بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
كان الكلام في تقسيمات الوضع، قلنا أن هناك تقسيمات ثلاثة، انتهينا من التقسيم الأول ودخلنا في التقسيم الثاني وتبعاً له بعد ذلك سيأتي التقسيم الثالث. وأشرنا إلى أن المهم من هذه التقسيمات هو التقسيم الثاني. وأهمية هذا التقسيم تنبع من هذه الجهة وهي أنه وقع الكلام بين الأعلام أن الحروف والهيئات أيضاً موضوعة كما المعاني الأسمية موضوعية الهيئات والحروف أو المعنى الحرفي الذي هو أعم من الحروف والهيئات وهيئات الجمل وهيئات المفرد ونحو ذلك، هذا البحث المفصل والأساسي في علم الأصول وقع الكلام بينهم أن وضع المعنى الحرفي بالمعنى العام هل هو من الوضع العام والموضوع له العام أو هو من الوضع العام والموضوع له الخاص. هذا المعنى في (المحاضرات، ص53) يقول: (فعلى ذلك لا شبهة في وقوع الوضع العام والموضوع له العام … إنما الكلام والإشكال في وقوع الوضع العام والموضوع له الخاص فذهب جماعة إلى أن وضع الحروف وما يشبهها منه) أي من الوضع العام والموضوع له الخاص (ولكن أنكره جماعة آخرون ومنهم صاحب الكفاية، وتحقيق الكلام في المقام يتوقف أولاً على تحقيق المعاني الحرفية والمفاهيم الأدوية) التي هي مفاهيم أداتية (ثم التكلم في أن الموضوع له فيها كوضعها عام أو أنه خاص).
هذا ما ذكره السيد الخوئي+.
وكذلك السيد الشهيد في (تقريرات السيد الهاشمي، ج1، ص338) قال: (كيفية الوضع في الحروف والهيئات) يعني المعنى الحرفي في قبال المعنى الاسمي, قال: (أولاً وذلك البحث من جهتين من ناحية المعنى الموضوع له فيبحث أن وضعها هل هو من الوضع العام والموضوع له العام، والثانية من ناحية اللفظ الموضوع فيبحث أن وضعها هل هو وضع شخصي أو نوعي).
إذن يتبين أن كلا هذين التقسيمين الغرض فيهما المعنى الحرفي وضع الحروف والهيئات.
ولذا أنا شخصاً كنت أميل سابقاً والآن ميلي هو هذا، وهو أن هذا البحث ينبغي أن يتأخر عن هذين البحثين، يعني بعد أن نعلم حقيقة الحروف ما هي وحقيقتها ما هي، هل هي معاني أسمية أو ليس معاني، ما هي حقيقتها، عند ذلك ننتقل إلى أنه الوضع العام والموضوع له … وإلا نحن إلى الآن لا نعلم … وبعد ذلك عندما يأتي البحث عنها عندما نصل إليها نرجعها إلى ما بحثناه سابقاً الذي الأعزاء الكثير من مباني المسألة ليست في ذهنهم.
إذن أهمية هذه القضية تنبع من هذه الجهة وهي أن المعاني الحرفية إذا صح أنها معاني بعد ذلك سيتضح أن البعض يقول أن هذه ليست معاني أصلاً، بل هذه كالعلامات، مثل الرفع والنصب وليست معاني، إنما هي علامات تدل على شيء. وفي بحثها أقوال متعددة.
