بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
كان الكلام في الإشكال الثالث وهو أنه قد يقال بأن جعل الوضع من قبيل وضع العلم على مكان لتعيين خصوصية في المكان قياس مع الفارق. باعتبار أنه في الوضع لا يوجد إلا عنصران وهما اللفظ والمعنى وهذا بخلافه في المثال الذي ذكر في المقام فأنه يتركب من عناصر ثلاثة وهي العلم والمكان وللدلالة على فرسخ أو رأس الفرسخ ونحو ذلك كما أشرنا.
في مقام الجواب بالأمس قلنا بأنه إذا كان مقصود المستشكل أنه توجد هناك عناصر ثلاثة متباينة بحسب الوجود الخارجي فهذا ليس تام على إطلاقه، وإذا كان المراد لا، يوجد عنصران بحسب الواقع الخارجي أو بحسب الوجود ولكن ينحلان إلى عناوين ثلاثة، فهذا يمكن تصويره أيضاً في باب الوضع، فلا يكون قياساً مع الفارق. وبيانه بنحو الإجمال كما أشار إليه سيدنا الشهيد. طبعاً إشكالنا الأول لا نكرره وهو أن كل المشكلة في المثال وإلا المثال فيه ثلاثة عناصر وإلا ليس الإشكال على أصل المطلب وهو الاعتبار.
في المقام أيضاً نستطيع أن نصور عناصر ثلاثة في باب الوضع، وهو نحن يوجد عندنا لفظ وهو الموضوع وعندنا معنى وهي الصورة الذهنية وهي الموضوع عليه بناء على مبنى المحقق الأصفهاني، المعنى، ماذا المعنى؟ يعني الصورة الذهنية، هذه الصورة الذهنية بما هي صورة ذهنية أو للدلالة على شيء، أنت عندما تضع اللفظ على المعنى لأجل ماذا؟ لأجل الدلالة على شيء، إذن أيضاً توجد عندنا في عملية الوضع أمور ثلاثة وهي اللفظ وهو الموضوع والمعنى وهو الموضوع عليه وهي الصورة الذهنية وأن هذه الصورة الذهنية للدلالة على أن هذه صورة الماء وليست صورة الفرس. إن قلت: أن المعنى أو الصورة الذهنية والمدلول عليه وهو الماء مثلاً هذا وجود واحد. أقول: نعم، ولكن عنوان واحد أو عنوانان، كما في المقام.
إذن هذه المشكلة إذا كانت كل المشكلة في كيفية تصوير عناوين ثلاثة فهذا ما أسهل تصويره في المقام. وأنا لا أتصور بأن المحقق الأصفهاني بتلك النظرية الواضحة العميقة التي أشرنا إليها إشكالها أنه كيف نصور عنوانين أو نصور ثلاثة عناوين، هذا المعنى السيد الشهيد أشار إليه قال: (فهذا بالإمكان افتراضه في الوضع الاعتباري بأن يقال أن الواضع يضع لفظ الماء اعتباراً على الصورة الذهنية للدلالة على أن تلك الصورة هي صورة الماء) إذن عنوانان أو ثلاثة؟ ثلاثة، اللفظ هو الموضوع، والصورة الذهنية الذي هو المعنى هو الموضوع عليه للدلالة على أن هذه الصورة هي صورة الماء وصورة الفرس لا أنها صورة شيء آخر.
وبهذا تتضح النكتة لماذا أن المحقق الأصفهاني تارة كان يستعمل على وأخرى يستعمل اللام، إذن هذا موجود، هذا البيان الذي ذكره السيد الشهيد يمكن استفادته من كلام المحقق، طبعاً بهذا البيان ولكن هو عندما يقول (على وإلى واللام) هو يشير إلى أن هناك شيء واحد أو ثلاثة أشياء؟ هناك شيئان أو ثلاثة أشياء؟ يريد أن يقول بأنه يوجد وضع يعني لفظ ومعنى وهو الموضوع عليه وموضوع له وهو المدلول عليه بهذه الصورة المعنوية. إذن هذا الإشكال الثالث إشكال أيضاً غير تام.
الإشكال الرابع: وهو الإشكال الذي ذكره سيدنا الشهيد+، في هذا الإشكال الذي أشار إليه في (تقريرات السيد الهاشمي، ص76) أنا أقرر الإشكال بنحو الإجمال وأقرأه للأعزاء.
يقول: بأن المحقق الأصفهاني قال أن الفرق بين الوضع وبين المثال فقط فارق أن أحدهما اعتباري والآخر حقيقي، يعني لم يذكر فرقاً آخر بين المثال والممثل له، بين الوضع وبين المثال الذي أشار إليه وهو علم منصوب على مكان. مع أنه يوجد فارق آخر، هكذا يريد أن يقول السيد الشهيد: ظاهر عبارته أنه لا فرق بينهما إلا في جهة واحدة، ما هي؟ أن ذاك اعتباري وهذا حقيقي. غاية الأمر أن الوضع هناك حقيقي يعني في المثال، وهنا اعتباري. هذا الكلام فيه إشكال، ما هو إشكاله؟ نقول هناك فارق آخر بين المثال وبين الوضع، ما هو؟ يقول: في الوضع الدلالة التي نستفيدها من وضع اللفظ للمعنى دلالة تصورية، أما في المثال الدلالة التي نستفيدها دلالة تصورية أو دلالة تصديقية بالحمل الشائع وجودية في الخارج، أي منهما؟ من الواضح بأنه ليست دلالة تصورية وإنما دلالة واقعية خارجية، إذن يوجد فرق بين المثال وبين الوضع.
أقرأ العبارة يقول: (هذا مضافاً إلى أن الفرق بين العلقة الوضعية وبين العلامات الموضوعة أساساً ليس من ناحية كون وضع اللفظ اعتبارياً ووضعها حقيقياً خارجياً بل بينهما فرق جوهري في نوع العلاقة المتولدة فيهما). فالعلاقة المتولدة في الوضع علاقة تصورية (لا تقتضي أكثر من التلازم والتداعي بين تصور اللفظ وتصور المعنى، بينما هي في العلامات علاقة تصديقية) بالحمل الشائع بين وجود العلامة ووجود ذيها خارجاً، فلا يصح التوحيد بينهما في المناشئ ويقال بأنه لا فرق بينهما إلا بالاعتبار والحقيقة). هذا إشكاله الرابع.
الجواب: أولاً أن هذا الإشكال إشكال – إن صح التعبير- إشكال مبنائي على نظرية التعهد، أن محصول عملية الوضع دلالة تصورية أو دلالة تصديقية؟ الكل يقول بعد ذلك سيأتي، أصلاً واحدة من إشكالات نظرية التعهد قالوا أنه بناء على التعهد محصول عملية الوضع دلالة تصورية أو دلالة تصديقية؟ دلالة تصديقية. إذن القضية مبنائية، افترضوا أن هذا قائل بنظرية ا لتعهد فلا يرد عليه هذا الإشكال، هذا أولاً.
وثانياً: أنه نحن عندما نضرب مثال، رجوع إلى الإشكال الأول الذي أشرنا إليه، نحن عندما نضرب مثالاً نحن نريد أن ندعي أن كل الحيثيات واحدة، إذا كانت كل الحيثيات واحدة لماذا صار أحدهما مثال والآخر ممثل له، لماذا صار أحدهما أصل والآخر فرعن لماذا صار أحدهما حقيقي والآخر اعتباري. في النتيجة عندما نقول أحدهما حقيقي والآخر اعتبارية في النتيجة يوجد نحو من الفروق، وهذه من تلك الفروق.
التفتوا إلى هذا الأصل الذي لم نشر إليه سابقاً، ليس كل فرق هو فارق، نعم فرق بين الوضع وبين المثال، ولكن هل هذا يؤدي أنه يكون فارق حتى نقول إذن قياس مع الفارق أو لا؟ وثالثاً هناك نكتة إضافية سنشير لها لاحقاً وهو أن هذا الاختلاف نشأ من طبيعة الطرفين، فإذا كان الطرفان لفظ ومعنى ينتج شيئاً، إذا كان الطرفان وجودان خارجيان ينتجان … هذه غير مرتبطة بنحو العلاقة بل مرتبط بطرفي العلاقة. إذن هذا الإشكال الرابع أيضاً إشكال غير وارد على المحقق الأصفهاني.
هذا المنهج تعلمناه من سيدنا الشهيد، يعني أتذكر بأنه عندما كنا نقول له سيدنا هذا البيان الذي بينته لنظرية النائيني مثلاً ودافعت عن النائيني بهذا الدفاع، هذا أين موجود في كلمات النائيني؟ كان يقول: ليس بالضرورة أن يكون كله موجود في كلمات النائيني ولكن أنا أتقمص شخصية المرزا النائيني أقول لو أشكل عليه مستشكل واقعاً يستسلم مباشرة أو يدافع ويقول هذا مرادي، أنا أتصور أن المحقق الأصفهاني أنا لا استطيع بهذه البساطة …
أنقل لكم قضية موجودة في أول تقريرات السيد الحائري، السيد الشهيد يقول: أني حضرت كفاية عند أحد الأساتذة، وبعد ذلك تركت الدرس فسألوني لماذا تركت الدرس، قال: أنا في الدرس كان هذا الأستاذ يقرر مطلب الكفاية وأنا كنت أشكل على مطلب الكفاية، هذا يرد عليه الإشكال … أستاذي في كل المرات كان يقول نعم إشكالك وراد، مرة ومرتين وثلاثة، أنا قلت في نفسي يقيناً لا يمكن أن تكون كل إشكالاتي واردة على صاحب الكفاية، إذن هذا لا يفهم الكفاية، وإلا لو كان قادراً على الدفاع عن صاحب الكفاية لم يكن يقل لي إشكالك وارد فتركت ذاك الدرس. ولذا نحن في محله قلنا أن الاجتهاد ملكة الاجتهاد ليست هي حفظ المباني، ملكة الاجتهاد القدرة على الدفاع عن المبنى، أنت قد تحفظ مباني أكثر مني ولكن بمجرد أن أشكل إشكال أو إشكالين على أي مبنى تقول: نعم. هذا معناه أنك حافظ للمبنى لا مدافع، لا توجد عندك ملكة الدفاع عن المبنى، الاجتهاد هذا الأمر الثاني لا ذاك الأمر الأول.
أنا أتصور أن المحقق الأصفهاني هكذا إشكالات بهذا المستوى، واقعاً أنا لا استطيع أن أقبل ان عقلية المحقق الأصفهاني بهذه البساطة كانت بحيث لا يستطيع أن يميز أن في المثال ثلاث عناصر ومحل الكلام فيه عنصران. وكلمات من هذا القبيل.
الإشكال الخامس: وهو الإشكال الذي يعبر عنه السيد الروحاني، طبعاً إذا كانت الاستاذية تتحقق بشهر فهو أستاذي فقد حضرت عند السيد الروحاني في قم لمدة شهر واحد، فإذا كانت تتحقق بهذا القدر فبها ونعمت فهو أستاذي، وإلا فأنا أعبر … بيني وبين الله وأجل أفكار السيد الروحاني.
السيد الروحاني في (منتقى الأصول، ج1، ص57) قال: (فالأولى أن يورد على المحقق الأصفهاني وهو العمدة) الإشكال الأساسي هو هذا، أنا أقدم مقدمة لإشكال السيد الروحاني وبعد ذلك أبين إشكاله.
يقول: أنتم إذا وجدتم أن هناك أمر اعتباري لابد أولاً أن تذهبوا، هذه المقدمة مني، أن تذهبوا إلى ذلك الأمر الحقيقي تعرفون ما هي آثاره حتى عندما تقولون هذا هو ذاك اعتباراً الآثار تترتب على هذا الأمر الاعتباري، إذا تتذكرون المرزا النائيني+ في مسألة حجية الخبر الواحد قال أن خبر الواحد هو العلم اعتباراً، أولاً لابد أن نذهب إلى العلم لنرى ما هي آثاره حتى نعطيها لخبر الواحد اعتباراً، أما إذا ثبت أن هذا الأثر غير موجود للأصل فهل يمكن إعطاءه للفرع أو لا يمكن؟ لا يمكن هذا. إذن من هنا السيد الروحاني بناء على هذه المقدمة، يأتي إلى أصل المثال وهو الأمر الحقيقي، لأن هذا الأمر الاعتباري مثل ذلك الأمر الحقيقي، لأن عبارات المحقق الأصفهاني يقول ذاك حقيقي وهذا اعتباري، يعني ذاك هو الأصل وهذا هو الفرع، تعالوا معنا إلى الأصل لننظر الأصل ما هو؟ الأصل يعني بمجرد أن نضع قطعة الخشب أو الحديد أو العلامة على المكان تدل على أنها رأس الفرسخ هكذا؟ يعني كل واحد الآن يأتي ويضع علامة على منطقة من الأرض هذا معناه أن هذه دالة على كذا، أنت أساساً أولاً لابد أن تعلم أن هذه علامة ماذا، وثانياً أن تعرف أن الواضع لها هي إدارة المرور أو شخص آخر. وإلا لو كان الواضع لها ليس هو صاحب الشأن فلا قيمة للعلامة.
إذن ليست مطلق وضع العلامة على مكان تدل … لابد أن يكون خلفها يوجد تباني أو عبروا عنه تعهد، أو قرار سابق بينك وبين البلد الذي تعيش فيه … الخ.
إذن إذا كان في الأمر الحقيقي كذلك يعني وضع نفس العلامة لا يكشف عن شيء فكيف تتوقعون أن وضع اللفظ على المعنى يدل عليها. فإذن نحن نسأل هذا السؤال منكم: وهو أن في المعنى الحقيقي وفي الأمر الحقيقي وضع العلامة كافي أو غير كافي، أي منهما؟ فإن قلتم كافي نقول خلاف الوجدان، إن قلتم: غير كافٍ ولابد أن تنضم إليه نكتة وراء وضع العلامة. نقول: في الوضع الاعتباري لعل تلك النكتة كافية من غير حاجة إلى اعتبار اللفظ على المعنى. في كلمة واحدة وألخص مطلب السيد الروحاني في جملة واحدة: أنه مع عدم تلك النكتة الماورائية ينفع الوضع والعلامة أو لا ينفع؟ لا ينفع. ومع وجود تلك النكتة الكذائية فلا حاجة إلى الاعتبار. إشكال السيد الروحاني يقول يوجد فرضان: الفرض الأول مع عدم النكتة في الحقيقي لا يدل فما بالك في الاعتباري. ومع وجود تلك النكتة فهي مغنية عن الاعتبار.
أقرأ العبارة لنرى أننا استطعنا أن نقرر مطلب السيد الروحاني، يقول: (بأن الوضع التكويني الواقعي لا يقتضي دلالة الموضوع على الموضوع له بنفسه وإلا للزم أن يكون كل علم دال على رأس فرسخ وهو بديهي المنع) إذن نفس وضع العلامة يدل أو لا يدل؟ في نفسه لا يدل إلا أن تنضم إليه نكتة. (وإنما يتوقف أيضاً) يعني بعد الوضع (يتوقف أيضاً عن سبق بناء وقرار على جعل العلم على رأس فرسخ فتحصل الدلالة بسبق هذا القرار والبناء وعليه فالوضع الاعتباري الجعلي أولى بعدم انتهاءه إلى دلالة اللفظ على المعنى بنفسه وتوقفه على بناء سابق) يعني نكتة إضافية. (وإذا انتهى الأمر إلى اعتبار الدلالة وجعلها وعدم كفاية مجرد الوضع تكويناً أو اعتباراً فيقتصر عليه ولا احتياج إلى وضع اللفظ على المعنى اعتباراً) هذا الذي أنا قلته في جملتين، قلت بأنه أساساً إما عدم وجود النكتة فلا يدل في الحقيقي فما بالك بالاعتباري، ومع وجود تلك النكتة فنستغني عن الاعتبار.
هذا إشكال السيد الروحاني.
أنا أقرأ لكم بعض العبارات من السيد الشهيد&، نفس هذا الإشكال، من هنا مأخوذ من مورد آخر، من توارد الأفكار، من تداعي الإشكالات، من تداعي المعاني … الأمر إليكم.
السيد الشهيد في (تقريرات السيد الهاشمي) قال: (والصحيح في الجواب عن أصل الصيغة) يعني عن الإشكال على كلام المحقق الأصفهاني (أن مجرد جعل شيء على شيء آخر حقيقة فضلاً عن جعله اعتباراً لا يعطيه صفة يكون بها سبباً حقيقياً له، وإن شئت قلت أن الوضع الاعتباري لا يكون أحسن حالاً من الوضع الخارجي الحقيقي) فرع عليه يمكن أن يكون فيه نكتة غير موجودة في الحقيقي (ونحن نلاحظ في الوضع الحقيقي أن مجرد وضع الشارة الحمراء إلى موضع الخطر لا يكفي لحصول الدلالة المطلوبة ما لم تضم إليه عناية أخرى) التي عبر السيد الروحاني (بناء وقرار ..) (كالتعهد والالتزام بأن لا توضع الشارة الحمراء إلا لذلك، فلابد من إبراز نكتة أخرى قد تكفي وحدها لتفسير السببية بين اللفظ والمعنى بلا حاجة إلى الوضع …).
أنا أتصور البيان نفس البيان ولا يوجد شيء آخر، قلت لكم إما تداعي أفكار … وإلا نفس هذا المطلب الأعزاء موجود في (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص92) قال: (إلا أن الصحيح أن أصل هذا الوجه لا يعدوا أن يكون مجرد تلاعب بالألفاظ، وتوضيح ذلك: أن هذا الوجه افترضوا أنه قد اعتبر في الأوضاع اللغوية الوضع الخارجي … وعليه فببركة ضم مؤونة أخرى من بناء نفسي مثلاً على جعل الأعلام على رؤوس الفراسخ أو من شيء آخر، فإذا كان الوضع الخارجي بوجوده الحقيقي لا يدل وحده على شيء فما ظنك بوجوده الاعتباري). نفس هذا الكلام في (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، ج2، ص33) هناك بحث تفصيلي تحت عنوان (نقض الوجه الأول … وإن شئتم قلتم أن إيجاد شيء بالاعتبار لا يمكن أن يترتب عليه أثر في المقام إلا أن يكون وجوده الحقيقي منشأ لذلك الأثر) ووجوده الحقيقي ليس له ذلك الأثر فما بالك بوجوده الاعتباري.
هذا هو الإشكال الذي يعبر عنه السيد الروحاني بأنه هو الإشكال العمدة في المقام.
هذا استبعاد ولا قرينة عندي عليه، فقط أقوله. واقعاً لو نسأل المحقق الأصفهاني نقول له: بمجرد أن يضع أحد علامة في مكان هذا يدل على كذا، هذا مقصودك، هكذا يقول يعني؟ بينك وبين الله إنسان متعارف يقول: أيها المحقق الأصفهاني أنت مقصودك أن كل أحد يعجبه أن يضع في منتصف الشارع قطعة قماش مثلاً، هذا يدل على أن هذا دال على كذا؟ أو يذهب يسأل عن معنى العلامة ومن هو الواضع لها وأنها لها قيمة أو ليست لها قيمة، والشاهد على ما أقول: نحن الآن في عصر التكنولوجيا والحمد لله أن هناك إشارات معينة توضع على البضائع يعني أن هذه البضاعة أصلية أو لا، يعني كل واحد لو وضع العلامة الجميع يقبل منه، كل من يكتب على باب غرفته أو باب منزله أنه دكتور أو طبيب الجميع يقبلون منه هذا المعنى. أساساً هذا الاحتمال وهو أنه نفس الوضع لا يكفي بل يحتاج إلى قرار. هذا من المسلمات ولا يحتاج … وإذا احتاج إلى القرار نستغني عن الاعتبار، هؤلاء تصوروا بأنه الواضع بعدما عرف هذا المعنى يأتي ويجلس ويقول بسم الله الرحمن الرحيم اعتبرت هذه علامة على كذل، يعني هذه شارات المرور هذه كل واحد يأتي وينصبها ويقول بسم الله الرحمن الرحيم اعتبرت هذا دالاً على كذا. أو أن المحقق الأصفهاني هو لا يقول نحتاج إلى صيغة الاعتبار حتى نقول نستغني عن صيغة الاعتبار، يريد أن يقول أن هذه العلامة دالة على الشيء دلالة واقعية كدلالة الزوجية على الأربعة أو دلالة وضعية أنا وأنت وضعناها، أي منهما؟ ليس مقصوده أنه نستغني عن الاعتبار كأن المحقق الأصفهاني يقول لابد أن يقول الواضع بعد انتهائه من العملية وضعت جعلت ذلك اعتباراً حتى تقول له أنت نحن نستغني عن الاعتبار.
مقصود المحقق الأصفهاني هذا المطلب. يريد أن يقول هذه العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى علاقة حقيقية من قبل العلاقة بين الزوجية والأربعة؟ تقول: لا. علاقة واقعية من قبيل العلاقة بين الفوقية والسقف؟ تقول: لا. إذن من أي نوع من أنواع العلاقة؟ يقول: لا هذه ولا تلك، وإنما تابعة لأنظار الواضعين، ما معنى أنظار الواضعين؟ لا أنه وضع واعتبر، بل يعني جعلها وإن كان الجعل من قبيل المعاطاة، ليس من قبيل بعت واشتريت، عندما يجعل هذا يدل على ذاك.
فما معنى أننا نستغني عن الاعتبار؟ إن كان مقصودك نستغني عن الاعتبار يعني عن التلفظ فلا يوجد قائل بأننا نحتاج إليه، إذا كان مقصودك إذن يكون العلاقة بين اللفظ والمعنى أو العلاقة بين العلم المنصوب والمكان علاقة واقعية، لا تكون علاقة واقعية، إذا لم تكن علاقة واقعية إذن أي علاقة؟ سمها لي أي علاقة؟ المحقق الأصفهاني يريد أن يشير إلى حقيقة يقول يقيناً أن العلم المنصوب ليس من الحقيقية من النوع الأول وليس من الحقيقية يعني الانتزاعية من النوع الثاني وإنما هي ماذا؟ هذا الذي أشار إليه+ في (ص45) قال: (ومما يشهد لما ذكرنا أنه يتفاوت بتفاوت الاعتبار) يريد أن يقول هذه من قبيل تلك وإنما من قبيل هذا.
إذن هذا الإشكال الذي عبر عنه السيد الروحاني بأنه العمدة، هذا ماذا نستغني عنه … بل هو حقيقته الاعتبار أساساً، فإن كان مقصودك أن المحقق الأصفهاني يقول نحتاج إلى التلفظ بالاعتبار فهذا لا يوجد في كلامه، وإن كان مقصودك إذن ليس أمراً اعتبارياً فجزماً هو أمر اعتباري، فما معنى قولك بأنه لا احتياج إلى وضع اللفظ على المعنى اعتباراً؟ يعني ليس حقيقة اعتبارية هذه، حقيقة واقعية، انتزاعية، هذا مقصودك، أو مقصودك أنه لا نحتاج إلى اللفظ؟
الجواب: هو لم يقل نحتاج إلى اللفظ حتى نقول لا نحتاج إلى اللفظ.
الإشكال الأخير الذي يمكن أن يذكر في المقام وننهي ملف هذه النظرية، عبارة المحقق الأصفهاني يقول: بأنه لا فرق بينهما، يعني بين الوضع وبين المثال إلا أن أحدهما حقيقي والآخر اعتباري.
في الواقع نحن لم نفهم لماذا أن المثال صار حقيقياً وأن الوضع صار اعتباري، إذا كان المقصود أن الدلالة فيهما مختلفة فالجواب صرحت بان حيثية الدلالة واحدة.
أقرأ العبارة، يقول في (ص47) (ثم أنه لا شبهة في اتحاد حيثية دلالة اللفظ على معناه مع حيثية دلالة سائر الدوال كالعلم المنصوب) إذا كان المقصود أن حيثية الدلالة واحدة حقيقية وواحدة اعتبارية فالجواب كلتاهما اعتبارية، لا وضع اللفظ على المعنى اعتبارية وتلك حقيقية ولا تلك اعتبارية وهذه حقيقية، بأي دليل؟ بدليل أن هذه الشارات التي توضع في المرور متفقة الأنظار أو مختلفة الأنظار؟ مختلفة الأنظار، الضابط الذي أنت أشرت إليه، يمكن اختلافها أو لا يمكن اختلافها؟ يمكن. ولذا عبارته صريحة وواضحة هذه عبارته يقول: (عدم اختصاص معنى أن المقولات أمور واقعية لا تختلف باختلاف الأنظار ولا تتفاوت بتفاوت الاعتبار مع أن اللفظ والمعنى يتفاوت بتفاوت الاعتبار). هذه الشارات المنصوبة، المثال، هذه تتفاوت باختلاف المعتبرين والواضعين أو لا تتفاوت؟ تتفاوت.
إذن إذا كان مقصودك الدلالة فهي فيهما اعتبارية.
قد تقول: لا، أنا إنما عبرت حقيقية واعتبارية بلحاظ الطرفين، هناك في المثال الطرفان المكان والعلم، وهنا في الوضع اللفظ والمعنى. أنا عبرت عن ذاك حقيقي وعبرت عن هذا اعتباري لا بلحاظ حيثية الدلالة بل بلحاظ الأطراف أو الطرفين فيهما.
الجواب: هو أنه في الجميع حقيقية ولا يوجد أي اعتبار. الوجود اللفظي وجود، نحو من أنحاء الوجود أو ليس من أنحاء الوجود؟ ماذا قرأتم في المنطق؟ الوجود اللفظي الذي هو اللفظ، والوجود الذهني الذي هو المعنى، والوجود الخارجي، كل ما اختلف أنه في المثال الطرفين وجودهما مادي وفي الوضع أحد الطرفين وجود لفظي والآخر وجود ذهني. وجميع هذه أي منها اعتباري؟ الوجود لا اللفظ، الوجود اللفظي، وإلا لو كان اعتباري لم يكن من أقسام الوجود. الوجود الذهني لو كان اعتباري لم يكن من أقسام الوجود. إذن عندما يقول أحدهما حقيقي والآخر اعتباري إن كان بلحاظ الدلالة ففيهما معاً اعتباري، وإن كان بلحاظ الأطراف فجميعاً وجوداً حقيقية.
ارجع وأقول، لا يذهب ذهنك إلى اللفظ، نفس اللفظ نعم يختلف، أما الوجود اللفظي حقيقي أو اعتباري؟ وجود من وجودات هذا العالم، كما هو الحال في وجود المعنى، المعنى وجود من الموجودات، ولهذا السيد الطباطبائي يعتقد أن الوجود الذهني أقوى من الوجود الخارجي بمعنى الوجود المادي، أقوى من الوجود المادي، لأن الوجود الوجود المادي متغير زائل والوجود الذهني مجرد ثابت، هذا أقوى من ذاك، لماذا يكون ذاك حقيقي ويكون هذا اعتباري، على أي أساس؟
إذن هذه النكتة فكروا فيها، هذا الإشكال لم أجد أحداً أشار إليه، فكروا فيها وهو أنه يقول: (مع هذا الفارق وهو أنه في الوضع اعتباري وفي المثال حقيقي. بأي لحاظ صار اعتباري وحقيقي، بلحاظ حيثية الدلالة، فكلاهما اعتباري، بلحاظ الأطراف فكلها حقيقية، وبهذا يتضح ما اشرنا إليه سابقاً في كلمات سيدنا الشهيد، قلنا بانه أحدهما مدلوله تصوري والآخر تصديقي ناشئ من ماذا؟ ناشئ ليس من حيثية الدلالة وإنما ناشئ بلحاظ الأطراف، فإذا كانت الأطراف وجود خارجي فتكون دلالة تصديقية، وإذا كانت وجود ذهني تكون دلالة تصورية، هذا فرق، ولكن ليس فرق في حيثية الدلالة وإنما الفرق بلحاظ الأطراف والمتعلقات.
إلى هنا بحمد الله اتضح أنه لا يوجد هناك إشكال أساسي يمكن إيراده على نظرية المحقق الأصفهاني.
من هنا إن شاء الله تعالى، إذا وجد الأخوة من المناسب فنعرض لها، ولكن أنا من الناحية العملية والآثار، لا توجد آثار بذلك المعنى وسأبين.
إلى هنا نحن طرحنا نظرية المحقق الأصفهاني وهي بمقدماتها قال أن عملية الوضع هي وضع اللفظ على المعنى لكذا …
الآن لما ناقش البعض على المعنى قال: ليس (على المعنى) وإنما للمعنى، هذه نظرية. آخر قال: لا، العلاقة بين اللفظ والمعنى لا هي على المعنى ولا هي للمعنى، بل هي إشارة على المعنى. هذه نظرية أخرى. مرزا جواد وكذا أسمائهم لا حاجة لذكرها.
ونظرية أخرى قالت: لا هذا ولا ذلك، بل توجد ملازمة بين اللفظ وبين المعنى.
نظرية أخرى قالت: أساساً لا ملازمة ولا إشارة ولا علامة ولا كذا … بل هي تنزيل اللفظ منزلة المعنى.
ولكن كلها تقول اعتبار، يعني الجميع متفقة في إطار وضع اللفظ … هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى علاقة اعتبارية، ولكن أي نوع من أنواع العلاقة؟ علاقة الاستلزام، علاقة الإشارة، علاقة العلامة، علاقة التنزيل، أي منها؟ في الواقع هذه لا تؤثر في عملية الاستنباط، أنت تختار (على) أو (ل) يعني تختار الحرف (على) أو تختار حرف اللام أو تختار التنزيل أو تختار الاستلزام أو تختار أي شيء آخر أو الإشارة، هذه لا تؤثر على نظرية الاعتبار شيئاً.
إذا وجد الأخوة يريدون أن ندخل في هذا … ولكن لا ثمرة فيها بذلك المعنى. بخلاف افترضوا نظرية الهوهوية يعني أن الواضع يجعل اللفظ عين المعنى والمعنى عين اللفظ، التي يحاول السيد السيستاني في الرافد أن يقف عندها، وهي نظرية محمد تقي أو شيخ علي الإيرواني – الآن ليس في ذهني- في نهاية النهاية، نظرية ذاك جاء تفصيلها هنا، هذه تستحق أن نقف عندها ما معنى الهوهوية في هذا المقام.
أو نظرية التعهد التي ارتضاها جملة من الأعلام ومنهم السيد الخوئي، أو نظرية القرن الأكيد ا لتي اختارها السيد الشهيد.
أنا نظري الشخصي نتجاوز تلك، يعني مسألة الاستلزام والتنزيل، طبعاً إن شاء الله يوم السبت قد أشير لها إجمالاً، ولا ندخل فيها تفصيلاً كما دخلنا في نظرية المحقق الأصفهاني، لأن الفرق فقط في تصوير هذه العلاقة الاعتبارية بين اللفظ … أنا أصورها وأضرب أمثلتها وأشير إلى المصادر حتى الأعزاء يرجعوا إلى المصادر، وندخل إن شاء الله إلى البحث اللاحق.
والحمد لله رب العالمين