الأخبار

المحاضرة (50)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

عوداً على بدء قلنا بأنه أساساً لا إشكال وجداناً وتجربة واستعمالاً أن تصور اللفظ ممن يعرف اللغة المعينة أن تصور اللفظ يؤدي إلى انتقاش المعنى في الذهن، انتقاشاً ضرورياً ليس اختيارياً ولذا قيل بأنه أساساً الدلالة التصورية دلالة ضرورية، يعني أنت لا تستطيع أن تتصور لفظ الماء وتقول للذهن لا تتصور معنى الماء أبداً ليس بمقدورك هذا، من قبيل أنك لا تستطيع أن تنظر إلى هذا الكتاب وتأخذه أمام ناظريك ثم تأمر النفس أنه لا تنتقش صورته في الذهن يمكنك أو لا يمكنك وهذا هو معنى الضروري، يعني أن النفس مضطرة لهذا. ضروري يعني هناك اضطرار لا أنه أمر اختياري، نعم أنت بالاختيار أن لا تجعل هذا الكتاب أمام عينك، ليس انتقاش المعنى في الذهن من قبيل حركة اليد الاختيارية أبداً، في حركة اليد أن مختار أن ترفع اليد طبعاً لغير المرتعش أن ترفع اليد أو أن لا ترفع اليد، أما إذا سمعت لفظاً معيناً فانتقاش المعنى ضروري. طبعاً هذا لا إشكال ولا شبهة يكشف عن وجود علاقة بين اللفظ المعين والمعنى المعين، هذا القدر المتيقن منه، كما قلت، استعمالاً وجداناً تجربة هذا ليس محل المناقشة من الأمور الواضحة، إنما الكلام كل الكلام بيان نحو هذه العلاقة القائمة بين الألفاظ وبين المعاني. ولذا المحقق الأصفهاني في (نهاية الدراية، ج1، ص44) مؤسسة آل البيت، يقول: (لا ريب في ارتباط اللفظ بالمعنى واختصاصه به) لا ريب يعني أنه ضروري، قلنا مراراً هذا تعبير القرآن الكريم (ذلك الكتاب لا ريب فيه) القرآن الكريم يعبر عن الضروري بعنوان لا ريب فيه، ومصاديق كثيرة في القرآن، المنطق والفلسفة يعبر ضرورة إما ضرورة ذاتية وإما ضرورة أزلية وأما ضرورة مطلقة وأما ضرورة مقيدة وقتية حينية … الخ. القرآن يعبر (لا ريب فيه).

يقول: (لا ريب في ارتباط اللفظ بالمعنى واختصاصه به) هذه لا يوجد بحث إنما البحث أين؟ (وإنما الإشكال في حقيقة هذا الاختصاص والارتباط) ما هي نوع العلاقة القائمة بين اللفظ وبين المعنى. هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني: لبيان حقيقة الارتباط نحن أشرنا في البحث السابق إلى أنحاء من الارتباط، أريد أن أبين تلك الأنحاء أو الأقسام أو الاصناف بنحو آخر وببيان آخر.

لبيان أنحاء واقسام واصناف العلاقة يوجد عندنا نحو من العلاقة قسم من العلاقة، أرجع وأقول أن طبيعة أبحاثي أحاول قدر الممكن أن أفتح أفقها، لا تكون مختصة بالبحث الفقهي أو بالبحث الكذائي، أفتح أفق البحث حتى تستعمل في مواضع أخرى لا فقط في موضع البحث.

أعزائي عندنا أقسام من العلاقة:

القسم الأول من العلاقة: أن هذه العلاقة قائمة بين الشيئين بلا جعل جاعل لا تكويني ولا اعتباري، ما معنى هذه العلاقة؟ يعني علاقة ذاتية في نفسها، لا يمكن لأحد لا أن يجعلها ولا أن ينفيها، لا أن يوجدها ولا أن يعدمها، تتذكرون حتى أقرب المطلب إلى ذهن الأعزاء في مسألة حجية القطع قالوا أن الحجية للقطع ذاتية، ما معنى ذاتية؟ قالوا فلهذا لا هي قابلة للجعل ولا هي قابلة للرفع، لماذا؟ لأنها ذاتية، هكذا قالوا. هنا أيضاً نقول هناك نحو من العلاقة، أنا لا أريد أن أعبر عنها ذاتية لأن الذاتية لها معاني متعددة وسأشير لها، هناك علاقة غير مجعولة من أحد، عندما أقول من احد ليس مرادي البشر بل مراد أي موجود كان لا منه تعالى لا ماذا … لأنه اساساً سالبة بانتفاء الموضوع لأنها غير قابلة للجعل، لا أنها غير مجعولة يعني خارجة، أنا الآن قد لا استطيع أن أجعل الأمر التكويني لكن هو قابل للجعل، ولكن هذا خارج عن قدرتي، لا لا، غير مجعولة باعتبار السالبة بانتفاء الموضوع لأنه غير قابلة للجعل ولهذا هذا النحو من العلاقة لا تتبدل ولا تتغير ولا تزول ولا تختلف بالاعتبارات والوجوه، أزلية، أبدية … الخ.

هذا القسم من العلاقة لها نحوان أو لها مصداقان إذا أردت أن أعبر بعبارة أدق، المصداق الأول العلاقة الوجودية بين شيئين تكوينين، موجودان أحدهما ملازم للآخر لا ينفك أحدهما عن الآخر محال أن ينفك أحدهما عن الآخر كاستحالة انفكاك وجود الحق عنه سبحانه وتعالى، هنا توجد استحالة ولكن استحالة مرتبطة بعالم الوجود الخارجي، هذه الحقيقة يستحيل أن لا تكون موجودة، هذا نحو من العلاقة.

النحو الآخر من العلاقة ليس بين وجودين وإنما بين أمرين واقعيين نفس أمريين وإن لم يكونا موجودين، من قبيل اجتماع النقيضين ممتنع، اجتماع النقيضين ممتنع هذا التلازم في الوجود الخارجي؟ محال، لأن النقيضان غير موجود في الوجود الخارجي، الامتناع غير موجود في الوجود الخارجي، ومع ذلك يوجد تلازم بين المقدم والتالي، بين الموضوع والمحمول، أو هذه القضية القرآنية التي أشار لها (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) هذا يوجد تلازم بين ماذا؟ بين أمرين وجوديين؟ لا، بين أمرين واقعيين نفس أمريين. مثال آخر: استغناء المعلول عن العلة ممكن أو محال؟ يعني مع أنه معلول ولكن يقول أوجد بلا علة. هذا محال، ولذا لا تشمله القدرة الإلهية، الله سبحانه وتعالى … يعني القدرة لا تكون شاملة من باب التخصص مع أنه معلول ولكنه يقول لا يحتاج إليه، يمكن أن يستغني موجود ممكن عن الحق سبحانه وتعالى، ولو بإرادة الله التكوينية أو لا يمكن؟ محال، وإلا لانقلب الفقير إلى الغني وانقلب الممكن إلى واجب وكلاهما محال. هذه تلازمات واقعية نفس أمرية.

أهمية البحث لأنه بعد ذلك سنأتي لعل قائل أن يقول أن التلازم بين اللفظ والمعنى من قبيل التلازم بين وجودين، أو من قبيل التلازم بين أمرين واقعيين، محتمل. يوجد قول أو لا؟ المهم نحن الآن لسنا في الأقوال وإنما المهم في الاحتمالات المتصورة.

إذن أعزائي القسم الأول أو الصنف الأول من العلاقة هي علاقة غير مجعولة، لماذا غير مجعولة لأنها لا يمكن أن تجعل يعني سالبة بانتفاء الموضوع يعني خارجة عن الجعل لا محمولاً، بل خارجة عن الجعل موضوعاً غير مجعولة على الإطلاق لا من الواجب ولا غير الواجب لا تكويناً ولا اعتبارً. هذا هو القسم الأول.