إذن هذا البحث لابد فرع هذا البحث في المعاني الحرفية. ولكنه كما يقال تسلسل الأبحاث موجودة في الكتب بهذه الطريقة بالقدر الذي نحتاج إليه سنقف عليه حتى ننتقل إلى البحث الأصلي وهو أن المعنى الحرفي ما هو وما هي حقيقة المعنى الحرفي؟
كما تتذكرون في كلمات الأعلام عموماً التقسيم رباعي، الوضع العالم والموضوع له العام، الوضع الخاص والموضوع له الخاص، الوضع العام والموضوع له الخاص، وبالعكس. ولكنه لو سأل سائل أنه ما هو التقسيم الفني لهذه الأقسام الأربعة؟
الجواب: التقسيم الفني منفصلة حقيقية، هذه المنفصلة الحقيقية كما تعلمون في كل منفصلة حقيقية كما قرأتم في المنطق يوجد شقان لا أكثر، يستحيل أن يوجد إذا وجدنا في مكان أن الشقوق أو أن الأقسام أكثر من اثنين إذن فهي ناتجة من أكثر من منفصلة حقيقية، إما من منفصلتين وإما من ثلاث … وصيغة هذه المنفصلة الحقيقية هي أن يقال بأن اللفظ إما يوضع للمعنى المتصور بذاته، أنت تتصور معنى وتضع اللفظ لهذا المعنى المتصور، أو لا، والأول يقع تحته الوضع العالم والموضوع له العام، والوضع الخاص والموضوع له الخاص، وأي قسم آخر بشرط أن يكون اللفظ موضوعاً للمعنى المتصور، تتصور معنى من المعاني وتضع لفظاً بإزاء ذلك المعنى الذي تصورته. أو لا، (لا) يعني ماذا؟ يعني أن تتصور معنى وتضع اللفظ لذلك المعنى المتصور أو لا لذلك المعنى المتصور؟ لا لذلك المعنى المتصور، تتصور المعنى العام وتضع اللفظ لأمر خاص، أو تتصور المعنى الخاص وتضع اللفظ لأمر عام، وهذا إشارة إلى القسمين الأخيرين.
إذن أتصور أن التقسيم الفني لها هو هذا، وهو أن اللفظ الذي يوضع إمام يوضع للمعنى المتصور بذاته أو لا، والأول إشارة إلى القسمين الأولين والثاني إشارة إلى القسمين الأخيرين.
البحث الآخر: بعض الأمثلة حتى نعرف المعركة على أي شيء، وأنها لها آثار أو ليست لها آثار؟
في الواقع أنه إن شاء الله في الوقت المناسب سأشير إلى بعض الأصول المتبعة، أساساً جملة من أقسام القضايا في المنطق إنما تتوقف على بيان هذا القسم الثالث، يعني الوضع العام والموضوع له خاص، يعني الذي تصوره الواضع أو المشرع، عبر ما تشاء، تصور معنى عام ولكنه عندما جاء ليضع لم يضع لذلك المعنى العام وإنما وضعه لمصاديقه ولأفراده، مثل ماذا؟ الحيوان معنى عام أو خاص؟ معنى للجنس وهو عام وتحته أنواع كثيرة، الآن يتصور الواضع معنى عاماً كالحيوان ولكن عندما يأتي باللفظ لا يضع هذا المعنى للعام، وإنما يضعه لأنواع الحيوان، يضعه للإنسان، يضعه للغنم، هنا الوضع عام المعنى المتصور عام، ولكن اللفظ موضوع للعام أو موضوع لأنواع العام؟ أو في الإنسان وأفراد الإنسان، الإنسان معنى عام يضعه لأفراد الإنسان. تطبيق له من التطبيقات اللطيفة، وهو أنه لو فرضنا أن شخصاً كما لو جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وقال يستحب لمن ولد له مولود في يوم غدير خم أن يسميه علياً. هذا من أي قسم من أقسام الوضع؟ الوضع العام والموضوع له العام، الوضع الخاص والموضوع له الخاص؟ لا، صرحوا أن الوضع الخاص والموضوع له الخاص الأعلام ا لشخصية. يعني هذا الموجود الخارجي تقول سميته علياً. لكن الحديث أو الرسول على الفرض لا يقول هكذا، بل يقول على الفرض وهو أنه يقول من ولد له. سؤال: هذا من ولد له، هذا اسم علي موضوع لمعنى من ولد له أو موضوع لمصاديقه وزيد هذا الخارجي، أي منها؟ من الواضح أن لفظ علي لم يوضع لمعنى من ولد له ولد، ليس هكذا، ذاك المعنى العام، لأن النبي ماذا يقول على الفرض؟ يقول: من ولد له ولد في يوم غدير خم. هذا معنى عام, ولكن سموه علياً هذه التسمية بعلي لمن؟ لمن ولد له مولود أو لمصاديقه الخارجية؟ وهذا من الوضع العام والموضوع له … إن شاء الله تعالى بعد ذلك سندخل في بحث أنه أساساً القضايا الحقيقية من أي نوع من هذه إذا سمح الوقت.
أو في الاشتراك اللفظي، في المشتركات اللفظية أي نوع من أنواع الوضع؟ يوجد معنى عام، هذا المشترك اللفظي، واللفظ يوضع، ولكن لأي شيء يوضع؟ يوضع للمعنى … أصلاً نحن ليس عندنا معنى عام، لأن المشترك بينهما ما هو؟ مشترك لفظي، يوضع لهذا المعنى الخاص ولهذا المعنى الخاص. فلهذا في بحث الاشتراك اللفظي إن شاء الله تعالى سيأتي في محله يقولون أن الوضع في الاشتراك اللفظي أو … أنه بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص، السيد الخوئي في (المحاضرات، ج1، ص202) يشير إلى هذا، يقول: (فالذي يمكن من الاشتراك هو هذا المعنى، أعني به رفع اليد عن الالتزام الأول والالتزام من جديد في الاشتراك بأنه متى ما تكلم بذلك اللفظ فهو يريد منه تفهيم أحد المعنيين على نحو الوضع العام والموضوع له الخاص).
إذن القضية يظهر فيها ثمرات كثيرة لا فقط ثمرة المعاني الحرفية وإنما لها آثار أخرى لعلها ستتضح من خلال استمرارية البحث.
البحث الآخر: الأقوال في المسألة.
فيما يتعلق بالأقوال في المسألة توجد تقريباً أقوال ثلاثة:
القول الأول: إمكان الأقسام الثلاثة الأول، بل وقوعها واستحالة الرابع، ولعله هذا هو المشهور بين كلمات الأصوليين.
القول الثاني: إمكان الأولين واستحالة الأخيرين. يعني الوضع العام والموضوع له العام، والوضع الخاص والموضوع له الخاص. أما الثالث يعني عندما لا يوضع اللفظ الموضوع له كذا فهو محال. هذا ما ذكره المحقق الإيرواني في (نهاية النهاية، ج1، ص8) قال: (قد عرفت أن الوضع أمر نفساني وتنزيل بين أمرين فيحتاج إلى حضور طرفيه في النفس) هذا الذي أشرنا إليه إلى قانون … قلنا أساساً الوضع نحو حكم والحاكم يحتاج إلى استحضار الطرفين المعنى واللفظ (فما وجد في النفس من المعنى صح أن يكون طرفاً لذلك التنزيل وما لم يوجد لم يصح) الأصل تام، الكبرى تامة، ولكن تطبيقها (وعليه فالوضع والموضوع له يتوافقان في العموم والخصوص ولا يختلفان أبداً). يعني إذا كان الوضع عاماً فالموضوع له يكون عام، إذا كان الوضع خاص فالموضوع له خاص، ولا يعقل أن يكون الوضع عام والموضوع له خاص وبالعكس (ولا يختلفان أبداً فقوله+) في الكفاية (ولأفراده إن أراد به مفهوم الفرد فذاك أيضاً عنوان عام متصور وإن أراد به مصداقه اتجه عليه أنه كيف يعقل تعلق الوضع الذي هو ضرب من الحكم بما لم يتصور) لأنه عندما تصور العام إذن تصور الفرد أو لم يتصور؟ لم يتصور. إذن كيف يضع له الحكم.
إذن المحقق الإيرواني لا يقبل بنظرية … القسمين الأخيرين ويقول أنهما ممتنعان.
القول الثالث في المسألة: إمكان جميع الأقسام الأربعة، أما الأولان فواضح وأما الأخيران فببيان، وهو الذي اختاره الشيخ الحائري مؤسس الحوزة في قم في (درر الفوائد، ج1، ص5) يقول: (يمكن أن يتصور هذا القسم أعني ما يكون الوضع فيه خاصاً والموضوع له عاماً) هذا هو القسم الرابع، القسم الثالث ماذا كان؟ الوضع العام والموضوع له الخاص، يعني يتصور معنى عام ويضع اللفظ لأمر خاص. أما في الرابع ما هو؟ لا، أن يتصور خاصاً معنى خاص ولكن يضع اللفظ لأمر عام. (فيما إذا تصور شخصاً وجزئياً خارجياً) المعنى المتصور ما هو؟ أمر خارجي جزئي (من دون أن يعلم تفصيلاً بالقدر المشترك بينه وبين سائر الأفراد، ولكن يعلم إجمالاً باشتماله على جامع مشترك بينه وبين باقي الأفراد كما لو رأى أن شبحاً من بعيد يتحرك) هذا ممكن أن يكون شجراً يتحرك ويمكن أن يكون إنسان متحرك ويمكن أن يكون حيوان متحرك، يوجد جامع بينها؟ نعم يوجد جامع، فهو وإن كان المعنى المتصور عام أو خاص؟ معنى خاص، ولكن يضع اللفظ للجامع المشترك بين هذه الأمور الثلاثة باعتبار أنه لا يعرف هذا المعنى الخاص ما هو هل هو شجر هل هو إنسان، هل هو بهيمة؟
(فالموضوع له لوحظ إجمالاً وبالوجه، وليس الوجه عند هذا الشخص إلا الجزئي المتصور لأن المفروض … والحاصل أنه كما يمكن أن يكون العام وجهاً لملاحظة الخاص) إشارة إلى القسم الثالث (لمكان الاتحاد كذلك يمكن أن يكون الخاص وجهاً ومرآة لملاحظة العام) يعني يلاحظ الخاص ولكن يضع اللفظ لأمر أعم.
هو أكثر من هذا لا يتكلم الشيخ الحائري، ولكن في الحاشية توجد حاشية مفصلة في ثلاث أو أربع صفحات، يقول فيها: (فليتدبر في المقام فأنه حقيق به والله ولي التوفيق مهدي ابن المصنف) أنا لم استطع مراجعة هذه الحاشية لأنها مفصلة، وخصوصاً التي يدعي فيها هذا المعنى أقرأ لكم سطراً منها (لا يخفى أن لهذا الكلام منهجاً علمياً دقيقاً أظن أنه لا يحصله إلا الراسخون في العلم وتوضيحه يحتاج إلى رسم أمور: أولاً: الوجود والتشخص …) ويدخل في أبحاث فلسفية عرفانية حتى يثبت كيف يمكن أن يكون الخاص وجهاً ومرآة للعام، أن يكون العام مرآة للخاص ووجهاً للخاص وعنواناً للخاص هذا أمر متصور، أما أن يكون الخاص عنواناً ووجهاً للعام فهذا واقعاً يحتاج … إلا على مباني المظهرية للعرفاء التي باعتبار أنهم يعتقدون أن هناك عام ولكن مرادهم من العام هناك العام العرفاني يعني السعة الوجودية فيكون المظهر والآية مظهر من مظاهر ذلك العام ومرآة له، ويفسرون حديث المؤمن مرآة المؤمن، يقولون الله هو المؤمن وهذا المؤمن هو مؤمن فالمؤمن مرآة المؤمن، هذه أبحاث في محلها ولا ربط لنا بها، المهم لعله على تلك المباني يمكن، أما على المباني الأصولية أو المنطقية أو الفلسفية فله حديث آخر.
إذن هذه هي الأقوال في المسألة. أما بحثنا فلم يقع حديث بين الأعلام في القسم الأول والقسم الثاني، لماذا؟ لأن من الواضح أنه معنى متصور وتضع لفظاً بإزائه، سواء كان المعنى عاماً فاللفظ تضعه إزاء العام، وإن كان خاصاً فاللفظ تضعه بإزاء الخاص. نعم وقع كلام مفصل الآن لعله بعد ذلك أشير له إذا رغب الأخوة وإلا البحث طويل الذيل كثيراً في كلماتهم، وهو أنه مثال الخاص ما هو؟ مثال الخاص ذكروا الأعلام الشخصية على الألسنة، هناك السيد الإمام+ عنده مناقشة مفصلة في (تهذيب الأصول) يقول أبداً لا يمكن أن تكون الأعلام الشخصية من الوضع الخاص والموضوع له الخاص. قلت لكم إذا مزاج الأخوة يساعد ندخل فيه وإلا فنحاول أن نلملم البحث ونتجاوزه.
لأن جملة منها أبحاث قد تكون لها فوائد في موارد أخرى ولكن بحسب الاستنباط ليس فيها تلك الفوائد. المهم كل الكلام في القسم الثالث ومنه يتضح الكلام في القسم الرابع.
أين تكمن المشكلة في القسم الثالث؟ ومن يتضح الكلام يعني أين تكمن المشكلة في عدم الانسجام بين المعنى المتصور واللفظ الموضوع للمعنى، أعم من أن يكون القسم الثالث أو أن يكون القسم الرابع، كل كلامهم في هذا أنه لا توجد سنخية بين المعنى المتصور وبين اللفظ الموضوع. أصل كما أشرنا إليه قبل قليل وذكره الأعلام من أنه أساساً في أي عملية وضع لابد من تصور الطرفين، يعني تصور المعنى وتصور اللفظ، ومشكلتنا ليست في اللفظ بل مشكلتنا في المعنى. هذا الأصل الذي كل كلماتهم لابد أن تكون محفوظة ذكره السيد الروحاني في (المنتقى، ج1، ص73) يقول: (لا يخفى أن الوضع على جميع المباني فيه لا يخرج عن كونه حكماً وعملية ترتبط بطرفين أحدهما اللفظ والآخر المعنى). وهذا يقتضي أن عملية الوضع تتوقف على ملاحظة كل من الطرفين والالتفات إليهما، إذ الحكم والحمل لا يتحقق في عالم النفس إلا بتحقق ما يحمل ويحكم عليه فيها) المحكوم عليه والمحكوم به، يقول لا يمكن أنه كيف يوجد حكم ولا يتصور كلا الطرفين (ويختلف الوضع عموماً وخصوصاً باختلاف المعنى الملحوظ).
إذن هذا هو الأصل الذي ننطلق منه، أما إذا جاء شخص وأنكر هذا الأصل فلا توجد مشكلة، المشكلة تنشأ من أنه لابد من تصور اللفظ وتصور المعنى حتى يوضع اللفظ بإزاء المعنى.
إذا اتضح هذا الأصل الذي عبروا عنه بالمقدمة الأولى وهي أنه أساساً لابد من إحضار المعنى عند الوضع.
المقدمة الثانية: أنه هل يمكن تصور … لنحدد البحث في القسم الثالث باعتبار أن كلمات الأعلام كلها انصبت على القسم الثالث، قالوا ومنه يتضح الأمر في القسم الرابع لوحدة الملاك والعلة فيهما، هل يمكن أن نتصور العام ونضع اللفظ لما لم نتصوره، وإذا قلت لا، ثبت المطلوب أنه ممتنع، وإن قلت نعم، كيف تصورتم … لابد من تصوره، هذا الذي وضع له الخاص، من هنا في كلمات الأعلام بيانين أو ثلاثة لبيان الاستحالة، يعني ما هو الوجه أنه لا يمكن.
الوجه الأول: ما جاء في كلمات السيد الشهيد+ وفي (تقريرات السيد الهاشمي، ج1) طبعاً أنا أقرر هذه الوجوه، لا يتبادر إلى الذهن هذه هي ومبانيها ومقدماتها ونتائجها أنا أقبلها، على الطريقة نحن نقرر أولاً كلمات الأعلام وبعد ذلك نأتي لنرى أن مبانيها صحيحة أو فيها خلل. في (ص89) قال: (أن يقال: بأن كل مفهوم جامع بين الأفراد) خصوصية الحيوان أنه يشير إلى البعد المشترك تحت الانواع التي تحته، وإلا يشير إلى الخصوصيات أو لا يشير؟ وإلا لو أشار إلى الخصوصيات لما كان جامعاً وكان خلفاً. (أن كل مفهوم جامع بين الأفراد لا يعقل جامعيته بينها إلا بأن يجرد عن كل الخصوصيات) وبعد ذلك لابد أن نعرف أساساً هذا الذهن قادر أن يأخذ شيئاً ثم ماذا يفعل بتعبير المناطقة؟ يقشره، أصلاً ممكن هذا أو أن هذا محال، أصلاً هذا الذي يقوله وهو نظرية التقشير التي جاءتنا من ارسطو هذه ممكنة أو لا؟ وإذا لم تكن ممكنة فكيف نحصل نحن على المفاهيم، من أين تأتي؟ طبعاً الاتجاه العام في الحكمة المتعالية والحكمة المشائية أن هذا غير معقول وممتنع، ولكن هؤلاء كل الإشكالات والبيانات كلها مبنية على هذه الأصول، ولذا قلت الآن لا أدخل في أصول هذه الكلمات فقط أقرر المطلب.
قال: (بأن يجرد عن كل الخصوصيات التي يمتاز بها فرد على فرد ولا يؤخذ فيه) أي في الجامع (شيء منها) أي من الخصوصيات (لأن طريقة انتزاع الجامع هي إلغاء الخصوصيات وإبقاء ما به الاشتراك، وعليه فلا يمكن أن يكون الجامع حاكياً عن الأفراد).
هنا يطرح هذا التساؤل: وهو أنه إذن هنا عندما تصور الجامع يمكن من خلاله أن يتصور الأفراد أو لا يمكن؟ لا يمكن. إذن كيف وضع له. الأصل الأول والمقدمة الأولى تذكروها وهي أن الوضع عملية حكم ولابد من تصور الطرفين، والمفروض أنه استطاع أن يتصور الخاص أو لم يتصور مع تصوره العام؟ لم يستطع، لماذا؟ لأنه أساساً هناك تنافٍ بين كونه عاماً وبين كونه خاصاً وفرداً وحصة ونحو ذلك. وعلى هذا الأساس (وعليه فلا يمكن الجامع حاكياً عن الأفراد بخصوصياتها فكيف يستخدمه الواضع) يعني يستخدم العام (ويتوسل به للخاص وللأفراد وإن شئت قلت) بيان آخر (إن الجامع جزء تحليلي من الفرد) كل الفرد أو جزء من الفرد؟ جزء، لأنه الجامع هو الحيوان والحيوان عندما يأتي إلى الإنسان يصير كل الإنسان أو جزء من الإنسان؟ لا، جزء من الإنسان، والجزء الآخر هو الفصل. يقول: (إن الجامع جزء تحليلي من الفرد والفرد هو المركب منه ومن الجزء الآخر المميز له ولا يمكن الاكتفاء بتصور الجزء للوضع) لماذا؟ الإنسان الذي هو جزء الفرد، هل يمكن أن نتصور الجزء ونضع للكل؟ يمكن هذا؟ أصلاً هناك اثنينية بين الجزء والكل، هناك تنافي (فالوضع العام والموضوع له الخاص من قبيل أن …).
ومن باب الإشارة، وجزاه الله خيراً رحمة الله وقدس الله نفسه الشيخ بهجت هذه التقسيمات بحثها في سطرين ونصف فقط، وأراحه نفسه منها. في (مباحث الأصول) للشيخ بهجت يقول: (تقسيم آخر: ينقسم الوضع إلى ما كان الوضع والموضوع له فيه عامين كأسماء الأجناس أو خاصين كالأعلام وإلى ما كان الوضع فيه عاماً والموضوع له خاصاً أي كان الملحوظ حال الوضع أمراً عاماً والموضوع له مصاديقه أو معنوناته، وسيأتي بيان ما يكون من هذا القسم). وانتهى.
أنت إذا أردتم هكذا نبحث هكذا، ولكني أحاول أن أبحث بحالة وسطية لا بهذا التفصيل الموجود في الكلمات، العقل الأصولي كان عقل جبار الحق والإنصاف، ولكن في كثير من الأحيان وقع في غير موضعه، العقل الشيعي أساساً هو عقل دقي، الفكر الشيعي فكر عقلاني بشكل عام. وإلا قد يقول قائل: الإخباريون كيف؟ لا لا، أنا أتكلم بالوضع العام. تفكيره تفكير عقلاني، الفلسفة غير موجودة في الحوزة والكلام غير موجود في الحوزة فهذه القدرة وهذا الاستعداد وهذه المطالب لابد أن يبرزها في أبحاث لفظية، في أبحاث لغوية في أبحاث … ولذا أنتم تجدون أينما تضعون يدكم … بينكم وبين الله أحد يأتي هنا ويقول: هذه أبحاث لفظية ولغوية أنتم تبحثون في ثلاثين أو أربعين صفحة وفي مدة شهرين أو ثلاثة ما هي علاقتها؟ بحثوه بهذه الطريقة.
هذا البحث موجود في (تقريرات الحائري، ج1، ص112) يقول: (وما يعترض به على ذلك أمران: الأمر الأول ما يكون في الحقيقة مركباً من أمرين) الأمر الأول يعني الوجه الأول من الاعتراض والإشكال الأول (أن الجامع إنما يعقل كونه حاكياً عن الأفراد إذا كان منطبقاً عليها بخصوصياتها الفردية، الثاني أن الجامع لا يكون منطبقاً على الأفراد بخصوصياتها لأنه إنما ينتزع من الأفراد) هذا البحث يراجع مفصلاً هناك.
وكذلك ما أشر إليه الشيخ حسن عبد الساتر في (2، ص70 – 71) هذا هو الوجه الأول.
الوجه الثاني مبني على قاعدة فلسفية أسس لها الفلاسفة قالوا أن المفاهيم مثار كثرة … أساساً المفاهيم القانون الأول الحاكم في المفاهيم فيما بينها هو التمايز، فإن قلت هؤلاء يقولون عموم وخصوص من وجه وعموم وخصوص مطلق …. يقول هذا كله بلحاظ مصاديق وإلا المفهوم بما هو مفهوم … أقرءوا أي كتاب من كتب المنطق يقولون مثار الكثرة، وعلى هذا الأساس يقولون يا أعزائي ألخصه في جملتين يسألون هذا السائل، يقولون يا أعزائي هؤلاء القائلين بالامتناع، يقولون أساساً هو تصور مفهوم العام، فهل يمكن أن يكون هذا المفهوم حاكياً عن مفهوم آخر، هل يمكن هذا؟ لتباين المفاهيم. إذن عندما يضع لغير ما تصور، إذن تصوره أو لم يتصوره؟ لم يتصوره. لا تقولوا بأن هذا المفهوم عام من وجه عنوان حاك، هذا لا تقولوه. وهذا الكلام بشكل واضح وصريح السيد الخوئي في (المحاضرات، ج1، ص50) هذه عبارته هناك، يقول: (وقد يتوهم أن ذلك غير معقول بتقريب أن أي مفهوم جزئياً كان أو كلياً) بعد ذلك سيتضح أساساً المفهوم يمكن أن يكون جزئياً أو لا يمكن، وأن هذه الجزئية جزئية حقيقة أو جزئية إضافية، (أن أي مفهوم جزئياً كان أو كلياً) لأنه هناك قاعدة قالوا أن المفهوم قانونه أنه كلي، لا معنى … لأن المفهوم يعني الحكاية والحكاية لا معنى لأن تكون غير كلية، فما معنى قولهم: أن المفهوم الكلي إما كلي وإما جزئي؟ هذا جوابه سيأتي. قلت لكم عشرات القواعد المنطقية ونظرية المعرفة والفلسفية هنا داخلة على الخط وأنا واقعاً كما فكرت كيف نتعامل معها وجدت أفضل شيء أولاً أبين الوجهين يعني الإشكالات عند القوم، حتى بعد ذلك أأتي وأؤصل مجموعة من القواعد والأصول، أقول هذه مباني القوم عند ذلك يتضح بأنه أساساً هذا الإشكال وارد أو غير وارد، منشأ الإشكال ما هو؟ قال: (أن أي مفهوم جزئياً كان أو كلياً لا يحكي إلا عن نفسه فيستحيل أن يحكي مفهوم عن مفهوم آخر، فكما لا يعقل أن يحكي المفهوم الخاص بما هو خاص عن مفهوم عام أو خاص آخر فكذلك لا يعقل أن يحكي المفهوم العام بما هو) يعني عام (عن مفهوم خاص أو عام آخر، بداهة أن لحاظ كل مفهوم وتصوره عين إراءة شخصه لا إراءة شخص آخر به).
[الله له مفهوم أو ليس له مفهوم؟ عندكم مفهوم عن الله أو لا؟ هذا واجب الوجود مفهوم الله؟ بعبارة أخرى هذا المفهوم متناهي أو غير متناهي؟ إذن الله أو غير الله؟ إذن إذا آمنت به تصورته أو لم تتصوره؟ ولهذا هناك معركة عند القائلين بالتوحيد الحصولي، يعني بالاعتقاد الحصولي. أقول: أساساً الله قابل للتصور يأتي إلى الذهن أو لا يأتي إلى الذهن؟ إذا كان يأتي إلى الذهن يلزم أن يكون لا متناهي … إن لم يكن يأتي إلى الذهن إذن كلما ميزتموه بأوهامكم بأدق معانيه … الإمام الرضا× مؤدب كثيراً معنا، قال: (مخلوق مصنوع مردود إليكم) يعني … وإلا هذه أنتم تصنعوها، والإمام× دقيق في التعبير في ذيل بعض الروايات يقول: (ولعل النملة تعتقد أن لربها زبانيتين) لأنها ترى أن لها على رأسها زبانيتان شعرتان، وأنت يقول عندما تتوهم … المجسمة حلوا المشكلة قالوا أن الله خلق آدم على صورة الرحمن، وأي فرق لا يوجد. فلهذا يوم القيامة عندما يشتبهون بالله يخرج الله لهم ساقه حتى يعرفونه (يوم يكشف عن ساق) وإلا من وجهه لا يعرفوه، لأنه وجهه كوجوه الآخرين فلهذا في صحيح البخاري ومسلم وهم من يقولون أنه إذا اجتمع الصحيحان فمما لا ريب فيه يعني مقطوع به. والروايات تقول يوم القيامة يقول لهم أذهبوا … كل واحد كان يعبد أحد، فمن كان يعبد البقر يذهب مع البقر، ومن كان يعبد النار يذهب مع النار … إلى أن يقول لهم تعالوا معي، يقولون له: من أنت. يقول: أنا ربكم. يقولون له: نعوذ بالله أنت الله. يقول: أنا ربكم. إلى أن لا يعرفوه فماذا يفعل؟ (يوم يكشف عن ساقه) الآية المباركة (يوم يكشف عن ساق) ولذا ابن تيمية هنا يقيم أربعة أو خمس شواهد علمية أن الساق في الآية هو ساقه، أنا لا أعلم ما هي العلامة الموجودة في ساق الله حتى من وجهه لا يعرفوه ولكن يعرفوه من الساق. فأولئك حلوا المشكلة وهم المجسمة والمشبهة. المشكلة في أولئك الذين لا يؤمنون] يقول: (فكيف يكون معرفة لغيره بوجه، وعليه فلا يمكن الوضع العام والموضوع له …) هذا الوجه الثاني يحتاج إلى بيان أكثر وأدق.
والحمد لله رب العالمين