الأخبار

المحاضرة (68)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في الإشكالات التي أوردها سيدنا الشهيد+ على السيد الخوئي فيما يتعلق بنظرية التعهد، قلنا بأن الإشكال الأساسي الذي أورده يتعلق بالصيغة التي يمكن أن يقرر أو تقرر بها هذه النظرية، ما هي الصيغة؟ ذكرنا أنه ذكر في المقام صيغ أربع:

الصيغة الأولى: وهي الصيغة التي جعل فيها الشرط قصد تفهيم المعنى والجزاء هو الاتيان باللفظ. وقد أشكل على هذه الصيغة سيدنا الشهيد بأنه قال هذا المعنى معقول في نفسه إلا أن الوضع ليس كذلك، لأن عملية الوضع هي فهم المعنى من ذكر اللفظ لا أن اللفظ يكون معلولاً لقصد تفهيم المعنى. أنا أشير إلى أصل الأخوة لابد أن يلتفتوا إليه، أن في كل قضية شرطية الشرط هو العلة والجزاء هو المعلول، السيد الشهيد قبل في الصيغة الأولى. نعم، قصد تفهيم المعنى علة واللفظ معلول، أن الإنسان إذا قصد تفهيم معنى يأتي باللفظ، ولكن عملية الوضع ليست كذلك، عملية الوضع هي أنك تريد من خلال اللفظ تستكشف المعنى، ولذا أشكل على هذه الصيغة إذا يتذكر الأعزاء فقط من باب الاستذكار في (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص84) قال: (والحاصل أنه لم يتعهد بأنه متى ما أتى باللفظ قصد المعنى) هذه الصيغة لا تؤدي مع أن الوضع هو: متى ما أتى باللفظ قصد المعنى لا أنه كلما قصد المعنى أتى باللفظ. هذا هو إشكاله على الصيغة الأولى.

من هنا انتقل إلى الصيغة الثانية وهي أنه كلما ذكر اللفظ يريد قصد إفهام المعنى، وحيث أن الأصل ما هو؟ وحيث أن الأصل هو أن الشرط علة والجزاء معلول، قال هذا لازمه أن يكون اللفظ علة وأن يكون الجزاء معلولاً. وهذا معقول أو غير معقول؟ غير معقول، لماذا؟ لأن قصد إفهام المعنى ليس معلولاً لذكر اللفظ، وإنما هو قصد إفهام المعنى هو علة لذكر اللفظ لا أنه معلول له.

من هنا قال السيد الشهيد بطلان الصيغة الأولى وبطلان الصيغة الثانية.

إذا يتذكر الأعزاء نحن في البحث السابق وقبل التعطيل قلنا أن إشكال السيد الشهيد على السيد الخوئي غير وارد، وقلنا أن الصحيح أن الصيغة الأولى صحيحة وأن الصيغة الثانية أيضاً صحيحة ولكن مع الإشارة إلى هذه النكتة وهي أن الصيغة الأولى تشير إلى مقام الثبوت والواقع وأن الصيغة الثانية تشير إلى مقام الإثبات والكشف. يعني بعبارة واضحة: في الصيغة الأولى الصيغة الأولى مرتبطة بالمتكلم والصيغة الثانية مرتبطة بالمخاطب، في الصيغة الاولى إذا لم يقصد تفهيم المعنى لا يأتي باللفظ، ولكن السامع إذا لم يسمع اللفظ لا يمكنه الانتقال إلى أن المتكلم قصد المعنى.

السيد الشهيد تصور لما كان الشرط علة للجزاء دائماً لابد أن يكون علة وجودية، مع أنه لا يشترط دائماً أن يكون علة وجودية فقد يكون علة وجودية وقد يكون علة علمية. ولذا إشكاله كما ذكر السيد الحائري وكما ذكر السيد الهاشمي في تقريريهما يقول بأنه كيف يعقل كلما ذكر اللفظ فأنه يقصد المعنى.

الجواب: كلما ذكر اللفظ علة ولكن لا لوجود المعنى بل للكشف عن المعنى.

إذن في إشكال السيد الشهيد وقع خلط بين العلة اللمية والعلة الإنية، نحن تعلمون في البرهان قلنا أن البرهان قد يكون إنياً وقد يكون لمياً، في اللمي ماذا؟ يعني أن الشيء علة وجودية للشيء، أما في الإني أن الشيء علة وجودية أو علة إثباتية وعلمية وتصديقية أي منها؟ إذن السيد الشهيد لما رأى أن النحويين يقولون أن الشرط علة تصور أنه دائماً لابد أن يكون علة وجودية، فأشكل على الصيغة الثانية أن اللفظ ليس علة وجودية، والجواب: أن العلية أعم من أن تكون ثبوتية يعني وجودية أو إثباتية يعني علمية.

وهذه النكتة أشرت إليها سابقاً والآن أبينها أيضاً وهو أنه في الأعم الأغلب أن الإشكالات تنشأ على النظريات لأننا لا نراجع صاحب النظرية ماذا يقول، بحسب تتبعي كل من تكلم في نظرية التعهد للسيد الخوئي لم يرجع إلى صاحب النظرية وهو النهاوندي في (تشريح الأصول) الكل يقولون نسب إلى النهاوندي. وعندما راجعنا، طبعاً هذا الكتاب مطبوع بطبعة حجرية لا توجد له نسخة إلا في المواقع، وعندما راجعنا المواقع طلبنا من بعض الأعزاء أن يأتونا بنسخة، زودونا بهذا البحث. هذا الكتاب مطبوع بطبعة حجرية في 308 صفحة سنة الطبع 1310، وسنة وفاة المؤلف 1317.

في الطبعة الحجرية هذه عبارته في (ص26) يقول: (والحاصل أن الغرض من الوضع يتحقق لو فرضنا أن الوضع عبارة عن التعهد الصادر عن الواضع، بأنه متى أراد إراءة تفهيم الموضوع له فيتكلم باللفظ الموضوع والتكلم به وإسماعه بعد الوضع بمنزلة إراءة الموضوع له … وغاية ما في الباب تعاكس حال الواضع والمخاطب حين الاستعمال، فإن الواضع علم بالواقعة ثم أراد تفهيمه ثم بيّن إرادة تفهيمه بالتلفظ) وهذه الصيغة الأولى، الواضع ماذا يفعل؟ يريد شيئاً يقصد إفهامه فيتلفظ. أما السامع والمخاطب؟ يقول: (وأما المخاطب فقد علم بصدور التلفظ ثم علم منه إرادة التفهيم ثم علم منها الواقعة) وهذه الصيغة الثانية.

إذن المحقق النهاوندي في تشريح الأصول ملتفت إلى أن الصيغة الأولى أين موقعها وأين دائرتها، مرتبطة بمن؟ بالواضع, وأن الصيغة الثاني مرتبطة بالواضع أو مرتبطة بالمخاطب والسامع، ولكن السيد الشهيد جعل الصيغتين معاً مرتبطة بالواضع، فأشكل قال أنه معقول أو غير معقول؟ غير معقول.

ما هو منشأ الإشكال؟ منشأ الإشكال أنه لم يرجع إلى كلماته، طبعاً لا هو فقط، هو لم يراجع، السيد الخوئي أيضاً لم يراجع بدليل أنه أساساً هذا الكلام، هاتين الصيغتين كانت دائماً تتبدل مواقعها، مرة يقول هذه الصيغة ومرة يقول هذه الصيغة، هذا يكشف عن أنه راجع تشريح الأصول أو لم يراجعه، وإلا لو كان قد راجعه كان يعرف أن صاحب النظرية يشير إلى الصيغة الأولى أين؟ في مقام الثبوت للواضع. والصيغة الثانية في مقام الإثبات للمخاطب والسامع.

[أنا لا أقول في أغلب ولكن أقول في كثير من الأحيان عندما أرجع إلى الكتب التي نقل منها المطلب أجد أن المطلب خلاف ما يقال، الآن نحن بمناسبة الفاطمية كل الأعزاء ينقلون من الملل والنحل أنه قال في الملل والنحل أنه عندما أرادوا حرق الباب قالوا أن فيها فاطمة، ماذا قال؟ وإن. تسمعوها أنتم على المنابر. عندما راجعنا هو ينقل قولاً حتى يرده ويبين بطلانه وكذبه، ولكن أنت تنقله أنه صاحب الملل والنحل يقول هذا، وعشرات ومئات من هذه الموارد. أنه قال فلان قال لا تصلوا علي الصلاة البتراء، والعجيب أنهم ينسبوها للبخاري، بيني وبين الله جائزة لمن يأتي بها من صحيح البخاري، وأمور كثيرة، نفس المشكلة هنا وموارد أخرى].

إذن فيما يتعلق بالصيغة الأولى وبالصيغة الثانية لا يوجد هناك أي إشكال، وعلى هذا الأساس فيستطيع السيد الخوئي أو صاحب هذه النظرية بعد رد إشكالات السيد الشهيد أن يتبنى نظرية التعهد.

لو سلمنا أن الصيغة الأولى والثانية باطلة، هل توجد هناك صيغة ثالثة أو لا توجد؟

إذا تتذكرون السيد الشهيد اقترح صيغة ثالثة لهذا، وهي أنه ليست قضية شرطية موجبة بل قضية شرطية سالبة: لا يأتي باللفظ إلا في كل مورد قصد إفهام المعنى. هذه (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، ج2) (وأن يتعهد الواضع بأنه لا ينطق بلفظ أسد إلا حين يقصد فيها تفهيم معنى الحيوان المفترس). طبعاً هذا اقتراح بتعبير السيد الشهيد يقترح صيغة ثالثة، في الواقع هذه الصيغة موجودة في كلمات صاحب (تشريح الأصول) بشكل واضح وصريح يشير إلى هذه الصيغة الثالثة، لعله في (ص25) يقول: (وأما جزءه السلبي وهو أنه لا يقول كذا إلا إذا كان قاصداً كذا) إذن هذه الصيغة أيضاً موجودة. طبعاً الأعزاء إذا كانوا يريدون أن يكون الشرط عبارة عن عدم كونه قاصداً لتفهيم المعنى والجزاء عن عدم التلفظ، إذن قضية شرطية سالبة وليست قضية شرطية موجبة.

ماذا أشكل عليها السيد الشهيد+؟ قال: لازمه أنه أن لا يصح الاستعمال المجازي لأنه قد يأتي باللفظ وليس قاصداً تفهيم المعنى الحقيقي لأسد وإنما قاصد المعنى المجازي، لازمه بطلان المعنى المجازي، يعني بعبارة أخرى أن هذه الصيغة الثالثة للتعهد تستلزم التعهد الضمني بعدم الاستعمال المجازي والتالي باطل، قياس استثنائي، لو كانت نظرية التعهد بالصيغة الثالثة لزم عدم الاستعمال المجازي والتالي باطل فالمقدم مثله. هذا هو الإشكال الذي ذكره على الصيغة الثالثة، ونحن دفاعاً عن سيدنا الأستاذ السيد الخوئي قلنا أن هذا الإشكال غير وارد من السيد الشهيد، لماذا؟ باعتبار أن السيد الخوئي بإمكانه أن يقول كما قال أن ثبت لي في اللغة يوجد معنى مجازي حتى تنقض علي بأنه لا يصح الاستعمال في المعنى المجازي، نحن لا يوجد عندنا في اللغة استعمال مجازي، نلتزم، يقول يلزم أن لا يستعمل اللفظ في المعنى المجازي، يقول: نعم، نلتزم أن اللفظ لا يستعمل في المعنى المجازي. يتذكر الأعزاء هذا المعنى في (المحاضرات، ج1، ص93) قال: (وقد تلخص من ذلك أن ما نسب إلى السكاكي من إنكار المجاز وأن جميع الاستعمالات بشتى أنواعها وأشكالها استعمالات حقيقية أقرب إلى الحق) إذن أين يوجد عندنا معنى مجازي حتى تنقض علينا وتقول لا يصح الاستعمال المجازي، أنت ثبت أنه يوجد استعمال مجازي، إلا أن تناقش السيد الخوئي نقاشاً مبنائياً تقول نحن لا نقبل نظرية المجاز السكاكي.

(وعلى ذلك لا يبقى مجال لهذا البحث فأن بحثه الاستعمال المجازي والمفروض أنه لا مجاز في البين).

إذن إشكال السيد الشهيد على الصيغة الثالثة أيضاً إشكال غير وارد، والصيغة الثالثة أيضاً صحيحة ولكن على مبنى المجاز السكاكي.

من هنا يقترح السيد الشهيد تعديلاً للصيغة الثالثة وينقل السيد الحائري أننا أشكلنا على سيدنا الأستاذ بهذا الإشكال وصحح هذه الصيغة الثالثة بهذا التصحيح، قال هكذا نقول السيد الخوئي يقول كما ينقل عن السيد الصدر، يقول هكذا: أني ما أذكر اللفظ إلا وأريد المعنى الحقيقي إلا إذا نصبت قرينة على الخلاف، هكذا أتعهد، لا أتعهد: كلما ذكرت اللفظ لا أقصد منه إلا المعنى الحقيق. أقول: كلما ذكرت اللفظ لا أقصد منه إلا المعنى الحقيقي مع عدم القرينة، وإلا إذا نصبت القرينة فأريد منه المعنى المجازي. هذا المعنى ينقله السيد الحائري في (ج1، ص85) يقول: (وقد ذكرت هذا الإشكال على مبنى التعهد للسيد الأستاذ فذكر في مقام الجواب صيغة رابعة أو تعديلاً للصيغة الثالثة: وذلك بأن يقال أن الواضع يتعهد بأن لا يأتي باللفظ إلا إذا قصد المعنى الحقيقي ويستثنى من ذلك فرض إقامة القرينة، وبكلمة أخرى يتعهد بأن لا يأتي بلفظ أسد إلا في إحدى حالتين: أن يقصد تفهيم الحيوان المفترس والثانية أن يقصد تفهيم الرجل الشجاع مع انضمام القرينة).

إذن ما المحذور في ذلك؟ باعتبار أنه المتكلم، الدلالة دلالة تصديقية لا دلالة تصورية فمن حقه أن يقيد كلامه بما يريد.

طبعاً هذا التعديل الذي ينقله عن السيد الخوئي، بشكل رسمي وواضح ذكره السيد الخوئي في (المحاضرات، ج1، ص94) هذه عبارته، يقول: (وعليه فنقول أن الواضع كما تعهد بذكر لفظ خاص عند إرادة تفهيم معنى خاص دون أن يأتي بأي قرينة كذلك قد تعهد بذكر ذلك اللفظ عند إرادة معنى اخر ولكن مع نصب قرينة تدل عليها). إذن هذا التعديل وهو الصيغة الرابعة التي يشير إليها السيد الشهيد جاءت في المحاضرات بشكل صريح. (غاية الأمر وعلى الجملة فالتعهد والالتزام كما هما موجودان بالقياس إلى تفهيم المعاني الحقيقية كذلك موجودان بالقياس إلى تفهيم المعاني المجازية).

طبعاً في اعتقادي أن هذه الصيغة الرابعة تعد تنزلاً من السيد الخوئي، لماذا؟ لأن السيد الخوئي يقول أما في الصيغة الثالثة فإن قلت أنه لا نوافق على المبنى، يقول حتى لو سلمنا أنه يوجد هناك استعمال مجازي أيضاً يمكن تصحيحه بهذا البيان.

أشكل السيد الصدر& على هذه الصيغة الرابعة بإشكالين:

الإشكال الأول: وهو أن غرض الواضع قد يتعلق بالإجمال وبالإبهام فيذكر اللفظ ولا يريد معناه الحقيقي ولا ينصب قرينة، لماذا يفعل ذلك؟ لأنه هو قصده أن يبهم الأمر على السامع وعلى المخاطب. إذن لا التعهد الأول صحيح ولا التعهد الثاني صحيح، التعهد الأول يقصد به المعنى الحقيقي وهنا غير قاصد للمعنى الحقيقي، التعهد الثاني يقصد به المعنى المجازي مع نصب قرينة وهو نصب قرينة أو لم ينصب؟ إذن لا التعهد الأول تام ولا التعهد الثاني تام. لماذا يفعل ذلك؟ قال يفعل ذلك في بعض الأحيان أن غرضه يتعلق بالإجمال ويتعلق بالإبهام ويتعلق بالإهمال.

هذا المعنى في تقريرات الأعلام الثلاثة، ففي (تقريرات السيد الحائري) يقول: (أنه سواء أريد كذا أو كذا … قد يستعمل المجاز بلا قرينة حينما يتعلق غرضه بالإجمال أو الإهمال فهذا التعهد خلف بنائه ولو احتمالاً على الاستعمال المجازي بلا قرينة).

الإشكال الثاني: في الإشكال الثاني السيد الشهيد يقول: نسأل من السيد الخوئي أو صاحب نظرية التعهد ما هو مقصودك من عدم نصب القرينة، أي قرينة هي المرادة؟ القرينة المتصلة أو الأعم من القرينة المتصلة والمنفصلة؟ أنت قلت تعهدين: كلما أردت المعنى غير الحقيقي أتعهد بذكر قرينة، أي قرينة مقصودك أن تتعهد، قرينة متصلة أو أعم من القرينة المتصلة والمنفصلة؟ يوجد شقان:

الشق الأول: إني متعهد كلما أردت المعنى المجازي أن أذكر القرينة المتصلة، يقول هذا إشكاله أنه لا تستطيع أن تعتمد لإثبات المجاز على القرائن المنفصلة والتالي باطل، لأن كثيراً من المعاني المجازية تثبت من خلال القرائن المنفصلة.

المتعهد ماذا قال؟ قال: كلما أردت المعنى المجازي غير الحقيقي أنصب قرينة على ذلك، يسأل السيد الصدر أي قرينة، متصلة هذا لازمه عدم صحة الاستعمال المجازي مع القرائن المنفصلة.

وإن قلت أعم وهو الشق الثاني، وإن قلت أعم من القرينة المتصلة والقرينة المنفصلة، يقول: لازمه الإجمال، لماذا؟ إذا تكلم بكلام وتم كلامه ولم توجد فيه قرينة متصلة يحمل على أي معنى؟ على المعنى الحقيقي. ولكن احتملت القرينة المنفصلة هي يحمل على معناه الحقيقي أو لا يحمل؟ لابد أن تتوقف لأنه إذا جاءت القرينة المنفصلة فهذا المعنى مجازي، إذا لم تأتِ القرينة المنفصلة فهذا المعنى حقيقي، يلزم إجمال هذا …

في الإشكال الثاني يقول: أنت المتعهد أنك لا تريد المعنى المجازي إلا مع قرينة، فيوجد احتمالان: الاحتمال الأول القرينة المتصلة يلزم عدم صحة الاستعمال المجازي مع القرائن المنفصلة. وإن أردت الأعم يلزم إجمال الكلام.

ولذا في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص79) يقول: (على أن المراد بالقرينة إن كان هو القرينة المتصلة خاصة لزم التعهد الضمني بعدم الاستعمال المجازي مع الاعتماد على قرينة منفصلة) – طبعاً هناك خطأ مطبعي في الكتاب وهو (قرينة مفصلة) وهي متصلة- وإن كان مطلق القرينة يعني الأعم من المتصلة والمنفصلة لزم مع الشك في القرينة المنفصلة إجمال الخطاب) لأنه لا نعلم هل يريد الحقيقي أو يريد المجازي، لأنه إذا قلت الحقيقي لعل مراده القرينة المنفصلة تأتي بعد ذلك فيكون مجازياً (ويتعذر …).

نعم، قد يقال وقد قيل وهو أنه، يقول لا، المراد من هذه الجملة أو اللفظ المعنى الحقيقي وإذا شككنا في القرينة المنفصلة ننفيها بأصالة عدم القرينة المنفصلة. وبهذا يتنقح لنا موضوع هذا الاستعمال وهو أنه لا توجد قرينة متصلة، نشك في القرينة المنفصلة ننفيها بأصالة عدم القرينة المنفصلة. فيحمل على المعنى الحقيقي.

إذن أين الإجمال؟

أجاب السيد الشهيد، السيد الشهيد عنده مبنى وجملة من الأعلام وهو أنه أساساً أصالة نفي القرينة المنفصلة ليست من الأصول التعبدية كلما شككنا ننفي، لا لا، وإنما أصالة نفي القرينة المنفصلة من الأصول العقلائية التي لابد أن توجد فيها نكتة الكاشفية، هذا المعنى في (تقريرات السيد الهاشمي، ج4، ص268) قال: (لأن أصالة عدم القرينة هذه إما أن تكون أصلاً تعبدياً بحتاً على حد الأصول الشرعية الأخرى) كأصالة البراءة واصالة الحلية، هناك أنت تجري الأصول بلا حاجة إلى كاشفية، كلما شككت تقول طاهر أو حلال وهكذا. (وإما أن تكون أصلاً عقلائياً على أساس نكتة الكاشفية) يعني ماذا؟ يعني إذا كانت هناك نكتة معينة عند العقلاء ينفون بها أصالة عدم القرينة (ونفي أصالة عدم القرينة المنفصلة من القسم الثاني لا من القسم الأول).

سيدنا ماذا تريد أن تقول في النتيجة؟

يقول: أريد أن أقول أولاً أنت ثبت لي أن هذا الكلام له ظهور في معنى فإذا شككت في أنه له قرينة منفصلة هذا الظهور ينفي القرينة المنفصلة، أقول: لا، لا يوجد هذا الظهور. ولكن في المقام قبل القرينة المنفصلة يوجد ظهور في الكلام أو لا يوجد؟ لا يوجد ظهور، لماذا؟ لأن المفروض أن المتعهد تعهد في التعهد الثاني إذا أراد المجاز يصح أن يستند إلى قرينة منفصلة، وأنا لا أعلم أنه استند على قرينة منفصلة أو لم يستند، إذن موضوع الظهور تحقق أو لم يتحقق؟ لم يتحقق. ولذا قال بأنه يلزم منه الإجمال. هذا الكلام يصح في مورد تمت الدلالة التصديقية وظهور الكلام، وهنا قبل القرينة المنفصلة تم الكلام أو لم يتم؟ لم يتم، إذن لا يمكن نفيه على أساس أصالة عدم القرينة المنفصلة.

إذن فتحصل إلى هنا أن السيد الشهيد يقول بأنه أولاً الإشكال الأول وثانياً – على الصيغة الرابعة- وثانياً أنه ما هو مرادكم من القرينة المتصلة؟ ما هو مرادكم من نفي القرينة؟ هل المتصلة أو المنفصلة؟ فإن كان الشق الأول لزم عدم صحة استعمال المجازي مع القرائن المنفصلة، وإن كان الثاني لزم الإجمال. ولذا عبارة السيد الهاشمي في تقريراته هكذا يقول: (ويتعذر نفيه حينئذٍ بالأصل العقلائي لما سوف يأتي في محله من أن الأصول العقلائية لا تكون تعبداً بحتاً بل هي بملاك وجود كاشفية في موردها كالظهور في محل الكلام) والمفروض أن هذا الظهور تم أو لم يتم؟ لم يتم. (والمفروض توقف الظهور على عدم القرينة المنفصلة فلا يعقل التمسك به) أي بهذا الظهور لنفي القرينة المنفصلة.

ومن أراد الرجوع إلى هذا البحث التفصيلي يرجع إلى (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص86) يقول: أنه هل المراد بالقرينة خصوص القرينة المتصلة أو الأعم فإن قلت … قلت أن هذا أصل عقلائي، أن القرينة المنفصلة على خلاف ظهور اللفظ، فيجب أن نفرغ في المرتبة السابقة عن دلالة اللفظ، ولا معنى لنشوء الدلالة من أصالة عدم القرينة) وتفصيله في (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، ص13- 16).

إذن إلى هنا يوجد إشكالان في كلام السيد الشهيد على الصيغة الرابعة:

أما الإشكال الأول: هل الإشكال الأول وراد أو غير وارد؟ الجواب: غير وارد على الإطلاق، لماذا؟ إذا يتذكر الأعزاء نحن قلنا في فلسفة الوضع وهدف الوضع وحكمة الوضع هو ما هو؟ أن المتكلم يوصل غرضه للمخاطب، وإذا كان قاصداً الإهمال فهو أيضاً قاصد أن يوصل غرضه أو أن لا يوصل غرضه؟ لا يوصل غرضه، هذا خلف نفس الوضع، هذا الإشكال غير وارد، أصلاً هذا ليس نقضاً، النقض يأتي وهو أنه يتحقق التفهيم ولا توجد قرينة، وهنا يوجد تفهيم أو لا يوجد تفهيم؟ لا يوجد تفهيم.

الإشكال الثاني على كلام السيد الشهيد: الحل سهل كثيراً، سيدنا نفس الحل الذي ذكرته بالنسبة إلى المعنى المجازي اذكره بالنسبة للإهمال والإجمال، يعني أنه يقيد كلامه يقول: إذا لم أكن قاصداً المعنى الحقيقي ولم أكن قاصداً الإهمال والإجمال نصبت قرينة، ما المحذور في ذلك؟! ألست أنت قبلت التعديل قلت إلا إذا كان متعهداً في حالة قصد المعنى المجازي أن ينصب قرينة، الآن قيده، قل: إذا لم أقصد المعنى الحقيقي، هذا القيد الأول، ولم أقصد الإجمال والإهمال نصبت قرينة. فإذا لم ينصب قرينة يعني يريد الإجمال أو يريد المعنى الحقيقي من خلال قرائن …

إذن هذا الإشكال الأول غير وارد.

أما الإشكال الثاني: وهو أنه سأل السيد الشهيد السيد الخوئي أو صاحب النظرية قال مقصودك القرينة المتصلة أو مقصودك القرينة المنفصلة، أما المتصلة فلازمه عدم صحة الاستعمال المجازي مع القرائن المنفصلة.

الجواب: نختار الشق الثاني لا الشق الأول. ومع ذلك لا يكون الكلام مجملاً.

بيانه يأتي.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات