بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
انتهى بنا البحث إلى أنه أساساً قاعدة أن الترجيح بلا مرجح وأن المرجح والإرادة والسلطنة لابد من التمييز بين المورد الأول والمورد الثاني. وأنه إذا كان الكلام في مورد وحدة الغاية فإن الإرادة يمكن أن تكون مرجحة لهذا الفرد على هذا الفرد. أما في مورد تعدد الغاية والهدف والنتيجة فطبيعة الحال أن الإرادة لا يمكن أن تكون مرجحة وإنما تحتاج إلى شيء ما وراء الإرادة والاختيار وإعمال السلطنة. ثم أشرنا إلى هذا البحث وهو أنه لابد من معرفة أن الحاجة إلى الوضع وأن وضع هذا اللفظ بالخصوص لهذا المعنى بالخصوص هل هو داخل في المورد الأول أو أنه داخل في المورد الثاني؟ وذكرنا بالأمس أنه لا إشكال ولا شبهة أن فلسفة اللغة وفلسفة الوضع تبين لنا أنه داخل في المورد الثاني وليس في المورد الأول. يعني أن الإنسان بعد تلك المقدمات التي أشرنا إليها في أبحاث سابقة وقلنا أن هناك اعتباريات ما قبل الاجتماع واعتباريات ما بعد الاجتماع، ومن الاعتباريات ما بعد الاجتماع قلنا اللغة والوضع، فإذن هي من الاعتباريات ما بعد الاجتماع فإذا كان الأمر كذلك فإن الغاية هي الوضع لا أن الغاية هي وضع هذا اللفظ لهذا المعنى، وهذا الوضع كما يتحقق في هذا الفرد يتحقق في ذاك الفرد، واشرنا أنه إذا أردنا أن نوضح المسألة هو أنه أساساً الغاية تريد الكلي، يعني اللغة، ومن الواضع أن الكلي يتحقق بأي فرد من الطبيعي يتحقق بخصوص فرد معين؟ لا، بهذا الفرد يتحقق بهذا الفرد يتحقق وبهذا الفرد أيضاً يتحقق.
إذن هذه القضية مرتبطة بفهم فلسفة الوضع والأعزاء يتذكرون نحن فيما سبق وقفنا عند فلسفة الوضع لهذا، الآن تلك النظرية تنفعنا بشكل واضح وصريح. إذا ترجعون إلى هذا المعنى أو إلى كتاب (أصول الفلسفة، ج1، ص602) للسيد الطباطبائي، الترجمة العربية، قال: (اللغة يلمس الإنسان في مراحل الاجتماعية الأولى الحاجة إلى بناء اللغة ووضع الألفاظ) إذن الحاجة إلى ماذا؟ لا إلى وضع هذا اللفظ لهذا المعنى وإنما الحاجة إلى أصل اللغة التي تحققها هذا الفرد ويحققها ذاك الفرد أيضاً.
وأوضح منه تكلم في (حاشيته على الكفاية، ص16) الطبعة القديمة لا الحديثة، حاشية قيمة ودقيقة وعميقة، السيد الطباطبائي في حاشيته، رجل جاء من النجف وهو مجاز بالاجتهاد من كبار الأعلام، ولكنه اشتغل بمكان آخر، هناك يقول: (ثم إذا تأملنا في حال الإنسان بل كثيراً من الأنواع الحيوانية وجدنا مسألة) الضروري والغاية هي ماذا؟ (وجدنا مسألة تفهيم ما في الضمير من الضروريات التي تمسها الحاجة الأولية) هذا هو الضروري وليس أكثر من ذلك، الضروري هو كيف أقيم جسر العلاقة وأُفهم الآخر ما أريد وأفهم منه ما يريد، هذا هو الأصل (التي تمسها الحاجة الأولية من حيث الاجتماع والتقارن الذي بينهم فهو من الاعتبارات العامة الأولية يتلو اعتبار الاجتماع) ولذا عبر عنها من الاعتباريات ما بعد الاجتماع، وهذا ما وقفنا عليه مفصلاً.
إذن الإشكال الأساسي مما تقدم، اتضح بأنه أساساً الذي يرد على كلام المرزا أن المورد ليس من مصاديق المورد الأول بل هو من مصاديق المورد الثاني. وإذا كان من مصاديق المورد الثاني فهل نحتاج إلى خصوصية ومناسبة وراء الاختيار وإعمال السلطنة لجعل هذا اللفظ لهذا المعنى أو لا نحتاج؟ وإذا انهار هذا، يعني تبين عدم الاحتياج إذن انهارت أصل النظرية لأن المرزا قال أنما لا يمكن أن نقول أن الواضع هو الإنسان لأن الإحاطة بتلك الخصوصيات ممكنة أو غير ممكنة؟ غير ممكنة، إذن لا يمكن للإنسان. والآن تبين أننا نحتاج إلى تلك المناسبات والخصوصيات في الواقع ونفس الأمر أو لا نحتاج؟ لا نحتاج، سالبة بانتفاء الموضوع، وهذا هو كان محور نظرية … بلا حاجة إلى الدخول إلى تلك الإشكالات الجنبية أو الثانوية التي ذكرها الأعلام، أصل المشكلة أين؟ أصل المشكلة والتي أدت بالمرزا أن يقول أني لا استطيع أن أقبل أن الواضع هو الإنسان قال لأنه، المقدمة الأولى إذا تتذكرون قلنا أنه لابد من خصوصية لجعل هذا اللفظ لهذا المعنى، والمقدمة الثانية أن الإحاطة بمثل هذه الخصوصيات غير مقدور للإنسان ولا لجماعة البشر، إذن الواضع هو الله.
هنا بهذا البيان اتضح أن المقدمة الأولى تامة أو غير تامة؟ غير تامة.
طبعاً في كلمات الأصوليين أو بعض الأصوليين لا أقل المحققين منهم كالسيد الخوئي أشاروا إلى هذا ولكن لم يبينوا النكتة الفنية لهذا، السيد الخوئي في (حاشيته على أجود التقريرات، ص19) قال: (وثانياً( إذا تتذكرون أشكل على نظرية المرزا بإشكالات، الإشكال الأول قال: (لا يلزم أن يكون المرجح هي المناسبة الذاتية) ونحن أجبنا عن ذلك أن المرزا أدعى الملازمة الذاتية بين اللفظ والمعنى أو لم يدعِ؟ لم يدعِ فهذا الإشكال غير وارد على المرزا وبيناه. الإشكال الثاني: (أن المستحيل هو الترجح من دون ترجيح وأما الترجيح بلا مرجح فلا استحالة فيه) الجواب ما هو؟ الجواب: أنه الترجيح بلا مرجح في المورد الأول أو في المورد الثاني؟ الجواب: إشكالنا على كلام السيد الخوئي في المورد الأول لا، الترجيح بلا مرجح محال، يعني الإرادة وحدها كافية أو غير كافية؟ غير كافية، لأنه في المورد الأول إذا لم يكن هناك مرجح خارجي مآله إلى الترجح بلا مرجح، لأنك تصورت أنه يوجد فعل واحد وفي الواقع يوجد فعلان. (بل ولا قبح فيه أيضاً إذا كان هناك مرجح لاختيار طبيعي الفعل) هذا إشارة إلى المورد الثاني، المقصود الغاية هو طبيعي الفعل لا هذا الفعل أو ذاك الفعل (مع عدم وجود المرجح في شيء من أفراده وحينئذ فالمصلحة الموجودة في طبيعي الوضع كافية في اختيار لفظ خاص وتخصيصه لمعنى مخصوص ولو من دون ربط ومناسبة بينهما أصلاً). ولكنه هذا البيان لم تبين نكتته الفنية، نكتته الفنية ما هي؟ هو أن الغاية والهدف والعلة الغائية واحدة أو متعددة؟ وعدم الالتفات لهذه النكتة أدى إلى أن يطلقوا القول قالوا أن الإرادة بنفسها تكون مرجحة في الأول وفي الثاني.
يعني عدم الالتفات إلى النكتة الفنية التي أشرنا إليها أدت بالحكماء أن يطلقوا وأدت بالأصوليين أيضاً أن يطلقوا، والصحيح أنه لابد أن يميز بين وحدة الغاية وبين تعدد الغاية.
هذا هو الإشكال الأصلي الذي يمكن إيراده على المرزا النائيني وبهذا الإشكال لا يبقى هناك أي داعٍ لدعوى أن الواضع لا يمكن أن يكون هو البشر، فلابد أن يكون الواضع هو الله. لا، يمكن أن يكون الواضع هو البشر. الآن يأتي هذا السؤال: لماذا بعض الأحيان يضع هذه الكلمات؟ لأدنى اعتبار، كما أنت جنابك في الأعلام الشخصية ماذا تفعل؟ في الأعلام الشخصية بعض الأحيان لا تعلم ماذا تضع، تتحير، وفي الآخر لأدنى مناسبة، رأيت في رؤية كذا أو فلان ذهبت إلى فلان مكان وهذا الاسم استذوقته كثيراً، أدنى مناسبة لا تحتاج مناسبات واقعية نفس أمرية بين الاسم والمسمى. كذلك هذه لا نحتاج إليها بين الألفاظ وبين معانيها، بل يكفي أدنى المناسبة. الآن لا أريد أن أدخل في بحث آخر وهو ما يسمى بعلم الحروف وهو أن كل حرف من هذه الحروف لها تأثيرها الخاص ولها ربطها الخاص ولها ارتباطها التكوينية ذاك علم آخر، واقعاً علم بقناعتي من العلوم الشريفة والعظيمة ولكنها بشرطها وشروطها، يعني بالحمل الشائع، لمن يعلم تلك العلوم، ويمكن أنا هنا ذكرت لاخواني وأعزائي أنه من المتخصصين بهذا العلم كان السيد علي القاضي، أستاذ السيد الطباطبائي كان من المتخصصين بعلم الحروف، والشيخ حسن زاده كان يقول أني أملك بعض الشيء من هذا العلم ولكنه لم يعلمه لأحد بحسب علمي، ذاك له بحث آخر ولا نريد الدخول فيه الآن، نحن نتكلم عن ظواهر الأمور وإذا كانت موجودة تلك الحقائق فهي مرتبطة بالباطن والتأويلات لا أنها مرتبطة بقضية الظواهر، بحسب الظواهر لا، هذه الحروف والكلمات التي تتشكل من هذه الحروف لأدنى مناسبة تافهة توضع لهذا المعنى أو توضع لذلك المعنى.
بقيت في كلمات المرزا& بعض المبعدات إذا تتذكرون أشرنا إليها بالأمس.
ومن المبعدات لو كان هناك واضع معين لنقل إلينا وحيث لم ينقل إذن لا يوجد هناك واضع معين.
ومن المبعدات أيضاً أنه أساساً شخص عنده مثل هذه الإحاطة بالألفاظ والمعاني ويضع، وغيرها من المبعدات يراجعها الأعزاء في (فوائد الأصول) وفي (أجود التقريرات، ص19) يقول: (فإنا نقطع بحسب التواريخ التي بأيدينا أنه ليس هناك شخص أن جماعة وضعوا الألفاظ المتكثرة في لغة واحدة لمعانيها التي تدل عليها فضلاً عن سائر اللغات).
هذا أيضاً أجابوا عنه بشكل تفصيلي في كلمات الأعلام كالسيد الخوئي وغيره كلهم أجابوا ذلك، بأنه لو كنا ندعي أن اللغة وضعها شخص واحد دفعة واحدة فهذه الكلمات كانت صحيحة، ولكنه لا أن اللغة وضعها شخص ولا أنها وضعت دفعة واحدة، وإنما اللغة كأي ظاهرة اجتماعية أخرى مرت بمراحل بحسب احتياجات الإنسان، فتجدون الآن المؤسسات التي توضع لوضع المفردات للمعاني الجديدة، في كل الجامعات الآن توجد مثل هذه المؤسسات، لماذا؟ لأنه تدخل إلينا أمور جديدة وتحتاج إلى وضع ألفاظ جديدة، افترضوا في معجم اللغة أو في كتب اللغة لا تجد ماذا يوضع لهذه القطعة من الحديد التي تطير إلى السماء، لابد لها من وضع، فوضعت لها وضعت الطير باعتبار يطير فوضع لها طيارة، وتلك صارت سيارة، وبعضها لم يجدوا لها فوضعوا لها أسماءها اللاتينية مثل الكمبيوتر وغيره.
إذن هذا معناه أن اللغة وأن المعاني تدريجية الوجود احتياجات الناس تدريجية الوجود وبطبيعة الحال الألفاظ تدريجية الوجود، إذن قولكم واحد، لا ليس بواحد. قولكم دفعة. لا، ليس دفعة واحدة.
هذا البحث أعزائي حتى لا نتأخر كثيراً أشار إليه السيد الخوئي تفصيلاً في (المحاضرات، ج1، ص36) يقول: (وأما الأمر الخامس وهو استناده فيما ذكره من أن الله تبارك وتعالى هو الواضع الحكيم لو تم فإنما يتم لو كان وضع الألفاظ لمعانيها دفعياً وفي زمان واحد، إلا أن الأمر ليس كذلك فأن سعة دائرة الوضع وضيقها تتبع سعة دائرة الغرض وضيقها، ومن الواضح أن الغرض هو التفاهم وكلما ازدادت وتعقدت الحياة ازدادت المعاني التي تحتاج إلى ألفاظ … وقولكم وأما الثاني أن الواضع لو كان بشراً لنقل إلينا فيرد عليه أن ذلك إنما يتم لو كان الواضع شخصاً). البحث بشكل تفصيلي في (ص36 إلى 38) فلا نحتاج إلى الإعادة.
وفي اعتقادنا أن كل الإشكالات التي ذكرناها سابقاً وما ذكر لاحقاً ليست هي الإشكالات الأصلية، بل الإشكال الأصلي هي مسألة الخصوصيات القائمة بين الألفاظ والمعاني والتي بينا عدم تماميتها.
ومن الإشكالات الأخرى التي وردت في كلمات الأعلام هي أنه أساساً قالوا أن مسألة الإلهام ليست مختصة بالوضع، أساساً مسألة الإلهام موجودة في كل شي، الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وعلمه البيان. أساساً في آية أوضع من ذلك لا الإنسان، الله سبحانه وتعالى (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) يعني هدى ماذا؟ يعني وضع في قدرته وفي إمكاناته أن يصل إلى كماله، ومن مصاديق كماله إيجاد التفاهم بينه أو إيجاد جسر للتفاهم بينه وبين الآخرين في حال الاجتماع. إذن هذه قضية ليست مختصة بالوضع حتى تقول أن الله ألهم الإنسان عملية الوضع.
هذا الإشكال أشار إليه السيد الخوئي في (آخر ص35) قال: (وأما حديث الإلهام فهو حديث صحيح ولا اختصاص له بالوضع) نحن نتكلم في الوضع وهذا الذي قلته أعم من قضية الوضع (وقد ذكرنا في تفسير قوله تعالى (أهدنا الصراط المستقيم) أن الله تعالى نوعين من الهداية: هداية تشريعية وهداية تكوينية) وهذه داخلة في الهداية التكوينية.
طبعاً يكون في علم الأعزاء هذه فائدة خارج البحث: الهداية التكوينية تختلف في الموجودات في كل موجود تسمى باسم، ومع الأسف الشديد أن بعض من لا خبرة له تصور أن الهداية تشريعية وتكوينية وفطرية، لا يا أخي العزيز، الهداية التكوينية في الإنسان تسمى فطرية، وفي الحيوان تسمى غريزة، وفي الجمادات تسمى طبيعة، تقول طبيعة هذا الموجود هذا الحجر أو النار طبيعته ما هي. وهذه الهداية التكوينية (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) تجدون بأن قطعة من الحجر تبقى مئات أو آلاف السنين في الأرض بعدها تصير عقيقاً، هذا نظام موجود في الحجر طبيعته إذا وقع في هذا الصراط يصل إلى أن يكون عقيقاً أو غيره.
إذن الهداية التكوينية عنوان عام في الإنسان هي الهداية الفطرية وفي الحيوان هي الهداية الغريزية وفي الجمادات هي الهداية الطبيعية.
السيد الخوئي يقول الإلهام من مصاديق الهداية التكوينية. وعلى الجملة أن مسألة الإلهام أجنبية عن تحقق معنى الوضع، هذه قضية عامة (فإن الإلهام من الأمور التكوينية الواقعية ولا اختصاص له بباب الوضع والمبحوث عنه هو معنى الوضع كان الوضع بإلهام أم لم يكن) هذا المعنى تقريباً أيضاً وافقه عليه السيد السبزواري في (تهذيب الأصول، ص12) هذه المقدمات التي بحثناها وبحث الوضع لخصها في أربعة صفحات، يعني هذه الأبحاث التي عرضنا لها في (ص7- 12) يقول هذا المقدار من البحث كاف، هذا منهجه&.
يقول: (ثم أن من قال بأن الواضع هو الله تعالى فإن أراد الوضع بمباشرته كما في مباشرته تعالى لوحي القرآن والتكلم لموسى، فمقتضى الأصل والوجدان عدمه) سيدنا الجليل هو صرح أنه ليس من هذا القسم كيف أنت عندما تشكل عليه تردد تقول إن كان هو مراده، هو الرجل في (أجود التقريرات، ص29) قال لا من هذا القسم ولا من هذا القسم، قال: (وجعله تبارك وتعالى هذا واسطة بين جعل الأحكام الشرعية المحتاج إيصالها إلى إرسال رسل وإنزال كتب وجعل الأمور التكوينية التي هي كحدوث العطش عند .. فالوضع جعل متوسط) عندما تريد أن تشكل بينك وبين الله شق من الشقوق الذي قال ليس هذا مرادي تقول فإن كان هذا مراده فالوجدان عدمه، ما هذا الاستدلال لا يصدر إلا من شخص لم يراجع كلمات المرزا، وإلا من راجع فبشكل واضح وصريح هو يقول هذا المعنى. على أي الأحوال.
قال: (فالأصل والوجدان هو عدمه، ولو كان كذلك لاشتهر اشتهار نسبة الكتب السماوية إليه تعالى، وإن أراد أن ذلك بإلهام منه تعالى أو أنه تعالى جعل استعداداً في آدم وبنيه وحصل له الاقتدار به على الوضع فهو حسن) هذا نفس المعنى الذي أشرنا إليه من كلام السيد الخوئي.
أنا لا أطيل الكلام على الأعزاء، هذا الجواب للسيد الخوئي هناك كلمة موجودة في (المقالات) للمحقق العراقي، لأنه عندما موجودة في الكلمات فلا نحتاج إلى الإطالة على الأعزاء، العراقي أجاب على ذاك لا هذا مقصود ولا ذاك مقصود، وهذا مراد ولا ذاك مراد. نعم، الإلهام العام موجود في الجميع (ألهمها فجورها وتقواها) هذا الإلهام العام موجود (فطرة الله التي فطر) ولا أتصور أن المحقق النائيني+ يتكلم عن ذلك المعنى العام الذي لا يوجد فيه خلاف، وإنما مراده ما أشار إليه المحقق العراقي في (مقالات الأصول، ج1، ص59) قال: (فالجاعل لا يكون إلا هو) من الجاعل والواضع؟ هو الله (غاية الأمر قد ألهم غيره) لا الإلهام العام (قد ألهم غيره في استعماله اللفظ الخاص في معنى مخصوص) لا أنه ذلك الإلهام العام حتى يقول ليس مختصاً، يعني الواضع عندما يأتي أن الذي يقع في المجتمع يجد أنه يريد هذا اللفظ يحصل له ميل يضع له ماذا … ولا يعلم … لو سألته لماذا وضعت هذا؟ يقول: لا أعلم. يقول: هذا هو الإلهام، ولهذا هو يصرح من غير التفات من الواضع، الواضع هو هذا الإنسان. يقول: (في استعمال اللفظ الخاص في لفظ مخصوص بلا التفاته إلى خصوصيتها) لو تسأله ما الدليل؟ لماذا؟ قاعدة ترجيح بلا مرجح تقول وجود خصوصية، ما هي؟ (مؤيداً ذلك أيضاً بأن المحيط بالألفاظ) هذا مؤيداً المبعدات التي أشرنا إليها وأجبنا عنها.
مما تقدم أتضح إلى هنا بأنه عموم الإشكالات التي أشكل بها هؤلاء الأعلام غير الإشكال الذي أشرنا إليه تقريباً يمكن للمحقق النائيني أن يجيب عنها، ولكن المشكلة الأصلية في تطبيقه القاعدة، والجواب في كلمة واحدة: أن القاعدة تنطبق على المقام أو لا تنطبق؟ لا تنطبق، إذن تنهار النظرية من هذه الجهة. (فالواضع هو الله) كلام له دليل أو لا دليل له؟ لا نمانع، لا محذور، لا استحالة أن يكون الواضع هو الله وألهم الناس أن يضعوا، لا مشكلة في ذلك أبداً. من ناحية الإمكان أن يكون الواضع هو الله سبحانه وتعالى وألهم من يريد الوضع أن يضع وبعد ذلك سرى في الناس، هذا ممكن، ولكن هذا الدليل كافٍ في إثبات هذا المدعى أو غير كافٍ؟ هذا الدليل غير كاف، فهذه النظرية تبقى بلا دليل، المدعى صحيح ولكن يوجد على هذا المدعى دليل أو لا يوجد؟ لا يوجد عليه دليل.
النظرية الثالثة:
وهي النظرية التي تبناها المحقق الأصفهاني رحمة الله تعالى عليه، هذه النظرية أعزائي لكي تتضح جيداً لابد من الإشارة إلى أمرين قدمهما في تفاصيل كلماته وبعد ذلك رتب عليهما نظريته في الوضع، ومن هنا لابد أن نقف … طبعاً هذان الأمران من الأبحاث الجيدة والمفيدة لا فقط في هذا الموضع بل في مواضع أخرى، يعني تتعرفون على بعض مباني المحقق الأصفهاني، في الإنشاء وفي غير الإنشاء في الأمور الاعتبارية الشرعية العرفية العقلية، عنده مبنى فلابد من الالتفات إلى مبناه في هذا المجال.
الأمر الأول: في الأمر الأول يقول لابد أن تميزوا جيداً بين الأمور الحقيقية والأمور الانتزاعية والأمور الاعتبارية.
نقول: ما هو مرادك من الأمور الحقيقية؟ يقول تلك التي لها مصاديق موجودة في متن الواقع الخارجي، سواء كانت ماهوية داخلة في المقولات أو غير ماهوية خارجة عن عالم المقولات. لأنكم تعلمون بأن مشهور الفلاسفة تبعاً للشيخ ابن سينا رئيس فلاسفة الإسلام يقولون أن الموجود ينقسم إلى ما له ماهية والماهيات إما جوهر وإما عرض، والجوهر إما نفس وإما عقل وإما صورة وإما جسم، والعرض إما أين ومتى … هذه القضية المعروفة. وموجود في الواقع الخارجي ولكن له ماهية أو ليس له ماهية؟ ليس له ماهية، إذن يدخل في المقولات أو لا يدخل في المقولات؟
[نحن في (شرح الأسفار، ج2) لم نوافق الفلاسفة في ذلك وقلنا أن الله له ماهية خلافاً لإجماعهم، الله له ماهية ولكن ماهيته مجهولة الكنه، ولذا لا نستطيع التعرف عليها (يا من لا يعلم ما هو إلا هو) فالله له ماهية جزماً ونعتقد فلسفياً أن الموجود الذي لا ماهية له لا وجود له، يعني يساوي العدم، خلافاً لمباني المشائين والحكمة المتعالية التي تعتقد أن الله وجود صرف بلا ماهية، هذه ملاحظة فقط لبيان المبنى وإلا بحثه تفصيلاً، وهذا (ج2 من شرح الأسفار) تقريباً الكثير منه معد لإثبات هذا الأمر].
إذن الموجودات سواء كان لها ماهية أو لم يكن ماهية لها تحقق في متن الأعيان، يعني لها ما بإزاء في متن الأعيان، هذا قسم من الموجودات الحقيقية. وهناك قسم آخر من الموجودات الحقيقية ليس له ما بإزاء في متن الأعيان ولكن له منشأ انتزاع في متن الأعيان من قبيل قولك العالمية والقادرية، الفوقية، التحتية ونحو ذلك.
هنا يأتي هذا التساؤل: وهو أين العالمية، أين ما بإزائها؟ في الخارج لا يوجد عندك إلا العالم وعلمه، العالم له ما بإزاء والعلم له ما بإزاء، أين العالمية ما بإزائها؟ يقول: صحيح، ليس له ما بإزاء ولكن له منشأ انتزاع، الفوقية أيضاً كذلك، هذا السقف موجود هذا ولكن فوقيته أين؟ ليست فوقيته كالبياض ولكن له منشأ انتزاع واقع انتزاعي.
الأمور الاعتبارية ما هي؟ الجواب: لا لها وجود خارجي ما بإزاء خارجي، ولا لها منشأ انتزاع. يعني تريد أن تقول أنها من قبيل ما يفترضه الفارض؟ يقول: لا، وإنما واقعيتها قائمة باعتبار المعتبر. فله واقعية ولكن واقعيتها لا ما بإزاء ولا منشأ انتزاع، بل باعتبارها فلها وجود. ولكن وجودها ما هو؟ ليس وجودها من القسم الأول وليس وجودها من القسم الثاني، بل وجودها لأنها وقعت طرفاً للمعتبر فحقيقتها قائمة باعتبار المعتبر.
هذا المعنى في (نهاية الدراية، ج1، ص46) طبعة مؤسسة آل البيت^، قال: (ومن الواضح أن كون … فالتحقيق في أمثال هذه المفاهيم) أي مفاهيم؟ مفاهيم المالكية ومفاهيم الزوجية، هذه المفاهيم التي نعبر عنها مفاهيم شرعية أو وضعية عبر عنها أحكام وضعية (أنها غير موجودة في المقام بوجودها الحقيقي وكذلك وجودها الانتزاعي) لا بهذا الوجود ولا بذاك الوجود (بل بوجودها الاعتباري) ما معنى الوجود الاعتباري (بمعنى أن الشارع أو العرف أو طائفة خاصة) لا فرق، الشارع عنده اعتبارات والعرف عنده اعتبارات والقبيلة أيضاً عندها مجموعة من الاعتبارات والعادات والتقاليد، يقول: (أو طائفة خاصة يعتبرون هذا المعنى لشيء أو لشخص لمصلحة دعتهم إلى ذلك) هذا الاعتبار أمر لا واقعية له؟ يقول: لا، له وجود وواقعية، ولكن (أما نفس الاعتبار فهو أمر واقعي قائم) في الواقع الخارجي أو منشأ الانتزاع؟ أبداً (قائم بالمعتبر، وأما المعنى المعتبر) بهذا الاعتبار (فهو على حد مفهوميته) يعني على حد مفهومية وطبيعة الاعتبار، له ما بإزاء أو ليس له ما بإزاء (ولم يوجد في الخارج) الاعتبار أمر حقيقي وجداني موجود، المعتبر ما هو؟ أيضاً موجود ولكن لا على حد وجود الموجودات الخارجية (وإنما وجد) يعني صار موجوداً (بمعنى صيرورته طرفاً لاعتبار المعتبر فينسب إليه الوجود) ولكن وجود ماذا؟ لا وجود حقيقي ولا وجود انتزاعي بل وجود اعتباري.
هذا المعنى بشكل أوضح ولعله أوسع أشار إليه في (ج2، ص39) من نفس الطبعة، بعد أن يبين أقسام الملكية، الملكية حقيقية والملكية اعتبارية وغيرها التي هي من الأبحاث المعقدة في علم الفقه وفي علم الكلام وفي الفلسفة، قال: (فإن قلت: إذا لم يكن مطابق الملكية الشرعية من المقولات الحقيقية حتى الانتزاعية فقد خرج بذلك عن موجودات عالم الإمكان) في الملكية الشرعية أنا مالك لهذا الكتاب نحن ماذا عندنا؟ موجود حقيقي وموجود انتزاعي، وأنت تقول مالك لهذا الكتاب لا حقيقي ولا انتزاعي، إذن موجود داخل في عالم الإمكان أو غير داخل في عالم الإمكان؟ لا تحقق له.
يقول: لا، من قال لك أن الممكنات تنحصر في الموجودات الحقيقية والموجودات الانتزاعية بل هناك موجودات اعتبارية.
يقول: (فقد خرج بذلك عن موجودات عالم الإمكان لانحصارها فيها) يعني في الحقيقية والانتزاعية (كما حقق في محله. قلت: التحقيق في الملكية) لا في الملكية التي هي من الأحكام الوضعية (وغيرها من الوضعيات الشرعية) كل الأحكام الوضعية (والعرفية) كما في اللغة مثلاً (أنها موجودة بالاعتبار) لا أنها موجودة بالحقيقة كما في القسم الأول. (فكما أن الأسد كذا … وعلى هذا الأساس لهذا الموجود الاعتباري مع قيام الاعتبار بالمعتبر بملاحظة …).
هذا أعزائي هو الأمر الأول الذي أشار إليه، وهو أنكم لابد أن تميزوا بين الأمر الحقيقي والانتزاعي أو الوجود الحقيقي والانتزاعي والاعتباري. لماذا هذه المقدمة؟ لأنه بعد ذلك يقول نريد أن نعرف بأنه أساساً الوضع، بالوضع يتحقق وجود حقيقي أو يتحقق وجود انتزاعي أم وجود اعتباري. هذا هو الأمر الأول.
في الأمر الثاني-– فقط أعنونه لأن البحث يحتاج إلى توضيح أكثر- هو أن الأمور الاعتبارية تنقسم عنده، يعني الوجودات الاعتبارية، أن الموجودات الاعتبارية تنقسم إلى مباشرية وإلى التسبيبية، حتى بعد ذلك يبين لنا أن الوضع هو الموجودات الاعتبارية المباشرية أو من الموجودات الاعتبارية التسبيبية.
إذا اتضحت النظرية هنا – أحفظوها عندكم ملاحظة إلى أن يأتي في وقته- نظريته في الإنشاء وتمييزه عن الإخبار أين؟ في هذا المعنى، وهو التمييز بين الاعتبار التسبيبي والاعتبار المباشري.
والحمد لله رب العالمين