بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
انتهينا بحمد الله تعالى من بيان نظرية المحقق العراقي في حقيقة الوضع، وبعبارة أشمل في بيان حقيقة العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى، بعد أن انتهينا كما يقال من المقتضي فهل يوجد هناك مانع من الالتزام بهذه النظرية أو لا؟
من هنا لابد أن ندخل إلى المقام الثاني، عبروا عن ذلك المقام بالمقام الأول.
المقام الثاني من البحث: هو بيان الإشكالات الواردة عن نظرية المحقق العراقي. لم أجد في كلمات الأعلام إلا إشكال ذكره السيد الخوئي وإشكال ذكره السيد الشهيد الصدر+، أما الإشكال الأول وهو الإشكال الذي ذكره السيد الخوئي فقد أشرنا إليه في الدرس السابق، الاخوة إذا أرادوا المراجعة يرجعوا إلى (محاضرات في أصول الفقه، ج1، ص39) فبعد أن بين النظرية قال: (والجواب عن ذلك: أنه+) أي المحقق العراقي (إن أراد بوجود الملازمة بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له ، وجودها مطلقاً سواء كان الشخص عالماً بهذه العلاقة والملازمة أو كان جاهلاً بهذه العلاقة والملازمة فبطلانه من الواضحات) لا تخفى على أحد، لماذا؟ باعتبار أن لازم ذلك حتى من يجهل الوضع ينسبق ذهنه إلى المعنى عند سماع اللفظ والتالي باطل فالمقدم مثله، إذن الإطلاق باطل. إذن في الشق الأول من كلامه يقول أن العراقي أو أن صاحب النظرية إن كان يقول أن التبادر والانسباق وضعه الواضع مطلقاً أعم من أن يعلم أو يجهل فهذا باطل، لماذا؟ لأن له لازم باطل واللازم الباطل يكشف عن بطلان الملزوم، وهذا طريق إني يستعمل كثيراً وهو أننا لا نعلم أن هذه الحقيقة باطلة أو لا فنستكشف من بطلان اللازم بطلان الملزوم.
(فإن هذا يستلزم أن يكون سماع اللفظ وتصوره علة تامة لانتقال الذهن إلى معناه ولازمه استحالة الجهل باللغات مع أن إمكانه) يعني الجهل باللغات (ووقوعه من أوضح البديهيات)، هذا الشق الأول.
الشق الثاني: وهو أنه لا، أن الوضع لم يضع هذه العلاقة حتى لمن يجهل الوضع وإنما وضع العلاقة لمن علم بهذا الوضع، (وإن أراد به ثبوتها) يعني هذه الملازمة (للعالم بالوضع فقط دون غيره فيرد عليه أن الأمر كذلك) السيد الخوئي يقول نعم سلمنا وهو كذلك، وهو أنه لا يتبادر أو لا ينسبق المعنى من اللفظ إلا لمن علم بالوضع، ولكن هذه الملازمة الموجودة بين اللفظ والمعنى ليست هي حقيقة الوضع، أيها العراقي، وإنما هي ثمرة الوضع، ونحن نتكلم في حقيقة الوضع. نعم، بعد الوضع تقول تحصل ملازمة واقعية بين اللفظ وبين المعنى، لا معنى لأن نجعل ما هو نتيجة الوضع نقول هو نفس حقيقة الوضع. في جملة واحدة، في كلامه لا يوجد لا دور ولا تقدم ولا تأخر، هذا كله غير موجود فقط توجد جملة واحدة، ما هي؟ يقول: (وإن أراد به ذلك) يعني ثبوته للعالم بهذه الملازمة فقط دون غيره (فيرد عليه أن الأمر وإن كان كذلك) يعني أن هذه الملازمة ثابتة للعالم دون غيره (إلا أنها ليست بحقيقة الوضع) هذه الملازمة (بل هي متفرعة على الوضع ومتأخرة عنها رتبة) ومحل كلامنا في حقيقة الوضع لا الملازمة المترتبة على الوضع. (فلا معنى لأن نأخذ العلم بهذه الملازمة في حقيقة الوضع). هذا العلم بالملازمة، افترض أن هذا موضوع لمن علم بالملازمة، ولكن الملازمة هي الوضع أو متأخرة عن الوضع؟ متأخرة عن الوضع (فلا معنى لأن نأخذ العلم بالملازمة في حقيقة الوضع لأن الملازمة متأخرة عن حقيقة الوضع).
هذا كلام السيد الخوئي.
الآن تعالوا معنا إلى ما قاله الأعلام في هذا الكلام، طبعاً هذا المعنى لمن أراد أن يراجع موجود بشكل واضح ومبين في (مصباح الأصول، ج1، ق1، ص47) وهي تقرير آخر لبحوث السيد الخوئي، والمقرر هو السيد محمد سرور الواعظي الحسيني البهسودي، تحقيق جواد القيوم الأصفهاني، منشورات مكتبة الداوري. نفس هذا الكلام موجود يمكن مراجعته هناك. من يريد أن يعمل عملاً تحقيقياً أنصحهم هذه التقريرات الموجود للسيد الخوئي وكذلك التقريرات الموجودة للسيد الشهيد واقعاً هذه كلها تكون، لأنه تجدون في جملة من الأحيان أن هناك نكات موجودة هنا غير موجودة هناك، ونكات موجودة هناك وغير موجودة هنا. والسبب يعود إلى انه دورات السيد الخوئي في الأصول لا اقل أنها (6 دورات) ولذا قد تكون هناك بعض النكات مذكورة في بعضها دون البعض الآخر.
تعالوا معنى لهذا الإشكال.
ممن عرض للجواب عن هذا الإشكال بشكل تفصيلي السيد الروحاني في المنتقى والسيد الشهيد في تقريرات بحثه.
أما السيد الروحاني، تعالوا معنا إلى الشق الأول من الكلام يعني أن الواضع إذا جعله أعم من العالم والجاهل، في هذا الشق لا السيد الروحاني أشكل على السيد الخوئي في الشق الأول ولا السيد الشهيد أشكل على المحقق العراقي في الشق الأول. يعني كأنهما سلما أن ما يقوله السيد الخوئي في الشق الأول كلام تام لا غبار عليه، ولذا إشكالهم جميعاً أو إشكالهم جميعاً إشكال السيد الروحاني والسيد الشهيد انصب على الشق الثاني. وبإمكان الأعزاء الرجوع للتقريرات حتى أنا لا أخذ وقت الأعزاء.
وأما الشق الثاني. إذن الشق الأول العلمان عندهم إشكال أو لا يوجد عندهم إشكال على كلام السيد الخوئي؟ لا يوجد.
الشق الثاني: فيما يتعلق بالشق الثاني السيد الروحاني والسيد الصدر كلاهما فهم من كلام السيد الخوئي ذلك الإشكال المعروف وهو أخذ العلم بالشيء في موضوع نفسه، يجوز أو لا يجوز؟ هل يجوز أن تقول إذا علمت بوجوب الحج عليك فيجب الحج عليك، يصح أو لا يصح هذا؟ من الواضح أنه باطل، إذا أنا علمت بوجوب الحج علي فلا معنى لأن يقول لي الشارع فيجب الحج علي، أنا علمت بوجوب الحج. هم أدخلوه في الدور، أدخلوه في تقدم الشيء على نفسه، نحن لا ندخل هذا، لماذا؟ على مبنانا، قلنا مراراً أن القضايا التكوينية لا نخلطها بالقضايا التشريعية، هم أدخلوها وقال هذا تقدم الشيء على نفسه وتقدم الشيء على نفسه مآله إلى اجتماع النقيضين واجتماع النقيضين ممتنع عقلاًً.
ولذا السيد الروحاني في (المنتقى) والسيد الشهيد في تقاريره الثلاث، يعني في مقرريه الثلاث السيد الهاشمي والسيد الحائري والشيخ حسن عبد الساتر، كلها تشير إلى هذه النكتة وهي أنه كلامه ينتهي إلى هذا الإشكال، أنظروا ماذا يقول السيد الشهيد & في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص73) يقول: (وكأنه يراد أن يقال) لماذا عبر السيد الشهيد كأنه يراد أن يقال؟ لأنه في عبارات السيد الخوئي لا يوجد لا دور ولا أي شيء من هذا القبيل، ولكنه هم فهموا من كلام السيد الخوئي الإشكال المعروف، (وكأنه يراد أن يقال بأن الملازمة باعتبارها مشروطة بالعلم بالوضع تكون متأخرة رتبة عن الوضع فلا يعقل أن يكون الوضع هو نفس هذه الملازمة لأنه يلزم أن يؤخذ المتأخرة في المتقدم) قالوا العلم بالملازمة مأخوذ في الانسباق وحيث أن الملازمة متأخرة فلو قلنا حقيقة الوضع هي الملازمة فيلزم أن يكون متأخر ويلزم أن يكون متقدم، وإلا يلزم تأخر الشيء عن نفسه. هذا الكلام أيضاً بشكل واضح وصريح جاء في (مباحث الأصول، ج1، ص97) للسيد الحائري، قال: (وهذا تهافت ودور) يعني بعد أن نقل كلام السيد الخوئي قال هذا تهافت ودور (حيث أن السببية) يعني الملازمة (توقفت على العلم بها توقف الشيء على موضوعه بينما العلم بالسببية متوقف على السببية توقف العلم على معلومه فيلزم أن يكون العلم بالوضع متوقفاً على العلم بالوضع) يلزم أن يكون العلم بالملازمة متوقفاً على العلم بالملازمة، وهذا معناه تقدم المتأخر أو تأخر المتقدم ولازمه الدور والدور مآله إلى النقيضين والاستحالة.
وهذا المعنى بشكل واضح وصريح أيضاً أشار إليه في (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، ج2، ص43) قال: (وعليه فحينئذ يلزم الدور في المقام لأن سببية اللفظ للمعنى …) لمن أراد المراجعة هناك توضيح أوضح تقريباً بحدود أكثر من نصف صفحة يبين إشكالية الدور في المقام.
إذن كأن كلا العلمين فهموا من كلام السيد الخوئي أنه يشير إلى أي إشكالية؟ أخذ العلم بالشيء في موضوع نفس الشيء. أخذ العلم بالجعل في موضوع نفسه. أخذ العلم بالحكم في موضوع نفس الحك. أخذ العلم بالوجوب في موضوع الوجوب. معقول أو غير معقول؟ قالوا في محله غير معقول، ونحن على مبانينا نقول أنه لا، العلاقة ليست مرتبطة بالمعقولية أو غير المعقولية وإنما هذا يعد لغواً لا أنه غير معقول، هذا بحثه إن شاء الله في محله.
ولذا كلا العلمين يعني السيد الروحاني والسيد الشهيد صاروا بصدد الجواب عن هذا الإشكال الذي تصوره وفهموه من كلام السيد الخوئي، ما هو الجواب المعروف؟
الجواب المعروف الذي قرأتموه مراراً في الكتاب الأصولية أن المحال أخذ العلم بالحكم في نفس موضوع الحكم، أما أخذ العلم بالجعل في موضوع فعلية المجعول هذا يوجد فيه محذور أو لا يوجد فيه محذور؟ قالوا لا يوجد فيه محذور.
أضرب مثالاً لذلك لكي لا تكون القضية مظهرية فقط واصطلاحات. مرة أقول: يجب الحج على من علم بوجوب الحج ومرادي من الوجوب الأول والوجوب الثاني وجوب واحد، لا وجوبان. وجوب واحد أقول: يجب، يعني الشارع بنحو القضية الحقيقية هكذا يقول: يجب الحج على من علم بوجوب الحج، يقولون هذا محال، لماذا؟ لأن الموضوع متقدم رتبة على المحمول، ووجوب الحج محمول فمن علم به يلزم أن يكون وجوب الحج في المحمول ومن يعلم بوجوب الحج في الموضوع وجوب الحج أيضاً في الموضوع فيلزم أن يكون وجوب الحج في الموضوع وفي المحمول، ومن الواضح أن المحمول متأخر رتبة عن الموضوع فلا يعقل أن يكون وجوب الحج متأخر ووجوب الحج متقدم.
هناك تخلصوا بلطائف الحيل عن هذا الإشكال العقلي الذي هم بنوه لأنفسهم، وإلا لا إشكال عقلي هناك، هم بنوه وأجابوا عنه بجواب آخر، قالوا: لا، نحن عندنا نوعان من الحكم، النوع الأول هو الحكم الكلي الذي يشرعه الشارع، النوع الثاني هو الحكم الجزئي الذي يرتبط بزيد وعمر عند توفر شرائطه. إذن نوع واحد من الحكم او نوعان من الحكم؟ عبروا عن الأول بالحكم الكلي الذي شرعه الشارع سواء كان له مصداق في الواقع الخارجي أم لم يكن له مصداق. من قبيل أن الشارع قال: (لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) هذا وجب الحج، زيد يجب عليه، افترضوا في ذلك الزمان لا يوجد مستطيع، إذن لا يوجد عندنا حكم جزئي مرتبط بزيد وبكر وعمر. وعندنا حكم ثاني ما هو؟ وهو حكم جزئي مرتبط بعمر عند توفر شرائط وجوب الحج، أليس كذلك. عبروا عن الأول بالجعل وعبروا عن الثاني بفعلية المجعول، لا المجعول، لا تخلطوا، فعلية ذلك الذي جعل. إذن صار عندنا نوعان من الحكم، حكم كلي وحكم جزئي، أو الجعل وفعلية المجعول. قالوا يستحيل أخذ العلم بالحكم الكلي في موضوع الحكم الكلي، أما أخذ العلم بالحكم الكلي في موضوع الحكم الجزئي لا دور ولا تقدم ولا تأخر لأنه حكم واحد أو حكمان، فلا يلزم تقدم المتأخر وتأخر المتقدم. وعلى هذا المبنى إن شاء الله تعالى في باب التمام والقصر في جملة من الموارد التي دل الدليل على أن الصلاة واجبة على من علم خرجوها بهذا التخريج، لأنه في باب التمام والقصر قالوا إنما يجب على المكلف القصر إذا كان عالماً بوجوب القصر فمن لم يعلم وصلى تماماً صلاته صحيحة لا مشكلة فيها.
كيف يمكن أخذ العلم بالجعل في موضوع الجعل؟ أجابوا قالوا: لا، أُخذ العلم بالجعل في موضوع فعلية المجعول، بعبارة أخرى: أخذ العلم بالحكم الكلي الذي جعله الشارع حتى يجب الحكم الجزئي على زيد. فهل يوجد دور أو لا يوجد؟ لا يوجد دور.
التفتوا لي جيداً، هذا الجواب مرتبط هناك ما هي علاقته بمحل الكلام؟ السيد الروحاني يقول نطبق ذاك على المقام، طبعاً بتوضيح مني، كيف نطبقه، وإلا هو قال فقط نطبق القاعدة، أما كيف فلم يبين. وهو أن يقال هكذا: وهو أن زيد لكي يتفعل عنده الإنسباق وتبادر المعنى من اللفظ لابد أن يكون عالماً بالجعل فنقول: العلم بالجعل، مرادنا من الجعل يعني الملازمة الواقعة بين اللفظ والمعنى هنا في المقام.
مداخلة لأحد الطلبة: ……….
أخذ في موضوع هذا الانسباق الشخصي، متى ينسبق لي كشخص؟ إذا علمت بذلك الجعل الكلي بين اللفظ والمعنى، أما إذا لم أعلم فاسمع اللفظ يتبادر إلى ذهني معناه أو لا يتبادر؟ لا يتبادر. إذن لا محذور في أن نأخذ العلم بالجعل … هذا جواب عن السيد الخوئي لأنهم فرضوا أنه أشكل بإشكال كيف يعقل أن يؤخذ المتقدم في المتأخر. أجاب السيد الروحاني في (منتقى الأصول، ج1، ص48) قال: (ثم أن هذا قد يكون مورد التساهل لذلك والتزم) المحقق العراقي (والتزم بتخصيص المجعول) مراده من المجعول يعني تبادر ذهني من اللفظ إلى المعنى (والتزم بتخصيص المجعول وتقييده بمورد العلم بالجعل بمعنى أن الجاعل يجعل الملازمة بين اللفظ والمعنى في صورة العلم بهذا الجعل بنحو يكون العلم قيد المجعول) لا قيد الجعل كي يقال بأن أخذ العلم بالشيء في موضوع نفسه محال، كما يستفاد من عبارة سيده الأستاذ السيد الخوئي. وإن كان هو لا يعبر في كتبه السيد الأستاذ يكون في علمكم حتى في مجلس الدرس الذي حضرناه وهي مدة قليلة كان يقول: كما يقال في الخضراء، هكذا كان يعبر، حتى الاسم لم يكن يأتي به، كما قيل في الخضراء … يرد عليه كذا وكذا. كما الآن هذه الطريقة بدأت تمشي، كما أنه الآن تقريرات الشيخ الوحيد الخراساني في كتاب البيع مكتوبة تقريرات المسجد الأعظم، أنا لا أعلم المسجد الأعظم كيف تكون له تقريرات، مكتوبة خمس مجلدات دورة البيع في المكاسب للشيخ الوحيد، مكتوب عليها كتاب البيع تقريرات المسجد الأعظم. مساكين الذي يأتون فيما بعد من هو المسجد الأعظم، هنا أيضاً كذلك.
ولذا في بعض الأحيان كما قلنا في الدرس هكذا يكون وهنا عبارته يقول (ومن هذا البيان يظهر الإشكال في كلام السيد الخوئي) ليس هناك عنوان السيد الأستاذ.
قال: (بنحو يكون العلم قيد المجعول لا قيد الجعل كي يقال بأن أخذ العلم بالشيء في موضوع نفسه محال وذلك أعني أخذ العلم بالجعل قيداً للمجعول أمر ممكن لا محذور فيه كما يقرر في بحث التعبد والتوصل وكما في موارد فقهية أخرى) هذا هو الجواب الأول الفني الذي ذكر عما تُصُور أنه إشكال السيد الخوئي.
وهذا البيان بعبارات أخرى أيضاً جاء في تقريرات السيد الشهيد& ولكنه بعبارات أخرى يقول: (وهذا المقدار يمكن أن يجاب عليه بأن الوضع هو جعل هذه الملازمة المشروطة لا نفس الملازمة ولا يلزم حينئذ تأخر الشيء عن نفسه لأن المتأخر عن العلم بالوضع الملازمة … ونتيجة ذلك أن فعلية الملازمة) هذا الذي شرحناه، بالنسبة إلى من؟ إلى الشخص (إن فعلية الملازمة تتوقف على جعل الملازمة كبروياً) هذا الذي قلنا الكلي والجزئي. استفدناه من هذا الكلام للسيد الشهيد، قال: (أن فعلية الملازمة تتوقف على جعلها كبروياً وهذا هو الوضع) يعني الجعل الكبروي (وعلى تحقق الشرط المأخوذ في مقام جعلها قيداً وهو العلم بذلك الجعل) نفس البيان الذي قرأناه هنا، وهذه جملة من الأعلام أشاروا إلى هذه القضية.
ولكن السيد الشهيد& ذكر جواباً آخر عن الإشكالية، هذا الجواب لم يرد إلا إجمالاً، لم يرد في تقريرات السيد الهاشمي وإنما ورد في (تقريرات السيد الحائري) وفي (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر).
الإشكال واضح أمامكم، هذا هو علم الأصول شئت أم أبيت علم الأصول يعني هذه الأبحاث، هذه القواعد ليس فقط … أنتم وجدتم الآن أن هذه القاعدة استفدنا منها موجودة في التعبدي والتوصلي، موجودة في أحكام فقهية أخرى، إذن ليست مختصة بالمقام.
يقول السيد الشهيد في (تقريرات السيد الحائري): (لو كنا نحن وهذا الإشكال لأمكن لصاحب هذا المسلك) يعني المحقق العراقي (أن يصب مسلكه بصياغة لا يرد عليها الإشكال المتقدم) ما هو؟ يقول: أنتم قلتم أن العلم بالوضع صار متوقفاً على العلم بالوضع. الجواب: كلا، فإن المتوقف شيء والمتوقف عليه شيء آخر. إذن يوجد الدور أو لا دور؟ لا دور. ما هو؟ قال: (وذلك بأن يقال أن سبب الانتقال إلى المعنى) ليس هو وضع اللفظ للمعنى. وإنما مركب من جزئين، اللفظ والعلم بالملازمة، فإذن لكي يتبارد إلى الذهن متوقف على أمرين، أما نفس الوضع متوقف على أمرين أو على أمر واحد؟ على أمر واحد، إذن فلا دور في المقام. هذا إجماله وتفصيله قال: (إن سبب الانتقال إلى المعنى مركب من جزئين أحدهما اللفظ والآخر العلم بالوضع) أن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى (والواضع جعل اللفظ جزء السبب) لا تمام السبب، تمام السبب ما هو؟ اللفظ والعلم بأن اللفظ موضوع لهذا المعنى (وقد جعله جزء السبب مطلقاً) سواء علم أو لم يعلم (من دون فرق بين الجاهل بالوضع والعالم إلا أن الجاهل بالوضع لا تثبت عنده الدلالة والإنسباق) لماذا؟ لعدم علمه بالجزء الآخر وهو العلاقة بين اللفظ وبين المعنى.
طبعاً هذا البيان فيه غموض بعض الشيء من أراد المراجعة بشكل واضح وتفصيلي في (ص44، ج2 من تقريرات الشيخ حسن) يقول: (رد اعتراض السيد الأستاذ) ومراده من السيد الأستاذ يعني السيد الخوئي، يقول: (لو بقينا نحن مع اعتراض السيد الأستاذ مع هذا المسلك لا يمكن قبول هذا الاعتراض وذلك لأن الذي هو مركب من جزئين … إذن فالموقوف على العلم هو السببية التامة والذي يتوقف عليه العلم هو السببية التي هي جزء السبب) إذن عندنا المتوقف على شيئين والمتوقف عليه شيء واحد، إذن يوجد الدور أو لا يوجد الدور؟
السيد الحائري في حاشيته (ص98) قال: (وهذا الجواب) أي جواب؟ الجواب الذي ذكره السيد الصدر (الذي يذكر في مسألة أخذ العلم بالحكم في موضوع ذلك الحكم من التفكيك بين الجعل والمجعول مثلاً وأخذ العلم بالجعل في موضوع المجعول فلو أسري ذاك الجواب إلى ما نحن فيه ثبت جوابان) هذا الجواب والجواب الذي ذكرناه عن السيد الروحاني.
تحقيق الكلام في هذين الجواب إلى محله، نحن الآن إذن تلخص مما تقدم أنه في الشق الأول، يعني خلاصة الكلام، في الشق الأول من كلام السيد الخوئي وافق عليه العلمان السيد الروحاني والسيد الشهيد، وفي الشق الثاني من كلام السيد الخوئي ناقشا الأول يعني السيد الروحاني ناقشه بجواب والسيد الشهيد ناقشه بجوابين.
تعالوا معنا نرجع من أول. هذا ما ذكر من قبل هذين العلمين في هذين الشقين.
أما الشق الأول: في الشق الأول ما ذكره السيد الخوئي وما وافق عليه العلمان باعتبار أنهما لم يناقشاه، لا ما ذكره تام ولا موافقتهما تامة، لماذا؟ لأنه هناك في كثير من الأحيان تقع غفلة عن قضية، تارة يفترض أن ما ذكر ممكن وصحيح ولكن يلزم منه لازم باطل إذن فالملزوم مثله، وإلا نفس الملزوم باطل أو ليس بباطل؟ ليس بباطل. يلزم منه لازم باطل فبطلان اللازم يكشف لنا عن بطلان الملزوم، وإلا الملزوم في نفسه باطل أو ليس بباطل. هذا هو النهج الذي مشى عليه السيد الخوئي وكلا تلميذيه السيد الروحاني والسيد الشهيد.
والجواب أن هذا الشق في نفسه باطل بلا حاجة إلى الاستدلال لإبطاله من خلال بطلان اللازم.
أوضح المطلب: انظروا السيد الخوئي فرض أن الملزوم في نفسه لا إشكال فيه ولكن الإشكال من أين؟ من قبيل تقول تقدم الشيء على نفسه، ما المحذور في أن يتقدم الشيء على نفسه؟ أنا قائل بتقدم الشيء على نفسه، بتسلسل العلل لا إلى نهاية، تقول: لا، إذا تسلسلت العلل إلى لا نهاية يوجد شيء أو لا يوجد؟ لا يوجد، إذن لازمه عدم الوجود فلازمه التناقض ولازمه الدور، نفس هذا البيان السيد الخوئي بأنه تارة أن الجاعل يعني في اللغة وضع اللفظ للمعنى جعله بنحو مطلق يشمل العالم والجاهل بالوضع، تقول: هذا محال، لماذا؟ لأن لازمه محال.
الجواب: أساساً هذا الجعل غير معقول، لا أن لازمه إذن أن الجميع يعلم باللغات، هذا الجعل ممكن أو غير ممكن، هذا غير ممكن. لماذا؟ لأنه أساساً – لتكن عندكم قاعدة عامة- أساساً القضية أي قضية أي شيئين كان بينهما تلازم اعتباري أو تلازم واقعي وكانت الملازمة مجعولة لا يعقل العلم بها، لا يعقل حصول العلم إلا بعد العلم الملازمة، بلا العلم بالملازمة لا يحصل العلم بأن هذا موضوع لهذا. أضرب لك أمثلة تكوينية، لماذا نذهب إلى اللفظ والمعنى، الحرارة والنار، الملازمة بين الحرارة والنار تكوينية، ذاتية، واقعية أو اعتبارية؟ ماذا قلنا في الأبحاث السابقة؟ قلنا تكوينية وجودية واقعية، ولكنه بمجرد أن الله جعل النار حارة جعلاً وجودياً تكوينياً إذا لم أعلم بذلك ينتقل ذهني بمجرد أن أرى النار إلى أنها حارة أو لا ينتقل؟ متى ينتقل ذهني إلى حرارة النار من النار؟ إما أن يخبرني مخبر أن النار حار، وإما أني أضع يدي على النار بالعلم الحضوري يحصل عندي علم بأن النار حارة.
أساساً هذا الشق وهو أن الجاعل جعلها أعم من العلم بالملازمة والجهل بها هذا الفرض صحيح أو باطل في نفسه؟ هذا الفرض باطل في نفسه، لا يعقل هذا. لا أنه يعقل ولكن باطل لأنه يلزم العلم باللغة، والتالي باطل فالمقدم مثله. لا. في مورد واحد فقط، نحن لا نحتاج إلى العلم بالملازمة لكي ينتقل الذهن من أحدهما إلى الآخر وهي في الملازمات الذاتية بالمعنى الأول، تلك أنت بمجرد أن تتصور المحمول وتتصور الموضوع يحصل لك التصديق وثبوت هذا المحمول لهذا الموضوع، أما في النار حارة بمجرد أن تتصور الموضوع والمحمول يثبت أن هذا المحمول ثابت للموضوع أو لا يثبت؟ لا، لا يثبت.
الماء رافع للعطش أنت سمعت هذه الجملة ولم تجرب ولم يخبرك أحد يحصل لك العلم بهذه الملازمة أو لا يحصل لك العلم؟ لا يحصل لك العلم. الماء يغرق، أبداً متى تحصل الملازمة الواقعية؟ إذا علمت أن هذا موضوع، إذا كان في الأمور الوجودية فما بالك في الأمور الاعتبارية، إذن هل يستطيع الجاعل أن يجعلها مطلقة تشمل العالم والجاهل أو لا يستطيع؟ انظروا إلى الشق الأول الذي ذكره السيد الخوئي في (المحاضرات، ص39) ماذا قال؟ قال: (إن أراد بوجود الملازمة بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له وجودها مطلقاً حتى للجاهل بالوضع، فبطلانه من الواضحات) لماذا من الواضحات؟ يقول: لأن لازمه فإنه يستلزم أن يكون سماع اللفظ علة … والتالي باطل فالمقدم مثله.
إذن كلامنا على الشق الأول أنه أساساً هذا الشق في نفسه باطل بلا حاجة إلى إبطاله من خلال إبطال لازمه.
وأما الجواب عن الشق الثاني: في عبارة السيد الخوئي أنا لا أريد أن أناقش فهم العلمين، فهما تلميذان للسيد الخوئي، ولكنه كلما دققنا في عبارة السيد الخوئي أساساً لا يوجد مسألة دور وتقدم الشيء على نفسه، كل الإشكال الذي يذكره السيد الخوئي، أقرأ لكم العبارة مرة أخرى بشكل واضح وصريح في المحاضرات يقول: (إلا أنها) الملازمة (ليست بحقيقة الوضع، بل هي متفرعة عليها ومتأخرة عنها) يعني عن حقيقة الوضع (ومحل كلامنا هنا في تعيين حقيقة الوضع التي تترتب عليها الملازمة بين تصور اللفظ وانتقاله إلى معنى) لا يوجد. يقول: أنتم قلتم أن العلم بالملازمة شرط للعلم بالوضع، ونحن نسأل عن حقيقة الوضع والملازمة متأخرة عن الوضع. هذا هو الإشكال. لا أخذ الشيء في نفسه ولا ولا ولا …
وجواب هذا الكلام: بلا حاجة إلى كل تلك البيانات التي ذكرت من السيد الروحاني وكذلك السيد الشهيد بجوابين، في جملة واحدة، جوابه في كلمة واحدة: أنه سيدنا حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء، أن الملازمة المتأخرة شيء والملازمة التي هي حقيقة الوضع شيء آخر، إذا تتذكرون نحن قلنا بأن الواضع يجعل الملازمة ولكن أي ملازمة، الملازمة الواقعية أو الملازمة بالحمل الأول مفهوم الملازمة؟ فحقيقة الوضع هي الملازمة، ولكن لا الملازمة الواقعية المتأخرة، بل الملازمة بالحمل الاولي. إذن السيد الخوئي تصور أن الملازمة هي ملازمة واحدة، وفي الواقع هي ملازمتان حقيقة الوضع هي الملازمة بالحمل الأولي وما هي متأخرة هي الملازمة بالحمل الشائع. ولكن هؤلاء لأنهم لم يفسروا كلام المحقق العراقي جيداً فوقعوا في هذه الإشكالية، تصوروا أن المحقق العراقي يجعل أي ملازمة بالوضع؟ يجعل الملازمة الواقعية، وقلنا أن هذا أصلاً غير ممكن، أن الجاعل وأن الواضع وأن المعتبر يعتبر الملازمة الواقعية النفس أمرية، أصلاً هذا ممكن!! إذن الجاعل والواضع والذي ربط اللفظ بالمعنى ربطه أوجد الملازمة بالحمل الأولي وما هو متأخر عن الملازمة الأولى وما هو متأخر عن الوضع هي الملازمة بالحمل الشائع، إذن قوله (ومحل كلامنا هنا في تعيين حقيقته التي تترتب عليها الملازمة) هذه التي تترتب على حقيقة الوضع هي الملازمة بالحمل الشائع، والتي هي حقيقة الوضع هي الملازمة بالحمل الأولي.
بعبارة أخرى: هذه التي حقيقة الوضع هي مفهوم الملازمة، والتي تترتب على هذا المفهوم هي الملازمة الواقعية النفس الأمرية. إذن هذا الإشكال الأول الذي ذكره السيد الخوئي غير تام، لا بما ذكره السيد الروحاني والسيد الشهيد، بل بهذا البيان الذي أشرنا إليها.
الإشكال الثاني يأتي.
والحمد لله رب العالمين