بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
كان الكلام في هذه القاعدة، وهي قاعدة الترجيح بلا مرجح، هذه القاعدة تعد من أهم القواعد الفلسفية، وبتعبيرهم لو لم تتم هذه القاعدة لانسد طريق إثبات الصانع، طبعاً انسد طريق إثبات الصانع لمن يثبت الصانع من خلال مخلوقاته، وإلا من يثبت الصانع من خلال الوجود وأنه لابد أن يكون واجب الوجود لا، لا ينسد. على مباني المتكلمين نعم وبحثه موكول إلى الإلهيات بالمعنى الأخص.
أما في محل كلامنا، قلنا في البحث السابق هذين البحثين يعني البحث 57 و 58 من دروس علم الأصول أحفظوها في ذاكرتكم لأنه بعد ذلك كلما جاءت مناسبة سنرجح البحث إلى هنا، قد يقول لي قائل: سيدنا لماذا لا تترك القضية إلى وقتها؟ الجواب: لا نعلم أن وقتها سيأتي أو لا، لأننا قد لا نوفق لإتمام البحث، أنا عندما تأتي قاعدة أساسية أشير لها ولو إجمالاً وإلا البحث واسع جداً، لأن هذه القاعدة هي التي تبحث أن الشيء ما لم يجب لم يوجد، هذه المعركة التي على أساسها قالوا أن الله فاعل موجب لا مختار، هذه أيضاً على أساس الترجيح بلا مرجح الذي خالف كل الأصوليين هذه القاعدة من الحكماء وقالوا أن الله يلزم أن يكون فاعلاً مجبراً لأن الضرورة تساوق الاضطرار وتنافي الاختيار. بحث في محله.
قلنا أن هذه القاعدة لها استعمالات متعددة:
الاستعمال الأول أو المورد الأول: أن يكون هناك طرفان ولكن كل طرف يختلف عن الآخر حكماً وغاية وفائدة. ومن أوضح مصاديق ذلك الوجود والعدم، فإن الوجود شيء له حكم والعدم له حكم آخر، فإن الوجود تترتب عليه فائدة وغاية والعدم له غاية أخرى وهكذا. هذا هو المورد الأول. وهو ما يتعلق بمسألة الماهية عندما نقول أن الماهية متساوية النسبة إلى الوجود والعدم، إذن نقول لكي تخرج عن حد الاستواء تحتاج إلى مخرج، وتحتاج إلى مرجح للإخراج، هذا المورد الأول.
المورد الثاني: نعم، هناك أطراف متعددة أو افراد متعددة ولكن الغاية واحدة ليست متعددة، يعني كما أن (أ) يحقق الغاية (ب) أيضاً بنفس الدرجة أيضاً يحقق الغاية، إذن عندما تنظر إلى الأفراد هل تختلف حكماً أو لا تختلف حكماً؟ لا تختلف حكماً. تختلف غاية أو لا تختلف غاية؟ لا تختلف غاية. تختلف فائدة أو لا تختلف فائدة؟ لا تختلف غاية. إذن الفارق كبير بين المورد الأول والمورد الثاني. هنا عندما نريد أن نرجح هذا الفرد على ذاك الفرد يمكن أن يكون بلا مرجح أو لا يمكن؟ الجواب: الفاعل المختار الحكيم سواء كان في المورد الأول أو كان في المورد الثاني يحتاج إلى مرجح، لأنه يستحيل ترجيح أحد المتساويين على الآخر بلا مرجح، ولا يوجد خلاف في هذه القاعدة بهذا القدر.
ولكن الخلاف الذي أشرنا له بالأمس وأزيده توضيحاً هذا اليوم، الخلاف أين؟ الخلاف أن المرجح ما هو؟ قلنا: أصل ضرورة وجود المرجح للفاعل المختار الحكيم لا كلام فيه، هؤلاء وهؤلاء. أما المرجح هنا، الفلاسفة بشكل واضح وصريح بلا مجال للتشكيك قالوا سواء كانت الغاية والحكم مختلف أو كانت الغاية والحكم واحد فالمرجح لا يكفي أن تكون الإرادة وإعمال السلطنة والاختيار، لأن الفاعل فاعل مختار فهل يكفي أن الإرادة تكون مرجحة أو لا يكفي؟ قالوا: لا يكفي ذلك. إذن من المرجح؟ قالوا: لابد من وجود خصوصية سواء يريد أن يختار أحد الطرفين في المورد الأول، لابد من مرجح وراء الإرادة، أو يريد أن يختار أحد الفردين في المورد الثاني لابد من مرجح وراء الإرادة.
هذا البحث بشكل واضح وصريح ملا صدرا في (الأسفار، ج2، ص208) – كما أشرنا إلى ذلك ولكن العبارة لم نقرأها لأنا كنا في آخر الوقت- يقول: (وفرقة زعمت ان الله سبحانه خصص الأفعال بأحكام مخصوصة من غير أن يكون في طبائع الأفعال ما يقتضي تلك الأحكام) لو نظرنا إلى نفس الأفعال الخارجية تقتضي بنفسها هذا على ذاك أو لا تقتضي؟ لا تقتضي.
سؤال: نسأل هذه الفرقة إذن من الذين رجح هذا على ذاك؟ يقول: رجحته الإرادة.
(من غير أن يكون في طبائع الأفعال ما يقتضي تلك الأحكام، وكذلك الهارب من السبع إذا عنّ له طريقان متساويان من كل الوجوه، الجائع المخير رغيفين متساويين كذلك يخصص أحدهما بالاختيار من غير مرجح) إذن مراده من المرجح، لا عدم وجود المرجح مطلقاً، وإنما وجود مرجح وراء الاختيار. (يخصص أحدهما) أحد الفعلين (المتساويين) متساويين في ماذا؟ سواء في المورد الأول أو في المورد الثاني، مع اختلاف الغاية أو مع وحدة الغاية (بالاختيار من غير مرجح، فهذه متشبثاتهم ولو تنبهوا قليلاً من نوم الغفلة وتيقظوا من رقدة الجهالة لتفطنوا أن لله في خلق الكائنات أسباباً غائبة عن شعور أذهاننا) يعني يستحيل أن لا تكون هناك في طبائع الأفراد والأفعال ما يقتضي ترجيح هذا على ذاك، ولكن محجوبة عن أعين بصائرنا، يقول أين؟ يقول عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود (وأن الجهل بالشيء لا يستلزم نفيه) من قال: إذا أنت لم تعرف السبب المرجح فإذن هو غير موجود، (وفي كل من الأمثلة الجزئية التي تمسكوا بها) هؤلاء الجهلة (في مجازفاتهم بنفي الأولوية في رجحان أحد المتماثلين) قلنا هذه المتماثلين في المورد الأول مشترك معنوي مع المتماثلين في المورد الثاني من طريق الهارب وقدحي العطشان ورغيفي الجائع (وفي كل من الأمثلة الجزئية مرجحات خفية مجهولة للمستوطنين في عالم المادة). هناك مرجحات، أنت لا تعرفها، هل أنت عقل الكل لكي تعرف كل شيء. (فإنما لهم الجهل بالأولوية) لا نفي الأولوية (وأقلها) يقول لعل من المرجحات (وأقلها الاتصالات الكوكبية والأوضاع الفلكية والهيئات الاستعدادية فضلاً عن الأسباب القصوى التي قدر الله سبحانه الأمور وقضى من صور الأشياء السابقة …).
إذن لا يمكن أن نتصور، طبعاً بشكل أوضح وأصرح من هذا المعنى في (الأسفار، ج2، ص259، المبحث الثالث، في غايات الأفعال الاختيارية) على الطريقة صدر المتألهين طريقته عندما يختلف مع أحد من الناحية العلمية لا يرحمه. هذا منهجه.
يقول: (إن من المعطلة قوما) إذن من لا يتفق معي يكون معطل، من لا يتفق معي يكون جاهلاً، من لا يتفق معي … (منها التشبث في إبطال الداعي والمرجح) لا الاختيار، بل وراء الاختيار (بأمثلة جزئية من طريقي الهارب ورغيفي الجائع وقدحي العطشان ولم يعلموا أن خفاء المرجح عن علمهم لا يوجب نفيه فإن من جملة المرجحات) تقول: فإن قلت أن المرجح هو ما يقوله الأصوليون. يقول: هذا هذيان (وهو أيضاً كلام لا حاصل له فإن مع تساوي طرفي الفعل كيف يتخصص أحد الجانبين والخاصية التي يقولونها هذيان فإن تلك الخاصية …).
إذن هؤلاء عندهم إصرار سواء كنا في المورد الأول أو في المورد الثاني لابد من وجود مرجح، وإلا … ما المشكلة يا أعلام الفلاسفة؟ يقول: وإلا لزم الترجح بلا مرجح، لا الترجيح بلا مرجح.
لقائل أن يقول: لماذا يلزم الترجح، وأنتم تقولون يوجد فاعل يفعل، ترجح يعني يوجد فاعل أو لا يوجد؟ يعني توجد علة أو لا توجد علة؟ لا توجد علة، نحن في المقام نتكلم في الترجيح بلا مرجح، هذا الفاعل المختار الإنسان موجود لماذا تقولون يلزم ترجح؟ يقول: (فتدبر) يقول: أنتم تصورتم أن الفعل عندما يصدر في مورد المتساويين في الواقع يوجد فعل واحد، في الواقع يوجد فعلان لا فعل واحد بحسب التحليل العقلي، ما هما؟ يقول: الفعل الأول صدور أصل الفعل، الفعل الثاني تقديم هذا الفعل على ذاك الفعل. والأول وإن كان له فاعل وهو أصل الفعل، ولكن ترجيحه المفروض بلا مرجح له فاعل أو ليس له فاعل؟ ليس له فاعل، فإذا وجد مرجح خارجي كما أن أصل الفعل له فاعل ترجيحه أيضاً له فاعل. أما إذ لم يكن مرجح لهذا الفعل لا أصل الفعل، لا كان التامة بل كان الناقصة، إذا لم يكن هناك مرجح لأصل الفعل، لم يكن هناك مرجح لهذا الفعل على ذاك، إذن صدر الترجيح مع الفاعل أو بلا فاعل؟ وإذ كان بلا فاعل فهو ترجيح أو ترجح.
إذن نحن نقول لابد من وجود ترجيح وراء الإرادة وإلا لزم من الترجيح بلا مرجح يلزم الترجح بلا مرجح.
هذه نظرية الحكماء، لمزيد المراجعة كما قلت تفصيلاً السيد الطباطبائي عرض لهذه المسألة في (نهاية الحكمة، ص162) قال: (وأما قول القائل بجواز أن يختار الفاعل المختار أحد الأمرين المتساويين دون الآخر لا لمرجح يرجحه، وقد مثلوا له بالهارب من السبع فإنه يختار أحدهما لا لمرجح … ففيه أنه دعوى من غير دليل على أن ذلك يلزم منه الترجح بلا مرجح) ويلزم منه انسداد باب إثبات ماذا … لأنه إذا جاز الترجح بلا مرجح إذن من قال أن هذا العالم له خالق (على أن جواز ترجح الممكن من غير مرجح) انظروا الحديث أين؟ في الهارب من السبع ولكن عندما يناقش يناقش أين؟ الحديث في المورد الثاني وعندما يناقش يناقش في المورد الأول؟ هذا معناه أنه يجعل المورد الأول والثاني على حد سواء. يقول: (أما قول القائل أن الإرادة مرجحة بذاتها يتعين بها أحد الأفعال المتساوية من غير حاجة إلى مرجح آخر ففيه …).
أما الاتجاه الآخر: هو اتجاه الأصوليين، الأصوليون قالوا: نعم، نحن معكم نقول بأن الترجيح بلا مرجح محال. ولكن يكفي إعمال السلطنة والاختيار في الترجيح، أين؟ سواء كان في المورد الأول أو كان في المورد الثاني. ولذا يقولون: جواز الترجيح بل مرجح لا يلزم منه الترجح بلا مرجح.
يعني جواز الترجيح بلا مرجح خارجي لا يلزم منه جواز الترجح بلا مرجح، ولذا وجدتم أن السيد الخوئي قال: نحن نعتقد أن الترجح بلا مرجح محال أم الترجيح بلا مرجح فليس بمحال.
ما هي نكتته؟ نكتته هذا الذي أشرنا إليه، وهو أنه أساساً يرى أن الإرادة كافية، ولذا في (أجود التقريرات) يقول: (إنما المستحيل هو الترجح من دون ترجيح) وأما الترجيح بلا مرجح فلا استحالة فيه. سيدنا: الترجيح بلا مرجح حتى بلا إرادة؟ يقول: لا، لأنه أنا أقول ترجيح يعني توجد إرادة، وإلا إذا لم توجد إرادة فلا ترجيح أيضاً، سالبة بانتفاء الموضوع، وإن كان عبارته لم يفهمها. قال كيف يمكن أن يقول السيد الخوئي بجواز الترجيح بلا مرجح. لا لا . يقبل الترجيح ولكنه يقول المرجح هو الإرادة دون ذلك.
وهذا المعنى أيضاً في (المحاضرات، ج1، ص33).
الآن نأتي إلى كلام المرزا، يتذكر الأعزاء، كلام المرزا في هذا المجال هل هو تام أو ليس بتام؟ لأنه المرزا تتذكرون استند إلى ماذا … عبارته في (فوائد الأصول، ص30 و 31) قال: (بل لابد من أن يكون هناك جهة اقتضت تأدية المعنى) يعني المعنى الخاص (بلفظه المخصوص) لماذا؟ (على وجه يخرج عن الترجيح بلا مرجح) ويتذكر الأعزاء قلنا أن قوام نظرية المرزا قائمة أين؟ في هذه الجملة.
سؤال: هذا الكلام تام أو غير تام؟ لابد أن نسأل المرزا مبناك مبنى الفلاسفة أو مبناك مبنى الأصوليين؟
فإن كان مبناك مبنى الفلاسفة فالحق مع من؟ مع النائيني لأنه لا فرق عنده بين المورد الأول والمورد ا لثاني، فكما أن المورد الأول يحتاج إلى مرجح وراء الإرادة المورد الثاني يحتاج إلى مرجح وراء الإرادة فنحتاج إلى مناسبة وإلى خصوصية وإلى علاقة وحيث أن البشر يستطيعون الإحاطة بكل هذه الخصوصيات والمناسبات أو لا يستطيعون؟ إذن الواضع هو الله. على المبنى.
سؤال: السيد الخوئي أشكل عليه، إشكال السيد الخوئي سوف يكون إشكالاً مبنائياً، لأن إشكال السيد الخوئي قائم على مبنى الأصوليين، فلهذا لا ينبغي أن يقال للمرزا أنه نحن نقول بجواز الترجيح بلا مرجح، يقول: أنت تقول بجواز … أنا أقول باستحالة الترجيح بلا مرجح، فالإشكال لا يكون بنائياً بل يكون مبنائياً.
أما إذا صار مبنى المرزا هو الاتجاه الثاني يعني مبنى الأصوليين عند ذلك هذا الكلام تام أو غير تام؟ غير تام.
سؤال: ما هو مبنى المرزا النائيني في هذه المسألة؟
الجواب: واقعاً لم تطرح القضية بشكل واضح في كلماتهم، ولكن الذي يظهر في بحث الإرادة وفي بحث الأوامر أنه ينتخب رأي الأصوليين فيتهافت مع ما ذكره، إذن إشكالنا الأول نقول للمرزا: إن انتخبت الاتجاه الأول للحكماء فالحق معك، وإشكال السيد الخوئي يكون إشكالاً مبنائياً أما إن انتخبت الاتجاه الثاني وهو اتجاه الأصوليين فلا ينسجم مع ما ذكرته هناك ويحصل التهافت بين هنا وما ذُكر هناك.
الإشكال الثاني: إذا يتذكر الأعزاء في الدرس الماضي أنا قلت للأعزاء أننا نحن لا مع الحكماء مطلقاً ولا مع الأصوليين مطلقاً، وإنما اختيارنا في هذه القاعدة أنه في المورد الأول يعني مع اختلاف المتساويين حكماً وغاية لا تكفي السلطنة للمرجحية بل لابد أن يكون فيها هذا الطرف خصوصية حتى يرجح، أو في ذاك الطرف خصوصية حتى يرجح. طبعاً مصداقه الأوضح وجود وعدم، وإلا حتى في الأفراد إذا كان في هذا الفرد خصوصية وفي ذاك الفرد خصوصية أخرى وبينهما إما تباين وإما عموم من وجه، أنت لكي تختار الإرادة غير كافية لأن هذه تحقق شيئاً وتلك تحقق شيئاً آخر. الضابطة أن الطرفين إما متساويان غاية وحكماً وإما مختلفان.
نحن نقول: في المورد الذي يختلفان غاية وحكماً ونتيجة الإرادة كافية للترجيح أو غير كافية للترجيح؟ غير كافية للترجيح. وإن كانت متفقة وواحدة حكماً فالإرادة تكون مرجحة، بأي بيان؟ بالقدر الذي يرتبط بالبحث ولا أريد أن أخرج من البحث.
أعزائي، كل فاعل مختار حكيم عندما يريد أن يفعل فعلاً لا يمكن أن يفعل الفعل بلا غاية، هذا محال، وهذا أيضاً من موارد الترجيح بلا مرجح، يتذكر الأعزاء إذا تتذكرون قلنا أن الترجيح بلا مرجح له استعمالات متعددة نحن أشرنا إلى موردين، ومورده الثالث أن يرجح أحد الطرفين على الآخر بلا غاية، هذا محال أيضاً، لا فقط قبيح، محال أيضاً، لا يمكن. لماذا؟ لأنه أساساً لماذا إذن يفعل الفعل إذا لم تكن هناك غاية يريد الوصول إليها، إذا لم تكن هناك غاية، فائدة. اشترطنا أن يكون فاعل، اشترطنا أن يكون مختار، وأن يكون حكيم، إذا لم يكن يريد الغاية يفعل أو لا يفعل؟ أنت إذا لم تكن عطشاناً ولا ابنك عطشان ولا أحد من حولك عطشان تبحث عن تحصيل الماء أو لا تبحث؟ لا تبحث. تقول: لا، بعض الأحيان أنا لست عطشاناً وأبحث. أقول: نعم، لغاية مستقبلية، تقول إذا عطشت أريد أن يكون عندي ماء، إلا إذا هذه ارفعها من ذهنك … بعبارة أوضح الملائكة يبحثون عن الماء أو لا يبحثون عن الماء؟ لا يبحثون، لماذا؟ لأنه لا غاية له في رفع العطش، لأنه لا يعطش حتى يرفع العطش. نعم، إلا إذا أراد أن يحصله لغيره، أما لنفسه لا يبحث.
إذن الفاعل المختار لا يفعل الفعل بلا غاية. ما هي نسبة الغاية والعلة الغائية إلى فعل الفاعل المختار؟ نسبة المعلول أو نسبة العلة؟ الجواب: أن العلة الغائية هي العلة الفاعلية لفاعلية الفاعل. يعني إذا لم توجد العلة الغائية هذا الفاعل يخرج من القوة إلى الفعل أو لا يخرج؟ لا يخرج. من الذي يخرجه؟ تخرجه العلة الغائية. تقول: سيدنا العلة الغائية أو الغاية متأخرة وجوداً عن الفعل فكيف يمكن أن تكون علة فاعلية للفاعل، فيلزم أن تكون متقدمة.
الجواب: أن المتأخر وجود الغاية خارجاً وأن المتقدم تصور والتصديق بالغاية ذهناً. أحدهما غير الآخر، فلا يلزم أن يكون المتقدم متأخراً والمتأخر متقدماً.
إذن في الفاعل المختار العلة الغائية تكون علة فاعلية لا للفاعل، بل لفاعلية الفاعل يعني لإخراجه من القوة الفعل.
الله سبحانه وتعالى فاعل مختار أو ليس بفاعل مختار؟ يفعل الفعل لغاية أو بلا غاية؟ القواعد العقلية تقبل التخصيص أو لا تقبل التخصيص؟ الله ما الغاية عنده من خلق العالم؟ يريد أن يكتمل؟ كان يعيش في وحشة ويريد أن يعيش في مجتمع؟
هنا واقعاً أوقعت العلماء من متكلمين ومن محدثين ومن فلاسفة أن الله سبحانه وتعالى غير مستثنى من القاعدة. الأشاعرة قالوا أن ليس له غاية … ارتاحوا كثيراً، لا أقل ما ينسب إلى الأشاعرة لأن لم أتحقق من هذا وأنهم يقولون بهذا القول، لأن هذا الكلام فاسد الله يفعل لا لغاية، ماذا يعني … لماذا؟ قالوا: (لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون). أصلاً نحن ما هي علاقتنا حتى نسأل. ولكن الله سبحانه وتعالى لم يقل لنا لكم الحق بالسؤال، بل قال يجب عليكم السؤال. ولذا تجدون في الملائكة عندما كان يريد أن يخلق (إني جاعل في الأرض خليفة) واقعاً لم يكن يحتاج إلى عقد مؤتمر ويسأل الملائكة عن نظرهم في المسألة، لا، سألهم، والملائكة أجابوا، وأجابوا بجرأة وشهامة، على ماذا تفعل هكذا. نحن موجودون، أنت تريد خدمة نحن نخدمك، الله سبحانه وتعالى لم يقل لهم بتعبيرنا والله من يعترض هذا الخليفة من بعدي فمن أبى … هذا منطق الاستبداد الذي أنتم تجدوه الآن في الحكومات أما أن أحكمك أو أن أقتلك، لا تقبل أقتلك. طبعاً هؤلاء المستبدين الكبار، وهناك أقزام المستبدين هؤلاء أقل وإلا لو كان يفعلها لفعلها. وإلا أمامك الآن في الأخبار صباح اليوم أنا سمعت عند أذان الصبح القوات اليمنية حملت على المعتصمين في ساحة التحرير ولا أقل الآن 300 جريح، إما أن أحكم وبتعبير المثل العراقي (لو ألعب …) وكل واحد من هؤلاء المستبدين كأنه راسخ في ذهنه أن الحياة لا تستقيم إلا بوجودي الشخصي وإذا ذهبت أنا تحدث الفوضى والاضطرار والحرب الأهلية … هو فقط، ولم يعلم أن رسول الله ذهب من هذا العالم وارتحل والأمور مشت، هذه سنة الحياة (ولن تجد لسنة الله تبديلاً).
هذا الجواب الأول وهو للأشاعرة.
الجواب الثاني للمعتزلة، المعتزلة قالوا: لا، الله عنده غاية ولكن غايته ليست لنفسه لأنه الغني المطلق وإنما غايته لفعله ولخلقه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) إلهي هذه غايتك؟ يقول: لا، هذه غاية الفعل لا غاية الفاعل. كمال الفعل بالعبادة لا كمال الفاعل. هنا الحكماء قالوا لهم هذه مغالطة، نحن نسألك عن غاية الفاعل ما هي وأنت تقول لي هذه غاية الفعل، أنا أعلم أن هذه غاية الفعل، الفاعل لماذا خلق وماذا يريد من خلقه؟ المعتزلة لا جواب عندهم. طبعاً كل المتكلمين شيعة وسنة يجيبون بالجواب الثاني.
الجواب الثالث: وهو جواب الحكماء والعرفاء يقولون: أن الله له غاية خلافاً للأشاعرة، وأن غايته ليست للفعل خلافاً للمعتزلة، إذن لمن؟ قالوا: لنفسه. وغايته ذاته. وتوضيحه في محله.
ولأجل مراجعة هذا البحث يراجع في (نهاية الحكمة، المرحلة الثامنة، الفصل الحادي عشر، ص184- 185) يقول: (ذهب قوم من المتكلمين إلى أن الواجب تعالى لا غاية له، وذهب آخرون أن له تعالى في أفعاله غايات ومصالح عائدة إلى غيره وينتفع بها خلقه، ويرد الأول .. ويرد الثاني …) وأنت عندما ترجع إلى تجريد الاعتقاد، شرح تجريد الاعتقاد، تجد بأنه يرد الأول والحق مع الثاني. ولهذا اتهم الشيعة بأنهم أتباع … ولكن هو يقول: (بل الحق ما تقدم كما تقدم أن الفاعل بما هو فاعل لا غاية لفعله بالحقيقة إلا ذاته الفاعلة) هو غاية نفسه (فهو الأول وهو الآخر وهو الفاعل وهو الغاية) هذا كيف يتصور؟ في محله.
إذن الآن أنا لا أريد أن أدخل في بحث الواجب، نتكلم فينا أنا وأنت الذين نفعل الفعل لأجل الوصول إلى غاية.
أعزائي، إذا كان الأمر كذلك العلة الغائية إذن هي المحركة للفاعل، فإذا تعددت العلة الغائية تحريكها للفاعل يكون بنحو واحد أو بنحوين؟ تأملوا، إذا العلة الغائية كانت متعددة يعني لكل طرف حكم يختلف عن الطرف الآخر، ولكل طرف غاية تختلف عن الأخرى، إذن الفاعل المختار إذا أراد أن يختار هذا أو هذا يحتاج إلى مرجح وراء الإرادة أو لا يحتاج؟ يحتاج، لماذا يحتاج؟ لأن إرادة هذه لها علة غائية وإرادة ذاك لها علة غائية، إذن نفس الإرادة غير كافية، نفس الإرادة كافية أو غير كافية؟ غير كافية، لأنه هنا أيضاً الإرادة موجودة وهناك موجودة، أما لماذا أعمل الإرادة في هذا الفرد دون ذاك؟ أقول: أعمل الإرادة في هذا الفرد لوجود علته الغائية التي حركته، لماذا هناك دون هذا؟ أقول: حركته تلك العلة الغائية، إذن نفس الإرادة كافية أو غير كافية؟ غير كافية، وهذا الذي نقوله في المورد الأول مع تعدد الغاية ومع تعدد الحكم ومع تعدد الأحكام والنتائج، فهل تكفي الإرادة للترجيح أو لا تكفي؟ محال أن تكون كافية.
أما إذا فرضنا أن العلة الغائية كانت واحدة، العلة الغائية إذا كانت واحدة تحرك إلى هذا الفرد أو إلى ذاك الفرد أو إلى طبيعي من يحقق الغاية، أي منهم؟ في المورد الأول كانت تحرك العلة الغائية إلى الطبيعي أو إلى الفرد؟ إلى الفرد، لأن هذا له غاية وذاك له غاية أخرى فلا معنى أن الغاية تحركه إلى الطبيعي لا معنى له، لأن هذا شيء وذاك شيء آخر. أما في هذا المورد تحرك إلى هذا الفرد؟ لا، تحرك إلى هذا الفرد؟ لا. تحرك ماذا … أضرب مثالاً للتوضيح، وهو أنه في رفع العطش العلة الغائية ماذا تقول؟ ارفع العطش من خلال فرد خاص؟ لا، تقول ارفع العطش، تقول له بهذا الفرد أو بهذا أو بهذا الفرد؟ يقول إذا وجدت في بعض الأفراد خصوصية فرجحه، يعني مثلاً تشرب الماء في إناء مكتوب عليه آية الكرسي، هذا يرجح على أناء آخر، أو في إناء غير مثلوم لأنه فيه شيطان كما في الروايات. أما إذا تساوت من كل الجهات أسأله وقل له بأيهما ارفع العطش، بماذا يجيبك صاحب الغاية، العلة الغائية التي هي علة فاعلية لفاعلية الفاعل لو كان لها لسان ناطق العلة الغائية أسألها بأي فرد ارفع العطش ماذا تجيبك؟ تقول بأي تحقق، لا فرق. كما أنه جنابك الآن كما قلنا في المثال قلنا أن تحتاج إلى سيارة لترفع حاجتك، ويضعون أمامك خمس سيارات بنفس المواصفات التي أنت تريد من اللون والكيفية والموديل والإمكانات ويقولون لك اختار، طبعاً فرض المحال ليس بمحال. يقولون لك اختار، الآن أسأل العلة الغائية لماذا تقول أنا أريد سيارة بهذه المواصفات، أسأل العلة الغائية أياً منها؟ تقول: أي منها تحقق لا فرق.
سؤال: وضع الألفاظ الخاصة لمعنى مخصوص، يعني وضع لفظ الإنسان لمعنى الإنسان لمفهوم الإنسان، هل هو من قبيل المورد الأول أو من قبيل المورد الثاني؟
لا أشك أن الأعزاء يقولون بناء على تلك المقدمات التي حققناها فيما سبق، وهي أن الإنسان بمقتضى نظرية الاستخدام يريد الاجتماع وحياة اجتماعية، وأن الحياة الاجتماعية لا تتحقق إلا بلغة للتفاهم، وهذه اللغة للتفاهم لا تحقق إلا بوضع لفظ معين لمعنى معين، أما هذا اللفظ إنسان أو حجر لمعنى الإنسان؟ العلة الغائية وهي ضرورة الوضع والألفاظ تعين أو لا تعين؟ يقول: كلي ويراد منه أي فرد تحقق بأي فرد، وهذا هو إشكالنا الثاني الذي هو إشكال بنائي على المرزا النائيني، إشكال السيد الخوئي كان إشكال مبنائي، نريد أن نقول للمرزا حتى لو قبلت أن الترجيح بلا مرجح محال فإن المورد خارج عنه تخصصاً لا مبنائياً، أصلاً هذا لا يشمل ذاك، المورد يختلف. نعم، أنت سمعت قاعدة أن الترجيح بلا مرجح محال تصورت أنها سواء كانت في المورد الأول أو في المورد الثاني. وسيأتي توضيحه بشكل أكثر يوم غد.
والحمد لله رب العالمين