الأخبار

المحاضرة (73)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين

ذكرنا في بحث الأمس أن من الأمور الواضحة والمسلمة والفطرية أن الإنسان انتهى بفطرته إلى أنه يحتاج إلى أن يستخدم الآخر. ومن هنا وجد الاجتماع والمجتمع وهذا أمر فطري وجد أنه يحتاج إلى أن يؤمن احتياجاته ولا يستطيع بمفرده إذن لابد أن يستعين بالآخر، هذه المقدمة واضحة. ولكنه عندنا اجتمع بالآخر وجد أنه لابد أيضاً أن يوجد طريقة لنقل مقاصده إلى الآخر، يعني إيجاد العلاقة وإيجاد الرابعة مع الآخر. هذه الضرورة الثانية وهي المترتبة والمتفرعة على الضرورة الأولى هذه الضرورة الثانية هي التي ولدت ظاهرة اللغة في حياة الإنسان وإلا قد كان يستطيع مثلاً أن يحقق تلك العلاقة مع الآخر لو استطاع أن يحققها من خلال العلامات ومن خلال الحركات والتعبيرات اليدوية والإشارات اليدوية، أيضاً كان يوجد اللغة في حياته أو لا يوجدها؟ لا، لا يوجدها.

ولكنه وجد أنه لا يستطيع أن يوجد العلاقة مع الآخر إلا من خلال ظاهرة، ما هي هذه الظاهرة؟ هي ظاهرة اللغة. من هنا لابد أن نجيب على تساؤلات متعددة. من هنا سندخل في ما نختاره في عملية ا لوضع. في اعتقادي بأنه توجد تساؤلات أربعة أساسية:

التساؤل الأول: هو أن الإنسان وجد أنه مضطر إلى أن يقيم علاقة مع الآخر وأن يفهم الآخر ما في ضميره وأن يوصل إليه ما يريده ويقصده، ولكن السؤال الأساسي أولاً كيف التفت إلى أنه يوجد العلاقة مع الآخر عن هذا الطريق وهو طريق وضع الألفاظ والأصوات للتعبير عن المعاني. لماذا لم يختر طريقة أخرى؟

السؤال الأول أو التساؤل الأول: كيف التفت الإنسان إلى أن التعبير عن مقاصده لابد أن يكون عن طريق اللغة يعني عن طريق الأصوات المخصوصة والألفاظ المخصوصة التي نعبر عنها ظاهرة اللغة. هنا أعزائي ذكرت أجوبة ثلاثة:

الجواب الأول: هي نظرية المحقق النائيني المعدلة، ما هي نظرية النائيني المعدلة؟ وهي أنه قال أن الله ألهم الإنسان أنه أن يستعمل هذه الطريقة للتعبير عن مقاصده. إذن قضية إلهام كما أنه ألهمه كذا ألهمه كذا. إذن يتضح هنا أن النائيني تكلم جواباً عن التساؤل الأول ولذا عبارة (مقالات الأصول، ج1، ص59) للمحقق العراقي، فقط للاستذكار وإلا هذا الأبحاث تقدم الكلام فيها. قال: (غاية الأمر قد ألهم غيره) الله سبحانه وتعالى (قد ألهم غيره في استعماله اللفظ الخاص في معنى مخصوص) إلهام ألهي وهو أنه بعد أن اضطر إلى الاجتماع بقي حائراً ماذا يفعل، الله ألهمه أنه اخترع هذه الأصوات للتعبير عن المقاصد والمعاني. كلام يمكن إثباته بدليل؟ يمكن نفيه بدليل؟ يبقى احتمال قائم، لا قبال للإثبات واقعاً إلا أن يستدل بآيات من هنا وهناك التي هي بعيدة (فألهمها فجورها وتقواها) و (علم آدم الأسماء كلها) والتي هي بعيدة كل البعد عن هذا المطلب.

الجواب الثاني: السيد الشهيد& يقول لا، أن الإنسان التفت إلى إنشاء هذا الظاهرة يعني التعبير عن مقاصده من خلال الألفاظ والكلمات والأصوات لأنه لاحظ الواقع الخارجي، ما هو الواقع الخارجي؟ وجد بأن بعض الموجودات تصدر منها بعض الأصوات وحصل اقتران بين الصوت وبين الوجود الخارجي فهو استفاد من هذه الظاهرة فتوسع فجعل أصواتاً لمعاني مخصوصة. بالأمس يتذكر الأعزاء هذا المعنى قرأناه من (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص81 و 82) قال: (وقد حاول الإنسان أن يستفيد من القانونيين التكوينيين) قانون المشابهة وقانون الاقتران (في مقام التعبير عن مقصوده ونقل مقصوده إلى ذهن مخاطبه) لماذا هو يحتاج إلى التعبير عن مقصوده ونقل مقصوده إلى الآخر، هذه الضرورة التي وصل إليها بعد الاجتماع. يقول: وجد هذه الظاهرة الخارجية أمامه، أي ظاهرة. التفت إلى الظاهرة الخارجية وهي الانتقال من الشبيه إلى الشبيه ومن المقارن إلى المقارن. فاستعان بها (فاعتمد على القانون الأول في استخدام الإشارات التعبيرية والتصويرية واعتمد ولما كان قد اعتمد أن ينتقل من الأصوات إلى أسبابها على أساس الاقتران الخارجي فقد اتجه إلى توسيع نطاق الاستفادة من الأصوات واستخدامها في مجال تفهيم الآخرين أيضاً باستخدام القانون الثاني إما عن طريق جعل اللفظ) هذه الألفاظ (أو صوت مخصوص مقترن ومشروط بمعنى مخصوص).

سؤال: سيدنا من قال أن الإنسان فعل ذلك؟ هل هناك آية نزلت في ذلك، هل هناك رواية تثبت ذلك، أنت عايشت أو هناك أناس عايشوا الحالة البدائية للإنسان فوجد أنهم اكتشفوا ظاهرة اللغة بملاحظة الواقع الخارجي، إذن يوجد دليل على الإثبات أو لا يوجد؟ لا يوجد؟ يمكن النفي أو لا يمكن؟ أيضاً لا يمكن. محتمل كلامه صحيح. إذن الجواب الثاني ما هو؟ الجواب الثاني أيضاً لا دليل عليه. وطبعاً ينسجم، ولا يتنافى مع الجواب الأول، لأنه يقول ألهم لعل هذا الإلهام كان المنبه له هو أن ينظر إلى الظاهرة الخارجية، هذا الذي بالأمس أنا قلت للأعزاء أن كل واحد نظر إلى حيثية ولكنه … أريد هنا أن أتكلم كلمة مع كل احترامي لكل أعلامنا وأنا بيني وبين الله تلميذ عندهم، ولكن هذه الحالة الإقصائية الموجودة في ذهن العالم هي دائماً عندما يصل إلى شيء يتصور الآخر … هذه حالة رفض الآخر حالة نفسية، في كثير من أبعادها نفسية لا علمية وغير قائمة على دليل. نعم، في جملة من مواردها أنا عندما أقيم برهان على صحة شيء أبطل الآخر، ولكن ليس بالضرورة دائماً كذلك.

الجواب الثالث: السيد الطباطبائي يقول الإنسان التفت إلى ظاهرة وضع اللغة أو ظاهرة الاستفادة من الأصوات للتعبير عن معنى من المعاني ومقصود ما في الضمير، وجد ظاهرة ا لحيوانات أمامه، رأى الدجاجة عندما تدعو فراخها تقف على الطعام ثم تصدر صوتاً مخصوصاً وهكذا. فالإنسان تعلم ربط الأصوات للتعبير عن المقصود، من هو المعلم له؟ الدجاجة. طبعاً يكون في علمك هذا الكلام غير بعيد جداً عن كلام السيد الصدر لأن السيد الصدر أيضاً يقول: رأى الظواهر الخارجية، ما هي الظواهر الخارجية؟ يقول: رأى الأسد وله صوت فربط بين الصوت وبين الأسد، ورأى الحمار وسمع صوته فربط، إذن هذه مرتبطة … وتعلمها من الحيوان.

تبين من معلمينا في غابر الزمان الحيوانات. إذن كثيراً لا تغتر بنفسك.

هذه عبارة السيد الصدر في (تقريرات بحثه) يقول: (فالإنسان منذ البداية كان يلاحظ أن أصواتاً معينة تقترن مع حيوانات معينة فالنهيق والزئير) هذه أصوات معينة لحيوانات معينة (فكلما رأينا الأسد سمعنا منه زئيره، وكلما رُأي الحمار سمع منه نهيقه) تبين أن الحمار في مكان صار استاذاً للإنسان. المهم أنا أبين لكم … حتى لا يتصور البعض أن هذه الآراء نحن بعد ذلك جعلناها بشرط لا فصارت مانعة الجمع، وإلا في الواقع هي مانعة الجمع أو ليست مانعة الجمع؟ لا، ليست مانعة الجمع، يمكن أن تكون هذه ويمكن أن تكون هذه.

السيد الطباطبائي، هذا البحث كما ذكرنا السيد الطباطبائي الجواب الثالث له في (أصول الفلسفة، ج1، ص602) قال: (تبدأ هذه العملية) أي عملية؟ عملية وضع الألفاظ والأصوات للمعاني (تبدأ هذه العملية من المحسوسات كما يحصل بين الدجاجة وفراخها فتنقر الحبة بمنقارها أمامه مرأى الفروجة وتأكلها ثم تمارس الفروجة هذا العمل، ونلاحظ أيضاً أن دلالة الصوت في هذه المرحلة) صوت الدجاجة على الأكل (في هذه المرحلة دلالة عقلية على المقصود) كما أن دلالة صوت الزئير ليست دلالة جعلية وإنما دلالة عقلية (أما المقصود ذاته فيؤشر إلى المخاطب بوجوده الخارجي والأصوات جميعها على حد سواء ثم جراء التكرار ينعقد في ذهن المخاطب لون من الملازمة بين المعنى والصوت ثم بمجرد سماع الصوت عن بعد …).

إذن الذي اختراع، السؤال الأول: ما الذي دل الإنسان على أن يستند أو يخترع هذه الطريقة للتعبير عن مقصوده وإيصال ما في ضميره إلى الآخر؟ احتمال الإلهام، إلهام ما ذكره السيد الشهيد، احتمال ما ذكره السيد الطباطبائي من الدجاج، المهم هذه بتعبيري مانعة الجمع أو ليست بمانعة الجمع، كل واحدة منها تنفي الآخر أو لا تنفي الآخر؟ لا، لا تنفي الآخر لأنها ليست براهين عقلية وليست براهين رياضية حتى إذا قلنا 2 بالإضافة إلى اثنين يساوي أربعة تقول لا ينافي 2 بالإضافة إلى 2 يساوي 7، ليس هكذا. إذا قام البرهان الرياضي على 2 بالإضافة إلى 2 يساوي أربعة فبالقطع واليقين لا يساوي خمسة ولا يساوي 7.

إذن لو سألنا سائل أن النائيني والطباطبائي والسيد الشهيد عندما أشاروا إلى هذه أين كانوا تكلمون، يتكلمون في الجواب عن التساؤل الأول.

التساؤل الثاني: نحن افترضنا في الجواب عن التساؤل الأول اكتشف الطريقة عرف أنه إذا أراد أن يعبر عن مقصوده لابد أن يستعمل الأصوات أو الألفاظ. الآن اكتشف ماذا يفعل؟ ماذا يجب عليه أن يفعل، اكتشف هذه الطريقة جيدة فماذا يفعل؟ يضع، يعني ماذا؟ يعتبر؟ الجواب: سمه (أ ب ج) ماذا تريد أن تسمه سمه، الآن فهم أن هذا الصوت يمكن أن يعبر عن معنى، إذن لابد من وضع بعض الأصوات بعض الألفاظ لبعض المعاني، سمها وضعاً سمها علاقة … سمها ما شئت.

سؤال: هذه العلاقة القائمة بين الألفاظ والمعاني بين الأصوات والمعاني هل هذه العلاقة علاقة اكتشفها الإنسان أو أوجدها الإنسان، من المحال أنه اكتشفها لأنها لم يكن لها وجود، هو وضعها لذا قالوا أن العلقة بين الألفاظ والمعاني ليست كعلقة الزوجية للأربعة، وهذا هو الذي المسكين بتعبيرنا قاله المحقق الأصفهاني، المحقق الأصفهاني قال العلاقة بين الألفاظ والمعاني ليست علاقة مقولية وإنما علاقة اعتبارية، يعني ماذا؟ يعني أنا وأنت جعلناها. إذن المحقق الأصفهاني يجب عن التساؤل الثاني، وليس له ربط بالتساؤل الأول وهو كيف التفت الإنسان حتى نقول توجد عدة نظريات، انتم تابعوا نظريات الاصوليين، توجد عدة اتجاهات بلا استثناء من السيد الخوئي ومن السيد الصدر … يا أخواني هذه ليست اتجاهات هذه لو كانت إجابات عن محور واحد تكون أجوبة متعددة، ولكن هذه كل واحدة تجيب عن محور غير المحور الآخر فليست اتجاهات متعددة، ولذا المحقق الأصفهاني عندما جاء في هذه المسألة في (نهاية الدراية، ج1، ص44 و 45) قال: (أن الاختصاص والارتباط بين اللفظ والمعنى هل هو مقولي أو هو اعتباري) يعني هل هو أمر ثابت في الواقع وأنا أكشف عنه أو أنا أوجده بجعلي؟ ولذا جاء في (ص45) ثبت أنه لا يمكن أن يكون مقولياً لأنه لو كان مقولياً ولو وكان حقيقياً واقعياً لو كان أمراً ثابتاً وأنا أكشف عنه لما اختلف باختلاف الأنظار والتالي باطل فنحن نجده يختلف باختلاف الأنظار، إذن مقولي أو ليس بمقولي؟ ليس بمقولي.

(ومما يشهد لما ذكرنا من عدم كون الاختصاص معنى مقولي أن المقولات أمور واقعية لا تختلف باختلاف الأنظار ولا تتفاوت بتفاوت الاعتبار ومع أنه لا يرتاب أحد في أن طائفة يرون الارتباط بين لفظ خاص ومعنى مخصوص ولا يرونهم بينهم طائفة أخرى) وهذا يكشف عن أنه لو كان واقعياً مقولياً يختلف أو لا يختلف؟ والتالي باطل، يختلف، إذن ليس مقولياً.

وعلى هذا الأساس نجد أن السيد الشهيد يصرح بهذا المعنى والغريب يصرح بهذا المعنى، ولكن مع ذلك يشكل عليه، في (تقريرات السيد الهاشمي) يقول: (إن الوضع أمر تكويني) سيدنا أنا أعلم أن الوضع أمر تكويني يعني نتيجته علقة لا تنفك ولكن هذه العلقة كيف أوجدها هل موجودة في الأزل يعني ذاتية؟ تقول: لا، ليست ذاتية لأنك نفيت … تحتاج إلى أحد يربط هذا اللفظ بهذا المعنى (وقد يستخدم الإنشاء لإيجاد هذا الإشراط بين اللفظ وبين المعنى) وهذا كلام المحقق الأصفهاني، الأصفهاني ماذا قال: قال؟ لابد أن ننشأ العلاقة بين لفظ مخصوص ومعنى مخصوص. (وقد يستخدم الإنشاء لإيجاد هذا الاشراط ولكن هذا لا يعني أن الإشراط هو المنشأ بل هو الإنشاء بما هو عملية تكوينية تصدر خارجاً) لا يا سيدنا، الذي يصدر الإنشاء هذا الإنشاء يحقق صغرى لذلك ا لأمر … وإلا إذا لم تحقق هذا الإشراط يتحقق ذاك القرن الواقعي أو لا يتحقق ذاك القرن الواقعي؟ لا يتحقق.

وكذلك عبارته في (تقريرات السيد الحائري، ج1، ص103) قال: (نعم، كثيراً ما يتفق أن الواضع ينشأ شيئاً من اعتبار أو نحوه فيقول بقصد الإنشاء سميت ابني علياً) هذه نظرية الأصفهاني. نعم، أنت تقول هذه ليست كل حقيقة الوضع لأنه بمجرد أن تقول أنا وضعت هذا لهذا لماذا لا يختلف ولا يتخلف، ذاك سؤال ثالث، وبحثنا الآن أننا نحتاج إلى الاعتبار أو لا نحتاج إلى الاعتبار. إذن لماذا تحمل أن نظرية الاعتبار باطلة. لأن المحقق الأصفهاني لا يجيب عن السؤال الأول ولا يجيب عن الأسئلة الأخرى بل يجيب عن السؤال الثاني والسؤال الثاني محور أنه نحتاج إلى إيجاد الربط بين اللفظ المعنى المخصوص أو لا نحتاج.

وهذا المعنى بشكل واضح وصريح أشار إليه في (تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر، ج2، ص55 وص56) يقول: (لأن النكتة المطلوبة من الوضع هي إيجاد صغرى لهذا القانون التكويني) إذن المحقق الأصفهاني يتكلم عن القانون التكويني أو عن إيجاد الصغرى له، لماذا النظرية باطلة؟ النظرية صحيحة ولكن في أي بعد صحيحة؟ في الجواب عن السؤال الثاني.

وفي (ص56) يقول: (حيثية إنشائية إيجادية لمعنى اعتباري كأن يقول جعلت اسم زيد وجوداً تنزيلياً لابني فهذا الإنشاء يلحظ بلحاظ هذه الحيثية باعتباره إيجاداً إنشائياً لمعنى خيالي).

وهذا المعنى كل من تكلم في هذا أشار إليه كما في (مقالات الأصول، ج1، ص62) للمحقق العراقي، يقول: (تتميم فيه تحقيق: وهو أن هذه العلقة والارتباط بعد تمامية جعلها وصحة منشأ اعتبارها وإن سميت من الأمور الاعتبارية) يعني كلام المحقق الأصفهاني.

وكذلك السيد الروحاني في (منتقى الأصول، ج1، ص47) قال: (إن الإنصاف يقضي أن الوضع أمر اعتباري إلا أنه يختلف عن الأمور الاعتبارية الأخرى) بماذا يختلف؟ يختلف وهو أن هذا الأمر الاعتباري يولد أمراً حقيقياً، بخلاف الأمور التي تعتبرها مع نفسك … إذن مسألة هؤلاء جميعاً اتفقت كلمتهم على أنه نحتاج إلى الاعتبار. السيد الصدر والسيد الخوئي والسيد الروحاني كلهم يقولون نحتاج إلى الاعتبار.

ولكن، ما هو الاعتبار الذي نحتاجه؟ ليس المراد من الاعتبار يعني الإنشاء بصيغة مخصوصة كما في العقود أو في الطلاق أو في الزواج. واحدة من إشكالات السيد الصدر على المحقق الأصفهاني كان يقول بأنه أساساً هذا الاعتبار ليس من قبيل اعتبار عقد الزواج أو عقد البيع. بيني وبين الله هو لم يقل هكذا، هو يريد أن يقول مقولي أو غير مقولي؟ غير مقولي. إذن الإشكال عليه بهذه الطريقة وهي أن الوضع ليس مجعولاً من المجعولات الإنشائية والاعتبارية كالتمليك بعوض المجعول في باب البيع، أين قالها أن هذا الاعتبار مثل ذاك الاعتبار، كل همه أنه قارن بين المقولي وبين غير المقولي، يريد أن يقول أن المقوليات واقعيات وهذا ليس واقعي.

إذن هذا الإشكال غير وارد أيضاً على المحقق الأصفهاني ويرد عليه.

التساؤل الثالث: في التساؤل الثالث هو أننا أوجدن هذه العلاقة بين اللفظ المعنى، ولكنا نجد أن هناك خصوصية بعد الوضع أن اللفظ يؤشر ويدل على المعنى بلا تخلف وبلا اختلاف، يعني علاقة قابلة للانفكاك أو غير قابلة للانفكاك. كيف وجدت هذه العلاقة غير القابلة للانفكاك من عملية وضعية. إذن هذا سؤال آخر غير السؤال الثاني الذي كان أن العلاقة بين اللفظ والمعنى ما هي، علاقة اعتبارية أو ليست اعتبارية؟ الجواب: اعتبارية.

بعد هذه العلاقة الاعتبارية نجد خصوصية حتى لو نقل اللفظ إلى معنى آخر أنت عندما تسمع اللفظ يذهب ذهنك إلى المعنى الأول، ما الذي وجد في اللفظ حتى جعله لا ينفك … ولذا السيد الطباطبائي عنده عبارة إشارة إلى هذا معنى الواقعية في (حاشية الكفاية، ص16) حتى تعرفون أن هذا الرجل كان أصولياً، قال: (لا ريب أن انفهام المعنى من اللفظ أعني المعنى الخاص من اللفظ الخاص بحسب آي لغة من اللغات) هذا الجواب عن السؤال الثاني (ثم دوار ذلك واستمراره بعدم التخلف والاختلاف) هذا مرتبط بالسؤال الثالث، لماذا صارت دائمياً وصار لا يختلف ولا يتخلف كأي سنة تكوينية، لماذا؟ هذا من أين جاء؟

هذا الذي بشكل واضح وصريح أشار إليه المحقق العراقي، هناك قال صحيح أن العلقة بين اللفظ وبين المعنى علقة اعتبارية ولكن لا كأي اعتباري لأنه اعتباري يؤدي إلى واقعي. قال: (وإن سميت من الأمور الاعتبارية) يعني العلقة بين اللفظ والمعنى (في قبال ما لها ما بإزاء في الأعيان ولكن لم تكن من الاعتباريات المحضة المتقومة بالاعتبار بحيث تنعدم بانقطاعه بل كانت من الواقعيات). فإذا تتذكرون نحن قلنا هناك أن نظرية الواقعية لا يريد أن يقول أنا أوجد الواقعية بالاعتبار لا يمكن إيجاد الواقعيات، نعم أنا أفعل فعلاً يؤدي إلى واقعية، ولكن المحقق العراقي لم يبين بأي نكتة يتحول إلى واقعي. ماذا فعل السيد الشهيد؟ بين النكتة في هذه الواقعية، وإلا ليست نظرية أخرى في قبال نظرية المحقق العراقي، وهذا بشكل واضح وصريح في كلمات السيد الروحاني في (ج1، ص47) يقول: (أن نظر المحقق العراقي يمكن أن يكون نظره إلى جهة أخرى وهي أن الوضع أمر اعتباري إلا أنه يختلف عن الأمور الاعتبارية الأخرى بأن ما يتعلق به الاعتبار يتحقق له واقع ويتقرر له ثبوت واقعي كسائر الأمور الواقعية فهو يختلف عن الأمور الواقعية من جهة ويختلف عن الأمور الاعتبارية المحضة من جهة أخرى) أنه جعل العلقة واعتبارها، هذا اعتبار بأن ما يتعلق به الاعتبار له واقعية، هذه واقعيته. ثم يقول: (وعليه فالمدعى أن الجاعل اعتبر مفهوم الملازمة) الذي قلنا الملازمة بالحمل الأولي ولكن هذا بعد ذلك يصير من مصاديق الملازمة بالحمل الشائع، تتذكرون هذا المعنى (والعلقة بين اللفظ والمعنى كما هو شأن كل جعل وقد نشأ من اعتبار هذه الملازمة ملازمة حقيقية واقعية بين طبيعي اللفظ وطبيعي المعنى بلحاظ أن ذلك الاعتبار أوجب عدم انفكاك العلم بالمعنى وتصوره عن العلم باللفظ وتصوره وتلازم الانتقال إلى المعنى مع الانتقال إلى اللفظ وهذا يعني حدوث ملازمة واقعية بين اللفظ والمعنى ولم تبقى الملازمة رهينة وحبيسة في عالم الاعتبار) حتى مع وجود الاعتبار تكون موجودة ومع عدم الاعتبار تكون … لا لا (إذ نشأ منها واقع له ثبوت حقيقي فاختلف الوضع بهذا عن غيره من الأمور الاعتبارية).

سؤال: المحقق الأصفهاني القائل بالاعتبار ملتفت إلى هذه النكتة أو غير ملتفت؟ نعم ملتفت. يقول: (ويلزم من الوضع ملازمة لا تنفك).

لنقرأ هذه العبارة في (نهاية الدراية، ج1، ص47) قال: (ومنه ظهر أن الاختصاص) الاختصاص بين اللفظ وبين المعنى يعني هذا الترابط والتلازم (أن الاختصاص والارتباط من لوازم الوضع لا عينه) يعني ماذا؟ يعني الوضع هو ذلك الأمر الاعتباري. ماذا يترتب عليه؟ اختصاص هذا اللفظ فهذا المعنى، وهذه هي الواقعية التي عبر عنها المحقق العراقي.

نعم، الإنصاف لابد أن يشار إليه هنا وهو أنه ما هي نكتة هذه الواقعية؟ السيد الشهيد قال نكتة هذه الواقعية هو القانون الثاني.

سؤالك هذا القانون الثاني برهاني أو أمر وجداني، هل هناك طريق آخر أو لا، لعله غداً نكتشف ان منشأ هذه الواقعية شيء آخر. احتمال وارد وصحيح ولا إشكال فيه. ولذا تتذكرون فيما سبق أنا قلت أني لا أذكر ملاحظاتي على نظرية السيد الشهيد وستأتي. هذا الإشكال الثاني وهو أنه سيدنا أنت تقول بأن روح الوضع وحقيقة الوضع، الجواب مقصودك يعني هذا الأمر الواقعي، هذا ليس الوضع بل من آثار تلك العلقة. ظاهرة اللغة فيها أبعاد أنت أين تتكلم سيدنا، تتكلم عن البعد الأول؟ كلامك لا علاقة له به. تتكلم عن البعد الثاني؟ كلامك لا علاقة لنا به. تتكلم عن البعد الثالث؟ نعم، صحيح ولكن هذا ليس كل عملية الوضع بل هو بعد من أبعاد ظاهرة الوضع.

ولذا السيد الشهيد لعله بيني وبين الله ملتفت إلى هذه النكتة ولهذا لا يعبر عن هذا القانون بأنه الوضع بل يقول بأنه روح ا لوضع؟ سيدنا ماذا يعني روح ا لوضع، نحن نسألك عن الوضع ما هو، وأنت تقول أن سر الوضع هذا، أنا لا أتكلم عن سر الوضع، بل أتكلم عن الوضع وهو هذا الأمر الاعتبار. نعم، كيف وجدت هذه العلاقة التي لا تنفك؟ هذا جوابه: أنه هناك قانون تكويني أنه إذا ارتبط … إما في ظروف خاصة وإما لأي سبب كان فأنه يؤدي إلى ملازمة واقعية بين اللفظ وبين المعنى.

فتحصل إلى هنا: نظرية النائيني جواب أن التساؤل الأول، ونظرية الأصفهاني جواب عن التساؤل الثاني، ونظرية العراقي متممة ببيان السيد الصدر جواب عن التساؤل الثالث.

والعجيب أنه هذه جملة وجدتها في تقريرات السيد الحائري فقط، يقول بعد أن يبين السيد الشهيد نظريته: (وقد اتضح مما بيناه عدة أمور: الأول: أن الصحيح في الوضع هو مسلك الواقعية) مسلك الواقعية لمن كان؟ هو هذا. إذن إشكال يريد عليه أولاً وثانياً … نعم، قولوا نظرية المحقق العراقي صحيحة ولكن تلك النكتة التي أدت إلى التلازم وعدم الانفكاك لم تبين وفيها نقص، والحق فيها نقص. ولذا تتذكرون نحن قلنا ما يوجد فيها. ولكن هل هي كاملة أو تحتاج إلى متمم؟ هذا هو متممها.

إلى هنا انتهينا من ثلاثة أسئلة.

السؤال الرابع: أساساً هذه العملية المعقدة التي تجدونها إلى الآن، طبعاً هذه تكاملت على مر الزمن، هذه العملية المعقدة أساساً من الساعة الأولى لماذا الواضع للألفاظ أو الأصوات للمعاني وضع ذلك؟ ما هو غرضه؟ غرضه أن يخطر المعنى في ذهن سامع اللفظ ولو من اصطكاك حجرين؟ يعني الذي يحقق غرضه أن يخطر المعنى أو يريد أن يقصد تفهيم المعنى؟ هنا جاء كلام السيد الخوئي. ولكن السيد الخوئي على الطريقة الإقصائية هذا باطل وذاك باطل وذاك باطل. سيدنا … كله صحيح ولكن يتكلم في محور آخر، العراقي عنده محور، النائيني عنده محور، الصدر عنده محور، والأصفهاني عنده محور، وأنت تكلمت في ماذا … وأنت أيضاً صرحت بهذا الكلام ولم تقله جزافاً، يعني أنت عندما ترجع إلى كلام السيد الخوئي تجد واضح في (المحاضرات، ج1، ص44) قال: (إن الغرض الباعث على الوضع) ثم يشرح يقول أن الإنسان بما أنه مدني بالطبع يحتاج في تنظيم حياته إلى آلات يبرز بها مقاصده … إذن ما هو مقصود هذه العملية؟ مقصودها إقامة العلاقة وإقامة العلاقة لا تأتي من اصطكاك حجرين بل تأتي من قصد تفهيم المعاني.

إذن بهذا يتضح أي نظرية صحيحة؟ أي نظرية هي الصحيحة؟ الجواب: لابد أن تسألني في أي محور، إذا كان سؤالك عن التساؤل الأول فالحق مع النائيني، إذا سألت عن المحور الثاني فالحق مع الأصفهاني، إذا تسأل عن المحور الثالث فالحق مع العراقي مع تتمة العراقي وهي ما ذكره سيدنا الشهيد. إذا تسأل عن الرابع وهو الغرض فالحق مع السيد الخوئي.

وبهذا يتضح الإشكال في كل كلماتهم من أول بحث الوضع إلى يومنا هذا. صار مئة سنة شاغلين الطلبة وكلهم بحوثهم ناقصة لأنه كل … مثل تلك النملة واقفة على الخرطوم تقول مدور، تقول له ليس مدور بل مسطح، تقول له كافر مرتد. كل ينظر إلى القضية من زاويته الخاصة.

إذن فتحصل إلى هنا مختارنا في هذه الظاهرة، أنا أحتاج غد أمثل لهذه المسألة ليس هنا، في مسألة فلسفية شغلت الفكر الفلسفي 300 أو 400 سنة، وفي مسألة أصولية أيضاً شغلت الفكر الأصولي لمدة 100 أو 200 سنة، أن المشكلة أيضاً وهو أن العالم ينظر إلى القضية أو إلى المسألة من زاويته، ويجيب من الزاوية.

أعزائي ولذا لا نعد الفقيه فقيهاً إذا لم يكن مفسراً، ولا نعده إذا لم يكن متكلماً، ولا نعده … لماذا؟ لأنه يا أخي إذا جاء إلى موضوع وهو غير مسلح إلا بزاوية خاصة فهل يستطيع أن يحيط بالموضوع أو لا يستطيع؟ فعندما يأتي حكماً يعطي حكماً للموضوع بكامل أبعاده أو لبعد واحد؟ هذا إن شاء الله غداً حتى ترون اجتهاد من يبقى.

 

والحمد لله رب العالمين

  • جديد المرئيات