القسم الثاني: أن تكون العلاقة قائمة بين شيئين ولكنها مجعولة من قبل جاعل معين، إذا أردنا أن نتكلم بكلمة منطقة هذا يكون من قبيل المنفصلة الحقيقية إما مجعولة أو لا. واللا هو القسم الأول، هذه المجعولة أيضاً يمكن أن نتصورها على نحوين أو مصداقين افترضوا:

النحو الأول: الجعل التكويني: وهو أنه لا علاقة بين (أ) و(ب) ولكن الله في نظام التكوين عندما أوجد عالمنا أوجد فيه مجموعة من العلاقات الوجودية، هذا الوجود محتاج إلى هذا الوجود وهذا الوجود محتاج إلى ذاك الوجود، أنت جنابك الآن تحتاج إلى الماء لرفع العطش وتحتاج إلى الطعام لرفع الجوع وتحتاج وتحتاج … هذه الاحتياجات … وفيها جعل بين المحتاج والمحتاج إليه، وهناك نحو من الارتباط كما في كل هذا النظام العالم الذي نعيش فيه (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) أوجد هذه الروابط بين الأشياء، هذه الروابط اعتبارية أو تكوينية؟ روابط تكوينية ولكن روابط تكوينية مجعولة أو غير مجعولة؟ روابط تكوينية مجعولة من جاعل الكون بما هو مكون، بما هو خالق، بما هو موجد، لا بما هو معتبر، هذا المثال الأول أو النحو الأول.

النحو الثاني: أنها مجعولة هو أنها مجعولة بالجعل الاعتباري. أين؟ الآن أنتم بين العقلاء تجدون يضعون قيمة هذه الورقة كذا وغداً يرفعون الاعتبار عنها، أصلاً في كل الأحكام التشريعية الصادرة من الله أو من المشرع بما هو مشرع لا بما هو مكون وجاعل وخالق، هذه كلها أمور اعتبارية ولذا عندما ترجعون إلى الروايات في بعض الأحيان قال كذا حلال وفي بعض الأحيان قال كذا حرام، هذه أمور اعتبارية، في بعض الأحيان قال كذا واجب وفي بعض الأحيان قال كذا غير واجب، أنا لا أريد أن أقول أن هذه أمور جزافية، لا لا، ناشئة من مصالح ولكن هذا الجعل جعل اعتباري.

فائدة – هذا غير مرتبط ببحثنا ولكنه لفائدة الأخوة- وسأشير إلى المصادر، أقرأ منها قليل وإن شاء الله تعالى في محله التفصيل.

أعزائي العلاقة، طبعاً القسم الأول يعبر عنه العلاقة ذاتية، النحو الأول من القسم الثاني في الكلمات أيضاً يعبر عنها علاقة ذاتية، فلهذا لا تخلطوا بين الذاتية في القسم الأول والذاتية في النحو الأول من القسم الثاني، هذان نحوان من الذاتية، لأن تلك ذاتية غير قابلة للجعل وهذه ذاتية ولكن قابلة للجعل.

سؤال: النار حارة والشمس مضيئة والليل مظلم وعشرات ومئات وآلاف الظواهر الكونية هذه العلائق الموجودة بين الشيئين هل هي علاقة- طبعاً الآن اتضح القسم الأول ما هو والنحو الأول من القسم الثاني- هل هي علاقة من النحو الأول من القسم الثاني أو هي من القسم الأول. هذه معركة رهيبة بين الحكماء أنه النار حارة أصلاً هذه طبيعة النار هكذا بنحو يستحيل تفكيك الحرارة عن النار، كما يستحيل تفكيك الزوجية عن الأربعة، هل يمكن للحق تعالى، عندما أقول يمكن معناه هل مشمول للقدرة أو غير مشمول، أن الأربعة موجودة ولكن الزوجية غير موجودة، ممكن أو غير ممكن، هل النار كذلك أيضاً.

هنا إذا ترجعون إلى الكلمات تجدون بأنه يوجد توجهان في هذا المجال:

التوجه الأول: يقول أساساً هذه الأمور وخصائص هذه الأمور ذاتية كالقسم الأول، لا من النحو الأول من القسم الثاني، نعم الله أوجدها لا أنه جعلها، هذا الجعل لذاتها، هذا من أين يستشم؟ يستشم من كلمات الشيخ ابن سينا عندما يقول: الله ما جعل المشمش مشمشة ولكن أوجد …أصلاً المشمشة هذه خصوصيتها، النار خصوصيتها الإحراق، تقول لي: إذن جعلها على إبراهيم برداً وسلاماً كيف؟ يجيبك أصحاب هذا الاتجاه: لا أنها بقيت ناراً ولكن لم تحرق، أصلاً بدل النار … والله قادر أن يبدل ولكن أن تبقى ناراً ولا تحرق هذا الممتنع. أن تبقى أربعة وليس بزوج ممتنع أما أن يعدم الاربعة يمكنه أو لا يمكنه؟ نعم يمكنه. هذا اتجاه.

