بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
كان الكلام في نظرية المحقق النائيني في بيان حقيقة الوضع والواضع، قلنا بأن البحث في هذه النظرية إذا أردنا أن نتكلم بشكل فني يقع البحث في هذه النظرية في مقامين:
المقام الأول من البحث: من هو الواضع في المقدمتين اللتين أشرنا إليهما بالأمس اتضح بأنه لابد أن يكون الواضع موجوداً هذا الموجود محيط بجميع الخصوصيات، خصوصيات الألفاظ وخصوصيات المعاني، حتى يكون قادراً على وضع لغة للتفهيم والتفاهم. وحيث أن هذا محال وقوعاً أن يوجد في بشر أو جماعة في إنسان واحد أو جماعة إذن فلابد أن يكون الواضع هو الله سبحانه وتعالى.
ولذا عبارة النائيني في (أجود التقريرات، ص19) هذه عبارته الأخيرة في المطلب: (ومما يؤكد المطلب أنا لو فرضنا جماعة أرادوا إحداث ألفاظ جديدة بقدر ألفاظ أي لغة لما قدروا عليه، يعني أنه لغة من اللغات كاللغة العربية الآن نُجلس جماعة ونقول لهم احدثوا لنا لغة أخرى بقدر هذه الألفاظ لا يستطيعون، فما ظنك بشخص واحد، إلا الجماعة لا يستطيعون فما ظنك بشخص واحد. مضافاً إلى كثرة المعاني التي يتعذر تصورها من شخص أو أشخاص متعددة ولذا تعبيره كان في (فوائد الأصول) من قبيل المحال أو كالمحل وبينا المراد من المحال هنا ليس المحال الذاتي بل هو المحال الوقوعي، وكم يقع الخلط بينهما.
انظروا إلى قولنا: اجتماع النقيضين محال، هذا المحال محال ذاتي. أما الله لا يصدر منه ظلم محال أيضاً، أنت تقول محال أن يظلم الله أحد، يعني لا يقدر أن يظلم أحد أو لا يفعل ولا يظلم أحد، أي منهما؟ ليس أنه لا يقدر وإنما لا يفعل، ولا يفعل غير لا يقدر.
هنا مراده من المحال محال وقوعاً لا محال ذاتاً. هذا هو المقام الأول من البحث، وهذا ما بيناه بحمد الله بالأمس.
المقام الثاني: فيما يتعلق بالمقام الثاني من البحث الله سبحانه وتعالى صار هو الواضع وهو الذي جعل الألفاظ للمعاني، بعد ذلك سيأتي كيف وضع وبأي طريقة، الآن كيف يبلغها إلى البشر، إذ لابد من إيصالها إلى البشر. لأن الواضع إذا كان هو البشر فالبشر بطريقهم يوصلون هذا الوضع إما بالإعلام أو بالإبلاغ أو بأي طريق آخر. الله كيف يوصل ذلك إلى البشر حتى يتفاهموا وحتى يستعملوا هذه الألفاظ لإيصال تلك المعاني.
هنا يقول المرزا، طرق الإيصال ثلاثة، أنا إنما أقف بعض الأحيان وأوضح ولعل الأعزاء يقولون نحن فهمنا لماذا تؤكد؟ باعتبار أنه عندما نريد أن نعرض الإشكالات سيتضح أهمية هذه البيانات كما تتذكرون في مسألة المحقق العراقي، عندما بينا النظرية اتضح أن إشكالات القوم منشأها عدم الالتفات إلى ما يريد أن يقوله المحقق العراقي.
يقول توجد طرق ثلاث:
الطريق الأول: وهو الطريق الذي تعارفنا عليه وهو أن الله سبحانه عندما يجعل الصلاة واجبة وأن الصوم واجب وأن الحج واجب وأن الكذب حرام وأن السرقة حرام، كيف يوصلها إلينا؟ يوصلها إلينا بأن يرسل إلينا أنبياء وينزل إلينا الكتب (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب ليقوم الناس بالقسط) هذا هو الطريق الأول، وهو أن مجعولاته الشرعية يوصلها إلينا عن طريق الأنبياء والمرسلين.
الطريق الثاني: هو الطريق التكويني من غير أن يبلغه أحد، وهو أنه جعل في فطرته أنه يعطش فإذا عطش يحتاج إلى ما يرفع العطش فيبحث عما يرفع العطش، هذا جاء نبي وبلغه؟ لا أبداً، هذا أمر تكويني، ولذا قلنا في محله أن القطع بشيء يحرك الإنسان باتجاهه في الأمور التكويني، هذا الطفل يخرج من بطن أمه وهو يبحث عن ثدي أمه، أمر تكويني، عبء في وجود هذا الإنسان، هذا الطريق الثاني.
الطريق الثالث: أن يلهمه، لا ذاك ولا هذا، لا أمر تكويني ولا أمر تشريعي كما هو الحال في الطريق الأول بإبلاغ الأنبياء، بل عن طريق الإلهام، ما هو مراد المحقق النائيني من الطريق الإلهامي؟ مراده أن الإنسان إذا وجد أن هناك معنى معين يريد في مقام التفهيم والتفاهم يوصل إليه ذلك المعنى يلهمه أن اللفظ المناسب أي لفظ؟ اللفظ (أ) إذن ليس المراد من الإلهام (فألهمها فجورها وتقواها) لا، ليس ذلك المعنى. مراد من الإلهام هذا الإلهام الخاص، وإلا ذلك الإلهام العام موجود عند الجميع حتى إذا قلنا أن الواضع هو البشر أيضاً بإلهام بالمعنى العام من الإلهام يعني هو الذي ألهمه أنه يستعمل الأصوات حتى يصل إلى المعاني، ذاك المعنى عام وشامل. المرزا لا يشير إلى ذلك المعنى العام من الإلهام بل يشير إلى هذا المعنى الخاص من الإلهام، أين قال هذا المعنى؟
هذا المعنى بشكل واضح وصريح في (أجود التقريرات) …
– قبل أن أقرأ العبارة- سؤال وهو: أيها المرزا الله كيف يوصل هذا الوضع، هذه المجعولات الألفاظ للمعاني، بالطريق الأول؟ يقول: لا. بالطريق الثاني؟ يقول: لا. وإنما يوصلها إليه بالطريق الثالث. وهو الذي يعبر عنه اصطلاحاً بأنه وسط بين التشريع وبين التكوين، حالة متوسطة لا هي تشريعية كالنبوة، إخبار الأنبياء، ولا هي تكوينية كالماء رافع للعطش والحاجة إلى الماء لرفع العطش وإنما هي إلهامية، إذن على هذا الأساس يقول: طريق الإيصال ثلاثة: التشريع، التكوين، الإلهام. في المقام الثاني من البحث لا في المقام الأول، كيف يوصل ما جعله … لأن الواضع هو الله، الجاعل هو الله، كيف يوصل ذلك إلى الناس. يقول لا يوصله لا بالطريق التشريعي ولا بالطريق التكويني بل يوصله بالطريق الإلهامي.
قال: (وجعله تبارك وتعالى هذا واسطة بين جعل الأحكام الشرعية المحتاج إيصالها إلى إرسال رسل وإنزال كتب وجعل الأمور التكوينية التي جبل الإنسان على إدراكها كحدوث العطش عند احتياج المعدة إلى الماء ونحو ذلك) هذا الجعل واسطة بين التشريع وبين … مراده من الجعل يعني ماذا؟ هذا الإيصال، كيف يوصله؟ يوصله لا بذاك الطريق ولا بهذا الطريق. (فالوضع جعل متوسط) شيخنا الوضع جعل متوسط أم الإيصال جعل متوسط؟ ظاهر العبارة الجعل متوسط مع أنه يشرح الجعل أو يشرح الإيصال؟ وهذا هو صار سبب أن السيد الخوئي قال لا نتعقل أن الجعل يكون أمراً لا تكويني ولا تشريعي لأنها إما تكويني وإما تشريعي، إما جعلي وإما غير جعلي. ولكن واضح أن المرزا يتكلم في الإيصال. وسيأتي هذا الإشكال وبيانه.
(فالوضع جعل متوسط بينهما) يعني بين جعل الأحكام الشرعية وبين جعل الأمور التكوينية (لا تكويني محض حتى لا يحتاج إلى أمر آخر، ولا تشريعي صرف حتى يحتاج إلى تبليغ نبي أو وصي، بل يلهم ا لله تبارك وتعالى عباده على اختلافهم) يلهم كل طائفة، أهل اللغة السنسكريتية يلهمهم بطريقتهم، وأهل اللغة العربية يلهمهم بطريقتهم، وأهل اللغة الإنكليزية يلهمهم بطريقتهم، أن هذا المعنى انتخب له هذا اللفظ. (بل يلهم الله تبارك وتعالى عباده على اختلافهم كل طائفة بالتكلم) لا أنه يعلمهم طريقة وضع الألفاظ للمعاني، بل (بالتكلم بلفظ مخصوص عند إرادة معنى مخصوص) هذا هو الذي يلهمه، لا أنه يلهمه (وعلمه البيان) ليس هذا. هذا أقوله أعزائي باعتبار أنه بعد ذلك جملة من الأعلام يقولون إذا كان المراد من الإلهام هذا فلا خلاف، هذا غير مختص بالوضع. الجواب: لا، مراد المرزا ليس ذاك الإلهام العام (فألهمها فجورها وتقواها) بل مراده هذا الإلهام الخاص، يعني هذا المعنى أنت عبر عنه بهذا اللفظ.
سؤال: بالضرورة أن الواضع من البشر بالإلهام ملتفت إلى المناسبة بين اللفظ والمعنى؟ يقول: لا، سواء كان ملتفت أو كان جاهلاً، أصلاً لا يعلم لماذا يريد أن يضع لهذا المعنى هذا اللفظ المخصوص، يقول هذا هو الأنسب، يقول: لأن الله ألهمه هذا هو الأنسب وإن لم يعرف الخصوصية والمناسبة بين اللفظ والمعنى.
ولذا أعزائي وجدت أنه أفضل من بيّن النظرية ولخصها هو المحقق العراقي في (مقالات الأصول، ج1، ص59، أول المقالة الثانية) قال: (لا شبهة في عدم دلالة الألفاظ على معانيها بنفس ذاتها) وهذا الاتجاه الأول، يقول لا إشكال في بطلان الاتجاه الأول (بحيث يفهم كل أحد من اللفظ معناه بلا توسيط شيئاً آخر في البين ولا أظن توهمه من أحد) هذا الاتجاه الأول الذي قلنا ببطلانه (فليس نظر من التزم بأن دلالة الألفاظ مستندة إلى المناسبات الذاتية إلى كون المناسبة المذكورة مما يلتفت إليها كل أحد) كالمرزا والمحقق النائيني، طبعاً عموماً المحقق العراقي عندما يتكلم نظره دائماً إلى المحقق النائيني، ولذا أنتم إذا أردتم أن تفهموا المحقق العراقي جيداً لابد مباني المرزا تكون بأيديكم، وإلا إذا لم تعلموا ما هي مباني المرزا فلا تعلمون هذه الجملة هنا لماذا يضمنها؟ يضمنها لأن كلامه موجه إلى من؟ كما هو الحال في الكفاية من لم يقرأ الرسائل لا يمكنه فهم الكفاية، ولذا أنتم تجدون المنهج الذي كان في النجف عادة أولاً يقرأ الجزء الأول من الكفاية ثم يقرأ الرسائل ثم يقرأ الجزء الثاني من الكفاية. لماذا؟ باعتبار أن الجزء الثاني من أول قوله في القطع نظره للشيخ نظره لأستاذه. كلامه مع الشيخ الأنصاري.
قال: (فليس نظر من التزم بأن دلالة الألفاظ مستندة إلى المناسبات الذاتية إلى كون المناسبة المذكورة مما يلتفت إليها كل أحد وبتوسطها) بتوسط تلك المناسبة (يفهم المعنى من نفس اللفظ بلا قرينة عامة أو خاصة، بل قصارى ما يتخيل) هذه قصارى ما يتخيل نظرية النائيني (أمران: الأمر الأول أن تعيين كل لفظ لأي معنى وتخصيصه به لابد وأن يكون لخصوصية وربط كي لا يلزم الترجيح بلا مرجح في هذا التخصيص) وهذا ما أشرنا إليه في المقام الأول من البحث، مع الالتزام بأن هذه الخصوصية لابد وأن تكون ملتفتاً إليها حين الوضع وحيث أن البشر لا يستطيع أن يحيط بتلك الخصوصيات، إذن هو الواضع أو ليس هو الواضع؟ ليس هو الواضع. يقول: لابد أن الواضع الأصلي عندما يريد أن يضع لابد أن يكون ملتفتاً إلى خصوصية هذا اللفظ لهذا المعنى، (لابد أن يكون ملتفتاً إليها حين الوضع والتخصيص لدى الواضع والمعين وحيث أن المحيط بهذه الجهات ليس إلا علام الغيوب فالجاعل فلا يكون إلا هو). هو جعلها، كيف أنا أعلم بجعله لأني لم أكن أجلس معه في مؤسسته حتى يقول لي فلان جعلت هذا اللفظ ووضعته. يقول: (وغاية الأمر قد ألهم غيره) وهو البشر (في استعماله اللفظ الخاص في معنى مخصوص) لا نظرية الإلهام العام (علمه البيان) أؤكد على هذه لأنه بعد ذلك سيتضح أن السيد السبزواري& يقول: إذا كان مراده هذا من الإلهام فنحن على الوفاق ولا مشكلة في ذلك. لا، ليس مقصوده هذا، وهكذا بعد ذلك السيد الخوئي في المحاضرات أيضاً يقول نفس الكلام. لا، مقصوده من الإلهام هذا المعنى، إلهامه أن هذا اللفظ لهذا المعنى.
(قد ألهم غيره في استعماله اللفظ الخاص في معنى مخصوص بلا التفاته إلى خصوصيتها مؤيداً ذلك بأن المحيط بألفاظ غير متناهية ومعاني كذلك لا يكون إلا الباري عز وجل) من المؤيد؟ المحقق النائيني ولكنه لا يريد أن يأتي باسمه، من الذي أيد؟ أيده من؟ الذي قرأناه قبل قليل في أجود التقريرات. (لا يكون إلا الباري عز وجل من عدم معروفية أحد في وضع هذه الألفاظ بكثرتها) هذا الأمر الأول، والأمر الثاني (مع عدم لزوم التفات الواضع إلى المناسبة المذكورة بل المناسبة الواقعية دعته إلى التفاته إلى لفظ مخصوص والمعنى كذلك فعينه له بلا شعوره بالمناسبة المذكورة) لا يعلم، يجد فقد عنده ميل أن هذا المعنى يضع له هذا اللفظ. عنده أبحاث أخرى الأخوة إن شاء الله يراجعوها في (ص60 و 61) يراجعوها في خلاصة هذه النظرية.
إذن أتصور إلى هنا اتضح لنا ما هو مراد المحقق النائيني، إذن المحقق النائيني ليس بحثه في مسألة من هو الواضع، هذا هو المقام الأول من البحث، عنده بحث في كيف يوصل هذا الوضع إلى البشر.
الإشكالات الواردة على النظرية:
الإشكال الأول: وهذا الذي أشرنا إليه قبل قليل وهو أن السيد الخوئي+ يقول: نحن لا نتعقل وضعاً يقع وسطاً بين الجعل وبين التكوين، بتعبيره هذا لا معنى محصل له. هذا المعنى أشار إليه في (أجود التقريرات، ج1، ص17، في ذيل حاشية رقم 1) يقول: (ومن هنا يظهر أن دعوى كون الوضع وسطاً بين الأمور التكوينية الواقعية والجعلية لا يمكن المساعدة عليه، ضرورة أنه لا واسطة بين الأمور الواقعية والجعلية) في النتيجة إما تكويني أو جعلي. هذا المعنى بشكل أوضح أشار إليه في (المحاضرات، ج1، ص35) قال: (وأن الوضع وسط بين الأمور التكوينية والجعلية) طبعاً عبارته كانت تشريعية وسأبين النكتة فيها (فهو مما لا يرجع إلى معنى محصل وذلك لعدم الواسطة بين التكوين والجعل، ضرورة أن الشيء إذا كان من الموجودات الحقيقية التي لا تتوقف في وجودها على اعتبار أي معتبر فهو من الموجودات التكوينية وإن لم يكن كذلك فهو من الموجودات الاعتبارية الجعلية، ولا نعقل ما يكون وسطاً بين الأمرين). هذا إشكال السيد الخوئي.
أعزائي التفتوا لي جيداً لو كان المرزا النائيني بصدد القول أن حقيقة الوضع هي بين التكويني والاعتباري لورد عليه الإشكال، ولكنه النائيني يريد أن يبين أن حقيقة الوضع هي هكذا أو أن طريق الإيصال هو هكذا، أي منهما؟ ولهذا قرأنا للأعزاء وقلنا التفتوا إلى النكتة، صحيح عبر (وضع وسط) ولكن هذا الوضع الوسط للإيصال لا لبيان حقيقة الوضع. أصلاً تعبيره في بيان حقيقة الوضع عبارة أخرى، لأقرأ العبارة لكم في (أجود التقريرات) قال: (اختلف العلماء في أن دلالة الألفاظ هل هي ذاتية محضة أم جعلية صرفة أم بهما معاً) لا ذاتية ولا جعلية، هذا بحث مرتبط بالجعل، ولكن ننتقل إلى الإيصال لأنه في العبارة بعد ذلك قال: (بل الله تبارك وتعالى هو الواضع الحكيم جعل لكل معنى لفظاً مخصوصاً باعتبار مناسبة بينهما مجهولة عندنا وجعله تبارك وتعالى هذا واسطة بين جعل الأحكام الشرعية المحتاج إيصالها) إذن البحث أين صار؟ لا حقيقة الوضع بل كيفية الإيصال، وسيدنا أنت الذي أشكلته الآن المرزا لا يتكلم في ما هي حقيقة الوضع وأنها جعلية أو أنها تكوينية حتى تقول لا نتعقل واسطة بين الجعل والتكوين. لو كان كلام المرزا في المقام الأول يعني في حقيقة الوضع لكان إشكال السيد الخوئي وارد، ولكن كلام المرزا في إيصال ذلك الوضع بهذا الطريق أو بهذا الطريق أو بهذا الطريق.
قال: لا بهذا الطريق ولا بهذا الطريق، بل بالطريق الثالث.
هناك إشكالات – إن صح التعبير- لفظية في كلمات السيد الخوئي& يقول: (بين الأمور التكوينية الواقعية والجعلية) إذا صار أمراً تكوينياً يعني ليس بجعل؟ ما هذه المنفصلات؟ ألم نقل أن الجعليات على قسمين جعل تكويني وجعل تشريعي، كيف هذه أمور تكويني وجعلية، ممكن أن تكون أمور تكوينية وتكون ماذا … نعم، عبر أمور تكوينية وأمور اعتبارية هذا صحيح.
ومقصوده في اعتقادي مراده هذا ولكن العبارة من الناحية الفنية صحيحة أو غير صحيحة؟ بقرينة أنه يقول في (المحاضرات) يقول: (وإلا فهو من الموجودات التكوينية وإلا فمن الأمور الاعتبارية الجعلية) هذا يكشف أن مراده من الجعل يعني ماذا … نعم، إذا قلنا جعل تكويني وجعل اعتباري، عند ذلك يكون التقسيم … وإن كانت هذه المناقشة في اللفظ. هذا هو الإشكال الأول وبيان عدم تماميته.
الإشكال الثاني: أشكل السيد الخوئي أيضاً قال: بأنه نحن أيضاً نقول بضرورة وجود مناسبة بين اللفظ أو وجود مناسبة لجعل اللفظ على المعنى، ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه المناسبة في نفس اللفظ، لعل المناسبة … أنا كنت أحب والدي كثيراً وإن كان اسمه ليس اسم كذا ولكن حتى أتذكر اسم والدي اضع هذا الاسم على ولدي، هذه مناسبة ولكن هذه مناسبة غير مرتبطة باللفظ، أصلاً أنا كنت أعيش في منطقة تألمت منها كثيراً بحسب الاقتران الشرطي، مع أن اسم المنطقة لطيف وجميل ولكن لأني تألمت الآن أنا رئيس بلدية ويقولون لي سمي هذا الزقاق الذي أنت فيه باسم تلك المنطقة. أقول: لا لا، أنا مشمئز من هذا الاسم. إذن توجد مناسبة ولكنه ليس بالضرورة أن تكون المناسبة في اللفظ، لعلها مناسبات خارجية، إذن يشكل على المرزا، يقول: يا مرزا، نعم قبلنا ضرورة المناسبة ولكن لماذا تفترض أن هذه المناسبة لابد أن تكون في اللفظ بإزاء المعنى؟
في (أجود التقريرات في الحاشية) يقول: (ودعوى أنه وإما ثبوت المناسبة الذاتية) يعني بين الألفاظ ومعانيها (فهو وإن كان ممكناً في الجملة إلا أنه لا دليل عليه) توضيحه بشكل أكثر أشار إليه في (المحاضرات، ص35) هنا إجمالاً وتفصيلاً في المحاضرات، يقول: (وأما الثالث فيرد عليه أنا لو سلمنا وجود المناسبة الذاتية بين اللفظ والمعنى فلا نسلم أن الواضع جعل لكل معنى لفظاً مخصوصاً على طبق تلك المناسبة) أي مناسبة؟ المناسبة الناشئة من اللفظ.
ما هو الجواب عن هذا الإشكال؟ الاخوة يتذكرون بالأمس أن المرزا قبل هذا المعنى أو لم يقبل؟ أصلاً لم يدعِ هذا المعنى أن المناسبة بالضرورة لابد أن تكون في الألفاظ، وقلنا بالأمس لماذا لم يدعِ؟ لأنه يجد أن هذه الألفاظ توضع لمعاني متقابلة، من قال أنه … يقول لابد من وجود مناسبة أما ما هي هذه المناسبة فليست بالضرورة أن تكون مناسبة قائمة في اللفظ، أساساً صرح بهذا في (فوائد الأصول) قال: (بل لابد من أن يكون هناك جهة اقتضت تأدية المعنى بلفظه المخصوص على وجه يخرج عن الترجيح بلا مرجح ولا يلزم أن تكون تلك الجهة راجعة إلى ذات اللفظ حتى تكون دلالة الألفاظ على معانيها ذاتية كما ينسب ذلك إلى سليمان بن عباد) نعم، لعل هذه نظرية سليمان بن عباد (بل لابد أن تكون هناك جهة ما اقتضت تأدية معنى الإنسان بلفظ الإنسان ومعنى الحيوان بلفظ الحيوان) إذن سيدنا أين ادعى هو بأن المناسبة لابد أن تكون بين الألفاظ وبين المعاني حتى تقول: لو سلمنا ذلك. لا، هو لم يقل ذلك حتى تشكل إشكالاً إضافياً.
الإشكال الثالث: أن الدليل الذي ذكره المرزا لإثبات الحاجة إلى وجود المناسبة لتأدية معنى معين من خلال لفظ معين؟ ما هو الدليل؟ قال: الدليل على ذلك إن لم تكن مناسبة للزم الترجيح بلا مرجح، والتالي إما محال عقلاً وإما قبيح عقلاً، والتالي بكلا شقيه باطل فالمقدم مثله. يعني لابد من فرض مناسبة ما اقتضت وضع هذا اللفظ لهذا المعنى.
هذه القاعدة أعزائي كثيرة الدوران على ألسنة المتكلمين والأصوليين والفقهاء والأخلاقيين، أينما تذهب أنت تسمع وإلا لزم الترجيح بلا مرجح، أريد أن أقف قليلاً عند هذه القاعدة لنرى بأنه أساساً ما قاله الحكماء أين وأنه ينطبق على محل كلامنا أو لا علاقة له بمحل الكلام، خصوصاً لابد من الالتفات إلى هذه النكتة وهي أنه أساساً أن الترجيح بلا مرجح هل هو الترجح بلا مرجح أو أن الترجيح بلا مرجح شيء يعني قاعدة الترجيح بلا مرجح شيء والترجح بلا مرجح شيء آخر، هاتان قاعدتان أم قاعدة واحد؟ لماذا أقول هذا الكلام؟ باعتبار أن السيد الخوئي+ هذه عبارته في (أجود التقريرات في الحاشية) يقول: (أن المستحيل إنما هو الترجح من دون ترجيح وأما الترجيح بلا مرجح فلا استحالة) هذا يكشف عن أنه جعلهما قاعدة أو قاعدتين؟ يقول تلك محالة عقلاً أما هذه فلا مشكلة فيها، ولهذا يقول: (وأما الترجيح بلا مرجح فلا استحالة، بل ولا قبح فيه أيضاً …).
إذن تعالوا معنا إلى هذه القاعدة قليلاً لا طويلاً، وإلا إذا أردت تفصيل الكلام فيها تأخذ وقتاً طويلاً وهي ليست محل بحثنا، ولكن أريد أن أشير إلى إطلاقات القاعدة.
هذه القاعدة تطلق في موارد متعددة، حتى بعد ذلك نأتي إلى محل الكلام لنجد أنها تنطبق أو لا تنطبق.
الإطلاق الأول أو المورد الأول: تطلق القاعدة في مورد أنه إذا لم يكن هناك علة لشيء في ذاته يحتاج إلى العلة للوجود فهل يمكن أن يوجد الشيء بلا علة أو لا يمكن؟ تارة أن وجوده ضروري بالنسبة إليه، وجد بلا علة، كما الواجب، الله موجود مع العلة أو بلا علة؟ بلا علة، لماذا لا يحتاج إلى العلة؟ ليس من باب السالبة بانتفاء المحمول، ولكن من باب السالبة بانتفاء الموضوع، لأن الاحتياج إلى العلة إنما هو في مورد أن الوجود ليس ضروري لذلك الموجود، أما إذا كان الوجود ضروري لذلك الموجود فهل يحتاج إلى علة أو لا يحتاج؟ لا يحتاج.
إذن هذا هو السؤال، أنتم تقولون، هذا واحد من أسئلة الماديين، أنتم تقولون أن كل شيء يحتاج إلى علة إذن الله ما هي علته؟ الجواب إذا قال لك أحد أن كل شيء يحتاج إلى علة؟ تقول: غلط، لم يقل أحد أن كل شيء يحتاج إلى علة، بل كل موجود ممكن يحتاج إلى علة، لا أن كل موجود يحتاج إلى علة. نعم، إذا قلنا أن كل موجود يحتاج إلى علة لابد أن نجيب أن الله لماذا لا يحتاج إلى علة، يلزم التخصيص في القاعدة العقلية وهذا غير ممكن.
إذن كل موجود ممكن، لماذا ممكن؟ يعني هو من ذاته له وجود أو ليس له وجود؟ سؤال: هل يمكن أن يتحقق موجود ممكن، الوجود ليس ضروري فيه يمكن أن يتحقق بلا علة فاعلية أو لا يمكن؟ الجواب: لو تحقق للزم الترجيح بلا مرجح، على مستوى العلة الفاعلية، على مستوى العلة الموجدة للشيء.
إذن قد يطلق الترجيح بلا مرجح محال ويراد من الترجيح بلا مرجح يعني إيجاد الشيء بلا علة، هذا الذي يصطلح عليه العلماء بالصدفة المطلقة يعني وجود الشيء بلا علة فاعلية.
سؤال: هذا الترجيح بلا مرجح الذي هو محال، إذن بهذا يتضح أنه لابد أن نضرب حاشية على كلام السيد الخوئي عندما قال: (والترجيح بلا مرجح لا استحالة فيه) سيدنا أي نوع من أنواع الترجيح بلا مرجح؟ هذا النوع؟ لا، محال عقلاً.
سؤال: هل هناك فرق بين الترجيح بلا مرجح والترجح بلا مرجح؟
الجواب: كلا، لا فرق بينهما، فإن الترجيح بلا مرجح، أعزائي احفظوا هذه لأنه كثيرة الاستعمال وفيها اشتباهات ومغالطات الآن قرأنا أمامكم عبارة علم من أعلام الأصول، يقول بأنه الترجح محال أما الترجيح غير محال. الجواب: أن هذا النوع من الترجيح بلا مرجح سيدنا أولاً محال، ومآله إلى الترجح بلا مرجح، لا فرق بين الترجيح بلا مرجح والترجح بلا مرجح في هذا المورد الأول.
تقول: لماذا يعبرون ترجيح مرة ويعبرون ترجح مرة أخرى؟
الجواب: أن هذا الشيء الذي تحقق إذا نسبوه إلى الفاعل وبلا مرجح أوجده يعبرون ترجيح بلا … يعني إذا لم تكن هناك علة فاعلية فإذا نسب الشيء إلى الفاعل يعبر عنه ترجيح بلا مرجح، وإذا نسب الشيء إلى القابل يعني وجد من غير مرجح نقول ترجح وجوده من غير مرجح.
إذن ما هو الفرق بين الترجيح بلا مرجح – نتكلم في المورد الأول – والترجح بلا مرجح؟
الفرق بينها كالفرق بين المصدر واسم المصدر كما قرأتم في علم النحو، أو كالفرق بين الإيجاد والوجود ما الفرق بينهما؟ الله أوجدني وهذا وجودي، فإذن إيجاد الله ووجودي أنا ما الفرق بينهما؟ لا فرق بينهما، الإيجاد هو الوجود، والوجود هو الإيجاد، ولكن هذا الوجود إذا نسب إلى الفاعل يكون إيجاد وإذا نسب إلى القابل يكون وجود. فهو تحليل نفس أمري، لا اثنينية بحسب الواقع الخارجي.
إذن بهذا البيان اتضحت ملاحظتان على ما ذكره سيدنا الأستاذ السيد الخوئي+ حيث عبر قال: (إن المستحيل هو الترجح من دون ترجيح وأما الترجيح بلا مرجح فلا استحالة فيه):
أولاً: ليس مطلق الترجيح بلا مرجح لا استحالة فيه.
وثانياً: أن هذا النوع من الترجيح بلا مرجح مآله إلى الترجح بلا مرجح.
هذا هو المورد الأول، الموارد الأخرى تأتي إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين