بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
انتهى بنا البحث في بحث الأمس إلى هذا الإشكال، وهو أنه كيف يعقل أن تكون الغاية هي العلة الغائية، وذلك بالبيان الذي تقدم أن الغاية متأخرة وجوداً عن الفعل والفعل عن الفاعل والفاعل عن الشرط أو العلة التي تفعل فاعلية الفاعل. يعني تخرجه من القوة إلى الفعل.
بنحو الإجمال الجواب في ذلك هو أن يقال أن العلة شيء والعلة الغائية شيء آخر، فإن العلة هي التي تحصل وجوداً بعد الفعل الصادر من الفاعل، وهذا مما لا ريب فيه أن الغاية إنما تحصل بعد الفعل الصادر من الفاعل كالشبع فإن الشبع خارجاً وبالحمل الشائع لا يتحقق إلا بعد فعل الفاعل وهو الأكل، وإلا قبل الأكل يتحقق الشبع أو لا يتحقق الشبع؟ لا يتحقق الشبع. أما ما هي العلة الغائية؟ العلة الغائية هي الوجود الذهني تصوراً وتصديقاً لذلك ا لكمال المفقود، فإنه ما لم يتصور الفاعل الطالب لكماله المفقود ما لم يتصور الغاية تصوراً وتصديقاً يتحرك الفاعل لإيجاد الفعل أو لا يتحرك؟ لا يتحرك. إذن المتقدم هو العلة الغائية والمتأخر هي الغاية ومن هنا سميت الغاية علة غائية، لماذا تكون؟ لأن كل علة متقدمة على معلولها، إذن الغاية الذي هو متأخر هي الغاية وهي الكمال بالحمل الشايع لا بالوجود الذهني والتصوري والتصديقي، والذي هو متقدم هو تصور الغاية ذهناً.
إذن فما هو المتأخر ليس بمتقدم وما هو المتقدم ليس بمتأخر. من هنا فإذا قال قائل أن الغاية هي العلة الغائية وأن العلة الغائية هي الغاية لابد أن يقيد كلامه يقول الغاية هي العلة الغائية تصوراً وتصديقاً والعلة الغائية هي الغاية ولكن وجوداً بحسب الخارج. إذا اتضحت هذه المقدمة نأتي إلى محل الكلام، وهو أنه ما هي النسبة بين الفعل وبين الغاية؟ النسبة بين الفعل والعلة الغائية اتضحت، وهي أن العلة الغائية … هناك بحث فلسفي هل هي علة فاعلية لفاعلية الفاعل أو أنها شرط فاعلية الفاعل ذاك بحث في محله ولا ربط لنا فيه، إنما الحديث في العلاقة بين الفعل وبين الغاية. هل هما شيء واحد أم شيئان؟
لا إشكال ولا شبهة أن كل فعل يحقق غاية وكمالاً لا يمكن أن يكون أحدهما عين الآخر بشهادة لا أقل في عالمنا، بشهادة أن النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه، يعني ماذا … مثاله كما في المقام قد يوجد أكل ولا شبع، هذا أين؟ في الملعون لا أشبع الله بطنه، لأنه في صحيح مسلم لا مرة ولا مرتين أن رسول الله بعث عليه تعال عندي عمل ولكنه لم يستجب لدعوة رسول الله ويأتي الرسول ويقول له أنه يأكل، وهنا صدر الدعاء من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله (لا أشبع الله بطنه).
[والخط الأموي هذه في صحيح مسلم فماذا يفعل، ليس المصدر هو مشكل الآثار للطحاوي مثلاً، أو مثلاً مسند أحمد، هذا صحيح مسلم، وجدت من أعلام الأمويين والوهابية المعاصرين قالوا: نعم، حتى لو كان في صحيح مسلم فهذه الرواية ضعيفة السند. موجودة في الطبعة المطبوعة بطبعة الأثري السلفي يقول في مسلم ثلاث روايات ضعيفة السند. أولاً: لا اشبع الله بطنه. ثانياً: لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق، يقول هذه أيضاً ضعيفة السند وجاءت خطاً في صحيح مسلم. ثالثاً: حديث الكساء الذي جمعهم تحت كساء وقال … إذن كلها مرتبطة بمن؟ الذهبي احتال بهذه الحيلة قال: قد يقال بأن هذا ليس ذماً بل هو مدح لمعاوية، عجيب كيف يكون هذا مدح لمعاوية؟ قال: باعتبار أنه في يوم القيامة أطولكم وقوفاً يوم القيامة أكثركم شبعاً في الدنيا، الله لم يشبعه في الدنيا حتى لا يقف في يوم القيامة، لأنه لم يشبع في الدنيا. فهذا مدح له الله سبحانه وتعالى يريد أن يخلصه من طول الوقوف في المحشر].
قد يكون هناك أكل ولا شبع، وقد يكون هناك شبع، في هذه الدنيا ولا أكل. وقد يجتمعان أنه يأكل فيشبع. فإذا كان الأمر كذلك الآن نأتي إلى كلام السيد الخوئي+، قبل السيد الخوئي أن قصد تفهيم المعنى ما هو؟ في (المحاضرات، ص44) قال: (أن الغرض الباعث على الوضع) إذن ما هو قصد تفهيم المعنى؟ هو الغرض أو الغرض الباعث على الوضع؟ الغرض الباعث. وفي (ص45) قال: (ومن هنا أي من أن الغرض من الوضع قصد التفهيم وإبراز المقاصد) إذن هنا أيضاً يصرح أن قصد التفهيم هو الوضع أو الغرض من الوضع؟ لا أقل عبارتين، إذا كان الأمر كذلك سيدنا إذن الوضع هو قصد التفهيم أو أن قصد التفهيم هو الشيء المترتب على الوضع أي منهما؟
والغريب أنه في هذين الموضعين يقول الغرض ولكن بعد ذلك يضيف هذه الجملة ظهر أن حقيقة الوضع هي التعهد، سيدنا كيف ظهر من أن الغرض من الوضع هو قصد التفهيم، إذن هو متأخر عن الوضع أو هو نفس الوضع. كيف يعقل؟ لا أقل مترتب على الوضع لا أنه نفس الوضع.
إذن بهذا القدر نحن نقبل من السيد الخوئي أن الغرض المترتب على الوضع هو قصد تفهيم المعنى، ولكن ما هو الوضع؟ لا يمكن أن يقول أحد أن الوضع هو قصد تفهيم المعنى. إذن لابد أن نبحث عن طريق آخر وعن بيان آخر لمعرفة ما هو الوضع.
أنا أتصور أن الإشكال الأساسي أو التأمل الذي يرد على هذا الكلام وهو أنه في هذه النظرية وقع خلط بين الوضع وبين الغرض المترتب على الوضع، ونحن حديثنا في الغرض المترتب أو في نفس الوضع. حديثنا في نفس الوضع. وإلا الجهات الأخرى أن الصيغة كذا أو أنه عميق أو كذا هذه الإشكالات غير واردة على نظرية التعهد. وهذا القدر أيضاً ينفع، إلى الآن اتضح للأعزاء نحن قلنا بأن كلام المحقق العراقي ليس فيه إشكال. كلام المحقق الأصفهاني يرد عليه تأمل أو لا يرد، وكلام السيد الخوئي أو كلام النهاوندي لا يوجد فيه إشكال إلا هذا القدر، وهو أن الوضع ليس هو قصد تفهيم المعنى بل هو الغرض المترتب على الوضع.
النظرية الخامسة: وهي نظرية أستاذنا السيد الشهيد+، هذه النظرية أتصور تحتاج إلى وقوف بمقدار ما حتى تتضح أن السيد الشهيد ماذا يريد أن يقول في هذه النظرية ولذا نحاول أن نشرح النظرية، طبعاً الآن نحن بصدد بيان النظرية، إذا أردت الكلام في المقامات: المقام الأول عرض النظرية بالنحو الذي يتضح أن السيد الشهيد ماذا يريد في قضية القرن الأكيد وأن الوضع هو القرن الأكيد. لا أن القرن الأكيد مترتب على الوضع، لا، أن الوضع هو القرن الأكيد. هذا أولاً.
وثانياً: أبحث البعد الأصولي من النظرية، هذه النظرية جاءت من بافلوف من الاستجابة والمنبه الشرطي، تلك مادية وهذه نفسية كما حاول البعض، تلك الأبعاد خارجة عن محل الكلام، ولذا السيد الشهيد& في البحث الأصولي لم يشر إلى هذا، نعم في فلسفتنا أشار إلى تلك الأبحاث المرتبطة ببافلوف، أما في البحث الأصولي فلم يقل أن هذا تطبيق لنظرية بافلوف، ونحن أيضاً نريد الوقوف عند البعد الأصولي لهذه النظرية لا البعد التجريبي أو الفسلجي لهذه النظرية. ولذا أتكلم في مقامان:
المقام الأول: عرض النظرية. لكي نعرض النظرية لابد أن نتحدث في أمور:
الأمر الأول: السيد الشهيد يعتقد بأن هناك مجموعة من القوانين التي لا يختلف عليها اثنان، عبروا عنها قوانين تكوينية، عبروا قوانين وجدانية، عبروا عنها فطرية ما شئتم فعبروا، ولكنه بمجرد أن نشير إلى القانون الجميع يصدقنا يقول نعم الحق معكم، هذا الكلام صحيح. الأصل في هذه القوانين هو بحث ثابت في نظرية المعرفة، وهو أننا عندما نواجه شيئاً من الأشياء في باب الرؤية البصرية، وكانت كل الشرائط موجودة يعني سلامة الحواس والنور … وكانت الموانع أيضاً مفقودة يعني المقتضي تام والمانع مفقود، تنعكس صور الأشياء في أذهاننا شئنا أم أبينا، يعني أنت لو تصدر ألف حكم وفتوى للنفس إذا صار فلان شخص أمامك أنا لا يعجبني لأن هذا عدوي ولا أريد صورته تنطبع في ذهني، النفس لا تستجيب، لماذا؟ لأن هذه قضية ضرورية، ما معنى ضرورية؟ يعني النفس مضطرة إذا وقع أمامها شيء أن تنعكس صورة الشيء في الذهن. عندما نقول صورة ليس مرادنا الصورة بمعنى الشكل، نعم، يشمل الشكل، ولكن مرادنا الوجود الذهني للشيء سواء كان بنحو الشكل أو كان بنحو المعنى أو المفهوم.
يعني أنت الآن زيد أمامك تنعكس في ذهنك صورة زيد وشكله، بالإضافة إلى ذلك تستطيع أن تأخذ منه معنى كلي وهو الإنسان، عندما نقول وجوده الذهني مرادنا الأعم، بعبارة أخرى مرادنا الأعم من الوجود الخيالي ومن المعنى الكلي له كما قرأتم في علم المنطق. وهذا أصل لا أتصور أن أحداً يختلف حتى لو يلتفت إليه بمجرد أن تنبه أي إنسان إذا كنت قادرا ًعلى إلفات نظره يقول الأمر من الواضحات ولا يحتاج إلى دليل.
ولذا عبارته في (تقريرات السيد الهاشمي والحائري) يقولون: أن الله سبحانه وتعالى، هذا بناء على مبنى التوحيد، وإلا إذا كان منكراً للتوحيد يستطيع أن يقبل القانون ولكن لا يقبل أن الله جعله بل يقول أن الطبيعة جعلته. (إن الله سبحانه وتعالى قد جعل من الإحساس بالشيء سبباً في انتقال الذهن إلى صورته، فالانتقال الذهني إلى الشيء استجابة طبيعية للإحساس به) وهذا قانون تكويني، قانون فطري قانون وجداني.
[لنتكلم قليلاً في البحث الفلسفي. سؤال: أنا عندما أقف أمام الشيء، هذا الشيء الخارجي، توجد صورة في ذهني كالمرآة، عندما تضع هذه أمام المرآة تنعكس صورتها في المرآة، هذه الصورة التي جاءت في المرآة معلول أو علة؟ جزماً معلول، لماذا؟ لأنه قبل أن يوجد هذا الواقع الخارجي هذه الصورة موجودة أو غير موجودة؟ غير موجودة إذن هي معلولة، معلولة لأي شيء؟ من الواضح أنها معلولة لهذا الوجود الخارجي. هذا المنطق الارسطي. الفلاسفة والمحققون يقولون إذا ثبت أن الصورة في الذهن مجردة عن المادة وأن هذا الواقع واقع مادي كيف يمكن للأضعف وجوداً أن يكون علة للأقوى وجوداً. هذا أولاً. وثانياً: إذا كان هذا معلول لهذا فإذا انعدم هذا يبقى المعلول أو يذهب المعلول؟ المعلول عدم عند عدم علته مع انك تجد أن المعلول باقٍ والعلة هالكة. فلو كانت علة لابد أن تكون مقارنة لها وجوداً؟ إذن هذه الصورة الموجودة في الذهن لم تأتِ من … إذن من أين جاءت؟ الجواب: إن قلت أنه أنا خلقتها فيلزم أن يكون فاقد الشيء معطياً، المفروض أنها لم تكن، من أين أتت؟ وهذه من أعقد مسائل نظرية المعرفة، هذه الصور من أين جاءت إلى الذهن؟ السيد الطباطبائي& خلص نفسه وقال أننا لا علاقة لنا بهذا العالم المادي، نحن نسير في عالم المجردات ونتصور أننا عندنا ارتباط بعالم … أصلاً نحن من عالم آخر نأخذ … هذا الأصل الموضوعي نفترضه مع المنطق الارسطي ونمشي مع السيد الشهيد وإلا أساساً لابد أن ندخل في بحث أن هذا الأصل أين منشأه؟]
ويترتب على ذلك قانونان، على هذا الأصل:
القانون الأول: أيضاً وجداني وليس فيه أي برهان، رحمة الله على سيدنا الشهيد قلت له: سيدنا قولك بأن قبح العقاب بلا بيان باطل وأن نظرية حق الطاعة صحيحة ما هو برهانه؟ قال: وجداني. قلت: إذا لم تقبل الوجدان؟ قال: أنت حر. أنا وجداني يقول أن الله عنده حق لي بهذا القدر الواسع، إذا قبل وجدانك فأمشي معي، وإذا لم يقبل … هذه القضايا قضايا وجدانية، إذا أنكرها أحدهم عليك بتعبير الشيخ الرئيس إذا أنكرها عليك فآخر الدواء الكي، إذا قلت له أن هناك واقع خارجي فقال لا يوجد فاحرقه فإذا تألم قل له لماذا تتألم؟ فآخر الدواء الكي. هذه قضايا وجدانية ولا يوجد عليها أي برهان.
القانون التكويني الأول المترتب على هذا الأصل هو: لما كان الذهن ينتقل من واقع الشيء إلى صورته أو تنطبع في ذهنه صورته الذهنية إذا رأى ما يشابه الشيء الخارجي أيضاً ذهنه ينتقل إلى ذلك المعنى. يعني جنابك الآن إذا رأيت الأسد الخارجي فتنتقل إلى صورته الذهنية وإذا رأيت الأسد على لوحة وقطعة من القماش أ في المرآة تنتقل أيضاً إلى ذلك المعنى أو لا تنتقل، مع أن هذا الذي رأيته هو الأسد حقيقة أو شبيه للأسد صورة؟ شبيه له ولكن مع ذلك أنت تنتقل … ولذا الآن يحاولون أنه واقعة كربلاء مثلاً أو أي واقعة أخرى يصوروها على لوحة، وواقعاً أنت عندما ترى هذه اللوحة يتبادر إلى ذهنك ذلك الواقع.
[طبعاً إن شاء الله تعالى واقعة كربلاء قابلة للرؤية في زماننا، يعني نفس الواقعة قابلة للرؤية، ولكن بطريقتها المخصوصة، يعني الآن يمكن لأحد أن يرى الواقعة كما هي، كما وقعت، كيف؟ في جملة واحدة، لابد في علم الفلك الأعزاء قد طالعوا، الآن بعض الأنوار تصل إلى الأرض ويقولون أن القمر أو الكوكب الذي صدر منه النور مذ آلاف السنين قد ذهب، ولكن لأنه بعيد كان عنا بعد ملايين السنين نوره الآن، فأنت الآن عندما ترى النور ذاك موجود أو مفقود؟ مفقود، ولكن مع ذلك أثره وصورته التي تصل إليك موجودة أو مفقودة، كما في نور الشمس، نور الشمس الآن أنت عندما تراه الآن تراه هنا في الواقع الأمر هو في هذا الموقع أو متحرك من مكانه؟ متحرك بمراتب لعله. فلو فرضنا أن هذه الصورة الموجودة على الأرض في يوم كربلاء هناك مخلوقات في كواكب أخرى انتقلت إليها الصورة، الواقعة انتهت ولكن هذه الصورة بعد ألفين سنة تصل إلى كوكبهم، فإذا كنت أنت في ذلك الكوكب ترى الصورة أو لا تراها. هذا بحث بودي هذه من الأبحاث المهمة في عصر الظهور، أن الإمام× ماذا يفعل. هذا إشارة لإلفات الأذهان أن الإمام كيف يرينا الوقائع كما هي لا أفلامها، الوقائع كما هي. في البحث العلمي يستطيع أن يثبت لنا ذلك].
إذن القانون التكويني الأول إذا رأيت مشابه الحقيقة كيف أيضاً تنتقل إلى الصورة الذهنية.
القانوني التكويني الثاني: وهو أن لا ترى حقيقة الشيء وأن لا ترى ما يشبه ذلك الشيء كصورته، ولكن يقترن مع ذلك الواقع الخارجي شيء اقتراناً خاص بمجرد أن تقف على هذا القرين ينقلك إلى قرينه، مع أن هذا القرين لا هو الشيء حقيقة ولا هو ما يشبه الشيء حقيقة، وإنما اقترن معه. مثاله: جنابك ترى الأسد وكلما رأيته وجدت بأنه تسمع صوتاً خاصاً منه الذي أنا وأنت سمينه في عملية الوضع بالزئير، إلى الآن نحن عملية الوضع غير ثابتة، نحن نتكلم في الاقتران.
سؤال: ذاك الصوت المخصوص هو الأسد؟ لا ليس هو الأسد. شبيه الأسد؟ لا، ذاك من مقولة إن صح التعبير وهذا من مقولة أخرى، حقيقتان، ولكن اقترن الصوت مع هذا الوجود، فأنت إذا اقترن هذا في ذهنك الصوت مع الأسد فأنت حتى لو سمعت الصوت بلا أسد أيضاً تنتقل إلى تلك الحقيقة، مع أن هذا الصوت المخصوص المصطلح عليه بالزئير لا هو الأسد حقيقة ولا هو شبيه الأسد.
إذن عندنا أصل وهو أنه الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان أنه إذا قابل شيئاً تنطبع صورته في الذهن ويتفرع على هذا الأصل قانونان وجدانيان، لا يحتاج، بمجرد أنا بينت هذين القانونين قبلت أنت مني، لماذا؟ لأنه أمر وجداني. تقول: نعم، الأمر كذلك.
القانون الأول الانتقال من شبيه الشيء إلى الشيء. القانون الثاني الانتقال من قرين الشيء إلى الشيء حتى لو لم يكن القرين لا هو الشيء ولا هو شبيه للشيء.
قال: (أحدهما قانون انتقال صورة الشيء إلى الذهن عن طريق مشابهه) الثاني (قانون انتقال صورة الشيء إلى الذهن عن طريق إدراك الذهن لما وجده مقترناً بذلك الشيء).
أنا أتصور بأنه هذه الأمور الثلاثة من الواضحات، هذا الأمر الأول.
في المقام الأول قلنا عدة أمور. هذا الأمر الأول.
هذا البحث موجود في (تقريرات الهاشمي، ج1، ص81) (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص99) (تقريرات الشيخ حسن، ج2، ص49).
الأمر الثاني: هذا القانون الثاني أصل والقانون الأول وهو الانتقال من طريق المشابهة والقانون الثاني الانتقال من طريق المقارن، هذا القانون الثاني لكي يعطي اُكله المطلوب منه لابد أن يوجد هناك قرن اختصاصي بين القرينين لا مطلق الاقتران، لا يكفي مطلق الاقتران، ولذا السيد الشهيد& في كل تقريرات بحثه، أن يكون على نحو أكيد بليغ، أن يكون مركزاً مترسخاً في الذهن، أن يكون مخصوصاً، أن يكون مؤثراً وملفتاً للنظر وهكذا. إذن مطلق الاقتران كافي للانتقال أو غير كافي؟ هنا التفتوا حتى بعد ذلك عندما نأتي إلى المقامات اللاحقة أو الواضع ماذا يفعل، هذه الخصوصية من أين … مع أنه لم يفعل في المجمع العلمي إذا أن يقول وضعت لفظ كذا لمعنى كذا، هذا القرن من أين يأتي. المهم، يقول: إنما يؤثر أو ينقل القرين الذهن إلى قرينه مطلقاً أو على نحو مخصوص إذا كان الاقتران.
ثم هنا السيد الشهيد كما هو معروف عندكم يقول بأن هذا الاقتران تارة يكون كمياً يعني ماذا؟ يعني من كثرة الاستعمال. كثرة الوجود، بينك وبين الله ما العلاقة بين النوفلي والسكوني، هل هناك علاقة مشابهة أو علاقة اقتران؟ لا، ولكنه في الروايات كلما رأيت السكوني ترى النوفلي، كلما رأيت النوفلي رأيت السكوني، ولهذا أنت من كثرة الاستعمال بمجرد أن يقال لك النوفلي ينتقل ذهنك إلى السكوني، هذا بيني وبين الله لا الأصل ولا القانون الأول ولا القانون الثاني على إطلاقه، وإنما القانون الثاني بهذا القيد وهو كثرة الاستعمال.
تذهب إن شاء الله عشرين مرة إلى الحج وإذا سألتك عن التفاصيل لا تتذكر، ولكنه في واحدة من تلك المرات في عرفة صارت عندك مشكلة تنجست أو تمرضت أو … مع أنه ذهبت عشرين مرة إلى الحج تقول لي ماذا حدث في عرفة تقول: لا أتذكر، ولكن ذاك الحج الذي مرضت فيه تتذكره بتفاصيله.
سؤال: هذا الاقتران بين المرض وبين أرض عرفة، أي نوع من أنواعه؟ هذا الأصل؟ لا، القانون الأول مشابه؟ لا. القانون الثاني اقتران؟ نعم، هو الثاني ولكن بنحو مؤثر، يعني حدثت لك حادثة لا تنساها طول عمرك. هذا الذي يعبر عنه السيد الشهيد بأنه ا لاقتران الكيفي أو النوعي، الأول يسميه الاقتران الكمي. هذا الأمر الثاني. إلى الآن لم نصل إلى الوضع. السيد الشهيد واللطيف السيد الشهيد يقول له هذا يحتاج إلى عدد كبير من الاستنتاجات وهذا يريد … بينك وبين الله هذه لا تحتاج إلى منطق ارسطو. إلى الآن لم نصل … هناك عدد من الأبحاث لكي نصل إلى أنه كيف يكون الوضع تطبيقاً لهذه القوانين. إلى الآن لم نصل.
الأمر الثالث: تطبيقات القانون الأول والقانون الثاني. الأصل ليس فيه مشكلة، أما تطبيقات القانون الأول، أما تطبيقات القانون الأول فمن قبيل كل الإشارات التصويرية التي تجدونها في علائم المرور أو في غيرها. ليس المرور، الآن بينك وبين الله عندما تريد الذهاب إلى هذا الشارع، معد للجميع أن معد للمقعدين، أن هذا المكان الذي هو للحركة هذا للجميع أو … تجد أنهم يضعون إذا مقعد يجعلوه جالس، إذا مشي يجعلوه يمشي، هذه علامات عبروا إشارات تصويرية، هذا تطبيق للقانون الأول. لماذا؟ لأنه يجعل لك صورة حتى ينقلك إلى الواقع، إذن يقيم الارتباط معك ولكن لا من خلال لفظ ولا من خلال كتابة بل من خلال صورة تصويرية أو إشارة تصويرية، ولذا البشر أقام كثيراً من قوانينه وأحكامه على أساس القانون الأول.
تطبيق القانون الثاني: وهو أنه إذا فرضنا أن شخص لا يعرف اللغة ولا الألفاظ وتريد إقامة علاقة معه، تنتقل إلى الأصوات، الأصوات التي هي تشبه أصوات الأشياء الحقيقية، يعني تريد أن تقول له هنا يوجد حيوان مفترس ماذا تفعل وأنت لا تعرف اللغة ولا تعرف الكتابة لكي تكتب له ماذا تفعل له؟ تخرج له صوت مخصوص، الصوت المخصوص بالإشارة تقول له هذا موجود هنا. هذا أيضاً نحو من إقامة العلاقة ولكن تطبيقاً لأي قانون؟ القانون الثاني وهو الانتقال من القرين إلى القرين فتنتقل الصورة إلى الذهن.
طبعاً هذه ليست عامة ولكن أيضاً من طرق التعبير ومن طرق إقامة الارتباط مع الآخر.
الأمر الرابع: في الأمر الرابع ظاهرة اللغة، الآن اجعلونا في أول الأمر نعين، ظاهرة اللغة يعني الكلام، يعني اللغة الكلامية الصوتية لا اللغة الكتبية، لأن هذه أيضاً لغة ولكن لغة بالوجود الكتبي، هذه أيضاً لغة الكلمات ولكن بالوجود الصوتي. كيف وجدت ظاهرة اللغة في حياة الإنسان؟
السيد الشهيد يقول بأنه الإنسان طبق القانون الثاني من القانونين المتقدمين ولكن بعد توسعة ووجد أن صوت الأسد يدل على الأسد، فالإنسان عندما بلغ رتبة من النضج أحدث أصواتاً خاصة لتدل على معانٍ خاصة. بدل أن يكون الصوت المخصوص للأسد وهو الزئير دال على الأسد هو استفاد ووسع هذا القانون وضع صوتاً مخصوصاً وهو لفظ الأسد ليدل وقرنه بالمعنى، وقرناً خاصاً أكيداً إما كمي وإما كيفي، فأنت بمجرد أن تسمع ذلك الصوت بقانون القرن أو القانون الثاني تنتقل إلى ماذا … ومن هنا وجدت ظاهرة اللغة في حياة الإنسان لأنه اللغة هي أساساً مجموعة كلمات وألفاظ.
السيد الحائري في كتابه (ص101) يقول: (ثم أصبح البشر بالتدريج متعوداً على دلالة الأصوات على المعاني) هذا بحسب أي قانون دلالة الأصوات على المعاني؟ بحسب القانون الثاني، لا بالمشابه، لأن الصوت غير المعنى (وعلى الاستفادة من قانون المقارنة) لا من قانون المشابهة (فأصبحت الذهنية البشرية مهيأة للوضع بأن أقرن أو قرن لفظاً) المراد من اللفظ يعني صوتاً مخصوصاً (بمعنى في الذهن للدلالة عليه).
ولذا السيد الهاشمي في تقريرات بحثه (ص51) يقول: (ولما كان قد اعتاد أن ينتقل من الأصوات) الذي هو القانون الثاني (إلى أسبابها ومناشئها على أساس الاقتران الخارجي الذي كان بين صوت الأسد وبين الأسد فقد اتجه إلى توسيع نطاق الاستفادة من الأصوات) هذا القانون الثاني ماذا فعل له؟ وسعه (واستخدامها في مجال تفهيم الآخرين أيضاً باستخدام القانون الثاني) لا قانون المشابهة وإنما قانون القرن ولكن بعد هذه التوسعة التي أعطاها.
وعلى هذا الأساس الحق والإنصاف عملية الوضع تكون عملية معقدة أو جداً معقدة؟ واقعاً لا معقدة فقط، الإنسان البدائي لم يكن ملتفت إلى هذه القوانين، هذه بعد تجارب الحياة واستمرت ولا نعلم كم استمرت، وأنه التفت إلى هذه القوانين ثم اجتمع مع الآخرين وتجاوز قانون المشابهة، يعني التعبير التصويري إلى قانون المقارنة، يعني بالأصوات وجد أن كثيراً من احتياجاته الحسية والمعنوية والمعقولة قابلة للمشابهة أو غير قابلة … فاضطر إلى أن يضع الألفاظ.
ولهذا يقول: (فتوسيع نطاق الاستفادة من الأصوات واستخدامها في مجال تفهيم الآخرين باستخدام القانون الثاني عن طريق جعل لفظ أو صوت مخصوص). هذا الصوت المخصوص المشكل.
ولكن هنا نكتة إضافية أقولها ويأتي توضيحها.
إلى هنا استطاع أن يثبت لنا توسعة أولى، وعندنا توسعة ثانية وهو أن هذا اللفظ كيف يدل على هذا الصوت حتى الصوت يدل على … نحن الآن إذا سمعت منك لفظ الأسد يتبادر إلى ذهني معناه، إذا أرى أسد هنا أيضاً يتبادر ذهني إلى معناه، إذن نحتاج إلى توسعة أو لا؟
والحمد لله رب العالمين