فلهذا تكون الأشياء الكونية والعلاقات الحاكمة بينها من قبيل تسلسل مراتب الأعداد، من الناحية الرياضية ومن الناحية العقلية الثلاثة تقع بين الاثنين وبين الأربعة، تستطيع أن تجعل الثلاثة بين السبعة وبين التسعة أو لا يمكن؟ تقول: نضعها. نقول: لا تبقى ثلاثة، إذا صارت بين السبعة والتسعة أنت تريد أن تسمها ثلاثة سمها، ولكنها ليست ثلاثة بل هي ثمانية، أنت تريد أن تسميها ثلاثة، أو سمها (أ)، كلامنا ليس في التسمية بل واقعها، هذا الواقع بين التسعة والسبعة هو الثمانية.

إذن أعزائي يوجد توجهان، هذا أنت والمبنى اذهبوا إليه وابحثوا عنه أن هذا من هذا القبيل، طبعاً هذا سينفعنا لأنه بعد ذلك سنبحث بأن العلاقة لأنه جملة من الأعلام ضربوا أمثلة، إذا ترجعون إلى بحث حجية القطع ضربوا أمثلة للعلاقات الذاتية التي لا تقبل الانفكاك ضربوا مثال النار وحرارة النار مع أن هذا المثال يصح على كل المباني أو لا يصح؟ لا يصح، وإنما يصح على بعض المباني دون البعض الآخر. هذا البحث إذا أردتم مراجعته بنحو الإجمال في (الميزان، ج6، ص255) هذه عبارته، يقول: (هناك مجموعة من الظواهر والقوانين العامة في المبدأ والمعاد، قواعد ضرورية) يعني قابلة للانفكاك أو غير قابلة للانفكاك؟ غير قابلة (لكنها جميعاً قوانين كلية ضرورية) فيها كلية وكذلك ضرورة (إلا أنها ضرورية لا في أنفسها وباقتضاء من ذواتها) هذا القسم الأول، بل بأي معنى ضرورية؟ قال: (بل بما أفاده الله سبحانه عليها من الضرورة واللزوم).

إذن تبين أن الضرورات أو الذاتيات ما هي؟ ذاتيات من ذواتها وباقتضاء من ذواتها وذاتيات أفاض الحق تعالى اللزوم لها. هذا هو القسم الأول والنحو الأول من القسم الثاني. وتفصيل البحث هناك. هذا المور الأول.

المورد الثاني الذي هو أكثر تفصيلاً في (الميزان، ج8، ص55) هذه العبارة واقعاً أنا سأقرأ منها مقداراً ولن أشرحها لأن الأعزاء يقولون نحن نراجع، يقول: (إذا عرفت ذلك علمت أن علومنا) يعني بعض علومنا أو كلها؟ العملية منها أو النظرية والعملية؟ العبارة مطلقة. (إن علومنا وأحكامنا) حتى يثبت العموم والشمول (كائنة ما كانت معتمدة على فعله تعالى، فإن الخارج الذي نماسه فننتزع ونأخذ منه أو نبني عليه علومنا هو عالم الصنع والإيجاد وهو فعله، وعلى هذا) التفت إلى المثال الذي يعد من أخطر الأبحاث التي عرضها السيد الطباطبائي في الميزان ولم أجد من التفت إلى هذه القضية. يقول: (فعلى هذا) مرتبطة بنظرية المعرفة (فيعود معنى قولنا الواحد نصف الاثنين بالضرورة) هذه من أي قسم، من القسم الأول أو من النحو الأول من القسم الثاني؟ أنا لا أتصور أن أحداً يختلف في أنها من القسم الأول. انظروا ماذا يقول؟ يقول: (الواحد نصف الاثنين بالضرورة يعود معنى ذلك إلى أن الله يفعل ذلك دائماً) الواحد نصف الاثنين لا أنها في واقعها هكذا، يعني في واقعها هي هكذا أو أن فعله جعلها هكذا؟ يعني أين يدخلها؟ في النحو الأول من القسم الثاني. وهذه قضية رياضية كما تعلمون لأنها من قبيل اجتماع النقيضين ومن قبيل اثنين بالإضافة إلى اثنين يساوي أربعة (وعلى هذا القياس وإذا علمت هذا دريت أن جميع ما بأيدينا من الأحكام العقلية سواء في ذلك العقل النظري الحاكم بالضرورة والإمكان والعقل العملي الحاكم بالحسن والقبح مأخوذة من مقام فعله) لا أنها في واقعها ونفس الأمر. هذه القضية إلى أين توصلنا؟ توصلنا إذن توجد هناك واقعيات يقاس إليها فعل الله أو لا توجد؟ لا توجد. وهذه من أخطر نظريات المعرفة، ولذا الآن لم أعلق، إن شاء تطالعونها، والأخوة إذا أرادوا خارج البحث أبين بعض الشيء.

ارجع إلى بحثي:

إذا اتضحت هذه المقدمة، إذن إلى الآن اتضح لنا أنحاء العلاقة: القسم الأول من العلاقة هي العلاقة الذاتية بمعنى أنها يستحيل أن تكون مجعولة من قبل أحد لا تكويناً ولا اعتباراً. القسم الثاني: علاقات مجعولة من قبل جاعل، هذه إما جعلاً تكوينياً وإما جعلاً اعتبارياً.

إذا اتضح هذا تعالوا معنا إلى بحث الوضع:

ما هو الوضع؟ ما هي العلاقة القائمة بين اللفظ وبين المعنى؟ هل هي من القسم الأول؟ هل من النحو الأول من القسم الثاني أو هي من النحو الثاني من القسم الثاني، أو لا هذه ولا تلك؟ وإن قلت لا يمكن باعتبار أن المنفصلة منفصلة حقيقية، قلنا إما مجعولة وإما لا. إما أن يقال أن العلاقة بين اللفظ والمعنى مجعولة وإما غير مجعولة. إذا كانت غير مجعولة في القسم الأول وإذا كانت مجعولة في القسم الثاني.

ولكن هنا بودي أن أشير إلى تمهيد في بحث الوضع لأنه يهم كثيراً. جملة من أعلام الأصوليين عندما جاءوا إلى بحث الوضع تصوروا أن القضية في هذه اللفظة، الوضع، ولذا عنونوا بحث الأصول بمبحث الوضع، فلهذا دخلوا في بحث كتب اللغة، معنى الوضع ما هو؟ هل هو الاعتبار، هل هو العلامية، ما معنى الوضع؟ يعني تكلموا في هذه المفردة، من قبيل ورد لفظة خالق، ذهبوا إلى كتب اللغة ما هو معنى خالق، هل معنى خالق يعني أوجد أو معنى خالق يعني قدر، ما هو معنى خالق؟ هؤلاء أيضاً ذهبوا إلى فهم هذه المفردة لغوياً يعني بيان معناها بالحمل الأول. تصوروا أن المعركة في علم الأصول مرتبطة بأن معنى الوضع ما هو؟ فلهذا قال بعض هو اعتبار، بعض قال ليس اعتبار بل هوهوية، بعض قال لا اعتبار ولا هوهوية بل علامية وهكذا. لأنه كلهم يبحثون عن معنى الوضع ما هو؟ مع أن القضية بالنحو الذي طرحناها هو هذه؟ بحثنا نحن ليس في مفردة الوضع ما هو، بل نبحث في هذه العلاقة. تريد أن تسميها وضع تريد أن تسميها عوض، ماذا تريد أن تسميها فسمها، بحثنا ليس في المفردة اللغوية، ولذا هذا البحث … مضمون هذا البحث موجود في أي لغة أخرى، اذهبوا أنتم إلى فلاسفة الغرب تجدون أن هذا البحث بشكل واسع الآن موجود في كلماتهم مع أنهم توجد عندهم مفردة الوضع أو لا توجد؟

إذن القضية ليست هذه، أين رتبوا الأثر عليها؟ أين دخلوا في المعركة؟ دخلوا في معركة في مسألة تقسيم الوضع إلى تعيني وإلى تعييني، قالوا: بناء على أن الوضع هو اعتبار هذا اللفظ دال على المعنى إذن لا ينقسم الوضع إلى تعيني وإلى تعييني، لماذا؟ لأن التعييني معقول لأنه اعتبرت هذا اللفظ لهذا المعنى، أما التعيني فمعقول أو غير معقول؟ قالوا: لأنه لا يوجد اعتبار لأن الاعتبار فرع القصد وفرع الإرادة وكثرة الاستعمال ليس اعتباراً، هذه واحدة من أهم الوجوه التي بها قالوا باستحالة الوضع التعيني، هذا من أين جاء هذا الوجه؟ جاء من هذه النكتة وهي أنهم تصوروا أن المراد من الوضع معناه اللغوي، نحن في المقدمة لابد أن نشير للأعزاء أن بحثنا ليس في هذه المفردة اللغوية.

أما بحثنا وهو أنه أساساً أي نحو من أنحاء العلاقة متصورة بين اللفظ وبين المعنى؟ عندما أقول أي نحو من أنحاء العلاقة ليس بالضرورة توجد أقوال، قد توجد أقوال وقد لا توجد أقوال ولكنها احتمالات، ولعل الاحتمال يوجد به قائل، ليس مهماً هذا، المهم الاحتمالات.

الاحتمال الاول: أن العلاقة بين اللفظ بين اللفظ وبين المعنى هو من قبيل القسم الأول، عندما أقول لفظ ومعنى مقصودنا لفظ ما والمعنى الموضوع له، يعني اللفظ المخصوص للمعنى المخصوص. هذه علاقات ذاتية من الأزل قابلة للتغيير أو غير قابلة للتغير؟ أبداً غير قابلة للتغيير ولا للزوال ولا ولا، وهذا معنى قول بعضهم في كلمات الأصوليين أن اللفظ هو علة تامة لتصور المعنى، مرادهم هذا القسم، ما معنى العلة التامة؟ يعني أنت بمجرد تصور اللفظ يوصلك الى ماذا … بلا جعل وبلا توسط وبلا واسطة وبلا دخول لأحد على الخط، طبعاً هذا المعنى بنحو الإجمال موجود في (مطارحات الأنظار، ج2، ص376) للشيخ الأنصاري الطبعة الحديثة، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي، قال: (إنما ينافي قوله في دفع ما ذهب إليه سليمان بن عباد الصميري) هذا القول نسبوه إليه ولكن بعد ذلك سيتضح أن هذا القول الأول ليس هو لسليمان بن عباد، ولهذا الآن لن أشير الى أن النسبة صحيحة أو لا، بعد ذلك سيأتي. يقول: (من أن دلالة الألفاظ ذاتية) ما معنى ذاتية؟ يعني أن اللفظ بنفسه دال على معناه الذي … لا تقولوا على معناه الذي وضع له لأن يوجد وضع أو لا … على معناه الذي كشف عنه، أنا واجد في بعض العبارات يقول دلالة الألفاظ على المعاني دلالة الألفاظ ذاتية للمعنى الذي وضع له، يا أخي أنت عندما تقول ذاتية ما معنى وضع له، لا يوجد وضع، وإنما هي للمعنى الذي كشف عنه اللفظ لا وضع له اللفظ، كما أن الزوجية لم توضع للأربعة أبداً، كما أن الفردية لم توضع للثلاثة وهكذا.

هذا المعنى جاء بعبارة أخرى في كلمات السيد الخوئي في (دراسات في علم الأصول، ج1، ص27) قال: (اختلفوا في أن دلالة اللفظ على معناه) العبارة علمية ودقيقة (هل هي ذاتية أم جعلية). هل هي ذاتية أم هي جعلية. يعني هل هي … لأنه بقرينة الجعلية يعني الذاتية مجعولة أو غير مجعولة، وإلا إذا كانت الذاتية مجعولة ولو بجعل تكويني فتدخل في أقسام الجعلية ولا يكون قسمان، أما بقرينة أن التقسيم قاطع للشركة إذن الذاتية غير مجعولة.

قال: (هل هي على ذاتية أم هي جعلية، ذهب بعضهم الى الأول) من القائل بهذا الاحتمال، أنا لم أجد أحد قائل بهذا الاحتمال. نعم، هناك معنى من معاني الذاتية بعد ذلك وهو أن الألفاظ فيها مناسبات ذاتية للمعاني وهذا غير الذاتية بهذا المعنى، لا يخلط الأعزاء. فيها مناسبات لمعنى معين تحتاج الى جعل، يعني لماذا أن الجاعل جعل هذا اللفظ لهذا المعنى؟ يقول: لأن هذا اللفظ هو الذي يناسب هذا المعنى، هذا بيان نكتة أنه رجح اللفظ لهذا المعنى، يعني مجعولة أو غير مجعولة؟ مجعولة، ولكن سبب الجعل مناسبات، هذه غير نظرية الذاتية التي نشرحها الآن، وكم وقع في كلمات جملة ممن لا تخصص له في المباحث العقلية الخلط بين الذاتية وبين المناسبات الذاتية، وهذا الذي قبل قليل قرأناه من كلمات الشيخ الأنصاري حيث أنه تصور أن عباد بن سليمان قائل بالذاتية مع أن عباد بن سليمان لم يقل بالذاتية بل قائل بالمناسبة الذاتية وسيأتي بحثه بعد ذلك.

قال: (وذهب بعضهم إلى الأول، وفيه لو أريد من الذاتية أن تكون تلك المناسبة الذاتية كالعلة التامة لدلالة اللفظ على معناه فلازمه …).

إذن الاحتمال الاول، لا أعبر عنه قول لأني لم أجد أحداً يقول به إلا – لا أعلم ما أعبر عنه- مختلط، وإلا عاقل … لماذا أقول مختلط؟ لدليلين: الدليل الأول أنه عدم الدليل على هذا الاحتمال، أين دليله، سلمنا، في مسألة إذا تصورنا اجتماع النقيضين بالضرورة نصل الى الامتناع، إذا تصورنا المعلول بالضرورة … ولذا في محله نحن في الأبحاث الفلسفية قلنا احتياج المعلول الى علة مسألة بديهية ضرورية تحتاج الى تصور صحيح، وإلا أنت عندما تفترضه معلول وتفترضه حادث وتفترضه أنه ليس له وجود من نفسه ومع ذلك أقول من أوجده؟ تقول: لا يحتاج. هذا تناقض. أما من يستطيع أن يدعي أنا عندما أتصور اللفظ بنفس التصور أصل الى معناه الخاص به، ما الدليل على هذا، يحتاج الى دليل. أولاً عدم الدليل عقلاً أو نقلاً على هذا الاحتمال أو على هذا القول إن كان هناك قائل به.

وثانياً: أنه هذه الدعوى التي تقول بأنه … وهو الذي يقول بأن العلاقة بين اللفظ والمعنى علاقة من القسم الأول، إذا تتذكرون قلنا في القسم الأول يوجد مصداقان أو مصداق واحد للعلاقة؟ قلنا مصداقان، أن يوجد هناك علاقة بين الوجودين وأن توجد هناك العلاقة بين أمرين نفس أمريين، هذا الذي يدعي وجود العلاقة من القسم الأول بين اللفظ والمعنى يجعله بين وجودين أو يجعله بين أمرين نفس أمريين أي منهما؟ لا أول تام، يعني يستحيل أن يكون بين وجودين، وإلا للزم – أقوله إجمالاً- أن لا تكون العلاقة بين اللفظ المعين والمعنى المعين وإنما أن تكون العلاقة بين وجود اللفظ المعين ووجود المعنى المعين، مع أن الواقع ليس كذلك، حتى لو يوجد اللفظ والمعنى بناء على هذا العلاقة قائمة، طبعاً سأبطل هذا الاحتمال ولا أدخل في التفصيل.

الاحتمال الثاني: أن نقول بأنه لا، أمرين نفسيين من قبيل الزوجية والأربعة، لا يحتاج … أو من قبيل تعدد الآلهة وفساد العالم، شريك الباري ممتنع هذا متوقف على الوجود أو غير متوقف؟ يقول أن العلاقة بين اللفظ والمعنى ليس بين وجود اللفظ والمعنى وإنما العلاقة بين أمرين نفس أمريين. الأول باطل والثاني باطل لدليلين: الدليل الأول عدم الدليل عليه، والدليل الثاني الدليل على العدم، يعني لا فقط لا يوجد دليل لتصحيح هذا الاحتمال بل الدليل قائم على إبطال هذا الاحتمال، ويأتي.

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات