بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
قلنا في عملية الوضع توجد أمور ثلاثة:
الأمر الأول: هو كيف تتحقق هذه العلقة بين اللفظ وبين المعنى، هذا الذي اصطلح عليه بمناشئ وجود هذه العلقة.
المحور الثاني: هو اللفظ الذي وضع.
المحور الثالث: هو المعنى الموضوع له اللفظ.
وبلحاظ هذه المحاور الثلاثة وجدت تقسيمات ثلاثة:
التقسيم الأول: المرتبط بمناشئ تحقق العلقة، قسم إلى أن المنشئ تارة يكون تعيينياً وأخرى يكون تعينياً.
وببيان آخر: أن هذه العلقة التي تحصل بين اللفظ وبين المعنى تارة تكون تعيينية وأخرى تكون تعينية.
التقسيم الثاني: يتعلق بلحاظ المعنى.
التقسيم الثالث: يتعلق بلحاظ ا للفظ وسيأتي.
أما التقسيم الأول في التقسيم الأول حتى ينتظم البحث في المقدمة كتمهيد هذا البحث لم يعتني به علماء الأصول كما ينبغي ولذا البعض أساساً لم يعرض له في بحث مستقل وإنما أشار له إجمالاً في سطر أو سطرين وتجاوز البحث.
مثلاً السيد الخوئي في(المحاضرات، ج1، ص49) يقول: (هذا كله في بيان الأقوال في حقيقة الوضع، وقد عرفت المختار من بينها وأما الجهة الثالثة فملخص الكلام أن تحقق الوضع يتوقف على تصور اللفظ والمعنى وعليه فالكلام يقع في مقامين: الأول في ناحية المعنى والثاني في ناحية اللفظ) فإذن يشير فقط إلى تقسيمين التقسيم المرتبط بالمعنى والتقسيم المرتبط باللفظ، أما التقسيم المرتبط بمناشئ العلقة الوضعية أو العلقة بين ا للفظ والمعنى فلا يشير لها كبحث مستقل. نعم، يكتفي بهذا القدر، يقول: (كما أنه بذلك المعنى يصح تقسيمه إلى التعييني والتعيني، فإن كان ناشئاً التعهد بنحو ابتدائي فهو تعييني وإن كان ناشئاً عن كثرة الاستعمال فهو تعيني). ولا يتكلم أكثر من هذا سطر أو سطرين.
هذا يكشف عن أنهم لم يهتموا بهذا التقسيم وتجاوزوه.
في الواقع بأنه عند الدقة لا تترتب هناك آثار عملية في مقام الاستنباط على هذا التقسيم إلا في بعض الموارد ولعلنا سنشير لها فيما بعد، ولهذا سوف لا نقف طويلاً عند هذا المبحث إلا بالقدر الذي نقف على مباني التصورية لهذا البحث.
توجد عدة أبحاث:
البحث الأول: وهو تعريف الوضع التعييني والوضع التعيني. ما هو مرادهم من التعييني وما هو مرادهم من التعيني؟ في كلمات البعض ميز بينهما وفرق فيما بينهما قالوا أن التعييني له واضع معين وأما التعيني فليس هو واضع معين. هذا التعريف ورد في كلمات السيد الروحاني في (ج1، ص72) قال: (اشتهر بين الأعلام تقسيم الوضع إلى قسمين: تعييني وتعيني، وعرف الأول بأنه تخصيص اللفظ بالمعنى من قبل واضع معين) ما هذا الواضع شخص كالأب يضع لأبنه أو مجمع أو مركز أو مؤسسة وغير ذلك (وعرف الثاني بأنه الارتباط الخاص الحاصل بين اللفظ والمعنى الناشئ منم كثرة الاستعمال) إذن لا يوجد واضع معين. هذا تعريف ذكره البعض.
التعريف الآخر الذي ذكر في المقام هو ما جاء في كلمات السيد الصدر في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، 95) قال: (أما الوضع التعييني فيراد به جعل العلقة الوضعية بجملة إنشائية محددة) يعني يقول وضعت هذا اللفظ لهذا الشخص أو لهذا المعنى (من قبيل أن يقول الأب سميت ابني جعفراً وهذا لا شك في معقوليته ومرجعه على ضوء ما تقدم في تفسير الوضع إلى إيجاد القرن الأكيد بين اللفظ والمعنى بهذا الجعل) طبعاً باعتبار أن السيد الشهيد فسر العلقة الوضعية فأيضاً فسر الوضع التعييني، مع أنه من الواضح أن المؤسسات والمراكز والمجامع والآباء والبلديات التي تضع بيني وبين الله لا يوجدون القرن الأكيد بل يوجدون القرن بين اللفظ المعنى، لم نعهد أن يوجد أحد قرناً أكيداً بين اللفظ وبين المعنى، حتى لو قال أوجدت قرناً أكيداً لا يؤثر أثره. نعم، هذا ما قلنا فيما سبق خلط بين الوضع وبين النتائج، كثرة الاستعمال هي التي توجد القرن الأكيد ولكنه على القاعدة، لأن هؤلاء فسروا الوضع بهذا اضطروا عندما يأتوا إلى الوضع التعييني يفسروه بالقرن، السيد الخوئي عندما فسر الوضع بالتعهد جاء إلى الوضع التعييني قال التعهد الابتدائي وهكذا، وهذا طبيعي جداً. ولكنه على المبنى المختار الذي أشرنا له سابقا لا أبداً، فالوضع التعييني هو أنه جعل العلقة من واضع معين كما أشار إليه في تعريف السيد الروحاني. أما الوضع التعيني ما هو؟ قال: (فيراد به نشوء العلقة الوضعية) نحن لا نريد أن ندخل في بحث مع هؤلاء الأعلام وأنه هل يمكن أن توجد هذه العلقة من غير فاعل؟ يمكن هذا؟ في النتيجة هذه العلقة أمر قديم أم أمر حادث؟ حادث. ممكن أو واجب؟ علته ما هو. ظاهر العبارات أن العلة لذلك كثرة الاستعمال. كثرة الاستعمال فرع أنه يوضع اللفظ للمعنى وبالكثرة يصير … أما أنه من أول الأمر توجد الكثرة؟ وكما قرأتم في الفلسفة أن الكثرة فرع الوحدة، يعني بالوحدات تتشكل الكثرة، هذه الوحدة الأولى يعني المرة الأولى التي استعمل وضع أو لم يضع؟ فإن لم يضع فكيف استعمل وإن وضع رجع إلى الوضع التعييني. هذا سيأتي.
هذان تعريفان، ظاهرهما تعريفان (فيراد به نشوء العلقة الوضعية بسبب كثرة الاستعمال وتصويره على لمسلك المختار) وهو القرن الأكيد (أن هذا القرن الأكيد كما يحصل بعمل كيفي) ومراراً ذكرنا أن القرن الأكيد يعني السببية هذه ليست حقيقة الوضع وإنما حقيقة الوضع هو ذلك الاعتبار الربط بين اللفظ والمعنى. نعم، من خلال كثرة الاستعمال الذي هو أحد الاسباب يوجد ذلك القرن الأكيد أو بعامل كيفي وهو أنه في ظروف خاصة يوجد ذلك القرن الأكيد.
هذا هو البحث الأول.
البحث الثاني: هو الأقوال في المسألة.
المشهور بين الأصوليين أنه ينقسم الوضع إلى وضع تعييني والى وضع تعيني. القول الثاني يشكك في معقولية الوضع التعيني، أساساً لا معنى متصور له، ما معنى وضع تعيني، ليس عندنا وضع تعيني بل كله وضع تعييني.
ومن أولئك المشككين بشكل جدي السيد الروحاني يقول بأن هذا أساساً غير معقول في (المنتقى، ج1، ص72) يقول: (ولكن الذي يختلج في النفس أن الوضع التعيني لا أساس له) لماذا؟ (فإنه لا يتصور له معنى معقول إذ لا وجه لأن يختص اللفظ بالدلالة على المعنى بكثرة الاستعمال) ومن هنا صار الأعلام بصدد تصوير كيف أن كثرة الاستعمال تولد علقة بين اللفظ وبين المعنى. طبعاً البيان الرسمي المذكور لذلك أو المدرسي يقول بأنه أساساً لظروف معينة ولقرائن معينة إما لفظية أو مقامية أو حالية قد يرتبط لفظ بالدلالة على معنى. وبمرور الزمان هذه القرائن شيئاً فشيئاً تنتهي وتنتفي فتبقى الرابطة بين اللفظ وبين المعنى. وبعبارة أخرى واضحة: أن الذين قالوا بمعقولية الوضع التعيني قالوا أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز، يبدأ الاستعمال مجازياً وبمرور الزمان وكثرة الاستعمال يكون الاستعمال حقيقياً. من هنا في كلمات المنكرين هذا الإشكال وارد أنه كيف يمكن أن يتحول المجاز إلى حقيقة، ولذا هذه عبارته، يقول: (مع أن لدلالة في هذه الاستعمالات الكثيرة لا ينفرد بها اللفظ) يعني ليس الاستعمال استعمالاً حقيقياً وإلا لو من أول الأمر استعمال حقيقي لكان الوضع وضعاً تعيينياً لا تعينياً. (بل يشترك معه القرينة) يعني اللفظ يدل على المعنى ولكن دلالة مجازية ببركة القرائن. ومن هنا … غير موجودة في عبارته ولكن الإشكال المعروف هو هذا.
ولذا السيد الشهيد يبين هذا الإشكال في (تقريرات بحث السيد الهاشمي، ج1، ص96) يقول: (وقد يستشكل في ذلك) هذا الإشكال الذي ذكرته الآن تقريباً يظهر من عبارات السيد الروحاني وهو أساساً إذا بدأ الاستعمال مجازياً كيف ينقل المجاز إلى حقيقة (بأن اللفظ قبل أن يصبح حقيقة في هذا المعنى كان يستعمل فيه مجازاً والاستعمال المجازي لكي يوجب انفهام المعنى في ذهن السامع لابد من اقترانه بالقرينة وإن كانت الاستعمالات كثيرة مشتملة على القرينة في كل مورد فالاقتران الأكيد عندما يكون بين المعنى) وبين اللفظ أو بين المعنى واللفظ المقترن بالقرينة؟ كيف ينتقل من المقترن بالقرينة إلى المجرد عن القرينة. هذا هو الإشكال.
الجواب: أتصور واضح وكم له نظير في حياتنا وهو أن اللفظ في أول أمره قد يحتاج إلى قرينة ليدل على معنى باعتبار أنه ابتداء الأمر. ولكنه هذه القرينة ليس بالضرورة دائماً قرينة لفظية واحدة، بالضرورة هكذا؟ قد تكون قرينة لفظية وقد تكون قرينة مقامية وقد تكون قرينة سياقية وقد تكون قرينة الظروف التي صدر فيها هذا النص، والقرينة اللفظ قد تختلف من شخص إلى آخر. ولذا السيد الشهيد وكل من تكلم في هذه القضية قالوا بأنه يمكن، لماذا؟ لأنه في الاستعمالات المجازية يوجد عندنا عنصران: العنصر الأول عنصر ثابت وهو اللفظ المستعمل في المعنى، العنصر الثابت هذا محفوظ في جميع الاستعمالات، في أي استعمال كان هذا اللفظ ثابت. أما القرينة فهي ثابتة أم متغيرة؟ قد تكون لفظية وقد لا تكون لفظية. إذن إذا حصل انس ذهني بين اللفظ وبين المعنى وإن كان في المرتبة الأولى حصل ببركة القرينة ولكنه إذا استمر هذا الانس الذهني قد يتحول إلى حقيقة. وكم له نظير. لعله في أوائل الشريعة كثير من هذه الاصطلاحات التي الآن نحن بالنسبة لنا من الحقائق الشرعية الصلاة والصوم والحج الخمس والحد وغيرها هذه أول ما استعملت كانت بهذا المعنى؟ كانت بمعناها الشرعي؟ أبداً، كانت بمعناها اللغوي، ولكن لكثرة استعمالها عند المتشرعة أو لسبب آخر وصلت إلى درجة صارت بتعبير أعلامنا حقيقة شرعية أو حقيقة متشرعية. لعل الشارع بعده لم يستعملها كأنها حقيقة شرعية بل يستعملها بمعناها اللغوي ولكن بقرائن، ولكن أنت كمتشرع عندما تسمعها من النبي أو الإمام تسمعها بعنوان حقيقة أصلاً، مع أنها في واقعها ليست كذلك, ولذا يحاول البعض وهذا بحث لطيف واقعاً هذا البحث في نفسه لطيف هذا الذي أشير إليه. وهو أنه هذا أين ينفعنا؟ ينفعنا في أبحاث الحقيقة الشرعية وهو أنه هذه واقعاً حقيقة أو ليست حقيقة استعمال مجازي أو استعمال حقيقي، وإذا كان استعمالاً حقيقياً فكيف تحول المجاز إلى حقيقة؟
السيد العسكري عنده بحث جيد وإن كان من باب ضرب المثال، وهو ما يرتبط ببحث الغنيمة يوجد عنده بحث في الغنيمة في كتاب (مقدمة مرآة العقول، ق1، ص81) الطبعة القديمة عندي دار الكتب الإسلامية، يقول: (الغنيمة والمغنم) أنتم تعلمون المعركة القائمة بين الفقهاء في آية الغنيمة (إنما غنمتم) ما هو المراد من الغنيمة، هل المراد اصطلاحه الشرعي، أم اصطلاحه المتشرعي ، معناه اللغوي والمعركة إلى يومنا هذا قائمة، هو هناك عنده بحث في عشرين صفحة تقريباً يقول: (إن الغنيمة والمغنم قد تطور مدلولها بعد العصر الجاهلي مرتين، مرة في التشريع الإسلامي) عندما نزلت الآيات في صدر الإسلام (وأخرى لدى المتشرعة من المسلمين) في صدر الإسلام وبين المتشرعة بعد ذلك أخذ … في (ص92) يقول: (في العصر الجاهلي وصدر الإسلام هذا معناه … بعد نزول آية الخمس هذا معناه … في عصر تدوين اللغة فيما بعد) بعد 200 أو 300 سنة، هذه المعاجم اللغوية متى دونت؟ لم تدون في صدر الإسلام، بل دونت بعد أن صارت جملة من هذه المصطلحات حقائق … ولذا لا يتبادر إلى الأذهان أن اللغوي يقول المعاني … هذا نسف لأصل البحث اللغوي، لماذا؟ لأنه هو هذا اللغوي يذهب إلى المجتمع الإسلامي ويسألهم لا يسألهم أن آبائكم وأجدادكم الآن ماذا تفهم منها. وفي الظروف التي مرت قرنين أو ثلاثة قرون هذه الاصطلاحات أخذت … بعض الأخوة يقولون لماذا تخرجون المبحث … أنا مضطر لذلك …
ومن هنا فلا يمكن من الناحية الفنية، لا تقول سيدنا يوم بعد يوم تعقد لنا عملية الاجتهاد. نعم، عملية الاجتهاد موقع النبي والأئمة وليست لعباً، نعم البعض يريد أن يبسطها قدر الإمكان. ولا أريد أن أأتي بالأسماء، جاء أحدهم لي وقال أنا أنشأت حوزة في مكان ما، وقد قلت للطلبة أنه هذا البرنامج لمدة خمس سنوات التزموا به تصيروا محمد باقر الصدر. خمس سنوات … عندما تبسط القضية هكذا فنحن في كل زمان كم مجتهد يصير عندنا؟!
أعزائي إذا قبلنا هذا الأصل الذي الآن حققه وذاكر تطور هذه الكلمة، بعد ذلك ذكر مجموعة من المفردات وذكر أن هذه اصطلاحها في العصر الجاهلي ماذا كان، اصطلاحها في صدر الإسلام ماذا كان، في القرن الأول ماذا صار، القرن الثاني والثالث الذي هو عصر التدوين للمعاجم اللغوي ماذا صار معناها. تبدل كاملاً. وأنت جنابك تريد ، تفهم المفردات القرآنية على أساس المعجم اللغوية، صحيح أو لا؟ هذه مفردة جاءت في القرآن كيف تفهمها؟ أين ترجع؟ ترجع إلى ابن منظر والزبيدي والى فلان وفلان … وهؤلاء على أفضل التقادير كتبت كتبهم بعد ثلاثة أو أربعة قرون … المفردة التي نزلت في ظرفها تحمل كانت هذا المعنى أو أن هذا تحميل لمفردة القرآنية بثقافة 300 أو 400 سنة من تطور العلم في المجتمعات الإسلامية، أي منهما؟ فبمجرد أن تستمع إلى أي مفردة قرآنية هذه المفردة أعزائي مرت بمراحل كثيرة إلى أن … الفلاسفة اشتغلوا عليها والمتكلمون اشتلغوا عليه العرفاء اشتغلوا الأشاعرة اشتغلوا المعتزلة والأشاعرة اشتغلوا … الجميع اشتغل على هذه المفردة، وهذه كلها أشاعوا ثقافتها في المجتمع الإسلامي، هذا الذي يأتي ويكتب المعجم اللغوي لا تستطيع أن تقول أنه يتجرد عن كل تلك الثقافة ويكتب المعجم اللغوي. ولذا عملية فهم المفردات القرآنية هذا أصل في فهم القرآن الكريم، أولاً فهم جذور المفردات القرآنية وما لم تفهم هذه المفردات القرآنية عملية التفسير تكون عملية غير منهجية وعملية غير صحيحة، هذه مقدمة في أصل التفسير, ولذا إذا رجعتم إلى كتابي (اللباب) أنا عندي في كل مفردة، وأعطيتها أرقام، يعني في كل مفردة أحاول أن أقف عند المفردة هذه المفردة لغة ماذا يقولون استعمالات ماذا، تطبيقاتها ماذا. من المجموع أحاول أصل إلى ماذا … حتى استطيع أن أفهم سياق الآية المباركة. هذا البحث مفيد.
إذن الجواب عن هذه الإشكالية التي ذكرها السيد الروحاني جوابها واضح وهو أنه صحيح سيدنا هذه المفردات أو هذه الألفاظ استعملت في المقدمة أو في الأول استعمالاً بالاعتماد مع القرينة ولكن هذه القرائن ليست عناصر ثابتة حتى تكون محفوظة في كل استعمال بل تختلف من مكان إلى آخر ومن حالية إلى مقالية من لفظ إلى آخر، وبمرور الزمان وحصول الانس هذه القرائن بطبيعتها سوف تسقط عن الاعتبار ويبقى الارتباط بين اللفظ وبين المعنى. النتيجة التي ننتهي إليها أن كثرة الاستعمال لا يضع لنا اللفظ للمعنى، لا لا أبداً، الوضع التعييني واضح لا مشكلة فيه وإنما الكلام في الوضع التعيني، أن كثرة الاستعمال لا يوجد لي وضعاً تعينياً لا أبداً، كثرة الاستعمال يقوم بوظيفة، ما هي الوظيفة؟ هي أنه يحول المعنى المجازي إلى معنى حقيقي، ولكن كلمات الأعلام خالية عن هذه النكتة. يقولون أن كثرة الاستعمال يضع، لا، كثرة الاستعمال ليست يضع، أبداً، لا يمكن أن اللفظ يدل على المعنى ولو استعمالاً بنحو المعنى المجازي يكون بلا وضع واضع، في النتيجة أول الأمر استعمله واضع معين ولا يمكن غير هذا. ولذا أنا أتصور أن ذهن السيد الروحاني كان إلى هذه الجهة وهو أنه استعمال اللفظ في المعنى لا يمكن أن يكون بلا واضع، لماذا؟ لأنه أمر حادث يحتاج إلى علة محدثة، وهذه العلة المحدثة يمكن أن تكون في الهواء المعلق شخص استعمله قرآن استعمله حديث استعمله عربي استعمله مع قرينة ولكن بمرور الزمن.
إذن إذا كان مقصود الأعلام أن كثرة الاستعمال، ملاحظتنا التي أريد أن أقولها على كلمات أساتذتنا، إذا كان مقصود الأعلام من أن كثرة الاستعمال يوجد وضعاً مرادهم الوضع أعم من المجازي والحقيقي فكلام غير دقيق، كثرة الاستعمال لا يستطيع أن يوجد وضعاً ولو أعم من المجازي، هذا غير ممكن. الوضع العلقة تحتاج إلى واضع خاص، يعني وضع تعييني، أعم من أن يكون استعمالاً حقيقياً أو أن يكون استعمالاً مجازياً. إذن نحن لو جئنا إلى أصل هذه القضية فلا إشكال بأنه لا يمكن أن يكون كثرة الاستعمال سبباً لإيجاد الوضع. وإن كان مراد الأعلام أن كثرة الاستعمال سبب لتحول المعنى المجازي إلى معنى حقيقي فكلام دقيق، فكلام لا ريب فيه. فكلام دقيق ولا إشكال فيه.
إذن الملاحظة التي عندنا وهو أنه مراد الأعلام أن كثرة الاستعمال يوجد وضعاً مرادهم الأعم من المجازي والحقيقي فكلامهم غير تام، لأن كثرة الاستعمال ليست لها قدرة على إيجاد الوضع، وإن كان مرادهم لا، كثرة الاستعمال يحول الذي وجد بالاستعمال المجازي والوضع التعييني، يحوله بكثرة الاستعمال إلى استعمال حقيقي. نعم كلام دقيق. ولكن لكثرة الاستعمال – ملاحظة إضافية وفائدة- لكثرة الاستعمال فائدة إضافية بالإضافة إلى ما تقدم، إذن إلى هنا اتضح أن كثرة الاستعمال يحول المجازي إلى حقيقي. أما توجد فوائد أخرى؟
نعم، يحول الحقيقي الذي بين اللفظ والمعنى الاعتباري يحول إلى سببية واقعية، ولذا تجدون أن السيد الشهيد قال أن كثرة الاستعمال يوجد، لا أول الأمر يوجد، بالتدريج كثرة الاستعمال يوجد قرناً أكيداً يعني يوجد سببية، بل ماذا يوجد وبالأمس بينا من كلام الرافد، كثرة الاستعمال يوجد اندماجاً بين اللفظ وبين المعنى.
إذن إلى هنا اتضح هذا التقسيم الأول بالبيان الذي أشرنا إليه.
أما التقسيم الثاني: في التقسيم الثاني أولاً في المقدمة لابد أن تعرفوا أن المقسم لهذا التقسيم هو الوضع التعييني لا الأعم من التعييني والتعيني، يعني الوضع التعييني ينقسم إلى وضع عام وموضوع له عام، وضع خاص وموضوع له خاص، وضع خاص وموضوع له عام، وضع عام وموضوع له خاص. لا مطلق الوضع الأعم من التعييني والتعيني. لماذا؟ لأنه واضح عندنا أن الواضع يريد أن يضع لفظاً لمعنى فلا معنى لأن يتصور بكثرة الاستعمال، إذن هذه النكتة وإن جاءت في بعض الكلمات ولكن عادة اعتماداً على فهم القارئ لا يشار إليها ولكن هي ضرورية أن المقسم لها ليس هو الأعم من التعيني والتعييني بل خصوص التعييني.
النقطة الثانية في هذا البحث هو أنه الملحوظ في هذا التقسيم هو المعنى، يعني عندما نقول التقسيم الثاني نلحظ المعنى الذي نريد أن نضع اللفظ بإزائه، هذه الانقسامات التي نشير إليها انقسامات المعنى المتصور، لا على علاقة لها أن هذا اللفظ لفظ شخصي أو لفظ نوعي، لا علاقة لها باللفظ، يعني اللفظ الآن مغفول عنه، الآن نحن نتصور إلى تقسيمات وأقسام ولحاظات المعنى التي يوضع اللفظ بإزائها، فنقول تارة أننا نلحظ معنى عاماً وكلياً، سموه ما تشاؤون، وفي المنطق قد قرأتم. ونضع لفظاً بإزاء هذا المعنى، أنتم تعلمون أساساً في كل وضع نحتاج إلى تصور اللفظ وإلى تصور المعنى، لماذا؟ لأنه نوع من الحكم، أنت تريد أن تحكم على هذا المعنى من خلال … في أي ربط بين شيئين أو موضوع ومحمول يوجد نوع من الحكم ولكي تحكم تحتاج إلى تصور طرفين، فإذن لابد من تصور المعنى. تارة تتصور معنى عاماً وتضع بإزائه لفظاً عاماً، وأخرى تتصور معنى خاصاً جزئياً شخصياً – إن شاء الله سيأتي بعد ذلك، نتكلم بشكل عام- وتضع في قباله لفظاً مسانخاً له شخصي جزئي ونحو ذلك.
إلى هنا لنتكلم الآن في الإمكان، إلى هنا لم يقع كلام بين أحد من علماء الأصول في إمكان هذا القسم الأول والقسم الثاني، طبعاً بحث الوقوع سيأتي بعد ذلك، الآن نتكلم في الإمكان، لأن البحث الأول إمكان هذه الأقسام، القسم الأول والقسم الثاني لوجود سنخية بين المعنى الموضوع له وبين اللفظ الموضوع لذلك المعنى. القسم الثالث وهو أن تتصور معنى عاماً، ما هو المراد من المعنى العام؟ يعني له أفراد ومصاديق وجزئيات ونحو ذلك. أن تتصور معنى عاماً ولكن تضع اللفظ لا للمعنى العام وإنما تضعه لواحد من مصاديقه، وهذا هو الوضع العام والموضوع له … يعني اللفظ لم تضعه لذلك المعنى العام بل وضعته لبعض مصاديقه.
القسم الرابع: وهو المعكوس، وهو أن تتصور معنى خاصاً أن تتصور معنى خاصاً ولكن تضع اللفظ لمعنى عام يكون ذلك الخاص أحد مصاديق ذلك العام. فيما يتعلق في إمكان القسم الأول والثاني لم يقع حديث، لماذا؟ لأن هناك تطابق كامل بين المعنى وبين اللفظ، وإنما المشكلة في القسم الثالث والقسم الرابع. أما القسم الثالث هل هو ممكن أو ليس بممكن؟ هنا يوجد أعزائي في القسم الثالث، طبعاً المشهور هو الإمكان، وإن كان يوجد قول بالامتناع، والقسم الرابع المشهور هو الامتناع وإن كان هناك قول بالإمكان، سيأتي بحث هذا.
الآن في البحث الأول وهو إمكان هذه الأقسام، القسم الأول والقسم الثاني لا كلام بين الأعلام، إنما الكلام في القسم الثالث والقسم الرابع.
أما القسم الثالث الإشكال الأساسي الذي ذكروه في المقام قالوا أن الأصل هو أننا لكي نحكم على المعنى باللفظ أن نتصور المعنى، وفي المقام في القسم الثالث تصورنا المعنى أو لم نتصور المعنى؟ المعنى عام ولكن اللفظ وضع للعام أو وضع للمصاديق والمصاديق متصورة أو غير متصورة؟ إذا قلنا متصورة المصاديق لزم أن يكون الوضع الخاص والموضوع له الخاص، هذا خلف الفرض. إذن غير متصور. إذن كيف يعقل أن يوضع له اللفظ.
الإشكال الأصلي هو هذا، وهو أنه في الوضع نحتاج إلى أن نتصور المعنى وفي القسم الثالث يوجد تصور للمعنى حتى يوضع له اللفظ أو لا يوجد؟ لا يوجد. من هنا تعددت الأجوبة عن هذا الإشكال، بعض أساساً أنكر أصل الاحتياج إلى تصور المعنى، قال من قال بأنه لكي نضع اللفظ لمعنى لابد من تصور المعنى، لا نحتاج ذلك. والبعض قال نحتاج ولكن من قال كذا … الخ.
إذن الإشكال وارد في كلمات الأعلام السيد الخوئي في (ج1، ص50) قال: (وقد يتوهم أن ذلك غير معقول بتقريب أن أي مفهوم جزئياً كان أو كلياً لا يحكي إلا عن نفسه). والمفروض أن المفهوم عام واللفظ وضع للعام أو للخاص؟ إذن لا يمكن أن يكون حاكياً.
وكذلك السيد الروحاني في (ص74) قال: (وأما القسم الثالث فقد يشكل في إمكانه بأنه حيث يعتبر لحاظ المعنى الموضوع له في الوضع فإما أن يكون الخاص الذي يقصد وضع اللفظ بإزائه ملحوظاً مع لحاظ العام أو غير محلوظ أصلاً، فعلى الثاني يمتنع الوضع له) إذا كان غير ملحوظ لأنه لم يتصور المعنى حتى يضع له اللفظ، (وعلى الأول يلزم أن يكون الوضع خاصاً وهذا خلف الفرض). من هنا صار الأعلام كما قلنا في الإجابة عن هذا الإشكال وأجابوا عنه بنحوين:
النحو الأول: سلم بأننا نحتاج إلى تصور المعنى.
فصاروا بصدد تصوير المعنى.
النحو الثاني أو الاتجاه الثاني قال لا حاجة إلى تصور المعنى.
والحمد لله رب العالمين