دراسة الاستصحاب، نعم، نص.

إذن أعزائي المشكلة الأصلية، طبعاً يكون في علمكم، لأوضح لكم جملة واحدة، وهو أن أصحاب هذا التوجه يقولون أن ما يقوله الآخرون من بينونة العزلة محال، ليس أنه ممكن ولكن غير واقع، وفي الاتجاه المقابل يقولون أن ما يقوله أولئك من بينونة الصفة محال، يعني كلاهما يدعي استحالة ما يقوله الآخر. القائل بينونة العزلة يقول محال بينونة غير العزلة، والقائل بينونة غير العزلة يقول محال بينونة العزلة. ورأيي كفتوى في محله إن شاء الله تعالى بينته ويحتاج إلى تفصيل: كلاهما ممكن، لابد أن نعرف النصوص على ماذا تدل على هذا او على هذا؟ يعني بينونة العزلة معقولة وممكنة وبينونة غير العزلة أو بينونة الصفة بتعبير الإمام أيضاً ممكنة، لا هذا محال ولا هذا محال. أيهما واقع، يعني المخلوقات نسبتها إلى الله على بينونة العزلة أو بينونة الصفة، وهنا أنا في نظرية يتداخل البحث العقلي مع البحث النقلي، لأن البحث العقلي قدرته فقط أن يثبت الإمكان يقول هذا ممكن وهذا ممكن، إذا تتذكرون في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي أيضاً نحن كان عندنا …أولاً جعل الحكم الظاهري ممكن أو ممتنع، نحن في المرحلة الأولى لابد أن نثبت الإمكان، فإذا ثبت الإمكان نأتي إلى الدليل النقلي لنرى أنه وقع، يعني عندنا حكم ظاهري جعل على خلاف الحكم الواقعي أو أنه لم يقع ولم يوضع. في اعتقادي هنا يتداخل البحث العقلي مع البحث – سمه- الكلامي أو النقلي، أنه اساساً البحث العقلي لا يستغني عن النقل، كما أن البحث النقلي لا يمكنه الاستغناء عن العقل. وهذه من أهم أركان المنظومة العقدية التي أؤمن بها، أنا معتقد أساساً لا هذا يغني عن هذا ولا هذا يمكنه أن يستغني عن ذاك، بخلاف المذهب المشائي يقول لا علاقة لنا بالنقل. كلاهما محتاج إلى الآخر على نحو – بتعبير- غير دائر.

هذه النكتة أنا أتصور بهذا المقدار اتضحت.

الآن نرجع إلى بحثنا:

إذا تتذكرون بالامس قلنا أنه توجد عندنا تقسيمات، من التقسيمات التقسيم إلى الاسمي والحرفي، هذه خارطة البحث:

ما هي مصاديق المعاني الحرفية؟ إجمالاً اشير لها.

أعزائي تنقسم مصاديق المعنى الحرفي إلى: الهيئات وتنقسم إلى قسمين. من أوضح مصاديق المعنى الحرفي الهيئة، والهيئة تنقسم إلى هيئة الجملة وإلى هيئة المفرد. كهيئة الأفعال الفعل الماضي الفعل المضارع المصدر المشتق ونحو ذلك يوجد فيها هيئة ولكنه هيئة على نحو الجملة أو هيئة على نحو المفرد؟ هيئة على نحو المفرد.

إذن من أوضح مصاديق الهيئات:

أولاً: هيئة الجملة.

وثانياً: هيئة المفرد.

والجملة تنقسم إلى جملة ناقصة وإلى جملة تامة، والجملة التامة تنقسم إلى خبرية وإلى إنشائية. ثم هنا لابد أن نبين أقسام الجمل الخبرية والإنشائية ثم نبين أحكامها، وهذه من أهم الأبحاث التي لها آثار كبيرة في الأبحاث الفقهية وهي الجمل المشتركة يعني تستعمل للإخبار وتستعمل للإنشاء أيضاً، هذه من أخطار الأبحاث في عملية الاستدلال الفقهي، ثم بعد ذلك ننتقل إلى هيئة المفردات التي هي هيئة الفعل أفعال ماضي مضارع، هيئة المصدر هيئة المشتق وغير ذلك.

طبعاً أبحاث أخرى موجودة، أن الدلالة متوقفة على الإرادة أو غير متوقفة هذه الأبحاث إن شاء لاحقاً – أبحاث طويلة- لعله بعد ذلك ستأتي.

أما البحث الأول: وهو بيان حقيقة الوضع:

يعني لا إشكال ولا شبهة ولم يقع فيه كلام – قضية وجدانية وتجريبية- أن هناك نحو علاقة بين اللفظ وبين المعنى الخاص الذي وضع له ذلك اللفظ، هل هناك شك في هذا، أصلاً قيام الوضع واللغة بهذه العلاقة القائمة بين الألفاظ وبين المعاني. السؤال الأساسي المطروح وهو بحث قيم مفيد له آثار كثيرة كما ستتضح. أن هذا الارتباط القائم بين اللفظ وبين المعنى أي نحو من أنحاء الارتباط، في النتيجة عندما نسمع لفظاً ننتقل إلى تصور معنى من المعاني الخاصة، إذن هناك نحو من العلاقة والارتباط عبر عنها ما تشاء بين الألفاظ وبين المعاني. هذه العلاقة ما هي حقيقتها؟ هنا أعزائي نستطيع أن نصور العلائق أو العلاقات بين الأشياء على ثلاثة أنحاء، أنا أحاول بقدر ما أمكن لأنه إذا تتذكرون في مقدمة أبحاث الأصول أنا قلت أن علم الأصول ليس مختصاً بعملية الاستدلال الفقهي ولذا قلت بأنه حقيقة علم الأصول بحوث في حقيقته ومعطياته. المشهور حاولوا أن يجعلوه في زاوية البحث الفقهي، أنا أحاول كل مسألة أطرحها بقدر ما يمكن أبين آثارها العقدية وآثارها الفلسفية وآثارها المعرفية وآثارها القرآنية التفسيرية، ثلاثة أنحاء:

النحو الأول من العلاقة: هي تلك العلاقة القائمة بين شيئين، عندما أقول شيئين ولو على نحو الموضوع والمحمول في الذهن وإن كان في الواقع الخارجي شيء واحد مصداقاً، يعني أنت عندما تقول الإنسان ممكن يقيناً من الناحية المنطقية الإنسان شيء والإمكان شيء، ولكن بحسب الواقع الخارجي الإنسان والإمكان شيئان من قبيل زيد قائم؟ لا أبداً، حقيقة واحدة ومصداق واحدة، أنا عندما أقول علاقة بين شيئين لا يتبادر إلى ذهنك يعني لهما ما بإزاء خارجي، لا، لعله من المعقولات الثانية الفلسفية أو الثانية المنطقية، يعني بعبارة أخرى من الخارج المحمول، كما أنه جنابك تقول واجب الوجود الله موجود، يعني في الواقع الخارجي عندنا الله يعني موضوع ومحمول عندنا ما بإزاء وهو واجب الوجود كما زيد قائم، لا ليس هكذا، وإنما بوجود وإن كان المصداق واحداً.

إذن لا يذهب إلى ذهنك اثنينية وعلاقة بين شيئين بالضرورة نريد … طبعاً بين اللفظ والمعنى توجد اثنينية، ولكن نحن نتكلم في الأعم من هذه الاثنينية.

النحو الأول: هو علاقة واقعية نفس أمرية بلا جعل جاعل وبلا علة خارجية أبداً، أساساً واقعها هو هذا، من قبيل الزوجية للأربعة، يعني الزوجية جعلت للأربعة أم أن الأربعة بحقيقتها هي زوج، الامتناع جعل من قبل جاعل لاجتماع النقيضين؟ لا، لم يجعل من أحد، القضية أزلية واقعية نفس أمرية، وعلى هذا الأساس من أهم خصائص هذا النوع من العلاقة أنها ثابتة في لوح الواقع ونفس الأمر لا العلم بها يثبتها ولا الجهل بها ينفيها. أبداً، لا أن العلم يوجدها بل العلم يكشف عنها. ولا الجهل بها يغيرها، لا، هي ثابتة في الواقع، وكذلك من أهم خصائص هذا النحو أنها يمكن تغييرها أو لا يمكن؟ لا يمكن تغييرها، تتبدل أو لا تتبدل؟ لا تتبدل. تختلف بالوجوه والاعتبارات أو لا تختلف؟ لا تختلف. أنت جنابك عندما تقول الموجود إما واجب وإما ممكن، فإذا ثبت أن الوجود ممكن أزلاً وأبداً هو ممكن. يتبدل إمكانه في ظرف من الظروف؟ في نشأة من النشآءات في وجه من الوجوه، في اعتبار من الاعتبارات؟ أبداً أبداً. حقيقة ثابتة في الواقع ونفس الأمر، هذا هو النحو الأول. أبين الأنحاء ثم بعد ذلك نأتي ونطرح هذا التساؤل، إذن العلاقة بين اللفظ والمعنى من أي نحو؟ وهذا الذي مع الأسف الشديد في كلمات الأصوليين مباشرة تداخل البحث الأول مع الآخر في النتيجة يقرأ القارئ وهو لا يعلم أن أصل البحث أين.

العلاقة أو النحو الثاني من العلاقة: أن تكون هناك علاقة واقعية نفس أمرية بين الطرفين ولكن هذه العلاقة الواقعية النفس أمرية جاءت من خلال جعل جاعل، لو لم يجعل الجاعل هذه العلاقة لوجدت أو لا توجد؟ لا توجد. احتياج الإنسان الى الماء علاقة واقعية حقيقية سببية حقيقية أو اعتبارية مثل الفاعل مرفوع، أي منهما؟ مثل أن هذه الورقة النقدية قيمتها كذا مثل هذه؟ لا أبداً، علاقة واقعية. ولكن هذه العلاقة الواقعية من قبيل اجتماع النقيضين ممتنع، لا، علاقة واقعية ولكن مجعولة بجعل جاعل، عبروا عنها اعتبرها الجاعل ولكن هذا الاعتبار انتهى الى العلاقة وإلى السببية الواقعية بين الشيئين، بعد ذلك لا فرق أن الجاعل هو الله سبحانه وتعالى أو أن الجاعل هو غيره سبحانه وتعالى، لا يفرق، نحن الآن لا نتكلم أن الجاعل من. نقول أن هذه العلاقة الواقعية الحقيقية هي علاقة مجعولة.

النحو الثالث من أنحاء العلاقة: وهي العلاقة التي لا هي من النحو الأول ولا هي من النحو الثاني، ولكنها تشترك مع الثاني أنها مجعولة ولكن لا تنتهي الى أمر واقعي وحقيقي كالعلاقة الموجودة عندما تقول بأن هذه القطعة من الورق هي لها قيمة كذا، هذه القيمة الموجودة للورق يعني توجد علاقة واقعية بين الورق والقيمة أو لا توجد؟ لا توجد. أو هذه القوانين التي نضعها في المجتمعات هذه علاقات … اليوم توجد هذه غداً … اليوم الدخول إلى الشارع من اليمين مخالفة وغداً يكون الدخول الى الشارع من اليسار مخالفة، لا إشكال فيه. هذه قضايا اعتبارية، ولكن اعتبارية تنتهي الى واقعيات أو لا تنتهي الى واقعيات؟ لا تنتهي الى واقعيات.

السؤال المطروح: هذا المعنى وجدت أفضل من أشار إليه – واقعاً الحقوق لابد أن تكون محفوظة – هو السيد الروحاني في (منتقى الأصول) التي هي تقريرات السيد عبد الصاحب الحكيم رحمة الله عليه، السيد عبد الصاحب نحن درسنا عنده المكاسب يعني استاذنا في المكاسب في السطح درسنا عنده. هذا المعنى في (ج1، ص47) يقول: (أن الإنصاف أن الوضع أمر اعتباري إلا أنه يختلف عن الأمور الاعتبارية الأخرى) طبعاً بعد ذلك سنبين أن هذه النظرية نظرية المحقق العراقي، انتظروا أريد الآن أن أقرأ العبارة، ولم أقرأ عبارة العراقي باعتبار أن العراقي يصور ذلك في عملية وضع الألفاظ للمعاني، أنا الآن لست بصدد بيان الأقوال، عندما أبين الأقوال يتبين أن هذه نظرية المحقق العراقي. يقول: (أن الوضع) وضع الألفاظ للمعاني عملية اعتبار ولكن اعتبار ينتهي الى الواقعية (وهي أن الوضع أمر اعتباري إلا أنه يختلف عن الأمور الاعتبارية الأخرى بما أن ما يتعلق به الاعتبار يتحقق له واقع ويتقرر له ثبوت واقعي كسائر الأمور الواقعية فهو يختلف عن الأمور الواقعية) يعني القسم الأول من جهة أنه (عبارة عن جعل العلقة واعتبارها ويختلف عن الأمور الاعتبارية يعني الثالث بأن ما يتعلق به الاعتبار لا ينحصر وجوده بعالم الاعتبار بل يثبت له واقع في الخارج، وعليه فالمدعى أن الجاعل اعتبر يأتي في بحث الوضع).

عندما نقول هنا واقع لا يذهب ذهنك الى الخارج. وسأبين في وقته أنه ليس بالضرورة أن كل واقعي له وجود خارجي، وإلا أمامك الآن اجتماع النقيضين ممتنع قضية واقعية أو ليست واقعية؟ لها وجود خارجي أو ليس لها؟ يستحيل أن يكون. وأوضح من ذلك مثال قرآني (لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا) هذه القضية واقعية أو ليست واقعية؟ واقعية. ولكن شريك الباري ممكن أو ممتنع؟ ممتنع، مع أنه ممتنع ولكنها واقعية، الواقعية يعين لها وجود خارجي؟ ليس لها وجود خارجي، لأنه لو كان له وجود خارجي لكان شريك الباري ممتنع أو ممكن، إذن محال أن يكون له وجود خارجي.

وبهذا – بنحو الإجمال خذوا هذه القاعدة- يتضح أن لوح الواقع أوسع من لوح الوجود، محال أن يكون لوح الواقع مساوياً … يعني كل ووجود فله واقعية، ولكن ليس كل ما له واقعية فله وجود، هذا الذي اضطر الأصوليين وغيرهم أن يقولوا وجودها بمنشأ انتزاعها لا وجودها بنفسها، لأنه محال أن يكون لها وجود بنفسها في الواقع الخارجي، قالوا وجودها بمنشأ انتزاعي، منشأ انتزاعه أين؟ الواقعية، لوح الواقع، نفس الأمر والواقع.

من هنا إذا اتضحت هذه يأتي السؤال الأول في حقيقة الوضع: هل الوضع … هل العلاقة بين اللفظ والمعنى من قبيل العلاقة الأولى أو النحو الأول من العلاقة أو من النحو الثاني من العلاقة أو من النحو الثالث من العلاقة؟

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات